Skip to main content

Full text of "مجموعة رسائل الأمام الغزالى"

See other formats










ب 





10 












000 TNT 
5 ا ت‎ e 3 - 1 1 ت‎ 7 
00 


- 


۴ 
2 


أ ١‏ رھ 


i 





/ 
ك 


Ig 2. 20‏ 4 
0 ناه E E E‏ سس سے ر 
5 2 ا 
4 کے ی ا ی كفت 1 
ا ا 
ا 7 
7 9 








جر 


مر 


َب 


GF 


ڪڪ 
2 
E‏ 










کا 


N ro 


3 


E 3 
3 E 

مر 
ر هه ر 


28 


2 ©“ 
2 


تے 





2 
7 


5 3 
را 
و + 


3 
ا 


~~ 


8~ 
IEE, 

له نأ 
E 5‏ 


۸ 


71 ھر ۸4 
١6‏ بالج بحم اق اجنو ES E‏ 


4i 


6 


۶ 


4 


AAA AA 


ASLAN 


0 


07 
1 


8 


تك سال 
ار( 


راجعها وحمقها 
ابراهيم أمين محمد 





أمام الباب الأحضر - سيلنا الحسين 
مولعم ١٠ؤككوه‏ 


جميع الحقوق محقوظة 





جميع الحقوق الملكية الأدبية والفنية محفوظة 
لمكتبة التوفيقية (القاهرة -مصر) ويحظر طبع أ 
تصوين أو تزحمة أو إعادة نض لكات كاماد ا ةا 
أو تسجيله على أشرطة كاسيت أو إدخانه على الكمبيوتر 
1 برمجسته على إسطوانات ضوئية إلا بموافقة الناشر 


Copyright © 
All Rights reserved 


Exclusive rights by Al Tawfikia Bookshop 
(Cairo-Egypt) No part of this publication may 
be translated, reproduced, distributed in any 
form or by any means, or stored in a data 
base or retrieval system, withoul the prior 
written permission of the publisher. 


جهھ جه مو * +ډ ٠و‏ 
الملكتية التوفضقية 
٠‏ مھ مها 
القاهرة - مصر 
العنوان: أمام الباب الأخضر - سيدنا الحسين 


(YY) OYY. o.۷0 تليفون:‎ 
٦۸٤4۷45۷ فاكس:‎ 


Al Tawfikia Bookshop 


Cairo-Egypt 

Add.: In Fornt of lhe Green Door Of El Hussen 
Tel : (00202) 5904175 - 59222410 

Fax : 6847957 


إشراف 
نتوكيق شعلان 





ححح مجموعة رسائل الإمامالفزالى 


|| 
4 
| 


مجموعة رسائل 
الإمام العزالى 
لحجة الاسلام الامام أبى حامد الغزالى المتوفى 000 ه 


١-الحكمة‏ فى مخلوقات الله عز وجل. 
"- روصضصة الطالبين وعمدة السالكين. 
۵- خلاصة التصانيف فى التصوف. 

- منهاج العارفين. 

۹- دسل التمرق4. 

-١‏ مشكاة الأنوار. 

- الرسالة الوعظية. 

-۵٠‏ اللضئون به على غير أهله. 

۷- بداية الهداية. 

۹- كيمياء السعادة. 

١-الكشف‏ والتبيين. 

-٣‏ الدرة الطاخرة فى كشف علوم الآخرة. 
0- المواعظ فى الأحاديث القدسية 


۲- معراج الساتكبن. 

+ - فواعد العقائد فى التوحيد. 7 
-١‏ القسطاس المستانيم. 

4- الرسالة اللدنية. 

.كلولااهيأ-٠‎ 

-١١‏ رسالة الطير. 

4 إلجام العوام عن علم الكلام. 

15- الأجوبة القزالية فى المسائل الأخروية. 
4 الأدب فى الدين. 

-الفواعل العشرة. 

۲- سر العا لن وکشف ما فی الدارین. 
المنقّن من الضلال. 


"١‏ قائون التأويل 


جح مجموعةرسائلالإمامالتزالى ا سسسب سس سب ست م 


1 





الحكمة فى مخلوقات الله عر وجل ٠‏ 
وصلّى اللّه على سيّدنا محمد وآله وصحبه وسلّم 
خطبه الكتاب 

الحمد لله الذى جعل نعمته فى رياض جنان المقربين. وخص. بهذه الفضيلة من عباده 
المتفكرين» وجعل التفكر فى مصنوعاته وسيلة لرسوخ اليقين فى قلوب عباده المستبصرين. 
استدلوا عليه سبحانه بصنعته فعلموه وتحققوا أن لا إله إلا هو قفوحدوه. وشاهدوا عظمته 
وجلاله فنزهره. فهو القيم بالقسط فى جميع الأحوالء وهم الشهداء على ذلك بالنظر 
SS‏ العل. بمء كما قال فى كتابه الكريم: 8 شهد الله أنه لا إله 
إلا هو والملائكة عة وأولوا العم قائما بالقسط لا لَه إلا هو العزيز الحكيم 4 (آل عمران: 18]. 
والصلاة رجاتم عن سيد المرسلين وإمام المتقين» وشفيع المأنبين محمد خماتم النبيين 
وعلى آله وصحبه وشرف وكرم إلى يوم الدين . 

امايعد: 

يا أخى وفقك الله توفيق العارفين» وجمع لك خير الدنيا والدين» إنه لما كآن الطريق 
إلى معرفة الله سبحانه والتعظيم له فى مخاوقاته والتفكر فى عجائب مصنوعاته» وغهم 
الحكمة فى أنواع مبتدعاتهء وكان ذلك هو السبب لرسوخ اليقين» وفيه تفارب درجات 
المتقين» وضعت هذا الكتاب منبها لعقول أرباب الألباب بتعريف وجوه من الحكم والنعم 
التى يشير إليها معظم آى الكتاب . فإن الله تعالى خلى العقول وكمل هداها بالوحى وأمر 
٤‏ او ي والتفكر والاعتار ا 0 لقوله 

نه قل اا م ١‏ وقوله: «( وجعلنا من 

TT‏ ۰ .إلى غير من الآيات البينات والدلالات 
الواضحات التى يفهمها متدبرهاء ا يعظم المعرفة بالّله سبحانه التى 
هى سبب السعادةء والفوز بما وعد به عباده من الحسنى وزيادة. وقد بوبته أبوايًا يشنتمل كل 
باب على ذكر وجه الحكمة من النوع المذكور فيه من الخلق» وذلك حسب ماتتبهت له عقولنا 
فيما أشرنا إليهء مع أنه لو اجتمع جميع الخلائق على أن يذكروا جميع ما خلق الله سبحاته 


وتعالى» وما وضع من الحكم فى مخلوق واحد من مخلوقاته لعجزوا عن ذلك وما أدركته 
الخلائق من ذلك ما وهب االلّه سبحاته لكل منهم وما سبق له من ريه سبحاته. واللّه المس.عول 
أن ينفعنا به برحمته وجوده. 


باب التشكر فى خاق السماءوفى هذا العالم 
قال الله تعالى : © أَقلم ينظروا إلى السماء فَوقَهم كيف بيناها وزتاها.وما ليا عق 

روج © [ق: .]١‏ وقال سبحانه وتعالى: : الله الذي خَلق سبع سمَوات » [الطلاق: 1۲ 
اعلم رحمك اللّهإذا تأملت هذا العالم بفكرك وجدته كالبيت المبنى المعد فيه جميع مايحتاج 
إليه؛ فالسماء مرفوعة كالسقف» والأرض مدودة كالبسط والنجوم منصوبة كالمصبيح 
GS ENG E E a EE o a,‏ 
المخول لما فيه. فضروب النبات لماربه. وأصناف الحيوانات مصروفة فى مصالحه. فد ا 
سبحانه السماء وجعل سبحانه لونها أشدالآلوان موافقة للأبصار وتقوية لها ولو كانت سعة 
أو أنوار) لأضرت الناظر إليها. فإن النظر إلى الخضرة والزرقة موافق للأبصارء وتجد انوس 
E‏ السماء فى سعتها نعيمًا وراحة لا سيما إذا انفطرت نجومها وظهر نور 

قمرهاء والملوك تجعل فى سقوف مجالسها من النقش والزبنة ما يجد الناظر إليه به راحة 
وانشراحًاء لكن إذا داوم الناظر إليه نظره وكرره مله وزال عنه ما كان يجده برؤيته من 
البهجة والانشراح»› يخلاف النظر إلى السماء وزيتتها فإن الناظر إليها من الملوك فمن دونهم 
إذا ضجروا من الأسباب المضجرة لهم يلجؤون إلى ما يشرحهم من النظر إلى السماء وسعة 
الغضاءء وقد قالت الحكماء: يحذوك عندك من الراحة والنعيم فى دارك بمقدار ما عندك 
فيها من السماءء وفيها أنها حاملة لنجومها المرصعة ولقمرها وبحركتها تسير الكواكب 
فتهتدى بها أهل الآفاق وفيها طرق لا تزال توجد آثارها من المغرب والمشرق ولاتوجد 
مجردة ولامقبلة صورة نور. وقيل: إنها أنجم صغار متكائفة مجتمعة يهتدى يها على السير 
بن غل وبر ی ان ب كات وها ويل إنها السار لبها فى قوله 
تعالى: ف والسماء ذات الحبك 4 7الذاريات: 67. قيل: الحبك الطرق» وقيل ذات الزينة فهى 
دلائل واضحة تدل على فاعلها وصنعته محكمة صمدية تدل على سعة علم بارئها وأمور 
ترتيبها كما تذل على إرادة منشتها فسبحان القائر العالم امريد وقيل: فى النظر إلى الستماء 
عشر فوائد: تنقص الهم وتقلل الوسواس» وتزيل وهم الخوف» وتذكر بالله» وتنشر فى 
القلب التعظيملله» وتزيل الفكر الرديئة» وتنفع لمرض السوداء» وتسلى المشتاق وتؤتس 
المحبين» وهى قبلة دعاء الداعين. 


س بممجموعة سانل الإمام الفزالى ‏ سس سسسب سسشسب سس سس ست ل؟7؟ 


|| 


باب فى حكمة الشمس 

قال الله سبحانه : ل وَجَعل الشّمْس سراجا 4 1نوح: .]١١‏ 

اعلم أن الله سبحانه خلق الشمس لأمور لايستكمل علمها إلا الله وحدهء فالذى 
ظهر من حكمته فيها أن جعل حركتها لإقامة الليل والنهار فى جميع أقاليم الأرض. ولولا 
ذلك لبطل أمر الدين. أو لولاه كيف كان يكون الناس يسعون فى معايشهم ويتصرفون فى 
أمورهم والدنيا مظلمة عليهم» وكيف كانوا يتهنون بالعيش مع فتدهم لذة النور ومنفعته 
ولولا ضياء نورها ما انتفع بالأبصار ولم تظهر الآألوان» وتأمل غروبها وغيبتها عمن طلعت 
عليهم وما فى ذلك من الحكمةء ولولاه لم يكن للخلق هدوء ولا قرار مع شدة حاجتهم 
إلى الهدوء وراحة أبدانهم وخمود حواسهم وانبعاث القوة الهاضمة لهضم طعامهم وتفنيد 
الغذاء» ثم كان الحرص لحملهم على مداومة العمل ومطاولته على ما يعظم مكانته فى 
أبدانهم» فإن أكثر الحيوانات لولا دخول الليل ما هدءوا ولا قرو من حرص هم على نيل 
ماينتفعون بهء ثم كانت الأرض نحمى بدوام شروق الشمس واتصاله حتى يحترق كل 
ماعليها من الحيوانات والنباتات» فهى بطلوعها فى وقت غروبها فى وقت النور بمنزلة سراج 
لأهل بيت يستضاء به وقنًّا ويغيب وقنًا ليهتدوا ويقرواءوهى فى حرها بمنزلة نار يطبخ بها 
أهل الدار حتى إذا كمل طبيخهم واستغنوا عنها أخذها من جاورهم؛ وهو يحتاج إليها 
فينتتفع حتى إذا قضى حاجته سلمها لآخرين» فهى أبدا منصرفة فى منافع أهل الأرض 
بتضاد النور والظلمة على تضادهما متعاونين متظافرين على مافيه صلاح العالم وقوامهء 
وإلى هذه القضية الإشارة بقوله :ل فل ارايم إن ا الله علیکم اليل سرمدا إن يوم 
القيامة ‏ [القصص : .١‏ ثم بتقدمها وتأخرها تستقيم الفصول فيستقيم أمر النبات والحيوان 
ST‏ ا 
بتقدير خالقها فلولا طلوعها وغروبها لا اختلف الليل والنهار ولا عرفت المواقيت. ولو 
انطبق الظلام على الدوام لكان فيه الهلاك لجميع الخلق. فانظركيف جعل الله الليل سكنًا 
ولباسًا والنهار معاشًا وانظر إلى إيلاجه الليل فى النهار والنهارفى الليل وإدخاله الزيادة 
الا اما عل الح ن المتخصودى وا ا ااا ي الك هون املف 
بسب ذلك الصيف والشتاءء فإذا انخفضت من وسط السماء برد الهواء وظهر الشتاء. وإذا 
استوت وسط السماء اشتد القيظ» وإذا كانت فيما بينهما اعتدل الزمان فيستقيم بذلك أمر 
النبات والحيوان بإقامة هذه الأزمنة الأربعة من السنة وأما ما فى ذلك من المصلحة. ففى 
الشتاء تعودالحرارة فى الشجر والنبات فيتولد فيه مواد الثمار ويستكشف الهواء» فينشأ منه 


ہے ۸ سببب مجموعة سائلالإمامالفزالى سد 
السحاب والمطرء وتشتد أبدان الحيوان وتقوى أفعال الطبيعة. وفى الربيع تتحرك الطبائع فى 
المواد المنولدة فى الشماء فيطلع النبات بإذن الله وينور الشجرء وتهيج أكثر الحيوانات 
للتناسل» وفى الصيف يخمد الهواء فينضج الثمار وتنحل فضول الأبدان. ويجف وجه 
الأرض فتتهيألما يصلح لذلك من الأعمالء وفى الخريف يصفو الهواء فترتفع الأمراض 
ويمتد الليل فيغمل فيه بعض الأعمال وتحسن فيه الزراعة؛ وكل ذلك يأتى على تدريج» 
وبقدر حتى لا يكون الانتقال دفعة واحدة إلى غير ذلك تما يطول لو ذكر. 

فهذا ممايدلك على تدبيرالحكيم العليم وسعة علمه؛ ثم تفكرفى تنقل الشمس فى هذه 
البروج لإقامة دور السنة» وهذا الدور الذى يجمع الأزمنة الأربعة : الشتاء والصيف والربيع 
والخریف وتسيرفيها على التمام وفى القدر من دوران الشمس يدرك الغلات والثمار وتنتهى 
غاياتهاء ثم تعود فتستأنف وقت السير وبمسيرها تكمل السنة ويقوم حساب السنة على 
الصحة على التاريخ بتقدير الحكيم العليم. 

تأمل إشراق الشمس على العالم كيف دبره تبارك وتعالى» فإنها لو بزغت فى مرضع 
واحد لها لا تعدوه لما وصل شعاعها إلا إلى جهة واحدة ونخحلت عنها جميع الجهات فكانت 
الجبال والجدران تحجبها عنهاء فجعلها سبحانه تشرق بطلوعها أول النهار من المشرق فيعم 
شروقها ما يقابلهامن جهة المغرب. ثم لاتزال تدور وتغشى جهة بعد جهة حتى تنتهى إلى 
الغرب على ما استترعنها أول النهارء فلايبقى موضع حتى يأخذ بقسطه منهاء ثم انظر إلى 
مقدار الليل والنهار كيف وقتهما سبحاته على مافيه صلاح العالم فصارا بمقدار لو تباوزاه 
لأضرا بكل ما على وجه الأرض من حيوان ونبات» أما الحيوان فكان لا يهدأ ولايقر ما دام 
يجد ضوء النهاروكانت البهائم لاتمسك عن الرعى فيؤول أمرها إلى تلفهاء وآما النيات 
فتدوم عليه حرارة الشمس وتوهجها فيجف ويحترق» وكذلك الليل لو امتد مقداره أيضًا 
لكان معوقًا لأصناف الحيوان عن الحركة والتصرف فى طلب المعاش» وتجمد الخرارة الطبيعية 
من النبات فيعفن ويفسد كالذى يحدث على النبات إذا كان الموضع لاتقع الشمس عليه. 


باب فى حكمة خلق القمروالكواكب 
قال اللهسبحانه وتعالى : [ تبارك الذي جعل في السماء روجا وجعل قها راجا 
وقمرا منيرا # [الفرقان: .]7١‏ 
اعلم وفقك الله أن الله سبحانه وتعالى لما جعل الليل لبرد الهواء وهدوء اللحيوان 
وسكونهء فلم يجعله سبحانه ظلمة داجية لاضياء فيها البستة فكان لا يمكن أن يعمل عملاً 
فه. ورعا احتاج الناس إلى بعض أعمالهم فى الليل !ما لضرورة أو لضيى وقت عليهم من 


النهار؛ وقد يمّع ذلك لشدة حرارة أو لغيره من الأسباب» فكان ضوءالقمر ف فن.اللبل من 
جملة ما نحتاج إليه فى المعونة على ذلك فجعل طلوعه فى بعض الليالى» وينقص نوره 
عن نورالشمس وحرها لثلا ينشط الناس فى العمل نشاطهم فى النهار فينعدم ما به يتمتعون 
من الهدوء والقرار فيضر ذلك بهم» وجعل فى الكواكب جزء من النور يستعان به إذا لم 
يكن تكو العف و طفن الکو کي زه الا واا وار ا هل الا ر فا ها 
ألطف هذا التدبير» وجعل الظلمة دولة ومدة للحاجة إليها. وجعل خلالها شيئًا من النور 
ليكمل به ما أحتيج إليهء تون القمر صل الشهون: واليين :وهو لاح وة من الل ثم 
فى النجوم مارب اخ فإن فيها دلائل وعلامات على أوقات كثيرة لعمل من الأعمال 
ا والاهتداء بها فى السفر فى البر والبحر وأشياء نما يحدث من الأنواء 
وبها يهتدى السارون فى ظلمة اليل وقطع القفار الموج واللجج المائلة كما 

لى: 8 وهو الذي جعل ل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات انر والبحر ‏ الأنعام: 

TT‏ ء مقبلة ومدبرة ومشرقة ومغرية من البهجة والنضارة» فى 
تصريف القمر خاصة فى استهلاله ومحاقه وزيادته ونقصانه واستنارته وكسوفه. كل ذلك 
دلالات على قدرة خالقها المصرف لها هذا التصرف لإصلاح العالم» ثم انظر دوران الفلك 
بهذه الكواكب فى كل يوم وليلة دورانًا سريعًا وسيرها معلوم مشاهد فإنا نشاهدهاطالعة 
وغاربة» ولولا سرعة سيرها لماقطعت هله المسافة البعيدة فى أربعة وعشرون ساعة» فلولا 
تدير البارى سبحانه بارتفاعها حتى خحفى عنا شدة مسيرهافى فلكها لكانت تختطف 
بتوهجها لسرعة حركتهاكالذى يحدث أحيانّامن البروق إذا توالت قى الجوء فانظر لطف 
البارى سبحانه فى تقدير سيرها فى البعد اليعيد لكيلا يحدث من سيرها حادث لايحتمل 
فهى مقدرة فى جميع الأحوال على قدر الحاجة» وانظر فى هذه التى تظهر فى بعض السنة 
وتحتجب فى بعضها مثل الثريا والجوزاء والشعرى» فإنها لو كانت كلها تظهرفى وقت 
واحدلم يكن لشئ منها دلالة على جهالة تعرفها الناس ويهتدون بهاء فكان فى طلوع 
بعضها فى وقت دون الآخر ما يدل على مايتتفع به الناس عند طلوعه ما يصلحهم» ولذلك 
جعلت بنات نعش ظاهرة لاتغيب لضرب من المصلحة فإنها بمنزلة الأعلام التى يهتدى بها 
الناس للطرق المجهولة فى البروالبحر فإنها لاتغيب ولا تتوارى. ثم انظر لو كانت واقفة 
لبطلت الدلالات التى تكون من تنقلات المتنقلة منها ومصيرهافى كل واحد من البروج كما 
يستدل على أشياء تحدث فى العالم بتنقل الشمس والقمر فى منازلهما ولو كانت متنقلة كلها 
لم يكن لمسيرها منازل تعرف ولا رسم يقاس عليه لأنه إنمايعرف مسير المتنقلة منها بتنقلها 
فى البروج الذانية» كما يعرف سير سائر على الأرض بالمنازل التى يجتاز عليهاء فقد صار 


کے .| سسسب بمجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


هذا الفلك شمسه وقمره ونجومه وبروجه تدور على هذا العالم بهذا دورانًا دائمًا فى الفصول 
الأربعة من السنة لصلاح مافيه من حيوان ونبات وغير ذلك بتقدير العزيز العليم» و 
عظيم الحكمة خلق الأفلاك التى بها ثيات هذا العالم على نهاية من الإتقان لطول البقاء 
وعدم التغيرء فقد كفى الناس التغير فى هذا الأمر الحليل الذى ليس قدرة ولا حيلة فى 
إصلاحه لو لال به تغير يوجب ذلك التغير أمرا فى الأرض. إذ قوام الأرض مرتبط 
بالماءء فالأمر فى جميع ذلك ماض على قدرة البارى سبحانه لا يختل ولا يعتل ولا 
يتخلف منه شىء عن ميقاته لصلاح العالمء فسبحان العليم القدير. 


باب فى حكمة خلق الأرض 
قال تعالى: والأرض فرشتناها فنعم الماهدون 4 االذاريات: 148. ثم انظر كيف 
جعل الله الأرض مهاذًا لتر عليها الحيوان» فإنه لا بد له مر ) مستقرولاغنی له عن قوت 


فجميع الأرض محل للنبات ئ ومسكن يسكنه من الحر والبردء ومدفن ي 
ماتؤذى رائحته» المت والأقذار من أجسام بنى آدم وغیرها» کما قال سبحانه :الم 
نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا ‏ االرسلات: دلء ١1].قيل‏ فى تفسير هذه الآية هذا 
القول وغيره» ثم ذلل طرقها لتنتقل فيها الخلق لطلب مآربهم فهى موضوعة لبقاء التسل 
من جميع أصناف الحيوان والحرث والنبات؛ وجعل فيها ا والشبات كما نبه على 
ذلك سبحانه وتعالی بقوله : 8 أخرج منها ماءها ومرعاها 207+ والجبال أرساها + + متاعا 
كم ولأنعامكم )» [النازعات: ١5-7؟1].‏ فأمكن الخلائق بهذا السفر فيها فى مآربهم والجلوس 
لراحتهم والنوم لهدوتهم والانتقال لأعمالهم» فإنها لو كانت رجراجة متحركة لم يستطيعوا 
أن يتقنوا شيئًا من النبات وجميع الصناغات وكانوا لا يتهنون بالعيش والأرض ترتج بهم من 
تحتهم» واعتبرذلك بما يصيب الناس فى الزلازل ترهيبًا للخلق وتخويمًا لهم لعلهم يتقون الله 
وينزعون عن الظلم والعصيان» فهذا أيضًا من الحكمة البالغة ثم إن الأرض طبعها الله باردة 
يابسة بقدر مخصوص . أرأيت لوأفرط اليبس عليهاحتى تكون بجملتها حجراً صلدا لما كانت 
تنبت هذا النبات الذى به حياة الحيوانات» ولاكان يمكن فيها حرث ولا بناء فجعل لينها لتنهياً 
لهذه الأعمال؛ ومن الحكمة فى خلقها ووضعها أن جعل مهب الشمال أرفع من الجنوب 
لينحدر الماء على وجه الأرض فيسقيها ويرويهائم يصير إلى البحر فى آخر الأمرء فأشبه 
ذلك ما إذا رفع أحدجانبى السطح وخفض الآخر لينحدر الماء عنهء ولولا ذلك لبقى الماء 
مستبحرا على وجه الأرض فيمتنع الناس من أعمالهم وتنقطع الطرق والمسالك بسبب ذلك. 
انظر إلى ماخلق الله فيها من المعادن وما يخرج منها من أنواع الجواهر المختلفة فى منافعها 


وألوانها مثل الذهب والفضة والياقوت والزمرد والبسنفش وأشياء كثيرة ميهد ا 
الشفافة المختلفة فى ألوانها وآأنواع أخرنما يصلح للأعمال والجمال كالحديد والتحاس 
والقصدير” والرصاص والكبريت والزرنيخ والتوتيا والرخام والجبس والنفط وأنواع لو عددت 
لطال ذكرهاوهو ممالا ينتفع به الناس وينصرف فيما يصلحهم. فهذه نعم يسرها سبحانه لهم 
لعمارة هذه الدار؛' ثم انظر إلى إرادة إجادته من عمارتها وانتفاع العباد بها يجعلها هشة 
سهلة بخلاف ما لو كانت على نحو خلق الجبال فلو يبست كذلك لتعذرتء» فإن الحرث لا 
يستقيم إلا مع رخو الأرض لزراعة الأقوات والثمرء وإلا فلا يتعدى - إذا صلبت - الماء 
إلى الحب مع أن الحب لا يمكن دفنه إلا بعد أن تلين الأرض بالنداوة ويأخذ الورق وهى 
ضعيفة فى ابتدائها فى الأرض التربة. ويمكن إذ ذلك عملها وتحريكها حتى تشرب ما ينزل 
عليها م الماء فيخلق الله سبحانه عند ذلك العروق ملتيسةبالثرى حتى يقف الشجر والنبات 
على يناف وجعل ما يخلى من العروق يوازن ما يخلق من الفروع» ومن رحمته فى لينها أن 
يسر للناس حفر الآبار فى المواضع المحتاجة إلى ذلك إذ لو حفرت فى الجبال لصعب الأمر 
و جور الجر للبعادة ا ا ار او ر 
الطرق» وقد نبه الله تارك وتعالى على ذلك بقوله :هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا 
فامشوا في مناكبها 4 [اللك: .٥‏ وقال تعالى: ل وجعلتا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون ¢ 
[الأنبياء: .]7١‏ ومن ذلك مايستعين به العبادمن ترابهاولينها فى البناء وعمل اللبن وأوانى 
الفخار وغير ذلك» والمواضع التى ينبت فيها الملح والشب والبورق والكبريت أكثر تربة 
رخوة. وأيضًا أجناس من النبات لايوجد إلا فى التراب والرمل دون الأرض المحيلة ويخلق 
فيها كثير من الحيوان لسهولة حفرها فيتخذون فيها مسارب وبيوئًا يؤوى إليهاء ومن الحكمة 
فيها خلق المعادن كما ذكرناء فقد امتن سبحانله على سليمان عَلِّهُ بقوله :ل وأسلنا له عين 
القطر ‏ [سبا: eT 1٠١‏ بالنحاس وأطلعناه على معدنه وقال امتنانًا على 
عباده : 2 وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للتاس ‏ (الحديد: ٥‏ والنزول بمعنى الخلق 
كما قال سبحانه : ل وأنزل لكم من الأنعام ‏ االزمر: 5.أى خلق» والهمهم استخراج ما 
قيها من ذهب وفضة وغير ذلك لنافعهم وما يحتاجون إليه فى معاشهم وفى اتخاذ أوانيهم. 
وفى ضبطها ما يحتاجون إلى ضبطه وتقويته واتخاذ أنواع من الحجارة النفيسة لتبقى فيها 
كالزجاج ويتخذون منها أوانى لحفظ ما يحصل فيها من الأمور النفيسة لتبقى فيها سليمة 
لوقت الاحتياج إليها إذ لاغنى لهم عنهاء وكذلك يستخرج من المعادن الأكحال مثل : 
(الدهبخ والمرفنعنا) والسادن والتوتيا وغير ذلك من أصناف ينتفعون بها فسبحان المنعم 
الكريم. ومن الحكمة البالغة فيها خلق الجبال. قال الله تعالى: ف والجبال أرساها » 


[النازعات: 171 . وقال تعالى : ل وألقى في الأرض روامي أن تميد بكم ) (التحل: ه ].وقال 
سبحانه : 8 وأنزلنا من السماء ماء بقدر فأسکتاه في الأرض # [الؤمنون: .فقد خلق 
سبحانه فيها الجبال لمناقع متعدده لا يحيط بجميعها إلا اللهء فمن ذلك أن الله تعالى أنزل 
من الماء المياه ليحيى بها العباد والبلاد» فلو كانت الأرض عارية عن الجبال لحكم عليها 
الهواء وحر الشمس مع رخو الأرض» فكانوا لا يجدون المياه إلا بعد حفر وتعب ومشقة» 
فجعل سبحانه الجبال لتستقر فى بطونها المياه ويخرج أولاً فأولاً فتكون منها عيون وأنهار 
وبحار يرتوى بها العباد فى أيام القيظ إلى أوان نزول غيث السماءء ومن الجبال ما ليس فى 
باطنها محل للمياهء فجعل الثلج محفوظا على ظاهرها إلى أن يحله حر الشمس فيكون عنه 
أنهار وسواق ينتفع بها إلى أوان الغيث أيضًا. 
ومنها مايكون فيه برك يستقر فيها الماء فيؤخذ منها وينتفع به» ومن منافع الحبال ما 
يثبت فيها من أنواع الأشجار والعقاقير التى لا توجد إلا فيهاء ومايئبت من أنواع الأخشاب 
العظيمة فيعمل منها السفن وتعمر منها المساكن. وفيها الشعارى التى لايوجد ما يعظم من 
الأحشاب إلا فيهاء وكذلك العقاقير أكثرها لا يرجد إلا بهاء وفيها وهاد تنبت مزارع 
للأنعام ومزارخ لبنى آدم ومساكن للوحوش ومواضع لأجناح النحل » ومن منافع الجبال ما 
يتخذه العباد من المساكن تقيهم الحر والزد ويتخدون مدافن -حفظ جثث الموتى» وقد ذكر 
الله ذلك فقال :ل وكانوا ينحتون من الجبال م آمنين 4 [لحجر: ؟41ا.ومن فوائدها أن 
جعلت E‏ ويستدل بها 
المسافرون فى البحار على المين والسواحل» ومن فواتدها أن الفئة القليلة الضعيفة الخائفة 
من عدوان من لاتطيقه تتخذ عليها ما يحصنهم ويؤمنهم ويمنعها تمن تخافه فتطمئن لذلك» 
وانظركيف خلق الله فيها الذهب والفضة وقدرهما بتقدير منصوص ولم يجعل ذلك ميسرا 
فى الوجود والقدر مع سعة قدرته وشمول نعمته كما جعل هذه السعة فى الياه وما ذلك إلا 
لا سبق فى علمه لخلائقه مما هو الأصلح كما أشار إلى ذلك بقرله ٠:‏ وإن من شيء إلا عندنا 


مم ور 


خزائنه وما تزه إلا بقدر معلوم ‏ [الحجر: [Y1‏ . فسبحان العليم الحكيم . 


باب فى حكمة البحر 
قال الله تبارك وتعالى: ل وهو الذي سَخَرَ البحر لتأكنوا منه لحما طَريًا 4 [التحل : 
4 .اعلم رحمك الله : أن الله سبحانه وتعالى خلق البحار وأوسع فيها لعظم نفعها. 
فجعلها مكتنفة لأقطار الأرض التى هى قطعة من الأرض المستورة بالبحر الأعظم المحيط 
بجميع الأرض» حتى أن جميع المكشوف من البرارى والجبال عن الماء بالإضافة إلى الماء 


ی مجموعة رسائل الإمام الفزالی ل ب طحت ۱۳ = 


كربوة صغيرة فى بحر عظيم. فاعلم أن ماخلق فى الأرض من الحيوان بالإضافة إلى ما خلق 
فى البحر كإضافة الأرض إلى اليحر» وقد شاهدت عجائب فها ماهو مكشوف منهاء 
فتأمل عجائب البحر فإن فيه من الحيوان والجواهر والطيب أضعاف ما تشاهذه على وجه 
الأرض» كما أن سعته أضعاف سعة الأرض» ولعظم سعته كان فيه من الحيوانات والدواب 
العظيمة؛ ما إذا أبدت ظهورها على وجه البحر. ظن من يراها أنها حشاف وجبال 
أوجزائر» وما من صنف من أصناف حيوان البرمن إنسان وطائر وفرس وبقر وغير ذلك إلا 
وفى البحر أمثالها وأضعافهاء وفيه أجناس من الحيوانات لم تعهد أمثالها فى البرء وكل 
منها قد دبره البارى سبحانه وخلق فيه ما يحتاجه ويصلحهء ولو استقصى ذكر ما يحتويه 
بعضه لاحتاج إلى وضم مجلدات» ثم انظر كيف خلق الله اللؤلو مدورا 'فى صدف تحت 
الملء وأثبت المرجان فى جنح صخور فى البحر. فقال سبحانه: 8 يخرج منهما اللؤلؤ 
والمرجان © [الرحمن: ۲۲]. وذلك فى معرضٍ الامتنان» وقيل : المرحان المذكورفى القران هو 
الرقيق من اللؤلؤ. ثم قال : (٠‏ فبأي الاء ربكم تكذبان 4 [الرحمن: ۳ . وآلاژه تفضله 
ونعمه ثم انظر ما يقذفه من العنبر وغيره من المنفوع › ر ثم انظر إلى عجائب السفن وكيف 
ها ان وه الماء تسير فيها العباد لطلب الأموال وتحصيل ما لهم من الأعراض 
وجعلها من آياته ونعمته . فقال :ل والفلك التي تجري في البحر بما ينقع اناس [ البفرة: 

4 . فجعلها بتسخيره تحملهم وتحمل أثقالهم وينتقلون بها من إقليم إلى أقاليم لا يمكن 
وصولهم إليها إلا بالسفن» ولو راموا التوصيل بغيرها لأدى إلى أعظم المشقات وعجزوا عن 
نقل ما ينقل من المنقولات إلى ما بعد البلاد والجهات فلما أراد الله سبحانه وتعالى أن 
يلطف بعباده ويهون ذلك عليهم خلق الأخشاب متخلخلة الأجزاء بالهواء ا 
ويبقى فيها من الفضاء عن نفسها ما يحمل به الأثقال وألهم العباد اتخاذها سفنًا. ثم أرسل 
الرياح بمقادير فى أوقات تسوق السفن وتسيرها من موضع إلى موضع آخر. ثم الهم أربابه 
معرفة أوقات هبوبها وفترتها حتى يسيروا بالرياح التى تحملها شراعهاء وانظر إلى ما يسره 
سبحانه فى خلق الماء. إذ هو جسم لطيف رقيق سيال متصل الأجزاءكأنه شىء واحد لطيف 
التركيب سريع القبول للتقطع حتى كأنه منفصل مسخر للتصرف قابل للاتصال والانفصال 
حتى يمكن سير السفن فيه» فالعجب عن يغفل عن نعمة الله فى هذا كله» وفى بعضه متسع 
للفكر. وكل ذلك شواهد متظاهرة ودلائل متضافرة وآيات ناطقة بلسان حالها مفصحة عن 
جلال بارئها» معربة عن كمال قدرته وعجائب حكمتهء قائلة: أماترى تصويرى وتركيبى 
وصفاتى زمنًا واختلاف حالى وكثرة فوائدى؟ أيظن ذو لب سليم وعقل رصين أنى تلونت 
بنفسى أو أبدعنى أحد من جنسى؟ بل ذلك صنع القادر القهار .لعزيز الجبار. 


١:‏ لس “n‏ م«جموعۂ رسائل الاما م الغرا 


باب فى حكمة خلق الماء 
قال الله تارك وتعالى : #وجعلنا من ألما کا شي ج افلا يۇمنون 4[ الأنبياء : 

: وقال سبحانه لل سي بكرا اتح تر 

هم قوم يعدلُون 4 (النمل: . 
انظر وفقك الله 0 وتعالى على عباده بوجود الماء العذب الذى به 
حياة كل من على وجه الأرض من حيوان ونبات فلو اضطر الإنسان إلى شربة منه ومنع 
منها لهان عله أن يبذل فيها جميع ما يمكنه من خزائن الدنياء والعجب من غفلة العباد عن 
هذه النعمة العظيمة» وانظرمع شلة الحاجة إليها كيف وسع سبحانه على العباد فيهاء ولو 
جعلها بقدر لضاق الأمرفيها وعظم الحرج على كل من سكن الدنيا » ثم انظرلطافة الماء 
ورقته حتى ينزل من الأرض ويخلخل أجزاءها فتتغذى عروق الشجر ويصعد بلطافته 
بواسطة حرارة الشمس إلى أعالى الشجر والنبات وهو من طبعه الهيوط. ولما كانت 
الضرورة تدعو إلى شربة لإماعة الأغذية فى أجواف الحيوان ليتصرف الغذاء إلى موضعه 
جعله لشاربه فی شربه لذة عند حاجته إليه وقبول له ويجد شاربه فيه نعيمًا وراحة» وجعل 
مزيلاً للأدران عن الأبدان والأوساخ عن الشياب وغيرهاء وبالماء يبل التراب فيصلح للبناء 
والأعمالء وبه يرطب كل يابس مما لايمكن استعماله يابسّاء وبه ترق الأشربة فيسوغ 
شربهاءوبه تطفأ عاذبة النار إذا وقعت فيها فلا تلتهب فيه وأشرف الناس منها على ما 
يكرهون وبه تزول الغصة إذا أشرف صاحبها على الموت. وبه يغتسل التعب الكل فيجد 
الراحة لوقتهء وبه تستقيم المطبوخات وجميع الأشياء التى لا تستعمل ولا تصلح إلا رطبة 
إلى غير ذلك من مارب العباد التى لا غنى لهم عنهاء فانظر فى عموم هذه النعمة وسهولة 
تناولها مع الغفلة عن قدرتها مع شدة الحاجة إليها. فلو ضاقت لكدرت الحياة فى الدنياء 
فعلم بهذا أن الله تبارك وتعالى أراد بإنزاله وتيسيره عمارة الدنيا بما فيها من حيوان ونبات 
ومعدن إلى غير ذلك من المنافع التى يقصر عنها الوصف لمن يروم حصرهاء فسبحان 


المتفضل العظيم . 


باب الحكمةفى خلق الهواء 
قال الله تعالی : ا وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلتا من السماء ؛ ماء فأسقيناكموه وما أنتم له 
بخازنین ‏ (الحجر: 1۲ 
اعلم رحمك الله أن الهواء فى حلقه تتخلخله الرياح ولولا ذلك لهلك جميم 


ح مجموعة رسائلالإمامالفزالی سسحت (١‏ ڪ 
حيوان البرء د تعتدل الحرارة فى أجسام جميع الحيوانات لأنه لهم مثل الماء 
لحيوان البحر. فلو اتقطع عن الحيوان استنشاقه انصرفت الحرارة التى فيها إلى قلبها فكان 
هلاكها .بسبب ذلك» ثم انظر إلى الحكمة فى سوق السحاب به فيقطع المطر بانتقال السحاب 
فى موضع يحتانج إلى المطر فيها للزراعة» فلولا لطف البارى بخلق الرياح لثقلت السحاب 
وبقيت راكدة فى:أماكنها وامتنع انتفاع الأرض بهاء ثم انظر كيف تسير بها السفن بها وتنتقل 
بحدوثها وهبوبها فتحمل فيها من أقاليم إلى أقاليم مما لا يخلى تلك الأشياء فيها فينتفع 
أهلهاء فلولا تنقلها بالهواء لم تكن تلك الأشياء إلا بمواضعها التى خلقت فيها خاصةء 
ولعسر نقلها بالدواب إلى غيرها من الأقاليم؛ وللعباد ضرورات تدعو إلى ما ينقل إليهم ما 
ليس يخلق عندهمء ومنافع يكثرتعدادها من طلب أرباح لمن يجلها ويعلم فوائدها. ثم 
انظر إلى ما فى الهواء من اللطافة والحركة التى تتخلل أجزاء العالم فينقى بحركته عفن 
الأرض» فلولاه لعفنت المساكن وهلك الحيوان بالوباء والعلل» ثم انظر إلى ما يحصل منه 
من النفع فى نقل السوافى والرمال إلى البساتين وتقوية أشجارها بما ينتقل إليها من التراب 
بسبب حركة الهواء وتستر وجوه جبال بالسافى فيمكن الزراعة فيه وما فصل إلى السواحل 
مما ينتفع الناس بسببه» وكل ذلك بحركة البحر بالهواء فيقذف البحر العنبر وغيره مما ينتفع به 
العباد فى أمورهم. ثم انظر كيف يتفرق المطر بسبب حركة الهواء فيقع على الأرض 
قطرات» فلولا حركة الهواء لكان الماء عند نزوله ينزل انصبابة واحدة فيهلك ما يشع عليه» 
ثم يجتمع بلل القطرات فيجتمع أنهارًا وبحار على وجه الأرض من غير تضرر ويحصل 
بذلك مقصودهم على أحسن وجه» فانظر إلى أثر رحمة الله فسبحان اللطيف بخقله 
المدير لملكه. ثم انظر عموم هذه الرحمة وعظيم نفعها وشمول هذه النعمة ول قدرها 
كما نبه العقول عليها بقوله تعالى : طهر الذي أنزل من السماء ماء لم منه شراب ومنه 
شج ر فيه تسيمون ينبت لكم به الزرع والزيتون والنّخيا ْ يل والأعناب ومن كل الشمرات إن في 
ذلك لأية لقوم يتقكرون 4 [النحل: ن غام القعية رعطي اة ان جنل 
سبحانه الصحو يتخلل نزول الغيث فصارا يتعاقبان لما فيه صلاح هذا العالم» فلو دام واحد 
منهما عليه لكان فسادًا. ألا ترى إلى الأمطار إذا توالت وكثرت عفنت البقول والخضراوات 
وهدمت المساكن والبيوت وقطعت السبل ومنعت من الأسفار وكثيرمن الحرف والصتاعات 
ولو دام الصحو لحفت الأبدان والنبات» وعفن الماء الذى فى العيون والأودية» فأضر ذلك 
الاد وغل اليس على اهرك فا خدت رر آخر فى الأمراضء غلبت بيه الأسفار 
من الأقوات. وبطل المرعى وتعذر على النحل ما يجده من الرطوبة التى يرعاها على 
الأزهارء وإذا تعاقبا على العالم اعتدل الهواء ودفع كل واحد منهما ضرر الآخر فصلحت 
الأشياء واستقامت». وهذا هو الغالب من مشيئة الله . 


سد ١‏ حت تت تحت و«جموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


فإن قيل: قد يقع من أحدهما ضرر فى بعض الأرقات. قلنا: قد يكون ذلك لتنبيه 
الإنسان بتضاد الأشياء على نعمة الله تعالى وفضله ورحمته أنه هو الغالب فيحصل لهم 
بتلك لنزجار عن الظلم والعصيان. ألا ترى من سقم جسمه احتاج إلى ما يلائمه من 
الآدوية البشعة الكريهة ليصلح جسمه ويضح ما قسد منه. قال الله تعالى :ل ولكن يتل 
بقدر ما يشاء إت جعباده خبير بصير 4 [الشورى:: 11¥ 


باب فى حكمة خلق النار 

قال الله تعالى : «أفرأيتم التار التي تورون له أأنتم | ناتم شجرتها أم نحن 
المدشئون 5:2 نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين E‏ 2 فسبح باسم ربك العظيم 4 
[الواقعة: ١لا‏ - ]۷٤4‏ 

اعلم وفقنا الله وإياك : أن الله خلق النارء وهى من أعظم النعم على عباده» ولا ع 
سبحانه وتعالى. أن كثرتها وبثها فى العالم مفسدة جعلها الله بحكمته محصورة حتى إذا 
احتيج إليها وجدت واستعملت فى كل آمر يحتاج إليها فيه» فهى مخزونة فى الأجسام» 
ومنافعها كثيرة لا تحصى. فمنها ما تصلحه من الطبائخ والأشربة التى لولاها لم يحصل 
فيها نضج ولا تركيب ولا اختلاط» ولا صحة هضم لمن يستعملها فى أكل وشرب. فانظر 
لطف البارى سبحانه فى هذا الأمر المهم ثم انظر فيما يحتاج الناس إليه من الذهب والفضة 
والنحاس والحديد والرصاص والقصدير وغير ذلك» فلولاها لم يكن شىء من الانتفاع .ن 
هذه الأشياء» فبها يذاب النحاس فتعمل منه الأوانى وغيرها. وقد نبه الله تعالى على متتل 
ذلك بأنها نعمة توجب الشكر. فقال تعال ی اعملوا آل داوود شكرا # (سبا: ]. وبه 
يلين الحديد فيعملرن به أنواعا من المنافع والآلات للحروب مثل الدروع والسيوف إلى غير 
ذلك عا يطول تعداده» وقد نبه الله تعالى على مثل هذاء افقال و[ وأنزلنا الحديد فيه يأب 
شديد اومتافع للناس © [الحديد: 5؟].:وقال تعالى ف( لتحصتكم من بأسكم فهل أنتم 
شاكرون 4 [الأبياء : .]۸٠‏ ومته يعمل الات للحرث والحصاد وآلات تتأثر بها النار» 
وآلات يطرق بهاء وآلات لقطع الجبال الصمة. وآلات لنجارة الأخشاب مايكثر تعدادها. 
فلولا لطف الله سبحانه بخلق النار لم يحصل من ذلك شىء من المنافع ٠‏ ولولاها لما كان 
يتهيأ للخلق من الذهب والفضة نقود ولا زينة ولا منفعة» وكانت هذه الجواهر معدودة من 
جملة الأتربة؛ ثم انظر إلى ماجعل الله تعالى فى النار من الفرح والترح عندما تغشى الناس 
ظلمة الليل كيف يستضيئون بها ويهتدون بنورها فى جميع أحوالهم من أكل وشرب وتهيد 
مراقد» ورؤية ما يؤذيهم ومؤانة مرضاهم وقصدها والعمل عليها برآ وبحرا فيجدون 


e 


کے مچموعہ رسائل الإمام القزالی wud ww‏ یی ۷| ےھ 


هذه التعمة القن جعل سبحانه حكمها بأيديهم إن شاءوا خزنوها وإن شاءوا أبرزوها. 


3 باب فى حكمة خلق الإنسان 

قال تعالى : 9 ولقَد خلقنا الإنسان من سلالة من طين © [المؤمنون: .]١١‏ إلى آخر ما 
وصفه سبحانه. 

اعلم وفقك الله تعالى أن الله عزّ وجل لما سبق فى علمه خلق الخلق وبثهم فى هذه 
الدار » وتكليفهم فيها للبلوى والاختبار. خلقهم سبحانه متناسلين بعضهم من بعضء. فخلن 
سبحانه الذكر والأنثى وألقى فى قلوبهم المحبة والدواعى حتى عجزوا عن الصبر وعدمرا 
الحيلة فى اجتناب الشهوة . فساقتهم الشهوة المفطورة فى خلقهم إلى الاجتماع وجعل الفكرة 
تحرك عضو مخصوصً به إلى إيداع الماء فى القرار المكين الذى يخلق فيه الجنينء فاجتمعت 
فيه النطفة من سائر البدن وخحرجت ماء دافقًا مندفعًا من بين الصلب والترائب بحركة 
مخصوصةء فانتقلت بسبب الإفلاج من باطن إلى باطن. فكانت مع انتقالها على أصلهء 
لأنها ماء مهين أدنى شىء يباشرها يفسدها ويغير مزاجهاء فهى ماء يختلط جميعه مستوية 
أجزاؤه لا تفاوت فيها بحالء فخلق سبحانه منه الذكر والأنلى بعد نقلها من النطفة إلى 
العلقة إلى المضغة إلى العظامء ثم كساها اللحم وشدها بالأعصاب والأوتار ونسجها 
بالعروق: وخلق الأعضاء وركبها قدور سبحانه الرأس وشق فيها السمع والبصر والأنف 
والقم وسائر المنافذ. فجعل العين للبصرء ومن العجائب سركونه مبصرة للأشياء» وهو أمر 
يعجز عن شرح سره » وركبها من سبع طبقات لكل طبقة صفة وهيئة مخصوصة بهاء فلو 
فقدت طبقة منها أو زالت لتعطلت عن الإبصارء وانظر إلى هيئة الأشقار التى تحيط بها وم 
خلق فيها من سرعة الحركة لتقى العين مما يصل إليها ما يؤذيها من غبار وغيره ٠‏ فكانت 
الأشفار بمنزلة باب يفتح وقت الحاجة ويغلق فى غير وقتء. «لما كان المقصود من الأشفار 
جمال العين والوجه جعل شعرها على قدر لا يزيد زيادة تضر بالعين ولا تنقص نقصا يضر 
بهاء وخلق فى مائها ملوحة لتقطيع ما يقع فيها » وجعل طرفيهما منخفضين عن وسطهما 
قليلاً لينصرف ما يقع فى العين لأحد الجانبين» وجعل الحاجبين جمالاً للوجه وسترً للعينين 
وشعرهما يشبه الأهداب فى عدم الزيادة المشوههء وجعل شعر الرأس واللحية قابلاً لازيادة 
واللقص. فيفعل فيهما ما يقصد به الجمال من غير تشويهء ثم انظر إلى الفم واللسان وما 
فى ذلك من الحكمء فجعل الشفتين ستراً للفم كأنها باب يغلق وقت ارتفاع الحاجة إلى 


سے ۸ سس سس ب ب لطت مجموعةرسائل الإمام الفزالى سد 
قحو ر ا ا الجبال: كل اهما رمك ای را م 
على الكلام واللسان للنطق والتعبير عما فى ضمير الإنسان وتقليب الطعام وإلقائه تحت 
الأضراس حتى يستحكم مضغهء ويسهل ابتلاعهء ثم جعل الأسنان أعدادًا متفرقة ولم تكن 
عظمًا واحداء فإن أصاب بعضها ثلم انتفع بالباقى» وجمع فيها بين النفع والجمال» وجعل 
ما کان منھا مخګوسًا زائد الشعب حتى تطول مدته مع الصف الذى تحته» وجعلها صابة 
ليست كعظام البدن لدعاء الحاجة إليها على الدوام» وفى الأضراس كبر وتسريف لأجل 
الحاجة إلى درس الغذاء؛ فإن المضغ هو الهضم الأول . وجعلت الثنايا والأنياب لتقطبع 
الطعام وجمالاً للفم فأحكم أصولهاء وحدد ضروسهاء وبيض لونها مع حمرة ما حولها » 
متساوية الرءوس متناسبة التركيب» كأنها الدر المنظوم» ثم انظر كيف خلق فى الفم ندارة 
محبوسة لا تظهر إلا فى وقت الحاجة إليهاء فلو ظهرت وسالت قبل ذلك لكان تشويها 
للإنسان» فجعلت ليبل بها ما يمضغ من الطعام حتى يسهل تسويغه من غير عنت ولا ألم. 
فإذا فقد الآكل عدمت تلك النداوة الزائدة التى خلقت للترطيب» وبقى منها ما يبل اللهوات 
والحلق لتصوير الكلام ولثئلا يجف. فإن جفافه مهلك للإنسان» ثم انظر إلى رحمة الله 
ولطفهء إذ جعل للآكل لذة الآكل فجعل الذوق فى اللسان وغيره من أجزاء الفم ليعرف 
بالذوق ما يوافقه ويلائمه من الملذوذ فيجد فى ذلك راحة فى الطعام والشراب إذا دعت 
حاجة إلى تناوله وليجتنب الشىئ الذى لا يوافقهء ويعرف بذلك حد ما تصل الأشياء إليه 
فى الحرارة والبرودة» ثم إن الله تعالى شق السمع وأودعه رطوبة مرة يحفظ بها السمع من 
ضرر الدود ويقتل أكثر الهوام الذين يلجون السمع» وحتفظ الأذن بصدفة لتجمع الصوت 
فترده إلى صماخها. وجعل فيها زيادة حس لتحس بما يصل إليها نما يؤذيها من هوام 
وغيرها» وجعل فيها تعويجات ليتطرد فيها الصوت» ولتكثر حركة ما يدب فيها ويطول 
طريقه فيتنبه فيتأثر .ويتنبه صاحبها من النوم.ثم انظر إلى إدراكه المشمومات بواسطة ولوج 
الهواء» وذلك. سر لا يعلم حقيقته إلا البارى سبحانه إلى غير ذلك ثم انظر كيف رفع 
الأنف فى وسط الوجه» فأحسن شكلهء وفتح منخربه» وجعل فيها حاسة الشم ليستدل 
باستنشاقه على روائح منطاعمه ومشاربه. وليتنعم بالروائح العطرة ويجتنب القدذرةء 
وليستنشق أيضا روح الحياة غذاءً لقلبه وترويحًا لحرارة باطنهء ثم خلق الحنجرة وهياها 
خروج الأصوات» ودور اللسان فى الحركات والتقطيعات» فينقطع الصوت فى مجارى 
مختلفة تختلف بها الحروف ليشع طرق النطق » وجعل الحنجرة مختلف الأشكال فى 
الضيق والسعة والنشونة والملاسة وصلابة الجوهر ورخاوته والطول والقصرء حتى .اختلف 
بسبب ذلك الأصوات.. فلم يتشابه صوتان» كما خلق بين كل صورتين اختلاقا فلم تشعبه 


صورتان» بل يظهر بين كل صورتين فرقان» حتى يميز السامع بعض الناس عن بعض بمجرد 
الصوت» وكذلك يظهر بين كل شخصين فرقان» وذلك اسر التعارف فإن الله تعالى لما خلق 
آدم وحواء خالف بين صورتيهما 5 فخلق منهما خلقًا جعله مخالمًا لخلق أبيه وأمه» لم 
توالى الخلق كذلك لسر التعارف ثم انظر لخلق اليدين تهديان إلى جلب المقاصد ودفع المضار 
وكيف عرض الكف وقسم الأصابع الخمس» وقسم الأصابع بأنامل»' وجعل الأربعة فى 
جانب والإبهام فى جانب آخر فيدور الإبهام على الجميع»؛ فلو اجتمع الأولون والآخرون 
الإبهام عن الأربعة. وتفاوت الأريعة فى الطول وتريبها فى صف واحد لم يقدروا على 
ذلك» وبهذا الوضع صلح بها القبض والإعطاء. فإن بسطها كانت طبقًا يضع عليه مايريد » 
وإن جمعها كانت آلة يضرب بهاء وإن ضمها ضمًا غير تام كانت مغرفة له» وإن بسطها 
وضم أصابعه كانت مجرفة» ثم خلق الأظافر على رءوسها زينة للأنامل وعمادا لها من 
ورائها حتى لا تضعف بها ويلتقط الأشياء الدقيقة التى لا تتناولها الأنامل لولاهاء وليحك 
بها جسمه عند الحاجة إلى ذلك ٠.‏ فانظر أقل الأشياء فى جسمه لو عدمها وظهرت به حكة 
غير الظفر مقامه فى حك جسده.ء لأنه مخلوق لذلك ولغيره فهو لا صلب كصلابة العظام 
ولا رخو كرخاوة الجلد يطول ويخلق ويقص ويقصر لثل ذلك» ثم جعله يهتدى به إلى 
الحك فى حالة نومه ويقظته ويقصد المواضع إلى جهتها من جسده» ولو احتاج إلى غيره 
بالأصابع» وجعلها زينة وقوة على السعي » وزين الأصابع أيضًا بالأظافضر وقواها بها ثم 
انظر كيف خلق هذا كله من نطفة مهينة» ثم خلق منها عظام جسده فجعلها أجسامًا قوية 
صلبة لتكون قوامًا للبدن وعمادًا له. وقدرها تبارك وتعالى بمقادير مختلفة وأشكال متناسبة» 
فمنها ص خير وطويل ومستدير ومجوف ومصمت عريض ودقيق» ثم أودع فى أنابيب هذه 
العظام المح الرقيق مصونًا لمصلحتها وتقويتها ولما كان الإنسان محتاجًا إلى جملة جسمه 2( 
وبعض أعضصائه لتردده فى حاجاته لم يجعل الله سبحانه عظامه عظمًا واحذدا بل عظامً 
كثيرة» وبينها مفاصل حتى تتيسر بها الحركة فقدر شكل كل واحد منهاعلى قدر وفق الحركة 
المطلوبة بها. 

ثم وصل مفاصلها وربط بعضها ببعض بأوتاد آثبتها بأحد طرفى العظم وآلصق 
الطرف الآخر كالرباط» ثم خلق أحد طرفى العظم زوائد خخارجية منهاء ومن الآخرة 


دا 6خ لست سبح مجموعة رسائل الإمام القزالى سد 
نقراغائصة فيها توافى لأشكال الزوائد لتدخل فيها وتنطبق: فصار الإنسان إذا أراد أن يحرك 
شيئًا من جسده دون غيره لم بمتنع عليهء فلولا حكمة خلق المفاصل لتعذر عليه ذلك» ثم 
انظر كيف جعل خلق الرأس مركبًا من خمسة وخمسين عظمًا مختلفة الأشكال والصور. 
وألف بعضها إلى بعض بحيث استوت كر كرة الرأس كما ترى» فمنها ستة تختص بالقحف: 
وأربعة وعشرون ا الأعلى. واثنان للحى الأسفل» والبقية من الأسنان بعضها عريض 
يصلح للطحن» وبعضها حاد يصلح للقطع » ثم جعل الرقة مركز الرأس» فركبها من سبع 
خرزات مجوفات مستديرات وزيادات ونقصان لينطيق بعضها على بعض ويطول ذكر الحكمة 
فيهاء ثم ركب الرقبة على الظهر من أسفل الرقبة إلى منتهى عظم العجز من أربعة 
وعشرين خرزة وعظم العجز ثلاثة أخرى مختلفة ووصل به من أسفله عظم العصعص وهو 
مؤلف من ثلاثة أخرى. ثم وصل عظام الظهر بعظام الصدر وعظام الكتف وعظام اليدين 
وعظام العانة وعظام العجز وعظام الفخذين والساقين وأصابع الرجلين» فجملة عدد العظام 
فى بدن الإنسان مائتا عظم وثمانية وأربعون عظمًا سوى العظام الصغيرة التى حشى بها 
خلل المفاصل» فانظر كيف خلق البارى سبحانه وتعالى ذلك كله من نطفة رقيقة سخيفة > 
والمقصود من ذكر أعدادها تعظيم مدبرها وخالقها وكيف خلقها وخالف بين أشكالها 
وخصها بهذا القدر المخصوص بحيث لر ازداد فيها واحد كان وبالاًء واحتاج الإنسان إلى 
قلعه ولو نقص منها واحد لاحتاج الإنسان إلى جبره فجعل سبحانه وتعالى فى هذا الخلق 
غيرة لأولى الأيضان وآنات ينات على عظمته وتجلالة يتقديرها 'وتضويرها: 

ثم انظر كيف خلق سبحانه آلات لتحريك العظام وهى العضلات. فخلق فى بدن 
الإنسان خمسمائة وتسعة وعشرين عضلة .والعضلة مركبة من لحم وعصب ورباط وأغشية 
ا ی اف افا راا ارت و رر و ا 
لحركة العين وأجفانها بحيث لو نقصت منها واحدة اختل أمر العين» وهكذا لكل عضر 
عضلات بعدد يخصه وقدر يوافقهء وأما أمر الأعصاب والعروق والأوردة والشراببن 
ومنابتها وسعتهاء فأعجب من هذا وشرحه يطول» ثم عجائب ما فيه من المعانى والصمات 
التى لاتدرك بالحواس أعظمء ثم انظر إلى ما شرف به وخص فى خلقه بأنه خلق ينتصب 
قائمًا ويستوى جالسًا ويستقبل الأمور بيديه وجوارحه ويمكنه العلاج والعمل ولم يخلق 
مكبوبًا على وجهه كعدة من الحيوانات»إذ لو كان كذلك لا استطاع هذه الأعمال» ثم انظر 
من حيث الجملة إلى ظاهر الإنسان وباطنه فتجده مصنوعا صنعة بحكمة تقضى منها 
العجب» وقد جعل سبحانه أعضاءه تامة بالغذاءء والغذاء منوال عليها لكنه تبارك وتعالى 
فدرها بممّادير لا يتعداها . بل يقف عندها ولا يزيد عليهاء فإنها لو تزايدت بتوالى الغذاء 


حب مجموعة رسال الإمامالفزالى 1١١ uy uu‏ اي 


عليها لعظمت أبدان بنى آدم وثقلت عن الجركة؛. وعطلت عن الصناعات اللطيقة ولا 
تناولت من الغذاء ما يناسبهاء ومن اللباس كذلك» ومن الماكن مثل ذلك» وكان من بليغ 
الحكمة<وحسن التدبير وقوفهاعلى هذا الحد المقدر رحمة من الله ورف ما بخْلقهء فإذا وجدت 
هذا كله صنعه الله تعالى من قطرة ماء» فما ظنك بصدمته فى ملكوت السموات والأرض 
وشمسها وقمرها وكواكبها وماحكمته فى أقدارها وأشكالها وأعدادها وأوضاعها واجتماع 
ا وافتراق بعضهاء واختلاف صورهاء وتفاوت مشارقها ومغاربها . فلا تظن أن ذرة 
فى السموات والأرض وسائر علم الله ينفك عن حكمء بل ذلك مشتملل على عجائب 
وحکم لا يحيط بجميعها إلا الله سبحانه وتعالى. ألم تسمع قوله سيحاته وتعالى: انتم 
اشد خلقا أم السماء بناها 4 [النازعات: ۲۷]. إلى آخر ما نبه به» وتأمل لو اجتمع الإنس 
والحن على أن يخلقوا للنطفة ممعًا وبصرًا وحياة لم يقدروا على ذلك» فانظر كيف خلقها 
سبحانه فى الأرحام» وشكلها فأحسن تشكيلهاء وقدرها فأحسن تقديرهاء وصورها 
فأحسن تصويرهاء وقسم أجزاءها المتشابهة إلى أجزاء مختلفة» فأحكم العظام فى أرجائها 
وحسن أشكال أعضائهاء ورتب عروقها وأعصابها ودبر ظاهرها وباطنهاء وجعل فيها 
مجرى لغذائها ليكون ذلك سببًا لبقائها مدة حياتها. 
ثم كيف رتب الأعضاء الباطنة من القلب والكبد. والمعدة والطحال والرئة والرحم 
والمثاتة والأمعاء كل عضو بشكل مخصوص ومقدار مخصوص لعمل مخصوصء. فجعل 
المعدة لنضح الغذاء عصبًا معيئًا شديدًا لحاجتها وبذلك كن تقطيعه وطحنه» وجعل طحن 
الأضراس أولا معيئًا للمعدة على جودة طحنه وهضمه وجعل الكبد لإحالة الغذاء إلى الدم 
فيجتذب مته كل عضو من الغذاء ما يناسبهء فغذاء العظم خلاف غذاء اللحم وغذاء 
العروق خلاف غذاء الأعصاب وغذاء الشعر خلاق غذاء غيره» وجعل الطحال. والمرارة 
والكلية لخدمة الكبد فالظطحال لذب السوداء» والمرارة لجذب. الصفراءء والكلة المائة عنه 
والمثانة لقبول الماء عن الكلية؛ ثم يخرجه فى مجرى الإحليل والعروق والكبد فى اتصال 
الدم منه إلى سائر أطراف البدن» وجعل جوهرها أتقن من جوهر اللحم ليصونه ويحصر 
فهى بمنزلة الظروف والأوعيةء ثم انظر كيف دبره فى الحم ولطف. به ألطافًا يطول شرحها 
ولا يستكمل العلم بجملتها إلا خالقها ويعجز الواصف عن وصف ما وصل إليه نظره من 
ذلك» فمن ذلك جعله فيهما لأ يحتاج إلى استدعاء» ولا يحتاج المولود إلى ما يبين ذلك لا 
بوعظ ولا تنبيه» بل ذلك فى الطباع إلى وقت حاجة المولود إلى الإغاثة فى غذائه» ولولا 
ذلك لنفرت الأمهات عنه من شدة التعب وكلفة التربية حتى أشتد جسمه وقويت أعضاؤه 
الظاهرة والباطنة لهضم الغذاءء فحينئذ أنبت له الأسنان عند الحاجة إليها لا قبل ذلك ولا 


بعدة. 


سے mmm ٢٢‏ د مجموعة رسائل الإمام الفزالى “د 


ثم انظر كيف خلق الله فيه التمييز والعقل على التدريج إلى حين كماله 
وبلوغه» وانظر وفكر فى سر كونه يولد جاهلاً غير ذى عذلى وفهمء فإنه لو كان ولدًا عاقلاً 
فيهما لأتكر الوجود عند خروجه إليه حتى يبقَى حيران تائه العقل. إذ رأى ما لا يعرف. 
وورد عليه ما لم يره ولم يعهد مثله؛ ثم كان يجد غضاضة أن يرى نفسه محمولاً وموضوعا 
معصبًا بالخرق ومسجى فى المهد مع كونه لايستغنى عن هذا كله لرقة بدنه ورطوبته حين 
يولد» ثم كان لا يوجد له من الرقة له والحلاوة والمحبة فى القلوب ما يوجد للصغير لكثرة 
اعتراضه بعقله واخحتياره لنفسه» فتبين أن ازدياد العقل والفهم فيه على التدريج أصلح به . 
أفلا يرى كيف أقام كل شىء من الخلقة على غاية الحكمة وطريق الصواب وأعلمه تقلب 
الخطاً فى دقيقه وجليله» ثم انظر فيما إذا اشتد خلق فيه طريتًا وسبجا للتناسل وخلق فى 
وجهه شعرا ليميزه عن شبه الصبيان والنسوان ويجمله ويستر به غضون وجهه عند 
شيخوخته» وإن كانت أنثى أبقى وجهها نقيًا من الشعر لتبةى لها بهجة ونضارة تحرك 
الرجال لما فى ذلك من بقاء النسل . 

فكرالآن فيما ذكرناه وديره سبحانه فى هذه الأحوال المختلفة» هل ترى مثل هذا يمكن 
أن يكون مهلاً؛ أرأيت لو لم يجرله الدم غذاء وهو فى الرحم ألم يكن يذوى ويهلك 
ويجف كما يجف النبات إذا انقطع عنه الماء. ولو لم يزعجه لمخاض عند استكماله. ألم 
يكن يهلك ببقائه فى الرحم هو وأمه؟ ولو لم يوافه اللبن عند ولادته» ألم يكن يوت جوعا 
وعطشًا أو يغذى بما لا يوافق ولا يصلح عليه بدنه؟ ولو لم يخلق له الأسنان فى وقتهاء ألم 
يكن يمتنع عليه مضغ الطعام وازدراده ويقيم على الرضاع ولا يشتد جسمه؟ ولو لم يخرج 
شعر الوجه لبقى فى هيئة النساء والصبيان فلا ترى له هيبة لا جلالة ولا وقاراء ومن ذا 
الذى يرصده حتى يوفيه بكل هذه المآرب فى وقتها إلا الذى أنشأه بعد أن لم يكن شينًا 
مذكورا وتفضل عليه ومن عليه بكل هذه النعم . 

فكر فى شهوة الجماع الداعية لإحيائه» والآلة الموصلة إلى الرحم النطفة والحسركة 
الموجبة لاستخراج النطفة وما فى ذلك من التدبير المحك.ء ثم فكر فى جملة أعضاء البدن 
وتهيئة كل عضو منها للأرب الذى أريد منها فالعيتان للاهتداء بالنظرء واليدان للعلاج 
والحذف والدفع والرجلان للسعى: والمعدة لهضم الطعام» والكبد للتخليص والتمييز» والفم 
للكلام ودخول الكلام ودخول الغذاء» والمنافذ لدفع الفضلات. وإذا تأملت كذلك مع ساتر 
ما فى الإنسان وجدته قد وضع على غاية الحكمة والصواب فكر فى وصول الغذاء إلى 
المعدة حتى ينضجه ويبعث صفوه إلى الكبد فى عروق دقاق قد جعلت كالمصقاة للغذاءء 
ولكيلا يصل إلى الكبد منه شىء غليظ خشن فينكؤها فبإنها خلقت دقيقة لا تحمل الغث 


جد مجموعة رسائل الإمامالفزالى بسي سسب Ak‏ د ۲٣۲‏ = 


فتقلبه بإذن الله دما وتنفذ إلى سائر البدن فى مجارمهيآة لذلك فيصل إلى كل شىء من ذلك 
E‏ يابس ورخو وغير ذلك: : « فَبَارك الله رب الْعَالَينَ» [غافر: 34]. 

| ثم ينفذ ما يكون من خحبث وفضول إلى معابض «أعضاء أعدت لذلك كما ذكرنا قبل 
هذاء فكونها كالأوعية تحمل هذه الفضلات لكيلا تنتشر فى البدن فتقسمه. 

ل ابش عل اعد فى لن ا قينا لمعت له سل خان اله إلا ندر الأشاء 
والألوانء فلو كانت الألوان ولم يكن بصر يدركهاء هل كان فى الألوان منفعة؟ ولو لم 
يكن لخلق الأبصارهء نور خارج عن نورها ما كان ينتئع بالبصر؟ وهل خلق السمع إلا 
ليدرك الأصوات؟ فلو كانت الأصوات ولم يكن سمع يدركها لم يكن فى الأصوات منفعة» 
وكذلك سائر الحواسء فكر فى أشياء جعلت بين الحواس والمحسوسات لا يتم الحس إلا 
بها: منها الضياء والهواء» فلو لم يكن ضياء تظهر فيه لمبصرات لم يدركها البصرء ولو لم 
يكن هواء يؤدى الصوت إلى السمع لم يكن السمع. يدرك الصوت. 

فكر فيمن عدم البصر والسمع وما يناله من الخلل فإنه لا ينظر أن يضع قدمه ولا 
يدرى ما بين يديه ولا يفرق بين الألوان ولا يدرى بهجوم آفة أو عدو ولا سبيل له أن يتعلم 
أكثر الصناعات ٠‏ وأما من عدم السمع فإنه من يفقد روح المخاطبة والمحاضرة ويعدم لذة 
الأصوات المستحسنة والالحان المطربة وتعظم المؤونة على من يخاطبه حتى ينصرم منه ولا 
يسمع شيئًا من أخبار الناس وأحاديثهم حتى يصير كالغائب وهو شاهدء وكالميت وهو حى. 
وأما من عدم العقل فهو أشر من البهائم» فانظر كيف صارت هذه الجوارج وهذه الأوصاف 
التى بها صلاح الإنسان محصلة ومبلغة لجميع مآربه ومتممة لجميع مقاصدهء وإذا فقد شيئًا 
احتل أمره وعظم مصابه» ومن بلى بفقد شىء منها فهو تأديب وموعظة وتعريف بقدر نعمة 
الله فى حقه وحق أمثاله ولينال بصبره على ذلك حظًا فى الآخرة فانظر إلى رحمة الله 
كيف توجد فى العطاء والمنع . 

ثم فكر فى الأعضاء التى خلقت أفرادًا وأزواجاء وما فى ذلك من الحكمة 
والصواب» فالرأس مما خلق فردّاء وإن كثيرًا من الحواس قد حواها رأس واحد ولو زاد 
عليه شىء كان ثقلاً لا يحتاج إليه؛ فإن كان قسمين فإ تكلم واحدهما بقى الآخر معطلاً 
لا حاجة إليه؛ وإن تكلم منهما جميعًا بكلام واحد كان “حدهما فضلة لا يحتاج إليهاء وإن 
تكلم من أحدهما بخلاف ما يتكلم به من الآخر لم يدر السامع مراده من ذلك» وأما الذى 
يأخذ به السامع هو ما كان واضحاء واليدان خلقتا أزواجًا ولم يكن للإنسان خير فى أن 
يكون يلم بيد واحدة لاختلال ما يعألجه من الأمورء فإنك ترى من شلت إحدى يديه ما 
يكون عنده من النقص» وأن يكلف بشئ لم يحكمه ولا يبلغ ما يبلغ صاحب اليدين 
وحكمة الرجلن ظاهرة. 


١2‏ لس mmm‏ : مجموعة رسائل الامام الغزالی سد 


فكرفى تهيئة آلات الصوت. فالحنجرة كالانبوبة اروج الصوت واللسان والشفتان 
والأسنان لإصاغة الحروف والقم- ألا ترى أن من سقطت, أستانه أوأكثرها كيف يحصل 
الخلل فى كلامه. ثم انظر إلى ما فى الحنجرة من المنفعة لمسلوك التسيم منها إلى الرئة 
فتروح على الفؤادٍ بهذا النفس المتتابع» وما فى اللسان من تقليب الطعام وإعانته على 
تسويغ الطعام والشراب» وما فى الأسنان من المعونة أيضسًا . ثم هى كالمسند للشفتين 
تمسكهما وتدعهما من داخل الفم» وبالشفتين يرتشف الشراب حتى يكون ما يدخله إلى 
الجوف بقصد وبقدر ما يختاره الإنسان» ثم هما على القم كالباب. 

فقد تبين أن كل عضو من هذه الأعضاء ينصرف إلى وجوه من المارب وضروب من 
المصالح إن زاد أفسد وإن نفص أفسدء فذلك تقدير العزيز العليم. فكر قى الدماغ إذا كشف 
عنه فإنك تجده قد لف بعضه قوق بعضص ليصرورله من الأعراض وأطبقت عليه 
الجممجمةوالشعر ستر لها وجمال ولتبعد عنها ما يؤذيها من حر وبرد وغير ذلك فحصن 
سبحانه وتعالى الدماغ هذا التحصين لعلمه بأنه معهم رأنه مستحق لذلك لكونه ينبوع 
ا لجس ثم انظر كيف غيب الفؤاد فى جوف الصدر وكساه المدرعة التى هى غشاؤه وأتقنها 
وحصنه بالجوانح وما عليها من اللحم والعصب لشرفه وأن ذلك اللائق بهء ثم انظر كيف 
جعل قى الحلق منفذين: أحدهما للصوت وهو الحلقوم الواصل إلى الرئة والآخر للغذاء 
وهو المرئ الواصل إلى 'للعدةء وجعل على الحلقوم طبقًا نم الطعام أن يصل إليه. ثم جعل 
الرئة مروحة الفؤاد لا تفتر ولا تخل تأخذ وترد بغير كلفة لئلا تنحصر الحرارة فى القلب 
فتؤدى إلى التلف. ثم ملا الجو هواء لهده المصلحة ولغيرهاء ثم انظر كيف جعل منافذ 
البول والغائط أسراحًا يضمبطها لكى لا يجرى جريانًا دائها فيفسد على الإنسان عيشته» ثم 
انظر كيف جعل لحم الفخذين كثيراً كنيقا ليقى الإنسان من ألم الجلوس على الأرض كما 
يألم من الجلوس من نحل جسمه وقل لحمه إذا لم يكن بينه وبين الأرض حائل . 

انظر لو كان ذكر الرجل مسترخخيًا أبدًا كيف يصل الماء إلى موضع الخلق ولو كان 
منعظا أبدًا كيف يكون حاله فى تصرفاته وهو كذلك؟ بل جعله مستورًا كأنه لم تخلق له 
شهوة. ثم انظر أليس أنه من حسن التدبير فى البناء أن يكون الخلاء فى أستر موضع فى 
الدار ٠‏ فلهذا اتخذ المنفذ المهيأ لقضاء حاجة الإنسان فى أستر موضع من جسله مغيب فيه 
تلتقى عليه فحّداه بما عليهما من اللحم فتواريه به ويخفى ذكره» وذلك مخصوص بالإنسان 
لشرفه» ثم انظر فى خلى الشعر والأظفارلا كانا يطولان» وفى تقصيرهما مصلحة جعلا 
عديمى الحس حتى لا ينال الإنسان ألم عتد التزيين بقصهماء ولولا هذه الحكمة لكان بين 
أمرين: إما أن يدعهما على حالهما فيتشوه خلقه. أو يزيل ذلك فيتألم بإزالته. ثم تفكر فى 


س مجموعة رسائل الامامالقفزالی ہیی ١‏ = 
راحة الكف لنفدت لذة اللمس وبعض الأعمال» أو فى الفرج لكدرت لذة الجماع مع قبول 
هذه المواضع لنباتها فيها . فسبحان المدير المنعم بهذه التعم. 

فى طبعه محركًا يقتضيه ويستحثه. فالجوع والعطش ية-تضى طلب الطعام الذى به حياته» 
الذى به دوام النسل وبقاؤهء فلو كان الإنسان إنما يتناول الطعام والشراب لمعرفته بالحاجة إليه 
ولم يجد من طباعه ما يلجئه إليه لاشتغل بأسباب ضرورته فينحل قواه ويهلك كما أنه قد 
أويموت فكذلك لو كان يفعل النوم ويدخله على جسم باختياره لتشاغل عنه ببعض مهماته 
الولد لانقطع النسل لما يعارضه من الأسباب المشغلة , فانظر كيف جعل فيه بالطبع ما 
يضطره إلى حصول هذه الفوائد. انظر كيف رتبت هذه القوى بهذا الترتيب المحكم 
العجيب . فصار اليدن بما فيه يمنزلة دار لملك فيها حشم وقوم موكلون بالدار فواحد لإمضاء 
حوائج الحشم وإيراد ماء لهمء وآخر لقبض مايرد خزنه إلى أن يعالج ويهيأء 
وآخرلإإصلاح ذلك وتهيئته وإصلاحه أخص مما قبل» وآخصر لكسح ما فى الدار من الأقذار 
وإخراجه. فالملك فى هذا المثل هو الخالق العليم سبحانه . والدار هی البدن» والحشم هى 
الأعضاء» والقوم فى هذه القوى الأربع التى هى النفس وموقعها من الإنسان بمعنى انفكر 
والوهم والعقل والحفظ والغضب وغير ذلك . أرأيت لو نقص من الإنسان من هذه الصفغات 
الحفظ وحذده كيف یکون حالهء وكان لا يحفظ ما له وما عليه وما أصدر وماأورد وما 
له ولا من نفعه ممن ضره. وكان لا يهتدى لطريق ولو سلكه» ولا لعلم ولو درسه» ولا 
ينتفع بتحریره 2 ولا يستطيع أن يعتبر بمن مضى» فانةر إلى هذه النعم كيف موقع الواحدة 
عن مصيبة فكان لا ينقص له حسرة ولا يذهب عنه حقد ولا يستمتع بشئ من لذات 
الشهوات الدنيوية مع تذكر الآفات والفجائع المغضبات» وكان لا يمكن أن يتوقع غفلة من 
ظالم ولا فترة ولا ذهولاً من حاسد أو قاصد مضرة فانظر كيف جعل الله فيه سبحانه 
الحفظ والنسيان وهما متضادان» وجعل للإنسان فى كل منهما ضروبًا من المصالح . 


سی 7 علس ليييح مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


ثم انظر إلى ماخصه به دون غيره من الحيوان من الحياء » فلولاه لم تقل العثرات 
ولم تقض الحاجات ولم يقر الضيف ولم يثمر الجميل فيفعل ولا يتجافى عن القبيح فيترك 
حتى أن كثيرا من الأمور الواجبة» إنما تفعل لسبب الحياء من الناس» فترد الأمانات وتراعى 
مترانو الو لدوك رك فاته بويوفةه وولف لوا يشان )لي كي الاق مق الجز :ناكو ارين 
أعظم موقع هذه النهمة فى هذه الصفة» وانظر ما أنعم الله به من النطق الذى ييز به عنه 
البهائم فيعبر بما فى ضميره ويفهم عن غيره ما فى نفسه » وكذلث نعمة الكجابة التى تفيد 
أخبار الماضين للباقين» وأخبار الباقين للآتين؛ وبها تخلد فى الكتب والعلوم والآداب» 
ويعلم الناس ذكر ما يجرى بينهم فى الحساب والمعاملات» ولولا الكتابة لانقطعت أخبار 
بعض الأزمئة عن بعض » ودرست العلوم وضاعت الفضائل والآداب وعظم الخلل الداخحل 
على الناس فى أمورهم بسبب عدمها. 

فإن قلت: إن الكلام والكتابة مكتسبة للإنسان وليسن بأمر طبيعى» ولذلك تختلف 
الخطوط بين عربى وهندى ورومى إلى غير ذلك وكذلك ااكلام هو شىء يصطلح عليه 
فلذلك اختلف . 

قلنا: ما به تحصل الكتابة من اليد والأصابع والكف المهيأ للكتابة والذهن والفكر 
الذى يهتدى به ليس بفعل الإنسان» ولولا ذلك لم يكن ليككتب أبداء فسبحان المنعم عليه 
بذلك» وكذلك لولا اللسان والنطق الطبيعى فيه والذهن المركب فيه لم يكن ليتكلم أبدا 2 
فسبحان المنعم عليه بذلك. 

ثم انظر إلى حكمة الغضب المخلوق فيه يدفع عن نفسه به ما يؤذيهاء وما خلق فيه 
من الحسد فبه يسعى فى جلب ما ينتفع به غير أنه مأمور بالاعتدال فى هذين الأمرين» 
فإن جاوز الحد فيهما التحق برتبة الشياطين» بل يجب أن يقتصر فى حالة الغضب على دفع 
الضررء وفى الحسد على الغبطة وهى إرادة ما ينفعه من غبر مضرة تلحق غيره؛» ثم انظر 
ما أعطى وما منع مما فيه أيضًا صلاحهء فمن ذلك الأمل فيسببه تعمر الدنيا ويدوم النسل 
ليرث الضعفاء عن الأقوياء مناقع العمارةء فإن الخلق أول ما يخلق ضعيف فلولا أنه يجد 
آثار قوم أحلوا وعمروا لم يكن له محل يأوى إليه ولا آلة ينتامع بهاء فكان الأمل سيبًا لعمل 
الحاضرين ما يقع به انتفاع الآتين» وهكذا يتوارث إلى يوء الدين» ومنع الإنسان من علم 
أجله ومبلغ عمره لمصلحة » فإنه لو علم مدة حياته وكانت قصيرة لم تهن الحياة ولم ينشرح 
لوجود نسل ولا لعمارة أرقن ولا لخير ذلك ولو علسها وكانت طويلة لأنهمك فى 
الشهوات وتعدى الحدود واقتحم المهلكات . ولعجز الوعاط عن إيقافه وزجره عما يؤديه 
إلى إتلافه فكان فى جهله بمدة عمره مصلحة حصول الخوف. بتوقع هجوم الموت» ومبادرة 
صالح الأعمال قبل الفوات. 


o.‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالى لببللللللللللل يي لل ب 0 و 

ثم انظرإلى ما ينتفع به مما فيه مصالحه وملاذه من أصناف الأطعمة على اختلاف 
طعومهاء وأصناف الفواكه مع اختلاف ألوانها وبهجتهاء وأصناف المراكب ليركيها ويحصل 
منافعها وطيور يلتذ بسماعهاء ونقود وجواهر يقتنيها ويصل بها إلى أغراضه ويجدها فى 
مهماته. وعشاقير يستعملها لحفظ صححتهف وبهائم لأكاء ولغير ذلك من أموره من حردث 
وحمل وغير ذلك وأزهار وغيرها من العطريات يتنعم بروائحها وينتفع بها وأصناف من 
الملابس على اختلاف أجناسها وكل ذلك ثمرة ما خلق فيه من العقل والفهم؛ فانظر ماذا 
ركب الله فيه من العجائب. ومن الحكمة البالغة اختلاف العباد فى تملك ما ينتفع به بنو آدم 
ليتميز منهم الفقير من الغنى؛ فيكون ذلك سببًا لعمارة هذه الدار ويشتغل الناس بسبب 
ذلك عما يضرهم فى غالب الأحوال. فمثالهم فيما اشنغلوا به مثال الصبى فإنه يشتغل 
لنقص عقله فيما يضر به نفسه ولا يتفرغ فيكون فراغه وبالاً عليه وكم عسى أن يعد العاد 
تدخل تحت حد ولا يحصرها عدء ولا يعلم منتهى حقائقها وإحصاء جملتها إلا الحكيم 
العليم الذى وسعت رحمته وعلمه كل شىء وأحصى كل شىء عددًا. 


خانمة لهذا الباب 

اعلم أن البارى سبحانه وتعالى شرف هذا الآدمى وکرمه» فقالٍ سبحانه : ف ولقد 
كرمنا بني آدم وحملناهم في الْبر والبحر ورزفاهم من الطيبّات وفضلناهم على كثير ممن 
خلقنا تفضيلا © [الإسراء: 00 

فكان من أعظم ما شرفه به وكرمه العقل الذى تنبه به على البهجة وألحقه بسببه بعالم 
الملائكة. حتى تأهل به لمعرفة بارئه ومبدعه بالنظر فى مخلوقاته واستدلالاً له على معرفة 
صفاته بما أودعه فى نفسه من حكمة وأمانة» قال الله العظيم :9 وفي أنفسكم أفلا 
تبصرون 6 [الذاريات: ١‏ 

فكان نظره فى تفسهء وفيما أودع البارى سبحانه فيه من العقل الذى يقطع بوجوده 
فيه ويعجز عن وصفه من أعظم الدلالات عنده على وجود بارئه ومدبره وخالقه ومصوره» 
فإنه ينظر فى العقل كيف فيه التدبير وفنون العلم ومست ر المعرفة وبصائر الحكمة والتمييز 
بين التفع والضرء وهو مع القطع بوجوده لا يرى له شخصا ولا يسمع له حسنًا ولا يحس 
له مجلا ولا يشم له ريحًا ولا يدرك له صورة ولا طعناء وهو مع ذلك آمر ومطاع زيادة 
وراج ومفكر ومشاهد الغيوب ومتوهم للأمور اتسع له ما ضاق عن الأبصار ووسع له ما 
ضاقت عنه الأوعية يؤمن بما غيبته حجب الله سبحانه مما بين سمواته وما فوقها وأرضه وما 


سے =m ٢٢‏ مجموعة رسائل الإمامالفزالی < 
تحتهاء حتى كأنه شاهد أبين من رأى العين فهو موضع الحكمة ومعدن العلم كلما ازداد 
علمًا ازداد سعة وقوة يأمر الجوارح بالتحرك فلا يكاد أن يميز بين الهمة بالحركة. وبين 
التحرك بسرعة الطاعة أيهما أسبق . وإن كانت الهمة قبإ وهو مع تدبيره وعلمه وحكمته 
عاجز عن معرقة نفسه إذ لا يمكنه أن يصف نفسه بنفسه بصفة وهيئه أكثر من الإقرار بأنه 
مسلم للذى وصفع للعلم بهءومقر بالجهل بنفه وهومع جهله بنفسه عالم حكيم ييز بين 
لطائف التدبير » ويفرق بين دقائق الصنع» وتجرى الأمور .على 'ختلافهاء فدل جهله بنفسه 
وعلمه بما يدبر ويميز أنه مركب مصنوع مصور مدبر مقهورء لأنه مع حكمته واتقاد بصيرته ' 
عاجز مهين يريد أن يذكر الشىء فينساه ويريد أن ينساه ديذكره؛ء ويريد أن يسر فيحزنء 
ويريد أن يغفل فيذكرء ويريد أن يتنبه ويتيقظ فيسهو ويغئل دلالة على أنه مغلوب مقهور 
وهو مع ما علم جاهل بحقائق ماعلمء ومع ما دبر لايدرى كم مدى مبلغ صوته ولا كيف 
خروجه ولا كيف اتساق حروف كلامه. ولا كم مدى مبلغ نظره» ولا كيف ركب نوره ولا 
كيف أدرك الأشخاصء ولا كم قدر قوته ولا كيف تركبت إرادته وهمته؟ فاستدل يعلمه 
وجسده عن حقيقة ما علم أنه مصنوع بصنعة متقنة وحكمة بالغة تدل على الصانع الخالق 
امريد العليم عز وجل»ء ثم إنه خلى فى الإنسان الهوى موائمًا لطباعه فإن استعمل نور العقل 
فيما أمر به ورد مورد السلامة وفاز غدًا بدار الكرامة» وإن استعلمه فى أغراض نفسه 
وهواها حجب عن معرفة أمور لا يدركها غيره مع ما هو متوقع له في الدار الآخرة من 
الثواب والحجاب والعقاب» وهو الآلة له فى عمل الصنائع وتقديرها على نحو ما قدرها 
ودبرها فى ذهنه وتخيله واستنباط ما يستنبط بدقيق الفكر ومعرفة مكارم الأخلاق الموجودة 
فى كل أمة زمانء واستحسان ما يحسن فى عوائد العقلاء والفضلاء وتقبيح ما يقبح عندهم 
بحكم الاعتياد» فانظر ما شرف هذا الإنان أن خلق فيه ما يفيده هذه المعارف. فإن الأوانى 
تشرف بشرف ما يوضع فيهاء ولما كانت قلوب العباد هى محل للمعرفة بالله سبحانه 
وتعالى شرفت بذلك» ولا سبق فى علم البارئ سبحانه وإرادته وحكمته بمصير الخلق إلى 
دار غير هذه الدار ولم يجعل فى قوة عقولهم ما يطلعون به على أحكام تلك الدارء بل 
كمل لهم سبحانه هذا النور الذى وهبهم إياه بنور الرسالة إليهمء فأرسل الأنبياء صلوات 
الله عليهم مبشرين لأهل طاعته ومنذرين لأهل معصيته. فمدهم بالوحى وهيأهم لقبوله 
وتلقيه» فكانت أثوار ما جاء الوحى بن عند الله بالنسبة إلى نور العقل كالشمس بالإضافة 
إلى نور النجمء فدلوا العباد على مصالح دنياهم فيما لا تستقل بإدراكه عقولهم وأرشدوهم 
إلى مصالح أخراهم التى لا سبيل للعباد أن يعرفوها إلا بواسطتهمء وأظهر لهم سبحانه من 
الدلائل على صدق ما جاءوا به ما أوجب الإذعان والانقياد لصدق أخبارهم» فتمت بذلك 


ججح مجموعهرسائل الإمامالفزالی ی ۲٣۹‏ ید 
نعمة الله على عباده» وظهرت كرامته وثبت حجته عليهم» فانظر ما أشرف الآدمى ونسله 
الذين ظهرت منهم هؤلاء الفضلاء الذين هم قابلون لهذه الزيادات الفاضلة ثم تضافرت 
أنواع الشرائع التى هى كالشمسء وأنوار العقول التى هى كالنجم. مب اس 
له من الله الحسنى» وشقاوة من كذب ولم يرد إلا الحياة الدنياء ثم إن الله تبارك وتعالى من 
على الإنسان بأنه+خصه برؤيا يراها فى منامه أو فى عينه كشبه المنام يمثل له فيها بأمثلة 
معهودة من جنس ما يعرفه وهى مبشرة أو منذرة له لما يتوقعه بين يديهء كل ذلك مواهب 
وكرامات من وجود الله سبحانه» وجعل الله استقامته على الطاعة فى قلبه وجوارحه سبًا 
لصدقها فى غالب الأمر ليتعظ أو يقدم على الأمور أو يحجم عنهاء وهى الأمور التى انفرد 
الله بعلم العاقبة فيها وأطلع على بعض الأمور منها من شاء. 


باب فى حكمة الطير 

قال الله سبحانه وتعالى :ألم روا إلى الطَير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن 
إلا الله 4 [التحل: ..٩‏ اعلم رحمك الله : أن الله تعالى خلق الطير وأحكمه حكمة تقتضى 
الخفة للطيران ولم يخلق فيه ما يثقله» وخحلق فيه ما يحتاج إليه وما فيه قوامه وصرف 
غذائه» فقسم لكل عضو منه ما يناسبه » فإن كان رخو أويابسًا أو بين ذلك انصرف إلى 
كل عضو من غذائه ما هو لائق به» فخلق للطير الرجلين دون اليدين لضرورة مشيه وتنقله 
وإعانة له فى ارتفاعه عن الأرض وقت طيرانه واسعة الأسفل ليثبت فى موطن على الأرضص 
وهى خف فيه أو بعض أصابع مخلوقة من جلد رقيق صلب من نسبة جلد ساقيه» وجعل 
جلد ساقيه غليظًا متقنًا جدا ليستغنى به عن الريش فى الحر والبرد» وكان من الحكمة خلقه 
على هذه الصفة لأنه فى رعيه» وطلب: قوته لا يستغنى عن مواضع فيها الطين والماء فلو 
كسيت ساقاه بريش لتضرر بباله وتلويثه فأغناه سبحانه عن الريش فى موضع لا يليق به 
حتى يكون مخلصًا للطيران» وما خلق من الطير ذا أرجل طوال جعلت رقبته طويلة لينال 
غذاءه من غير حرج بها إذ لو طالت رجلاه وقصر عنقه لم يمكنه الرعى لا فى البرارى ولا 
فى البحار حتى ينتكب على صدره وكثيرا ما يعان بطول المنقار أيضًا مع طول العنق ليزداد 
مطلبه عليه سهولة» ولو طال عنقه وقصرت رجلاه أثقله عنقه واختل رعيه». وخلق صدره 
ودائره ملفوفًا مريبًا على عظم كهيئة نصف دائرة حتى يخرق فى الهواء بغير كلفة وكذلك 
رءوس أجنحته مدورة إعانة له على الطيران وجعل لكل جنس من الطير منقارًا يناسب رعيه 
ويصلح لما يتغذى به من تقطيع ولغط وحفر وغير ذلك فمنه مخلب للتقطيع خص به 
الكواسرء وما قوته اللحم» ومنه عرض مشرشر جوانبه تنطبق على ما يلتقطه انطباقا 


سے .۳ ب بمجبوعة رسائل الإمام الفزالى ب 


محكماء ومنه معتدل اللقط وآكل الخضرء ومنه طويل المنقار لدحصر وجعله صلبًا شديدًا 
شبه العظم وفيه ليونة ما هى فى العظم لكثرة الحاجة إلى استعماله وهو مقام الأسنان فى 
غير الطير من الحيوان» وقوى سبحانه أصل الريش» وجعله قصبًا منوبًا فيما يناسبه من 
الجلد الصلب فى الأجنحة لأجل كثرة الطيران» ولأن حركة الطيران قوية فهو محتاج إلى 
الإتقان لأجل الريى. وجعل ريشه وقاية نما يضره من حر أوبرد ومعونة متخللة الهواء 
للطيران وخص الأجنحة بأقوى الريش وأنبته وأتقنه لكثرة دعاء الحاجة إليه؛ وجعل فى سائر 
بدنه ريشا غيره كسوة ووقاية وجمالاً له وثبت أصل جميعه لأنه جبيرته وجمله » وجعل فى 
ريشه من الحكمة أن البلل لا يفسده والأدران لا توسخه. فإن أصابه ماء كان أيسر انتفاض 
يطرد عنه بلله فيعود إلى خفته» وجعل له منفذا واحدا للولادة وخروج فضلاته لأجل 
خفته. وخلق ريش ذلبه معونة له على استقامته فى طيرانه. فلولاه لما مالت به الأجنحة فى 
حال الطيران يميئًا وشمالاً. فكان له بمنزلة رجل السفينة الذى يعدل بها سيرها وخلق فى 
طاغة لخدو وقاية لناذيته: ْ 

ولا كان طعامه يبتلعه بلعًا بلا مضغ جعل لبعضه منقارا صلبًا يقطع به اللحم ويقوم 
له مقام ما يقطع بالمديه؛ وصار يزدرد ما يأكله صحيحًا وأعين بفضل حرارة فى جوفه تطحن 
الطعام طحنًا يستغنى به عن المضغ وثقل الأسنان» واعتبر ذلك بحب العنب وغيره فإنه 
يخرج من بطون الحيوان صحيحًا وينسحق فى أجواف الطيرء ثم إنه خلقه يبيض ولا يلد 
لئلا يثقل عن الطيران»فإنه لو خلقت فى جوفه حتى يكمل خلقها لثقل بها. وتعوق عن 
النهوض للطيران» أفلا ترى كيف دبر كل شىء من خلقه بما يليق به من الحكمة. انظر إلى 
من أنزله وألهمه الرقاد على بيضه فيحضنه مدة الحضانة» من ألهمه أن يلتقط الحب» فإذا 
ماع فى باطنه غذى به أفراخه وهذا نوع من الطيرء ثم انظرمع هذا كيف احتمل هذه 
المشقة» وليست له رؤية ولا فكر فى عاقبة» ولا له أمل يأمله فى أفراخه كما يأمل الإنسان 
فى ولده من العز والرفد وبقاء الذكر. فهل هذا قطعا إلا إلهام إلهى من فعل الله سبحانه . 

انظركيف ألهم معرفة حمل الأنثى منه بالبيضء تألهموا حيكذ حمل الحشيش 
وتوطتته فى موضع التحضين والولادة لتكون الرطوية والتوطئة تحفظ البيض ويكون الييض 
محفوظأ فى المهاد الذى عمهدونه ويتحستوته فى حال متحضيته ‏ 

انظر إلى الحمام كيف ألهم معرفة كمال الفرخ وانتهاء تحفسينه للبيض حتى يكتشف 
عن الفرخ ويخرجهء وإن اتفى فى البيض قساد يسبب عرق قام وتركهء ثم انظر إلهامه يما 
يزق به فرخه فإنه أولاً يزقه بالريح لتستعد حوصلته لقبول ما يوضع فيها. ثم بعد ذلك يرقه 
من أول هضم » ثم إذا ماع الغذاء فى حوصلته يرّقه به حتى يدرجه يفعل مرارًا حتى يولى 


کے مجموعة رسائلالإمامالفزالی ی ٣۱‏ = 
سزمافة» :إن E‏ ا ا 
هذا من فعل الطير وحكمتهء ثم انظرعند خروج الفرخ من البيضة كيف يسنده إلى جنبه 
لثلا يفقد.الحرارة دفعة واحدة فيضر ذلك بهء ومن الطير ما يخلق على هيتئة أخرى لحكمة 
أخرى ولتعلم أن قدرة الله لا تنحصر فى نوع واحدء بل كل حال له حكم يقوم بمصلحة 
ذلك الشئ» وذلك"أن الدجاج ما فيهم أهلية الزق»؛ بل جعلت أفراخهم يلتقطون غذاءهم 
عند خروجهم من البيضة» ثم انظر فى الحمام الذكر والأنئى كيف يتداولان على التسخين 
خوف أن يفسد بيضهم فيعقب هذا صاحبه كأن لهم علمًا بأذ عدم هذا التديير يفسد به 
بيضهم.ء ثم انظر إلى خلق البيضة وما فيها من الحكم لله ففيها المح الأصفر الحابر والماء 
الأبيض الرقيق فبعضه لينشأ منه جسده. وبعضه يغتذى به إلى أن تنشق عنه» وما فى ذلك 
من التدبير المحكم العجيب» وكيف جعل معه غذاءه فى بيضة مغلقة تتنقى به إلى حين 
كماله فيها وخروجه منهاء ثم انظر فى حوصلة الطائر وما مى حلقها من التدبير فإن مسلك 
طعامه إلى القانصة ضيق لا ينفذ إليه إلا قليلاً قليلاً»ءفلو كان لا يلتقط حبه حتى تصل 
الأولى إلى القانصة لطال الأمر عليه مع ما فيه من شدة الحذر وتجنبه مايؤذيه» فصار ما 
يحتكره احتراسًا لشدة حذره» فجعلت له الحوصلة كالمخلاة المعلقة أمامه ليؤدى فيها ما أدرك 
من الطعام بسرعة ثم ينفذ إلى القانصة على مهل» وفيها حكمة أخرى» فإن الطيرالذى يزق 
أفراخه يكون رده الطعام من قرب أسهل عليه؛ ثم تأمل ريش الطائر فإنك تجده منسوجا 
نسج الثوب من سلوك رقاق» وفيها من اليبس ما يمسك ما حولهاء ومن اللين ما لاينكسر 
معه وهى حاوية» قد ألف بعضها إلى بعض» كتأليف الخبط إلى الخيط والشعر إلى الشعرء 
ثم تجده إذا فتحته أعنى النسيج ينفتح قليلاً» ولا ينشق ليدخله الريح فتثقله عن طيرانه 
وتجد فى وسط الريشة عمودا غليظًا يابسا مثْبنًا قد نسج عليه كهيئة الشعر ليمسكه بصلابته 
فلو عدم ذلك وعرضت الريشة دونه لفسخها ما يقابلها من الهراء وهى مع صلابته مجوفة 
ليخف عليه طيرانه . 

انظر إلى الطائرالطويل الساقين والحكمة فى طولهما أنه يرعى أكثر رعيه فى 
صحصاح كأنه فوقه مراقب يتأمل ما يدب فى الماءء فإذا رأى شيئًا من حاجة خطا خطواً 
رفيقًا حتى يتناولهء فلو كان قصير الساقين لكان حين يخطو إلى الصيد يصل بطنه إلى الماء 
فيهزه فيذعر منه الصيد فيبعد عنه. 

انظر إلى العصافير وغيرها فإنها تطلب رزقها فى طول نهارها فلا هى تفقده ولا هى 
تجدء مجموعًا محله» وهو أمرجار على سنة الله فى خلقهء فإن صلاحهم فى السعى فى 
طلب الرزق. فإن الطير لو وجده مسيرا أكب عليه ولا يقلع عنه حتى يمتلئ فيثقل عن- 


کے ۳۲٢‏ م لصت مجموعة رسائل الإمام الفزالى حب 
الطيران ولا يستطيع رده أعنى قذفه من بطنه مثل طير الماء الكبير فإنه يأكل السمكء فإذا 
امتلأ منه وأزعجه مزعج تقايأه حتى يخف للطيران. وكذلك الناس أيضًا لو وجدوه بلا 
سعى لثفرغوا إفراعًا يوقعهم فى غاية الفساد. 

انظر إلى هذه الأصناف من الطير التى لاتخرج إلا ليلا مثل البوم والهام والخفاش. 
فإن عيشها يتيسر فى الجوء وكالبعوض والفراش وشبهه فإنها منبشة فى هذا الجوء فجعل 
عيشه فى موضع أقرب إليه من الأرض» ولعل نوره لا يعينه أن يلتقط من الأرض بدليل أنه 
لا يظهرفى نورالشمس إلا مختفيّاء فألهم أن يعيش فى الجو من الفراش وغيره» انظر إلى 
الخفاش لما خلق بغير ريش كيف خلق له ما يقوم مقامه وجعل له فم وأسنان وكل ما فى 
البهائم الأرضية من الولادة وغيرها وأقدره على الطيران. فأظهر سبحانه فيه أن قدرته على 
الطيران لا تقصر على ما خخلق له الريش ولا تنحصر فى نوع واحدء لآأنه خلق هذا النوغ» 
وخلق من السمك جنا يطير على وجه البحر مسافة طويلة» ثم ينزل الماء فسبحان القاضى 
العليم . 

انظر إلى الذكر والأنثى من الحمام كيف يتعاونان على الحضانةء فإذا احتاج أحدهما 
إلى قوته ناب الآخر إلى آخر وقت الحضانة» ثم ألهمهما الحرص على الحضانة فلا يطيلان 
الغيبة على البيض إذا خرجا لنيل القوت حتى أنهما يجتمع فى أجوافهما البراز للحرص 
على الرقاد. فإذا اضطر إلى خروج البراز أخرجه دفعة واحدة. ثم انظر إلى حرص الذكر 
حين تحمل الأنثى بالبيض ويقرب أوان وضعها كيف يطردها وينقرهاء ولا يدعها تستقر 
خارجًا عن الوكر خشية أن تضع البيض فى غير الموضع المهيأ لوضعه. انظر كيف يزق 
أفراخه ويعطف عليها ما دامت محتاجة إلى الزق حتى إذا كبرت واشتدت ولقطت واستغنت 
عن أبويها صارت إذا تعرضت له لنيل ما اعتادت ضربها وصرفها عن نفسه واشتغل بغيرهاء 
ثم انظر ما خلق الله تعالى فى الكواسر من شدة الطيران حتى لا يسبق له من يطلبه» ومن 
قوة المخلب وجدته فى المنقار والأظفارء فكأن مخلبها مدية للقطع. وكأن مخلب أرجلها 
خطاطيف يعلق فيها اللحم حتى يصل ما يحتاجه من قوتها. 

انظر إلى طير الماء لما جعل قوته فى الماء كيف جعل فيه قوة السباحة والغطس ليأخذ 
من جوف الماء رزقه» فجعل سبحانه وتعالى لكل صنف من الطيور ما يليق به فى تحصيل 
قوته. 

باب فى حكمة خلق البهائم 
قال الله سبحانه وتعالى : ف وَالْخَيْل وَالبغال والحمير لتَرَكَبوها وزيئة 4 [النحل: 8]. 
اعلم وفقك الله وإيانا: أن الله خلق البهائم لمنافع العباد امتنانًا عليهم كما نبهت على 


س مجموعة رسائل الإمام الفزالی يسبب الا اد 
ذلك هذه الآيةء فخلقها الله بلحم مثبت على عظام صلبة تمسكه وعصب شديذ وعروق 
شداد» وضم بعضها إلى بعض ولم يجعلها لينة رخوة ولا صلبةكصلابة الحجارة» وجعل 
ذلك تجلدًا اشتمل على أبدانها كلها لتضبطها وتتقنها لأنها أريد منها القوة للعمل والحمل 
ثم خلقها سبحانه سميعة بصيرة ليبلغ الإنسان حاجتهء لأنها لو كانت عمياء صماء لم ينتفع 
بها الأنسان ولاوصلى بها إلى شىء من ماربه» ثم منعت العقل رالذهن حكمة من الله لتذل 
للإنسان فلا تمتنع عليه إذا أكدها عند حاجته إلى إكدادها فى الطحن وحمل الأثقال عليها 
ا 

وقد علم الله أن بالناس حاجة إلى أعمالهم وهم لا يطيقون أعمالها ولا يقدرون 
عليهاء ولو كلف. العباد القيام بأعمالها لأجهدهم ذلك واستفرغ قواهم فلا يبقى فيهم فضيلة 
لعمل شىء من الصناعات والمهن التى يخصون بعملها وخلقتهم قابلة لها ولا غنى لهم 
عنهاوتحصيل الفضائل من العلوم والآداب» ولكان ذلك مع إتعابه لأبدانهم يضيق عليهم 
معائشهم . فكان قضاؤه على هذا وتسخيرها لهم من النعم العظيمة» انظر فى خلق أصناف 
من الحيوان وتهييئها لما فيه صلاح كل صنف منهاء فبنو آدم لما قدروا أن يكونوا ذوى علاج 
للصناعات واكتساب العلوم وسائر الفضائل ولا غنى لهم عن البناء والحياكة والتجارة وغير 
ذلك خلقت لهم العقول والأذهان والفكرء وخلقت لهم الأكف ذوات الأصابع ليتمكنوا من 
القبض على الأشياء ومحاولات الصناعات. وآكلات اللحم لى قدر أن يكون عيشها من 
الصيد ولا تصلح لغيره خلقت لها مخالب وسرعة نهضة وأنياب. وآكلات النبات لما قدر أن 
تكون غير ذات صنعة ولا صيدء خلقت لبعضها أظلاف كفتها خشونة الأرض إذا جالت 
فى طلب المرعى ولبعضها حوافر مستديرة ذات قعر كأخمص القدمين لتنطبق على الأرض 
وتتهياً للحمل والركوب. 

تأمل التدبير فى خلق آكلات اللحم من الحيوان كيف خلقت ذوات أسنان حداد 
وأضراس شداد وأفواه واسعة وأعينت بسلاح وأدوات بذلك ما تطلبه» فإن ذلك كله صالح 
للصيد» فلو كانت البهائم التى عيشها النبات ذوات مخالب وأنيات كانت قد أعطيت ما لا 
تحتاج إليهء لأنها لا تصطاد ولا تأكل اللحومء ولو كانت السباع ذوات أظلاف كانت قد 
منعت ما تحتاج إليه من السلاح الذى به يصطاد. فانظر كيف أعطى سبحانه كل واحد من 
أصناف الحيوان مايشاكله وما فيه صلاحه وحياته انظر إلى أولاد ذوات الأربع كيف تجده 
تتبع الأمهات مستقلة بنفسها لا تحتاج إلى تربية وحمل كما يحتاج الآدميون. إذ لم يجعل 
فى أمهاتها ما جعل فى أمهات البشر من العقل والعلم والرقق فى أحوال التربية والقوة 
عليها بالفكر والآأكف والأصابع المهيأة لذلك ولغيره» فلذلك أعطيت النهوض والاستقلال 


۳ ہد اجموعة رسال الإمام‌الفزالی سد 


بأتفسها. ولذلك ترى فراخ بعض الطير مثل الدجاج والدراج يدرج ويلقط عقيب خروجها 
من البيضة» وما كان منها ضعيمًا لانهوض له مثل فراخ الحمام واليمام جعل فى الأمهات 
عطفًا عليهاء فصارت تعين الطعام فى حواصلهاء ثم تمجه فى أفواه فراخها ولا يزال كذلك 
حتى ينهض وتستقل » فكل أعطى من اللطف والحكمة بقسط . فسبحان المدير الحكيم . 

انظر إلىءخوائم الحيوان كيف ينتقل أزواجًا لتتهيأ للمشى» فلو كانت أفرادًا لم تصلح 
لذلك لأن المائى منها ينقل منها بعضه ويعينه على مشيه اعتماده على ما لم ينقله منهاء 
فذو القائمتين ينقل واحدة ويعتمد على الأخرى وذو الاربع ينقل اثنتين ويعتمدعلى اثنتين» 
وذلك من خلاف لأنه لو كان ينقل قائمتين من أحد جانبيهء ويعتمد على قائمتين من 
الجانب الآخر لم يثبت على الأرض كالسرير ولو كان يرفع يديه ويتبعها برجليه لفسد مشيهء 
فجعل ينقل اليمنى من مقدمه على اليسرى من مؤخره» ويعتمد الآخرين من خلاف أيضًا 
فتثبت على الأرض ولا تسقط إذا مشى لسرعة التحاقهما فيما بين المشى والاعتماد. 

أما ترى الحمار يذل للحمولة والطحن» والفرس مردعًا منهاء والبعير لا تطيقه عدة 
رجال لو استعصى» وينقاد لصبى صغيرهء والثور الشديد يذعن لصاحبه حتى يضع النير 
على عنقه ليستحرثه» والفرس تركب ويحمل عليها السيوف والأسنة فى الحروب وقاية 
لراكبهاء والقطيع من الغنم يرعاها صبى واحد فلو تفرقت فأخذت كل شاة منها جهة 
لنفورها لتعذرت رعايتهاء وربما أعجزت طالبهاء وكذلك جميع الخيوان المسخرللإنسان» 
وماذلك إلا لأنها عدمت العقل والتروى. فكان ذلك سيبًا لتذليلها فلم تلتو على أحد من 
الناس» وإن أكدها فى كثير من الأحوال. وكذلك السباع لو كانت ذوات عقل وروية 
لتواردت على الناس وأنكتهم نكاية شديدة عظيمة ولعسر زجرها ودفعهاء ولا سيما إذا 
اشتدت حاجتها فى طلب قوتها ويشتد .خللهاء ألا يرى إذا أحجمت عن الخلق وصارت فى 
أماكنها خائفة تهاب مساكن الناس وتحجم عنها حتى صارت لا تظهر ولا تنبعث فى طلب 
قوتها فى غالب أحوالها إلا ليلاً» قجعلها مع شدة قرتها وعظم غذائها كالخائفة من الإنس» 
بل هى ممنوعة منهمء ولولا ذلك لساورتهم فى منازلهم وضيقت عليم فى مساكنهم. 

ألا ترى الكلب وهو من بعض السباع كيف سخر فى حراسة منزل صاحبه حتى صار 
يبذل نفسه ويترك نومه حتى لايصل إلى صاحبه مايؤذيه» ثم إنه أعان صاحبه بقوة صوته 
حتى يتنبه من نومه فيدفع عن نفسه ويألفه حتى يصير معه على الجوع والعطش والهوان 
والجفاءء فطبع على هذه الخلال لمنفعة الإنسان فى الحراسة والاصطياد. ولما جعله البارى 
انه حبار أمده بسلاحء وهى الأنياب والأظفار واللهث القوى ليذعر به السارق 
والمريب» وليجتنب المواضع التى يحميها. 


ثم انظر كيف جعل ظهر الدابة سطحًا مثبثًا على قوائم أربع لتمهيد الركوب والحمولة  ٠‏ 
وجعل فرجها بارا من ورائها ليتمكن الفحل من ضرابهاء إذ لو كان أسفل باطنها كالآدمى' 
لم يتمكن الفحل منهاء ألا ترى أنه لا يستطيع أن يأتيها كفاحا كما يأتى الرجل المرأة فتأمل 
هذه الحكمة والتدبير»ولما كان فرج الفيلة تحت بطنهاء فإذا كان وقت الضراب ارتفع وبرز 
للفحل حتى يتمكن من إتيانها فلما لم يخلق فى الموضع المخلوق فى الأنعام والبهائم 
خلقت فيه هذه الصفة ليقوم الأمر الذى به دوام التناسل» وذلك من عظيم العبرء ثم 
انظر كيف كسيت أجساد البهائم الشعر والوبر ليقيها ذلك الحر والبرد وغيره من الآفات» 
وحملت قوائمها على الأظلاف والحوافر ليقيها ذلك من الحفاء» وما كان منها بغير ذلك 
جعلت له أخفاف تقوم مقام الحافر فى غيرهء ولما كانت البهائم لا أذهان لها ولا أكف ولا 
أصابع تتهيأ للأعمالء كفيت مؤنة ما يضر بها بأن جعلت كسوتها فى خلقتها باقية عليها 
ما بقيت فلا تحتاج إلى استبدال بها ولا تجديد بغيرها بخلاف الاأدمى»ء فإنه ذو فهم وتدبير 
وأعضاء مهيأة لأعمال ما يقترحه وله فى إشغاله بذلك صلاح وفيه حكمةء فإنه خلق على 
قابا: لفعل الخير والشر وهو إلى فعل الشر أميل إلى فعل الخيرء فجعلت الأسياب التى 
يحصل بها ما هو محتاج إليه ليشتغل بها عما فيه فساده وهلاك دينه فإنه لو أعطى الكفاية 
فى كل أحواله أهلكه الأشر والبطرء وكان من أعظم الحيوانات فسادًا فى الأرض ولتصرف 
بعقله الذى هو مخلوق لينال به السعادة إلى ما فيه شقاوته» ثم إن الآدمى مكرم يتخير من 
ضروب اللابس ما شاء » فيلبس منها ما شاء» ويخلع منها ما شاء ويتزين بها ويتجمل 
ويتلذذ منها بما يشاء ويكمل بها زينته وجماله وبهاءه فى عين من يصحبه ويحب قربه 
ويطيب بذلك رائحته وينعش نفسهء وهذا من باب النعمة عليه والكرامة له بخلاف البهائم 
فإنها غنية عن هذا كلهء انظر فيما ألهم الله البهائم والوحوش فى البرارى» فإنها توارى 
أنفسها كما يوارى الناس موتاهم فما أحس منها بالموت توارى بنفسه إلى موضع يحتجب 
فيه حتى يموت وإلا فأين جثث السباع والوحوش وغيرها » فإنك لو طلبت منها شيئًا لم 
تجده وليست قليلة فيخفى أمرها لقلتهاءبل لوقال قائل إنها أكثر من الإنس لم يبعد. لأن 
الصحارى قد امتلأت من سباع وضباع وبقر وحمير ووعل وإبل وخنازير وذئاب وضروب 
من الهوام والحشرات وأصناف من الطير وغير ذلك عا لا ييحصى عدده» وهذه الأصناف فى 
كل يوم يخلق منها ويموت منها ولا يرى لها رمم م وجودةء والذى أجرى الله به عادتها أن 
تكون فى أماكنهاء فإذا أحست بالموت أتت إلى مو ضعها خفية فتموت فيهاء فانظر هذا 
الآمر الذى ألهمت له هذه الأصناف فى دفن جثئثها :م فطرت عليه وشخص لبنى آدم بالفكر. 
والتروى . 


تأمل الدواب كيف خلق أعينها شاخصة أمامها لتنظر ما بين يديها فلا تصدم حنائطًا 
ولا تتردى فى حفرة» وإذا قربت من ذلك نفرت منه وأبعدت نفسها عنه وهى جاهلة بعاقبة 
ما يلحقها منه» أليس الذى جبلها على ذلك أراد صلاحها وسلامتها ليتتفع بها؟ ثم انظر 
إالى فمها مشوقًا إلى أسفل الخطم لتتمكن من نيل العلف والرعى . ولو جعل كفم الإنسان 
لم تستطع أن تتناول شيئًا من الأرض وأعينت بالحجفلة لتقصم بها ما قرب منهاء فألهمت 
قصم ما فيه صلاحها وترك ما لاغذاء لها فيه ولاصلاح» انظر ما كان من البهائم كيف يمز 
الماء فى شربه مزاء وكيف خلقت فيه شعرات حول فمه يدفع بها ما فى شربها ما كان على 
وجه الماء من القذى والحشيش ويحركها تحريكمًا يدفع به الكدر عن الماء حتى يشرب 
صفوهءفتقوم لها هذه الشعرات مقام فم الإنسانء ثم انظر إلى ذنب البهيمة 
وحكمتهء وكيف خلق كأنه غطاء فى طرفه شعر» فمن منافعه أنه بمنزلة الغطاء على فرجها 
ودبرها ليسترها ومنها أن ما بين دبرها وطرق بطنها أبدًا يكون فيه وضر يجتمع بسبيه الذباب 
والبعوض ويجتمع أيضء على مؤخرهاء فأعينت على دفع ذلك يتحريك ذنبهاء فصار كأنه 
مدية فى يدها تذب بها وتطرد عنها ما يضر بهاء ثم إنها تعطف برأسها فتطرد به ما فى 
مقدمها من الذباب أيضًا ثم إن الدابة أيضًا أعينت بحركة مختصةء وذلك أن الذباب إذا وقع 
عليها فى مواضع بعيدة من رأسها وذنيها حركت ذلك المرضع من جلدها تحريكًا تطرد به 
الدباب وغيره عنها. وذلك من عجيب الحكمة فيما لا ينتفع بيدين. 

ومن الحكمة فيه أيضًا أن الدابة تستريح بتحريكه يمنة ويسرة لأنها لا كان قيامهاعلى 
أربع اشتغلت يداها أيضًا بالحمل لبدنها والتصرفء فجعل لها فى تحريك ذنبها منفعة 
وراحة. وأعينت بسرعة حركته حتى لا يطول ألمها بما يعرض لهاء ومن الحكمة فيه أن 
البهيمة إذا وقعت فى بركة أو مهواة أو وحلت فى طين أو غيره. فلا تجد شيئًا أهون على 
نهوضها وخلاصها منه من الرفع بذنبهاء ومن ذلك إذا خحيف على حملها أن ينقلب على 
رقبتها عند هبوطها من مكان مصبوب أو ليسبقها رأسها فتنكب على وجههاء فيكون مسكها 
بذنبها فى هذه المواضع يعد لها ويعينها على اعتدال سيرها وسلامتها مما خيف منه عليها إلى 
غير ذلك من مصالح لا يعلمها إلا الحكيم العليم. 

انظر إلى مشفر الفيل» وما فيه الحكمة والتدبير فإنه يقوم مقام اليد فى تناول العلف 
وإيصاله إلى فمهء فلولا ذلك ما استطاع أن يتناول شيئًا فى الأرض إذ لم يجعل له عنق 
يمده كسائر الأنعام».فلما عدم العنق فى هذا الخلق جعل له هذا الخرطوم بمده فيتناول به ما 
يحتاجه فسبحان اللطيف الخبيرء انظر كيف جعل هذا الخرطوم وعاء يحمل فيه الماء إلى فمه 
ومنخرا يتنفس منه وآله يحمل بها ما أراد على ظهره أو يناول من هو راكب عليهء انظر إلى 


ی مجموعة رسائل الإمام الغزالی ست 377 = 
خلى الزرافة لما كان منشُوها فى رياض شاهقة خلق لها عنقًا طويلاً لتدرك قوتها من تلك 
الأشجار. 

تأمل فى خلق الثعلب فإنه إذا حفر له بيتا فى الأرض جعل له فوهتين إحداهما: 
ينصرف منهاء والأخرى : يهرب منها إن طلب ويرفق مواضع فى الأرض فى بيتهء فإن 
طلب من المواضع المفتوحة ضرب برأسه فى المواضع التى رفقهاء فخرج من خير المنافذ 
وهى المواضع التى محتهاء انظر ما خلق الله تبارك وتعالى فى جبلته لصيانة نفسه» وجملة 
القول فى الحيوان : أن الله تبارك وتعالى خلقه مختلف الطباع والخلق. فما كان منه ينتفع 
الناس بأكله خلق فيه الانقياد والتذليل وجعل قوته النباتء. وما جعل منه للحمل جعله 
هادئ الطبع قليل الغضب منقادًا منفعلاآً على صور يتهيأ منه الحمل» وما كان منه ذا غضب 
وشر إلا أنه قابل للتنظيم إذا نظم خلق فيه هذا القبول للتعليم ليستعين العباد بصيده 
وحراسته وأعين بالات قد تقدم ذكرهاء ومن جملة ذلك الفيل فإنه ذو فهم مخصوص به 
وهو قابل للتأنس والتعلم فيستعان به فى الحمل والحروب» ومنها ما له غضب وشر إلا أنه 
متأنس بالإنسان لمفعته كالهرة» ومن الطير ما للناس به انتفاع لما فيه من الإلفة والتأنس» 
فمن ذلك الحمام يألف موضعه فشغل بسببه فى الإخبار بسرعة إذا دعت الحاجة إلى ذلك» 
وجعله الله سبحانه وتعالى كثير النسل فيكون منه طعام ينتفع بهء ومن ذلك البازى» فإن ٠‏ 
طباعه تنتقل إلى التأنس» وإن كان فى طبعه مبايئًا إلا أنه لما علم الله أنه ينتفع بصيده جعل 
فى القبول للتنظيم حتى خرج عن عادته وبقى يعمل ما يوافق أصحابه وقت الصيد. وما 
خفى من الحكم فى خلق الله تعالى أكثر نما علم. 


باب فى حكمة خلق النحل والنمل 
والعنكبوت ودود المروالدياب وغيردلك 

قال الله سبحانه وتعالى: ل[ وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجتاحيّه إلا امم 
أمتالكم ما فَرَطتا في الکتاب من شيء ڈ م إلى ربهم يحشرون ب 1الانمام: A‏ 

انظر إلى النمل وماألهمت له فى احتشادها في ج جمع قوتها وتعاونهم على ذلك 
وإعداده لوقت عجزها عن الخروج والتصرف بسبب حر أو بردء وألهمت فى تقلب ذلك 
من الحزم ما لم يكن عند من يعرف العواقب حتى تراها فى ذلك إذا عجز بعضها عن حمل 
ما حمله أو جهد به أعانه آخر فيه فصارت متعاونة على التقل كما يتعاون الناس على 
العمل الذى لا يتم إلا بالتعاون. 5 ثم إنها ألهمت حفر بيوت فى الأرض تبتدئ فى ذلك 
بإخراج ترابها وتقصد إلى الحب 0 منه قوتها فتقسمه خشية أن ينبت بنداوة الأرض فمن 


کسی ۳۸٢‏ سسحت بمجيموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


خلق هذا فى جبلتها إلا الرحمن الرحيم» ثم إذا أصاب اللحب بلل أخرجته فنشرتهه حتى 
يجفء ثم إنها لا تتخذ البيوت إلا فيما علا من الأرض خوقًا من السيل أن يغرقها. 

ثم انظرإلى النحل وما ألهمت إليه من العجائب وا-تكم؛ فإن البارى سبحانه جعل 
لها رئيسًا تتبعه وتهتدى به فيما تناوله من أقواتهاء فإن ظهر مع الرئيس الذى تتبعه رئيس 
آخرمن جنسه قتل أحدهما الآخر. وذلك لمصلحة ظاهرة وهو خوف الافتراق» لأنهما إذا 
كانا أميرين وسلك كل واحد منهما فجّا افترق النحل خلفهماء ثم إنها ألهمت أن ترعى 
رطوبات من على الأزهار فيستحيل فى أجوافها عسل فعلم من هذا التسخير ما فيه من 
مصالح العباد من شراب فبه شفاء للناس كما أخبر سبحانه وتعالى» وفيه غذاء وملاذ للعباد 
وفيه من أقوات فضلات عظيمة جعلت لنافع بنى آدم . فهى مثل ما يفضل من اللبن الذى 
خلق لمصالح أولاد البهائم وأقواتها وما فضل من ذلك» ففيه من البركة والكثرة ما ينتفع به 
الناس» ثم انظر ما تحمله النحل من الشمع فى أرجلها لتوعى فيه العسل وتحفظه» فلا : اد 
تجد وعاء أحفظ للعسل من الشمع فى الأجناح فانظر فى هذه الذبابة: هل فى ء لها 
وقدرتها جمع الشمع مع العسل أو عندها من المعرفة بحيث رتبت حفظ العسل مد طويلة 
باستقراره فى الشمع وصيانته فى الجبال والشجر فى المواضع التى تحفظه ولا يفسد فيهاء ثم 
انظر لخروجها نهار لرعيها ورجوعها عشية إلى أماكنهاء وقد حملت ما يقوم بقوتها ويفضل 
عنهاء ولها فى ترتيب بيوتها من الحكمة فى بنائها حافظ 1ا تلقيه من أجوافها من العسل» 
ولها جهة أخرى تجعل فيها برازها مباعدًا عن مواضع العسل» وفيها غير هذا مما انفرد الله 
بعلمه . 

انظر إلى العنكبوت وما خلق فيها من الحكمة؛ فإن الله خلق فى حسدها رطوبة 
تنسج منهابيئًا لتسكنه وشركًا لصيدها فهو مخلوق من جسدهاء وجعل الله غذاءها من 
أقواتها ينصرف إلى تقويم جسدهاء وإلى خلق تلك الرطوبة المذكورة فتنصبه أبدا مثل 
الشرك وفى ركن الشرك بيتها وتكون سعة بيتها بحيث يغيب شخصهاء وللشرك من خيوط 
رقاق تلتف على أرجل الذباب والناموس وما أشبه ذلك فرذا أحست أن شيد من ذلك وقع 
فى شركها خرجت إليه بسرعة وأخذته محتاطة عليه ورجعت إلى بيتها فنقتات بما يتيسر لها 
من رطوبة تلك الحيوانات» وإن كانت مستغنية فى ذلك الوقت شكلنه وتركته إلى وقت 
اها ار ها حل اله اف الات مسرل فزني فت دك ماه 
الإنسان بالفكرة والحيلة» كل ذلك لإصلاحها ولنيل قوتها ولتعلم أن الله هو المدبر تهذا. 

ثم انظر من العجائب دود القزء وما خلق فيه من الأشياء التى يتحير منها وتذكر الله 
عند رؤيتهاء فإن هذا الدود خلق لمجرد مصلحة الإنسان ومنافعهء فإن هذا الحيوان الذى 


کل من حه انرو ولك أ ضورة الور كفن هق إا جم عنادجهرذا كالدن 
فيوضع هذا الدود على ورق التوت فيتغذى منهء فلا يزال يرعى منه حتى يحفر جسمه 
فينلبعث إلى غزل نفسه جوزة الحرير» فلا يزال كذلك حتى يفنى جسمه وتعود جوزة الخرير 
ويصير هو جسم ميئًا لا حياه فيه» ثم انظر فإن البارى سبحانه لما أراد حفظ هذا الجنس 
ببقاء نسله فعندما ينعهى من غزل الحرير ويعفى ذلك الجسم يقلبه الله إلى صورة طائر صغير 
قريب من صورة النحل فيجمع على بساط أو غيره وهو فى رأى العين جنس واحد لا يتميز 
منه الذكر من الأنشى فيعلو الذكر منه على ظهر الأنثى ويقيم الحظة على ظهرها فتحبل 
لوقتها مثل ذلك البزر الذى حضن أولاً» ثم يطير فيذهب فلا يبقى بها انتفاع إذ قد حصل 
منها المقصود وهو ذلك البزر. فانظر من ألهمها الرعى من ذلك الورق حتى يرتب منه. 
ومن ألهمها إلى غزل أجسادها حريرً حتى تفنى فيما غزلته» ومن ربى لها أجنحة وقلب 
صورتها حتى صارت على هيئة تمكن فيها اجتماع الذكر والأنثى لتناسلهاء ولو بقيت على 
صورتها الأولى لم يأت منها تناسل ولا هذا الاجتماعء ثم انذلر ما يسره البارى سبحانه 
من عمل ما غزلته هذه الدودة على من يعمله من بنى آدم حتسى يكون منه أموال كثيرة 
وملابس عظيمة وزينة. وانظر هذا التسخير العجيب فى هذا الحيوان اللطيف وما أظهر فيه 
سبحانه من بديع الصنع وعجيب الفعل وعظيم الاعتبارء وماجعل فيه من البرهان والآيات 
على بعث الأموات وإعادة العظام الرفات سبحانه لا إله إلا هو العلى العظيم . 

ثم انظر الذبابة وما أعينت به فى نيل قوتهاء فإنها خلتت بأجنحة تسرع بها إلى 
موضع تنال فيه قوتها وتهرب بها عما يهلكها ويضر بها وخلى لها ستة أرجل تعتمد على 
أربع وتفضل اثنتين؛ فإن أصابها عثار مسححته بالرجلين اللذين تليهماء وذلك لرقة أجنحتهاء 
ولأن عينيها لم يخلق لهما الهداب» لأنهنما بارزتان عن رأسهاء وجعل هذا الحيوان وما 
جرى مجراه مما يتعلق ببنى آدم وقع عليهم دائمًا وينخص علي». عيش هم ليعرفهم البارى 
سبحانه هوان الدنيا حتى تصغر عندهم ويهون أمر فراقها وهو وجه من وجوه الحكمة 
5 تأمل كثير من الحيوان الصغير عندما تلمسه يعود كأنه جماد لا حراك به» ويبقى على 
ذلك ساعة» ثم يتحرك ويمشي » وهل ذلك إلا لأن مايصطاد إذا دلت هيئته على عدم 
حياته» فإذا كان شبيها بالجماد ترك كما تترك سائر الحجارة. تأمل العقاب عندما يصطاد 
السلحفاة يجدها كأنها حجرء ولا يجد فيها موضعا لأكله. فيصعد بها فى مخالبه حتى إذا 
أبعد من الأرض اعتدل بها على جبل أو حجارة وأرسلها فتهشمها الوقعة فيسقط عليها 
فيأكلها. فانظر كيف ألهم الطريق فى نيل قوته من غير عقل ولا روية . 


سے .ع ليست مجموعة رسائل الإمامالفزالسى حت 


انظر إلى الغراب لما كان مكروها خلق فى طبعه الحذر لصيانة نفسه حتى كأنه يعلم 
الغيب فيمن يقصدهء وألهم الاحتيال فى إخفاء عشه لصرن فراخه وقل احتفاله بالأنثى 
و قاد در ولذلك قل أن يرى مجتمعًا مع أنثى» فاا ا ااه 
مع من له عقل وفطنة وتراه مع البهائم على خلاف ذلك فيقف على ظهورها ويأكل من دم 
البعيرء ومن أوواث الدواب وقت تبرزهاء وإذا وجد شيئًا من قوته وأكل منه وشبع دفن 
باقيه حتى يعاوده وقنّا آخرءفما خخلق هذا فى طبعه وديره بهذا التدبير العجيب إلا اللهء لأنه 
لذ عق ٠.‏ له ولا روي 

انظر إلى الحدأة لما كانت مكروهة حفظت نفسها بقوة طيرانها وتعاليها وحفظت فى 
أمر قوتها بقوة بصرهاء فإنها ترى ما تقتات به فى الأرض مع علوها فى الجو فتنحط نحوه 
بسرعة» وألهمت معرفة من هو مقبل» ومن هو مدبر فتخطف ما تخطفه من الناس من 
ورائهم. ولا تخطف مما يستقبلها لثلا يمنعها المستقبل بيديهء وأعينت لما كان غذاؤها من هذه 
الوجوه بأن جعلت لها مخالب كأنها السنانير لا يكاد يسقط منها ما ترفعه » فسبحان المدبر 
الحكيم . 

انظر إلى الحيوان المسمى حرباء وما فيه من التدبيرء فإنه خلق بطيئًا فى نهضتهء وكان 
لا بد له من قوتهء فخلق على صورة عجيبة» فخلقت عيناه تدور لكل جهة من غير حركة 
فى جسده ولا قصد إليه ويبقى جامدًا كأنه ليس من الحيوان؛ ثم أعطى مع السكون وهو أنه 
يتشكل فى لون الشجر التى يكون عليها حتى يكاد يختلط لونه بلونهاء ثم إذا قرب منه ما 
يصطاده من ذباب أو غيره أخرج لسانه فيخطف ذلك بسرعة خفوق البرق» ثم يعود على 
حالته كأنه جزء من الشجرة» وجعل الله لسانه يخلاف المعتاد ليلحق به ما بعد عنه بثلاثة 
أشبار أو نحوه» فقد سخر له ما يصطاد به على هذه المسافة» وإذا رأى مأ يريعه ويخيفه شكل 
على هيئة وشكل ينفرد منه من يصطاد من الحيوان ويكرهه. فانظر هذه الأشياء التى خلقت 

انظر إلى الحيوان الذى يسمى سبع الذباب وما أعطى من الحيلة والرفق فيما يقتات 
به فإنك تجده يحس بالذباب قد وقع قريبًا منه فيركد ملبا حتى كأنه ميت أو جماد لا 
حراك بهء فإذا أحس أن الذباب قد اطمأن دب منه دبيبًا دقيقًا حتى لا ينفره حتى إذا صار 
قريبًا منه بحيث يناله بوثبه وثب عليه فاخذه. فإذا أخذه اشتمل عليه بجسده كله خشية أن 
يتخلص منه الذباب فلا يزال قابضمًا عليه حتى يحس ببطلان حركته فيقبل عليه فيتغذى منه 
بما يلائمه فانظر إلى هذه الحيلة من فعله أو هى مخلوقة من أجل رزقه فسبحانه البارئ 


الحكيم . 


انظر إلى الذر والبعوض الذى أوهن الله قوتها وأصغر قدرها وضرب بها المثل فى 
کتابه» هل تجد فيه تقصًا عما فيه صلاحها من جناح تطير به ورجل تعتمد عليها وبصر 
تقصد به موضعا تنال قيه قوتها وآلة لهضم غذائها وإخراج قضلته. وانظر هل يمكن أن 
يعيش من غير قوت وهل يمكن أن يكون القوت فى غير محل واحدء وإخراجه فضلته من 
غير متفذء ثم انظر كيف دبرها العزيز الحكيم. فسواها وقدر أعضاءها واستودعها العلم 
والمعرفة بمناقعها ومضارهاء وكله دليل على علمه وقدرته وحكمته البالغة: فهى بعوضة 
صغرت فى النظرء ومع هذا فلو أن أهل الموات والأرض من الملاتكة» فمن دونهم من 
العالمين وسائر الخلق أجمعين أرادوا أن يعرفوا كيف قسم الخالق سبحانه أجزاءها وحسن 
اعتدال صورتها فى أعضائها لما قدروا على ذلك إلا تظاهراً لمنظر العجرز منهم على عدم علم 
حقيقة الخبر»ولو اجتمعوا ثم تفكروا كيف ركبت معرفتها حتى عرفت أن ما بين الجلد 
واللحم دما وهو الذى منه غذاؤهاء ولولا معرفتها به لم تدم على مصه تطعمه وكيف همتها 
التى قصدت بها أن تطير إلى الموضع الذى ألهمها ربها أن فيه غذاءهاء وكيف خرق 
سمعهاء وكيف سمعت حس من يقصدها وكيف عرفت أن نجاتها فى القرار إذا ولت هارية 
تمن قصدها فلن يدرك ذلك منها الخلائق أجمعونء ولو جزّءوهاء ما ازدادوا فى أمرها إلا 
عمى وبعدا عن المعرفة» فهذه الحكمة والقدرة فى بعوضة فما ظنك يجميع مخلوقاته 
سبحانه وتعالى علو كبيرًً. 


باب فى حكمة خلق السمك وماتضمن خلفها من الحكم 

قال الله تعالى : ل وهو الذي سجر البحر لتأكلوا مته خما طريا ) [النحل: ٤‏ 

انظر واعتبر بما خلق الله تعالى فى البحار والأنهار من الحيوان المختلف 0 
والأشكالء .وما فيه من الآيات البيتات» فإنه تعالى لما جعل مسكنه فى الماء لم يخلق له 
قوائم ولم يخلق قيه رئه» لأنه لا يتمشى وهو منغمس فى لجة الماءء وخلقت له مكان 
القوائم أجتحة شداد يحركها من جانبه فيسير بهاحيث شاء» وكسا جلده كسوة متداخلة 
صلبة تخالف لحمه متراصة كأنها درع لتتقيه ما يعتدى عليه وما يؤذيه» وما لم يخلق له من 
السمك تلك الكسوة وهى القشر المتداخل المخلوق على ظاهره خلق له جلدًا غليظًا متقنًا له 
سقام تلك الكسوة لغيرهء وخلق له بصراً وسمعًا وشمًا ليستعين بذلك على نيل قوته 
والهرب مما يؤكيه. 

وانظركيف أعطى فى قعر البحر ما يناسبه قى تيل القوت والهرب مما يضره.ء ولما علم 
اللّه سبحانه أن بعضه غذاء لبعض كثره. وجعل أكثر أصنافه يحمل» ولم يجعل الحمل منه 


مخصوصً بالآنثى دون الذكر كحيوان البرء بل جعل الذكر والأنثى جنسًا واحدًا يخلق فى 
بطونها مرة واحدة فى وقت معلوم ذريعة مجتمعة مشتملة على عدد لا ينحصرهء فيخلق من 
جوف واحد عددًا لا يحصىء وذلك من كل برزة حوئًا من الجنس ومن جنس آخر يخلق 
فى الأنهار وغيرها بغير توالد فيخلق منها أعدادًا لا تنحصر دفعة واحدة» ومنه صنف يتوالد 
بالذكر والاثى وهذا الجنس يخلق له يدان ورجلان مثل السلحفاة والتمساح وماشاكلهما 
رلت ها يهن "فإذا فقن اليه كزازة الشممل حرج من كل ةو اة ن ان 
ولا علم الله سبحانه وتعالى أن السمك فى البحر لا يمكن أن يحضن ما يخرج من بزره 
ألقى الروح فى بزر جميعه عندما يولد فيجد فيه جميع ما يحتاج من الأعضاء عند إلقاء 
الروح فيه فيستقل ولا يفتقر إلى أحد فى كمال خلقهء فانظر هذه الحكمة واللطف حيث 
لم يمكن حضانته فى البحر ولا تربيته ولا معونته البتة جعله مستقلاً بنفسه مستغنيًا عن ذلك 
كلهء ثم إن الله سبحانه كثره» لأن منه قوت جنسه وقونًا لبنى آدم والطير فلذلك كان كثيراء 
ثم انظر إلى سرعة حركته وإن لم تكن له آلة كغيره من الحيوان وانظر إلى حركة ذنبه 
وانقسامه. وكيف يعتدل بذلك فى سيره كما تعتدل السفينة برجلها فى سيرهاء وخلقت 
أرياشه ألواحا من جانبيه ليعتدل بهما أيضًا فى سيره فهو منزلة المركب» وانظر إلى عظامه 
كيف خلقت مثل العمد يبنى عليهاء ففى كل موضع منه ما يليق به من صورة العظم 
المشاكل لذلك العضوء فهو كإنشاء المركب بمتد العظم الجافى الذى هو قوته ويخرج من 
أضلاع إلى مراقى البطن والظهر وعظام الرأس يحتاج إليه من الأمر وبه قوامه. وانظر إلى 
ما كان منه كاسر! كيف أعين على نيل قوته لصلابة اللحم وقوة النهضة وكثرة الأسنان حتى 
أنه لكثر أسنانه تكون العضة الواحدة تجزيه عن المضغ . 

انظر إلى ما خلق الله فى البحر ضعيفًا قليل الحركة مثل أصناف الصدف والحلزون 
كيف حفظ بأن خلق عليه ذلك الحصن الذى هو صلب كالرخام ليصونه ويحفظه» وجعل 
له بیتا وسکتاء وجعل ما یولی جسده ناعمًا أنعم ما يكون. وربما ضر ببيت بعض أصناف 
الحلزون حتى لا يكون فيه مطمع البتة» وأصناف منه خلقت فى محائز مفتوحة لا يمكن 
صيانتها لنفسها لتغلقها ولا يضيق مسلكهاء فجعل الله لها من الجبال والحجارة مغطى. 
وجعل لها أسبايًا تلتصق بها فى الحبل فلايستطاع إخراجها إلا بغاية الجهد وجعل لها قونًا 
من رطوبة الخبل تتأتى حياتها بذلك . 

وأما الحلزون الذى بيته كأنه كوكب فإنه يخرج رأسه يرعى» فإذا أحس بما يؤذيه 
أدخل رأسه فى بيته وختم عليه بطابع صلب يقرب من صلابة بيته فيغيب أثره بالجملة فانظر 
هذا اللطف وأن الله لم يهمل شيئًا. واعلم أن الله حافظ لما فى البحار وما فى الآكام 
والجبال. فتبارك الذى أعطى كل شىء خلقه ثم هدى. 


وانظر إلى أنواع من السمك يرعى قرب البر الصغير منها وال جا فى الأعماق» وخلق 
الله فى جوفه صبِفًا كأنه حبر وهو يخلق له فيه من فضلة غذائه كما يخلق اللبن فى 
تغير فلا يعرف كيف ذهب ولا كيف طريقه من تغيير الماء فعل الله ذلك له وقاية لنفسه 
وفعل فيه مصالح أخرى لا يعلمها إلا خالقها. انظر إلى نوع آخر من السمك أعين بأجنحة 
مثل أجنحة الخفاش ينتقل بها من موضع إلى موضع فى الهواء من وجه الماء يظهر لمن 
لايعرف ذلك أنه من طيور البر. انظر إلى نوع آخر من أنواع السمك ضعيف وكثيرا ما 
يكون فى الأنهار» وجعل الله فيه خاصية تصونه إذا اقتربت منه يد من يأخذه وفيه الروح 
تخدر البدن واليد فيعجز قاصله عن أخذه بذلك السب» فلو ملكت الكتب بعجائب حكم 
الله فى خلق واحد لامتلأت الكتب وعجز البشر عن استكمالها وما هو المذكور فى كل نوع 
تنبيه يشير إلى أمرعظيم . 


باب في حكمة خلق النبات 
ومافيه من عجائب حكمة الله تعالى, 

قال الله تعالى : ل أمن خلق السموات والأرض وأنزل کم من السماء ماء فَأنبتنا به 

١ائ‏ ذات بهجة ما كان كم أن تنبتوا شجرها أله مع الله بل هم قوم يعدلون 4 [النمل: +١‏ 

انظر وفقك الله وسددك إلى ماعلى وجه الأرض من النبات وما فى نظره 3 
فى حسن منظره وبهجته ونضارته التى لا يعد لها شىء من مناظر الأرض» ثم انظر إلى 
جعل البارئ فيه من ضروب المنافع والمطاعم والروائح والمآرب التى لا تحصيء وخلق فيه 
الحب والنوى مخلوقًا لحفظ أنواع النبات» وجعل اللمار للغذاء والتفكه والإتيان منها 
للعلف والرعى؛ والحطب للوقود؛ والأخشاب للعمارة وإنشاء السفن ولغير ذلك من 
الأعمال التى يطول تعدادهاء والورق والأزهار والأصول والعروق والفروع والصموغ 
لضروب من المصالح لا تحصى . أرأيت لو وجدت الثمار مجموعة من الأرض ولم يكن 
تنبت على هذا السوق الحاملة لها ما كان يحصل من الخلل فى عدم الأخشاب والحطب 
والإتيان بالعلف وسائر المنافعم» وإن وجد الغذاء بالشمرات والتفكه بها. ثم انظر ما جعل الله 
فيها من البركات حتى صارت الحبة الواحدة تخلف مائة حبة وأكثر من ذلك وأقل» والحكمة 
فى زيادتها وبركتها حصول الاقتيات وما فضل ادخر للأمور المهمة والزراعات» وذلك فى 
الال كنمقات: آزاد تعمارة اذه فاعتطن اهلها من البذن نا تسدزوتة وفقيلة وقيوتوث مها إلى 
إدراك زرعهم» فهذه هى الحكمة التى أعم الله بها البلاد وأصلح بها العبادء وكذلك الشجر 


سسس {{) یہ wu‏ بجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


ا و ا کو ی کے رو اا 
العباد ويصرفونه فى مآربهم ويفضل ما يدخر ويغرس فيدوم جنسه ويؤمن انقطاعه. ولولا 
نموه وبقاء ما يخلفه لكان ما أصابته جائحة ينقطع فلا يوجد ما يخلف . 

تأمل فى هذه الحبوب فإنها تخرج فى أوعية تشبه النرائط لتصونها إلى أن تشتد 
وتستحكم كما تعفلق البشيمة على الحتين» قأما البزر وما أشبه من الخبوب» فإنه يخرج من 
قشور صلبة على رءوسها أمثال الأسنة ليمتع من الطير. فانظر كيف حصنت الحبوب بهذه 
الحصون وحجبت للا يتمكن الطير منها فيصيب بهاء وإن كان يتاله منها قوته إلا أن حاجة 
الآدمى أشد وأولى . تأمل الحكمة فى خلق الشجر وأصناف النبات فإنها لما كانت محتاجة 
إلى الغذاء الدائم كحاجة الحيوانات ولم يخلق فيها حركات تتبعث بها ولا آلات توصل 
إليها غذاءها جعلت أصولها مركوزة فى الأرض لتجذت الاء من الأرض» فتتغذى بها 
أصولها وما علا منها من الأغصان والأوراق والثمارء فصارت الأرض كالام المربية لها 
وصارت أصولها وعروقها كالأفواه الملتقمة لهاء وكأنها ترضع لتبلغ. متها الغذاء كما يرضع 
أصناف الحيوان من أمهاتها. ألم ترى' إلى عمد الخيم والفسطاط كيف يمتد بالأطناب هن كل 
جانب ليثبت منصته فلا يسقط ولا يميل» فهكذا أمر النبات. كله له عروق منتشرة فى الأرض 
عتدة إلى كل جانب وتمسكه وتقيمه» ولولا ذلك لم تثبت الأشجار العالية» لاسيما فى 
الرياح العاصفة. فانظر إلى حكمة الخالق كيف سبقت حكمة الصتاعة واقتدى الناس فى 
أعمالهم بحكمة الله فى مصنوعاته» وتأمل خلق الورق فإنك ترى فى الورقة شبه العروق 
مبثوثئة» فمنها غلاظ نمتلة فى طولها وعرضهاء منها دقائق تتخلل تلك الغلاظ منسوجة 
نسجا دقيقًا عجيبّاء لو كان ما يصنع بأيدى اليشر لما قرغ من ورق شجرة واحدة إلا فى مدة 
طويلة» وكان يحتاج فيه إلى آلات وطول علاج . فانظر كيف يحرج منه فى المدة القليلة ما 
يملأ السهل والجبال وبقاع الأرضى يغير آلة ولا حركة إلا قدرة اليارئ: وإزادته وحكمهء ثم 
انظر تلك العروق كيف تتخلل الورق بأسره لتسقيه وتوصل إليه المادة وهى بمنزلة اتعروق 
المبثوثة فى بدن الإنسان لتوصيل الغذاء إلى كل عضو منهء وأما ما غَلظ من العروق فإنها 
تمسك الورق يصلابتها وقوتها لثلا ينتهك ويتمزق. 

ثم انظر إلى العجم والنوى والعلة فيهء فإنه جعل فى جوف الثمرة ليقوم مقامه إذا 
عدم ما يخرس أو عاقه سيب» فصار ذلك كالشئ النفيس الى يخْرّن فى مواضع شتى 
لعظم الحاجة إليِه. فإن حدث على الذى فى يعض المواضع من حادث. وجد منه فى موضع 
آخرء ثم فى صلايته يمسك رخاوة الثمار ورقتهاء ولولاه لسرحت وسرح الفساد إليها قبل 
إدراكهاء وفى بعضها حب يؤكل وينتفع بدهنه ويستعمل فى مصالح . ثم انظر إلى خان الله 


تعالى فوق النواة من الرطب وفوق العجم من العنبة والهيئة التى تخرج عليهاء وما فى ذلك 
من الطعم واللذة والاستمتاع للعبادء ثم تأمل خلق المحب والنوى وما أودع فيه من قوة 
وعجائب.كالمودع فى الماء الذى يخلق منه الحيوان وهو سر لا يعلم حقيقته إلا الله سبحانه 
وما علم من ذلك يطول شرحه. 

ثم انظر كيفك حفظ الحب والنوى بصلابة وخلقت فى ظاهره قشرة حتى أنه بسبب 
ذلك إن سقط فى تراب أو غيره لا يفسد سريعًاء وإذا ادخر لوقت الزراعة بقى محفوظاء 
فصار قشره الخارج حافظًا لما فى باطنه بمنزلة شىء نفيس عمل له صندوق يحفظه. وعندما 
يوضع فى الأرض ويسقى يخرج منه عرق فى النوى وغصن فى الهواءء وكما ازداد غصنًا 
ازداد عرمًا تتقوى به أصل الشجرة وينصرف الغذاء منه إلى الغصن فهى كذلك إذ يتم 
غصنها قوتها فتكون الفروع محفوظة عن السقوط بالهواء والانكسار بالنقل أوبغيره ويصعد 
الماء فى جذورها إلى أعالى الشجرة فيقسمه الله سبحانه بالقسط وميزان الحق» فينصرف 
للورق غذاء صالح له وللعروق المشتبكة فى الأوراق لاتصال الغذاء إلى جوانب الورق ما 
يليق بغذائهاء وللثمار غذاء صالح لهاء وللأقماع واللحا والأزهار غذاءصالح لكل من ذلك 
ما يليق به ويصلحه. فهو كذلك حتى يكمل فى الثمار نموها وطعمها ورائحتها وألوانها 
المختلفة وحلاوتها وطيبهاء ثم انظر كيف جعل الله سيحانه خروج الأوراق سابقًا لخروج 
الثمار لأن الشمرة ضعيفة عند خحروجها تتضرر بحر الشمس وبرد الهواءء فكانت الأوراق 
ساترة لهاء وصار ما بينها من الفرج لدخول أجزاء من الشمس والهواء لا غنى للثمرة عنها 
فيحفظها ذلك من المن والعفن وغير ذلك من الفساد. 

لم انظر كيف رتب البارئ سبحانه الأشجار والثمار والأزهارء وجعلها مختلفة 
الألوان والأشكال والطعوم والروائح. فأشكالها ما بين طويل وقصير وجليل وحقير. 
وألوانها ما بين أحمر وأبيض وأصفر وأخضرهء ثم كل لون منها مختلف إلى شديد وصاف 
ومتوسط , وطعومها ما بين حلو وحامض ومز وتفه ومر» وروائحها إلى عطرات لذيذات 
مختلفات. وقد أوضح الكتاب العزيز من ذلك ما ذكرناه بما يشرح الصدور ويكشف 
للمتأمل منه كل مستور. فانظر ما أودع البارئ سبحانه فيها من السر عند النظر إليهاء فإنها 
تجلى عن القلوب درنها عند مشاهدتها وتنشرح الصدور برؤيتها وتنتعش النفوس لرونق 
بهجتهاء ٠‏ وأودع الله سبحانه فيها منافع لا تحصى مختلفة التأثير. فمتها ما تقوى به القلوب» 
ومنها أغذية تحفظ الحياة» وجعلها مطعومة لذيذة عند تناولهاء وخلق فيها بزور لحفظ نوعها 
تزرع عند جفافها وانفصال وقت نضارتها. انظر وتأمل ما فى قوله عز وجل : «وشجرة 
تخرج من طور سيناء تنبت بالدهن وصبّغ للآكلين) [اللؤمنون : ٠‏ . فأخرج سبحانه فيما 


النخل شرابًا عسلاً مختلفًا ألوانه فيه شفاء للناس» ولو جمعت هذه الأشياء فى مستقر 
لكانت.مثل الأنهار وكل ذلك لمناقع العباد. فانظر ما فيه من العبرة لذوى الأفكار. ثم انظر 
إلى الماء الصاعد من العروق الراسخة الحافظة للأعلى من الشجرة» وكيف قسم البارئْ فى 
غذاء النخلةء فقنكم للجذر ما يصلح لها وللجريد. وما فيه من السل ما يصلح لها ويناسب 
جريدها ويرسل للثمرة ما يليق بهاء وكذلك الليف الحافظ للأصول مع الثمرة وجعل الثمرة 
لما كانت ضعيفة فى أول أمرها متراصة متراكمة بعضها فوق بعض مجموعة فى غلاف متقن 
يحفظها نما يفسدها ويغيرها حتى إذا قويت صلحت أن تبرز للشمس والهواءء فشق عنها 
غلافها على التدريج» وهو الذى كان حافظًا لهاء فيصير يفترق شيئًا بعد شىء على قدر ما 
دول الس ا دقر دوا سكل سكين كين قا عقي ا 
يلقأها من حر وبردء ثم تراها فى النضج والطيب إلى بلوغ الغاية المقصودة منها فيلتذ حينئذ 
بأكلها ويمكن الانتفاع بادخارها. وتصرف فى المآرب التى هيئت لهاء واعتبر ذلك فى جميع 
الأشجارء فإنك ترى فيها من أسباب الحفظ ولطائف الصنع ما يعتبر به كل ذى فهم ولب» 
فمن ذلك خلق الرمانة وما فيها من غرائب التدبير»فإنك ترى فيها شحمًا مركومًا فى 
نواصيها غليظ الأسفل رقيق الأعلى كأمثال التلال فى تلوينه أو البناء الذى وسع أسفله 
للاستقرار ورقق أعلاه حتى صار مرصوقًا رصفًا كأنه منضد بالأيدى» بل تعجز الأيدى عن 
ذلك التداحل الذى نظم حبها فى الشحم المذكور» وتراه مقسومًا أقساماء وكل قسم منه 
ببعض فيفسد ولا يلحق البلوغ والنهاية؛ وعليها قشر غليظ يجمع ذلك كله» ومن حكمة 
هذه الصنعة أن حبها لو كان حشوها منه صرفنًا يغير حواجز لم يمد بعضه بعضًا فى الغذاء» 
فجعل ذلك الشحم خلاله ليمده بالغذاءء ألا ترى أصول الحب كيف هى مركوزة فى ذلك 
الشحم تمدودة منه بعروق رقاق توصل إلى الحب غذاءها وإلى حبة حبة غذاءها ومن رقها 
وضعفها لا تكدر على الأقل ولا تعرف بهاء ثم انظر ما يصير من الحلاوة فى الحب من 
أصول مرة شديدة المرارة قابضة» ثم تلك اللفائف على الحب تمسكه على الاضطراب 
وتحفظه»› ثم حفظ الجميع وغشاه بقشر صلب شديد القبض والمرارة وقاية له من الآفات» 
فإن هذا النوع من النبات للعباد به انتفاعات وهو ما بين غذاء ودواء وتدعو الحاجة إليه فى 
غير زمانه الذى يجنى فيه من شجرة فحفظ على هذه الصفة لذلك . 

انظر إلى عود الرمانة الذى هى متعلقة به كيف خلق مثبثًا متقئًا حتى تستكمل خلقها 
فلا سقط قبل بلوغها الغاية المحتاج إليها وهى من الثمرة المختصة بالإنسان دون غيره من 


کی مجموعةرسائل الإمامالفزالى ‏ عيسسسسسس سس سبحت 7ض 
الحيوان. انظر إلى النبات الممتد على وجه الأرض مئل البطيخ واليقطين وما أشبه ذلك وما 
فيه من التدبير» فإنه لما كان عود هذا النبات رقيقًا ريانًا ذا احتياج إلى الماء لا ينبت إلا به 
جعل ما ينبت به منبسطًا على وجه الأرض »فلو كان منتصبا قائمًا كغيره من الشجر لا 
استطاع حمل هذه الثمار مع طراوة عودها ولينهاء فكانت تسقط قبل بلوغها وبلوغ غاياتها, 
فهى تمتد على وجه الأرض لبلوغ الغاية وتحمل الأرض عودها وأصل الشجرة والسقى 
بمدها. وانظر هذه الأصناف كيف لا تخلق إلا فى الزمن الصالح لها ولمن تناولهاء فهى له 
معونة عند الحاجة إليها ولو أتت فى زمان البرد لنفرت النفوس عنها ولأضرت بأكثر من 
يأكلها. 

ثم انظر إلى النخل لا كانت الأنثى منه تحتاج إلى التلقيعح خلق فيها الذكر الذى تحتاج 
إليه لذلك حتى صار الذكر فى التخل كأنه الذكر فى الحيوان» وذلك ليتم خلق ما بزراعته 
تحفظ أصول هذا النوع. ثم انظر ما فى النبات من العقاقير النافعة البديعة» فواحد يفور فى 
البدن فيستخرج الفضلات الغليظة» وآخر لإخراج المرة السوداءء وآخر للبلغم» وآخر 
للصفراءء وآخر لتصريف الريح » وآخر لشد البطن فى الطببيعة» وآخر للإسهال» وآخر 
للعمئْء وآخر لروائحه. وآخر للمرضى والضعفاءء وكل ذلك من الماع فسبحان من دبر 


بابما تستشعربه القلوب من العظمة لعلام الغيوب 

٠‏ قال الله العظيم: :تسبح له السموات السبعٍ والأرض ومن فيهن وان من شيء إلا 
يسبح بحمده ولكن لأ ت تفقهون تسبيحهم إِنَّهُ كان حَليما غفورا © [الإسراء: t٤‏ 

وقال تعالی: ‏ تکاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد رتهم 
ا 8 

وقال تعالي : ل ويسبح الرعد بحمده وَالْمَلائكة من , خيفته © [الرعد: 1۳ 

اعلم وفقنا الله وإياك أن جصميع ما تقدم ذكره فى هذا الكتاب من بدائع الخلق 
وعجائب الصنع وما ظهر فى مخلوقاته من الحكم آيات بينات» وبراهين واضحة» ودلائل 
دالات على جلال بارئها وقدرته ونفوذ مشيئته وظهور عظمتهء فإنك إذا نظرت إلى ما هو 
أدنى إليك وهى نفسك رأيت فيها من العجائب والآيات ما سبق التنبيه عليه وأعظم منه» ثم 
إنك إذا نظرت إلى مستقرك وهى الأرض وأجلت فكرك فيها وأطلت النظر فى استرسال 
ا ج اننا وغل اع بعالو اكات ر ا واو ر و کا 
جرى فيها من الأنهارء وما انبث فيها من أصناف النباتات والأشجارء وما بث فيها من 


الدواب إلى غير ذلك مما يعتبر به أولو الألباب» ثم إذا نظرت إلى سعتها وبعد أكنافهاء 
وعلمت عجز الخلائى عن الإحاطة بجميع جهاتها وأطراقهاء ثم إذا نظرت فيما ذكرته 
العلماء من نسبة هذا الحق العظيم إلى السماء وأن الأرض وما فيها بالنسبة إلى السماء 
كحلقة ملقاة فى أرض فلاة وما ذكره النظار من أن الشمس فى قدرها تزيد على قدر الأرض 
مائة ونيعًا وستين جزءاء وأن من الكواكب ما يزيد عن الأرض مائة مرة» ثم إنك ترى هذه 
النيرات كلها من شمس وقمر ونجوم قد حوتها السموات وهى مركوزة فيهاء ففكر فى 
السماء الحاوية لهذا القدر العظيم كيف يكون قدرهاءثم انظر كيف ترى الشمس والقمر 
والنجوم والسماء الجامعة لذلك فى حدقة عينك مع صغرهاء وبهذا تعرف بعد هذا كله منك 
وعظم ارتقائه » ولأجل البعد ترى هذه النيرات صغيرة فى رأى العين»: ثم انظر إلى عظم 
حركتها وأنت لا تحس بها ولا تدركها لبعدها . ثم إنك لا تشك أن الفلك يسير فى حظة 
قدر الأرض مائةمرة وأكثر من ذلك وأنت غافل عن ذلك» ثم فكر فى عظم قدر هذه 
الأشياء» واسمع قسم الرب سب حانه بها فى مواضع من الكتاب العزيزفقال عز 
وجل : و والسماء ذات البروج © [البروج: 01 . ه والسماء والطّارق 4 وما أدراك ما 
الطَارق 29 النجم الاقب 4 (الطارن : إ-r[.‏ 

وقال: «(فلا أقسم بمواقع النجوم 2 واه لقسم لو تعلمون عظيم © [ الواقعة : 
.[V1 «Vo‏ 

إلى غير ذلك من الآىء ثم ترق بنظرك إلى ما حواه العالم الحلوى من الملائكة وما فيها 
من الخلق العظيم» وما أخبر به جبريل عليه السلام النبى عله عن إسرافيل عليه السّلام» يقول 
جبريل: فكيف لو رآيت إسرافيل» وإن العرش لعلى كاهلهء وإن رجليه لفى تخوم الأرض 
السفلىء وأعظم من هذا كله قوله عز وجل: ل[ وسع كرسيه السموات والأرض ‏ [ البقرة: 
6. فما ظنك بمخلوق وسع هذا الأمر العظيم» فارفع نظرك إلى البارىء العظيم واستدل 
بهذا الخلق العظيم على قدر هذا الخالق العظيم ٠»‏ وعلى جلاله وقدرته وعلمه»ونفوذ مشيئته 
وإتقان حكمته فى بريته» وانظر كيف جميع هذا الصنع العظيم تمسوك بغير عمد تقلهء ولا 
علائق من فوقه ترفعه وتثبته» فمن نظر فى ملكوت السموات والأرض ونظر ذلك يعقله وليف 
استفاد بذلك المعرفة بربه والتعظيم لأمرهء وليس للمتفكرين إنى غير ذلك سبيل» وكلما ردد 
العقل الموفق النظر والتفكر فى عجائب الصنع وبدائع الخلق ازداد معرفة ويقيئًا وإذعانًا لبارئه 
وتعظيماء ثم الخلق فى ذلك متفاوتون» فكل مثال من ذلك على حسب ما وهبه له من نور 
العقل ونور الهداية. وأعظم شىء موصل إلى هذه الفوائد المشارإليها تلاوة الكتاب العزيزء 
وتفهم ما ورد فيه وتدبر آياته مع ملازمة تقوى الله سبحانه ‏ 


فهذا هو باب المعرفة بالله واليقين بما عند الله» ثم انظر وتأمل ما نشير إليهء فإنك 
علمت على الجملة أن رسول الله يَيْنْه أسرى به إلى أن بلغ المتتهى ورأى من آيات ربه 
الكبرى. واطلع على ملكوت ربه وتحقق أمر الآخرة والأولى. ودنا من ربه حتی کان کتاب 
تومن اراد فما ظنك بعلم من شرف بهذا المعنى ثم أمر بأن يقول: وقل رب زدني 
علّما ) الله: ١‏ غلمك بمعرفته ومن عليك بتور هدايته. واستعملنا وإياك بطاعته. ونلا 
بكرمه أجمعين من أهل ولايته بمنه وكرمه وجوده إنه ولى ذلك . 


۱ 
| 


مجموعة رسائل الإمام الغزالى 


معراج السالکین 
فاتحة معراجالسالكين 
اللي ا تدك وتشكرلة معدن يك انف لا ترتائع إل التسكر اراح دوي 
الحاجات لكن النفوس المؤيدة تأبى إلا الشكر لمنعمها. سبحاتك أيها الرب الرحيم حلمت 
مع نفوذ علمك وأمهلت مع شدة بطشك ولم تمنع الرزق من جاهر بعصيانك. تعاليت أنت 
القريب الظاهر الأول الآخر لا تستفزك سطوة العبيد وأنت أقرب إليهم من حبل الوريد. 
ونسألك اللهم صلاة زاكية مباركة على نبى الرحمة ومنقذ هذه الأمة» محمد عبدك 
الدال عليك والهادى إليك . 
إخوانى نصحت لكم فهل تحبون الناصحين وتحريت رشدكم فهل على إل البلاغ 
المبين وما تغنى النصيحة. وقد عم الداء ومرض الأطباء واستشفى بغير الشفاء واعتيض من 
البصر بالعمى . وخسصبثت القلوب ورين عليها. وعطلت البصائر ونسب التقصير إليها. 
واتخذت آيات الله هزو ولعبًا. وصيرت أغراض الآجلة إلى العاجلة سيبًا فلا موقظ من 
غفلة» ولا زاجر عن زلة: 
مبرضى عن الخحيرات فى بحر الردى 
ع قى نلادعلنهجأقوم 
فف ف انكل رذلة ماف وة 
صرفت وجوههم لوجه الدرهم 
نامواعن المقصود لم يستيقطظوا 
فنعوذ بالله أن نكون عمن رغب عن طريق هو لها سالك. وقال هلك الناس وهو فى 
جملتهم هالك. 
اعلم أيها الأخ .أن الباعث على إسعافك فى مطلوبك غرضان مهمان. ولا اقتصرت 
فى طلبك على موافقتهما ودارت رغبتك على تحصيل حقيقة مقصودهما. واقتصرت همتث 
من بين العلوم على العلوم الإلهية وزعمت أن مقصودك طلب الخلاص من شر الاعتقادات 
الفاسدةء والهرب من الآراء المجانية للح المعاندة. رأيت تقديم التنبيه على الغرضين 
المذكورين لنستوجب العذر فيما انتدبنا إليه. وليكون ذلك المهم الأكبر الذى نبهنا عليه . 
الغرض الآول: أيها الأخ ما شاهدناه من فساد الزمان وأخذه فى الازدياد وكثرة الآراء 


سے مجموعة رسال الإمام الفزالی ج كك حو لواح 
وفساد الاعتقاد» وعدم ذابُ يبذل فيها الاجتهادء ويرها على كف الانتقادء ولولا سياسة 
الملوك لعمت الخافقين ظلمهاء ولرسخ فى كل الأقطار قدمها ليقضى الله أمرا كان مفعولاً. 
ونش ريما كان إنعاق غه وعدا مرل ولک اي الان ورو ار ادك و ك 
الصوارف وفتور الهمم داعية إلى الفسادء والداء يزداد كل يوم أغذية السوء كالذنوب فرأيت 
إبراز هذه النبذ لتكون مغنية للسائلين ومعينة للساكلين ومنفعة باقية فى الأخرين . 

والأهم من هذا الغرض التنبيه على غوائل الآراء البشعة التى استهوت عقول أكثر 
الناس وهم فى ازدياد من هذا الفن» وهو سبب فتور الشرائع وهو عند الأنبياء على مر 
الأيام والنفوس مولعة بكل غريب لم تألفه وغامض لم تعهده فلا يسلم الغمز الجاهل من 
الوقوع فيه والفطن المتباطىء عن الاغترار بما يظهر من مبادئه . 

وقد كثرت ترهات هذه الطائفة لعلتين: 

إحداهما: الزهد فى الرد عليهم. 

والثانية: بدار الجهال بمجادلة الرد على ما قرر لديهم كمقابلتهم بإنكار علوم التعاليم 
الأربعة من الهندسة والحساب والمنطق ومعرفة المواكب وثبوتها. وهى مقدمات علومهم 
وعنوان كلامهم وعنصر براهينهم ولم يحكموا فيما حاولوا شيئًا كإحكامهم لها. والمنطق 
على مر الأيام وكر الدهور ينقحونه ويهذبونه إلى زمان أفلاطون فزاد ترتيبًا وميز فيه 
الفسطة من الحدل. وحذا حذوه تلميذه أرسطو فرتب صناعة اليرهان. وهذب الكتب 
الثمانية. وكذلك علم الهيئة والهندسة استخرجوهما من السندهند. كتاب. أيضًا تعاقبته الأيام 
وهو الذى يحصل منه الهندسة والهيئة فلا معنى لناكرتهم فى كليات هذه التعاليمء فليطالبوا 
بتصحيح مسائلها الجزئية واستعمالها وتصحيح الأشكال والمقدمات فى العلم الإلهى فإنهم 
تساهلوا فيها ولم يستعملوها البتة فهناك موضع المضايقة» وأما إنكار كون الأرض كرية 
وأخذها المكان الأوسط من الفلك وارتفاع الأقاليم وانخفاضها وتحقيق الجهات والآفاق 
والكسوفات فلا معنى لإنكار ذلك ومناظرتهم فى إيطالهء فهذا أحد الغرضين وتحته تنبيه 
على المواضع التى نتكلم على اختلافهم فيها ونورد ذلك متغرقًا فى الكتاب إن شاء الله 
تعالى. 

القرض الثانى: أن الحق لا يعرف قدره وحده ما لم يعرف نقيضه وضده فبضدها 
تتميز الأشياء ومقصدها التنبيه على الطريق الأسلمء والصراط الأقوم. ولا بد. من ذكر 
»الطريق المنحطة عنه لينصف فى ذلك الناظر فى هذا الكتاب. فيعلم أنا لم ننتدب لضئيل ولا 
أضربنا عن سيرة الأوائل فى سكوتهم إلا لخطب جليل.. ولنضيف ذلك إلى الغرض الثانى 
فيتضح لديه العذر وليعرف مقدار النعمة فيطلبها بالشكر فنقول الناطقون بكلمة الشهادة سبع 
فرى . 


ے إن سسسب بمجووعة رسائل الإمامالفزالى حت 


الفرقة الأولى: طائفة نطقوا بالشهادتين من غير التفات إلى او ل من المعنى 
ولا احتفاء بالوظائف كأجلاف الأعراب والأعاجم لكنهم كالأنعام بل هم أضل سبيلاً. 
فلهم حكم المشيئة وهم المرادون بقوله تعالى: قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا )) 
[الحجرات: ]١5‏ والسيف عند هؤلاء أصدق أتباء من الككتب». وهو أحد ما يساسون به. 

الفرقة الثانتيّة: طائفة نطقت بكلمتى الشهادة تقليدًا مأخودًا من الآباء واللأمهات 
والمعلمين لكنهم مقبلون على وظائف الشرع» فهؤلاء هم المسلمون على الحقيقة» ولهم 


تقدمة على الفرقة الأولى وهم ا مرادون بقوله تعالى: 1 إن المسلمين والمسلمات 4 


[الأحزاب: ه"] الآية, 

وبقوله سبحانه : فإ ومن يسلم وجهه إلى الله القمان: ۲ الآية. 

الفرقة الثالئة: قوم اعتقدوا الشريعة وصدقوا ولم يقتصروا على درجة المسلمين.ء بل 
استعملوا النظر والاستدلال وذبوا عن حرم الدين» وهؤلاء أكثر المتكلمين من أهل السنة 
وأصحاب الحديث وهم المؤمنون المسلمون» فهم أخص إذ ذ الإسلام أعم . وقد فصل عَيْله بين 
الإسلام والإيمان فى .حديت السائل: وقال تعالى؛ إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين 
والمؤمنات 4 (الأحزاب : [o‏ 

وقال تعالى: لإ أولتك هم المؤمنون حكًا ‏ االانفال: ]. 

الفرقة الرابعة: فرقة ترقوا عن هذه الطريقة إلى درجة البقين والثلج» فإن التصديق 
منقسم إلى التام والناقص فمن صدق بالشئْ واستعمال ضربًا من الإقناع سمى مصدقاء 
ولكن التام هو الذى يصدق بالشئ عن برهان ومع قيام البرهان على أن ذلك البرهان لا 
يجوز أن يكون بخلاف ما تقرر عليه ولا فى حين ما لا بالذات ولا يالعرض . ولا يجوز 
أنيبعث نبى صادق بضده أصلاً e‏ لاعتقد تكذيب.. فإن قيل: فهذا صر 
بتفاضل الؤمنين فى إيانهم . قلت : : فهو الصحيح» وقد قال النبى عله : "الإيمان بضعٌ 


وسبون > وقال ٤‏ ام 0 o‏ 
فإن قيل: بل التصديق لا يتفاضل العا يكون ا قلنا: أما أن الإيمان التصديق 
حتى يدل الدليل »وقد دل دليل الشرع على تفاضل الإيمان يما ذكرنا. فإن قيل: هب آنا 
سلمنا أن الإيمان هو التصديق فما الدليل على انقسام التصديق فى نفسه؟ قلنا: التصديق 
عبارة عن الاعتقاد» والاعتقاد لفظ عام وحقيقته ركون النفس إلى متخيل إما فى نفسه أو 
إثباته» ثم المعتقدات إن كانت فى النفس كما هى عليه من خارج فهو اعتقاد للشىء وتصور 


حب مجموعةرسائل الإمامالغزالی سس لہ = 


له وعلم به على ما هو عليه» ومتۍ کان من خارح على خلاف ماهو فی النفس فهو 
تعديق وتصور ناقص إذ من اعتقد زيدًا أبيض فوجده أسود تقض احتقاده. 

الفرقة الخامسة: أقوام اعتقدوا الإسلام وصحتهء لكن اتنتقدوا فى الإله تعالى وصفاته 
ما نسيوا يه إلى البدعة والفسق . 

القرقة الستادسة: أقوام أضاقوا إلى ذلك ما نسبوا به إلى الكقر كمن صدق بالنيوة من 
القلاسفة» واعتقد أن ذلك يرجع إلى ملك قائم ثم اقتضى له مولده أن يكون حسن 
السياسة قاضلاً متتوعًا فهؤلاء كفقرة وهذا تصور لا ينفع. 

الفقرة السابعة: أقوام مظهرون للإسلام ميطنون للتعطيل المحضن فهؤلاء. شرار الفرق 
خالدون فى الدرك الأسمّل من التار. والآمم كلها على خلاف. هله الطائقةة وهى يسمع بها 
وقل ما ترى إلا آحادا يحملهم الاستخقاف على ذلك» والأمم مطبقة على وجود الصانع 
وإ استعمل بعضهم معه الشركاء على اختلاق القول. بالشرك من المعبودات من الأحجار 
والأحياء والكواكب .وقد سميت هذا الكتاب.: «بمعراج السالكين» واللّه سبحانه. يحملنا على 
الرأى اق بعزته. 


العراج الأول 

ليعلم أولاً أن ايتداءنا بهذا المعراج وتقديناا له على أمثاله له ثلاثةا أغراضى: 

ألحدها” استعسال الطوائف المذكورة له واقتصازهم عليه فترقيهم عن إلى سواه . 

الثانى: أنه مقدمة لما نذكره من معرفة النفس وقواها وبيان العوالم ؤأنها على 
مضاهاتها. 

الثللث: أن تين. فيه ألفاظًا واصطلاحات تخنى عن تكرار بيانها وتمييز عالم الغيب 
عن عالم الشهانة. والحد المميز لهماء وصا العالم الذى وقع الخلاف. فنى حدوئه 
وقدمه . وكمية هذه المحارج سبعة . 

اعلم أن حقيقة. العروج الصعود علوا تقول: عرجت فى السلم أعوج. والاألفاظ لها 
وجهان من الدلالة» فوجه فى الدلالة على الأشياء الجسمانية كمفهوم السلم والعروج. 
والوجه الشانى : الدلالة. على معانى الجسمانيات وأرواحها إما بطريق وضع اللغة وإما 
بالمجاز والاستعارة. 

ولا كان الساللءه البلحث إلى محرفة بلرئه تعالى طالءًا للترقق عن ظلمات الجهل 
وأسفل السافلينَ من حضيضن البهائم والجهلة» وكانت البراهين والأدلة الموضلة إلى درجة 
العلوم شبه السلدم الجسمانى الموصل إلى العلو الجسمانى» وكانت مفردات البراهين 
ومقدمات القياس وأجزاؤه مادة له منها يتألف حاكت أضلاع السلم فإذا التسمية لا مشاحة 


سے {ں سسحت مبجووعة رسائل الإمامالغزالسى حت 


فيها إذ هى مميدة قال الله تعالى : لیس له دافع < :63 20> من الله ذي المعارج 4# تعرج 
الملائكة والروح إليه 4 [المعارج : 15-7 ومن قام عند البرهان على استحالة وجهه للبارىء 
تعالى يعزج إليه فيها طلب معنى عقليًا ليحمل اللفظ عليه وقد ذم الله تعالى فرعون اعتقاد 
كون الأسباب والمعارج جسمانية فى قوله تعالى: 9 وقال فرعون يا هامان ابن لي صرحا 

علي أبلغ الأسبابا# (غافر: 1 . وقال الله تعالى: وكذلك زين لفرعون سوء عمله وَصدٌ 

عن السبيل ‏ [غافر: ]. فالأدلة سلاليم الخلق إلى ربهم والذهول عنها هو المعبر عنه 
بالحجب. وقد ذكر الله تعالى ذلك فى نعت الكافر» فقال عر من قائل :أو كظلمات في 
بحر . جي [التور: ٠4].لآية.‏ فعبر عن الاعتقادات الفاسدة بالظلمات وعن ترادف 


سس مل 


الشكوك بترادف الموجء وقال الرسول يله إن له سبْعنَ حجَابًا من نور وَظلمَة لَوْ كسَفَها 
لأحرَقَتْ سبحَات وجهه ما التهى إِلَيْهِ بصره» وى ااا ال إلا الطرق الموضلة إللة: 
فلو كانت براهين فهى حجب نورء ولو كانت شبهًا فهى حجب ظلمة. 

والدليل على ذلك قوله: لأحرقت سبحات وجهه فإنها لوكانت جسمانية لاحترق 
وجهه بأولاها أو بآاحادها ولم يشترط فى الإحراق إلا مجموعها. والبرهان الحق على أن 
البارىء سبحانه لا يصلح أن يكون محجوبًا لعلتين: 

إحداهما :أن الحجاب ليس إلا للأجسام والبارىء تعالى ليس بجسم. 

والثانية: أن المحجوب يجب أن يكون فى جهه والبارىء سبحانه لا جهة له بوجه. 
وإنما أراد عله أن هذا السالك الباحث لو انكشف إليه هذه الموانع المانعة من تحقيق معرفة 
معبوده لأحرقت الأشياء التى استدل بها ما انتهى إليه بصره. فعبر بالاحتراق عن 
الاضمحلال فهذا تحقيق هذه العبارات. ومضمون هذه الإشارات؛» والعالم هو السلم إلى 
معرفة البارىء سبحانه» فهو الخط الإلهى المكتوب المودع المعانى الإلهية» والعقلاء على 
اختلاف طبقاتهم يقرءونه ومعنى قراءتهم له فهمهم للحكمة التى وضع دالاً عليها. قال 
تعالى : طقل انظروا مَاذًا في السّموات والأرض » ايونس : ١١٠6.وقال‏ سبحانه :ف( سنريهم 
آياتنا 'في الآفاق وفي أنفسهم 4 افصلت: 58] . وقال تعالى: أفي اللّه شك فاطر 
السموات والأرض » (إبراهيم : ١٠].ولما‏ كان الإنان ممحجوبا ا 
متضادة وكان محجوبًا عن عالم الغيب» ونعنى بعالم الغيب كل غائب عن إدراك الحس ولم 
يتوصل إلى معرفته إلا بجد وتيقظ وقوة مفكرة خصته الحكمة الإلهية بأن جعلته دفتر] جامعا 
مديجًا فيكون فى ذلك فائدتان: 

إحداهما: الإنعام عليه بإلزام أمور عجيبة تكون له مفاتيح لما غاب عنه كما قال 
تعالى : 9 وفي أنفسكم أفلا تبصرون 6 [الذاريات: ١م‏ فهو يستدل بما شاهد فى نفسه 
على ما لم يشاهد. 


ولما كانت الأدلة والحجج منقسمة إلى الأتم والأنقص وكان طريق البرهان وتأليفه 
على الشرائط الصحيحة وكانت الأدلة متعذرة على العوام» وكان الإقناع وقياس التمثيل 
والاستقراء أقرب إلى أكثر الأذهان خصت الحكمة الإلهية الصور الإنسانية بضروب من 
عجائب العوالم وغرائبها المستدل بها فيكون ضربًا من التمثيل والاستقراء الذى يقاس به 
الشاهد على الغائب وأكثر ما عاملت الأنبياء عليهم السلام الخلق بهذا النوع من أصناف 
الحجة لأن مقابلتهم بغير هذا الطريق صعب قال تعالى: ادع إلى سبيل ربك بالحكمة 
والموعظة الحسنة 4 [النحل: 6. ولذلك جعلنا هذا المعراج 9 العوام على 
الاقتصار على تعلمه» وذكرنا انقسامهم إلى طبقتين فيما تقدم فهذه إحدى فوائده وحكمه. 

الحكمة الثانية: ولها فائدتان. إحداهما: يستحق بها العقوبة . وبالثانية : المثوبة. 

فالأولى: عم ا مشاهد فشرطه أن لا يتعداه ولا 
يحمل أكثر مما يحتمل». فمن البر ما يكون عقوقًا والشىء متى .جاوز حده انعكس إلى ضده. 

والثانية: أن لا يستعمل الاستدلال به فى ما لا يصح وقضى على الغائت بما لا يقطع 
به على الشاهد ويزعم القطع به. 

والفرق بينه وبين ماأمرنا استعماله أنه أمر باستعماله على جهة الحكمة وهو أن يكون 
له مذكرا أو زاجرًا من غير قاطع » وهذا المستدل يزعم أنه يقطع بما أخذ عنه من القياس 
كمن يزعم أن للبارىء سبحهمانه صورة كصورة الإنسان وأن علمه كعلمنا أو قدرته 
كاقتدارنا. وينتهى إلى ضرب من ضروب التجسم . . قال الله تعالى: اما أشهدثهم خَلق 
السّموات والأرض ولا خلق أنفسهم © [الكهف: ..0١‏ وإنما نستعمل من ذلك ما أحسسنا أو 
حيرات التعدريه يدغ عمد المنكتون بالطريم gE E ANE‏ 5200 

وإذا فهمت هذا القدر وساعدت عليه وأنست لقوله عليه السلام «إن الله حلق آدم 
على صورته» وفهمت أن معنى ذلك خلقه خلقة على شبه العالم» فاعلم أن الإنسان 
غناو ع حون تاطقل ا ا اة فاك فهذا حد'يتناول نفسه وجسمه لضرورة 
الفصل بينه وبين الأشخاص الحية وإلا فقولنا حيوان ناطق يتناول نفه فقط . ثم هذا الحيوان 
الناطق أعنى الإنسان تنقسم جملته فى التقسيم الكلى إلى ثلاثة أشياء : نفس وروح وجسم. 

فالجسم: هو المؤتلف من المواد والعناصر الحاملة لروحه ونفسه وهو الشكل المتتصب 
ذو الوجه واليدين والرجلين الضاحك . 

وأما الروح: فهو الجارى فى العروق الضوارب والشرايين. 

وأما النفس: فهو الجوهر القائم بنفسه الذى ليس هو فى موضع ولا يحل 
شينًا؛ وسنشبع الكلام عليه مقدار ما يحتمله الموضع فنتكلم على الجسم بمقدار ما يرشد إلى 


الغرض. ويكون معيئًا لا عسى أت نذكره من أمر التفسء قنقول قال e‏ ولف اقا 
الإنسان من سلالة : من حلين 4 [اكؤمتوت: ؟1]. وقال الى ١‏ قَإِذا سويته ونفخت فيه من 
روحي 4 [الحجر: 175 فأخير تيارك وتعالى عن نكتة أحوى عدي وروم وله وده 
الروح الخرإرة الغسريزية المتبعتة قى الأعصاب والعضلات وهى موجودة لليهيمة وبها 
حياتهاء والفصل بين الآحعى والبهيمة هى التقس التى أضافها الله تعالى إليه غى قوله 
تعالى: «وتفخت غيه من روحي 4 [الحجر: 578]. فلو كانت للآدمى هذه التقس دون 
الروح ال ا لقصر عن أفعال البهيمة فى الأكل والجماع والتصرق. ولو أن 
البهيمة أعطت التفس التى أعطيها الإنساتن لكانت عاقلة مكلقة فخرج .من الجملة أن للإنسان 
روحًا ونفسًا وجسمّك وللبهيمة جسمًا وروحًا لاغير» فأما آدم عليه السلام» قمخلوق من 
التراب .وللاء والهواء بوالنار» بوقد قال تعالى ذلك قى قوله سبحانه : : « من سلالة من ظين 6 . 
وفى و لوجعلا من الماء كل شيء حي [الانياء: -5].. وأما :النار ققوله 
تعالى : عن صلصال | کالفخار4 [الرحمن: ..]١4‏ فأول “الدراجات :التراب» قإذا مسه الماء 
قيل له ظين :فإذا مرت عليه دهور يكربور الشمس واكتسب منها .يبس وجفافًا قيل له صنلصال 
كالفخار نلتشوفته» ومعلوم ببرهان العقل أن مؤدى حر الشمس إليه هو الهراء قصح 
بالبرهان للشرعى والعقلى كون آدم عليه السلام على الصورة التى تقدمت ليجعل الله تعالى 
تدريج بنيه من نطفنة خرجت منه يتلقفها :الإناث :إلى 'لتقطاعها .وتمام 'القوى » .وذلك حين 
الساعة وتام 'الخلق . فأؤل الإنسان نطفة “ثم علقةثم مضغةء ثم تنبت فيه العظام » وتكسى 
لحماء فالنظفة الخارجة من الإنسان مسلولة كقشير الحبة من الحبة لكنها :مياعة وكالنولة فإن 
النخلة السحؤؤق فيها ولكن مدمجةء ولكن من شاهد عقد.الثمار يقن هذاء خإت الرمانة مثا 
تخرج من أصطر ما يمكن غير أنك ترى الشكل.مصغرا'ثم تقريها الطبائع من خارج بما 
يجانبها فتصرف تلك للأشكال الكاملة إلى انتهائها وما فيها. 

ومن "أرسل النطفة وأبصر السقط تحقق ذلك فإنك .ترى أشكاله ‏ كخطوط مكتوبة» 
وحدقتداه كتحبات شونيز ووضوح ذلك لا يحوج :إلى منزيد تأمل» فالنطفة مسلولة مائعة 
بالطبع لما انسئلت عنه بذوبان فطرى لا جبلى لا حيلة فيه ولذلك يشبه الؤلد أباه فى خخلقه 
وخلقه. 

فإن قيل: الأغذية تستحيل دما فى الكبد, ثم تستحيل تًا وكانت قبل ذلك نباتات 
انفعلت عن الطبائع الأربعء غلزم أن يكون غير الأب إذا انفعلت عن غيره . 

تقلنا: الأمر كذلك ولكن الاعتبار بحينانقصالها عن الأب » نفحين 'انقصالها تنبعث 
من عروقه:وعصبه وكبده بجركة ماء فتكتسب حينئذ طبعه. وهذا الآمر متسلسل إلى آدم 


حب مجموعه رسائل الإمامالفزال س ست 0۷ = 
عليه السلام وعنده يقف الأمر قإن جسمه ونفسه :ليسا مأختوذين عن آدم آخمر فإن ذلك 
محال . وفيه إثبات أشخاص لا أول لها وهو محال : فإن الشخص بالضرورة ذو أولية 
وهو تحت النوع وإذا ثبت هذا فاعلم أن الصور الإنسانية تنقسم إلى أربعة أرباع . 

الآأول: الرأس . والثانى: اليدان . والثالث: البدن. والرابع: الرجلان. 

ثم عظامه منقسمة إلى مائتى وثمانية وأربعين عظمًا . ففى الرأس : اثنان وأربعون 
عظمّاء وفى الربع الثاني: اثنان وثمانون عظمًا. وفى الثالث: أربعون عظمًا. وفى الرابع: 
أربع وثمانون عظمّاء ثم خلق الله سبحانه لهذه العظام رباطات تمسكهاء فعدة عروق شكل 
الإنسان ثلاثمائة وستون عرقًا. وبهذه العروق تكون الحركة والقبض والبسط. 

فرأس هذه العروق فى الفؤادء وهو العرق المسمى بالنياط الأبهر ومنزلته مع القلب 
بمنزلة الحاجب للملك يتلقف أمره ثم يخرجه إلى الخندمة» ثم هذه العروق متصلة بالمعدة 
تمتص منها قوة الطعام والشراب الذى يدخلها ثم تقسمه بين الكبدء والمرارةء» والطحال» 
الرئة» وخلق الأبهر مستبطن الصلب» وهو آخذ من مجمع الكاهل» إلى مجمع الوركين» 
إلى مجمع الحالبينء إلى مجمع الصدر بين الترقوتين وهو تهر الجسد الأعظم وهو مقسوم 
لأربعة عروق لأجزاء الجسد الأربعة» لكل جزء منها عرق: فللرأس منها عرق يتفرق إلى 
ستين عرقًا ولليدين والرجلين عرق يتفرق إلى مائتى عرق. 

والجزء الأول من النهر الأول: وهى أربعة أنهار يتفرق منه عرقان من مجمع الكاهل 
يسقيان العنق ويتفرق من مجمع الصدر بين الترقوتين عرقان يصعدان إلى العنق وهما 
الوريدان» ثم يتفرق من كل واحد عرقان» ثم جميع هذه العروق ينبعث فيها الغذاء إلى كل 
عضوء من الرأس» من الشفتين وغيرهما . 

وأما عروق البدن من الربع الثانى: وهو أحد الأنهار الأربعة من الأنهر الأعظم يتفرق 
منه عرقان لكل يد عرق من مجمع الصدر من الترقوتين إلى ما بين المنكبين وهما 
الآكحلان» ثم ينشعب من كل واحد منها أربعة عروق سواهما فتسقى العضدين 
وأجزاءهماء فذلك عشرة عروق لكل يد خمسة عروق ثم يتفرق من كل واحد من العشرة 
أربعة تسقى الساعدين» فذلك خمسون عرقًا لكل ساعد منها خمسة وعشرون» ثم يتفرق 
من كل واحد من الخمسين عرقًا عروق أخرى فتسقى الكفين والأصابع . 

وأما الجزء الثالث: فالبطن يفترق منه عرقان من مجمع الخالبين إلى اليدين. يفترق 
من كل واحد منهما تسعة وعشرون عرفًا سواهما يدفع إلى كل جزء حصته من الغذاء: 
للأضلاع الأربعة وثلاثون» ولسائر أجزاء البطن ستة وعشرون: للعصعص عرقانء وأربعة 
للمذاكيرء واثنان للكليتين» واثنان للمثانة» واثنان يسقيان المعدة» واثنان للكبدء وائنان 


ی ۸ں ہد بمبجووعة رسائل الإمام الفزالى حت 


للطحال» وائنان للفؤادء وائنان للمرارة واثنان للرئة» واثنان للشديين. وثلاثون للأضلاع» 


لكل ضلع عرقان. 
وما الجزء الرابع: وهما الرجلان. ففيهما الوتين عرق يفترق منه عرقان» وهمأ 
النسيان. وهما للفخدين لكل فخذ عرق من مجمع الوركين يسقيان المخذين وأجزاءهما 


ويفترق من كل واد منها أربعة عروق» لاد خمسون عرقًا تنتكس فى 
الساقين لكل ساق خحمسة وعشرون عرقاء فقد صار جملة الإنسان جملة مناسبة للعوالم 
وجزئياتهاء فهو مشبه للعالم الأعلى بنفسه ومشبه للعناصر بجا فيه من ماء وهواء ونار 
وتراب . ويضاهى الجواهرالأرضية . أما الحيوانية» فبروحه الحيوانى. وأما النباتيةء التامية 
فبما ذكرناه من عروقه ونموه وتغذيه. وأما الجمادية فبعظامه فهذه المشابهه الكلية . 

ثم تعرض أجزاءه على كل جزء من العالم فتجده يضاهيهء وشرح ذلك ممايطول 
ولو استوفينا فيه الأعمار الطويلة وآباد السنين لما نفد. وعليك أن تمتحن ذلك بكل ما 
تشاهده» وتبحث فتجد فى عالم جسمك مثل ذلك بل فيه ما يضاهى قوى الحيوان كجرأة 
الأسد» وخبث الثعلب» وطيش القرد وصلابة الخنزير وهكذا. 

ثم الغذاء إذا استقر فى المعدة طبخته الكبد» وهى حارة رطبة لاصقة فى المعدة من 
الجانب الأيعمن» عتص منها صفو الغذاء وكل حار رطب لشاكلتها له فتصفيه بجوهرهاء وفيها 
أنابيب كالمصفى فتجذبه العروق وتنقله ويسير فيها حسب ما قدمناه. وأما المرارة فهى معدة 
الخلط الذى يقال له المرارة الصفراء وهى حارة يابسة لاصقة بالمعدة من الجانب الأيمن نما يلى 
الكبدء يمتص منها من صفو الغذاء كل حار يابس للمشاكلة فتصفيه بجوهرها. ثم تحتلبه 
العروق كما ذكرناه. والخلط الثشالث المرة السوداء ومعدته الطحال. وهو بارد يابس لاصق 
بالمعدة من الجانب الأيسر فيمص من الغذاء كل مشاكل له. والرابع البلغم وهو بارد رطب 
وله الرئة تمتص من الغذاء ما يشاكلها. والحلقوم رأس الرئة على طبيعة الطحال وهو معد 
للنفس وهوالحنجرة. ورأس الحلقوم مغطاة ة يطبق واللهاة مدلاة عليهء والقلب فى الحانب 
الأيسر تمت الثدى الأيسر. والرحم فى الجاتب الأيمن لاصى بعروق الفؤاد. وهو معدن 
الشهوة؛ والمعدة معتدلة المزاج وهى كالقدر وتلك الأوعية كلها لها كالأثافى. ولها فمان: 
مدخل وهو مسلك المرىء إلى الفم. والفم الثانى يخرج منه الأثقال وتخدم المعدة. وللصرة 
أربع قوى : إحداهما جاذبة » والثانية ممسكة» والثالثة هاضمةء والرابعة دافعة. 

فالجاذبة: حارة رطبة تقوى الدم وتجر الطعام والشراب من الفم إلى المعدة. وكل ما 
شاكلها تصيره دما وهى منحدرة أسفل المعدة إلى أسفل البطن فتخرج غير متغيرة الشم 
تشاكل ريح الجنوب . 


سد مچموعة رسائلالامام الفزالی سیک 04 کڪ“ 

وما الممسكة: فباردة يابسة تقوى المرة السوداء وتمسك الطعام والشراب فى المعدة» 
ولا سبيل للمعدة أن تمسك شيئًا دونها وتخرج متغيرة الشم تضاهى ريح الشمال وهما على 
مضاذة الحاذية فيذلك يعتدلان. 

وأما الهاضمة: فتقوى المرة الصفراءء وتهضم الطعام بالحرء ويعينها الكبد فيصعد من 
المعدة إلى الفم غير متغير الشم وهى حارة يابسة كريح الدبور. 

وأما الدافعة:فباردة رطبة تقوى البلغم. وقد توقع الطعام والشراب من المعدة إلى 
الأمعاء إلى الاعفاج إلى الأرض بذلك وكلت ٠.‏ وهى باردة رطية معادلة للريح الهاضمة. 
وصلاح الأمزجة وفسادها تابع لهذه الآمور. والعلم الطبيعى معد لإصلاحها هو فائدته 
وغرضه.. والنفس تكتسب بالمجاورة من هذه الطبائع ملكة عند غلبتها كالطيش والحدة عند 
غلبة الصفراء. والهم والغم وقلة النشاط عند غلبة السوداء إلى غير ذلك كما يكتسبه الرفيق 
من رفيقه. ومتى كانت هذه الطبائع جارية على اعتدال كانت النفس أجرى إلى السلامة» 
وجميع هذا كله بتقديرالله تعالى وتدبيره لا إله إلا هو. فمتى تأمل هذا النضد المحكم 
والترتيب المنظم ومعادلة بعض القوى لبعض وكيف خلقت اليد للبطش» واللسان للكلام» 
والحدقة للرؤية» وكيف خلقت على شكل ملائم للنور فجملت جامد فى أغشية لطيفة 
مكفنة بالأشفار وجعل للأشفار أهداب تقيها الغبرات والنور الكثيف أن يغشيها علم أن ذلك 
دال على أن لهذا الصنع العجيب والأمر الغريب مدبرًا دبره وعليمًا أتقنه. 

وهذا لا يخفى على ذى بصيرة فإنا قد وجدنا هذا الشكل الإنسانى على أتم الحكمة 
التى تقتضيها العقول فلا تخلو هذه الصنعة العجيبة» إما أن يكون صنعت نفسها أو صنعها 
جماد أو صنعها مخلوق حى أو صنعها بارئها وهو الله تعالى. وبطل أن تصنع نفسها لأن 
وجود الفاعل يجب أن يتقدم على المفعول. وبطل أن يكون الشئ مفعولاً من حيث هو 
فاعل أو فاعلاً من حيث هو مفعول. وبطل أن يصدر عن جماد. فإن الجماد لا يوصف 
بالفاعل. وبطل أن يصدر عن مخلوق حى طبيعة أو غيرهاء فإنا نقول: الطبيعة ما معتاها 
فلا تخلو أن تكون جمادًا أو حيًا. فإن كان جمادًا كان القول نيه ما تقدم؛ وإن كان حيًا قلنا 
هذا الحى لا يخلو أن يكون له فاعل أو لا فاعل له. 

فإن قيل: له فاعل آخر فالطبيعة كآدم فى افتقارها إلى محدث. وإن كانت الطبيعة 
حية لا فاعل لها ولا علة فهى الإله فأسقطوا لفظ الطبيعة وقولوا إله. فهو الذى نريد 
بيانه» فإن حوادث لا أولية لها محال إلا إذا قلنا فعلت الطبيعة طبيعة فذلك منتف فلا بد من 
استناد الحوادث إلى مبدأ لا علة له وليس بمفعول أصلاً. وهذا يبطل اعتقاد من يقول آدم 
ن اد ار 


قلنا: نتبعه فيلزمه التسلسل وهو محال فصح أن الشكل الإنسانى تنتهض منه الدلالة 
على بارئه ومصوره مع ما فيه من العجائب الدالة على العالم فليس فى العالم أمر غريب 
مشكل إلا وفيه مفتاح علمه. فالله تبارك وتعالى خلقه على مضاهاة العالم» فهو نسخة 
مختصرة منه. ومن تأمل أحوال الأنبياء ومعجزاتهم وكرامات الأولياء وما جعل الله سبحانه 
فى قوى النفس بل يشاهده كل أحد من نفسه فى المنامات التى تعلم بمغيبات الأمور 
وعاقبتهاء وما يبصره الإنسان فى النوم من السماء والأرض والبحار وسعتها. وهو لا يتسع 
:قدار ما ييصره كما أنه يبصر السماء على سعتها بعين وهى فى دور الدرهم . وهذا من 
الأمر العجيب علم أن لهذه العجائب مدبرا دبرها وصانعًا أتقنهاء وعجائب الإنسان لا 
تحصى بل فيه من النواص عجائب ما يستعمله الأطباء منه. فسبحان الفاطر العليم. 


المعراج الثانى 
ولما فرغنا فى المعراج الأول من معاملة أصحابه بالسهل من الحكمة والقريب الظاهر 
من الدلالة التى لا يخفى نورها ولا يتلعشم فيها إلا من جعل له الرأى المعكوس وامثل 
المتكوس: «( ومن يضلل الله هما لَه من هاد 4 االرعد: 1 . فلئرتق إلى المعراج الثانى: وهذا 
المعراج لطبقتين: للمحققين الأذكياء والمتحذقين الأتقياء. وهو لتقرير النقفس وهل هى باقية 
م لا؟ وهذا المعراج كالقطب لسائر العلوم وله يجتهد المجتهدون ويعمل العاملون ولا فائدة 
أعظم منه» فإن نبوة الأنبياء والثواب والعقاب والجنة والنار وسائر أنباءالدنيا والآخرة المأخوذة 
عن الرسل لا تثبت متى أبطلت هذه المسألة» فإن النفس إذا لم يكن لها بقاء فجميع ما 
أخبرنا به وأطمعنا فيه فباطل وبحسب ما نثق به من هذه المسألة نجتهد. وبحسب مايغيب عنا 
ننظر» وبهذه المسألة كفرت الزنادقة فإنهم اعتقدوا أن حقيقة الإنسان مزاج معتدل كالنبات 
متى اعتدلت قواه بقى؛ ومتى غلب عليه حر أو برد فسد ودثر .ثم لاترتجى بعد ذلك موث 
ولا ك ا تحاترا ا ن کل اة ن حل لاجد 
الصحابة: لأوتين مالاً وولدًا. وذلك لأنه استخف وقال أنتم تزعمون أنكم أصحاب أموال 

فى الآخرة وسيكون لى هناك مال وسأقضيك منه. 
وعلى هذا المعراج يدور الناس فهو أس العلوم وإذا اضمحل فلا ثابت» ولذلك لم 
تبينه الرسل والله أعلم. لأن كلام غيرهم بين أن يقبل أو يرد أويصدق أو يكذب» وكلام 
الرسل عليهم السلام ليس كذلك.فإن المسألة فى نهاية الغموض والأذهان أكثرها ضعيفة 
فربما لم تفهم مقاصدهم فتعترض من قولهم على قولهم فلم يوردوا فيها إلا إشارات 
ورمورًا. وفى القرآن العزيز: ا ويسألوتك عن الرّوح قل الروح من أَمرٍ رَبّي 4 1 الإسراء: 


5 وقال تعالى فى عيسى عليه السلام: ل وكلمته أَلقَاما إلى مریم E‏ [التاء: 
۱ وقال النبی عر له : «أرواح الشهداء فى حواصل طيور خضر». وهذه كلها ظاهرة عند 
العلماء مكشوفة وعند غيرهم معقولة. وقد اختلف الناس ماعن مر السنين والاأيام» 
فزعم أفلاطون أن النفس والروح واحدة وهى النفس الكلية وأنها مع الأبدان كالشمس مع 
الأرض تنثر شعاعها على المواضع فيأخحذ كل موضع نصيبه على قدره وزعم أنها تألف 
الجسم بضرب من المناسبة بالطبع فإذا حصلت فيه ألفته وشغفت به ولا تزال فيه وليس هى 
عنده حالة فى الأجسام» وإنغا هى كالمغناطيس مع الحديد فى الملازمة والانفعال ومناسبة 
الطبيعة. وليس أحدهما حالا فى الثانى لكن ينفعل له بضرب من واسطة خفية هى الطبع 
ولا تزال فيه إلى أن يفد البدنء كما أن الحديد يخلى مع طول المدة فلا يقبل تجاذب 
المغناطيس. وزعم آخرون أن النفس عرض وأن حقيقة الحياة معنى يكون عند اعتدال المزاج» 
فإذا مات الإنسان فئنيت روحه وهؤلاء ذاهبون إلى أن النفس محدثة» وزعم أفلاطون أنها 
قديمة» وذهبت فرقة ثالثة إلى أنها محدثة عند حدوث البدن وهى مع ذلك لا تفنى. ومن 
حقق من الفلاسفة على هذا المذهب والآكثر على مذهب أفلاطون. وستكشف إن شاء الله 
تعالى غائلة مذهبهم فى المعراج الشالث: حدوث العالم الأعلى . فلنرسم ههنا ثلاثة 
فصول: 

الفصل الأول: فى قوى النفس وعلة تحرك البدن بها. 

الفصل الثانى: فى كون النفس جوهرا غير متحيز قائمًا بنفسه مستغنيًا عن المحل. 

الفصل الثالث: فى أن النفس لا تعدم وأنها باقية. 


الفصل الأول فى قوى النفس وعلة تتحرك البدن بها 

ربما اعتقد من لا تحقيق لديه أن الشرع يزجر عن التعرض لهذا القدر فى تصحيح أو 
إبطال وليس فى الشرع دليل على ذلك وقوله سبحانه: # قل الروح من أمر ربى 4 . جواب 
مقنع إذا فهم الأمر بما هو عليه ولو أراد تعالى الزجر لذكر الحكم عليه وقد كشفنا عن 
القوى الجسمانية وهذا الجسم يجرى من النفس مجرى الثوب من الجسمء فإن الجسم يحرك 
الثوب بواسطة أعضائه؛ والنفس تحرك البدن بواسطة قوى خفية ومناسبة . وقوى النفس 
تظهر فى مواضع من البدن» وربما بلغت عشراً نذكرها والنفس فى ذاتها واحدة وإنما ترجع 
التسمية إلى الآلة كقولنا سمع وبصر وشم وذوق ولس . والنفس هى الذائقة الشامة المدركة. 
فهذه حمس قوى ظاهرة» والدليل على أن التفس هى المدركة دون هذه الأعضاء أن العروق 
متى حدث بها سدد تمنع اتصال النفس بها بطلت كالحذر والموت وهذا مشاهد لا يفتقر إلى 


عد +7١‏ سس لشيس مجموعه رسائل الإمام القزا 


دليل. والقوى تنقسم إلى قسمين إلى محركة وإلى مدركةء والمدركة فنا ظاهرة 
وباطنة» فالظاهرة ما ذكرناه والباطنة ثلاث: 
أحدهما: الخيالية والوهمية والفكرية» فالخيالية فى مقدم الدماغٌ وراء القوة المبصرة 
حاصيتها بقاءصور الأشياء المرئية فيها بعد تغميض العين وانقطاع ما يدركه الحواس ويسمى 
الحس المشترك, ” 
الثانية: الوهمية وهى التى تدرك المعانى»؛ فالأولى مختصة يقوى المعانى وصورها 
وموادها. وهذه تحفظ المعانى دون صورها وموادها إذ تدرك الشاة عداوة الذئب مجردة فتنفر 
عنه. والسخلة تدرك حنان الأم فتألقها ومحلها التجويف الأخير من الدماغ . 
٠‏ الثالثة: القوة المفكرة وشأنها أن تركب الصور بعضها مع بعض . وهى فى التجويف 
اا الصور وحافظ EGE‏ وهى المرادة برمز القائل: 
راان اا وار ايك 
متقابلان على السماك الأعزل 
مازال ينسج ذاك خرقةم ابر ١‏ 
وبخيط صَاحْبهثياب الَُقْبل 
ومواضع هذه القوى مبرهنة بصناعة الطب. فإن الآفات متى نزلت بهذه المواضع 
حدمت هذه المدركاتء وزعموا أن القوة التى تنطبع فيها صور المحسوسات محفظ تلك 
الصور فتبقى فيها بعد قبولها يحسب الحواس الخمس إذا تكرر ذلك عليها والشئ يحفظ 
الشئ بغير القوة التى بها يقبل إذ الماء يقبل الانطباع ولا يحفظ بخلاف الشمع فإنه يقبل 
بالرطوبة ويحفظ باليبس والحافظة تصون المتخيلة كما أن القوى الذاكرة تصون الحافظة. 
والقوى المحركة إما باعثة على الحركة . وإما مباشرة للحركة. فالباعثة هى القوة النزوعية 
الشوقية ومتى رأت أمرا يترغب فيه أو يترهب منه بعثت القوة المحركة المباشرة على 
الفعلء فتنيعث فى الاعصاب والعضلات والرباطات من القلب . إما ببسط عن جهة البدأ 
رإما يقبقى إليه إذ هى إذا فرحت نشرت الدماء فى العروق فكان الفرح . وإذا حزنت 
اتهذيت فاتهذب الروح الحيوانى إلى القلب فاغتتم وحزن. ثم من شأن النفس إدراك 
المعلومات المغيية. ولها قوتان إما عملية وإما علمية. فالعملية قوة هى ميدأ محرك لبدن 
الإنان إلى الصناعات الإنساتية . وآما العلمية فهى المدركة لحقائق العلوم مجردة عن المادة 
والصورة. وهى القضايا الكلية المجردة وهى للعقل وبهذه القوة تتلقف عن الملائكة العلوم ‏ 
ويالقوة الثانية تصلح ما وكلت به من الأمور الحسمانية. وهذه الأمور كلها محسوسة يستتد 
برهانها إلى الحس قلا نطول بتمهيده كما أن ما ذكرتاه من الجسمانية أكثرها محسوس وما 


حي مجموعة رسائلالاإمام الفزالی uuu‏ یس ٦٣‏ جع 


غاب فقلدنا فيه المعتنين بالتشريح على أنه أكثر ما يوصفا. وإذا فهمت الجسم والقوى 
الحيوانية وأن النفس هى المحركة الباعثة وأن قواها باعتبار الإضافة إلى المواضع كان كالثوب 
الواحد يسمى موضع منه كما وموضع منه طوقًا وموضع منه جيبًا . وقد قدمنا أن لها قوتين 
عملية وعلمية . وأن العلمية مستعدة لقبول العلوم إلى ما لا يتناهى بالقوة وأن الجسم منفعل 
للقوى المحركة وللحركة العملية تحت هذه العلمية الشوقية التزوعية . ومنها مبدأ الفعل 
إلى أن يبرز ويظهر. 

فإن قيل: فلم لا ترى النفس فإن فى رؤيتها ما يدل على صحة وجودها وهلا 
تخيلتاها. 

قلنا: فهاتان مسألتان أحدهما لم لاترى» والثانية لم لا تتخيل. فالجواب عن 
أحدهما وهى لم لا ترى بثلاثة أجوبة: 

أحدهما: أن كل موجود ليس من شرطه أن يرى. إذ صحة وجود الموجود لا 
تستدعى أن يكون مرئًا فإن الأحوال اللازمة للشىء إما أن تكون ذاتية وإما أن تكون 
عرضية» والموجود من الأحوال اللازمة ذاتى وكونه مرئيًا عرضى له إذ يثبت وجود الموجود 
مع عدم من یراه» ومع ذلك يشبت الموجود ولا يبطل وجود عدم الرائى له. والدليل على 
ذلك وجود البارىء سبحانه وتعالى فى الأزل لا إلى نهاية ولم ير حتى الآن وذلك لا يبطل 
وجوده. نعم يستدعى الوجود أن يثبت له مايص حح وجوده والشئ قد يستدل عليه إما 
بقضايا عقلية وإما بأثر يغبت للحس فيقضى عليه. 

وقد شاهدنا آثار النفس ووجود أنفسنا بالضرورة» وعلمنا أن فى أجسامنا معنى يزيد 
عليها بالضرورة إذ يبقى الجسم ولا روح له ويكون الجنين تامًا فى الشهر الرابع ولا روح له. 

الحواب الثانى: أن المرئى يجب أن يكون من الرائى فى جهة وعلى مسافة ويكون 
قابلاً للألوان E‏ فى إظهار الميصرات. وإننا قلنا إن النفس لا تقبل الألوان إذ اللون 
مركب من أمور تجتمع . 

الجواب الشالث: أن المرئى لا بد أن يكون فى حيزء وسنقيم الدليل على أن القرة 
العقلية لا حيز لها. 


1 *» <* e ٠ث‎ ۰ 

الفصل النانى فى كون النمس جوهرا 
النفس جوهر قائم بنفسه ولابد من كشف هذه العبارة. فنقول: على جهات فيقال 
للقوة الغازية نفس وكذلك المنمية وكذلك النباتية. وهذه أنفس وليسّت الراد فى هذا 
الغرض . فأول النفوس النباتية ثم الغازية ثم النامية ثم الحيوانية. وهذه أول مراتب خروج 


حد ١‏ صطلمع٠٠ب٠سش٠سسسب7‏ بروموعة رسائل الإمامالفزالى کد 


فعل النفس من القوة إلى الفعل» فالنفوس الحيوانية هى كمال جسم طبيعى بها يحس 
ويتحرك» والبهيمة والإنسان يشتركان فى هذه النفس» وهذه النفس» هى حرارة مودعة فى 
النطفة ‏ .ودم الطمث المجتمع فى الرحم لها كالقالب » فإذا أسقط المنى على بقية دم يجتمع 
فى الرحم انتشر عليه كالنتق فى اللبن وعقده بحره فسخن وامتد بالحر من خخارج وتزايدت 
الحرارة الغريزية. *قأول مايتكون القلب ثم تنتشر من العروق والعصب وينتقش ذلك الجزء 
فيه إلى أن تكمل أعضاء الجنين» ومن يوم تسقط النطفة فى الرحم إلى يوم خروجها 
مقدار ما تقطع الشمس ثلاثة أرباع الفلك . والنطفة تستمد الحر من جهة الام والأم من 
الأغذية» فإذا دخلت فى الشهر التاسع صارت كالمفتول الخشن المشرب بالزيت الصافى فى 
شدة الملاءمة والتأتى للاشتعال. وهذا مثل بل الأمر أغمض وأدق. 
فال ار اة لات القداء والثانات (الغناصن»:تإذا نلعت هذه اة ايوت 
من الجود الإلهى نفس . فحيتئذ يوجد الرب تعالى قوة من عالم الأمر كما قال تعالى : قل 
الروح من أَمر ربِي 4 , [الإسراء : 186 وقال تعالى : ٠‏ روحا من أمرنا 4 [الشورى: 57] . وقال 
تعالى : ل فَإذَا سويته وك فيه من روحي 4 [الحجر: ۲۹] . والعالم من محدب الفلك 
اناسع س ن الصفحة التى تلى جهة فوق والتى تلى أقدامنا إلينا تملوءة جنودا وملائكة : 
لإ وما يعم جنود ربك إلا هو 4 [المدثر : .1١١‏ وقد ا الطبيعى أنه لا يجوز أن 
يكون عالم حارج الكرة التاسعةء وأن لا خلاء البتة وأن كل موجود للبارىء تعالى فهو 
داخل فى جوف هذه الكرة. فأما الأجسام فهى تستحيل عن العناصر الأربعة فكل ما تحت 
مقعر فلك القمر مستحيل متغير» والعناصريستحيل بعضها إلى بعض وما عدا ذلك فهو 
جواهرمن حوادث أخرء والنفس من جنس تلك الجواهر لا من العناصر فهى روحانية 
محضة وهى نفس صغيرة موازية لنفس العالم الكبير. 
وقد تكرر منا أن الإنسان موجود على مضاهاة العالم» فالنفس جوهر روحائى لطيف 
ولا يجب أن ينكر المنكر ذلك وهو يشاهد شعاع الشمس وروحانيته وبساطته» حتى أن 
قرصها يكون بالمغرب وشعاعها بالمشرق فما إلا أن تغيب خلف جبل فينقطع الشعاع الذى 
بالمشرق يلازمان. ولو كان جسمًا لا انقطع ذلك آحاد السنين» وكذلك إذا أخحذت مرآة 
وعكست بها الشعاع انعكس ذلك إلى حيث شئت. ثم تقطعه عن موضع عكسته إليه لا فى 
زمان» وجوهر الشعاع بالإضافة إلى جوهر النفس كثيف فليس فى العالم موضع بيت ولا 
زاوية إلا وهو معمور بما لا يعلمه إلا الله تعالى. ولذلك أمر النبى یله بالستر فى الخلوة ة وهو 
أن يجامع الرجل امرآته عريانين» وقد قال تعالى: لما يلفط من قول إلا لّديه رقيب عتيد » 
[ق:18]. وقال تعالى فى الإنسان ونحن أرب إليه من حبل الوردد ‏ [ق: .]۱١‏ فالأرواح 


بس مجموعةرسائلالإمامالفزالی ی ٦‏ ے 
مشحون بها العالم. وإنما نبهنا على ذلك تنيها أن للنفس شبه عنصر تكون منه يناسب 
لطاقتها فإذا تأتت الروح الحيوانية أوجد الله تعالى نفسًا جوهراً لطيفًا روحانيًا عالما بالقوة 
فى طبائعه أن يعلم الأمور ويقل بارته» فيتشبث بهذا الجسم ويشتغل به وينشأ معه حتى لا 
يعرف سواه ويشتد إلفه وحرصه عليه من الله تعالى فيحرك الأجسام. وذلك كمثل الحديد 
فإنه يكون جمادا لا يتحرك فإذا انضاف إليه أمر يقوى طبيعته وخاصيته قوى الأثر فيه 
ويأتى المحل لفعل النفس الكلية فحركت الحديد فجرى ودار وتراه كالحى فلا يزال على تلك 
الحال حتى ينخرم ذلك الفطام وتزول تلك الملائكة»فلا تزال هذه النفس مع هذا الجسم 
وتمدها الملائكة مر من خارج بنطق على أنه لا يعرفه إلا العلماء. وقد أخبر الشارع عليه 
السلام: أن الخير من الملاتكة والشر من الشيطان فلابد من أثر يحصل على الملائكة . 

ولما كانت النفس روحانية قبلت عن الروحانى وتأثرت عنه. فلولا العقول المعبر عنها 
بالملائكة الممدة للاقوس من خارج لا عقلت معقولا البتة ففإن النضسن: عالمة بالقوة فقط 
aT‏ يصيرها عالة بالفعل فأعلى طبقة فى 
الاستمداد الأنبياء عل ثم من يليهم. وذلك بحسب تهذيب النفس والعكوف على هذه 
الجنبة وهذا هو المعنى بقوله تعالي : ل إذ أيدئك برو القدس» [المائدة: .]١٠١‏ وقال تعالى 
فى الأولياء: ل[ أولتك كتب في قُلوبهم الإيان وأيدهم بروح منه االمجادلة: ١۲].الناس‏ فى 
الأخذ من الملك تفاونًا لا نهاية له ومن الناس من لا يأخذ شيئًا وهم المرادون بقوله تعالى: 
ص ( إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلا 4 1 الفرقان :4 وإنما أوجد الله سبحاتة النفس 
لامتحان الأدمى, ولو أوجدها مبرأة من المادة لم يكن منها عصيان فجعلها فى مادة كما قال 
تعالى : «( لتنظر كيف تعملون 4 (يونس: 14] . وذلك أن الملائكة عرفت أن الموجود فى مادة 
يعصى فقالوا: « أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء 4 (البقرة: ٠‏ *7]* فالنفس تكتسب 
فى بدنها الكمال لكى تلحق بالملائكة أو الشياطين إما بالأعلى أو بالأخس. ثم هى من بعد 
ذلك حية لأن. كونها موجودة مع البدن لا يدل على عدمها بعدم اليبدن فإن عنصريهما 
مختلفان . 

والدليل على ذلك أن نفوس اللملائكة وذوات الأفلاك لا تتغير إلا أن يريد بارتها 
والأفلاك تقبله بجواهرهاء ولأن الفناء هو انحلال التركيب والنفس بسيطة لا مركبة والدليل 
عليه علمها بالأمور العقلية والمغيبة كالنبوة والكهانةء ولا يصح البتة أن يعقل الجسم باتفاق 
العلماء والعقلاء والمزاج عبارة عن اعتدال الأخلاط فى الجسم والأخلاط جسم فيستحيل أن 
تكون مدركة عاقلة. وإغا العاقل المدرك جوهر يناسب جوهر الملائكة ول ي ع 
إلا جنسه. ولا كان الجسم كثيفًا صرف فى الخدمة والحركات والاقنورٌ الجسمانية» ولا 


سے mw X٦‏ د مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


كانت . النفس لطيفة أعدت للإرادات والقدر والعلوم حالة فى النفس» والعلم لا ينقسم 
فمحله لا ينقسم ولأن الجسم لو كانت حركته منه للزم فى الفلك أن تكون حركته منه» وقد 
تبرهن أن حركته من نفس محركة» وكل متحرك فلا يكون محركًا نفسه أصلاً ويبطل أن 
يحركه جسم آخر إذ لو حركه جسم لاستبد هو بالفعل فيبقى أن يحركه غير جسم وغير 
الجسم لا تركيب فيه؛ وما يفسد فإنما يفسد لاجتماعه من متنافرات فينحل . 

وقد تقدم أن النفس لا مركبة» فالنفس تنحل وما لا ينحل يبقى فالنفس تبقى . ثم 
نقول: جميع ما هو جوهر فهو إما قائم بنفسه. وإما على ما يعتقده المتكلمون فإن الجواهر 
عندهم متماثلة ولا فرق بين جوهو النفس وجوهر الجسم. وإنما تختلف الجواهر عندهم 
بالأعراض ويستحيل أن يكون الجوهر عندهم يحل فى الجوهر أويقوم بهء فلو كان الجسم 
جوهرا والنفس جوهرً لم يصح أن تكون النفس صفة الجسم ولا أولى منه لتماثلها فى 
الجوهرية. وإذا بطل أن تكون جوهرا أو عرضا لم يبقى أن تكون جوهرا قائمًا بنفسه ليست 
بعرض ولا بجوهر. 

فإن قيل: لا يعقل فى العقل إلا جوهر أو عرض . وأما جوهر ثالث فلا يدرى . 

قلنا : هذا إلا أن سخف بل ليس فى العقل حصر يدل على ذلك » وإنما أوجب 
تلك القسمة المشاهدة من حيث لم تشاهد إلا عرضًا وجوهر وهذا قياس التمثيل وهو قياس 
باطل» وسنعد كتابًا لتقرير البراهين إن ساعدت الأقدار بحول الله تعالى. وإذا ثبت وجود 
معنى ثالث بالبرهان. 

قلنا: هذا المعنى لايخلو أن يجب له المحل أو يجوز عليه أو يستحيل. وبطل أن 
يجب لهء فإن الواجب العقلى لا يفتقر إلى مخصص وذلك يلزم أن يكون النفس أبدًا غير 
خالية من محل ونحن نشاهد تركها للبدن فلابد من مدة تمر عليها لا تكون فيها فى محل. 
هذا لو قلنا إنها تنتقل من هذا الجسم إلى جسم فنقول ما بين الانتقالين لا تكون فى جسم 
والحكم الواجب لا ينتقض فى زمان ما. ثم نقول : من زعم أنها تنتقل إلى محل فعليه 
الدليل وهذا لا يقوم عليه دليل البتة وإذا بطل أن يكون الحل واجبًا لها بقى أن يقال جائز 
عليهاء وما جاز على الشئ افتقر إلى مخصص و«المخصص لا يؤثر فى محل إلا أن يكون 
المحل قابلاً للتأثير» وقد قدمنا أن النفس يستحيل انطباعها فى الجسم فصح وثبت أنها 
يستحيل عليها المحل . 


الفصل الثالت فى أن النمّس لا تعدم وأنها باقية 


احج مبجموعة سانل الإمامالفزالى سسب سس للستت 17 = 
به الآن هذه المسألة أن نقول: تنحصر المذامب فى مذهبين: إما أن يقال إن النفس قدية 
على مذهب أفلاطون فإن البارىء تعالى عنده علة وجودها والمعلول عنده لا ينعدم إلا 
بانعدام علته والبارىء تعالى لا يتعدم فالنفس لا تنعدم هذا مذهبه. 

وذهبت طائفة من محققيهم أن النفس محدثة وهو مذهب ابن سيناء ولكن اتفق 
الكل على أنها لا تتعدم وبذلك أخبرت الأنبياء عليهم السلام. وقال تعالى. و 
أبدا رضي الله عنهم ) المائدة: 89. وقال تعالی : ولا تحسبن الْذِين فُتلوا في سيل الله 
أمواتا بل أحياء عند ربهم يرزفون 4 (آل عمران: 8. وقال سبحانه فى نفس الكافر: ولا 
يموت فيها ولا یحی 4 [الأعلى : ۳٠وطه:٤۷].‏ وقال تعالى فى أهل الجنة: ذإ لا يذوقون 


<o ro 


فيها المت إل الموتة الأولى 4 [الدخان: .]٠١‏ فإذا هما طرفان: 

أحدهما: عدمها واتفق المؤالف والمخالف على أنها لا تنعدم حاشا طائفة من الدهرية 
لا التفات إليهم . 

الطرف الثانى: وهو ابتداؤها. فذهب الإسلاميون والقائلون بالشرائع إلى أنها محدثة 
لها ابتداء لكنها جوهر لا يقبل العدم. وذهبت طائفة من الفلاسفة إلى أنها محدثة ولكن 
مذهبهم يعود إلى مذهب أفلاطون . وذلك معنى الحدوث عندهم انتقال ماهية الجوهر كالماء 
إذا أشعل تحته النار ففنى فلم يفن عندهم تحقيقّاء لكن الماء عندهم استحال هواء وكذلك 
الهواء إذا استحال نارًا فالحدوث عندهم عبارة عن تغيير حال الجوهر. وإذا فهمت هذا من 
مذهبهم فحدوث النفس عندهم عبارة عن انتقال جوهرها من حالة الى حالة كانتقال الماء 
إلى الهواء والذى يرجع إليه مذهبهم والله أعلم أن العناصر الحاصلة فى مقعر فلك القمر 
المنفعلة عن الأفلاك تولد النفس منها. وحاصل ذلك راجم إلى أشعة الكواكب ولكن 
عندهم بين النفوس والأجسام مناسبة وعلاقة لا بد منها. وذلك يكون ابتداء الجسم للكائن 
من الأغذية بأن تكون تلك الأغذية تنقسم ما بين البروج» فإذا انفعل الجسم وخرج إلى 
صفحة العالم من طالع مخصوص انجرت تلك الأشعة التى للكواكب إلى الجسم عتاسية 
مختصة من جهة مختصة ة بالطبع» وعلى هذا بنوا آراء الطلسمات فإن ابن آدم عندهم 
طلسم فيحتالون بأإبخرة وعقاقير وجواهر مختصة من جواهرالأرض تلائم طبيعة الكواكب 
والحب والمتافرة عندهم على قدر تناسب الطبيعة ولهم فى هذا كلام طويل . والذى يقوم 
عليه البرهان أن النفس حادثة إذ البارىء تعالى ه٠وصوف‏ بالاقتدار على خلق جواهر 
لاتعدم. وسنورد إن شاء الله تعالى أصل مذاهبم ى المعراج الثالث فى حدوث العالم 
العلوى فلا معنى لإيراد ذلك فى هذه المسألة فلتتكلم على أنها لا تعدم. فتقول: الشىء لا 
يوصف بالعدم ما لم يقل إنه قابل للعدم. وإذا كانت النفس قايلة للعدم فلا تخلو أن يكون 


جد <١‏ ممع سس سم سح مجموعةرسائل الإمامالفزالى د 


ذلك فى طبعها ويكون العدم ذاتيًا له. وإما أن تعدم لاختلال شرط فى وجوذها. بإما أن 
تعدم لإرادة بارئها أن تنعدم . وبطل إن يكون العدم من صفات ذاتها إذ ذلك يؤدى إلى أن 
تبقئ زمانين وهو محال وبطل أن يقال هى باقية بشرط إذ قدمنا أن القائم بنفسه لا يفتقر إلى 
شرط. وبطل أن يقال تعدم لإرادة بارئها فإن إرادة بارئها لا يعلم إلا من جهة الرسل عليهم 
السلام وقد أمخبرت الرسل عليهم السلام إنها لا تعدم والله ولى الهداية. 


المعراج الثالث 

لم يختلف أحد من ذوى العقول أن الصور الجسمانية الحادثة فى عالم الكون والفساد 
حادثة مفتقرة إلى علة فى وجودها إما بارىء وإما طبيعة على ما قدمناه وعالم الحس 
والشهادة والكون والفساد كل ما حواه فلك القمر وحصل فى مقعره. واختلف فى العوالم 
العلوية وهى نفوس الأفلاك وعقولها وما فيها من الكواكب وغيرها. فأطبقت الفلاسفة على 
قدم ذلك بلا خلاف فى الاعتقاد. واختلف عبارتهم فى التغيير عن حصولها عن البارىء 
تعالى وهو المبدأ عندهم ومجرى المبدأ الثانى الذى هو علة لما تحته من البارىء سبحانه 
فجرى النور من الشمس ونور الشمس ضرورى الوجود معها فلا ينعدم. والبارىء سبحانه 
عندهم علة وهو معه كالمعنى الطبيعى وغير متقدم عليه التقدم الطبيعى؛ بل معنى تقدمه 
عليه بالمرتبة كتقدم الملك على الوزير والوزير على الحاجب» ثم سموه بعد ذلك حدونًا 
وفعلاً وفيضًا وكل على سبيل المجاز لا على الحقيقة . 

والعالم عندهم ينقسم إلى قسمين: قائم بنفسه وغير قائم بنفسه. فما ليس قائمًا 
بنفسه هى الأعراض وحدوّثها عندهم عن دوران الفلك والانتقالات فتسرى الأدوار من شئ 
إلى شئ وتكتسب الجواهر بذلك أحوالاً وما هو قائم بنفسه منقسم إلى ثلاثة أقسام : أجسام 
وهى أخس الجواهر وعقول أشرف الموجودات ونفوس وهى واسطة بين الأجسام والعقول 
وهى فى حكم الرابطة بين العقول والأجسام كالحرف الرابط بين الاسم والفعل والكلمة 
وهى غير مؤثرات فى الأجسام. ثم الأجسام عشرة تسع سموات والعاشر العناصر التى 
هى حشو فلك القمر. ثم السموات التسع حية عندهم ناطقة ولها ترتيب ودرجات وهو أن 
البارىء تعالى عن قولهم فاض عنه على الطريق التى ذكرناها العقل الأول وهو العلم» 
والكلمة عند أكثرهم وهو جوهر قائم بنفسه ليس بجسم ولا هو منطبع فى جسم يعرف 
نفسه ويعرف بارئه وهو ملك. وربما زعموا أنه هو القلم . ثم لزم عن وجوده ثلاثة أشياء: 
عقل ونفس والفلك والأقصى وهو التاسع وهو السماء وجرمهاء ثم لزم من العقل الثانى 
عقل ثالث ونفس وفك الكواكب الثابتة وجرمه»ء ولزم عن العقل الثالث عقل رابع ونفس 


کی مجموعة رسائل الامام الفزالی ہیی حي 16 د 


فلك زحل وجرمه. ولزم عن العقل الرابع عقل خامس ونفس وفلك المشترى وجرمه هكذا 
إلى فلك القمر ء ثم ما فى حشو فلك القمر ثم المواد التى تسير فى سبب حركات 
الكواكبه امتزاجات مختلفه تنفعل منها المعادن والحيوانات والنباتات. فالعقول عشرة 
والأفلاك تسعة ومجموع ذلك تسعة عشر. وزعم بعضهم أن ذلك هو المراد بقوله 
تعالى : / عليها تشعة عشر ب المدئر: 10. وزعم بعضهم أن ذلك الاثنى عشر برجًا والسبع 
للدارى وإلى هذا يرجع حقيقة مذهبهم وعليه مدار سائر مذاهيهم فى كل فن» واتفقوا على 
أن الله تعالى واحد وحدانية لا تقبل الانقسام لا بالحس ولا بالعقل ولاغير ذلك؛ وأنه لا 
معنى له يزيد على ذاته من علم أو قدرة أو غير ذلك. هذا هو مذهب المحققين منهم الذى 
اتفقوا عليه . 

وما يظهر من الاختلاف فى أقوالهم فى العالم كتحير جالينوس حيث قال: لا أعلم 
قديًا أو حادنًا فقد قال الفارابى من محققيهم أو معنى ذلك أن العالم يتعارض عليه فهو 
ضربان لانقسامه فى نفسه إلى القديم والحادث. فإذا انفرد الكلام ارتفع الغلط . فمعنى 
قولهم العالم محدث له معنيان : أحدهما حقيقة . والآخر مجاز. فأما ما هو حقيقة فهو 
تركيب الصور فى عالم الكون والفساد من المادة . وأما المجاز فتسميتهم العلة الأولى حدوثًا 
وفيضًا وذلك راجع إلى تسمية مجردة» فأنه لايصح عندهم أن يصدر حادث من قديم البتة. 
ولنرسم فصلين أحدهما يقتضى الدلالة على أن العالم محدث. ويتضمن الثانى الكشف عن 
أدلتهم فى أن السماء حية. 


الفصل الأول 
لهم على مذهبهم أدلة نوردها وننفضل عنها قالوا يستحيل أن يصدر حادث عن قديم 
حدوًا لا واسطة له لأن الإله إذا فرضنا وجوده فى الأزل موجود معه البتة والموجودات لم 
تصدر منه لأن إيجادها لم يظهر به بل كان عنده حيز الإمكان المجردء ثم إنه أحدث العالم 
فإحدائه لا يخلو من حالين: إما أن يكون بقى على حالته الأولى» وإما أن يكون حدثت له 
صفه تقتضى الإحداث. وذلك يلزم السؤال. بلم؟ فيقال : لم خصص هذا الوقت بالفعل 
دون الوقت السابق أو يحال الأمر على فقد آله ووجودهاء ويبطل أن يكون لإرادة حادثة 
فإن الحادث لا يحل التقديم ويبطل أن يخلقها فى محل ثم يريد بها وكل هذا باطل . وأما 
قولهم إنه لم يفعل ثم فعل فذلك يوجب تغيير حال. 
قلنا: ذلك فإنه تعالى لم يزال عالًا ولايزال» ومقتضى علمه إيجاد الخلق فى المبدأ 
الذى أوجدهم فيه وقصد إلى خلقهم حين ابتدأ خلقهم؛ وذلك راجع إلى إظهار الفعل 


.۷ سس مجيموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


وليس من شرط العالم إذا كان قادرا أن يلازم المعلوم والمقدور. والبأرئ تعالى لا يقال له 
لى فيسقط ما موهوا بهء فإن قالوا : البارىء تعالى لا علم له. 

٠‏ قلنا: بل هو عالم لا يتغير عما علم فى وقت مالا فى الماضى ولا فى المستقبل كما 
يدل عليه ومن الدليل على حدوث هذا العالم أن فى القول يقدمه إثبات حوادث لا نهاية 
لها. فلك الشمس يدور فى سنة» وفلك زحل فى ثلاثين سنة» فتقع آدوار الشمس فى 
زحل فى ثلث العشرء وتقع أدوار الشمس فى أدوار المشترى فى نصف السدسء فإنه يقع 
مدة اثنتى عشرة سنة» فإذا كانت دورات زحل لا نهاية لها ولا عداد» وكذلك الشمس 
وكذلك المشترى فذلك يبطل أن تقع الشمس لأحدهما فى التكسير على ما وصفناء بل فلك 
الكواكب الذى يدور عندهم فى ستة وثلاثين آلف سنة مرة. ثم نقول أعداد هذه الدورات 
لا تنفك أن تكون شفعًا أو وترا أو شفعا ووترا أو لا شفع ولا وتر وبطل أن يقال لا شم 
ولا وترء فإن العداد إما شفع وإما وترء وقد صححتم هذه المقدمة فى المنطق. وكذلك إن 
قلتم شفعًا ووتراء فإن قلتم شفعًا فما لا نهاية له لا يعوزه واحد يصير العدد وترا ومدى أن 
يعوزه وإن قيل وتر ثبتت النهاية . 

فإن قيل: ما لا يتناهى لا يقبل الإنصاف بالشفع والوتر. 

قلنا: هذا محال إذ جملته قامت من سدس وعشر تقبل ذلك بالضرورة وغاية كلامهم 
مطالبة البارىء سبحاته بما خخص ووقت المبدأ من غيرهء وهذا الاعتراض لا يعقل له مناسبة 
ولا يلزم بحالء فكل ما يهذون به يحمل على العلم والإرادة على آنا نقول ربا الأصلح 
بهم خلقهم فى الوقت الذى وجدوا فيه. 


الفصل الثانى 

وهذا الفصل ينقسم إلى ثلاثة أقسام : 

القسم الأول: فى ذهابهم إلى أن السماء حية. 

والثانى: قولهم إن السماء عالمة بجزئيات العالم. 

والثالث : فى ترتيب الحركات . 

قالوا: السماء حية ولها نفس: نسبة نفسها إلى جسمها كنسيه أنفسنا إلى أجسامنا. 
وكما تنقسم حركاتنا إلى الطبيعية والإرادية كذلك حركة هذه إراديها وطبيعيها قصدها عبادة 
رب العزة والتقرب منه إذ كل تحرك إرادى لغرض إذ بذلك يفارق العاقل سائر الحيوان. ثم 
قصد التقرب الغرض به عندهم التشبه بالبارئ تعالى فى الصفات لا فى الذات» فإن الكمال 
الأعظم والبهاء الأتم والجود الأفخم لله رب العالمين. وكل وجود بالإضافة إلى وجوده 


حب مجموعة رسائلالامامالغزالی سس سب ب سس سسلسلسقت ‏ لل عدج 


ناقص. والملك أقرب إليه ونعنى بصفات البارئ تعالى العلم والحلم والجود والرحمة والنزاهة 
عن الظلم إلى غير ذلك. والإنسان متى استعمل هذه الصفات قرب من الملك فهو قرب 
مناسبة فى الخلق والصفات لا فى المكان وكذلك اللملائكة مع بارئهم قالوا: والمنتهى طبقة 
الآدميين التشبه بالملائكة . والملائكة عندهم عبارة عن النفوس المحركة للسمواتء قالوا: 
وكمالاتها تنقسم إلى ما بالقوة وإلى ما بالفعل» فما هو بالفعل كونها على شكل كرى 
وذلك بالفعل حاضر أبدا وما لها بالقوة الهيئة فى الوضع والأين فكل وضع ممكن لهاء وما 
لم يمكنها فلعدم ثباتها تحركت تبغيها فلا تزال تطلب وضعًا بعد وضعء وإغا قصده التشه 
ببارته فى صفات الكمال فهو يتحرك لإفاضة الجود على ماتحته من العوالم إذ ليست تختلف 
فى التثليث والتربيع والمقابلة واختلاف الطوالع. وهذا الكلام لايقوم عليه برهان» فإن 
الحركة المشرقية هلا كانت مغربية وهلا كانت المغربية مشرقية. فأما عنوان أدلتهم فى أنها 
حية فزعموا أن السماء متحركة. 

قالوا: وهذا معلوم بالحس والضرورة وكل جسم متحرك فله محرك ولابد . وهذه 
مقدمة أخرى إذ لو تحرك الجسم بمجرد كونه جسمًا لكانت الأجسام كلها متحركة» والمحرك 
لها إما أن يكون طبيعة لها كهوى الحجر إلى أسفل. وإما أن يكون المحرك لها خخارجًا عنها 
كرمى الحجر إلى فوق فيكون قاسرًا له على ذلك . وإما أن تتحرك بإرادتها ويبطل أن تكون 
حركتها قسرية» لأن محركها إما جسم فيلزم فيه ما لزم فى هذاء وإما أن نقول يحركها الله 
تعالى بغير واسطة. قالوا: وذلك محال لأنه لو حركه من حيث إنه خالقه للزم أن يحرك 
كل جسم فلا بد من اختصاص الحركة بمزيةء ولا يمكن أن يقال تحركها بالإرادة لأن إرادته 
تناسب الأجسام نسبة واحدة» فلم خصت هذه بالتحرك دون غيرها والحركة الطبيعية فيها 
محال لأن الطبيعة تلزم ضربًا واحدًا . ثم الحركة الدورية لا يصح فيها فإن كلاً مضروب 
عنه فلا يلزم عودها إليه فتتساوى الأماكن» ونحن نسلم جميع ما ذلك ذكروا حاشا قولهم 
يبطل أن تتحرك لإرادة الله إذ يلزم ذلك فى شكل السماء وتحركها على نقطتين» ولم 
اختصت بهذه الصورة. 

القسم الثانى : قالوا إذ صح أن السماء متحركة بالإرادة فهى عالمة مطلعة على 
جزئيات العالمء قالوا: والمراد باللوح المحفوظ نفوس السموات وأن انتقاش جزئيات 
المعلومات وما فيها كانتقاش المعلومات فى القوة العاقلة فى الإننان . قالوا: والملائكة 
السماويات نفوس السماوات والكروبيون المقربون العقول المجردة التى هى جواهر قائمة 
لا تتحيز ولا تتصرف فى الأجسام» واستدلوا على أن السماء عالمة بالجزئيات» بأن قالو.: 
الحركة الدورية إرادية والإرادة تتبع المراد. والمراد الكلى لا يتوجه إليه الإرادة الكلية والإرادة 


إل ا سس سس لللشي٠*٠شست‏ بمجموعة رسائل الإمام الفزالسى سد 


الكلية لا يصدر منها شئ». فإن كل ما خرج إلى الفعل موجود وجزئى ونسبة الإرادة الكلية 
إلى الجزئيات على وتيرة واحدة فلا يصدر عنها شئ جزئىء بل لابد من إرادة جزئية 
للحركة المعينة وذلك يلزم تصوره لتلك الحركات الجزئية بقوة جسمانية إذ من ضرورة كل 
إرادة تصور مرادهاء وإذا ثبت تصورها الجزئيات علمت ما يلزم منها من اختلاف النسب من 
الأرض مع اختلاف أجزائته فى الطلوع الغروب والاستواء» فإذا الحركات السببية للمسببات 
سلاسل تنتهى إلى الحركة السماوية الإرادية والإنسان إنما لا يعلم مايقع فى المستقبل بجهله 
بالأسباب». وهذا كله باطل فى حى السماء فإنه موجود إلى تتابع حوادث لا نهاية لها وهذا 
محال. نعم يصح هذا فى حق البارئ تعالى من حيث إن المعلومات عنده على وتيرة واحدة 
تابعة لإرادته وعلمهء وذلك لا يلزمه على شكل يوجب له ذلك أو دوران وما لزم عن 
شكل ودور افتقر إلى مريد موجود لذات الشكل والدور فمر يده بالعلم أولاً ويبطل تساوى 
الخالق والمخلوق فى العلم. فإنه إذا علم الفلك لوازم الحركات إلى ما لا نهاية له وعلم 
البارئ سبحانه لوازمها إلى ما لا نهاية له» فلا يخلو علمهما لها إما أن يتطابقا أو يتضاداء 
ومتى تطابقا أو تضادا فهو نقصان لمن يستحق الكمال الأتم» وقد اتفقوا على أن البارئ 
تعالى منفرد بذلك . 

القسم الثالث: ما ذكرناه فى القسمين السابقين ينقسم إلى ما لا يصح ولا يقوم عليه 
برهان وإلى مايقوم عليه برهان» كعلمنا أن السموات متحركة وأن الحركات مختلفة فى 
التغريب والتشريق واختلاف المطالع والغارب وتعلق الحوادث بذلك, لكنا نزعم أن ذلك 
تابع لإرادة البارئ سبحانه وعلمه فى كل دقيقة من الزمان وهم يزعمون أن السماء ونفوس 
الأفلاك مستقلة بذلك من جهة إرادتها وعلمهاء فنجعل هذا القسم ثلاثة فصول: 

الفصل الأول:فى أن الله سبحانه عالم بالمعلومات. 

الفصل الثانى: أنه مريد للكائنات. 

الفصل الثالث: فى غرض القسم فى ترتيب الحركات. 


الفصل الأول فى أن الله سبحانه عالم بالمعلومات 
اتفق المثبتون للصانع على أن الله تعالى عالمء واختلفو! فيما هو به عالم وهل علمه 
زائد عليه أم لا. وهذا الاتفاق فى إثبات العلم كاف ونزيده بيانًا أن تقول لا يخلو العالم أن 
يكون له محدث أو لا محدث لهء فإن لم يكن له محدث بطل بما قدمناه. وإن كان له 
محدث لم يخل أن يحدثه وهو عالم به أو غير عالم به. فإن قيل: أحدثه ولا علم له به 
فهو إما مقهور أو ذاهل وهذا باطل إذ ذاك محال وقد تقدم ما ينفيه فلم يبق إلا أنه عالم . 


جح مبجموعةسائلالإمامالفزالى ہج سبصحتححه  ۷٣‏ = 


ل 2 خو غا رک اعات اران با ميات لت برجي عدو غلب جه ازارد 
وذلك باطل» والذى يلزم فى حدوث جزء منه» فإن الحدوث لا يختلف فلو صح أن تحدث 
خردلة دون علمه لخاز أن تحدث السماء دون علمه. 

فإن قيل: ملمنا أن محدنًا لا يبحدث وهو لا يعلم بهء بل للملائكة الموكلين بذلك 
فى علمهم بالمعلومات استقلال وهذا منتهى شبههم . 

قلنا: ذلك محال فإت البارئ سبحانه عندكم عقل محض ومن شرط العقل المحض 
المبرأ عن الادة أن لايجهل معلومًاء وإنما طرأ الجهل على الإنسان من حيث هو فى مادة 
فاشتغل بها عن غيرها. فنقول: قد علمتم أن السماء عالمة بالجزئيات فهلا أوجبتم ذلك 
لرب العزة على الوجه الذى أثبتموه للسماء؟ فإن قالوا: يلزم طروء الحوادث عليه. قلنا: لا 
يلزم لأن علمه قديم علم ما يكون من تركيبات العالم وانتقالاته إلى منتهى وعلى أصلكم 
من حيث علم الأسباب الأول يلزمه علمها وعلم توابعها وتوابع توابعهاء فإن من علم علم 
المسيب وما من سبب إلا وله مسبب هكذا إلى منقطع السلسلة. ثم الحدوث والتغير يطرآن 
على الحوادث وهى جارية على ما علم فعلمه واحد لا يتغير وإنما تغيرت هى من حيث 
علم تغيرها فى علمه أنها يترتب بعضها على بعض . 

فإن قيل: فهل علمه زائد على ذاته أو هو عين ذاتة؟ 

قلنا: ذهبت المعتزلة إلى أن ذاته عين علمهء وذهبت الأشعرية وأكثر الفرق إلى أن 
علمه غير ذاته. والذى أعتقده أن الله سبحانه عالم وقد قام الدليل على علمهء فهذه مقدمة 
المقدمة الثانية إن ثبت أن إثبات كون العلم مغايراً للذات محالء وذلك أن نقول لا يخلو 
العلم أن يكون نفس الذات وهذا لا نعتقده؛ أونقول إنه زائد عليها وهو مذهيكم. فإن 
كان زائدًا عليها فلا يخلو أن يستقل دون الذات بأن يكون واجب الوجود أوتكون الذات 
شرطًا فيه» فإن استقل دون الذات وكان قديًا قائسًا بنفسه فهما إلهان الذات والعلم وذلك 
محال. 

فإن قيل : الذات من شرطه؟ 

قلنا: لا يخلو أن يكون قديمًا أو محدنًا. فإن كان قديمًا بطل أن يكون القديم شرط 
القديم» وإن كان محدثًا فلا يخلو إما أن يقوم بذات البارئ تعالى أوبغيره» فإن قام به لزم 
قيام الحوادث بذاته وهذا باطل وإن كان بغيره فالعلم إِذَّا ليس من صفات ذاته. 

فإن قيل: فهذا إِذّا نفس اعتقاد المعتزلة . قلت: نفارقهم بفضل وهو أن مذهبنا أن الله 
سيحانه عالم بالكليات والجزئيات ولا يطلق عليه لا علمه ذاته ولا غيرها لأن التحكم 
بإضافة اسم إلى البارئ تعالى وإطلاقه طريقة الشرع» وليس فى حكم الشرع ما يدل على 


بث ‏ 6لا سسحت مجيوعة رسائل الإمام الفزالى کس 


أن العلم زائدء بل ورد ذلك مطلمًا وشهدت أدلة العقول على أن الله تعالى عالم. وأن 
العلم لا يصح أن يكون موجودًا قديًا قائمًا بنفسه مستغنيًا عن البارئ تعالى وبطل أيضًا أن 
يكون قدا يفتقر إلى شرط . 


4 الفصل الثانى فى أنه مريد للكائنات 

هذا الفصل معقود للإرادة. E‏ مشكلة وعليها انبنى تعطيل المعطلة فلا بد 
من تفصيل القول فيها إن شاء الله تعالى» فنقول : الإرادة حقيقتها المفهرمة إجماع النفس 
على الفعل عند انبساط القوة النزوعية» ويحركها إليه فى القوة الخيالية شئ يرغب فيه أو 
يهرب عنه. وهكذا الوصف مستحيل فى ذات البارئ تعالى» فإِذًا الإرادة الإلهية عبارة عن 
إيقاعه الفعل مع أنه غير ذاهل عنه فالقصد إلى إحداث المحدث والعمد إليه سمى إرادة. 
وحقيقة ذلك تؤول إلى خروج الفعل من القوة إلى الفعل. وقد قام الدليل على أن الله 
تعالى عالم وأنه مبدىء العالم وثبت افتقار العالم إليهء واتفق على ذلك الكافة وإن سموه 
علة فقد أطبقوا على العالم لا قوام له دونه وثبت علمه به وعلمه تعالى بالمعلومات فيما كان 
أو يكون على وتيرة واحدة لا يتغير ولا يجهل ولا يذهل. والعلم متى أضيف إليه فهو قبل 
الفعل أبدا ودائمًا بعده ثم تعلق العلم بأنه سيكون إذا أضيف إلى جهة المعلومات فتنقسم 
المعلومات فى حقه إلى ما يكون وإلى ما كان فكل مايكون فهو فى القوة وما كان فقد خرج 
إلى الفعل فتغير حال المعلوم لا العلم . 

وهذه قاعدة عظيمة إذا فهمت على هذه الرتبة» وإذ! تقرر هذا فكل ما هو فى القوة 
کون فال رت سجاه شريد لآن يكون من حبك رتت الى السات ال ما ری ج 
علمه فهى مطابقة على ماسبق به العلم. فإطلاق الإرادة فى هذا الموضوع على معنى أن 
المراد معلوم ونظم القياس كل مراد معلومء وكل معلوم جار على ما أراد الله تعالى» وكل 
مراد جار على ما علم الله تعالى. وإذا صح أن يكون العلم علة المراد الذى فى القوة فما 
هو بالفعل تابع لما فى القوة والأمر ظاهرء قما خرج إلى الفعل فنفس حدوثه دليل على 
إيقاع الله تعالى له وإيقاعه له هو المطلوب بالإرادة تابعة للعلم. 

فإن قيل : فالمعلومات هل هى متناهية أو لا متناهية؟ 

قلنا:هذا السؤال يفتقر إلى تفصيل فلا يخلو السائل أن يضيف التناهى إلى المعلومات 
فمن ضرورة العقل آن يكون المعلوم محاطًا به» وکل محاط به فمحدود» وکل محدود متناه 
فكل معلوم متناه كان المعلوم فى القوة أوخرج إلى الفعلء فإذا العالم بأسره من الكرة 
التاسعة وما يحويه وتوابعها من أجناسها وأنواعها وأشخاصها وما يلزم عنه متناه محصور 


فى علم الله تعالى. 


جح بجموعةسائلالإمامالفزالى بسي سس سس سسحت ولااععد 


فإن قيل : هذا مسلم ولكن السؤال هل البارىء تعالى عالم بما لا يتناهى أم'لا؟ 

قيل + هذا سؤال مستحيل من هذا الوجه فإن كل معلوم متناه فكان حاصل السؤال أن 
نقول كلى غير متناه أم لا. وهذا انحراف عن صوب الصواب. 

فإن قيل : فهل يقال يصلح أن يكون العلم حاصرا لما يتناهى أو لا؟ 

قلنا: العلد-فى نفسه لايصح الاتصاف به متى فرض إلا مضافًا إلى معلوم وإلا بطلت 
خاصية العلم فمتى أضيف كان المعلوم منحصرا. فبقى أن يقال ذلك على وجه واحد وهو 
أن يكون العلم القديم يتعلى بأن عوالم تتعاقب وهى متى أضيفت إلى نفسها انحصرت» 
ومتى أضيف الحصر والتناهى إلى علم الله تعالى بطل لأن العلم لا يقال فيه متناه أو 
غيرمتناه» وهذا أصل الغلط فربما ظن من لا حقيقة عنده أن المعلومات متى كانت متناهية 
كان علم الله تعالى متناهيًاء وهيهات ما قدروا الله حق قدره. فالمعلومات هى المتصفة 
بالنهاية من حيث تقبل التناهى حتى زعم أكثر المتكلمين أن الكيفيات لا يقال متناهية أو غير 
متناهيةء فكيف بعلم البارىء تعالى ؟ فإنه ليس من قبيل الأعراض ولا من قبيل الجواهرء 
فكيفما أدرت المسألة رجع حكم النهاية إلى المعلوم لا إلى العلم وذلك لا نقص من قدر الله 
تعالى ولا يقال له بذلك عاجز. 


الفصل الثالث فى ترتيب الحركات 

لا خفاء على ذى بصيرة أحاط علما بما قررنا من افتقار العالم إلى البارئ تعالى 
وإثبات العلم له. فإن المعلوم لايخرج عن العلم إذ ذرة فى السموات أو فى الأرض لا 
تتحرك أوتسكن إلا وهى مقيدة فى علم البارئ تعالى فى كتاب لا يضل ربى ولا ينسى 
وما من حركة ولا قبض ولا بسط ولا وسوسة ولا هاجس إلا والبارئ تعالى عالم ذلك 
الآن كعلمه فى الأزل وكعلمه بعد انقضاء الفعل» وكيف لا وقد قدمناه أن أكثر المنتمين إلى 
الحذف والعلم بالإله جل جلاله برهنوا على أن الفلك عالم بجزئيات العالم» وقد أقروا 
بأن الفلك مسخر لمدبر عليم قاصد بحركته التقرب لبارئه تعالى» فمن أولى باتصاف الكمال 

ا او و ا و ذا بلق من فول إلا اليه ركيت 
عتيد © [ق: 18] . وهو أدنى إلى عبده من حبل الوريد «إما کون من تُجوئ ثَلانَة إل هو 
رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أَدنئ من ذلك ولا أكتر إلا هو معهم أين ما كانوا ثم 
يبعهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم )» [الجادلة:, 0 . وقال تعالى : وعنده 
مفاتح اليب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في ابر والبِحرٍ وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حب 
في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتابٍ مبين ‏ [الأنعام: 54]. وهذه الآية من 


ی إ۷ ج - مجموعة رسائل الإمام الغزالى د 


الآى التى هى أم الكتاب. فذكر تعالى أن عنده مفاتح الغيب . ومن قام ده البرهان بما 
تقدم طلب معنى تحمل المفاتح عليه. وقد اهتدت الفلاسفة إليه لو أضافوا ذلك إلى رب 
العزق .فإن الأسباب ومسبباتها علمها عز وجل ولا ر يصح أن يعلمها أولا : ثم لا يعلمها بعد 
حدوثها إذ ذاك يؤدى إلى تغيره؛ N‏ 
وذلك أيضًا باط وصح أن الله تعالى عالم بها قبل كونها علمًا بدقائقها لا يعدوه» فلو 
صح أن يتعداه لخروج عن كونه عالًا يها. وإذا ثبت ذلك بحسب ما ترتب فى العلم ترتب 
فى الوجود فلا يعدو منها شئ علمه وإن أردت مثلاً فالخبز لا يخبز ما لم يكن عجينّاء ولا 
يصح أن يكون عجيئًا ما لم يكون دقيقّاء ولا ب يصح أن يكون دقيقًا ما لم يكن قمحاء ولابد 
من طحنها ولابد من حجر طحين ومن محرك للرحى وصفات المحرك. فهذه أسباب 
لازمةضرورية لابد منها > فهكذا فافهم البارئ مع علله تبارك وتعالىء فالأسباب هى 
المفاتيح والمسببات هى المفتوحات بهاء ولايصح أن يستولى عليها غيره ومن علم بعضها 
فبتعلمه ومن علم بعضًا لا يأتى عليه جميعًا كائنًا من كان نيا مرسلاً أو ملكا مقرباء وذكر 
تعالى الظلمة نهاية فى تعظيم علمه بالأشياء الغامضة التى فى غاية الغموض ٠‏ وكذلك ذكر 
الرطب واليابس من حيث إن كل رطب يقتضى البارد والحار وكذلك لليابس إذ ذلك من 
ضرورته. 
فالسموات والأرض وما فيهما فى علمه وله المثل الأعلى كسفرة بين يدى أحدنا يدير 
ما فيها بما يشاء وعلمه بجزئيات الأمور وما بينهما إلى علمه وقدرته أنزر وأحقر من نسبه 
السفرة إلى إحاطة علم بما لا يتقدر ولا يتناهى» وإنما هو ضرب مثل لكنه تعالى تقدس عن 
الجوارح والأدوات والمباشرة وكان اللائق بجلاله أن تنفعل له الأشياء بمجرد قصوده لكونهاء 
ولكن خص بعلمه وحكمته أن يكون الغالم على نظام وترتيب ليترتب بعضه على بعض 
وهذا نعلمه بالضرورة ولا ينكر ولا يتمارى فيه ولا استحالة فيه . وإنما الممتنع أن يكون فى 
ملكه ما لا يريد أو يفعل شيئًا محدث دونه أو يحدث ما لا يعلم فى ملكه تعالى وتقدس 
عن ذلك سبحانه . وإذا حصلت ما تقدم علمت أن مبدأ الحركة منه تعالى إذ قام عندك 
برهان على جرى العالم كله وترتييه على السابق وأن علمه لا يتير وتقدم لك أن العالم 
منفعل له وأنه غير مباشر لذلك إذ ليس بجسم مقدر ولا بعرض ولا جوهر والعالم منفعل 
له» وذلك لازم للعالم لزومًا ضروريًا وهو تعالى مختار والحديد منطبع للمغناطيس 
بخاصية فيه. وهذا فى عالم الحس فما ظنك برب العزة ذى الجلال والكمال؟ 
وإذا فهمت هذا فاعلم أن الحركات ثلاثة: إما على الوسط كتحرك الأفلاك, 0 
الوسط كالهواء والأبخّرة الصاعدة علوا» وإما إلى الوسط كحركة الحجر إلى أسفل إيطلب 


حب مجموعة رسال الاإمامالفزالی سح ۷۷ = 


مركزه بطبع فيه. ثم هذه الحركة ضربان : ضرورية واختيارية» ولها نسبتان: نسبة نفسها 
ونسبة إلى بارئها فمتى أضيف فعلها إلى بارئها فهو مختار لها بأجمعها ليس شئ منها إلا 
بتدبيره وسحكمه وقضائه وحكمه له اقتضت كونها على جهة مخصوصة وزمان معين 
وشخص معين تقدمت تلك الحركة أو تأخرت كانت بالقوة أو بالفعل. وهذا لازم ضرورة. 

وأما النسبة الثانية وهى نسبتها إلى المتحركين فتنقم ثلاثة أقسام: إما مختارة وهذا 
يختص بالحيوان » وإما مضطرة وهذا يشتمل الجماد والحيوان وهو إما ملازم وإما عرضى. 

فأما الأفعال المختارة فهى موقوفة على إشارة النفس وتحركها والأشياء التى تحت النفس 
طائعة لها انطباع النفس لبارئها جعل ذلك فى طبيعة الخلقة والنفس منفعلة بإشارة العقل والعقل 
منفعل لبارئه تعالى. وأما نفوس اللائكة فنحركنيع الاخجاريه عن .عقولهم وعقولييم عن بارثهم 
فلا عصيان فى أفعالهم البنة كما قال الله تعالى: إلا يعصون اللّه ما أمرهم ويفعلون ما 
يؤمرون 4 [التحريم ] .قهم أبدًا جارون على علم بارئهم تعالى وموافقون لما يرضاه. وأما 
غير ذلك من الحيوانات المركبة من المواد فلما لم تكن مجردة عن المادة وكان لها علوق بالأبدان 
وكان للنفس جنبتان: جنبة إلى الملا الأعلى وجنبة إلى العالم الأسفلء ونعنى بذلك كونها 
بالفصل المشترك أى هى مأمورة بأن تراعى جهتين جهة الملائكة بأن تكون متشبهة فى الفضائل 
بها وأن تكون عاكفة كعكوفهم على عبادة بارئهم» فهذه جنبة أمرت بمراعاتها . 

الجنبة الثانية: وهى الجنبة السفلى وهى علاقتها بالجسم المنفعل من المواد المركبة من 
الطباع وهى مولعة بإصلاحه وسياسته كالمك الذى عمر بلده وولع بسد ثغره وإصلاح رعاياه 
وعمارة أرضه ومقابلة عدوه وجلب المناقم إليه ودفع المضار عنه» وصارت النفس متحير 
تطالبها الجنبتان كل واحدة بأن توفيها من العدل قسطها وتجريها على القانون العدل والسيرة 
الإلهية . ولا خلقها الله تعالى على هذا التسق والترتيب خصت الحكمة الإلهية الإنسان بأن 
أعانه وقواه وأعطاه أدوات ومكنه من الجنيتين وأيده من جهة الجنية العليا بالعقل ليتلقف به 
عن ملائكة الله ورسله ويفهم به مراد بارئهء فكان حاله مع النفس كعيد بعث إلى ثغر بعثه 
ملك مطاع الآأوامر مخوف الزواجر فأمره بسد الثغور وإدرار الأقوات ومقائلة الأعداء وأن 
يطابق غرضه مع بعده عنهء ثم قال: قد مكنتك من ثلاثة أشياء: تكون عونا لك ولا حجة 
لك على بعدها أحدها الثغر الذى بعثتك إليهء فقد أكملت قصوره ودوره وحصونه وجدراته 
وأنهاره وأشجاره وثماره وآلاته ما تكررت وتناهت . 

الثانق:دفعت إليك عبيدا وأعوانًا وخدامًا وجعلت فى الانفعال لك فمر با 
شئت فيهم تمتثل إن شئت من حق أو باطلء» لا يخالفون رغبتك ولا يعصون إمرتك» 
دولك لم الح في ول E E OR‏ 


یھ ۷۸ سس سح مجموعة رسائل الإمام الفزالى د 

الثالث: إنى دفعت إليك وزو شين عزنا ا بأسره عاكًا 
بالسيرة الحميدة والطرق الرشيدة» عارقًا بعواقب الأمور وقد أحللته من نفسى بمنزلة الوزير 
وأكرمتك بأن جعلته وزيرك فاحذر أن تنفذ أمرا دونه ولا تغتر بما جعلته فى طباع العبيد من 
طا ولد عا ديك اتن عك ن ا ا عن فن امعان رهد الوؤير لدف 
يستمد من آرائقئ فى كل حين فقد تحققت ذلك منه لأنه لا يعصينى طرفة عين فصرر العبد 
فى الثغر بهذه الثلاثة أشياء. فمثال النفس مثال العبد. ومثال الثغر مثال الجسم» ومثال ما 
فيه من العدد والأقوات مثال ما فى الجسم من الطبائع والقوى حسب ما ذكرناه فى المعراج 
الأول. ومثال لوازم الئغر ونوائبه مثال ما يقوم به الجسم من الأغذية والمنافع» ومثال الوزير 
مثال العقل» ومثال الملك مثال البارئ تعالى وله المثل الأعلى . 

فإذا فهمت هذا فاعلم أن النفس منبثة القوى فى الجسم كما قدمناه» وأن الله تعالى 
سخر الله الحواس الباطنة والأعضاء الظاهرة بالطبع فمتى تحركت إلى أمر ما تأتى هذا فى 
طباعها ما لم ينع مانم من ذلك الآمر. فإن اعتبرنا جهة المنفعل فهى مضطرة» وإن اعتبرنا 
جهة النفس فى نزوعها وانبعاثها للمطلوب وسبب حركتها هل هو إرادى أو اضطرارى» 
قلنا: هذا محل غموض عجز أكثر الخلق فيه عن النهوض وذلك لبعد غوره ودقة مسلكهء 
وهذه المسألة المعروفة بالقدر والنزاع فيها من خلق آدم عليه السلام إلى هلم جراء وحقنا 
لضعف قوانا وقلة استعمال عقولنا الموهومة لنا واشتغالنا بالرذائل الدنيوية والخداع 
الخزعبلاتية أن لا نتعرض لهذا المقام؛ فلكل مقام مقال ولكل طريقة رجال» ولكن نخوضها 
خوض الحبان الحذور لاخوض الشجاع الجسورء فتقول: قد قدمنا انقسام الحركات وإن بناء 
الكلام على حركات الإنسان ولا شك أن منها الضرورية والاختيارية. 

فأما الضروريةء فطبيعة لازمة سنتكلم عليها عند تكلمنا عليها إن شاء الله تعالى 
كلمة ولم يختلف أحد فيها أنه لا يتعلق بها ثواب وعقاب» وأما النزاع فى الاختيارية فإن 
هذه مرتبطة بالتكاليف فلابد من فهم المثال الأول فهو تمهيد قدمناه لهذا الموضع. فنقول قد 
قدمنا أن للنفس جنبتين مثلنا ذلك بالوزير والنغرء فالجنبة العالية جنبة الوزير والحنبة 
الخسيسة جنبة الشغرء فمتى كانت النفس تحركت نحو الفضائل فذلك تلقف عن العقل 
والعقل عن بارئه فهى مثابة على تحركها ونزوعها إلى غرض مولاهاء والمفعولات واقعة 
بفعل الله تعالى وتحركها نعنى عند انبعاث الذاعية عند إنصاتها إلى العقل وحقيقة الإضراب 
عن الثغر ودواعيه واستعمال العلم بتنظيف المحل إذ لا يرد إلا على محل قابل له بإزالتها 
الصوارف والموانع بإشارة العقل» وتدبيره هى مثابة عليه من حيث إنها واسطة إلى انفعال 
الأجسام» وكثيرا ما قدمنا أن العالم منقسم إلى عقول فاعلة مجردة. وهى الشريفة» وإلى 


کک مجموعةرسائل الإمامالفزالی ید ۷۹ ے 
أجسام» خسيسة وهى الكثيفة التى هى المفعولة كما أن العقول فاعلة. ولما استحال على 
العقول المجردة المباشرة وكانت فى طرف من مضادة الأجسام كما أن العلم فى طرف والجهل 
فى طرف وكان ضدا مطلقًا قضت الحكمة الإلهية لها بأن أظهرت تأثيرها بتدريج فجعلت 
نفسًا متزجة تشبه العقول من وجه والأجسام من وجهء وذلك راجع إلى مناسبة والمناسبة 
راجعة إلى وجهين: إما إلى جنبة أسفل فبالرذائل وإما إلى جنبة أعلى فبالفضائل . فالنفس 
معلقة بينهما والأجسام تنفعل للنفوس والنفوس للعقول والعقول للبارئ سبحانهء فالمبداً 
الأول هو الإله فخروج الأمر من عنده كخروج الأمر من عند الملك إلى الوزير. ثم من 
الوزير إلى الحاجب» ثم إلى المضروب أو المكرم» والله المثل الأعلى فالرب سبحانه هو المبدأ 
والطاعات متى خرجت إلى حيز الفعل فهى من الله تعالي؛ باتفاق الكافة متى حرجت إلى 
حيز الفعل فهى من الله تعالى والنفس مثابة على جهة التوسط من حيث إنها آله» وما مثل 
ذلك إلا مثل إكرام الشرع لأجسام الموتى بالتنظيف والأكفان والحنوط والقبور وتحريم إهانتها 
وإحراقهاء وإن كان لا لحسنة لها فى ذلك بل الفضل الإلهى لا حد له. ولا يجرى على 
مقدار. ولو كان البارئ تعالى لا يفعل شيئًا إلا باستحقاق الفاعل تحقيقًا لمثوبته لم يكن كريًا 
مطلقًا ولم يطلق عليه لكن من عدلهء فإن العادل من قارع الحسنة بالحسنة والكريم من 
وهب من غير يد متقدمة» فخص تبارك وتعالى الأجام بالمكرمة من حيث إنها كانت 
آلات مستعملة فى الطاعات مع اتفاق الخلق أن للفعل تحقيمًا للأرواح» فكذلك النفس 
بالإضافة إلى العقل يكرمها البارىء سبحانه على جهة الوساطة وإن كانت لا فعل لها تحقيمًا 
للمشير بذلك ولملهم إليه والمحرك هو العقل. إذ الحاجب وإن شكره المكرم من جهة الملك 
فالوزير أحق بالشكر من حيث بلغ إليه فليفهم أن العقل مشكور من جهة الوساطة وأن 
الشكر المجرد والحمد المؤبد لله وحده الذى كان الميدأء فلو لم يرد التوفيق من عنده لما 
كان للعقل ثبوت أصلاً إذ هو مربوب ٠»‏ فالجواد المطلق والكزيم المحض هو الله رب العالمين 
ولم يشك ذو عقل أن الفضائل من اللّهء وإنما اختلفوا فى الشر فزعمت المعتزلة أن الشر 
ليس من الله تعالى . ولا رأوا تلازم الأفعال أخرجوا الفعل إلى العبد وجعلوه مستبدًا به. 

فإن قيل: الإشكال باق فإن الحركة التى هى الصلاة مشلاً إن كانت فعلاً للعبد فلا 
مدخل للبارئ تعالى فيهاء وإن كانت لله فلا مدخل للعبد فيها ويستحيل أن يكون الفعل 
مشتركًا كما زعمت الأشعرية . 

قلنا : الحركات مضافة إلى الأجسام فبطل التقسيمء والنفس لا حركة لها فى نفسها 
فإنها إنما لها الإشارة والتدبير والجسم معها كالمغناطيس مع الحديد. ولا يقال للحديد إذا 
تحرك إن المغناطيس حل فيه فظهرت الحركة عليه» بل فعل فيه بخاصيته فبطل السؤال. 


فإن قيل: إن بطل فى الحركة فلا تخلو النفس عن الإرادة والسؤال فى الإرادة باق. 

قلنا: إرادة الخير تايعة للعلمء وقد قدمنا أن النفس تابعة للعقل والتحرك من جهة 
العقل خير محض فهو محرك من جهة البارئ تعالى » وليست أعنى الحركة الجسمانية» بل 
أعنى الشوقية النزوعية وهو عكوفها والتفاتها إلى الجنبة العلياء وحقيقة ذلك راجعة إلى ترك 
جنبة أسفل» والترك ليس هو بفعل وإنما هو عدم فعل شيئان : النزوع وهو فعل الله تعالى» 
والغانى وهو ترك الأضداد وهى ملاحظة الجنبة السفلى وذلك ترك والترك عدم وليس 
في 4 [ْ 

فإن قيل: الترك إذا کان اختيار) أو اضطرارا لله فالسؤال لازم. 

قلنا: هو اختيارى من وجه واضطرارى من وجه آخرء وفهم هذا يستدعى تجديد 
عهد بما سبق. وهو أن النفس وإن سلطت على العالم الأسفل فهى تتوصل إليه بآلة 
الجسمء ثم أفعالها تظهر فى الجسم فى مواضع عشرة أحصيناها فيما تقدم. فمنهاء الخواس 
الخمس من الشم والذوق .واللمس والسمع واليبصر. وه ذه علة وسبب للقوى اللخمس 
الباطنة» أعنى القوة الخيالية والذاكرة والحافظةء» فإن هذء القوى كالجواسيس فى المدينة 
يرفعون الأخبار إلى الخدمة والخواص كالكتبة والحجاب والوزراءء فما يقيد عند الجواسيس 
يرفعونه إلى الكتبة وما يقيد عند الكاتب يرفعه إلى الملك وهى النفس . ثم اختلفت مدركات 
الحواس النمس فكإنيت حاسة البصر موكلة بعالم الألوان على اختلافها فى الصفات 
والمقادير» وحاسة الذوق بكل مطعوم» وهكذا إلى تامها وكلما رفعت من هذه محفوظة 
عند الكتبة الخزان» وقدقلنا: الجسم كالثغر وإن النفس مشغولة بافتقاد ثغرها فى كل دقيقة 
فلزوم هذه المدركات للنفس ضرورى أعنى عند صرف الهمة إليه يلزم ذلك طبعاء فإنك 
متى حدقت بصرل إلى مرئى حصلت لك رؤيته بالضرورة شئت أو أبيتء وكذلك سائر 
الحواس الخمس فلا تطويل فحوصل الإبصار للنفس مختارء فصح وثبت أن الجنبة السفلى 
الجسمانية أفعالها جسمانية محضة والأفعال الجسمانية كلها ضرورية طبيعية فقد انقضت 
المباحثة وتفرغ الكلام من هذا الجانب من حيث وقفنا الأفعال بعد أسبابها على إرادة النفس» 
وإرادتها هى الفيصل بين الجنبتين جنبة أعلى وجببة أسفلء كما وكلت بسياسة جنبة أعلى 
على وجه مخصوص وكان له وجهان إلى جنبة اضطرارى واختيارى» فإذا استعملت السبب 
حصل المسبب بالضرورة» فحصول المسبب من جهة أعلى أو من جهة أسفل ضرورى لا 
واب عليه» فقد استرحنا من هذا الطرف وهو الطرف الضرورى وبقّى الاختيارى فوقفنا من 
جهة الجنبة السفلى على نزوع النفس وإرادتهاء وكذلك أيضًا من جهة فوق فتوقف البحث 
والنظر على هذه الدقيقة وهى الإرادة والتزوع» وقد قدمنا أنه تارة يكون اضطراريًا وتارة 


کت مجموعة رسائلالامام الفزالی ججج AX u‏ ۸۱ = 


يكون اختياريًا محضاء وذلك لا يتحصل برهان مخصوص بل النفس يدخل الخير إليها من 
جهة العقل وهو انفعالها للعقل عند إشارته فهى مثابة لنزوعها ونزوعها يظهر تأثيره فى 
الجسم إذ لايظهر الأثر فيها بأكثر من الشوق والعشق المطلق فتثاب على جهة الوساطة كما 
قدمناه. 
وأما الشر: فيدخل عليها من جهة الخير فيكون أولا خيرا ثم ينعكس. ومثال ذلك : 
أنك متى ركبت دابة استعرتها من دار رجل فتصرفت بها فى حاجتك. وكانت دابة جموحة 
صعبة المرام فخطرت بها على دار مولاها فنزعت إلى دار سيدها فصرفت عنانها فتقاعست 
فعاقبتها بالسوط والمتها وتحملت عليها فلا شك أنك يمكنك صرفها وقد تعديت» فإن حقك 
أن لا تخطربها على دارها. فلو أنك سقتها إلى دار سيدها وأدخلت يدها عتبة الباب»؛ ثم 
لفحتها لم تطعك بوجه بل تدخل كرها وربما جرحت رأسك وآلتك وكنت عند العقلاء 
مذموماء فإنك مكنتها من طبيعتها. ثم أردت حجابها وقد كتب الله تعالى فى كتابه السابق 
وقضى بقضائه المحتم بأن يمكن الطبائع من مطبعاتها. فالنار متى تمكنت من القطن أحرقت 
ضرورة» فليفهم أن القوى الحيوانية المنفعلة عن الطبائع لها نزوع بالطبع إلى مركزها 
والروح الحيوانية الشهوانية بالطبع والعنصر تميل إلى عنصرها كالحجر يهوى إلى أسفل» 
والنفس متى مكنت الجواسيس ابتداء حتى صار لهم ذلك ملكة فذلك لازم ضرورى خلقه 
الله تعالى» وإئما تعاقب من حيث لم تحرس جواسيسها ابتداء» وهذا كما أنا نقول للرجل 
النظرة الأولى فجأة لك حلال» فإنها لازمة ضرورة فلا يتعلق التكليف عليهاء وإياك والثانية 
فإن العين إذا انفتحت على صورة جميلة فمالت الطبيعة إلى الطبيعة لزم ذلك نزومًا 
ضروريًا .لو انفرد لم تعاقب النفس عليهء وإنما تعاقب على إهمالها إشارة العقل فى الكف 
ابتداء» فمتى تكررت الجواسيس على القوى الباطنة لزم النفس ذلك وشغلها فهى مأمورة أن 
تلزم الجنبة العلياء والأمر كله لله تعالى فهو المخترع للأفعال» وهو موجد الأسباب الأول 
فالمسببات أفعاله فهذا لا حيلة فيه وهذا أقصى الغرض من تكرير هذا المسألة. 
وفى الحديث: حاج آدم موسى فقال: أنت الذى أخرج الناس من الجنة؟ فقال: 
أتلومنى على أمر قد قدر على قبل أن أخلق» فغلبه آدم عليه السلام وشهد له رسول الله 
َيه حيث قال: «فحاج آدم موسى» فإذا الأشعرية والمعتزلة والمجبرة قد تكلموا على الأفعال 
الجسمانية ولم تتعرض لهاء وإنما تكلمنا على النزوع الشوقى وجعلتاه السبب ووافقنا الجبرية 
فى الأفعال الجمسانية . وهذا منتهى للكلام فى الجنس الإنسانى من الحيوان. 
وأما حركات البهائم فهم موكلون بالجنبة السفلى» عاكفون عليها لا علم لهم بالجنية 
العلياء وكيف تنكر ذلك وأنت تبصر كثيراً من الخلق كأصناف السودان وغيرهم لا فرق بينهم 


وبين السهاتم, لا يعرفون لملائكة ولا بارئهم , مل تسسات ابن نا قال 
تعالى :إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل ‏ [الفرقان: 44 ومحرك الحيوان ما تورد الحواس 
على القوة المتخيلة فهى فيهم كالقوة العقلية» فالدابة تتأدب بآداب: القوة الخيالية متى انتقش 
فيها أمر محذورء فإنها إذا رأته حذرته وذلك أمر نافع ولا يبعد أن تكون لها قوة الحافظة 
#فظ بها -الصور. 

وأما العوالم العلوية فترتيب حركاتها لا يحيط بها إلا الله تعالى وحده العالم بمبدئهاء 
وإغما أدركنا منها ما تكرر علينا بالتجربة أو بإشارة العقل إليه إشارة جميلة. وذلك كنمو 
أجسامنا بالأغذية والأغذية من النباتات والنباتات كائنة من الماء والتراب فهى منفعلات عن 
الهواء والنار وهما كالفاعلين., وهذان بالإضانة إلى الماء والتراب يكونان فاعلين بمعنى حصول 
التأثير لهما حصول الذبح بالسكين» ولكن إذا انفردت الشاةء والسكين لم يتم الفعل أصلاً 
ولا بد من سبب جامع» والنار والهواء امتزجت معهما أشعة الكواكب وازدحمت فى منقعر 
فلك القمر ودارت بالأرض كرتها كما تدور الهالة بالقمرء ثم هذه الأشعة تتحرك بمحركات 
هى تابعة لها وهى الكواكب السبعة» وقد زعمت الفلاسفة أن هذه الكواكب حية وأنها مع 
العالم الأسقل كنحن مع أجسامنا. وأن لها الفعل الاختيارى والفعل الأضطرارى. وهذا 
ابتداع لا ننكره فلم يدل على إبطاله كتاب ولا سنة ولا إجماع» ومن أنكر كون ذلك من 
الناس فعلى طريق التغليط ولا برهان البتة» فلنجعل ذلك جائرًا إذ مذهبنا أن البارئ تعالى 
هو الفاعل المطلق وأنته مسبب الأسباب وموكلها بمسبياتهاء فسواء على مذهبنا كانت حية أو 
جمادًا فقصارى الأمر أن تكون كنحن ولا نتكر وجودنا ولا تصرفنا عالمناء ومنافرة هذا 
رعونة محضة وحماقة تامة » ولنقل قولاً يهون ذلك فربما زعم السامع أن تكون الملائكة 
مرئية والظواهر دلت على أنها محجوبة فتقول: الموجودات على ثلاث مراتب موجودات 
تعقل وهى موجودة ولا ترى. وهى العقول فهى مدركة تدرك بالعقول لا بالأبصار. الثانى: 
النفوس وهى مدركة بالعقول ولا يجوز أن ترى. والثالث: وهى تدرك بالعقول والأبصار 
ولا تدرك هى أنفسها ولا غيرها. فما نشاهده من العالم الأعلى إنما هى أجسام النفوس 
والعقول. وحقيقة الملك إنما هى نفسه لا جسمه كما أن حقيقة الإنسان نفسه ولا يدرك إلا 
جسمه فقط . ونحن لا ندرك نفسه بل انقطعت العقول فى درك ماهية تفه بالبصيرة فكيف 
بالبصر؟ فلتتكلم على هذه الأجسام الظاهرة. فنقول: سبب الانفعالات الهواء والنار وما 
نحت فلك القمر مرتبظ بالدوائر ودوران الفلك التاسع» فإنه منقسم إلى اثنى عشر برجاء ثم 
الكواكب السيارة مقسطة عليها فمنها ما له بيت ومنها ما له بيتان؛ ثم لهذه الأجسام طبائع 
مختلفة حاصلها الحر :والبرد والرطوبة والييوسة. وهذه الطبائع وسائط لاتفعال النفعلات 


فتمر الكواكب على البروج واختلاف الحركات» وكون هذه الكواكب فى درجاتها ومراكزها 
واختلاف مطالعها كما تقول مثلاً: إذا جمعت الشمس والقمرفى رطب دل على المطر 
العظينع . وتفصيل هذا محال على علم النجوم» وليس هذا موضعه فلكل مقام مقال وإنما 
ال 

وأصل هذا كله الحركة المشرقية التى هى المشرق إلى المغرب» وقد حكينا عن 
الفلاسفة فيما تقدم علة ذلك وكيفية تقسيمهم العقول والنفوس وأتكرنا عليهم كون البارئ 
تعالى كذلك علة وأنها ملازمة لهء وأنكرنا دعواهم الخصر لا غير وإلا فيجوز مثل ذلك 
جوازً يرده إلى طريقتنا فى التوحيد المحض . فإن معتقدنا أن الله تعالى واحد وحدانية 
محضة صرفة وأنه هو القائم على العالم حتى لو تصور عدمه لم يكن له ثبوت أصلاء 
والتصديق بما جاء به المرسلون. ومن هذه الحركات الدورية تتناتج الحركات وتتناسق. وقد 
تكلمنا فى ذلك كلامًا بليغًا فلا معنى لتكراره. 

فإن قيل: ع رون عا عن يعتدقك ان هده الأنوار الظاهرة فاعلة أو عالمة أوحية» 
فإن الله تعالى يقول : ل الله تور السموات والأرض » [النور: 75]. وربما قالت المجوس إن 
هذا النور إله؟ 

قلنا: نعتقد لهذا فصلا فى المعراج الذى يلى هذا إن شاء الله تعالى وهو المعراج 
الرابع . 


المعراج الرابع 

اعلم. أيها الأخ أن الله تبارك وتعالى هو نور مسرا ولسنا نعتقد بكونه 
نور كونه شعاعًا منيسطا مرئيًا على الحدرانء پل :ذلك علن نسية الخرق: فاعلم أن النور 
يطلق على ستة أشياء: 

أحدها: نور حسيس بحسب عنصره لا دوام ,له فهو عرض سريع الزوال مفتقر إلى 
مواد عنصرية» وهذا هو ضوء التيران. 

الثانى: هو أشرف من هذا وإن كان عنصريًا فهو شريف بحسب تسبته وبحسب 
نفسهء. وهو نور البصر فهو يدرك الأشياء ويدرك الألوان والمدركات. 

الثاليك كر شري مع الماع الاأعلن ولمتسروي صب E‏ 
إليه» وهو أشرف. من النور البصرى وهو نور الشمسى فإنه علة لوجود العناصر ووجود 
النيران والأجسام المبصرة وهو لا من مادة مركبةء ولذلك عبدته المجوس. 

الرايع: نور شريف هو نور محض قائم بنفسه يدرك الأشياء على حقائقها ويدرك 
نتائجها وهو العقل والنفس» وهذه الأمور هنقسمة إلى ما يدرك به ويدرك نفسه وهو العقل» 


حدم )م لسلس سبحت مجموعة رسائل الإمام الغزالى د 


وهو نور حقيقى وإلى ما يدرك به ولا يدرك نفسه كالنيران والبصر والشمسء والقران يسمى 
نورًا وهو الخامسء والرسول يسمى نور ولكن يستعار لهما من هذا معنى النورانية ولهذا 
يسمى الخلم نور . 

الخامس: النور المطلق وهو البارئ تعالى ومعناه فى الروحانية أكثر من معنى العقل» 
فإن معنى العقل هو نورانية العقل وهى كشف الحقائق وبهذا المعنى يقال للبارئ تعالى الحق 
اين والعالم بخفيات الأمور. فهذه ستة آنوار بالاستعارة للقرآن والرسول تله حقيقتها 
البارئ تعالى وهو مجاز فيما عدا ذلك. 

فإن قيل: فقوله تعالی : ا مغل نوره كمشكاة فيها مصباح © (النور: 000 . 

قلنا: المراد بهذا النور العقلىء فههنا أربعة أشياء: المشكاة والزجاجة والمصباح 
والزيتونة . وأما المشكاة فمثالها النفس» ومثال الزجاجة القوة الخيالية» والمصباح كالعقل» 
والزيتونة التى هى الشجرة العقل الفعالء ولا كان المصباح الذى هو النور لا بد فى إظهار 
ثمرته وحكمته للأجسام من آلة جسمانية تشاكل الأجسام كالنور يفتقر إلى زيت يناسب 
النار بالحر ويناسب الفتيل بالرطوبة» فكثيرا ما قدمنا أن العقل لا يباشر كانت واسطته النفس 
فهى المشكاة ثم كانت النفس لا بد لها من حيلة فى معرفة المحسوسات كما قررناه فجعلت 
له الحكمة الإلهية قوى. فمنها القوة الخيالية التى يرسم فيها ما تورده الحواس» فكان مثالها 
مثال الزجاجة؛ وإنما خص الزجاج لانطباع المرئيات فيه كالمرآة الصقيلة التى يبصر فيهاء 
ولأن الزجاجة أصفى الجواهر من حيث يشف ما وراءهاء والأنبياء عليهم السلام يعلمون 
الغيب بواسطة القوة فيعبرون الصورة ويفهمونها. ولها علم مختص وهو علم تعبير الرؤيا 
ينقرد بخواص هذه القوة. وأما الشجرة» فهى العقل الفعال من حيث انفعلت الأشياء عنه 
فلما أن المصباح الواحد توقد منه المصابيح لم يقل سبحانه نبت» فإن النبات يدل على 
نقصان الأصل وإنما قال تعالى: ‏ توقد . فنبه بالوقيد على أن الشجرة لا تنتقص» وعلى 
أن هذه الشجرة ليست الشجرة المعهودة» لأن الشجرة لا يوقد منها وخصها بالزيتونة لدوام 
ورقها وفوائدها وغزارة منفعتها وكثرة ورقها وشعبهاء وأنها وإن كانت زيتونة فيخرج منها 
نآن شتفي بها" زوتجة المعازهة وانتعانة يطول وقد كردا فى اة مد اترا 
وأما النار فهى عبارة عن الأنوار الإلهية: ويحتمل وجها آخر أن تكون الشجرة الرسول له 
والنار الملك . 

فإن قيل: عظم اختلاف الصوفية فى هذا الغرض من حيث تحقق الملاءمة والملازمة 
الورانية» وهو المصباح والمشكاة والزجاجة والشجرة والنارء فقد جعلت مثال المشكاة 
النفس» ومثال الزجاجة الخيال؛ ومثال المصباح العقلى الجزئى» ومثال الشجرة العقل 


کٹ مجموعة رسائل الامام الفزالی ست سي سس لبس بحت وم اج 


الكلىء ومثال التار النور الإلهى وإشراقه . وهذه كلها لا توصف بالكثافة ا على ما 
تقدم . . وقد وصف الله تعالى ذلك بأن قال :ل نور على تور (النرر: ه EE‏ 
تشاكلها وتناسيها إذا تشاكلت وتناسبت لصماء التقس 0 مذهبهم 
ج ال الول رة ادرا ف لكف 

رق الج جج وراقت ور 

وتش ابهمافتشال الاسر 
فكآماخ مGسgوزرولاق‏ دح 
و“كساتاقالحولاخ مر 

قلنا: عين الحلول واعتقاده خطأ محض وسقاهة صرفة. 

فإن قيل: قول الصوفية مشهور حتى قال أحدهم: أذا الحىء وقال آخر : سبحانى. 
وقال: ما فى الحنة إلا الله . 

قلنا: إذا قررنا إبطال الحلول أتينا على مذهبهم. قتقول: حقيقة الخلول انطباق جواهر 
على جوهر أوجسم على جسم أو عرض فى جوهر وقد قدمنا بالبرهان الحق أن العقول 
والنفوس قائمة بأنفسها لا تحمل شيئًا البتة ولا هى مسحمولة» فأغنانا ذلك عن إعادته وهذا 
فى رب العزة أعظم . 

فإن قيل: فيرجع الكل إلى الإله وتكون العقول والنفوس لايقارقها البارئ تعالى إلا 
بالفصلء e‏ فى الجوهرية وحقيقة الحياة والقيام بالنفس. 

قلنا: لا نثبت للبارئ تعالى ما أثبتناه للنفس»فإتها لا قوام لها وقد قام البرهان على 
حدوثها وذلك ل أن تكون هى هوءفإن فى ذلاك لزوم أن. يكون العالم كله آلهسة وهو 
محال ويبطل أن يحل النفوس أو يتطبع فيها انطباع الخمر ف ى اللبن كما زعمت التصارى 
فى المسيحء فإن ذلك من صقات الأجسام فلم يبق إلا أن اللازم راجع إلى معتى. الانفعال 
وإيجاده بالفعل أى وقوف الإشارات والحركات عليه فيكون هو المحرك القابض الباسط 
والتفوس معه كالحديد مع المغناطيس على وجهة التمثيل. ولله المثل الأعلى ونفى الوساطة 
على الطريق التى قدمناها. ومن حقق من الصوفية وعلم وقوف الأشياء عليه وأن الأمور لا 
قوام لها دونه. قال أحدهم: ما فى الجنة إلا الله تعالى مبالغة فى التوحيد» وقال آخر: 
سبحانى قإنه رأى الياء مكان الإضاقة.. فإن الفرق ضرت من الشرك فى قولةه. سبحان الله 
فإجراء الأوصاف لا يعتد بها إلا الفصل . 

فإن قلتا: سيحان الكريم نفى للبخل» وإذا قلنا: سبحان الله فمعناه نقى الشريك ولا 
يكون النفى إلا مع توهم الشريك» فالموحدون منهم بلغ بهم التوحيد إلى أن رأوا التبرؤ منه 


سی |‘ سحت مجموعة رسائل الإمام الفزالى س 


سوء أدب ولكن الكلام إذا وقع الدقوور لشي عسي ول النط Sa‏ وين 
وقعوا فى أشد كما زعمت الفلاسفة أن البارئ تعالى لا يقال له موجودء فإن ذلك يؤدى 


- المعراج الخامس 

هذا المعراج معقود للنبوة والنبى ومعنى ذلك . والآمم فى ذلك على ثلاث فرق:ذرقة 
تنفيه وفرقة تثبته» وهی فرقتان: 

طائفة: تزعم أن ذلك أوجبه مولده» فكانت لنفسه قوة تنفعل لها الأمور وأوجب لها 
المولد أن يكون فاصلاً حسن السيرة» هذا مذهب الفلاسفة 

والفرقة الثانية: اعتقدوا معنى النبوةء وهو حصولها لشخص يخرق الله تعالى العادة 
على يديه بإظهار فعل غريب واشترطوا أن ينضم إليها ثمانية شروط : 

أحدها: أن تكون فى زمن تصح فيه الرسالة. 

الثانى: خرق العادة بالمعجزة . 

الثالث: أن يقترن بدعواه تحد 

الرابع: أن يوافق دعواه بعمله. 

الخامس: أن يتعلق مقاله بالقلب. 

السادس: أن لا يظهر على وجهه ما يدل على كذبه. 

السابع: أن يكشف القناع فى التحدى. 

الثامن: أن يعجز الخلق عن معارضته, ويلتحق بهذا شرط تاسع وهو كون المعجزة من 
جنس ما يتعاطاه آهل زمانه. ثم ما يحصل إلى انرسول إما بواسطة أشخاص اللائكة بأن 
يتمثل له بشرآ سويًا أو على صورة ماء وإما بغير واسطة بأن ينقش الله تعالى ذلك نقشًا فى 
الحاسة المتخيلة» وقد قال تعالى: }وما کان لبش أن يكلّمه الله إل وحيا 4 | الشورى: 
.]١‏ وهو مايحصل فى قوته الخيالية وهو المعروف بالإلهام» کا قال تعالى اام 
م موسى # [القصص: ۷]. أو من وراء حجاب» أو بواسطة ملك من الملائكة وهو الحجاب 
أو يرسل رسولاً فيوحى بإذنه ما يشاءء ونبينا يَكلَّهُ قد ظهر على يده من حرق العوائد ما 
ظهر على أيدى الرسل» وذلك ينقسم إلى ما بقى وإلى ما كان» فمعجزاته من شق القمرء 
وكلام الذراعء وحنين الجذع» واستدعاء المطرء ونبع الماء من بين أصابعه. وجعل قليل 
الطعام كثيرا وغير ذلك» وأما ما بقى فالقرآن وما أعلم به من الأشراط والدلول» وقد كان 
ذلك ونحن نشاهده» وييطل أن تكون النبوة بمعنى الملك. فإن الأتباء بالغيب معنى آخر 


س بمحجويوعةرسائلالإمامالفزالى سب سن سس سبحت ۸۷ = 
خلاف السياسة» ويبطل أن يكون ذلك سحراء فإن الساحر لا قيام لسحره إلا به» ولهذه 
الشريعة خمسمائة 0 قد القرآن الذى عجز الخلائق عن آخرهم عن الإتيان بمثله إلى 
هلم جراء وكان َك يله أميًا نشأ بين أميين لا معرفة لهم بالعلوم» فأتى بهذا القرآن الذى 
اشتمل على علوم الأولين والآخرين» وكل من شك فى نبوته عليه السلام» فليتأمل بعده 
عليه السلام عن العلوم ثم لينظر القرآن وما ينطوى عليه من الصنائع العلمية من الإلهيات 
والمنطقيات والجدل والخطابة وسائر الأشياء التى حصلها الأولون والآخحرون من العلوم 
a aS E ae‏ كاي والكوان. عل رجه رالافينة على 
وجهها مع ما تجرد إليه من العلم الدينى. وهى سياسة الخلق المعبر عنها بالأحكام الشرعية 
وهو يتيم نشأ فى حجر عمه لم تعلمه قط قريش ولا مارس علماء ولو مارس علمًا ودرس 
لا انتهى أبد الآباد إلى النظم فضلاً عن هذه المعانى الغريبة» وكل من حاول معارضته قصد 
معارضه النظم وهو قصاراهء ثم لم يأت إلا بالكلام الغث المشترك ولو أنه تحرى من 
تعاطى المعارضة إلى انطواء القرآن على هذه الصنائع العلمية وقصد تضمينها لما تعاطى 
المعارضة أبد الآبدين» ولتقنع حياء ما جاء به ومن شك فى أن ذلك أمر إلهى وتأبيد ربانى» 
فقد طبع الله على قلبه نعوذ بالله من ذلك» وصلى الله على سيدنا محمد نبيه كما هدانا من 
ظلمات الشك وعلى آله وصحبه ومحبيه وسلم تسليمًا. 


المعراج السادس 
ما أتى من القول من طريق الرسول عَيثه ضربان: طلب وخبر. والطلب ضربان أمر 
ونهى» وقد تكلمناعلى الأمر والنهى رال الأحكام الشرعية وكيف تستعمل فى رسالة 
الأقطاب» وأما الخبر فينقسم إلى أخبار عمن 1 2 وعما يأتى كأمور الزمن 
2 الآخرة وكل ما نطق به القرآن وتواتر عن الرسول عة فهو يقين لا شك فيه. وهو 
EAE E a‏ 
لا يحتمل التأويل وتركه تارك عن قصد كفر بتركه. والأمور المشكلة ثلاث مسائل: 
إحداها: مسألة النفس وقد فرغنا منها. الثانية: مسألة حشر الأجساد. الثالئة: الحنة والنار. 
مسألة: قال الله تعالى: كما بدأنا أول خلق نعيده # [الأنبياء: 4 . وهذا هو نص 
فى الإعادةء وقال تعالى فى العظام : قل يحيها الذي أنشأما أل مرة© يس : 04 ] . وقال 
تعالى :م والله أنبتكم هَن الأرض نباتا +107 ثم يعيدكم فيها ویخرجکم إخراجا 4 (نوح: 
۷ 18]. وأكثر آى القرآن فى البعث. وهو نص فى إعادة الأنفس إلى قوالب الأجسام ولا 
مراء فى ذلك ومن امتنع عنه شك فى صدق الرسول أو كفر به عمد . والمتكرون له فرقتان: 


چ ۸ سبحت مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 
طائفة زعمت أن لا بقاء للنفس. قإن العالم متناسخ تابع لدررات الفلك لا إلى نهاية وقد 
تقدم الرد على هذه الطائقة . 

الطائفةالثانية: وهم من الإسلاميين وهم أكثر المتصوفة المتفلسقة . زعموا أن الأننس 
باقية وأن الأجساد لا تعادء وحجتهم أن الجسم مستحيل عن أغذية مأكولة والأغذية نباتات 
ولحوم ورعا أكل شخص شخصًا آخر فيجتمع جسم واحد من الأجسامء فلو أعيد الجسم 
لبطلت تلك الأجسام للأكولة ولبطل حشرهاء وإن حشرت زال جسم هذا الأكل وهذا 
تطويل يستغنى عنهء فإنا تقول: لا نلتزم لكم أن الله تعالى يعيد عين الأجسام» بل ضمن 
أن يرد الأنفس إلى خلق جديد وتراه كما قعل ذلك ابتداءء وقد ورد فى الخير: إن الله 
تعالى ينزل قطرا فيكون ذلك أصلاً لخلقة الآأجسام وهو قادر على اختراع عا يشاء. وكيف 
لا وقد قال علماؤكم المتقدمون من أهل الهند وغيرهم. عمر العالم ستة وثلاثون ألف 
سنة . وقالوا أيضًا : تحمسون ألما على اختلاف بينهم فى ذلك. وقالوا: ثلاثة وستون ألف 
سنة ثم يعاد جديداء وتبدل الأرض غير الأرض والسموات ويرجع القطب اليمانى شماليًا 
الور عام کی وا حرا وال را 

قإن قالوا: هذا لا فائدة لكم فيهء فإنه يلرم ان 

قلنا: ذلك جائزفى قدرة الله تعالى» ولكن الرسل عليهم السلام أخبرت أنه لا يفعل 
ذلك وآن للعالم ثلاث حالات: حالة عدم تقدمت وحالة وجود نحن فيها وحالة إعادة. 

مسألة: قالوا: أنكرنا وجود الجنة والنار يعنى أن تكون لذاتهما وآلامهما محسوسة 
جسمانية . 

قلنا: علة الاستحالة عندكم تأثيرالطبائع فى الأجسام بواسطة حركات الكواكب؛ وقد 
قال قدماؤكم إن للعالم تحويلاً. وأخبرت به الرسل عليهم السلام وتتابعت على ذلك فتلك 
القضية بخلاف هذه فبم تنكرون على من يزعم أن هذه القضية كما اقتضت أسبابها الفناء 
تقتضى أسباب تلك البقاء وتكون الحكمة فيها أن تكون غرضا.مقصود البقاء فى 
الأجسام. وكيف لا. وقد قال الجماهير منكم بل الإطباق على ذلك أن جوهر الشمس لا 
يقبل البقاء» .ولتفقتم على أن جوهر الشمس لا يقبل الفناء والجسم عندكمء وإن تركب 
وكان تركيبه حادثًا فجواهره قديمة ولم يتوال نصب الأسباب على جهة تقتضى البقاء.. ثم 
الجنة .والثار عبازتات عن قطرين يكون أحدهما فيه قصور الذهب والفضة واللؤْلو والياقوت 
والثمار ثم من استقر فيها بقاء بلا موت وواجد هذه اللذات أبد لا يألم ولا يحزن ولا 
يجوع ولا يظمأ ولا يسمعون فيها لغوا ولا تأئيمًا إلا قيلاً سلامًا سلامّاء والآخر على الضد 
من هذا وهو النار وبالله الهداية . 


المعراج السايع 
غرضنا فيه بيان معنى الموت». وهل هو كمال أو نقصان. فالموت فساد المزاج وقصور 
الجسم عن الانفعال للنفس لعدم الحس والحركةء فمن زعم أن النفس قدية زعم آنه ترك 
النفس البدن كالرجل ارتحل عن بيت أضيف فيه إلى داره وعلى الرسم المحقدم كمن لبس 
ثوبًا حتى انقطع وتخرق عليه فسقط عنه الثوب وبقى عريانًا منكشفاء والملك الموكل بالموت 
موكل بسبب الموت وهو سوق الآلام وبعث النفس على الأسباب المهلكة. فيكون الموت 
بواسطته ولا يبعد فى العقل أن يكون للنفس ملائكة تتلقاها بالسخط والبشرى كما شهدت 
به الظواهر. وأما هل الموت كمال أو نقص؟ فحقيقة النقص الرجوع من الأعلى إلى 
الأدنىء والكمال الارتقاء من الأدنى إلى الأعلى فإن الإنان إن كان يرتقى إلى الأعلى 
بسبب الموت فهو كمال. وذلك أنه متردد فى أطوار الخلقة من كونه ترابًا وغذاء ثم نطفة ثم 
علقة ثم مضغة ثم لحما ثم عظمًا ثم تكون مولودًا رضيعا ثم فطيمًا ثم غلامًا ثم شابًا ثم 
كهلاً وجاهلاً عالًا وجمادًا ثم حيّا مدركاء وما من منزلة من هذه المنازل إذا أضفناها إلى ما 
فلا إلا وتحجدها كمالاً + والإتننان لو جهل .له عقل فى بظن أمه :1 وضى أن يبدل نما سواها 
ا ردا 
لا تؤذن الدنيابه من ص رون ها 
يكون بكاءالقْلساعة يولد 
لأنمايبْكيهمنهاوإنُها 
الأرْضَا م ماكان نب هورمَد 
إذا باشر الديا ا ل اه 
ا ی ا 
فلولا عدم الآلفة ووحشة التبدل للا بكى والنفس خوارةء بل الشيخ الكبير على طول 
تجربته إذا رحل من داره إلى دار أخرى يجد ألا وسهرًا وربما لم ينم وكذلك الغريب وإنها 
كانت الغربة مؤلمة لدم الآلقة حت قال الشاعر: فى ذلك* 
ووبب ؛ أوطانَ الرجال اليهم 
مارب ق ف اما الاب هنالكا 
ناك ره أوْطَائَهِم دكُرلهم 
عهُوالبافَحَنوا لذلكا 


| 


= ليست بمجموعة رسائل الإمامالفرالى‎ A). 


وقال آخر: 
ا ا : 
ّ اس تياب 
بلابهانيطت عَلَىتنَائمى 
وأول أرض مس اخللدئ ا 

وعلى الجملة: فعلوم الشريعة بأسرها فى الأمر والنهى محذرة هذا المقام ولذلك 
آأمرت الرسل كلها عليهم السلام الخلق بالإقبال عن الدنيا ورغب الزهاد فى ترك الوطن 
والأهل والولد ورغد العيش . قال عليه السلام: «١كن‏ في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل 
وعد نفسك فى أهل القبور». وقال عليه السلام: (إنما الدنيا كظل شجرة استظل الرجل بها 
ثم زال عنها وتركها» . فالمقصد الرياضة وتمرين النفس على الشدائد. وأن تمحى هذه الأمور 
عن النفسء وأن تزال عنها الألفة» وأن تكتسب بغضًا لهذه الأمورء فإذا ماتت وإن 
استبئت ما حصلت فيه فلا تجد غيره فهى مضطرة إليه؛ ثم لا تلبس إلا يسيرًا وتفرح فرحا 
لا نهاية له» وإذا كانت وضرة ومشغوقة بالمال والولد والإقبال على الشهوات والعكوف على 
الملاذ الدنيوية مع أنها سائقة إلى النفس مذهلاً ومكربًا وشاغلاً عن الموت. فإنه انتقال من 
ضد إلى ضد وهو هلكة فأمر الرب تعالى لطمًا منه بالعباد أن يكون للعبد بين الضدين 
تدريج» وقد جعل تعالى لذلك مثلاً ظاهراً فى الحياة الدنيا فى الأزمنة» فجعلها أربعة أقسام 
على تمر الشمس فى بروجهاء فجعل أعدل الأزمنة فيك ا ا و ت ا ت 
وتتلون الألوان وتخرج الأرض زخرفها. وقد قال تعالى : 8[ إنما مثل الحياة الدنيا كماء 
أَنلَاه من السّماء فاختلط به تبات الأرض 4 [يونس: .]١4‏ فهذه المدة من الزمان كحال الثبات 
للإنان والربيع لا يصير بهذه المنزلة إلا بزمن متقدم عليه وهى النقلة الشعوية فإنها باردة 
رطبة ل ا ااا وي ا ر و ا ی دالا البداية لإنسان. فلو أن 
الله تعالى يخرج الخلق من الشتاء إلى الصيف بغير فصل الربيع لهلكوا عن آخرهم» فإن 
الأبدان والنباتات استولى عليها البرد والرطوبة والنقلة الصيفية الغالب عليها المستولى فيها 
الحر واليبس. فلو خرجوا من البرد المفرط إلى الحر المفرط ومن الضد الذى هو الرطوبة إلى 
الضاد له وهو اليبس لكانت الهلكة» لكن الله تعالى لحكمته فصل بفصل فيه تناسب 
الفصلين معا فأوله بالبرودة وآخره بالحرارة على تدرج خفى لا تحس به الأجسام إلا بعد 
انقضاته » وذلك بمر الشمس على الثمان والعشرين منزلة فى المنطقة الوسطى التى رى فيها 
الكواكب فلها مشرقان وهما منتهى تحركها فى الأفق الشرقىء» فى الطرفين» فإذا التهت 
نهايتها فيكون الجنوب فى الآخر ويكون الشتاء بذلك الأفق اللأضعف. 

ف شعاعها فى المواضع يجذب البلة وتتصاعد به أبخرة البحارء وينعكس الجر 


کے صخموعةرسائلالإمامالفزالى سس ع سس سسحت ٩|‏ = 
فى بطن اللأرض» ويسقط ورق الثمار لآن الماء ينجذب من أعاليها إلى أسفلها من حيث إن 
الأبخرة الحارة ينفيها البرد من أعلى الأرض فتطلب المركزء فإذا استحرت الأرض استدعت 
الرطوبات فجذبت ما فى النباتات» فإذا زالت الرطوبات من الأوراق والأغصان غلب عليها 
اليبس فتكمشت وتساقطت ويكون الطرف الثشانى» ثم إذا غلب عليه الحر واليبس فيكون 
القيظ كيفما انجذبت الشمس على تدريج لأنها تقيم فى كل برج شهرا وتقطع فى كل يوم 
من البرج درجة والدرجة لا تحس وهى تسيرء فكلما انهذيت زاد حرها وفى ازدياد حرها 
تسخن الأرض وتتحلل الرطوبات وتسخن أغصان الأشجار من فوق فإذا استحر الغصن 
استدعى الماء وطلب رطوبة الجزء الذى تحته ويستدعيه الذى تحته من الذى تحته حتى يقع 
الاستدعاء من قاع الشجرة». وتستدعيه الشجرة من الأرض والأرض وبعضها من بعض› 
فإذا حصل الماء فى العود أذابته الشمس وجرى فى العود بطبخها وبما تستمد من لطيف الماء 
ولطيف التراب يحيله الشمس ثمرة» ثم تخرج ما فى طبع ذلك العود من الثمرة بإذن الله 
تعالى . 

والشكل يخرج بطبعه الذى ركبه فيه الفاطر العليم بواسطة حر الشمس فى إقبالها 
وإدبارها ودخول الحر فى الأرض عند إقبالها وإدبارها حسب ما تمر فى البروج فالشمس 
جعلها البارئ سبحانه سبب الحرث والنسل وهى علة النباتات والحيوانات والمعادن» إذ سبب 
المعادن أبخرة تحتقن فى الأرض فيكون منها أدخنة كبريتية» فيمر عليها نشع الماء فى الأرض 
فتعقده وهذا مبرهن عند المشتغلين بعلوم التحليل والكيمياءء فإنهم زعموا أن الزئبق ينعقد 
بإشمام رائحة الكبريت وإمداده من خارج بأن يذاب ويطرح عليه أويغلى ويترك فيه. ثم عند 
اجتماع الماء والكبريت تكون مادة الجوهر فى الأرضء إما باعتدال امتزاج وصبغ فيكون منه 
الذهب . أو بإفراط فيكون منه النحاس» أو بتقصير خفيف فتكون منه الفضة. هذه الحركة 
الشمسية متعلقة بالحركة الشرقية» ومثال ذلك الرحى مع قطبهاء فإن القطب يقطع شبرا فى 
شبر وآخر دائرة الحجر تقطع خمسة أشبار أو أكثر فى الاستدارة» فكذا الطواحين وكذلك 
الدوائر والسواقىء فإن الدائرة العظمى المحركة للأحجار التى تدور بحركة الماء تقطع ما 
مسافته فى الاستدارة عشرون ذراعًا أو أكثرء ورأس المغزل يقطع على استدارة دور الدينار 
والمدة واحدة. وكذلك برهن أصحاب النظر فى علم الأثقال ولمقادير أن الحركة الكلية هى 
سبب حركة الأفلاك وأنها واحدة» وكذلك نشاهد الثانية (هى الساقية) يدور الحمار فيها إلى 
جهة ويختلف دوران تلك الدوائرء فالحمار يقطع على استدارة والقوس الأعظم الذى يكون 
عليه الطونس يقطع على استدارة فى جهة أخرى» ودوائر أخر تقطع فى جهة أخرى. 

قالوا: ولما كانت الشمس حارة نارية الجوهر جعلت الحكمة الإلهية والتقدير الربانى 


ی ١‏ علس بت بجموعة رسائل الإمام الغزالى سد 


لها نظيراً على مضادة طيعها إذ لو دام الحر المفرط لأحرق فسخن الله تعالى ا 
فيبرد ما استحر فيكون النامى معتدلاً بينهماء ثم جعلت حركته سريعة لأن حركته لو ساوت 
حركة«الشمس لما وصل نفعه إلى الناميات إلا بعد فسادهاء وكذلك أيضًا لم يصل حر 
الشمس إلا بعد فادها انفعل عنه وكانت حركته سريعة. قال الله تعالى: لهو الذي جعل 
الشمس ضياء والقمر تورا چ ايونس : ]. وهذا أيضًا غرض آخر يخص التفوس الحيةء فإن 
الشمس هى النور الذى به تخرج الحيوان من القوة إلى الفعل ولها فى النفوس البشرية تأثير 
بديع» فبالنور قوام الكل وجعل القمر مرآة يقبل ضياءها بالئيل ويعيده على الخلق حتى لا 
يفقدوته ليلهم ولا نهارهم. وربما توهم المتوهم أن الأفق فد يخلو من نور الشمس وهذا 
توهم فاسد». والأفق معمور بأنوار الشمس والسموات والأرض لا تغيب عنها طرفة عبن» 
وإنما يتكر الناس ذلك بالإضافة إلى حالهم فى كون الشمس فى مقابلتهم على وجه أفتهم 
إذ يكون النور فى عنفوانه كثيراء فلا يزال القرص يبعد عن أرضهم وتقل الأنوار» فحال 
النور عند العصر يخلاف حاله عند الظهر. وحاله عند المغرب بخلاف حاله عند العصرء 
وحاله عند مغيب الشفق بخلاف حاله عند المغرب» وحاله نصف الليل بخلاف حاله عند 
مغيب الشفق. وهو أبعد مايكون النور من ذلك الأفى» ونذلك تكون الظلمة وتضعف 
رؤيته للإنسان فى ذلك الوقت» ولكن مع ذلك إذا لم يكن بينه وبين السماء حائل من 
سقف أوسحاب يبصرهء فإن النور لا ينعدم وهو مع ضعفه ينتفع به فإن نور الكواكب مع 
الشمس وهى واقعة على الأرض» فإذا قربت الشمس من بجهة المشرق زاد النور من جهة 
المشرق فلا تزال كذلك حتى تشتد فيكون فجرًا أولآء فإذا كثر كان فجر ثانيّاء فإذا تزايد 
كان إسفاراء فإذا طلع القرص كان نهار. 
وأما فى الليالى المقمرة فيكبر جرم القمر ولقربه من الأرض يتسع النور فيه وينعكس 

أو بعده منهاء وإذا كان منها على أربع عشرة منزلة كان ضوءه. د وفى خاصية القمر 
جدب اوبات وو الكتمي خزل وعد الكر كي مدا نار رادي العناصر الدائرة بالأرض لأنها 
تناسبها فى اللطافة ورف ی اغلات م وة ری ف واش ن ار انات 
والنباتات والمعادن تناسب الكواكب بالبساطة والمنفعلات بالكثافة. وقد قالوا: إن المنفعلات 
تنفعل من هذه العناصر وإن الجيوانات والمعادن هى أنفس الهواء والماء والتار والأرض»› 
لكنهم قالوا ذلك إنما يكون على طريق الدورء فإذا تكونت ثم فسدت عادت عناصر فهى 
يستحيل بعضها إلى بعض» ولذلك قالوا سمى عالم الكون والفساد. ولا يبعد أن تكون 
شعاعات الكواكب هى المؤثرة» وهذه العناصر واسعة بين المؤثرات ويينهاء والله تعالى 
أعلم. فإنها أبعد عن قبول الفسادء وآية ذلك أن شعاعات الكواكب هى من الشمس ومن 
أنفسها أيضًا فلو كانت تنقص أو تزيد لقبلت الكون والفساد ولظهر ذلك عليها. 


ح مبجموعةرسائلالإمامالفزالى ww‏ سسحت لمأو اح 

وقد زعم القدماء أن النار المحدقة بالأرض إنما هى من الأدخنة والقتارات الصاعدة 
والأهوية المحرقة والهواء من البخارات المتحللة من الأرض والاء على حسب ما تكلموا على 
ذلك حفى استقصاءات» وأيفئًا فلا يتجه أن تتحرك هذه العناصر دون مباشرة وذلك عند 
هبوب الرياح وتموج الهواء واللهأعلم . 

وقد ذكر”القدماء أن الأمطار والثلوج والرياح إنما تكون حسب ما تكون النيرات فى 
مواضع مخصوصة من بروج مخصوصة» فلتكن أشعتها التابعة لحركتها هى الممتزجة لهذه 
العناصرالمحركة لهاء ثم لنفوس النيرات محركات حسب ما تتحرك وتترقى فى الحركة إلى 
الحركة الكلية كما سبق. وقد زعم الأواتى أن تلك الحركة عن شوق واختيار عقلى مستند 
إلى مشيئة البارئ تعالى وإرادته فهو البارئ المبدع الخالق المصور لا يعزب عنه مثقال ذرة فى 
السموات ولا فى الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا فى كتاب مبين» فهو مرتب الكل 
أحسن ترتيب ومقدره أكمل تقديرء والكل متصرفون جارون على منهاج ذلك الترتيب 
المحكم والتقدير المتقن لا يزيد ذرة ولا ينقص ذرة» كذلك ينقرض الأولون ويتبعهم الآخرون 
والسماء كما هى ونجومهاء والأرض بما فيها من الحيوانات والنباتات وغير ذلك لم تطرأ 
زه قو وك ونه :لزان عدت سي ا ا ناعون كنا ذا هيت فال 
تعالی : ل كما بدأكم تعودون & [الأعراف : 4.. فالعالم بأسره كالشخص الإنسى البشري 
ذو عمر ومبدأ وآخر» وقد تقدم مرارًا أن الله سبحانه خلق الإنسان على صورة العالم 
فأوله بشر ضعيف على تدريج كما سبق فى المعراج الأول. 

فأول ما يخلق الله تعالى مادة يتكون منهاء ثم يخلق فيه الروح الحيوانى ولايزال 
يتدرج فيه قليلاً قليلاً وكذلك النفس الناطقة فيه تظهر قواها شيئًا فشيئًاء فأضعفها حالة 
الرضيع لا يزال ينمو إلى أن يشب فتخلق له الأوهام والظنون فتكون عنده كالقوة العقلية؛ 
فإذا كبر قليلاً خلقت فيه القوة الهيولانية وهو العمّل الغريزى وهى المبادئ الأول» وهذا فى 
العادة من الخمسة عشر إلى الثمانية عشر عامّاء ثم لا تزال كذلك حتى يخلق فيه العقل 
النظرى وهو أن يدرك الأمور الجائزة والمستحيلة فهى كعيون تفتح فى قلبهء ومثاله الإنسان 
فى بيت مظلم فإذا قابله السراج على بعد نظر نظراً ضعيفًا فلا يزال السراج يقرب منه ونظره 
يكثر إلى أن يتصل به فيقوى نظره نظرً كليّاء فلو اتفق أن يتخذ السراج به حتى يكون فى 
دماغه ملابنًا لقواه لكان أكثر» فكذلك فافهم أن القوة النفسية لا تزال تنزايد إلى ما لا 
نهاية » فليميز ما بين النبى والصبى من الدرجات فالنفس آخذة فى الكمال من حين تخلق 
إلى حين موتهاء فالموت إِذّا كمال الأجسام لأن النفوس تنزع المادة وتلتحق بأفق الملائكة 
وهى الجنة العليا وهى جنة الملائكة» فإن كانت نفسًا شقية كان كمالاً باعتيار تخليصها عن 


عد 1 ا لس لس جحت مجموعة رسائل الإمام الفزالى س 
اناد ونقضانًا :من حك شتخلف عن الكنية العثيل قلا تزال كتيية حزيتة على جسمها وملاذها 
وحواسهاء فإنها لم تعهد تركه قط ولم ترئتض ذاتها على ترك الملاذ وكانت حين نزعها كثيبة 
على البدن فلا تزال فى حسرة وندامة وألم ونهش وعقارب وحيات وسلاسل وأغلال أبد 
الآبدين ودهر الداهرين إلا من شاء ربك إلا ما شاء ربك إن ربك فعال نّا يريد 4 1هوه: 
۷ إِذًَا واجب 'نغحلى كل من رزقه الله تعالى عقلاً وميز بارته ونفسه أن يسعى فى حيلة 
الخلاص وليكن فى أثناء الحيل الدنيوية والأخروية وذلك هو السعيد المطلق. وليكن فى 
الدنيا كمن امتحنه سلطان زمانه وبعثه إلى أرض يكرهها ويكره أهلها وأغذيتهم ولغتهمء 
فإذا حصل بينهم علم أنه متى اعتزلهم وتركهم قتلوه وعذبوه. وإن خالطهم كفوا عنه فيكون 
أبدًا يعاملهم بظاهرة فيكلمهم ويأكل معهم. ولكن قلبه وهمته وعشقه لقطره الذى خرج 
منهء فإذا أخرجه الملك من بينهم ورده إلى قطره كان فرحًا على مفارقتهم مسرورًا لقطره. 
فلو عكف عليهم وصرف همته إليهم ثم بعث إليه لكان خروجه خروجًا كدراء فإنه ربا 
شق نساءهم وسيرتهم فلا يزال معذبًا وهذا غاية البيان فى معنى الموت» وقد فهمت العالم 
بأسره وحقائقه فإن أنت استعملت ذهنك وفكرتك حتى انفهم لك ذلك كنت ربانيًا ونعم 
العبد لبارئك» وناسبت الملائكة فوقعت المحبة والألفة بينكماء وإن أنت لم تعبأ به ولم تعول 
عليه أو علمت ظاهره دون باطنه فما أقل نفعك به وما أعظم حسرتك . أعاذنا الله وإياك من 
ذلك هذا تمام السبعة المعارج التى تستعمل فيها القوة الفكرية وهى نهاية الغرض الذى 
أوردناه» وربما تقربنا إلى الله تعالى ورغبنا فيما عنده فى أن ننبه على الآشياء التى تكون 
ميزانًا ومرآة للقوة المفكرة حتى لا تغلظ فى أكثر تصرفاتهاء فإن خلاف الناس قد كثر 
رمذاهبهم جمة لا تنحصرء ومن عول على أخذ العلم عن إمام لاسيما مذهب الإمامية؛ 
. فإنهم زعموا أن الأرض لا تخلو طرفة عين من إمام قائم لله تعالى بحجة يخرج الخلق من 
اتخمين إلى اليقين وينجيهم من ظلمات الشكوك. فعلى مذهبهم لا يضر إن سافر الإنسان 
عن الإهام وزال عن بلده والمسائل أيدا لا تنحصرء فيحتاج أن يراجعه فى كل دقيق وجليل. 
وحق هذا التنبيه أن يكون مستقبلاً بنفسه مستوعبًا فى أسفار كثيرة ومجلدات عديدة. ولكن 
صادفت بالرغية أيها الأخ قلبًا مشتغلاً مشتيك الفكر ولانًا كليلاً قد تخمر بين أمور متتافرة 
وبقى معلفًا بين الدنيا والآخحرةء فإن تلافاه الله سبحانه بدعاء الصلحاء وضراعة الأصدقاء 
والأصفياء» وإلا قل أشياؤه وعاش معيشة ضتكًا فى دنياه» والله سبحانه ينفع بعضًا يبعض 


بر 


ححك وزغا رال اوا اتن تت لتكت ا 


السعادة ضريان سعادة مطلمة وسعادة مقيدة 
فأما السعادة المطلقة» ما اتصلت فى الدنيا إلى ما لا نهاية له. والمقيدة» ما كانت 
او و ا أو زمان. وكل سعادة فيسبب والسبب من أنواع الحجج. فأما السعادة 
القيدة فتحصل يأريعة أسباب : أعلى الأسباب العلمية احترارا عن الحرف والصناعات وهى 
إما سفسطة» وإما خطابةء وإما جدلء وإما شعرء آما السفسطة فنهايتها وغرضها لا 
مقصودها أن تؤلف قياسًا وتنظم حجة تشبه الحق» وليست بحق بنفسها لتغلب خصمك من 
حيث لا يشعرء كما أنك إذا قلت : أليس النجار صانعاء فيقول: نعم فتقول: أليس هو 
جسمًا؟ فيقول أليس البارئ سبحانه صانعا؟ فتقول: نعم: فيقول: فهو إِذَا جسم. فهذا' 
قياس مؤلف ولكنه فاسد وسفسطة ومباهتة» ودخل من الفساد قوله: فكل صانع جسم فإنه 
خطأء وإلا فما الدليل عليه؟ فنهاية سعادة هذا التمويه على الخصم وهى منقسمة إلى 
التلبيس فى النظم كما قدمناهء وإلى التبيس فى شبه الحروف والأسماءء كما إذا قلت: 
العين تبصر والدينار عين فالدينار يبصر فهذا غلط من جهة اشتراك الاسم وحده أن تقول 
حد الدينار غير حد العين فهما مختلفان فى الحد والحقيقة» وكذلك فى النقط مثل قوله 
تعالى : ف( عذابي أُصيب به من أشاء ‏ [الأعراف: .]٠٠١١‏ ومن أساءء واستيعاب هذا يحتاج 
إلى مجلدة» وأما الخطابة» فغرضها إقناع للسامع بما تسكن نفسه إليه سكونًا اما من غير أن 
تبلغ اليقين» وهذا كما يفعله الخطيب من الناس» فإنه ينظم كلامًا عذبًا مشجعًا يذكرهم 
الموت ويفرغهم ويخوفهمء وغرضه الإيقاع فى نفسهم. وأما الشاعرهء فغرضه الإيقاع فى 
اليل و ريك القوة ا والغضبية بأن يشبه الأشياء بعضها ببعض كقول القائل: 
هو البَحْر عْصْ في هإذا كان راكدا 
على الدَرٌ ره إِنَاكَانَ مُزبدا 
فهذا إذا سمعه الممدوح انبسطت له نفسهء لأنه شبه جوده واتساعه بالبحرء وأنه ذو 
صولة كالبحر» وقد يحرك الشاعر القوة الغضبية كقول القائل : 
لكان عنعن د اطبا 
١‏ من الم اد قت عله بن و اه 
وكقول بعض !! لشعراء ينفر زوجته عن التكاح: 
قلاتنكحىإن قي الدَهْربَينَنَا 
َعَم القَقَاوالوَجْهجَئْد الأنامل 
حتى أن الإنسان يشبه له الشئ الحسن بالقبيح فينافره» كما إذا قيل له وقد شرب فى 


کے إ۹ mmm‏ د مجموعة رسائل الإمام القزالى سد 
محجمته خرجت من كور الزجاج فيقال له بها يمص الدم للمجذوم والمبروص فيتافرها ولا 
يشرب بهاء وكما إذا أرسل عليه حبل ثم قيل له: عليك نفرء وقيل له: إن هذا العسل 
أصفر كأنه عذرة تفر من ذلك واستبشعه» فهذا غرض الخطابة والشعرء وأما الحدل فغايته 
غلبة من يخاطبه بأشياء مشهورة كما قال تعالى لليهود: (١‏ إن زعمتم أَنُكم أولياء للّه من دون 
الناس موا الموت إن كنم صادقين # [الجمعة: 1].فإنه علم فى العادة أن المحب يحب 
لقاء ا لحجبيب ٠‏ وتأليف القياس فيه أن يقال: إن كنت تحب لقاء زيد فأنت صديقه لكنك تحب 
لقاءه فآنت إِذَّا صديقه. فيجئ البيان فيه على وفق المقدمة. ونظم القياس لليهود أن يقال : 
إن كان اليهودى يحب لقاء الله تعالى فهو ولىء لكنه يكره القاء الله تعالى فإِذًا ليس هو 
بولى» وكما قال إبراهيم عليه السلام للذى حاجّه: طفَإنّ الله يأتي بالشّمس من المشرق 
فأت بها من المغرب © [البقرة: [YoA‏ . فغاية هذه العلوم موقوفة على منافع دنيوية إلا أن 
تصرف إلى الآخرة» كتما فعلت الأنبياء عليهم السلام فى خطاباتهم وجدلهم. فالدنيا ركاب 
الآخرة وهى مضرة إذا طلبت لنفسهاء ونافعة إذا طلبت للآخرة فإذا مقدار سعادة هذا العلوم 
ما يقصد مقدار بها. 

وإما العلوم التى يطلب بها السعادة العلمية النافعة فتنقسم إلى أربعة أقسام: طبيعية 
ورياضية وسياسيةوإلهيةء والغرض بالطبيعية معرفة العالم وتركيبه ومزاجه ومعرفة النباتات 
والخيوان والمعادن والأمراض والأمزجة وصلاحها وفسادهاء وهو خادم معين كالخبز والغذاء 
للإنسان وكذلك هو مع تلك العلوم. 

وأما الرياضات فأربعة أنواع : الهندسة والحساب والمطق ا فأما الهندسة: 
فمقصودها معرفة الأطوال والكميات والمقادير وهى آلة يستعان بها. والحساب غرضه 
معلوم. والمنطق غرضه مير الأمور العقلية من المحسوسات :وتمييز البرهان من الشك فى 
الاعتقاد. وأما علم النجوم بق :رف الفا رخ ر اتنا وكراكبها وسائر أحكامهاء 
وفائدته معرفة الكائنات. 

وأما الإلهيات فمقصوده أربعة. أشياء العلم بالله سبحانه ا وكتبه ورسله واليوم 
الآخر. وأما السياسة فمقصوهه تهذيب النفس فى جلب منفعة ودفع مضرزة ما عاجلة. 
والخلق مع سائر هذه العلوم وهى معهم إما كالغذاء لهم وإما كالدواء والرسل مبعوئون 
0 ومقاديرها فى السعادة على ما ذكرنا لكن تختلف أشخاص الناس وحالاتهم 
على اختلاف قرائحهم وغرائزهم ومقدار قبولهم وعقولهم والتقسيم يأتى على هذه النسبة 
فنقول: أما ما هو كالغذاء فكالعلوم الإلهية فلا غناء بأحد منها فإن سائر هذه العلوم دورانها 
ROE‏ ل ولا حال لمن جهل باريه وأما ما هو كالدواء فيخص ويعم فى 

بعض العلوم السياسية وهى ما تعلق منها بفروض الأعيان» فعلى كل شخص أن يعرف هذا 


حب مجموعة رسائل الامام الفزالی سبش بح ٩۷‏ = 


فى العلم السياسى» وأما فى غيره من العلوم فيستعمل الإنسان منه مقدار حاجته إن احتاج 
إليه » وإلا فالاشتغال با يفيد أحسن إذ الإنسان ذو شغلى كثير. وأما ماهو كالداء فهو يضر 
النسبة إلى حالات الأشخاص وهو كل شئ متى أوصلناه إلى شخص وجدناه يضربه فهو 
دواء فى حقهء فإن العسل وإن كان حلوا عند من أفرط عليه اليلغمء فهو مر عند من 
أفرطت عليه المرة الصفراء إذ هو فى حقه داء. والعلوم إنما هى بالإضافة قلقد يوجد الله 
تعالی : 

خلت زرا انيهم 

كمًائضررياح الور بالجمَل 

وقد قال عه «حدثوا التاس بما همون . وقال عيسى عليه اللام: «لا تعلقوا 

الدر ف اغاق الخنازير» 


سم اس 


فَسَنْسَحَ الجهُال علمًا أضَامَهُ 
وَسَنْمَتَعَ انوج بين قَقَدَظَلمْ 

فإن قلت: هذا لا شك فيه غير أن العلوم الإلهية يختلف فيها وقد كثرت فرق 
الإسلاميين فعلى رأى من أعول. فاعلم ياأحى أنك متى كنت ذاهيًا إلى تعرف الحق بالرجال 
من غير أن تتكل على بصيرتك فقد ضل سعيكء فإن العالم من الرجال إنما هو كالشمس 
أو كالسراج يعطى الضوء» ثم انظر ببصرك فإن كنت أعمى فما يغنى عنك السراج والشمس 
فمن عول على التقليد هلك هلاگا مطلقًا . 

فإن قلت: فكيف الخلاص فيه؟ فهذا الآن حديث يطول ويحتاج إلى إطناب 
وإسهاب. وقد أعلمتك أنى مشتغل مبدد لشمل النفس كليل الخاطرء ولكن لتعلم أن 
الأوصاف الراجعة إلى الله تعالى تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إما وصف يجب له» وإما مستحيل 
عليه» وإما جائز فى حكمه فلا يتلقف أحد الجائزين بسبب إلا من جهة الرسول عله فكل 
واجب» أو مستحيل فخذه من جهة العقل . 

فإن قلت: ذلك اطلب فمن أين آخذه وكيف أتوصل إليه؟ فأقول: سأبين لك منه 
مقدارا يليق بهذه العجالة . 

فإن قلت: وكيف أصنع أيضًا فى فروع الأحكام وهى الأمور السياسية» فقد اختلفت 
الأتمة كمالك والشافعى وأبى حنيفة وأحمد وغيرهم؟ فأقول: فإذا الإشكال من جهة 
الخلاف فى أصول الدين وفروعهء وقد كشف العى فى أصول الدين ووعدتك بالباقى» وأما 
الخلاف فى الفروع فلك فيه حيلتان: إحداهما أن تعرف أصول الفقه وأحكام الشريعة معرفة 
دون تقليل» ثم تعمل با علمته وتترك الناس جانيًا خالفت أو وافقت فهذه حيلة وقد جعلت 


کی ۹۸ ا سس يسيب جح مجموعة رسائل الإمامالفزالى کد 


فى ذلك كتابًا سميته (برسالة الأقطاب) تختص بأصول الفقه خاصة على الطريق البرهاني» 
فإن شئت فاحفظها واحفظ أحكام الحديث والسنة أو تكون عندك كتبها وذلك منحصر فى 
ثلاثة أسفار: أما أحكام الحديث فقد جمعها الزبدونى وأحكمها الفرائض لإسماعيل القاضى 
وغيره» وأحكمها الأحكام لأبى الحسن الطبرى الملقب بشفاء العليل» وبأصول الفقه تهتدى 
إلى ما غاب عتك. فإن تعذر هذا عليك فعليك بجملة ثانية وهو أن تنظر كل مختلف 
فتصير إلى الطرف الأكمل . مئال ذلك مذهب أبى حنيفة فى التوضوؤ بالنبيذ» فاستعمل أنت 
مذهب مالك فى تركه فهو أحوط. وكذلك مذهب الشافعى فى التوجيه والبسملة وقراءة 
القرآن فى الصلاة فاستعمله فهو أحوط من مذهب مالك فيهء فهاتان حيلتان لطريق 
الكمال. فإن عجزت عنها فعليك بتقليد إمام واحد فاعمل على مذهبهء فإحكام الظاهر 
يسير الخطب قد فهمت هذا وإغا المشكل على هو أمر الأمور العمّلية حتى أميز فيها الحق من 
الباطل؛ فقد علمت من هذا طريق الخلاص فى الفروعء فاعلم أن الأمور التى تخوض فيها 
قوة المفكرة ترجع إلى أربعة أقسام: معقولاات ومحسوسات ومقبولات ومشهورات. 

فأما المعقولات: فما لا يدرك إلا بالعقل على التجريد كعلمنا أن الضدين لا 
يجتمعان. وأن الشئ لا يصح أن يكون متحركًا ساكنًا فى حال واحدة وأن الواحد قبل 
الاثنينء وأن الحادث له أول وأن ما كان مع الحوادث معية زمانية فهو حادث فكل ما لا 
تدريه إلا من جهة العقل . 

وأما الملحسوسات: فما تدريه من جهة الحواس الخمس كالفرق بين الألوان والفرق 
بين الطعوم وبين الملموسات» والفرق بين المسموعات» والفرق بين المشمومات والفرق بين 
المذوقات. 

وأما المشنهورات: فهى العادات الراجمعة إلى عادات الخلق والبلاد والأمم 
والأزمنة » كعادة الناس فى اللباس والفرح والأغانى والأحاديث والسير الكريمة كترك الظلم 
وبر الوالدين وشكر المنعم والكف عن الجار والنصفة من الظالم وإفشاء السلام التى هى الآن 
متممات الأحكام الشرعية» وهى من قبل الرسل تعقل. وقد كانت العرب وسائر الأمم 
السالفة كالهند وغيرهم يستنون بذلك. وعلى الجملة: لكل أمة ملك يحمى من الظلم 
وبذلك قوام العالم. 

أما المقبولات: فما أخذ من طريق الأخبار وهو كل ما يخبر به العدل الثقة أو الثقات 
فمتى ورد عليك شئ من أى علم كان وفرع سمعكء أو أورد عليك فانظر وسل من أى 
قبيل هو من هذه الأربعة آقسام. فأما العقليات فلا تتبدل أحكامها عما هى عليه فى العقل. 
والمحسوسات لا تتبدل ولكن يتطرق إليها الغلط بآفات تحدث فى الآلات الحسمانية. 


وأما المقبولات والمشهورات؛ فغير موثوق بها فإنها تختلف باختلاف الأمم والبلاد 
وحالات الأشخاصء فألحق كل قبيل بقبيله وميزه من سواه فلا تغلط أبد الآباد» فما قام 
عندك من دليل عقل أو حس على شئ وتصححت أجزاء حده وبرهانه وتبرهن لك البرهان 
على صحة تلك الأجزاء والبرهان تبرهن به على مطلوبك فهو برهان حق» وما ورد عليك 
:ما سوى ذلك فأتئله على مرتبته فلا تعد شيئًا من حده ولا تجعل المقبول معقولاً ولا 
المعقول مقبولاً ولا المشهور محسوسًا ولا المحسوس مشهوراً. ثم انظر كيف مأنخذ المقبول 
مثل أن القرآن معجزة رسول الله عَيْتْهُ فتعلم قطعًا أن هذا القرآن مأخوذ عن نبينا محمد َه 
ان عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم الكائن بمكة عله وكذلك تعلم وجوده وسيرته 
المستفيضة . 

وأما الأحكامء فمآخذها مقبولة ولا يلزم أن تبرهن لنا لأن الخلق محتاجون إليهاء 
ولو أدركوا الأحكام بعقولهم لما كانت فائدة الرسول عله وإذا لم يكن فى عقولهم 
استقلال بها أولاً فكذلك آخرا إذا اتصلت بهم» فلذلك لم يطلب أن يقوم على الأحكام 
درهان. 

وهذا منتهى ما أردنا أن نشير به من المدخل إلى العلوم الإلهية وننبه به على الأسرار 
الروحانية فإن ساعد الدهر السليم» والغزيزة المعتدلة على إلحاق ما فى معناه به كفى 
المسترشد وإلا تشوق إلى المطالعة» والرب تبارك وتعالى المسئول أن يلم الشعث ويجبر 
الصدع وينير البصيرة ويجرى على اللسان الصدق ويختم بالخيرء ويجعلنا به وله فيما نأتى 
ونذر» وآن يتجاوز عنا إذا وفدنا إليه محتاجين إلى عفوه» فقراء إلى فضله» منقطعين عن 
الأهل والوطن» مخلفين الأبناءء مبعدين عن الآباء. قد حيل بيننا وبين القريب والصاحب 
ونفانا الموالى والأقارب» إذا برقت العين وخجفت الشفة ويبست القدم وحيث لا ينطقون ولا 
يؤذن لهم فيعتذرون. لا يستجيب لمن دعاه لا يرى شى الحيوب عليه حين وفاته. أذكركم 
الله تعالى إخوانى وأوصيكم به فكونوا يه ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور. 
ثم الصلاة والسلام على نبى الرحمة وشفيع الأمة محمد صلى الله وعلى آله وصحبه وسلم 
تسليماء والحمد لله رب العالمين. 


- مجموعة رسائل الإمامالفزالى س 


| 


روضة الطالبين 
وعمدة السالكين 
سياه لقره 
خطبة الكناب 

قال الشتيخ الإمام العالم العلامة الأوحد حجة الإسلام أبو حامد محمد بن محمد بن 
محمد الغزالى الطوسى تغمده الله برحمته ورضوانه وأسكنه فسيح جناته : 

الحمد لله الذى أحرق قلوب أوليائه بنيران محبته» واستوفى هممهم وأرواحهم 
بالشوق إلى لقائه ومشاهدته. ووقف أبصارهم وبصائرهم على ملاحظة جمال حضرته حتى 
أصبحوا من نسيم روح الوصال سكرى وأصبحت قلوبهم من ملاحظة الجلال والهيبة حيرى» 
فلم يروا فى الكونين إلا إياهء وإن سنحت لأبصارهم صور عبرت إلى المصور بصائرهم» 
وإن قرعت أسماعهم نغمة سبقت إلى المحبوب سرائرهم» وإن ورد عليهم صوت مزعج أو 
مقلق أو مطرب أو محزن أو مهيج أو مشوق لم يكن انزعاجهم إلا إليه ولا طربهم إلا به 
ولا قلقهم إلا عليهء ولا حزنهم إلا فيهء ولا شوقهم إلا إلى ما لديهء ولا انبعائهم إلا له 
ولا ترددهم إلا حواليه فمنه سماعهم. وإليه استماعهم فقد أقفل عن غيره أبصارهم 
وأسماعهم . أولئك الذين اصطفاهم لولايته وامجخلمهم عن N‏ وخاصته» وصلى 
الله على المبعوث برسالته وعلى آله وأصحابه أئمة الحق وقادته وسلم لها 

آنا بعد > هه القت هذا الكاف اتك طالب انلق وكين به علق ان 
شاء الله تعالى» وأستعين فى ذلك باللّه تعالى من الخلل والزلل وهو خير ناصر ومعين وإياه 
أسأل أن ينفع به إنه قريب مجيب وسميته : (روضة الطالبين وعمدة السالكين) وفيه أبواب 
ومقدمة وفصول: 

المقدمة فى نمهيل الكناب 

اعلم أن انقطاع الخلق عن الحق بوقوفهم مع الخلق ومع أنفسهم ورؤيتهم أفعالهم 
وانحرافهم عن العقيدة الصحيحة باختلاف أهويتهم التى نفوس البشر مجبولة عليها وحب 
الجاه والمال والدنيا والرتاسة والشهرة وطول الأمل والتسويف والشح والهوى والعجب 
وفحش أغذيتهم من المطعم والمشرب والملبس وفساد دنياهم وغلبة الشهوات النفسانية على 
قلوبهم . وترك مجاهدة النفس وإهمالها ترفع فى شهواتها ورعونتها والتزين للناس والتلبس 
بالأوصاف المذمومة نحو الغل والحقد والحسذ والجهل والحمق والرياء والنفاق» وانبعاث 
الجوارج, ق غير طاعة الله تعالى كالعين والسمع واللسان واليد والرجل: « كل أولتك كان 
عنه مسؤو 4 [الإسراء: 87 . والكسل والبلادة والغفلة وغير ذلك هما يبعد عن الله تعالى . 


حت مجموعة رسائل الإمامالفزالى 


البلا الأول: 
الاب الشانى: 
١‏ لباب الشالث: 
ال اب الرابع: 
اليباب المقامس: 
الباب السادس: 


الاب السابع 


الباب النلامن: 


الباب التاسع 


اللاب العهاشر: 
الباب الحادى عشر: 
اللاب الثانى عشر: 
اللاب الثالٹ عشر: 
الباب الرابع عشر: 
الباب الخامس عشر: 
الباب السادس عشرٌ: 
اللاب السابع عشر: 
الباب الثامن عشر: 
الباب التاسع عشر: 
اليباب العشرون: 
الياب الحادى والعشرون: 
الباب الثانى والعشرون: 
الاب الثالث والعشرون: 
الباب الرابع والعشرون: 
الباب الخامس والعشرون: 
الياب السادس والعشرون: 
الباب السابع والعشرون: 
اليباب الثامن والعشرون: 
الباب التاسع والعشرون: 
الباب الثلاثون: 
الباب الحادى والثلاثون: 
الياب الثانى والثلاثون: 


فى بيان أركان الدين. 

فى بيان معنى الأدب. 

فى بيان معنى السلوك والتصوف. 
فى بيان الوصول والوصال. 

فى بيان معنى التوحيد والمعرفة . 

فى بيان النفس والروح والقلب والعقل . 
فى بيان معنى المحبة. 

فى بيان معنى الأنس بالله تعالى . 
فى بيان معنى الحياء والمراقية . 

فى بيان معنى القرب. 

فى بيان شرف العلم ووجوب طلبه. 
فى بيان معنى الأسماء الحسنى . 


فى بيان الاعتقاد والتمسك بعقيدة صحيحة . 


فى بيان صفات الله تعالى. 
فى بيان معنى حقيقة اللإخلاص. 


فى الرد على أجاز الصغائر على النبى يله . 


ا اا ااا 
فى بيان معنى آفات اللسان. 
فى البطن وحفظه : 

فى بيان الشيطان ومخادعاته . 
فى بيان ما نجب رعايته . 

فى بيان معنى حسن الخلق وسوئه. 
فى بيان معنى الفكر . 

فی بيان معنى التوبة . 

ال 

فی بیان الخوف . 

فی بيان الرجاء. 

فى بيان الفقر. 

فى بيان الزهد. 

کان کار 

فى بنان الشكر: 

فى بيان التوكل . 


ی ).| ıııe‏ ببجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


الباب الثالث والثلاثون: فى النية. 

الباب الرايع والثلاثون: فى بيان الصدق. 

الباب الخامس والشلاثون: فى بيان الرضا. 

اللاب السادس والثلاثون: فى بيان النهى عن الغيبة . 
البابه.السابع والشلاثون: فى بيان الفتوة. 

الباب الشامن والشلاثون: فى بيان مكارم الأخلاق. 
الباب التاسع والشلاثون: فى بيان القناعة . 
الباب الأربعون: فى بيان السائل. 

الباب الحادى والأربعون: فى الشفقة على خلق الله تعالى. 
الباب الشانى والأربعون: فى بيان آفة الذنوب. 
الباب الثالث والأربعون: فى صفة صلاة أهل القرب. 


فصل فى أن ماسوى الحق حجاب عنه 

اعلم أن الوقوف مع الخلق والنفس حجاب عن الحق ورؤية الأفعال شركء لأن 
أفعال العباد مضافة إلى الله تعالى خلقًا وإيجادًا وإلى العبد كسبًا ليثئاب على الطاعة 
ويعاقب على المعصية, فحين تعلق العبد بشئ ما يوجده الاقتدار الإلهى يسمى كسبًا. هذا 
مذهب أهل السنة» فقدرة العبد عند مباشرة العمل لا قبله فحينما يباشر العمل يخلق الله 
تعالى له اقتدار عند مياشرته فيسمى كسيًا. فمن نسب المشيئة والكسب إلى نفسه فهو 
قدرى» ومن نفاهما عن نفسه فهو جبرى» ومن نسب المشيئة إلى الله تعالى والكسب إلى 
العبد فهو سنی صوفی رشید» وفيه كلام طويل ليس هذا موضعهء مسيآتى قريبًا إن شاء 
الله تعالى . 

وأما الانحراف عن العقيدة الصحيحةء فلغلبة الأهواء على القلوب والتعصب لذهب 
أهل البدع. قال بعض الأئمة: رب أقوام تنجيهم عقائدهم مع: قلة عملهم. ورب أقرام 
تهلكهم عقائدهم مع كبثرة عملهمء وحب الجاه والمال والدنيا سم قاتلء والرئاسة والشهرة 
يورئان الكبر والدخول فى الدنيا وهما فساد الدين. قال بعضهم: ماعملت عملا واطلع 
عليه الناس إلا أسقطته . 

وأما طول الأمل: فإنه يمنع من حسن العمل ويصد عن الحق والتسويف من أعظم 
جنود الشيطان» وأما الشح والهوى وإعجاب المرء بنفسه: فهن من المهلكات. 


کی مجموعہ رسائل الإمام الفرالی www‏ سی ۱.۳ = 


وأما فحش الغذاء: فإنه يظلم القلب ويورث القسوة والبعد عن الله تعالى » وطيب 
الغذاء ينور القلب ويورث الرقة, والقرب من الله عز وجل . قال الله تعالی :يا أَيها الّذين 
ا کلوا من طيبات ما رقنا كم (البقرة: ۲ . والطيبات هى الحلال : أطب مطعمك 
ومشربك وما عليك أن لا تقوم الليل ولا تصوم النهارء وطيب المطعم أصل كبير فى طريق 
القرم » ولو قام اليد قيام السارية لم يتفعه ذلك حتى يعلم ما يدخل جوفه. وأسرع 
الناس جوازا على الصراط أكثرهم ورعا فى الدنيا. يقول الله عر وجل : دی کی ترا 
تورع تعرفنى تجرد تصل إلى" قال الله تعالى: «وأما الورعون فأستحبى أن أعذبهم» قال 
بعض السادة من الأكابر: عليك بالعلم والجوع والخمول والصوم فإن العلم نور يستضاء 
به: والجوع حكمة. قال أبو يزيد: ما جعت لله يومًا إلا وجدت فى قلبى بابًا من الحكمة لم 
أجده قبل . والخمول راحة وسلامةء والصوم صفة صمدانية ما مثلها شى لقوله تعالى: 
بلس كمبئله کی ری .١‏ فمن تلبس بها أورث العلم والمعرفة 
والمشاهدة» ولذلك قال تعالى: «كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لى وأنا الذى أجزى به». 
ولخلوف فم النائع عات اللا EEE E E‏ 
القلب يورث جميع الأوصاف المأمومة فلا طمع ف فى القرب ما لم تبدل الأوصاف المذمومة 
بالمحمودة . 

قال بعضهم: ما دام العبد ملونًا بالغير لا يصلح للقرب والمجالسة حتى يطهر قلبه من 
السوى. قال عثمان رضى الله عنه: (لو طهرت القلوب لم تشبع من قراءة القرآن لأنها 
بالطهارة تترقى إلى مشاهدة المتكلم دون غيره) . 


فصل 
اعلم أن ما سوى الحق حجاب عنه. ولولا ظلمة الكون لظهر نور الغيب» ولولا فتنة 
النفس لارتفعت الحجبء. ولولا العوائق لاتكشفت الحقائق. ولولا العلل لبرزت القدرة. 
ولولا الطمع لرسخت المحبةء ولولا حظ باق لأحرق الأرواح الاشتياق. ولولا البعد لشوهد 
الرب» فإذا اتكشف الحجاب تشم هذه الأسباب و العوائق بقطع هذه العلائق : 
بالك سر طال عك العامة 
ولاح ببح كنت أت قلاة 
تأت حجاب القلب عن سرعببه 
ولولاك لَمْ يَطبّعْ عَِكَ ختائة 
فَإِنْغ بت عنه حل ني هوطنت 
على منكب الكشف امصون ا 


sS وجاء‎ 


ا 


رو 


وی يناتنره وفاش 
٠‏ قال يعضهم: إذا Ty‏ باب 
الكسل . جاء رجل إلى معاذ فقال: أخيرنى عن رجلين أحدهما يجتهد فى العبادة کشر فى 
العمل قليل الذنوب إلا أنه ضعيف اليقين يعتوره الشك. قال معاذ: ليحبطن شكه أعماله. 
فال اخ عن ول كلل العخل إل © ری الف ونو فى للك ك الب 
فسكت. فقال: واللّه لئن أحبط شك الأول أعمال بره ليحبطن يقين هذا ذنويه كلها. قال 
فأخحذه معاد بيذه. وقال: ما رأيت الذى هو أفقه من هذا. 


فصل فى عمل أبى يزيد البسطامى 

قال أبو يزيد البسطامى رضى الله عنه: (مكثت اثنتى عشرة سنة حذاد نفسى» 
وخمس سنين كنت أجلو مرآة قلبى» وسنة أنظر فيما بينهما فإذا فى وسطى زنار فعملت فى 
قطعه خمس سنين أنظر كيف أقطعه فكشف لى فرأيت الخلق موتى فكبرت عليهم أربع 
تكبيرات) . 

ومعنى هذا الكلام -واللهأعلم - أنه عمل فى مجاهدة نفه وإزالة أدغالها وخبثها 
وما حشيت به من العجب والكبر والحرص والحقد والحسد وما شابه ذلك مما هو من 
مألوفات النفس. فعمد إلى إزالة ذلك بأن أدخل نفسه كير التخويف. ثم طرقها بمطارق 
الأمر والنهى حتى أجهده ذلك. فظن أنها قد تصفت. ثم نظر فى مرآة إخلاص قلبهء فإذا 
بقايا من الشرك الخفى وهو الرياء والنظر إلى الأعمال وملاحظة الثواب والعقاب والتشوف 
إلى الكرامات والمواهب. وهذا شرك فى الإخلاص عند أهل الاختصاص وهو الزنار الذى 
أشار إليه فعمل فى قطعه : يعنى قطع نفسه وفطمها عن العلائق والعوائق وأعرض عن 
كلاد ی امات ی ف ما كان ا واا من قلبه ما كان ميثًا حتى ثبت قدمه فى 
شهود القدم وأنزل ما سواه منزلة العدم. فعند ذلك كبر علن الخلق أربع تكبيرات وانصرك 
إلى الحق. ومعنى قوله: كبرت على الخلق أربع تكبيرات لأن الميت يكبر عليه أربع 
تكبيرات» ولأن حجاب الخلق عن الحق أربع : النفس» والهوىء» والشيطان» والدنيا. فأمات 
تقلمة هرا ور قطان ودا للف کے غل كل وا ن ف د م 
الأكبر وما سواه أذل وأصغر ثم اعلم أنك لا تصل إلى منازل القربات حتى تقطع ست 
عقبات : 

العقبة الأولى: فطم الجوارح عن المخالفات الشرعية . 


|| 


سس مجموعة رسائل الإمام القزالى ہہ ب 10 

العقية الثانية: طم التمس عن المألوفات العادية. 

العقبة الثالثة: فطم القلب عن الرعونات البشرية . 

العقبة الرابعة: غطم السر عن الكدورات الطبيعية. 

العقبة الخامسة: غطم الروح عن اليخارات الحسية . 

العقبة السلاشة: فطم العقل عن الخيالات الوهمية . 

قتشرف من العقبة الأولى على ينابيع الحكم القلبية؛ وتطلع من العقبة الثانية على 
أسرارالعليوم اللدنية وتلوح لك من العقبة الثالشة أعلام للناجاة الملكوتية» وتلمع لك فى 
العقبة الرابعة أنوار المنازلات القريبةء وتطلع لك فى الخامة أقمار المشاهدات الحبية» وتهيط 
من العقبة السادسة على رياض الحضرة القدسية.. فهتالك تغيب مما تشاهد من اللطائف 
الآنية عن الكثائف الحسيةء فإذا أرادك يخصوصيته الاصطفائية سقاك بكأس محبته شربة 
فتزداد بذلك الشرب ظماً وبالذوق شوئاء وبالقرب طلبًا وبالسكون قلقًا غإدا تمكن منك 
هذا السكر أدهشك فإذا أدهشك حيرك» فأنت هاهتا مريدء فإذا دام لك تحيرك آخذك منك 
وسلبك عنك فتبقى مسلوبًا مجذوبًا فأنت حينئذ مراد. فإذا فنيت ذاتك وذهبت صفاتك 
وفنيت ببقاثه عن غنائك وخلع عليك خلعة (قبى يسمع وبى يبصر) فيكون هو متوليك 
وواليك. فإن نطقت فبأذكاره :وإن نظرت فبأنواره» وإن تحركت فبإقدارهء وإن بطشت 
فباقتداره» فهنالك تذهب الانينية واسنتحالت البينية» قِإن رسخ قدمك وتمكن سرك حال 
سكرك . قلت: هو وإن غلب علنك وجدك وتجاوز بك حدك عن حد الثبوت قلت أنت: 
فأنت فى الأول متمكن, وفى الثانى متلون ومن هنا أشكل على الأفهام حل رمز هذا 
الكلام. 


البابالأول 
فى بيانأركانالدين 

اععلم .أن كلمتى الشهادة على إيجازهما تضمتان إثبات ذات الإله سبحاته وإثبات 
صفاته وإثبات أقعاله وإثبات صدق الرسول عله وبتاء الإعان على هذه الأركان الأربعة: 

الركق الآولة :فى :عورف كات اله سجاه وال وجار على رة اول وه 
الخلم بو جود الله تعالى» وقدمه وبقاثه. وآنه لیس بجوهر ولا جسم › ولا عرض وأنه 
ليس بمختص بجهةء ولا متقر على مكانء وأنه يرى أنه واحد. 

لرکو اكا فى حف عات ا او الى ودار مغل عة اضر ل وض 
ا که فال اع و ا ا ق یا ا ی اجار 
منزها عن حلول للحوادث» وأنه قديم الصفات. 


کے .| سح مجموعة رسائل الإمامالفزالى عت 


الركن الثالث: فى معرفة أفعال الله مسبحانه وتعالى ومدارم على عشرة أصول 
وهى: أن أفعال العباد مخلوقة لله تعالى ومرادة له وأنها مكتسية لهمء وأنه متفضل 
بالخلق» وأن له تكليف ما لا يطاق» وله إيلام البرئ ولا يجيب عليه رعاية الأصلح › وأنه 
لا واجب إلا بالشرع وأن بعثة الأنبياء صلى الله عليهم وسلم جائزة» وأن نبوة نبينا 
محمد َيه ثابتة مؤيدة بالمعجزات . 

الركن الرابع: فى السمعيات ومداره على عشرة أصول وهى: الحشر والنشرء وعذاب 
القبر » وسؤال منكر ونكيرء والميزان » والصراطء وخلق الجنة والنار» وأحكام الإمامة . 


الباب الان 
فى بيانالأدب 
م 


روى عن النبى عله أنه قال: : أديئى رق فأحسن تأدييى) والأدب تأديب الطامر 
والباطن» فإذا تهذب ظاهر العبد وباطنه صار صوفًا أديبّاء ومن ألزم نفسه آداب السنة نور 
الله قلبه بنور المعرفة» ولا مقام أشرف من متابعة الحبيب ميه فى أوامره وأفعاله وأخلافه 
والتأدب بادابه قولاً وفعلاً وعقد ونية. والإنصاف فيما بين الله تعالى وبين العبد فى ثلائة 
فى الاستعانة والجهد والأدب» فمن العبد الاستعانة» ومن الله الإعانة على التوبة» ومن 
العبد الجهد»ء ومن الله التوفيق» ومن العبد الأدب» ومن الله الكرامة. ومن تأدب بآداب 
الصالحين» فإنه يصلح لبساط الكرامة» وبآداب الأولياء لبساط القربة» وبآداب الصديقين 
لبساط المشاهدة؛» وبآداب الأنبياء لبساط الأنس والانيساط» ومن حرم الأدب حرم جوامع 
الخيرات» ومن لم تريضه أوامر المشايخ وتأديباتهم» فإنه لا يتأدب بكتاب ولا سنة؛ ومن لم 
يقم بآداب أهل البداية كيف يستقيم له دعوى مقامات أهل النهاية. ومن لم يعرف الله عر 
وجل لم يقبل عليه؛ ومن لم يتأدب بأمره ونهيه كان عن الأدب فى عزلة. وآداب الخدمة 
الفناء عن رؤيتها مع المبالغة فيها برؤية مجريها. العبد يصل بطاعته إلى الجنة وبأدبه إلى الله 
تعالى» والتوحيد موجب يوجب الإيمان فمن لا إيمان له لا توحيد له والإيمان موجب 
يوجب الشريعة فمن لا شريعة له لا إيمان له ولا توحيد له» والشريعة موجب يوجب الأدب 
فمن لا أدب له فلا شريعة له ولا إيمان له ولا توحيد لهء وترك الأدب موجب يوجب 
الطرد» فمن أساء الأدب على البساط رد إلى الباب» ومن أساء الأدب على الباب رد إلى 
سياسة الدواب» وأنفع الآداب التفقه فى الدين والزعد فى الدنيا والمعرفة بما لله عليك وإذا 
ترك العارف أدبه مع معروفة فقد هلك مع الهالكين. 


وقيل: ثلاث خصال ليس معهن غربة: مجانبة أهل الريب» وحسن الأدب» وكف 


ج مجموعة رسائل الإمام الفزالی ww‏ یسیک ۱۰۷ = 


الأذى» وأهل الدين أكثر آدابهم فى تهذيب التفوس» وتأديب الجوارح» وحفظ الحدودء 
وترك الشهوات» وأهل الخصوصية أكثر آدابهم فى طهارة القلوب» ومراعاة الأسرار» والوفاء 
بالعهود» وحقظ الوقت. وقلة الالتفات إلى الخواطر» وحسن الأدب فى مواقف الطلب. 
وإدمان الحضور» ومن قهر نفسه بالأدب فهو الذى يعبد الله بالإخلاص. وقيل: هو معرفة 
اليقين. وقيل يقول"الحق سيحانه: «من ألزمته القيام مع أسمائى وصفاتى ألزمته الأدب. 
ومن أراد الكشف عن حقيقة ذاتى ألزمته العطب. فاختر أيهما شئت شئت: الأدب أو العطب؟ 
ومن لم يتأدب للوقت فوقته مقت. وإذا خرج المريد عن استعمال الأدب فإنه يرجع من 
حيث جاء) . 

وحكى عن أبى عبيد القاسم بن سلام قال:دخلت مكة فربما كنت أقعد بحذاء الكعبة 
وربما كنت أستلقى وأمد رجلى فجاءتنى عائشة المكية فقالت لى: يا أبا عبيد: يقال إنك من 
أهل العلم اقبل منى كلمة لا تجاله إلا بالأدب وإلا فيمحى اسمك من ديوان أهل القرب» 
قال أبو عبيد: وكانت من العارفات وقال بعضهم: الزم الأدب ظاهرًا وباطنًا فما أساء أحد 
الأدب فى ظاهر إلا عوقب ظاهرا» وما أساء أحد الأدب باطنًا إلا عوقب باطتًا فالأدب 
استخراج ما فى القوة والخلق إلى الفعل وهذا يكون لمن ركبت السجية الصالحة فيه 
والسجية فعل الحق لا قدرة للبشر على تكوينها كتكون النار فى الزناد إذ هو فعل الله 
الحض واستخراجه يكسب الآدمى فهكذا الآداب منبعها بالسجايا الصالحية والمنح الإلهية» 
ولما هيأ الله تعالى بواطن الصوفية بتكميل السجايا الكاملة فيها تواصلوا بحسن الممارسة 
والرياضة إلى استخراج ما فى النفوس مركوزة بخلق الله إلى الفعل فصاروا مؤدبين مهذبين. 


فصل فى آداب أهل الحضرة الإلهية لأهل القرب 

الله م ل في المي 0 "9 لر وان 0 

۷ وهذه غامضة من غوامض الآداب اختص بها رسول الله كه أخبر الله عن اعتدال قلبه 
المقدس فى الإعراض والإقبال أعرض عما سوى اللّه؛ وتوجه إلى الله» وترك وراء ظهره 
الأرضين والدار العالجة بحظوظها والسموات والدار الآخرة بحظوظها ولا لحقه الأسف على 
الفائت فى إعراضه. قال الله تعالى: إلكيلا تأسوا على ما فاتكم 4 االحديد: ]۲١‏ . فهذا 
ا لخطاب للعموم» وما زاغ البصر إخبار عن حال النبى عَيهُ بوصف خاص من معنى ما 
خاطب به العموم» فكان ما زاغ البصر حاله فى طرف الإعراض» وفى طرف الإقبال تلقى 
ما ورد عليه فى مقام: قاب قوسين بالروح والقلب» ثم فر من الله حياء منه وهيبة وإجلالة 
وطوى نفسه فى مطاوى انكساره واقتقاره» لكيلا تنبسط التفس فتطغىء فإن الطغيان عند 


چے ۱.۸ ım‏ مجموعۂ رسائل الامام الفرالی حت 


الاستغناء وصف النفس . قال الله تعالى: 9 كَلاً إن الإنسان يطغ +( أن رآه استغنیٰ 4 
[العلق: 5. ۷]. والنفس عند المواهب الواردة على الروح والقلب تسترق السمع ومتى ثالت 
قسطا من المنح استغنت وطغخت» والطغيان يظهر مته فرط البسط› والإفراط فى البسط يسد 
باب المزيدء وطغيان النفس لضيق وعاتها عن المواهب فموسى عليه السلام صح له فى 
الحضرة أحد الطرفين. ما زاغ بصرهء وما التفت إلى ما فاته متأسمًا لحسن أدبه» ولكن امتلاً 

من المنح واسترقت النفس السمع وتطلعت إلى القسط والحظ فثما حظيت النفس استغنت 
وطفح عليها ما وصل إليها وضاق نطاقها فتجاوز الحد من فرط البسط وقال: : © أرني انظ 
إليك » 1الأعراف: 147]. فمنع ولم يطق صيرا ركان كي ا اا طهر المغرف يمن 
الحبيب والكليم عليهما الصلاة والسلام. وقال سهل بن عبد الله التسترى : لم يرجع رسول 
الله تله إلى شاهد نقسه ولا إلى مشاهدتها وإنما كات مشاهدا بكليته لربه. يشاهد ما يظهر 
عليه من الصفات التى أوجيت الثبوت فى ذلك المحل وهذا الكلام لمن اعتبره مواقق لما 
شرحناه برمز فى ذلك من كلام سهل بن عبد اللّهء والله أعلم . 


الباب الثالث 
فى بيان معنى السلوك والتصوف 

اعلم : أن االسلوك هو تهذيب الأخلاق . والأعمال والمعارف. وذلك اشتغال بعمارة 
الظاهر والباطن» والعبد فى جميع ذلك مشغول عن وبه إلا أنه مشتغل بتصغية ياطنه 
ليستعد للوصول. والذى يفسد على السالك سلوكه شيثان: اتباع الرخص بالتأويلات» 
والاقتداء بأهل الغلط من متبعى الشهوات. ومن ضيع حكم وقته فهو جاهل» ومن قصر 
فيه فهو غافل؛ ومن أهمله فهو عاجز. لا تصح إراحة المريد حتى يكون الله وزسوله 
وسواس قلبه» ويكون نهاره صائمًا ولسانه صامتًا . لأن كثرة الطعام والكلام والمنام تقصى 
القلب. وظهره راكعًا وجبهته ساجدة وعينه دامعة وغامضة» وقلبه حزيئًا ولسانه ذاكوً. 

وبالجملة: قد شغل كل عضو فيه ومعنى فيه بوظيقة ندبه الله ورسوله إليها وترك ما 
کره الله ورسوله له. وللورع معائقًا ولأهواته تاركًا مطلقًا ورائيًا جميع ما وفقه الله تعالى له 
من فضل الله عليه» ويجتهد أن يكون ذلك كله احتتسابا لا ثوايًا »وعيادة لا عادة» لأنه من 
لاحظ المعمول له اشتغل به عن رؤية الأعمال وتفسه تاركًا للشهوات» قصحة الإرادة ترك 
الاخخبار والسكون إلى مجارى الأقدار كما قيل : 

يد وصاله وريد ضَرى 

قاترك ا ,ريد كيريد 
وافن عن الخلق بحكم الله وعن هواك بأمر اللّهء وعن إرادتك” يقعل الله فحينكل 


تصلح أن تكون وعاء لعلم الله فعلامة فنائك عن الخلق انقطاعك عنهم وعن التردد 
إليهم والإياس عما فى آيديهم› وعلامة فنائك عنك وعن هواك ترك التكسب» والتعلن 
بالسبب فى جلب النفع ودفع الضر فلا تتحرك فيك بك ولا تعتمد عليك لك» ولااتذب 
عنك ولا تضر نفسك» لكن تكل ذلك كله إلى من تولاه أولاً يتولاه آخراء كما كان ذلك 
موكلاً إليه فى حال كونك مغيبًا فى الرحمء وكونك رضيعا فى مهدك» وعلامة فنائك عن 
إرادتك بفعل الله أن لا تريد مرادًا قط لأنك لا تريد مع إرادة الله سواهاء بل يجرى فعله 
نيك فتكون أنت إرادة الله وفعله ساكن الجوارح مطمكئن الجنان» مشروح الصدرء منور 
الوجه» عامر البطن. تقلىك القدرة ويدعوك لسان الأزل» ويعلمك رب الملك» ويكسوك 


فصل فى لزوم العرله 

على السالك أن يلزم العزلة ليستظهر بها على أعدائه . وهى نوعان: فريضة وفضيلة . 
فالفريضة: العزلة عن الشر أهله. والفضيلة العزلة عن الفضول وأهله. وقيل: الخلوة غير 
العزلة» والخلوة من الأغيارء والعزلة من النفس وما تدعو إليه وتشغل عن الله. وقيل: 
السلامة عشرة أجزاء تسعة منها فى الصمت وواحدة فى العزلة. وقيل: الحكمة عشرة أجزاء 
نسعة منها فى الصمت عنما لا يعنى. والعاشرة فى العزلة عن الناس . كثير من ندم على 
الكلام وقل من ندم على السكوت. وقيل: الخلوة أصل والخلطة عارض» فيلزم الأصل ولا 
بخالط إلا بقدر الجاجة» وإذا خالط يلازم الصمت فإنه أصل . 

وإِذّاص فاتك من زنانك واحدك 

١‏ ر الاد اير اد الاي 

وقيل: الخلوة بالقلب فيكون مستغرقًا بكليته مع الحق تعالى معكوقًا قلبه عليه مشغومًا 
به والها إليه متحققًا كأنه بين يديه. قيل: أول مبادئ الالك أن يكثرالذكربقلبه ولسانه بقوة 
حتى يسرى الذكر فى أعضائه وعروقه. وينتقل الذكر إلى قلبه فحينئذ يسكت لسانه ويبقى 
قلبه ذاكرا يقول (الله الله) باطئًا مع عدم رؤيته لذكرهء ثم يسكن قلبه ويبقى ملاحظًا لمطلوبه 
مستغرقًا به معكوًا عليه مشغوقًا إليه مشاهد له ثم يغيب عن نفسه بمشاهدته. ثم يفنى 
عن كليته بكليته حتى كانه فى حضرة أن املك ايوم لله الواحد القهار) 1 غافر: 
5 فحينئذ يتجلى الحق على قلبه فيضطرب عند ذلك ويندهش ويغلب عليه السكر وحالة 
المضون والإجلال والتعطيم + قلا يش اكه ,تكسم الكير مطلوبة الاعظمن” كما قل :فاد اة 
لأهل الحضور إلى غير شهود عوانه. وقيل فى قوله تعالى : «9 وشاهد ومشهود ‏ البروج: ؟1. 


فالشاهد: هو اللهء والمشهود: هو عكس جمال الحضرة الصمدية فهو الشاهد 
والمشهود. 


فصل 

ياحبيبى أظبق جفنيك وانظر ماذا ترى فإن قلت لا أرى شيئًا حينئذ فهو خطأ منك 
إل وو :ار جو ارط ريه لمعك لا عقو لزن ا ا 
وتبصره قدامك مع أنك مطبق جفنيك» فانئقص من وجودك شينئًا أو أبعد من وجودك شيئًا 
وطريق تنقيصه والإبعاد منه قليلاً المجاهدة ومعنى المجاهدة بذل اللجهد فى دفع الأغيار أوقتل 
الأغيار والأغيار الوجود والنفس والشيطان. وبذل الجهد مضبوط بطرق: 

الأول: تقليل الغذاء بالتدريج» فإن مدد الوجود والنفس والشيطان من الغذاء. فإذا قل 
الغذاء قل سلطانه . 

والثانى: ترك الاختيار وإفنائه فى اختيار شيخ مأمون ليختار له ما يصلحهء فإنه مثل 
الطفل الصبى الذى لم يبلغ مبلغ الرجال أو السفيه المبذر. وكل هؤلاء لا بد لهم من وصى 
أو ولى أو قاض أو سلطان يتولى أمرهم. 

والثالث: من الطرق طريقة الجنيد قدس الله روحه وهو ثمان شرائط . دوام الوضوءء 
ودوام الصوم» ودوام السكوت» ودوام الخلوة؛ ودوام الذكر وهو قول (لا إله إلا الله) » 
ودوام ربط القلب بالشيخ واستفادة علم الواقعات منه بفناء تصرفه فى تصرف الشيخ»› ودوام 
نفى النواطر» ودوام ترك الاعتراض على الله تعالى فى كل ما يرد منه عليه ضرا كان أو 
نفعًا وترك السؤال عنه من جنة أو تعوذ من نار. 

والفرق بين الوجود والنفس والشيطان فى مقام المشاهدة: أن الوجود شديد الظلمة 
فى الأولء فإذا صفا قليلاً تشكل قدامك بشكل الغيم الأسود فإذا كان عرش الشيطان 
كان أحمر فإذا صلح وفنى الحظوظ منه وبقى الحقوق صفا وابيض مثل المزن» والنفس إذا 
بدت فلونها لون السماء وهى الزرقة؛ ولها تبعان كنيعان الماء من أصل الينبوع. فإذا 
كانت عرش الشيطان فكأنها عين من ظلمة ونار ويكون نبعها أقل . فإن الشيطان لاخير فيه 
وفيضان النفس على الوجود وتربيته منها فإن صفت وزكت أفاضت عليه الخير وما نبت 
منه. فإن أفاضت عليه الشر فكذلك ينبت منه الشرء والشيطان نار غير صافية ممتزجة 
بظلمات الكفر فى هيئة عظيمة وقد يتشكل قدامك كأنه زنجى طويل ذو هيبة يسعى كأنه 
يطلب الدخول فيك. فإذا طلبت منه الانفكاك فقل فى قلبك يا غياث المستغيثين أغثنا 
فإنه يفر عنك . 


س مبجموعةسائلالإمامالفزالى ‏ ہہ ی ۱۱۱ = 


فصل فى النصوف 

حكم الصوفى أن يكون الفقر زينته والصبر حليته والرضى مطيته والتوكل شأنه . والله 
عز وجل وحده حسبه يستعمل جوارحه فى الطاعات وقطع الشهوات والزهد فى الدنيا 
والتورع عن جميع حظوظ النفس» وأن لايكون له رغبة فى الدنيا البته» فإن كان ولا بد فلا 
تجاوز رغبته كفايته ويكون صافى القلب من الدنس ولهًا بحب ربه فار إلى الله تعالى بسره 
يأوى إليه كل شىء »ويأنس به وهو لا يأوى إلى شىء» أى لا يركن إلى شىء ولا يأنس 
بشئ سوى معبوده آخذ بالأولى والأهم والأحوط فى دينه مؤثرا الله على كل شىء. 

التصوف: طرح النفس فى العبودية وتعلق القلب بالربوبية. وقيل: كتمان الفاقات 
ومدافعة الآفات. 

وقال سهل بن عبد الله : الصوفى من صفا من الكدر وامتلاً من الفكر واستوى عنده 
الذهب والمدر. وقيل: التصوف تصفية القلب عن مرافقة البرية» ومفارقة الأخلاق الطبيعية. 
وإخماد صفات البشرية» ومجانية الدواعى النفسانية» ومتازلة الصفات الروحانية» والتهلق 
بالعلوم الحقيقية واتباع رسول الله عه فى الشريعة. وقيل : الصوفى هو الذى يكون دائم 
التصفية لا يزال يصفى الأوقات عن شوب الأكدار يتصفية القلب عن شوب النفس ومعينه 
على هذه دوام افتقاره إلى مولاه فبدوام الافتقار يتفطن للكدر كلما تحركت النفس وظهرت 
بصفة من صفاتها أدركها ببصيرته النافذة وفر منها إلى ربه» فبدوام تصفيته جمعيته وبحركة 
فيه روو و و على كل وكام بعلي تدان د قال الله تعالى: 
ل كونوا قَوَامِين للّه شهداء بالقسط ) (المائدة: ۸. وهذه لله على النفس هو تحقق بالتصوف. 


فصل فى أصول التصوف 

أكل الحلال والاقتداء برسول الله عله فى أخلاقه وأفعاله وأوامره وسنته. ومن لم 
يحفظ القرآن ويكتب الحديث لا يقتدى به فى هذا الأمر لأن علمنا مضبوط بالكتاب 
والسئة. أخذ هذا المذهب بالورع والتقوى لا بالدعاوى . 

التتصوف: أوله علم وأوسطه عمل وآخره موهبة. فالعلم: يكشف عن المرادء 
والعمل: يعين على الطلب» والموهبة: تبلغ غاية الأمل . 

وأهله على ثلاث طبقات: مريد طالب» ومتوسط سائرء ومنته واصل . فلريد 
صاحب وقته» والمتوسط صاحب حال والمنتهى صاحب يقين» وأفضل الأشياء عندهم عد 
الأنفاس . فمقام المريد المجاهدات والمكابدات وتجرع المرارات ومجانية الحظوظ وما على 


النفس فيه تبعة. ومقام ترسك كتورث كفو التق لي لاق و 
الأدب فى المقامات وهو مطالب بآداب المنازل وهو صاحب تلوين» لأنه يتتقل من حال إلى 
حال وهو الزيادة. ومقام المتهى الصحو والشيات وإجأاة الحق من حيث دعاه قد تجاوز 
المقامات.ء وهو فى محل التمكين لا تغيره الأهوال ولا تؤثر فيه الأحوال. قد استوى فى 
حال الشدة أو الرّخاء والمنع والعطاء والحخفاء والوقاء. أكله كجوعه ونومه كسهره. قد فنيت 
حظوظه وبقيت حقوقه ظاهرة مع الخلق» وباطنه مع الحق كل ذلك من أحوال النبى َل . 
النتهى لو نصب له سنان فى أعلى شاهق فى الأرض وهبت له الرياح الثمانية ما حركت منه 
شعرة واحدة. وقيل: سموا صوفية لأنهم وقفوا فى الصف الأول بين يدى الله عز وجل 
بارتفاع هممهم وإقبالهم على الله تعالى بقلوبهم ووقوفهم بين يديه بسرائرهم. 


فصل فى الملامتية 

حكم الملامتى أن لايظهر خيرا ولا يضمر شرا وشرح هذا: هو أن الملامتى تشريت 
عروقه طعم الإخلاص وتحقق بالصدق فلا يحب أن يطلع أحد على حاله وأعماله. 
والملامتية لهم مزيد اختصاص بالتمسك والإخلاص يرون كتم الأحوال ويتلذذون بكتمها 
حتى لو ظهرت أعمالهم وأحوالهم لأحد استوحشوا من ذلك» كما يستوحش العاصى من 
ظهور معصيته. فالملامتى عظّم موقع الإخلاص وموضعه وتمسك به معتمدا به. والصوفى 
غاب فى إخلاصه. 

قال أبو يعقوب السوسى: متى شهدوا فى إخلاصهم الإخلاص احتاج إخلاصهم إلى 
إخلاص . قال بعضهم : صدق الإخلاص نسيان رؤية الخلق بدوام النظر إلى الحق» والملامتى 
يرى الخلق فيخفى عمله وحاله. قال جعقر الخلدى: سألت أيا القاسم الجنيد قلت: بين 
الإخلاص والمدق فرق؟ قال: نعم الصدق أصل وهو الأول والإخلاص فرع وهو تابع. 
وقال : بينهما فرق لأن الإخلاص لا يكون إلا يعد الدخول فى العمل. ثم قال: إنما هو 
إخلاص ومخالصة الإخلاص وخالصته كائنة فى المخالصة. فعلى هذا الإخلاص حال 
الملامتى» ومخالصة الإخلاص حال الصوفىء والخالصة الكائنة فى المخالصة ثمرة مخالصة 
الإخلاص وهو فناء العيد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه» بل غيبته عن رؤية قيامه وهو 
الاستغراق فى العين عن الآثار والتخلص عن لوث الاستتار وهو فقد حال الصوفى. 
والملامتى مقيم فى أوطان إخلاصه غير متطلع إلى حقيقة إخلاصه. 

وهذا فرق واضح بين الملامتى والصوفى. فالملامتى وإن كان متمسكمًا بعروة الإخلاص 
مستفرشًا بساط الصدق. ولكن عليه بقية رؤية الخلق وما أحسنها من بقية تحقق الإخلاص 


والصدق. والصوفى صفاء من هذه البقية فى طرفى العمل والترك للخلق وعزلهم بالكلية 
وراءهم بعين الفناء والزوال» ولاح له ناصية التوحيد وعاين سر « كل شيء هالك إل 
وجهد» (القصص: ۸ کما قال بعضهم فى بعض غلباته: لضن کے لای غر ا وقد 
يكون إخفاء الملامتى الحال على وجهين: أحد الوجهين لتحقيق الإخلاص والصدقء 
والوجه الآخرة وهو الأتم لستر الحال عسن غيره بنوع غيرهء فإثه من خلا بمحبوبه يكره 
اطلاع الغير عليه» بل يبلغ فى صدق المحبة أن يكره اطلاع أحد على حبه لمحبوبه» وهذا 
وإن علا ففى طريق الصوفى علة ونقص. فعلى. هذا يتقدم الملامتى على المنصوف ويتأخر 
عن الصوفى. وقيل: من أصول أهل الملامة أن الذكر على أربعة أقام: ذكر باللسان» 
وذكر بالقلب» وذكر بالسرء وذكر بالروح. فإذا صح ذكر الروح سكت السر والقلب 
واللسان عن الذكر وذلك ذكر المشاهدة» وإذا صح ذكر السر سكت القلب واللسان عن الذكر 
وذلك ذكر الهيية» وإذا صح ذكر القلب فتر اللسان عن الذكر وذلك ذكر الآلاء والنعماءء 
وإذا غفل القلب عن الذكر أقبل اللسان على الذكر . وذلك ذكر العادة. 

ولكل واحد من هذه الأذكار عندهم آفة» فآفة ذكر الروح اطلاع السر عليه وآفة ذكر 
السر اطلاع القلب عليه»ء وآفة ذكر القلب اطلاع النفس عليه» وآفة ذكر النفس رؤية ذلك 
وتعظيمه وطلب ثواب أو ظن أنه يصل إلى شئ من القامات به. 

وأقل الناس قيمة عندهم من يريد إظهاره وإقبال الخلق عليه بذلك. وسر هذا الأصل 
الذى بنوا عليه أن ذكر الروح ذكر اللذات» وذكر السر ذكر الصفات بزعمهم. وذكر القلب 
من الآلاء والنعماء ذكر أثر الصفات» وذكر النفس متعرض للعلات. فمعنى قولهم: اطلا 
السر على الروح يشيرون إلى التحقيق بالفناء عند ذكر الذات» وذكر الهيبة فى ذلك الوقت 
ذكر الصفات وهو وجود الهيبة» ووجود الهيبة يستدعى وجوذا أو بقية» وذلك يناقض حال 
الفناء. وهكذا ذكر السر وجود هيبة وهو ذكر الصفات مشعر بنصيب القرب» وذكر القرب 
الذى هو ذكر الآلاء والنعماء مشعر ببعد ما لا به اشتغال بذكر النعمة وذهول عن المنعم» 
والاشتغال برؤية العطاء عن رؤية المعطى ضرب من بعد المنزلة واطلاع النفس نظرًا إلى 
الأغراض اعتداد بوجود العمل» وذلك عين الاعتلال حقيقة» وهذه أقسام هذه الطائفة 
وبعضها أعلى من بعض. واللّه أعلم . 


الباب الرابع 
فی بيان معنى الوصول والوصال 
اعلم: أن الوصول هو أن ينكشف للعبد -حلية الحق ويصير مستغرقًا به» فإن نظر 


عد ۱٤‏ عست مجموعة رسائل الإمام الفزالى د 


إلى معرفته فلايعرف إلا الله وإن نظر إلى همته فلا همة له سواه. فيكون كله مشغولاً بكله 
مشاهدة وهمًا ولا يلتفت فى ذلك إلى تنه ليعمر ظاهره بالعبادة أو باطنئه بتهذيب الأخلاق 
وكل ذلك طهارة وهى البداية» وأما النهاية أن ينسلخ من نفسه بالكلية ويتجرد له فيكون 
كأنه هو وذلك هو الوصولء فافهم جدا. ومعتى الوصال هو الرؤية والمشاهدة بسر القلب 
فى الدنيا وبعين الرأس قى الآخرةء فليس معنى الوصال اتصال الذات بالذات تعالى الله عن 
ذلك علوا کیرا. قال بعضهم : 

رد و 

وإن تاعلدعن م ثواى م ثوا 

اعلم: أن مبانى طريق الصوفية على أربعة أشياء وهى: اجتهادء وسلوك. 
وسير »:وطير . 

فالاجتهاد: التحقق بحقائق الإسلام. والسلوك: التحقق بحقائى الإيمان. والسير: 
التحقق بحقائق الإحسان. والطير: الجذبة بطريق الحود والإحسان إلى معرفة الملك المنان» 
منزلة الاجتهاد .من السلوك منزلة الاستنجاء من الوضوءء فمن لا استنجاء له لا وضوء له. 
فهكذا من لا اجتهاد له لا سلوك له. ومتزل السلوك من السير منزلة الوضوء من الصلاة» 
فحن لذ وشو له لاا ف كدان لا لرك له ل سحي لد ريغت الط وهو الؤضتول 
والله تعالى أعلم.. فهذه ظريق السالكين ومنازل السائرين» وبعد ذلك طريق الوصول ومنازل 
الواصلين وهو الظير . والله أعلم. 


فصل فى الانصال 

قال الثورى: الاتصال مكاشفات القلوب ومشاهدات الأسرار فى مقام الذهول . 

اعلم: أن الاتصال والمواصلة فيما أشار إليه الشيوخ وكل من وصل إلى صفو اليقين 
بطريق الذوق والوجد فهو رتبة من الوصول. ثم يتقاوتون فمتهم من يجد الله بطريق 
الأفعال وهو رتبة فى التجلى فيفنى فعله وفعل غيره لوقوفه مع الله تعالى ويخرج فى هذه 
الحالة من التدبير والاتختيار. وهذه رتبة فى الوصول. ومنهم مسن يوقف فى مقام الهيبة 
والآنس بما يكاشف قلبه من مطالعة الجلال والجمال» وهذا تحلى بطريق الصفات وهو رتبة 
فى الوصول. ومنهم .من يرقى إلى مقام الفناء مستمليًا على باطنه أنوار اليقين والمشاهدة 
مغيبًا فى شهوده عن وجوده؛ وهذا ضرب من تهلى الذات لخواص المقربين» وهذه رتبة فى 
الوصول وفوق هذا حق اليقين ويكون من ذلك فى الدنيا للخواص لمح وهو سريان نور 
المشاهدة فى كلية :العبد حتى يحظى به روحه وقلبه ونفسه حتى قالبه. وهذا من أعلى رتب 


الوصول › وإذا تحققت الحقائق يعلم العيد مع هذه الأحوال الشريقة أنه يعد فى أول 
9 ا a‏ ا متازل 00 أبد aE‏ 


3 الباب الخامس 
فى بيان معنى التوحيد والمعرفة ويضا ف إليهما البصيرة 
والمكاشفة والمشاهدة وا معاينة والحياة واليمين والإلهام 
والفراسة لأنها من مواريثهما 

أما التوحيد: فهو إفراد القدم عن الحسدوث والإعراض عن الحادث والإقبال على 
القديم حتى لا يشهد نفسه فضلاً عن غيره. لأنه لو شاهد نفسه فى حال توحيد الحق تعالى 
أوغيره لكان مثتيًا لا موحدًا ذاته القديمة بوصف الوحدانية موصوفة وبنعت الفرداتية منعوتة» 
وصفات المحدثات من المشاكلة والممائلة والاتصال والانفصال والمقارنة والحجاورة والمخالطة 
والحلول والخروج والدخول والتغيير والزوال والتبدل والانتقالك من قدس ذاته ونزاهة صفاته 
مسلوية» ولا ينسب نقصان إلى كمال جماله وكمال جمال أحديته مبرأ عن وصمة ملاحظة 
الأفكار» وجلال صمديته معرى عن مزاحمة ملابسة الأذكارء ضاقت. عبارات المبارزين فى 
ميدان الفصاحة عن وصف كبريائه» وعجز بيان السابقين فى عرصة المعرفة عن تعريف ذاته 
تعالى» وتعالى إدراكه عن مناولة الحواس ومحاولة القياس» ولس لأص حاب البضائر فى 
أشعة أنوار عظمته سبيل التعامى والتخاشى . إن قلت : أين؟ فالمكان خلقه. وإن. قلت: متى؟ 
فالزمان إيجاده» وإن قلت: كيف؟ فالمشابهة والكيف مقعوله: وإن قلت: كم؟ فالمقدار 
والكمية مجعوله» الأزل والأبد مندرج. تحت إحاطته» والكون والمكان منطو فى بساطه كل 
مايسع فى العقل والفهم والحواس والقياس ذات الله تعالى مقدسة عنه. إِذ كل ذلك 
محدث والمحدث لا يدرك إلا المحدث دليل وجوده» وبرهان شهوده الإدراك فى هذا المقام 
عجز. والعجز عن درك الإدراك. إدراك. لا يصل بكته الواحد إلا الام ركسل هما اتهن 
إدراك الموحد إليه فهو غاية. إدراكه لا غاية الواحد تعالى عن ذلك علو کب كبير. وكق من ادعى 
أن معرفة الواحد متحصرة فى معرفته فهو بالحقيقة ممكور ومغرور. لك تعالى: «( وغر ك 
بالّه الغرور & [الحديد: 4 إشارة إلى هذا الغرور. 


فصل فى التوحيد 
والتوحيد فى البذاية نفى التفرقة والوقوف على الجمع . وأما فى النهاية فيمكن أن 
يكون الموحد حال التفرقة مستغرقًا فى عين الجمع وفى عين المحمع بعين. الجمع ناظرا إلى 


اج mmm ۱٦‏ مجموعة رسائل الإمامالفزالى کد 


لتفرقة بحيث كل واحد من الجمع والتفرقة لا يمنع من الآخر. وهذا هو كمال التوحيد 
وذلك أن يصير حال التوحيد وصفًا لازمًا لذات الموحد» وتتلاشى وتض محل ظلمة رسوم 
وجوده فى غلبة إشراق أنوار توحيده» ونور علم توحیده یستتر وبندرج فی نور حاله على 
مثال اندراج الكواكب فى نور الشمس» فلما استبان الصبح أدرج ضوءه بإسفاره أضواء نور 
الكواكب. وفى هذا المقام يستغرق وجود الموحد فى مشاهدة جمال الواحد فى عين الجمع 
بحيث لا يشاهد غير ذات الواحد تعالى وغير صفاته عر وجل واستلبه أمواج بحر التوحيد 
وغرق فى عين الجمع من هنا. 

قال الجنيد: -قدس الله روحه- معنى ذلك تضمحل فيه الرسوم وتندرج فيه العلرم 
ويكون الله تعالى كما لم يزل. وقيل: من وقع فى بحار التوحيد لا يزداد على ممر الزمان 
إلا عطشا. 


فصل فى بيان أنواع التوحيد 

اعلم: أن إثبات التوحيد خمسة أشياء فى أصول التوحييد لا بد لكل مكلف من 
اعتقادهن . 

إحدها: وجود البارىء تعالى ليبرأ به من التعطيل . 

ثانتها: وسحدائهة'تعالى ليرا به من الشرك: 

وثالثها: تنزيهه تعالى عن كونه جوهر أو عرضًا. وعن لوازم كل منهما ليبرأ به من 
التشينة: 

ورابعها: إبداعه تعالى بقدرته واختياره لكل ما سواه ليبرأ به عن القول بالعلة 
والمعلول. 

وخامسها: تدبيره تعالى لجميع مبتدعاته ليبرأ به عن تدبير الطبائع والكواكب 
والملائكة. وقوله (لا إله إلا الله) يدل على الخمسة. 


اتفق المسلمون على أن الله تعالى موصوف بكل كمال. برئ من كل نقصان» لكنهم 
اختلفوا فى بعض الأوصاف فاعتقد بعضهم أنها كمال فأثبتها له راعتقد آخرون أنها نقصان 


ی بمجموعة سائلالإمامالفزالى حبس سس سس سبيت ۱۱۷ جد 


أحدها: قول المعتزلة إن الإننان خالق لآفعالهء لأن الله لو خلقها ثم نسيها إليه 
ولآنه لو قعلها مع أنه لم يفعلها وعذبه عليها مع أنه لم يوج دهاء لكان ظانًا له والظلم 
نقصان. وكيفه يصح أن يقعل شيئًا ثم يلوم غيره عليه ويقول له : كيف فعلته ولم فعلته؟ 
وأهل السنة يقيولون: وجدنا كمال الإله فى التفرد ونفى القدرة عنيب ونقصان» وليس 
تعذيب الرب على ما خلقه بظلم بدليل, تعذيب البهائم والمجانين. والأطقال. لأنه يتصرف 
فى ملكه كيف يشاء للا يسال عمًا يفعل 4 [الأنياء : 177 والقول بالتحسين اسن باطل 
فرأوا أن يكون هو الخالق لأقعال العباد ورأوا تعذييهم على ما لا يحلقون جائرًا من أفعاله 

الخال الثانى: اجتلاف اللجسمة مع المنرزهة. قالت المجسمة: لو لم يكن جما لكان 
معدومًا ولا عيبه أقبح من العدم. 00 عن الجهات. قول بعلمه لأن مي للا جهة له لا 
يتصور وجوده. وقالت المنزهة: لو كان جِسحًا لكان حادثًا ولناته كمال الأزلية والنفى عن 
الحهات كلها إغا يوجب ععدم من كان محدوذا منحصرا ذ فى الجهبات. فأما ما كان موجودًا 
قديًا لم يزل ولا جهة فلا ينصرف إليه. النفى . 

المثال الثالث: إيجاد المعتزلى على الله. أن يقبت الطائعين كيلا يظلمهم والظلم نقصان» 
وقوك الأشعرى: ليس ذلك يظلم إذ لاا يجب عليه حق لغيره. إذ لو وجب. عليه حق غيره 
لكان. فى قيدد والتقبيد. بالأغيار تقصان . 

الخال الرابع: قول المعتزلة إن الله تعالى. يريد الطاعات وإن لم تقع» لأن إزادتها كمال 
ويكره المعاصى وإ وقعت. لآن. إرادتها تقصان . وقول الأشعرى : لو أراد ما لآ يقح لكان 
ذلك نقصا فى إرادته لكلالها عن النفوذ فيصا تعلقتت به ولو كزه:المعاصى مع وقوعها لكان 
ذلك كلالة فى. كراهته.. وكذلك نقصان. 

المنال الخامس:. إيجاب. المعتزلى على الله تعالى رعناية: الأصلح لعباده لا قى تركه من 
النقصان. وقول الأشعرى: لا يلزمه ذلك . لأن. الإلزام نقصان وكمال الإله أن لا يكون فى 
قيد المتألهين. وبالثه التوفيق ‏ 


اعلم: أن سن نسب المشيئة. والكسبه إلى نفسه فهو قدرى» ومن نقاهما عن نفسه 
فهو جبرئى.. ومن نسب المشيئة إلى الله تعالى والكسب إلى العبد فهو سنى صوفى رشيد» 
فقدرة العبد وحركته خلق للرب تعالى وهما وصف للعبد وكسب لةء والقدر اسم.لما صدر 
مقدرا عن فعل القلدر والقضاء هو الخلق» والفسرق بين القضاء والقفدر هو أن. القدر أعم 


والقضاء أخص . فتدبير الأوليات قدر وسوق تلك الأقدار بمقاديرها وهيئاتها إلى مقتضياتها 
هو القضاءء فالقدر إِذَا تقدير الأمر بدءًا والقضاء فصله وقطع ذلك الأمر كما يقال قضى 
القاضى . 
0 فصل فى الأهواء 

اعلم: أن أهل الأهواء المختلفة ست فرق» وكل اثنين منها ضدان وهى: التشبيه 
والتعطيل» والحبر والقدر» والرفض والنصب» وكل واحدة منها تفترق إلى اثنتى عشرة 
فرقة» فالتشبيه والتعطيل ضدان.ء والجبر والقدر ضدان» والرفض والنصب ضدانء. وكل من 
هؤلاء منحرفون عن الصراط المستقيم» والفرقة الناجية الوسط وهم أهل السنة والجماعة. 
فأما الفرقة المشبهة فإنهم بالغوا وغلوا فى إثبات الصفات حتى شبهوا وجوزوا الانتقال 
والحلول والاستقرار والجلوس وما أشبه ذلك؛» وأما الفرقة المعطلة: فإنهم بالغوا وغلوا 
وبالغوا فى نفى التشبيه حتى وقعوا فى التعطيل» وأما أهل السنة والجماعة: فإنهم سلكوا 
الطريق الوسط وأثيبتوا صفات الله كما وردت من غير تشبيه ولا تعطيل» فعلمت بذلك 
سبيل الشيطان ما عليه المشبهة والمعطلة. وأما الجبرية والقدرية: فكل منهم بعيد عن الصراط 
المستقيم» فمن نفى المشيئة والكسب عن نفسه فهو جبرى» ومن نسبها إلى نفسه فهو قدرى» 
ومن نسب المشيئة إلى الله تعالى والكسب إلى العبد فهو سنىء وأما الرافضة والناصبة : 
نكل منهما بعيد عن الصراط . فالرافضى : ادعى محبة أهل البيت وبالغ فى سب الصحابة 
ربغضهم. والناصبى : بالغ فى التعصب من جهة الصحابة حتى وقع فى عداوة أهل البيت 
ونسب عليا رضى الله عنه إلى الظلم والكفرء وأما أهل السنة: فإنهم سلكوا الطريق 
لوسط فأحبوا أهل البيت وأحبوا الصحابة وحفظ الله تعالى ألسنتهم من الوقيعة فى أحد 
منهم إلا بالحمد والثناء عليهم فلله الحمد والمنة والشكر. 


فصل فى القضاء 
القضاء يطل تارة يراد الأمر المبرم نحو قوله تعالى :ظفَإذًا قضئ أمرا فَإنَما يقول له 
کن فیکون ‏ [غافر: A‏ .وتارة يراد به الإعلام بوجوب الحكم الواجب لله كقوله تعالى: 
لإ وقضى ربك الأ تعدوا إلا إياه 4 [الإسراء: 7].إذ لو كان هذا من القضاء «المرة لما عبد 
غيره تعالى إذ يستحيل تخلف الأثر عن مؤثره. وكذا قوله تعالى: وما خلقت الجن 
والإنس إا ليعبدون 4 [الذاريات : [o1‏ . والمراد به الإعلام إذ لو كان قضاء وحكمًا ميرم 
لعبده الكل فنشاً الخلاف لعدم الفرقان. 


س بمبجموعة سال الإمامالفزالى سب للستت ۱۱۹ 


1 


فصل 

اعلم: أن الله تعالى قضى فيما قضاه أزلاً أن الأمور يكون منوطًا بالعبد موقوفًا عليه 
فى أفعاله وأقواله ما قضاه فقد أمضاه فلا يجوز تغيره ولا يقال: إن الله تعالى يغير ما قضاه 
لأنه تعالى لا يعارض نفسه فيما قضاهء إذ لم يكن عبنًا ولا تبعا للشهوات تعالى عن ذلك» 
وإما قضى بمقتضى الحكمة وما صدر عن الحكمة فلا مغير له؛ فما قضاه منوطا بفعل العبد» 
فكالحرث والنسل» وما قضاه موقوقًا على فعل العبد فكالدعاء والاستغفار. 

واعلم: أن الله تعالى أثبت فعل العبد فى مواضع نحو قوله تعالى : : #جزاء بما 
انر کک ٤.وقوله‏ تعالی : ف فافتلا الت کن حت وجدتموهم » 
[التوبة: 10 . ومحاه فى مواضع ا و فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم وما 
ريت إذ اک ولكن الله رمى # [الأنفال: .]١‏ والحكمة فيه أنه تعالى خالق الأفعال 
ومقدرها والعبد كاسبها ومسببهاء فالعبد يعمل العبادة والله تعالى يجازى عليها ولولا نسبة 
هذه الأفعال خلقًا وكسبًا لما سمى عابدا ومعبوداء فثبت أن العبد عابد كاسب وأن الله تعالى 
معبود خالق» واعلم أن الأفعال قمان: 

أحدهما: قوله ما يقع من العبد وهو الكسب المنسوب إليه ولهذا! أنزلت الكتب 
وأرسلت الرسل وثبتت الحاجة إلى العقول لتقوم بها الحجة وتتضح بها المحجة. 

الثانى: ما يقع على العبد جزاء وهو ما بيد الله تعالى ويد العدركلاهها /آ يكوه إلا 
بما كسبت يد العبد تعالی : فإومًا أصابكم من مصيبة فبِما كسبت أيديكم ويعفو عن 
كثير 4 [الشورى: .]7١‏ وما ناسب هذه الآية» فمن فهم هذه الجملة أمكنه أن يفقه المراد من 
كلام الله ا إلى العباد؛ ومثال ذلك: قطع الجلاد يد السارق. يصح أن 
يقول: القاطع هو الجلاد لأنه كاسب» ويصح أن يقال: إن الله تعالى هو القاطع بيد الجلاد 
لأنه تعالى هو المجازى للمقطوع لا بدا منه» ويصح أن يقال: إن السارق هو القاطع ليده 
لأنه هو المبتدئ لما جناه فلا يقع عليه إلا ما كسبت يداه» فيكون الفعل الواجد من الرب 
تعالى جزاءً من المقطوع ابتداء ومن القاطع كسبًا ولا يناقض أحد أحذدًا وأدلته واضحة فى 
الكتاب» ومن فهم هذه الجملة حق فهمها لم يخف إلا من نفسه ولم يرج إلا رحمة الله 
سبحانه وتعالى. قال: أين عبد اللهكلنا فى ذات الله تعالى أحمق» يعنى إن نظرنا إلى قضائه 
نتوهم أن العبد معذور فيما يفعل» وإن نظرنا إلى الأمر والنهى وإلى اختيار العبد ربما يظن 
أن العبد مستبد بما يفعل, بل الحق فيه أن يعتقد أن العبد غير مستغن عن الله تعالى فى سائر 


57 


أفعاله وآقوالهء وأحوالهء نل هو عتقلب فى مشيته وأنه غير مجبور ولالامسخر 0 
والجمادات» بل هو موق فى ضمن أسباب السعادة ومخذول أو مطرود فى ضمن أسباب 
الشقاوة. 

لو قيل: إن كان للقدرة 'الحاحثة أثر قى المقندور فهو شرك تحفىء وإن لم يكن لها أثر 
فهو جبر . يقال: إغا يكون شركا إذا كان لها فى التخليق أثرء وإنما أثرها فى 'للكسب والله 
تعالى ليس بككاسب حتى يكونن شركًا ولو للم بيكن للها أثر فى المقدور لزم أن يكون وجودها 
كعدمها 'فهو إِذَا تقدير بلا قدرة وهو :سحال. 

واعلم أن من ظن أن .الله تعالى أنزل الكتب وأرسل الرسل وأمر ونهى ووعظ 
وتواعد :لغير قادر »معختارء فهو مختل الزاج يحتاج :إلى علاج ولسبب اختلاف الناس فى 
الاستدلال بالقرآن قبل فهمه وقعوا فى الجبر :والقدرء لأنهم لم يففرقوا بين قندرة الدلق 
القديمة وبين قدرة المخلوق اللاذثة والفرق بينهما .أن 'القدرة القدة مستقلة بالخلق ولا :مدخحل 
لها فى الكسب. وأن القدرة الحادثة مستقلة بالكسب .ولا مدخل لھا فی الخلق والظلمٍ إغا 
ينسب إلى الحادثة».وأما القدية .فميرأة .عنه لقوله :تعالى: ظ إن الله لا يظلم الناس.شيا ولكن 
الئاس أنفسهم يظلمون ) [يونس 4 . 


فصل القزى بين العلم والمعرفة 

وأما المعرفة: فهى .نفس القرب. وهو ما أخحذ القلب وأثر فيه أثرًا يؤثر :فى الجبوارح . 
فالعلم : : 'كرؤية النار فثلا. وللعرنفة:: :كالاصطلاء .بهاء والمعرفة فى اللغة: هو العلم الى لا 
يقيل الشك وفى العرف اسم لعلم :تقدمه نكرة» وفى عبارة الصوفية المعرفة هو العلم ٠الذى‏ 
لا يقبل الشلك إا كان المعلدم ذات الله تعالى وصفاته. ٠فإن‏ قيل: ما معرفة:الذات وما معرفة 
الصفات؟ يقال: معرفنة. الذلت. أن بيعلم أن الله تعالى موجود واحد فرد :وذات وشىء عظيم 
قائم بنفسه ولا يشبهه.شئء وأما«معرفة الصفات: فأن تعرف أن 'الله تعالى حى عالم قادر 
سميع بصير إلى غير ذلك من الصفات. فإن قيل: ما سر المعرفة؟ يقال: سبرها وروجها 
التوحيد» وذلك بأن .تنزه حجياته وخلمه وقدرته وإرادته وسمعه وبصره وكلامه عن التشبيه 
بصفات الخلق.: ليس كمثله شئ ‏ 

فإن قيل: ما علامة المعرفة؟ يقال : جياة القلب مع الله تعالى .» أوحتى الله تعالى إلى 
داود عليه السلام أتدرى-ما. معرفتى :؟ قال: 'لا. قال: حياة القلب فى مشاهديى. 


جح مجموعة رسائلالإمامالقزالی سسحتت 11١١‏ عد 


فإن قيل: ففى أى معام 2 تصح المعرفة الحقيقية؟ يقال: فى عام لاقي والشاهده بز 
القلب» وإغا يرى ليعرف» لأن المعرفة الحقيقية فى باطن الإرادة فيرفع الله تعالی بعض 
الحجب فيريهم نور ذاته تعالى وصفاته عز وجل من وراء الحجاب ليعرفوه تعالى» ولا يرفع 
لجيه بالكلة كياد يسري الرانن . قال بعضهم بلسان الجال: 
ولو أن قهرت بلا جاب 
تمت الخلائق أجْمّعينا 
ي 
اعلم: أن تجلى العظمة پو جب A‏ ا وتجلى ال اة یو جب 
العشى› وتجلى الصفات يوجب المحبة» وتجلى الذات يوجب التوحيد قال بعض العارفين: 
N,‏ إلا أعمى الله قلبه وبطل عليه عمله إن الله تعالى خلق الدنيا 
مظلمة. وجعل الشمس فيها ضياء» وجعل القلوب مظلمة مظلمةء وجعل المعرفة فيها ضياءء فإذا 
جاءه السحاب ذهب نور الشمس› فكذلك يجئ حب الدنيا فيذهب بنور المعرفة من القلب. 
وقيل: حقيقة المعرفة نور يطرح فى قلب المؤمن وليس فى الخزانة شئ أعز من المعرفة . وقال 
بعضهم: إن شمس قلب العارف أضوأ وأشرق من شمس النهارء لأن شمس النهار قد 
تارديه 
الا ا 
اشعبياقاإلىلقاء ابيب 
قال ذو النون: حقيقة المعرفة اطلاع الحق على ا عواصلة لطائف الأنوارء 
وأنشدوا فيه: 
اللمحتارين قالوب بسر يون يتا 
E‏ 
وسئل بعضهم: متى يعرف العبد أنه على تحقيق المعرفة؟ فقال : إذا لم يجد لى قلبه 
مكانًا لغير ربه. وقال بعضهم: حقيقة المعرفة مشاهدة الحق بلا واسطة ولا كيف ولا شبهةء 


م ١١ا u‏ مجموعة رسائل الإمامالفزالی حت 


كنا سكل انير الؤسن على ن ای طا ا هقل با اون اد ی دی اون 
لاترى؟ فقال : لا بل أعبد من أرى لا رؤية العيان» ولكن رؤية القلب. وقيل لجعفر 
الصادق زضى الله عنه: هل رأيت الله عزوجل؟ قال: لم أكن لأعبد ربا لم زه قيل : 
وكيف رأيته وهو الذى لا تدركه الأبصار؟ قال: لم تره الأبصار بمشاهدة العيانء ولكن تراه 
القلوب بحقائق الإيكان. لا يدرك بالحواس ولا يقاس بالناس. 

وسئل بعض العارفين عن حقيقة المعرفة. فقال: تخلية السر عن كل إرادة وترك م 
عليه العادة وسكون القلب إلى الله تعالى بلا علاقة وترك الالتفات منه إلى ما سواه» ولا 
يمكن معرفة كنه ذاته ولا معرفة كنه صفاته عر وجل» ولا يعرف من هو إلا هو تبارك 
وتعالى والمجد للّه وحده. 


فصل وأما البصيرة والمكاشغة والمشاهدة والمعانية 

فهى أسماء مترادفة على معنى واحد» وإنما تحصل التفرقة فى كمال الوضوح لا فى 
أصلهء فمنزلة البصيرة من العقل منزلة نور العين من العين» والمعرفة من البصيرة منزلة 
قرص الشمس لنور العين فتدركٍ بذلك الجليات والخفيات. وأما الحياة: فهى نفس التوحيد. 
قال الله تعالى :أو من كان 57 فأَحيينَاه 4 [الأنعام: .]٠١١‏ وأما اليقين: فاعلم أن الاعتقاد 
والعلم إذا استوليا على القلب ولم يكن لهما معارض أثمرا فى القلب المعرفة» فسميت هذه 
العرفة يقيئَاء لأن حقيقة اليقين صفاء العلم المكتسب حتى يصير كالعلم الضرورى ويصير 
القلب مشاهدًا لجميع ما أخبر عنه الشرع من أمر الدنيا والآخرة. يقال: أيقن الماء إذا صفا 
من كدورته. 

وأما الإلهام: فهو حصول هذه المعنرفة بغير سبب ولا اكتسابء بل بإلهام من الله 
تعالى بعد طهارة القلب عن استحسان ما فى الكونين. 

وأما الفسراسة: فهى التوسم بعلامة من الله تعالى بينه وبين العبد يستدل بها على 
أحكام باطنة» وذلك لا يكون إلا فى درجة التقريب وهو دون الإلهمء لأن الإلهام لا يفتقر 
إلى علامة والفراسة تفتقر إلى علامة وهو عام وخاص» والله سبحانه وتعالى أعلم . 


البا بالسادس 
فى بيان معني النفس والروح والقلب والعقل 
اعلم أن هذه الأسامى الأربعة مشتركة بين مسميات مختلفة ونحن شرح من معانيها 
ما يتعلق بغرضنا. 


حي مجموعۂ رسائل الامامالفزالی سس سسحت ۲۳ا = 

الأول: لفظ القلب وهو يطلق لمعنيين: 

أحدهما: اللحم الصنوبرى الشكل المودع فى الجانب الأيسر من الصدر وفى باطنه 
تجويف فيه دم أسود وهو منبع الروح الحيوانى ومعدله. 

والمعنى الثانى: هى لطيفة ربانية روحانية لها بهذا القلب الجسمانى تعلق يضاهى تعلق 
الأعراض بالاجسام والأوصاف بالموصوفات» وتلك اللطيفة هى حقيقة الإنسان المدرك العالم 
المخاطب المطالب المئاب المعاقب . 

اللفظ الثانى: الروح وهو أيضًا يتعلق بغرضنا لمعنيين: 

أحدهما: جسم لطيف بخارى حامله دم أسود منبعه تجويف القلب الجسماتى » 
وينشر بواسطة العروق الضوارب إلى سائر أجزاء البدن وجريانها فى البدن وفيضان أنوار 
الحياة» والحس والبصر والسمع والشم منها على أعضائها يضاهى فيضان النور من السراج 
فى زوايا البيت. فالحياة: مثالها النور الحاصل فى الخيطان والروح مثاله السراج» وسريان 
الروح وحركته فى الباطن مثال حركة السراج فى جوانب البيت بتحرك محركه فالآطباء إذا 
أطلقوا لفظ الروح أرادوا به هذا المعنى وهو بخار لطيف أنضجته حرارة القلب. 

والمعنى الثانى: هو اللطيفة العالمة المدركة من الإنسان الذى هو أحد معينى القلب 
وهر الى أراذه الله الى بقوله : ل ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربّي 4 ال 
.٥‏ وهو آمر عجيب ربانى يعجز أكثر العقول والأفهام عن درك فهم حقيقته. 

اللفظ الثالث: النفس وهو أيغمًا مشترك بين معنيين: 

أحدهما: أنه يراد به المعنيي الجامع لقوتى الغضب والشهوة فى الإنسان وهذا 
الاستعمال هو الغالب على الصوفية فهم يريدون بالنفس الأصل الحامع للصفات المذمومة 
من الإنسان فيقولون: لا بد من مجاهدة النفس وكسر شهوتهاء وإليه الإشارة بقوله عله : 
«أعدى عدو نفك الى ہیں جنيك 

رال افا اه ال وها وي اا و را 
توصف بأوصاف مختلفة بحسب أختلاف أحوالهاء فإذا سكنت تحت الأمر وزايلها 
ا بسبب معارضة الشهوات سميت النفس المطمئنة قال تعالى :ا يها الس 
المطمكنة YE‏ 32 ارجعي إلى ربك 4 [الفجر: ۲۷ ۲۸]. والنفس بالمعنى الأول لا يتصور 
'رجوعها إلى الله تعالى» فإنها مبعدة عن الله سبحانه وتعالى وهى حزب الشيطان» وإذا لم 
يتم سكونها ولكنها صارت مدافعة للنفس الشهوانية سميت النفس اللوامةء فإذا تركت 
الاعتراض وأذعنت لمقتضى الشهوات ودواعى الشيظان سميت النفس الأمارة بالسوء. 

اللفظ الرابع: العقل والمتعلق بغرضنا منه معنيان: 


ج ٢)‏ لبج مجموعة رسائل الإمام الفرالسى س 


أحدهما: أنه يطلق ويراد به العلم بحقائق الأمور. فيكون عبارة عن صفة العلم الذى 
محله خزاتة القلب. 

والثانى: قد يطلق ويراد به المدرك للعلوم» فيكون هو القلب أعنى تلك اللطيفة التى 
هى حقيقة الإنسان وحيث ورد فى القرآن والسنة ذكر القلب فالمراد به المعنى الذى يفقه من 
الإنسان ويعرف حقيقة الأشياءء وقد يكنى عنه بالقلب الحسماتى الذى فى الصدر لآن بينه 
وبين تلك اللطيفة العالمة التى هى حقيقة الإنسان علاقة خاصة لأن تعلقها بسائر البدن إنما 
هو بوسطته فهو مملكتها ومطيتها والمجرى الأول لتدبيرها وتصرفها. فالقلب الجسمانى 
والصدر بالنسبة إلى الإنسان كالعرش الكرسى بالنسبة إلى الله تعالى من وجه. 


فصل فى بيان جنود القلب 

اعلم: أن الله تعالى فى القلب والأرواح وغيرها من العوالم جنودًا مجنده لا يعلم 
-حقيقتها وتفصيل عددها إلا الله تعالى. ونحن الآن نشير إلى بعض جنود القلب وهو الذى 
يتعلق بغرضنا. فاعلم أن له جندين جند يرى بالإبصار وجند لا يرى إلا بالبصائر» فالقلب 
فى حكم الملك. والجنود فى حكم الخدم والأعوان. 

فأما جنوده المشاهدة بالبصر فهى اليد والرجل والأذن والعين واللسان فجملة جنود 
القلب تحصره ثلاثة أصناف: 

الصنف الأول: باعث مستحث إلى جلب الموافق النافع كالشهورة وإما إلى دفع 
المخالف الضار كالغضب وقد يعبر عن هذا الباعث بالإرادة. 

الصنف الثانى: هو المحرك للأعضاء إلى تحصيل هذه المقاصد وقد يعبر عنه بالقدرة 
رهی جنود مبثوثة فى سائر اللأعضاء . 

الصنف الثالث: هو المدرك المعرف بهذه الأشياء كالجواسيس وهو قوة السمع والبصر 
رالشم والذوق واللمس وهى ميثوثة فى الأعضاء الظاهرة المركبة من اللحم والشحم 
رالعصب والدم والعظم التى أعدت آلات لهذه الحنود. ويعر عن عمل هذا الصنف بالعام 
رالاإدراك» وهذا الصنف الثالث هو المدرك من هذه الحملة. وينقسم إلى ما أسكن المنازل 
الظاهرة وهى الحواس الخمس . أعنى السمع والبصر والشم والذوقى واللمس. وإلى ما أسكن 
وحفظ . 

فأما الحس المشترك فيرتسم فيها صورة ما أدته إليها الحواس الظاهرة مما أدركته كما 
ترسم الصورة فى المرآة ومحل تصرفها مقدم البطن الأول من الدماغ . 





سے مجموعة رسائل الإمام الفرالی ہیی 11١١‏ = 

القوة الثانية: الخيال وهى خزانة الحس المشترك يخزن فيها ما ارتسم فيه لتحفظها له 
إلى وقت حاجته إليه »فإن له قوة القبول وليس له قوة الحفظ والذيال له قوة الحفظ وليس له 
قوة القبول ومحل تصرف الخيال مؤخر البطن من الدماغ. 

القوة الثالثة: الوهم موضع تصرفه مقدم البطن المؤخر من الدماغ» لأن تصرفه هو 
المعانى الحزئية التنوعة من الصور المخزونة فى الخيال فكانت بعدها فى الرتبة لتقليبها منه. 

القوة الرابعة: الحافظ ومحل تصرفها مؤخر البطن المؤخر من الدماغ يلى محل تصرف 
الوهم لأنهاخزانته. . 

القوة الخامسة: المتصرفة ومحل تصرفها فى وسط الدماغ» لأنها أشرف القوى ولأنها 
تأخذ من الخيال فى حال دون حال وتعطيه أيضًا فى حال دون حال فى النوم 
واليقظة » وتعطى الحافظة وتطلب منها عند النسيان فكان الأليق بها أن تكون بين الحرارتين 
ليسهل عليها أخذها منهما وإعطاؤها إياهما والله أعلم . 

وإنما افتمّر القلب إلى هذه الجنود من حيث افتقاره إلى المركب والزاد لسفره إلى الله 
تعالى وقطع المنازل إلى لقائه الذى لأجله خلق وإنما مركبه البدنء, وإنما زاده العلم والعمل 
وليس يمكن أن يصل العبد إلى الله ما لم يسكن البدن وتجاوز الدنيا ليتزود منها للمنزل 
الأقصى فافتقر إلى تعهد بدنه بأن يجلب إليه ما يوافقه من الغذاء وغيره وأن يدفع عنه ما 
يؤذيه ويمكن منه أسباب الهلاك فافتقر لأجل الغذاء إلى جندين: باطن وهو الشهوة» 
وظاهر وهو الأعضاء الحالبة للغذاء فخلق فى القلب من الشهوات ما احتاج إليه وخلقت 
الأعضاء التى هى آلات الشهوة وافتقر لأجل دفع المهلكات إلى جندين: باطن. وهو 
الخضب الذى يدفع المهلكات وينتقم من الأعداء» وظاهر وهى اليد والرجل والأسلحة التى 
بها تعمل بمقتضى الغضب ثم المحتاج إلى الغذاء إذا لم يعرف النذاءء لا تنفعه شهوة معرفة 
الغذاء وآلته فافتقر فى المعرفة إلى جندين باطن: وهو إدراك المع والبصر والشم والذوق 
واللمس» وظاهر: وهو العين والأذن والأئف وغيرها وتفصيل الحاجة إليها ووجه الحكمة 
فيها يطول ولا نحويه مجلدات كثيرة» فسبحان الكريم الحليم. 


كأنه سراج مشعل» والحياة هو السراج والدم دهنه والحس والحركة نوره» والشهوة 
حرارته » والغعضب دخاته والقوة الطالية للغذاء الاكنة فى الكبد خادمه وحارسه ووكيله. 


ج2١١١ mm‏ مجموعه رسائلالامام الفزالی سد 


هو جسم وآثاره أعراضء وهذا الروح لا يهتدى إلى العلم. ولا يعرف طريق المصنوع 
ولاحی الصانع » وإنما هو خادم اشر يموت البدن لو يزيد دهن الدم وينطمئ لزيادة الحرارة 
رلو ينقص ينطفئ بزيادة البرودة» وانطفاؤه سبب موت البدن وليس خطاب البارئ جلت 
عظمته وتكليف الشارع عليه الصّلاة والسلام لهذا الروح»لأن البهائم وسائر الحيوانات غير 
مكلفين ولا مخاطين بأحكام الشرعء والإنسان إنما يكلف ويخاطب لأجل معنى آخر وجد 
عنده زائدًا خاضً وذلك المعنى هو النفس الناطقة والروح اللطيفة» وهذا الروح ليس بجسم 
ولا عرضء لأنه من أمر الله تعالى كما أخبر بقوله: 9 ويسألونك عن الروح قل الروح من 
أمر ربي 6 [الإسراء : . وأمر الله تعالى ليس بجسم ولا عرضء» بل هو جوهر ثابت دائم 
لا يقبل المساد ولا يضمحل ولا يفنى ولا يموت» بل يفارق البدن وينتظر العود إليه يوم 
القيامة كما ورد به الشرع» وهذا الروح يتولد منه صلاح البدن وفساده والروح الجيوالى 
وجميع القوى كلها من جنودهء فإذا فارق الروح الحيوانى البدن» تعطل أحوال القوى 
الحيوانية فيسكن المتحركء فيقّال لذلك السكون موت . وإن كان الروح من أمر الله تعالى 
فى البدن كالغريب» فاعلم أنه لا يحل فى محل ولا يسكن فى مكان ولیس البدن مكان 
الروح ولا محل القلبء بل البدن آلة الروح واللّه أعلم. 


فصل 

فى بيان المعنى المراد من قوله تعالى : 9 فإذا سویته وتفخت فيه من روحي فقعوا له 
ساجدين ‏ [الحجر: 19؟]. قال رحمه الله تعالى ورضى عنه: 

أما التسوية: فهى عبارة عن فعل فى المحل القابل للروح وهو الطين فى حق آدم عليه 
اللام والنطفة فى حق أولاده بالتصفية وتعديل المزاج والتردد فى أطوار الخلقة إلى الغاية 
حتى ينتهى فى الصفاء ومناسبة الأجزاء إلى الغاية فيستعد لقبول الروح وإمساكها كاستعداد 
الفتيلة بعد شرب الدهن لقبول النار وإمساكها. 

وأما النفخ: قهو عبارة عن اشتعال نور الروح فى المحل القابلء قالنفخ سبب 
الاشتعال وصورة النفخ فى حق الله تعالى محال» والسبب غير محال فعير عن نتيجة النفخ 
وهو الاشتعال فى فتيلة النطفةء وللنفخ صورة ونتيجة. 

وأما صورته: فهو إخراج هواء من جوف التافخ إلى جوف المنفوخ فيه. وهو قتيلة 
النطفة . فيشتعل فيها. وأما السبب الذى اشتعل به نور الروح قهو صفة فى الفاعل وصفة 
فى المحل القابلء وأما صغة الماعل فالجود الذى هو يتبوع الوجود وهو فياض بذاته على 
كل موجود حقيقة وجوده ويعبر عن تلك الصقة بالقدرة» ومثالها فيضان نور الشمس على 


كل قابل الاستنارة عند ارتفاع الحجاب بينهماء والقابل هو الملونات دون الهواء الذى لا لون 
له. وأما صفة القابل فالاستواء واعتدال الحاصل فى التسوية كما قال تعالى : #فإذا سويته# . 

ومثال صفة القابل: صفات المرآة فإن المرآة قبل صقالتها لا تقبل الصورة وإن كانت 
محاذية لهاء فإذا صقلت حدثت فيها صورة من ذى الصورة المحاذية لها فكذلك إذا حصل 
على الاستواء فىئ'النطفة حسدث فيها الروح من خالق الروح من غير تغسير فى الخالق تعالى 
الآن لا بل إنما حدث الروح قبله لتغير المحل بحصول الاستواء الآن لا قبله. 

وأما فيضان الحود. فالراد به أن الحود الإلهى سبب لحدوث أنوار الوجود فى كل 
ماهية قابلة للجود فعبر عنه بالفيض لا كما يفهم من فيض الماء من الإناء على اليد فإن ذلك 
عبارة عن انفصال جزء مما فى الإناء واتصاله باليد» فإن الله سبحانه يتعالى عن مثل هذا. 

وأما كشف معنى ماهية الروح ومعرفة حقيقتها فهو من السر الذى لم يؤذن لرسول 
الله عله فى كشفه لمن ليس من أهله فإن كنت من أهله فاسمع. واعلم أن الروح ليس 
بجسم يحل فى البدن حلول الماء فى الإناء» ولا هو عرض يحل فى القلب أو الدماغ حلول 
السواد فى الأسود والعلم فى العالم» بل هو جوهر لا يتجزأ باتفاق أهل البصائرء لأنه لو 
انقسم لجاز أن يقوم بجزء منه العلم بالشئ ويجزء آخر منه الجهل بذلك الشئ بعينه فيكون 
فى حالة واحدة عالًا بشئّ وجاهلاً به وذلك محال» فدل بذلك على أنه واحد لا ينقسم. 

فإن قيل: لم منع رسول الله يله إفشاء سر الروح وكشف حقيقته؟ فيقال: لأنه 
يتصف بصفات لا تحملها الأفهام إذ الناس قسمان عوام وخواص أما من غلب على طبعه 
العامية فإنه لا يصدق بما هو وصف الروح أن يكون وصمًا لله تعالى» فكيف يصدق به فى 
وصف الروح الإنسانى؟ وكذلك أنكرت الكرامية والحنبلية وغيرهم ممن غلبت عليهم العامية 
بتئزيه الإله تعالى عن الجسمية وعوارضها إذ لا يعقلون موجودًا إلا متجسمًا مشاراً إليه. 
ومن ترقى عن العامية قليلاً نفى الجسمية عن الإله تعالى. وما أطلق أن ينفى عوارض 
الجسمية عنهء فأثبت الجهة وترقى عن هذه العامية الأشعرية والمعتزلة فنزهوا الإله تعالى عن 
TEE‏ 

فإن قيل: لم لا يجوز كشف هذا السر مع هؤلاء؟ فيقال: لأنهم أحالوا أن تكون هذه 
الصفة لغير الله تعالىء فإذا ذكرت هذا معهم كفروكء وقالوا: هذا تشبيه لأنك تصف 
نفك با هو صفة الإله تعالى على الخصوص وذلك جهل بأخص أوصاف الله تعالى . 

فإن قيل: إن الإنسان حى عالم قادر مريد سميع بصير متكلم والله تعالى كذلك ليس 
فيه تشبيه لأن هذه الصفات ليست أخص أوصاف الله تعالىء فكذلك اليراءة عن المكان 


حدم ١١١‏ سسسب بس مجمومة رسائل الإمام الفزالسى س 


والجهة ليست أخص وصف الإله تعالى؛ بل أخص وصفه تعالى أنه قيوم أى قائم بذاته 
وكل ما سواه قائم به وهو موجود بذاته لا بغيره وليس للأشياء من أنفسها إلا العدم» وإنما 
لها الوجود من غيرها على سبيل العارية فالوجود لله تعالى ذائى ليس بمستعار وما سواه 
فوجوده منه تعالى لا من نفسه وهذه القيومية ليست إلا لله تعالى . 

فإن قيل: ما معنى نسبة الروح إلى الله تعالى فى قوله: 9 وتفخت فيه من روحي » 
(الحجر: 19]. فاعلم أن الروح منزهة عن الجهة والمكان وفى قوتها العلم بجميع المعلومات 
والاطلاع عليهاء فهذه مضاهاة ومناسبة ليست لغيره من الجسمانيات. فلذلك اختصت 
بالإضافة إلى الله تعالى. 

فإن قيل: فما معنى قوله: قل الروح من أَمر ري © [الإسراء: 86].وما معنى عالم 
الأمر وعالم الخلق؟ فيقال: إن كل ما يقع عليه مساحة وتقدير فهو الأجسام وعوارضها. 
فهذا هو عالم الخلق والخلق ها هنا بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد والإحداث. يقال: خلق 
الشئ أى قدره وكل ما لا كمية له ولا تقدير. يقال: إنه أمر ربانى وتلك المضاهاة التى 
ذكرناهاء فكل ما هو من هذا الجنس من أرواح البشرية وأرواح الملائكة يقال: إنه من عالم 
الأمر وعالم الأمر عبارة عن الموجودات الخارجة عن الحس والخيال والجهة والمكان والتحيز 
والدخول تحت المساحة والتقدير لانتفاء الكمية عنه . 

فإن قيل: فهذا يوهم أن الروح قديم ليس بمخلوق. فيقال: قد توهم هذا قوم جهال 
ضلال» فمن قال إنه ليس بمخلوق بمعنى أنه غير مقدر بكمية لأنه لا يتجزأ ولا يتحيز فهو 
مصيب إلا أنه مخلوق بمعنى أنه حادث وليس بقديمء لأن حدوث الروح البشرية متوقف 
على استعذاد النطفة كما حدثت الصورة فى المرآة بحدوث الصقالة وإن كان ذو الصورة 
مابق الوجود على الصقالة. ٠‏ 

فإن قيل: مامعنى قول النبى عل : «إنّ لله تَمَالَى خَلَقَ آدم عَلَى صورته وروى «على 
صورة الرحمن» فيقال: إن الصورة اسم مشترك قد يطلق على ترتيب الأشكال ووضع 
بعضها على بعض واختلاف تركيبها وهى الصورة المحسوسة. وقد يطلق على ترتيب المعانى 
التى ليست محسوسة وللمعانى أيضًا تركيب وترتيب وتناسب يسمى ذلك صورة. يقال: 
صورة المسألة كذا وصورة الواقعة كذا وصورة العلوم الجسمانية والعقلية كذاء فالمسألة 
بالصورة المذكورة هى الصورة المعقولة المعنوية والإشارة إلى المضاهاة التى ذكرناهاء ويرجع 
ذلك إلى الذات والصفات والأفعال وحقيقة ذات الروح أنه قائم بنفسه ليس بعرض ولا 
جسم ولا جوهر متحيز ولايحل المكان والجهة.ء ولا هو متصل بالبدن والعالمء ولا هو 
منفصل» ولا هو داخل البدن والعالم ولا هو خخارج. وهذا كله صفات ذات الله تعالى. 


کد مجموعة رسائل الإمامالفزالى سس سسسب بصت 17١4‏ يد 
اا ا ا هالا فادرا هري سكا بعية كلما الله ا 
الأفعال: فمبدأ فعل الآدمى إرادة يظهر أثرها أولاً فى القلب فينتشر منه أثر بواسطة الروح 
الحيوانى الذى هو بخار لطيف فى تجويف ويتصاعد إلى الدماغ» ثم يسرى منه أثر إلى 
الأعضاء إلى أن تصل الآثار إلى الأصابع مثلاً فتحرك فيتحرك بالأصابع القلم وبالقلم 
الداد » فيحدث منه صورة مايريد كتبه على القرطاس فى خزانة التخيل. فإنه ما لم يتصور 
ى خياله صورة المكتوب أولاً لا يمكن إحدائه على البياض . ثائيّا فمن استقرأ أفعال اللّه 

مال وكيفية إحداث الحيوان والنبات على الأرض بواسطة تحريك الكواكب والسموات 
براسطة الملائكة علم أن تصرف الآدمى فى عالمه يشبه تصرف الخالق سبحانه فى العالم 
الأكبر» فحينئل يعرف قوله وله «إن الله تعالى لى آدم عليه السلام على صورته». 

فإن قيل: فإذا كانت الأرواح حادثة مع الأجساد فما معنى قوله عليه الصلاة 
والسلام : خلق الله تعالى الأرواح قبل حل الأجساد بالقى عام» وقوله: «آنا اول الأنبياء 
لق ورمع بك وك نيا وأ > بين الماء والطّين» . فاعلم أن شينًا من ذلك لا یدل على 
قدم الروح لكن قوله: «أنا أول الأثبياء ا ربما دل بظاهره على تقدم وجوده على 
-حسده وغير الظاهر متعين. فإن تأويله e‏ والبرهان القاطع لا يدرأ بالظاهر بل ليسلط 
على تأويل الظاهر» كما فى ظواهر التشبيه فى حق الله تعالى. 

فأما قوله: «خلق الله تعالى الأرواح قبل الأجساد بألفى عام» أراد بالأرواح أرواح 
اللائكةء والأجسام أجسام العالم من العرش والكرسى والسموات والكواكب والهواء والماء 
والأرض 

وأما ا «أنا ول الأثبياء خلقًا» فالخلق ها هنا بمعنى التقدير دون الإيجادء فإنه عله 


قبل أن تلده امه لم يكن عوجوم مخلوقًاء ولكن الغايات والكماللات سابقة فى التقدير 
لاحقة فى الوجود» فإن الله تعالى يقدر أولاً أى يرسم فى اللوح اللحفوظ الأمور الإلهية 
على وفق علمه تعالي» فإذا فهمت نوعى الوجود فقد كان عليه الصلاة والسلام قبل وجود 
آدم علية السلام أعنى الوجود الأول التقديرى دون الوجود الحسى العينى. هذا آخر الكلام 
فى معنى الروح والله أعلم . 


.۳ ےد مجموعه رسائل الامام‌الغزالی حت 


1 


الباب السابع 
فى بيان معنى المحبة 

اعلم: آن المحبة ميراث التوحيد والمعرفة وكل مقام وحال قبلها فلها يرد ومنها 
يستفاد. وأما العرفة الخالصة بها: فكل ما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته من سلب نقص 
وإثبات كمال وهى واجبة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة؛ وإنما وقع المخلاف فى حقيقتها 
ومعناها وليس للمحبة معنى غير الميل إلى اللذيذ الموافق» واعلم أن معرفة الله تعالى بنفسها 
ذكر الله تعالى» لأنها حضور معه وشهود له ومن علامته فى بدايته اللوائح والطوالع 
واللوامع والبروق؛ وهذه ألفاظ متقاربة المعانى والفرق بين البرق والوجد أن البرق إذن فى 
دخول طريق التوحيد والوجد يصحبك فيها فإذا دام صار ذوقًا. 

وأما الذوق: فهو استحلاء وشرب لما شاهدت من ضياء اليرق. وأما اللحظ: فهو 
اسم يعبر به ععن رؤية انلق تعال :بالقلب» كسا قال غليه الماةة والملام: «اعبد لله كأنك 
تراه». وأما الوقت: فهو اسم ظرف للكائن فيه من الأحوال فوقت العبد ما هو فيه. وأما 
الصفاء: فهو اسم للبراءة من الكدر. وأما النفس: فهو تنفس العبد ا حمل 
الأحوال الواردة عليه إما صعدًا وإما تلفظًا بكلام أو إشارة ما هو فيه. لأن العبد ما دام حيا 
لا بد أن يتروح بدخول النفس وخروجه فإذا قوى النفس أدى إلى الغرق. وأما الغرق: فهو 
عدم القدرة على النفس لكظمه فهو غير متنفس ولا غائب فإذا قوى عليه دخل فى الغيبة. 
وأما الغيبة : فهى اسم للذهول عن المهمات بما هو أهم منها. وأما السكر : فهو اسم يشار 
به إلى سقوط التمالك فى الطرب فإذا لحقته العناية أصحاه ليزيده علمّاء لأن السكران لا 
يرتقى بالمسكر فى الحق والصحو إنما هو بالحق. أما السكر فى الحق: فهو النظر إلى صفاته 
والتنعم بما يرد عليه منه والتلذذ به. وأما الصحو بالله تعالى: فهو أن يتبرأ من نفسه ومن 
التذاذه وأحواله فإذا منح بعد ذلك بشهود الذات كوصف بالقيومية وهى صفات الألوهية 
فأفتنه عما سوى معبوده ثم فنى عن فنائه. وأما الفناء: فحقيقته فى الحس تلاشى الأجسام 
والأعراض وذهابها بالكلية . 

ولما كان ما سوى الله تعالى موجودًا بالله وقاتمًا به لاينفسه كان وجوده مجارًا وكان 
القائم بنفسه المقيم لغيره وجوده ثابنًا حقيقيًا استعير لمن أكرم بهذه المعرفة لفظ الفناء لتلاشى 
الموجودات فى عين قلبه حيث شهد الكل مع القدرة» كالطفل لا حكم له فى الفعل» فإذا 
أيد هذا العيد وكمل رقاه إلى مقام البقاء. لأنه إذا لم يبق فى القلب التفات إلى غير الله 
تعالى لدوام الشغل به عبر عن هذه الحالة بالبقاء مع الله بالله تعالى» والوجود والبقاء اسمان 


مترادفان على معنى واحد» فالوجود اسم للظفر بحقيقة الشئ» والبقاء هو أجل الحقائق التى 
يانصد الظفر بها. وكذلك مقام الجمع . قال بعض السادة: الجمع ما أسقط التفرقة وقطع 
الإشارة ومعناه أن يكون مذكورا بالله تعالى ومذكورً منه تعالى والحمد لله وحذه. 


ی الباب الثامن 
فى يبان معنى الأنس بالله تعالى 

اعلم: أن من أجل مواريث المحبة الأنس . أما حقيقة الأنس: فهو استبشار القلب 
وفرحه لما انكشف له من قرب الله تعالى وجماله وكماله. وقال بعضهم: حقيقة القرب فقد 

ححس الأشياء من القلب وهدوء الضمير إلى الله تعالى. 
قلت وعدا عو الوسملة لتيل القرت: لا تفن القرت لأن هذا طهور القلك عضا 
سوى الله تعالى وإذا تطهر القلب عما سوى الله تعالى كان حاضرا مع العبدء لأنه ليس بين 
العبد وبين الله إلا حجاب نفسه وعوارضها. فإذا فنى عنها وعن عوارضها وعلم قيام العالم 
كله بقدرة الله تعالى عرف قرب الله تعالى بها كشقًا وإرادته تخصيسًا وقدرته إيجادا وإبقاء 
والدمفات التى لا تفارق الموصوف بل صفاته قائمة بالموصوفء فإذا نطق العارف فلا ينطق 
بنفسهء وإذا سمع بنفسهء وهكذا ورد فى الحديث فالعارفون تنشأ أحوالهم عن قرب الله 
تعالى. وأما الأبرار: فتنشاً أحوالهم عن ملاحظة علمهم بوجود الرب مطلقًا مع العلم 
باقتداره على المنع والعطاء والإسعاد والإشقاءء والعارفون يرون ربهم فى الدنيا بعين الإيقان 
والبصائرء وفى الأخرى بالإبصار أى بالعين قريب منهم فى الدارين وليس قربه منهم فى 
الأخرى مخالمًا لقربه فى الدنيا إلا بمزيد اللطف والعطف, وإلا فقد ارتفع هنا وهناك قرب 
المسافة ولم يكن بينه وبين مخلوق إضافة لا فى الدنيا ولا فى الآخرة البتة» وهذه المعرفة 
مثمرة الأنس بشرط الصفاء والأنس يثمر السكينة فهى صولة تعدل طغيان القلب وتثيته 
وتوقفه على حد الاعتدال فى آداب الحضرةء لأن لذة القرب فى الأنس تطير ألباب العارفين 

وتوجب لهم الطغيان» لأن الإنسان يطغى عند الغنى. 
وأما الطمأنينة: فهى وجود من بعد اعتدال بفرح واستبشار لمعرفة القلب بالمزيد وهو 
مستصحبة مع الأنس لأنها مقصودة فى ذاتهاء والسكينة وسيلة تحثها على الأدب 
والاعتدال» ومن ثمرات المحبة: الانبساط والإدلال .ذلك أن الأنس إذا دام أنسه واستحكم 
ولم يشوشه قلق القلب لقصور نظره على طيب حاله ثمر ذلك انبساطًا فى الأقوال والأفعال 
والناجاةء فلا يليق ذلك بحال التعظيم والإجلال الموجبان للمهابة» فإنه يليق بالمستأنس 
المنبسط ما لا يليق بالهائب» وذلك أن من أفعال الدّ الجائزة له أن يرضى على قوم بفعلهم 


ويغضب به على آخرين ¿ أحوالهم وللحكمة السابقة فيهم+ ولذلك يغار على كلامه أن 
يسمعه إلا لأهل خاصته. قال الله تعالى: ط رجعلنا على قلوبهم أكنّ أن يَفقهوه رقي آذانهم 
وقرل [الإسراء: e ٦‏ فقال: ۾ ولو علم الله نيهم خيرا 
لأسمعهم ‏ (الأتفال : 7 ؟]. وهذا حجاب الغيرة فحقيقتها حفظ الوقت مع الحق أن بشوشه 
شو شجهلة و رات اة انرق وهو ا لأن الإنس قصر 
نظره على ما اتكشف له جمال المحبوب ولم يمتد نظره إلى ما غاب عنه والمشتاق كالعطثان 
الذى لا ترويه البحار لمعرفته بأن الذى اتكشف له من الأآمور الإلهية بالنسية إلى ما غاب عنه 
كالذرة بالنسبة إلى سعة الوجود ولله المثل الأعلى. وهذه المعرفة توجب الانزعاج والقلق 
والتعطش الدائمء لأن حقيقة القلق سرعة الحركة لنيل المطلوب مع إسقاط الصبر» وحقيقة 
التعطش شدة الطلب لما تأكدت الحاجة إليه» ومن اشتد قلقه وتعطشه وجد وحقيقة الوجد 
هو الشوق الغالب على قلب الطالب» وهذا الوجد يعدحصوله له أحوال: 

الأول: الدهش. قال الله تتعالى: 9 فَلَمًا رأينه أكبرته قطن أيديهن ) ايرسف: 
.١‏ وحقيقة الدهش غيبة القلب عن إحساسه لما فاجأه من الأمر العظيم. 

الثانى: الهيمان إذا سكن قليلاً وتكرر طروقه صار القلب متعجبًا متحيرا من حسنه 
وبهائه وهذا هو الهيمانء لأن حقيقة الهيمان ذهاب التماسك تعجبًا وتحيراً وهو أثبت 
دوامًا. 

الثالث: أنسه وتمكينه منه حتى كأنه لم يدخل عليه داخل ولم يطرقه طارق وهذا هو 
التمكين . 

قال الشيخ رحمه الله: التمكين إشارة إلى غاية الاستقرارء وذلك أن أى حالة وجدها 
المحب مع الله مرة تقوى عليه» ومرة يقوى عليهاء ومرة يتلون» ومرة يثبت إلى أن يتمكن 
فيستقر» وهذا جار فى كل حال فإذا استقر ارتقى إلى غيره ليكون المرتقى إليه حالاً 
والمرتقى عنه مقاما والله أعلم . 

واعلم: أن هذه الأحوال إن وجدها العبد فى الملأ دون الخلاء فهو معول يجب عليه 
المحاسية ومطالية نفسه بالعلامات» وإن وجدها فى الخلاء دون الملاء فهو حسن ولكنه ناقص 
عن ذروة الكمال إذ الكمال استواء الحالات خلاء وملاء وحضرًا وسفرًا وفراغًا وشغلاً. لأن 
الفراغ شرط فى البداية لا فى النهاية. وأما حد الواجب من المحبة: فهو الميل المسبب عن 
نفس الاعتقاد بأصول الإيمان فيما يتعلق بذات الله وصفاتهء فإن جهل أصلاً من الأصول 
نقصت المحبة بقدره وكان عليه إثمان: إثم الجهل وإثم فقد ثمرته. وأما حقيقة الإيمان: فهو 
حضور القلب مع الله تعالى وشهوده الآثار الدالة على وجودهء والله تعالى أعلم وقد قيل: 


کد مجموعة رسائل الإمامالفزالی سبح ۱۳۳٣‏ = 


الألس باذ لاب ويه بطال 
ويس يذركة باول ا 
أن وة رجالا كلهم ثح 
وكلهم م اعمال 

ومن غلب ليه حال الأنس لم تكن شهوة إلا الانفراد والخلوة. وقال الواسطى: لا 
يصل إلى محل الإنس من لم يستوحش من الأكوان كلها. وقال أبو الحسين الوراق: لا 
يكون الأنس بالله إلا ومعه التعظيم. لأن من استأنست به سقط عن قلبك تعظيمه إلا الله 
تعالىء فإنك لن تزيد به أنسًا إلا ازددت منه هيبة وتعظيما . 

وقد يكون الآنس. الأنس بطاعة الله وذكره وتلاوة كلامه وسائر أبواب القربات. 
و4 ا یھ خا لاسن ادق يكو 
للمحبين» والأنس حال شريف عند طهارة الباطن وكنسه بصدق الذهد وكمال التقوى وقطع 
الأسباب والعلائق ومحو الخواطر والهواجس. وحقيقته عندى كنس الوجود بثقل لائح 
العظمة وانتشار الروح فى ميادين الفتوح وله استقلال بنفسه يشتمل على القرب فيجمعه به 
عن الهيبة وفى الهيبة اجتماع الروح وهذا الوصف أنس الذات. وهيبة الذات يكون فى مقام 
البقاء بعد العبور على تمر الفناء وهما غير الأنس والهيبة اللذان يذهبان بوجود الفناء» لأن 
البيبة والأنس قبل الفناء ظهرا من مطالعة الصفات من الجلال والجمال وذاك مقام التلوين» 
وما ذكرنا بعد الفناء فى مقام التمكين والبقاء من مطالعة الذات ومن الأنس خضوع النفس 
المطمئئة ومن الهيبة خشوعهاء والخضوع والخشوع يتقاربان ويفترقان بفرق لطيف يدرك بإيماء 
الروح والله تعالى أعلم. 

البابالداسع 
فى بيان معنى الحياء والمراقبة ويضاف إليهما الإحسان لأنه 
غايتهما وكذلك الرعاية والحرمة والأدب لأنهن من ثمراتهما 

اعلم: أن الحياء أول مقام من مقامات المقربين كما أن التوبة أول مقام من مقامات 
المنقين. أما العلم الحامل على الحياء: فهو علم العبد باطلاع الله تعالى عليه. وهذا واجب»ء 
لأنه من الإيمان بالله وبالله تعالى . وكذا معرفته بعيوب نفسه وقصورها عن القيام بحق ربه 
سبحانه وتعالى وهذا أيضًا واجب» لأنه من الإيمان بالله تعالى فيتفتح من هاتين المعرفتين 
حال يسمى الحياء» وهو إطراق عين القلب تحجلاً من الله تعالى كتقصيره فى واجب حقه 
تعالى» والقدر الواجب من هذه الحالة ما يحث على ترك المحظورات وفعل الواجبات. وأما 
المراقبة والإحسان: فهما لفظان متداخلان على معنى واحد. فأما ثمرة بداية المراقبة فهو 


س غ١١‏ لبس لسس٠كسست‏ مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


رعاية الخواطر وكشف ما التبس منها والأدب مع الله تعالى بحرمة مراقبته والحياء على 
الوصف العام الخاص» وأما الوصف العام ما أمر به رسول الله عله فى قوله  :‏ استحيوا من 
کک قالوا: إنانستحيى يارسول الله قال : يس ذلك وکن من استحيا من الله حق 

خا فَليَحْمَظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى و ليذكر اموت والبلى. ومن أرآد الآخرة 
رد E‏ وهذا م 
TES ET‏ وهو مانقل عن عثمان بن عفان رضى الله عنه أنه قال: 
لأغتسل فى البيت المظلم فأنطوى حياء من الله عز وجل . وعن ا 
سمعت محمد بن عبدون يقول: سمعت أبا العباس المؤذن يقول: قال لى سرى: احفظ 
عنى ما أقول لك إن الحياء والأنس يطوفان بالقلوب». فإذا وجدا قلبًا فيه الزهد والورع حطًا 
وإلاً رحسلاء والحياء إطراق الروح إجلالاً لتعظيم الجلالء والأنس التذاذ الروح بكما 
الجمال» فإذا اجتمعا فهو الغاية فى المنى والنهاية العظمى . 

قال بعض الحكماء: من تكلم فى الحياء ولا يستحيى من الله عر وجل فيما يتكلم ٠٠‏ فهو 
مستدرج. وقال ذو النون: الحياء وجود الهيبة فى القلب مع حشمة ما سبق منك إلى ربك؛. 

قال ابن عطاء : العلم الأكبر: الهيبة والحياء فإذا ذهب عنه الهيبة والحياء فلا خير 
فيه . قال سليمان: إن العباد عملوا على أربع درجات على الخوف والرجاء والتعظيم والحياء» 
وأشرفهم منزلة من عمل على الحياء لما أيقن أن الله تعالى يرأه على كل حال استحيا من 
حسناته أكثر نما استحيا العأصون من سيئاتهم. وقال بعضهم: الغالب على قلوب المستحيين 
الإجلال والتعظيم ل الي إليهم . وأنشد الشيخ أبو النجيب السهروردى: 

للست ساتف هق اذا بدا 

طرفت مزإجي ل لاله 


4 2 


لا : بل م م 








لاله 


م 





eT‏ ف إق-بجالله 


ا نه وت 

ج کے 

وأزوم ا ل تال 
والمراقبة على درجتين مراقبة الصديقين ومراقبة أصحاب اليمين. 


أما الدرجة الأولى: فهى مراقبة المقربين من الصديقين وهى مراقبة التعظيم 


جب مجموعةرسائلالإمامالفزالى ‏ سس سس لطت و17 اح 
والإجلال» وهو أن يكون القلب مستغرقًا بملاحظة ذلك الجلال ومنكسرً تحت الهيبة فلا 
يقى له متسع للالتفاتات إلى الغير أصلاء وهذه المراقبة لا يطول النظر فى تفصيل ثوابها 
فإنها مقصورة على القلب. أما الجوارح: فإنها تتعطل عن الالتفات إلى المناجاة فضلاً عن 
امنظورات» فإذا تحركت بالطاعات كانت كالمستعملة فلا يحتاج إلى تدبير وتسبب فى حفظها 
عن الانحراف عن سنن السداد. 

وأما الدرجة الثانية: فهى مراقبة الورعين من أصحاب اليمين» وهم قوم غلب اطلاع 
الله تعالى على ظاهرهم وباطنهم ولكن لم تدهشهم ملاحظة الجلال» بل بقيت قلوبهم على 
حند الاعتدال متسعة للتلفت إلى الأحوال والأعمال إلا أنها مع ممارسة الأعمال لا تخلو عن 
المراقبة . نعم غلب عليهم الحياء من الله تعالى فلا يقدمون ولا يحجمون إلا بعد التثبت فيه 
ويمتنعون من كل ما يفتضحون به فى القيامة فإنهم يرون الله تعالى فى الدنيا مطلعًا عليهم 
فلا يحتاجون إلى انتظار القيامة» وتعرف اختلاف الدرجتين بالمشاهدات واللّه أعلم . 


الباب العاشر 
٠٠‏ فيان منىالقرب 

قال الله تعالى يله : ل واسجد واقترب 4 [العلق: 119. 

وقد ورد أقرب ما يكون العبد من ربه فى سجوده. فالساجد إذا أذيق طعم السجود 
يترب» لأنه يسجد ويطوى بسجوده بساط الكون ما كان وما يكون ويسجد على طرف رداء 
اأعظمة فيقرب . 

قال بعضهم: إنى لا أجد الحضورء فأقول: يا الله أو يارب فأجد ذلك أثقل على من 
الجبال. قيل: ولم ذلك؟ قال: لآن النداء يكون من وراء حجاب» وهل رأيت جليسا ينادى 
جليسه؟ وإنماهى إشارات وملاحظات ومناغاة وملاطفات. وهذا الذى وصفه مقام عزيز 
يتحقق فيه القرب ولكنه مشعر بمحو ومؤذن بسكر يكون ذلك لمن غابت نفسه فى نور 
رانچ لغلبة سكره وقوة محوه» فإذا صحا وأفاق تتخلص الروح من التفس والنفس من 
الروح ويعود كل من العبد إلى محله ومقامه. فيقول: يا الله ويارب بلان النفس المطمئنة 
العائدة إلى مقام حاجتها ومحل عبوديتها والروح يشتغل بفتوحه بكمال الجال عن الأقوال» 
وهذا أتم وأقرب من الأول. لأنه فى حى القرب باستقلال الروح بالفتوح وأقام رسم 
العبودية بعود حكم النفس إلى محل الافتقار وحظ القرب لا يزال يتوفر للروح بإقامة رسم 
العبودية من النفس . 

وقال الجنيد: إنا الله تعالى يقرب من قلوب عباده على قدر قربهم منهء فانظر ماذا 


س ۳١۹١‏ حت مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


تقرب من قلبك. وقال أبو يعقوب السوسى: ما دام العبد يكون بالقرب لم يكن قريبًا حتى 
pS N Sa‏ 
وو و كق ال 
عدم شبحية تاتتي ا 
ج ننائمان 1 
وف رفا انى 
كن بيب ا 
معظيمعن لظ ءً _ انى 
ةاي يالوج 
اا ا ادي 
وقال ذو النون: ما ازداد أحد من الله قربة إلا ازداد هيبة . وقال سهل: أدنى مقام 
من مقامات القرب الحياء. وقال النصر آبادى : باتباع السنة تنال المعرفة» وبأداء الفرائض 
تنال القرب. وبالمواظبة على النواقل تنال المحبة» والحمد لله وحده. 


الباب الحادى عشر 
فى بيان شرف العلم ووجوب طلبه والقدرالواجب منه 

اعلم: أن العلم والعمل لأجلهما خلقت السموات والأرض وما فيهما. 

قال الله تعالى : « الذي خلق سبع سمواتٍ ومن الأرض مثلهن يتتزّل الأمر بينهن 
لتعلموا أَنَ الله على كل شيء قديرٌ وأَنَ اللّه قد أحَاط بكل شيء علّما © [الطلاق: ]. وكفى 
بهذ الآية دليلاً على شرف العلم ووجوب طلبه لا سيما علم التوحيد. 

قال تعالى: لإ وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون 4 7الذاريات: 71 . وكفى بهذه 
الآية دليلاً على شرف العبادة ولزوم الإقبال عليها فأعظم بأمرين هما اللقصود من خخلق 
الدارين فحق العبد أن لا يشتغل إلا بهما وأن لا يتعب إلألهما ثم العلم هو أشرف 
الجوهرين» ولكن لا بد من العبادة مع العلم وإلا كان العلم هباءً منثورً. 

واعلم: أنه يجب تقديم العلم على العبادة لأمرين: أحدهما: لتصح لك العبادة 
وتسلم . والثانى :هو أن العلم النافع يثمر الخشية والمهابة لله تعالى فى قلب العبد وهما 
يثمران طاعة ويحجزان عن المعصية بعون الله تعالى وتوفيقه» وليس وراء هذين مقصد للعبد 
فى عبادة ربه سب حانه وتعالى . فعليك بالعلم النافع فيجب عليك أولأر أن تعرف المعبود ثم 
E MIS o‏ 


س مجموعة رسائل الإمام القزالى سس بيس ح ‏ 1177 ح 
نعته» فربما تعتقد اعتمَادًا فى صفاته شيئًا عما يخالف الحق فتكون عبادتك هباء مثورًا. ثم 
عليك أن تعلم ما يلزمك فعله من الواجبات الشرعية لتفعله على ما أمرت به وما يلزمك 
تركه من المناهى الشرعية لتتركه . 

واعلم: أن العلم الذى طليه فرض لازم لكل مكلف ثلاثة أنواع: 

الأول: عله التوحيد والذى يتعين عليك عنه هو مقدار ما تعرف يه أصول الدين 
وقواعد العقائد كافية غيه. 

الثانى: علم السر وهو ما يتعلق بالقلب ومساعيه من مواجبه ومناهيه . 

الثالث: علم العبادات الظاهرة المتعلقة بالأبدان والأموال» ثم إن من الله عليك بعلم 
ما وجب عليك علمه وعمل ما وجب عليك عمله وترك ما وجب عليك تركه فقد أديت ما 
أوجبه الله تعالى عليك وصرت من العلماء العالمين» وبالله التوفيق. 


الباب الثانى عشر 
فى يبان معانى الأسماءالحسنى 

اعلم: أن جملة الأسماء الحسنى ترجع إلى ذات وسبع صقات على مذهب أهل 
السنة خلاقًا للمعتزلة والفلاسفة؛ ثم إن الاسم غير التسمية وغير المسمى وهذا هو الحقء 
فحد الاسم أنه اللفظ الموضوع للدلالة على المسمى. 

واعلم أن كمال العيد وسعادته إنما هو فى التخلى بأخلاق الله تعالى والتحلى بمعانى 
أسمائه وصفاته بقدر ما يتصور فى حقهء ولا تظنن أن المشاركة بكل وصف يوجب الممائلة. 
هيهات ألم تعلم أن الله موجود لا فى محل وأن الله تعالى حى عالم قادر مريد سميع 
بصير متكلم فاعل والإنسان كذلك أيضًا. أفترى أن مثبت هذه اللأوصاف للإنسان يكون 
مشبها ممثلاً. هيهات ليس الأمر كذلك. بل المماثلة عبارة عن المشاركة فى النوع والماهية 
والخاصية الإلهية أنه الموجود الواجب الوجود بذاته الذى بقدرته يوجد كل ما فى الإمكان 
وجود على أحسن وجوه النظام والكمال» وهذه الخاصية لا يتصور فيها مشاركة ولا ممائلة 
البتة بل لا يعرفها إلا الله تعالى وتقدس» فالخالق كلهم لم يعرفوا إلا احتياج هذا العالم 
المنظوم المحكم إلى صانع حى عالم قادرء وهذه المعرفة لها طريقان: أحدهما: يتعلق بالعلم 
ومعلومه يحتاج إلى مدبر. والآخر: يتعلق بالله تعالى ومعلومه أسام مشتقة من صفات غير 
داخلة فى حقيقة الذات وماهيتهاء فإن قلنا حى عالم قادر معناه شئ ميهم له وصف الحياة 
والقدرة فما عرف أحد إلا تفسه أولا ثم قايس بين صفات الله تعالى وبين صفات نفسه 
وتتعالى صفات الله تعالى عن أن تشيه صقاتناء فَإذًا يستحيل أن يعرف الله تعالى بالحقيقة 


غير الله تعالى» بل يستحيل أن يعرف النبوة غير النبى . وأما من ليس بنبى فلا يعرف من 
النبوة إلا اسمها. 

1 فإن قيل: فما نهاية معرفة العارفين بالله تعالى؟ فنقول نهاية معرفتهم هو أن يتكشف 
لهم استحالة معرفة حقيقة ذات الله تعالى لغير الله تعالى وإنما اتساع معرفة العارفين بالله 
تعالى إنما تكو فى معرفة أسمائه وصفاته فبقدر ما يتكشف لهم من معلوماته وعجائب 
مقدوراته وبدائع آياته فى الدنيا والآخرة يكون تفاوتهم فى معرفته سبحانه وتعالى والله 


أعلم . 
فصل 


اعلم: أن جملة معانى أسماء الله تعالى الحسنى ترجع إلى عشرة أقسام: 

الأول: ما يدل على الذات فقط . كقولك:الله ويقرب منه اسم الحق تعالى إذا أريد به 
الذات من حيث هى واجبة الوجود. 

الثانى : ما يرجع إلى الذات مع سلب مثل القدوس ٠السلام‏ والغنى والأحد ونظائرهاء 
فإن القدوس هو المسلوب عنه كل ما يخطر بالبال ويدخل فى الوهم» والسلام هو المسلوب 
عنه كل عيب ونقص» والغنى هو المسلوب عنه كل حاجة » والأحد هو المسلوب عنه النظير 
والقسمة. 

الثالث: ما يرجع إلى الذات مع إضافة كالعلى والعظيم. والأول والآخرء والظاهر 
والباطن ونظائرها. فإن العلى هو الذات الذى هو فوق سائر الذوات فى الرتبة فهى إضافة. 
والعظيم ما يدل على الذات من حيث تجاوز حدود الإدراكات» والأول هو السابق على 
الموجودات» والآخر: هو الذى إليه مصير الموجودات. والظاهر: هو الذات بالإضافة إلى 
دليل العقل» والباطن هو الذات بالإضافة إلى إدراك الحس والوهم. 

الرابع: ما يرجع إلى الذات مع سلب وإضافة كالملك والعزيزء فإن الملك هو الذات 
الى لا ماع إلى شن وتاج إلا كل شي والعزيز هو الذى لا نظير له وهو ما تشتد 
الحاجة إليه ويصعب نيله والوصول إليه. 

الخامس: ما يرجع إلى الذات مع صفة ثبوته كالحى والعالم والقادر والمريد والسميع 
والبصير والمتكلم . 

السادس: ما يرجع إلى العلم مع إضافة كالحكيم والخبير والشهيد والمحصى. فإن 
الحكيم يدل على العلم مضافًا إلى أشرف المعلومات: والخبير يدل على العلم مضافًا إلى 
الأمور الباطنة» والشهيد يدل على العالم مضافًا إلى ما يشاهد والمحصى يدل على العلم 
الذى يحيط بمعلومات محصورات معدودة التفصيل . 


کے بمبجموعة رسائل الامام الفرالی د ۱۳۹ = 

السابع: ما يرجع إل القدرة مع زيادة إضافة كالقوى ولمتين والقهار فإن القوة هى 
تنام القدرة» والمتانة شدتهاء والقهر تأثيرها فى المقدورة بالغلبة . 

الثامن: ما يرجع إلى الإرادة مع فعل وإضافة كالرحمن والرحيم والرءوف والودود. 
نإن الرحمة ترجع إلى الإرادة مضافة إلى قضاء حاجة المحتاج الضعيف. والرأفة شدة 
لرحمة وهى البالقّة فى الرحمةء والودود يرجع إلى الإرادة مضافًا إلى الإحسان والإنعام 
وفعل الرحمة يستدعى محتاجًا وفعل الود لا يستدعى ذلك بالإنعام على سبيل الابتداء . 

التاسع: ما يرجع إلى الذات مع صفة إضافية كالخالق والبارئ والمصور والوهاب 
والرزاق والفتاح والباسط والقابض والخافض والرافع والمعز والمذل والعدل والمقيت والمغيث 
والمجيب والواسع والباحث والمبدى والمعيد والمحيى والمميت والمقدم والمؤخر والولى والبر 
والتواب والمنتقم والمقسط لاس اي والهادى ونظائرها . 

العاشر: مايرجع إلى الدلالة على الفعل مع إضافة كالمجيد والكريم واللطيف. فإن 
المجيد يدل على سعة الإكرام مع شرف الذات . والكريم كذلك؛» واللطيف يدل على الفعل 
مع الرفقء ولا تخرج هذه الأسامى وغيرها عن مجموع هذه الأقسام العشرة. فقس بما 
أوردناه على ما لم نورده وذلك على وجه خحروج هذه الأسامى عن الترادف مع رجوعها إلى 
هذه الصفات المشهورة والمحصورة والله تعالى أعلم . 

اعلم: أن معانی أسماء الله الحسى مندرجة فى أربع كلمات وهن الباقيات الصالحات 
(سبحان الله والحمد للّه ولا إله إلا الله والله أكبر) . 

الكلمة الأولى : سبحان الله ومعناها فى كلام العرب التنزيه والسلب فهى مشتملة 
على سلب النقص والعيب عن ذات الله تعالى وصفاته فما كان من أسمائه سليًا فهو مندرج 
تحت هذه الكلمة كالقدوس وهو الطاهر من كل عيب» والسلام هو الذى سلم من كل آفة. 

الكلمة الثانية: قول الحمد لله وهى مشتملة على إثبات ضروب الكمال لذاته وصفاته 
سبحانه وتعالی» فما کان من أسمائه متضمنًا الإثيات كالعليم والقدير والسميع والبصير فهو 
مندرج تحتها فنفينا بسبحان الله كل عيب عقلناه وكل نقص فهمناه» وأثبتنا بالحمد لله كل 
كمال عرفناه وكل جلال أدركناه وراء ما نفيناه وأثبتناه شأن عظيم قد غاب عنا وجهلناه 
فنحققه من جهة الإجمال بقولنا الله أكبر. 

وهى الكلمة الثالثة ومعناها: ا وما أثبتناه وذلك معنى قوله عليه 
الصّلاة والسّلام : «لا أحصى ثناء عليك أنت كما ألْنيت ت على تقسك» » فما کان من أسمائه 
متضمنئًا فوق ما عرفناه وأدركناه كالأعلى والتعالن فو در مث قولنا: الله أكير فى 
الوجود من هذا شأنه نفينا أن يكون فى الموجودين من يشاكله أو يناظره فحققنا ذلك بقوانا: 
لا إله إلا الله . 


کے .)| سحلت مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


وهى الكلمة الرابعة: إذ الألوهية ترجع إلى استحقاق العبودية ولا يستحق العبودية 
إلا من اتصف يجميع ما ذكرناه» فما كان من أسمائه متضمنًا للجميع على الإجمال 
كالواحد الأحد وذى الجلال والإكرام فهو مندرج تحت قولنا لا إله إلا الله. وإنما استحق 
العبودية لما وجب له من أوصاف الجمال ونعوت الكمال التى لا يصفها الواصفون ولا يعدها 
الاد دول در عت الباقيات الصالحات فى كلمة على سبيل الإجمالى وهى: الحمد لله 
لاندرجت فيها كما قال السيد الجليل والإمام الحفيل على بن أبى طالب رضى الله عنه: (لو 
شتت أن أوقر بعيرً من قول الحمد لله لفعلت). فإن الحمد لله هو الثناء والثناء يكون يإثبات 
الكمال تارة وسلب النقص أخرىء» وتارة بالاعتراف بالعجز عن إدراك الإدراك وتارة بإثبات 
التفرد بالكمال والتفرد والكمال من أعلى مراتب المدح والكمال. وقد اشتملت هذه الكلمة 
على ما ذكرناه فى الباقيات الصالحات لآن الألف واللام فيها لاستغراق جنس المدح والحمد 
ما علمناه وجهلناه ولا خروج للمدح عن شئ مما ذكرناه. ولا يستحق الإلهية إلا من اتصف 
بجميع ما ذكرناهء ولا يخرج عن هذا الاعتقاد ملك مقرب ولا نبى مرسل ولا أحد من 
أهل الملك إلا من خذله الله واتبع هواه وكان أمره فرطًا وعصى مولاه أولئك قوم قد غمرهم 
ذل الحجاب وطردوا عن الباب وأبعدوا عن ذلك الجناب» وحق لمن حجب فى الدنيا عن 
إجلاله ومعرفته أن يحجب فى الآخرة عن إكرامه ورؤيته. 


الب بالثالث عشر 
فى الاعنقاد والتمسك بعقيدة صحيحة ومعنى الاعنقاد انلخاد 
عقد صورة علم أوظن فى القلب يوجود المفيبات والعلم 
الاعنماد الجازم الثابتالمطابق للواقع 
وقال بعض الكبار: العلم نور إذا نزل فى القلب ينفذ شعاعه إلى حيث المعلوم 
ويتعلق به كما يتعلق نور العين بالمرئى الاعتقاد الصحيح هو الخالى عن التعطيل والإلحاد 
والتشبيه والتتجسم والتكييف والنقص والحلول والاتحاد والإباحة وغير ذلك» وأن يكون معه 
التنزيه والعظمة والكبرياء كما كانت الصحابة رضى الله عنهم. ودليله الكتاب واللنة 
واجتماع الآمة. ثم قال: على العبد أن يعلم أن الله تعالى واحد أحد قرد صمد فى ذاته 
وصفاته» لا مثل له فی ذاته ولا نظير له فى صفاته» ولاشريك له فى ملكهء ولاحدوث فى 
صفاته » ولا زوال ولا بداية لقدمه ولا نهاية لبقائه دائم الوجود ولا آخر له قيوم الموجودات 
لا انقطاع له لم يزل ولا يزال موصومًا بصفات الجلال والجمال لا نهاية لكبريائه ولا غاية 
لعظمته وجلاله. ليس بجسم ولا جسمانی ولا بروح ولا روحاتى ولا بجوهر محدود ولا 


جح مجموعة رسائل الإمام القزالی سیک ۱٤١‏ = 


تحله الجواهرء بل هو خالق الأشياء أحد صمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفو أحد منزه 
عن الحركة والانتقّال والجهة والمكان وأنه تعالى قريب من كل موجود وهو أقرب إلى العبد 
من حبل الوريد. قربه من الخلق ليس كقرب الخلق بعضهم من بعض» بل هو قريب يلبق 
ا 

كل اكد <قرين الله شان رونك عر القرين فقال ور ل بالق وب 
بافتراق ولا كيفية لقربه ومعيته» كما أنه ليس كمثله شئ كذلك قربه ومعيته ليس كمعية أحد 
وقربه وأنه تعالى كان ولم يكن معه شئ وهو الآن على ما هو عليه. 


فصل 
اعلم: أن من أجرى الاستواء على العرش على ما ينبئْ عنه ظاهر اللفظ وهو 
الاستقرارعلى العرش . فقد التزم التجسيم وإن تشكك فى ذلك كان فى حكم المصمم على 
التجسيم أيضًاء وإن قطع باستحالة الاستقرار على العرش فقد تأول الظاهر وهو اعتقاد أهل 
الحق . وكذلك من أجرى النزول على ما ينبئ عنه ظاهر اللفظ وهو الحركة والانتقال» فقد 
التزم التجسيم أيضاء وإن قطع باستحالة الحركة والانتقال فقد تأول الظاهر وهو اعتقاد أهل 
الحق. 
واعلم: أن الإعراض عن تأويل المتشابه خوقًا من الوقوع فى محظور من الاعتقاد 
يجر إلى الشك والإيهام واستزلال العوام وتطريق الشبهات إلى أصول الدين وتعريض بعض 
آيات كتاب الله العزيز إلى رجم الظنون والحمد لله وحده وهذه العقيدة الصحيحة السليمة 
لصاحب قلب سليم سلم من البدعة ومن استيلاء وساوس الشيطان وهواجس النفس وزين 
بالتقوى وأيد بالهدى وهذب بالورع وغذى بالذكر والله تعالى أعلم . 


الباب الرابع عشر 
فى بيان صمات الله تعالى 
الصفات الثبوتية سبعة وهى : الحياة والعلم والإرادة والقدرة والسمع والبصر 
والكلام» وكل صفة من هذه الصفات لها تعلق إلا الحياة فإنها ينبوع الكمالاتء فالعلم 
يتعلق بكل واجب وجائز ومستحيلء فالواجب هو ذات الله تعالى وصفاتهء والجائز هو 
جميم الممكنات». والمستحيل هو الذى لا يمكن وجوده والإرادة تعلقها تخصيص 
والتخصيص ترجيح أحد الممكنات من العدم إلى الوجود على ما يريد أن يبرزهء والقدرة 
تعلقها تأثير والتأثير هو إبراز معدوم أو إعدام موجودء فلولا سبق العلم لم يحصل 


حب ۱)١‏ ل يسيسحت مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


تخصيص الإرادة» ولولا تخصيص الإرادة لم يحصل تأثير القدرة» والسمع يتعلق بكل 
مسموع قديم أو حادث. والكلام يتعلق بجميع ما يتعلق به العلمء وهذه الصفات كلها 
قائمة 'بذات الله تعالى وهى منقسمة إلى ما يتعلق بغيره كشمًا كالعلم والسمع والبصرء وإلى 
ما يتعلق بغيره من غير كشف ولا تأثير: كالكلام» وأعمها تعلمًا: العلم والكلام وأخصها 
السمع وم ديا البصرء والبقاء هو استمرار الوجود وليس هو وصما زائدًا على مفهوم 
الذات» فالأشعرية يقولون الحق سبحانه وتعالى حى بحياةءعالم بعلم قادر بقدرة» مريد 
ا ن ر ی كلدم : 

ومذهب القدرية: أنه حی بذاته» قادر بذاته مرید بذاته» سميع بذاته» بصیر بذاته» 
متكلم بذاته وهو خطأ. 

ومذهب الطبائعية: أن النار محرقة بطبعهاء والماء مرو بطبعه» والعيش مشبع بطبعه» 
والأفلاك والكواكب مؤثرة بطبعها وقس عليه جميع الأسباب. 

ومذهب أهل الحق أن المؤثر هو قدرة الله تعالى وأن الأسباب لا أثر لهاء واللّه أعلم. 

واعلم: أن الصفات السبع عند الأشاعرة معان زائدة على مفهوم الذات وهى ثابتة 
الأعيان والأحكام. ومعنى ثبوت الأعيان أنها ليست نفس الذات ولا خارجة منها. وقال 
غيرهم من المحققين: إنها نسب وإضافات ثابتة الأحكام معدومة الأعيان ومعنى كونها 
معدومة الأعيان أنها ليست زائدة على مفهوم الذات. وقال غيرهم من السادة: اعلم أن 
الأسماء والصفات نسب وإضافات ترجع إلى عين واحدة إذ لا كثرة هناك بوجود أعيان 
زائدة على الذات المقدسة› كما زعم من لاعلم له يالله تعالى من بعض النظار. قلو كانت 
أعيانًا زائدة وما هو إله إلا بها لكان معلولاً لها فلا يخلو أن تكون هى عيته. فالشئ لا 
كرة مطولة ل أكون عالأله لآ زو رل لله اليك عع اون فلاف رهن 
افتقاره وافتقار الإله محال فكون الأسماء والصفات أعيانًا زائدة محال» فافهم جيدا والحمد 
لله وحده. 

البابالخامس عشر 
فى ييان حقيقة الإخلاص والرياء وحكمهما وتأثيرهما 

اعلم: أن الإخلاص عند علمائنا إخلاصان: إخلاص العمل وإخلاص طلب الأجر. 

فأما إخلاص العمل: فهو إرادة التقرب إلى الله تعالى وتعظيم أمره وإجابة دعوته 
والباعث عليه الاعتقاد الصحيح وضد هذا الإخلاص النفاق. وهو التقرب إلى من دون الله 
تعالى. وأما إخلاص طلب الآجر: فهو إرادة نفع الآخرة بعمل الخير وضد هذا الإخلاص: 
الرياء وهو إرادة نفع الدنيا بعمل الآخرة سواء أراده من الله تعالى أو من الناس» لأن 


حب مجموعة رسائل الإمامالقفزالی nuded‏ ]ا = 


الاعتبار فى الرياء بالمراد لا بامراد منه» وأما تأثيرهما: فهو أن إخلاص العمل يجعل الفعل 
قربة وإخلاص طلب الأجر يجعله مقبولاً وافر الأجر. 

وآما النفاق: فإنه يحبط العمل ويخرجه عن كونه قربة والرياء يوجب ردهء وأما 
موضع الإخلاص وفى أى طاعة يقع ويجب. فاعلم أن الأعمال عند بعض العلماء ثلاثة 
أقسام: قسم يقغ' فيه إخلاصان جميعًا وهو العبادة الظاهرة الأصلية؛ وقسم لا يقع فيه 
إخلاص طلب الأجر دون إخلاص العمل وهو المباحات المأخوذة للعدة. وقال شيخنا: إن 
كل عمل يحتمل الصرف إلى غير الله تعالى من العبادات الأصلية يقع فيه إخلاص العمل 
والعبادات الباطنة أكثرها يقع فيها إخلاص العمل. وأما الإخلاص فى طلب الأجر: فكان 
شيخنا يقول: إِذا أراد العامل من الله تعالى بالعبادات الباطنة نفع الدنيا فهو أيضًا رياء. 
قلت: فلا يبعد إِذَا أن يقع فى كثير من العبادات الباطنة الإخلاصانء» وكذلك النوافل. 
يجب عليها الإخلاصان جميعًا عند الشروع فيها. وأما المباحات المأخوذة للعدة: فإنه يقع 
إخلاص طلب الأجر دون إخلاص العمل إذ هى لا تصلح بنفسها أن تكون قربة» بل هى 
عدة على القربة وهذا مواضعهاء وأما وقتها: فهو أن إخلاص العمل يكون مع الفعل يقارنه 
لا محالة ويتأخر عنه» وإخلاص طلب الأجر ربا يتأخر عنه. وعند بعض العلماء ربما يعتبر 
فيه وقت الفراغ من العمل؛ فإذا فرغ العمل على إخلاص ورياء فقد انقضى الأمر ولا يمكن 
استدراكه بعدء والله أعلم. 


فصل 

اعلم: أنه يجب على العبد أن يتحفظ فى العمل من عشرة أشياء: النفاق والرياء 
والتخليط والمن والأذى والندامة والعجب والحسرة والتهاون وخوف ملامة الناس. ثم ذكر 
شيخنا رحمه الله تعالى ضد كل خصلة منها وإضراره بالعمل» فضد النفاق إخلاص العمل 
لله تعالى» وضد الرياء إخلاص طلب الأجرء وضد التخليط التقوى» وضد المن تسليم 
العمل لله تعالى؛ وضد الأذى تحصين العملء وضد الندامة تثبيت النفس» وضد العجب 
ذكر المنة لله تعالى» وضد الحسرة اغتنام الخيرء وضد التهاون تعظيم التوفيق» وضد خوف 
ملامة الناس خشية الله تعالى. 

ثم اعلم أن النفاق يحيط العمل والرياء يوجب ردهء والمن والأذى يحبطان الصدقة 
فى الوقت. وعند بعض المشايخ يذهبان أضعافهاء وأما الندامة فإنها تحبط العمل فى قولهم 
جميعاء والعجب يذهب أضعاف العمل والحسرة والتهاون يخففان العمل. فعليك بقطع 
هذه العقبة المخوفة الخطرة وبالله التوفيق . 


کے ))۱ يبت بمجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


البابالسادس عشر 
فى | لرد على من أجازالصغائر على الأنبياء صلى الله عليهم وسم 

قال القاضی عياض رحمه الله تعالى فى كتابه الشغا: 

اعلم: أن المجوزين للصغائر على الأنبياء صلَّى الله عليهم وسلّم من الفقهاء 
والمحدثين والمتكلمين احتجوا على ذلك بظواهر كثيرة من القرآن والحديث إن التزموا 
ظواهرها أفضت بهم إلى تجويز الكبائر وخرق الإجماع ما لا يقول به مسلمء فكيف وكل ما 
احتجوا به ما اختلف المفسرون فى معناه وتقابلت الاحتماللات فى مقتضاه وجاءت أقاويل 
فقهاء السلف بخلاف ما التزموه من ذلك . فإذا لم يكن مذهبهم إجماعًا وكان الخلاف فيما 
احتجوا به قديًا وقامت الدلالة على خطأ قولهم وصحة غيره وجب تركه والمصير إلى ما 
صح والله تعالى أعلم. 


فصل فيما يجب على الأنام من حقوقَ النبى 
عليه أفضل الصلاة والسلام 

أولها: تصديقه فى كل ما جاء به وما قاله ومطابقة تصديق القلب بذلك شهادة 
اللسان أنه رسول الله إلى الناس كافة واتباعه فى جميع ما أمر به أو نهى عنه» وكذلك 
محبته ومناصحته وتوقيره وبرّه والصلاة عليه كل ذلك واجب» لأنه عا جاء به عله . 

واعلم: أن الأمة مجتمعة على عصمة النبى نله من الشيطان وكفايته منه فلا يصل 
إلى ظاهره بشئ من أنواع الأذى ولا إلى باطنه بشىء من الوساوس» وكذا عصمته عن 
الجهل بالله تعالى وصفاته أو كونه على حالة تنافى العلم بشئْ من ذلك كله جملة بعد النبوة 
عقلاً وإجماعا وتبلها سمعًا ونقلاً. رلا بشىء مما قرره من أمور الشرع وأداه عن ربه عر 
وجل من الوحى قطعا وعقلاً وشرعا. وكذا عصمته من الكذب وخلف القول منذ نبأه الله 
تعالى وأرسله قصدا أو غير قصد واستحالته عليه عقلاً وإجماعا لمناقضته للمعجزة وتنزيهه 
عنه قبل النبوة قطعاء وكذا تنزيهه عن الكبائر إجماعا وعن الصغائر وملابة المكروهات 
تحقيقاء بل تنزيه همته الشريفة عن تناول المباحات إلا على قصد تبيين إباحتها والاستعانة بها 
على طاعة ربه عز وجل» وكذا عصمته فى جمیع حالاته من رضی وغضب» وجد وهزل» 
وصحة ومرضء وكذا استحالة السهو والتسيانء والغفلة والغلط عليه فى الأخبار والأقوال 
البلاغية إجماعاا لمناقضته المعجزة وجواز السهو عليه فى الأفعال البلاغية بشرط أن لا يقر 
عليه؛ بل ينبه عليه على الفور لتظهر فائدة النسيان من معرفة الحكم والاتباع له فيما 


جح مجموعة رسائل الآمام الغرال سس یی ۱)١‏ = 


يشرعه» وفرقوا بين السهو فى الأفعال البلاغية والأقوال البلاغية لقيام الممجزة على الق 
فى القول ومخالفة ذلك يناقض المعجزة» وأما السهو فى الأفعال: فغير مناقض للمعجزة 
ولا قلدح فى النبوة» e‏ النسيان هنا فى حقه عله سبب إفادة علم وتقرير شرع» 
كما #الفظة ‏ نإ لمك اسن ولك ا ا ر ا ر ا ا غر تبات الصو 
بل هو زيادة في التبليغ وتمام عليه فى النعمة. وأما ما ليس طريقه البلاغ ولا بيان الأحكام 
من أفعالهكَيتهُ وما يختص من أمور دينه وأذكار قلبه. فالذى ذهب إليه جماعة الصوفية 
وأصحاب علم القلوب استحالة السهو والنسيان والغفلات والفترات عليه فيه جملة. وأجاز 
ذلك الأكثر من طبقات علماء الأمة وذلك بما كلفه من سياسة الأمة ومقاساة الخلق ومعاناة 
الأهل وملاحظة الأعداء» ولكن ليس على سبيل التكرار ولا الاتصال» بل على سبيل 
الندور وليس فى هذا * كن مخف و مر هآو افش ن ن 
واعلم: أنه يجوز طريان الآلام والأوجاع على ظاهرجسم البى عه ليتحقق 
بشريته» ولكن لا يصل شئ من ذلك إلى باطنه عله نتعلقه بمشاهدة ربّه عزّ وجل والأنس 
به» ثم اعلم أن المصير فى جميع ما ذكرنا فى حق جميع الأنبياء والملائكة كالمصير فى حق 


فصل فی بیان ما یجب عای النبی إن ومايجرم عليه 
وما یباح له وما خص به من الفضائل دون غيره 

فأما ما يجب عليه فهو التهجد والوتر والضحى والأضحية والمشاورة وتخيير 
الزوجات والسواك ومصابرة العدو وإن كثروا وتغيير المنكر. 

وأما ما يحرم عليه دون غيره: فهو الخط والشعر والصدقة والزكاة ومد عينيه إلى ما 
متع به غيره» والمخادعة فى الحرب» ومسك الزوجة المكارهة وفى طلاق الراغبةء وأكل 
الكراث والثوم والبصل» والأكل متكنًا وفيه خلاف. والأصح الكراهية لا التحريم» ونكاح 
الحرة الكتابية والأمة المسلمة وغيرهاء والصلاة على المدين على خلاف فيه. والأصلح أنه 
صلَّى بعد ذلك. ونزعه لأمة الحرب قبل القتال. 

وأما ما يباح لهيَّهُ: فهو حكمه لنفسه ولفرعه وشهادته وقبوله أيضًا لهما وخمس 
الخمس وحل الغنائم ومن أرادها لزم زوجها طلاقهاء وله التكاح بلا مهر لمن شاء ويصح 
نكاحه بلفظ الهبة» ويجوز أخذه طعام المحتاج ويلزم المضطر بذله ويحيى ما شاء من موات 
ويقتضى بعلمه أبدا ويجب على خاطره دفع قاصده بسوءء ولا ينتقض وضوءه بالنوم ولا 
باللمس على الأصح. ولا يورث ماله ويلزم الخلية إجابتهء ويعقد نكاحه بلا ولى ولا 


جک ١ ١‏ ملسست مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


شهودء وله الزيادة على أربع وعلى تسع فى الأصح» وله النكاح فى الإحرام ويصح نكاحه 
من نفسه وممن شاء. 

وأما ما خص به من الفضائل فهو: أن أزواجه اللاتى مات عنهن حرام على غيره 
قطعًا . وكذا اللاتي فارقهن بعد الدخول فى الآأصح »وهن أمهات المؤمنين» وشرعه عه ناسخ 
لما قبله يستمر إلى انقضاء الأبد. وكتابه المعجز المستمر السالم من التبديل والتحريف وهو 
حجة الله تعالى على عباده» وجعلت له الأرض مسجدً وظهوراء وأعطى خمسة شفاعات 
وخص بالشفاعة العظمىء وهو أول من يقرع باب الجنةء وأمته خير أمة ولا تجتمع على 
ضلالء .وهو أول شافع مشفع, وأول من تنشق عليه الأردض» ونصف أمته كالملائكة يوم 
القيامة. وفضلاته طاهرة على الأصح يتيرك بها ويستشقى بنهاء ويرى من ورائه کما یری 
أمامهء ولا يحل مناداته من وراء حجرتهء وصلاته فى النفل قاعدًا فى أجره كصلاته فى 
الوقوف» ولا يجوز نداؤه باسمه» .وأعطى جوامع الكلم . 


فصل 

اعلم: أن الله تعالى قد حرم أذى النبىعَيِته فى القرآن ولعن مؤذيه» واجتمعت الأمة 
على قتل :منتقصيه وسابه من المسلمين :تصريحًا كان أو تعريضًا وأما ما هو حقه سب 
أونقص . 

فاعلم: ان او او الوه فا فی کد ار هه أو فته ر ل شه 
خصاله أو نسبه أو عرض به أو شبهه بشّئ على ظريق السب له أو الإزراء عليه أو :التصغير 
بلسانه فهو ساب 'له وسابه يقتل. وكذا حكم من غيره بما جرى من الانتلاء والمحنة عليه أو 
غمضه ببعض العوارض البشرية الجائزة عليى وهكذا كله بإجماع من العلماء من لدن 
الصحابة إلى الآن. 

قال ابن المنذبر رحمه الله تعالى: أجمع عوام أهل العلم على أن من سب رسول الله 
َه يقتل. وممن قال بذلك مالك والليث وأحمد وإسحاق ومذهب الشافعى وهو مقتضى 
مذهب أبى بكر الصديق رضى الله عنه وعنهم فلا تقيل توبته عند هؤلاء» وبمثله قال بو 
حنيفة وأصحابه والثورى وأهل الكوفة والأوزاعى فى المسلم لكنهم قالوا: هى ردة» والله 
أعلم . 


جح مجموعة رسائل الإمام الفزالى سس سس حت ]اح 


الباب السابع عشر 
فى معرفة الخواطر وأقسامها ومحارية الشيطان وقهره 
والتدبيرفى دفع شره.وأن يستعيذ بالله تعالى منه أولااثم 
يحاريه بثلاثه أشياء 
أحدها: أن تعرف مكائده وحيله ومخادعاته. 
والثانى: أن تستخفه بدعوته قلا تعلق قلبك بها. 
والثالث: أن تديم ذكر الله تعالى يقلبك ولسانك» إن ذكر الله تعالى فى جنب 
الشيطان كالأكلة فى جنب ابن آدم» فأما معرفة مكائده فإنه يستيين لك بمعرفة الخواطر 


أو الترك وحدوث جميعها فى القلب. من الله تعالى إذ هو خالق كل شئ» لكتتها أربعة 
أأقسام: فقسم منها يحدثه الله تعالى فى قلب العيد ايتداء فيقال له الخاطر فقطء وقسم 
يحدثه موافقًا لطبع الإنسان فيقال له هو النفس» وقسم يحدثه عقب دعوة الشيطان فينسب 
إليه ويقال له الوسواسء وقسم يحدثه الله ويقال له الإلهام» ثم اعنم أ الخاطر الذى من 
قبل الله تعالى ايتداء قد يكون خيرا إكرامًا وإلزامًا للحجة. وقد يكوت شرًا امتحاناء والخاطر 
ادق يكره من كبر الم ا رة اج اه فاص سردل يريل إلا لدلك: 
والخاطر الذى يكون من قبل الشيطان لا يكون إلا بشر إغواء وربما يكون بالخير مكرا منه 
واستدراجاء والخاطر الذى يكون من قبل هوى النفس لا يكون إلا بالشر وقد يكون بال خير 
لا لذاته فهذه أتواعنها. 

ثم اعلم أنك محتاج إلى ثلاثة فصول::. 

فأما الفصل الأول: قال العلماء. رضى الله عنههم أنجمعين إذا أزدت. أن تعرق خاطر 
الخير من خاطر الشر وتفرق. بينهما فزته بألحد الموازيين الثلاثة بين للك. حاله: 

فالأول: هو أن تعرضه على الشرع فإن وافق جنسه فهو خير وإ كان بالضد إما 
برخصة أو بشبهة فهو شر. فإن لم يبين لك. بهذا الميزانء فاعرضّه على الاقتداء 
بالصالحين» فإن كان فيه اقتداؤهم فهو خير وإلا فهو شرى وإن لم يبين لك بهذا الميزان» 
فاعرضه على النفس والهوئ» فإن كان مما تيل إليه النفس.ن ميل طبع لا ميل رجاء إلى الله 
تعالى فهو شر. 

وأما الفصل الثاتى : إذا أردت أن تفرق بين خاطر شر انتداء من قبن الشيطان أو من 
قبل النفس أو من الله تعالى» فانظزر فيه ثلاثة أوجه: 


یی ۱)۸ للست مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 

أحدها: إن وجدته ثابنّا راتبًا مصممًا على حالة واحدة فهو من الله تعالى أو من 
هوى النفس» وإن وجدته مترددا مضطربًا فهو من الشيطان. 

وثانيًا: إن وجدته عقب ذنب أحدثته فهو من الله تعالى عقوبة لك وإن لم يكن 
عقب ذنب كان منك فهو من الشيطان. 

وثالتها: إن وجدته لا يضعف ولا يقل من ذكر الله تعالى ولا يزول فهو من هوى 
النفس» وإن وجدته يضعف من ذكر الله فهو من الشيطان. 

وأما الفصل الثالث: إذا أردت أن تفرق بين خاطر خير يكون من الله تعالى أو من 
الملك فانظر فى ذلك من ثلاثة أوجه: 

أحدها: إن كان مصمما على حالة واحدة فهو من الله تعالى» وإن كان مترددًا فهو 
من الملك إذ هو بمنزلة ناصح . 

والثانى : إن كان عقب اجتهاد منك وطاعة فهو من الله تعالىء وإلا فهو من الملك. 

والثالث: إن كان فى الأصول والأعمال الباطئة فهو من الله تعالى وإن كان فى 
الفروع والأعمال الظاهرة فهو من الملك فى الأكثرء إذ الملك لا سبيل له إلى معرفة باطن 
العبد فى قول أكثرهم» وأما خاطر الخير الذى يكون من قبل الشيطان استدراجا إلى شر 
يربو عليهء فانظر فإن وجدت نفسك فى ذلك الفعل الذى خطر بقلبك مع نشاط لا مع 
خشية »ومع عجلة لا مع تأن» ومع أمن لا مع خوف. ومع عمى العاقبة لا مع بصيرة» 
فاعلم أنه من الشيطان فاجتنبه» وإن وجدت نفسك على ضد ذلك فاعلم أنه من الله تعالى 
أو من الملك قلت أنا وكان النشاط خفة فى الإنسان للفعل من غير بصيرة وذكر ثواب ينشط 
فى ذلك . وأما التأنى : فمحمود إلا فى مواضع معدودةء وأما الخوف: فيحتمل أن يكون 
فى إتمامه وأدائه على حقه وقبول الله تعالى إياه. 

وأما بضارة العاقبة: فبأن تتبصر وتتيقن أنه رشد وخيرء ويحتمل أن يكون لرؤية 
الثواب فى العقبى ورجائه. فهذه الفصول الثلاثة التى لزمتك معرفتها فارعها فإنها من 
العلوم اللطيفة والأسرار الشريفة فى هذا الأمرء وبالله التوفيق وهو ولى الهداية. 


البابالثامن عشر 
فى بیان معن یآفات اللسان وهى عشرونآفة 
أولها: الكلام نيما لا يعنى؛ ثم فضول الكلام» ثم الخوض فى الباطل» ثم المراء 
والمجادلةء ثم الخصومة» ثم التقعر فى الكلامءثم الفحش والسب ثم اللعن» ثم الشعرء ثم 
المزاح» ثم السخرية والاستهزاء» ثم إفشاء:سر الغيرء ثم الوعد الكاذب. ثم الكذب فى 


جب مجموعة رسائل الإمامالقزالی س یک ۱٤٩4‏ = 
القول واليمين» ثم الغيبة والنميمة ثم ذو اللسانين» ثم المدحء ثم الخطأ فى فحوى الكلامء 
ثم سؤال العوام عما لا يبلغه فهمهم من صفات الله تعالى. فأما حد الكلام قيما لا يعنى: 
فهو أن يتكلم بما لو سكت عنه لم يأثم ولم يتضرر فى حال ولا مآل. وأما فصول الكلام: 
فهو الزيادة على قدر الحاجة فيما يغنى. 

وأما الخوض فى الباطل: فهو الكلام فى المعاصى كحكاية أحوال. الوقاع ومجالس 
الخمور وتجبر الظلمة وكحكاية مذاهب أهل الأهواء. وكذا حكاية ما جرى بين الصحابة 
رضى الله عنهم أجمعين على وجه الاستنقاص بيعضهم. وأما المراء: فهو الاعتراض على 
الغير بإظهار خلل فى لفظه أو معناه أو قصذده به. وأما المجادلة : قهو مراء يتعلق بالمذاهب 
وتقريرها. وأما الخصومة: فهى لجحاج فى الكلام بإظهار اللدد على قصد الإيناء ومزج 
الخصومة بكلمات مؤذية لا يحتاج إليها فى نصر الحجة. وأما التعقر قى الكلام: فهو تكلف 
الفصاحة بالتشدق. وأما المحش: فهو التعبير عن الأمور اللستقبحة بالعبارات الصريحة. 
وأما اللعن: فهو مايكون لجماد أو لحيوان أو لإتسان وكل ذلك منهى عنه لآن اللعن هو 
الإبعاد عن الله » ولا يجوز اللعن إلا على من يتصف بصقة تبعده عن اللّه تعالى والصفات 
المقتتضية للعن ثلاثة: الكفر والبدعة والفسق فيجوز لعن كل صنف من هذه الثلاثة. فأما 
لعن شخص بعينه من هذه الأصناف فلا يجوز إلا على من علم موته على الكفر كفرعون 
وأبى جهل وأبى لهب لاحتمال موته على الإسلام وأما الشعر: فحسنه حسن وقبيحه قبيح 
كالكلام. وأما المزاج: فهو منهى عنه إلا عن يسير لا كذب فيه ولا أدى . وأما السخرية: 
فهى التنبيه على العلوم والنقائض على وجه الضحك منه ومهما كان مؤذيًا حرم وإلا فلا. 
وأما إفشاء السر: فهو حرام إن كان فيه إضرار وإن لم يكن فيه إضوار فهو لوم. وأما الوعد 
الكاذب: فهو من علامات النفاق وذلك أنه إذا كان. حال الوعد عارّمًا على الخلف إذا أخلف 
من غير عذر. وأما من عزم على الوفاء وطرأ له عذر منعه من الوفاء فذلكء ليس بنفاق» 
ولكن يتبغى أن يتحرز من صورة النقاق أيضًا. وأما الكذب قى القول واليمين: فهو من 
قبائح الذنوب. وأما ما رخص فيه من الكذب: فاعلم أن الكلام وسيلة إلى المقاصد فكل 
مقصود محمود يكن التوسل إليه بالصدق والكدذّب جميعًكء فالكذب فيه حرام وإن أمكن 
التوسل إليه بالكذب دون الصدق فالكذب فيه مباح ». وإن كان تحصيق ذلك المتقصود واجبًا 
فهذا ضابطى وأما حكم الغبية: فأعلم أتها محرمة بالكتابه واللنة: وإجماح الأمة إلا ما 
يستثنى منها. وأما حدها: قهو أن تذكر أخاك المسلم فى حال غنيته ما قيه تما يكرهه لو بلغه 
وسواء ذكره بنقص فى دينه أو دنياه أو قوله أو فعله أو خلقه أو خلقه أو مليسه أو مكسبه أو 
تبه أو داره أو دابته» وسواء فى ذلك القول والفعل والغمز والرمز والإشارة والإعاء 
والتعريض والكتايةء فكل ذلك حرام . 


کی .۵ mw‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالى د 

وأما الأسباب الباعثة على الغيبةء فمنها: ما يختص بالعامة» ومنها: ما يختص بأهل 
الدين والخاصة من العلماء. فأما ما يختص بالعامة فهو الغضب والجحقد والحسد وموافقة 
الرفقاء فى الهزل واللعب والاستهانة والاستحقار والتصنع والمباهاة والترفع على الغير وإرادة 
التبرؤ من غيب نبيب إليه ينسبه إلى من فعله والمبادرة بتقبيح حال من يخشى أن يستقح 
حاله عند كبير أو محتشم . 

وأما مايختص بأهل الدين والخاصة من العلماء: فهو الخغضب لله تعالى على فاعل 
المنكر والتعجب من فعله والشفقة عليه والرحمة. فهذه من أغمض الأآسباب وأخفاهاء لأن 
الشيطان يخيل للجهلة من العلماء أن الغضب والتخيل إذا كانت لله تعالى كانت عذرًا 
مرخصا فى ذكر الاسم بالغيبة حاجات مخصوصة لا مندرجة عنها فى ذكر الاسم بالغيبة. 
وهى التظلم إلى الحكام والاستفتاء والاستعانة على إزالة المتكر والتحذير والنصيحة 
والتعريف باللقب . فهذه ثلاثة أمور هى المستثناة فى الشرع من الغيبة للضرورة . 

وأما معالجة مرضها: فهو أن تعلم أنك متعرض لسخط الله تعالى بغيبة أخيك المسلم 
ومحبط لحسناتك بنقلها إلى صحائف من استغبته . 

وأما أركان التوبة منها: فهى العلم والندم والإقلاع والعزم واستحلال من استغبته 
بذكر ما اغتبته به إلا أن يتعذر عليك فتدعو له. 

وأما حكم النميمة: فاعلم أنها محرمة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة» وأما حدها: 
فهو نقل كلام بعض الناس إلى بعض على قصد الإفساد. وسواء كرهه المثقول عنه أو 
المنقول إليه أو غيرهما. وأما سببها: فهو إما إرادة السوء بالمنقول عنه أو التحبب إلى المنقول 
إليه والخوض فى الباطل. وأما معاللجة مرضها: فهو أن تكف لسانك عنها حذرًا من 
ضررها. 

وأما أركان التوبة منها: فهى العلم والندم والإقلاع والعزم. وأما ماذا يجب على من 
لكا اله عة يزببعة أمتوو نوهي + اا ف واو ا وا ا ف اف ا 
لأنه بغيض عند الله تعالى» ويجب بغض من يبغضه الله تعالى» وأن لا ينم عليه» وأن لا 
يتجسس عن المنقول عنه» وأن لا يسئ الظن . 

واعلم أن سوء الظن بالمسلم حرام كسوء القول. وحده أن تحكم على أخيك الملم 
بالسوء بما لا تعلمه. وأما ذو اللسانين: فهو الذى ينقل كلام المتعادين بعضهم إلى بعض على 
جهة الإفسادء فإن لم ينقل كلامًا ولكن حسن لكل واحد منهما ما هو عليه من العداوة أو 
وعد كلاهما بأن ينصره أو أثنى عليهما فى معاداتهما أو أثنى على أحدهماء وكان إذا خرج 
من عنده امه فهو ذو لسانين فى ذلك كله؛ بل ينبغى له أن يسكت أو يثنى على المحق 


حل مجموعة رسائل الا مام الفرالی ۸ بصت 1١١١‏ 


منهما فى حضوره وغيبته وعند عدوه. وأما المدح : فهو منهى عنه فى بعض المواضعء وفيه 
ست آفات أربع فى المادح واثنان فى الممدوح. فآما التى فى المادح . 

' فالأولى: أنه قد يفرط فى المدح حتى ينتهى إلى الكذب. 

وثانيها: أنه قد يدخله الرياء فإنه بالمدح مظهر للحب وقد لا يكون كذلك. أو أنه قد 
لا يكون معتقدا لجميع ما يقوله فيصير به مرائيًا منافقًا. 

وثالثها: أنه قد يقول ما لا يتحققه فيكون كاذيًا مزكيًا من لم يزكه الله تعالى وهذا 
هلاك . 

ورابعها: أنه قد يفرح الممدوح وهو ظالم أو فاسق وذلك غير جائز لأن الله تعالى 
يغضب إذا مدح الفاسقء وأما الممدوح فيضره بالمدح من وجهين: 

أحدهما: أنه يحدث فيه كبر وعجيًا وهما مهلكان. 

والثانى: أنه إذا أثنى عليه بالخير فوح به وکر ورضى عن نفسه وقل تشمره لأمر 
آخرته. ولهذا قال رسول الله عه : : « قَطَعْتَ عق صاحبك» فإن سلم المدح عن هذه 
الآفات لم يكن به بأسء بل ربما كان مندوبًا إليه. ولذلك أثنى رسول الله ييه على 
الصحابة رضى a‏ : الَو وزن إيمان أبى بكثر بإمَان العالون 
لرجح». وقال: الو لم أَبَعَثْ للِعَنْتَ ياعمّر». رای اة ا ما ول عرد 
صدق وبصيرة وكانا أجل رتبة من أن يورثهما ذلك كبر وإعجابًاء بل مدح الإنسان 
قبيح لما فيه من الكبر والتفاخر إلا أن يكون مما لم يورثه ذلك كبر وإعجابًا. كما قال 
عله : «أنَا سيد ولّد آدم و لا فخا 1 ا اا کا له الاي اا 
على أنفسهم وذلك أن افتخاره يِه إنما كان بالله تعالى وبقربه لا بكونه مقدمًا على 
غيره من ولد آدم عليه الصلاه والسلام»وأما الغفلة عن دقائق الخطأ فى فحوى الكلام: 
فهو مثل أن يقول: مرا كذا وكذاءأو يقول للعنب كرما أو نحو ذلك ثما نهى 
عنه من الألفاظ. وأما سؤال العوام عما لا يبلغه فهمهم من صفات الله تعالى فهو مثل 
أن يأل عن بعض صفات الله تعالى أو عن كلامه أو عن الحروف هل هى حادثة أو 
قديمة فكل ذلك مذموم سؤالهم عنه لعدم فهمهم عنه لثلا يلتبس عليهم الحق بالباطل 
والله تعالى أعلم. 


البابالناسع 
فى بيان البطن وحفظه 
فن البطن وحفظى لأنه المعدن ومنه تهيج الأمور فی الأعضاء من خير وشر» فعليك 





ہے إن سس مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 





بصيانته عن الحرام. وكذا عن الشيهة ثم عن فضول إن كاتت لك همة قى عبادة الله تعالى- 
فأما الحرام أو الشبهة: قإنما يلرّمك التحفظ عنها لثلاثة أمور- 

الأول: حذرا من نار جهنم 

والثانى: أن آكل الحرام والشبهة مطرود لا يوفق للعيادة إذ لا يصلح خدمة الله تعالى 
إلا كل قلب طاهر ‏ خلت آليس قد متع الله تعالى الحتب من دخول يته والحدث من مس 
كتابه مع أنهما أثر مباح؟ فكيف بمن هو منغمس قى ققر الحرام والشبهة متى يدعو إلى 
خدمة الله تعالى وذكره الشريف (كلا فلا يكون ذلك) . 

والثالت: أن آكل الحرام والشيهة محرومء وإ اتقى له فعل خير فهو مردود عليه 
وليس له مته إلا العتاء والكد. 

وأما حكم الحرام والشيهة وحداهما: فاعلم أن الأولى فى حدهما أن ما تيقنت كونه 
ملكا للغير منهيًا عته فى الشرع أوغلب على ظتك فهو حرام .وأما ما تساوت فيه الأمارتان 
فهو شبهة بشيهة أنه حرام ويشبه أنه حلال ثم الامتناع من الذى هو حرام محض حتم 
واجب» والامتناع من للذى عمو شيهة تقوى وورع. وأما حكمه: فاعلم ما هو اللأصل فى 
هذا الكتاب» وهو أن هنا شيئين: أحدهما: حكم الشرع وظاهره. والثانى: حكم الورع 
وحقه. فحكم الشرع أن تأخذ ما آتاك الله عمن ظاهره صلاح» ولا تسأل إلا أن يتبين لك آنه 
غصب أو حرام بعيئه» وحكم الورع أن لا تأعذ من أحد شيئًا حتى تبحث عته غاية البحث 
فتتيقن أن لا شبهة بحال وإلا فترنده. 

فإن قلت: فكان الورع يخالف الشرع وحكمه. فاعلم أن الورع من الشرع أيضًا 
وكلاهما واحد فى الأصل» ولكن للشرع حكمان حكم الجواز وحكم الأقضل الأحوط . 
فالحائز نقول له حكم الشرع والأفضل الآحوط نقول له الورع والله تعالى أعلم. 

وأما حد فضيؤل الخلال: قاعلم أن أحجوال المباح فى الجملة أقسام: 

القسم الأول: أن يأخذ العبد مفاخر) مكائرًا مرائيًا فهذا يستوجب على ظاهر فعله 
اللوم وعلى باطنه عذلب التارء لأن ذلك القصد منه معصية :وقد وقع الوعيد لمن قصده. 

القسم الثانى: أن يأخذ الحلال لشهوة نفه لا غير فذلك منه شئ يوجب الحبس 
اشاب 

القسم الثالث: أن يأخذ من الحلال قى حال العذر قدرا يستعين به على عبادة ربه 
سبحانه وتعالى ويقتصر عليه فذلك منه حسنة وأدبء ولا حساب عليه ولا عتاب بل 
يستوجب به الأجر بوالمدج» والله تعالى أعلم . 


البابالعشرون 
فى بيان معرفة حيل الشيطان ومخادعاته 

قال رحمه الله تعالى ورضى عنه: أما معرفة الحيل والمخادعات من الشيطان مع ابن 
آدم فى الطاعات فهى من سبعة أوجه: 

أحدها: أنه ينهاه عن الطاعات . فإن عصمه الله منه أمره بالتسويف فإن سلمه الله منه 
أمره بالعجلة فإن ناه الله منه أمره بإتمَام العمل مراءاة فإن حفظه الله تعالى منه أدخل عليه 
العجبء فإن رأى منه الله تعالى عليه أمره بالاجتهاد فى السر وقال له: إن الله تعالى 
سيظهره عليك يريد بذلك جريان الرياء فإن اكتفى بعلم الله تعالى نجا منهء فإن لم يطعه فى 
شئ من ذلك كله وعجز عنه وقال له لا حاجة لك إلى هذا العمل لأنك إن خلقت سعيدا 
لم يضرك ترك العمل» وإن خلقت شقيًا لم ينفعك فعلهء فإن عصمه الله تعالى منه» وقال 
له: أنا عبد وعلى العبد امتثال أمر سيده وسيده يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد نجا منه بتوفيق 
الله تعالى وإلا هلك . ِ 

1 
فصل فى الحذرمن النفس 

قال رحمه الله تعالى ورضى عنه: العائق الرابع النفس ثم عليك بالحذر من هذه 
النفس.» فإنها أضر الأعداء وعلاجها أعسر الأشياء لآنها عدو من داخل» واللص إذا كان 
من أهل البيت عزت الحيلة فيه وعظم ضرره ولأنها أيضًا عدو محبوب والإنسان عم عن 
عيب محبوبه لا يكاد يرى عيبه ولا يبصره» ثم الحيلة فى أمرها أن تلجمها بلجام التقوى 
والورع ليحصل لك فائدة الامتثال والانتهاء واعلم أنه لا يذل النفس ويكسر هواها إلا ثلاثة 
أشياء : 

الأول: منعها عن شهوتها. 

الثانى: حمل أثقال العبادات عليها. 

الثالث: الاستعانة بالله تعالى عليها والتضرع إليه وإلا فلا يخلص من شرها ,إلا به 
سبحانه وتعالی . 


فصل فى بيان ما يؤاخذ العبد به من أعمال القاب 
وما لا يؤاخدبه 
اعلم: أن ها هنا أربعة أحوال للقلب قبل العمل بالجوارح . 


جب mmm ١١:‏ بمجموعة رسائل الإمامالفزالى ست 


ادها : لاط وح ديف اشن قبع ال و اا ا كان لاطو فيه 
و ل ل وهيجان شهوة النفسء لأنهما لا 
بدخلان عت الأحتيار: أنه رهما لاد قر عله عتما الله لأمتى ما حَدَنْت به أنفْسّها». 
فحديث التفس عبارة عن الخواطر التى تهجس فى النفس ولا يتبعها عزم على الفغل .- فاا 
الهم والعزم فلا يليان حديث النفس . 

وأما الثالث: وهو الاعتقادء وحكم القلب بأنه ينبغى أن يفعل فهذا مردد بين أن 
يكون اضطرارا أو اختيارًا والأحوال تختلف فيه. فالاختيارى منه يؤاخذ به والاضطرارى لا 
بؤاخدذ به. 

وأما الرابع: وهو الهم بالفعل» فإنه يؤاخذ به إلا أنه إن لم يفعل نظر فإن تركه خوقًا 
من الله تعالى وندمًا على همه كتب له حسنةء وإن تعوق الفعل بعائق أو تركه لا خوفًا من 
الله تعالى كتب عليه سيئة» فإن همه فعل من القلب اختيارى والدليل القاطع فيه : : ما روى 
عن سيدنا ومولانا رسول الله له آنه قال : «إذا التقى الُسلمَان بسيفهما فالقاتل والفتول فى 
تاره قبل: يارسول الله هذا القاتل فما بال المقتول؟ قال: "له راد َل صاحبه» وهذا نص 

ف ا فاو من اهل 'الثان رة اراد مع أنه قتل مظلومًا فكيف يظن أنه لا يؤاخذ بالنية 

O E E‏ بحسنة ونقض العزم بالندم 
حسنةء فلذلك كتبت حسنة وأما فوات المراد بعائق فليس بحسنة . 


البابالحادى والعشرون 
فى بيان ما يجب رعايته من حقوق الله تعالى وهو ضريان 


الأول: فعل الواجبات. 
بخصلة منها فقد وفى نفسه بها ما رتب على تركها من شر الدنيا والاخرة مع ما يحصل له 
واعلم: أنه لا يتقرب إلى الله تعالى إلا بطاعته وطاعته فعل واجب أو مندوب وترك 
جرم أو مکروه» فمن تقواه تقديم ما قدم الله تعالى من الواجبات على المندوبات» وتقديم 
ما قدمه من اجتناب المحارم المحرمات على ترك المكروهات. بخلاف ما يفعله الجاهلون 
الذين يظنون أنهم إلى الله متقربون وهم منه متباعدون فيضع أحدهم الواجبات حفظا 
الله تعالى بالطاعات. والتقوى قسمان أحدهما متعلق بالقلوب وهو قسمان: 


= ٠١٣١ kk ud سک بمحجيوعةرسائلالإمامالقزالى ہج‎ 


الأول: واجب كإخلاص العمل والإعان. 

والثانى: محرم كالرياء وتعظيم الأوثان. والثانى منها: متعلق بالأعضاء الظاهرة كنظر 
العين.وبطش الأيدى ومشى الأرجل ونطق اللسان. واعلم أنه إذا صحت التقوى أثمر الورع 
والورع ترك ما لا بأس به خوقًا من الوقوع فيما به بأس» والله تعالى أعلم . 


فصل 
اعلم : أن خيرات الدنيا والآخرة قد جمعت تحت خصلة واحدة وهى التقوى. وتأمل 
على E a EEE e E SE‏ 
من سعادة. ثم اعلم أن الذى يختص به هذا الان من ا الاد دة أصرل؛ 
الأول: التوفيق والتأييد أولاً حتى تعمل وهو للمتقين. كما قال الله تعالى: 99 إنا الله 
مع الذين اتقوا 4 . 
والثانى: إصلاح العمل وإتمام التقصير حتى يتم وهو للمتقين» ٠‏ كما قال الله تعالى: 


يصلح لكم أَعمَالكم © [الأحزاب: ١ع‏ 
والثالث: قبول العمل إذا تم وهو للمتقين» كما قال الله تعالى: نما يبل الله من 
المتقين الائدة: 1۲۷. ومدار العبادة على هذه الأصول الثلاثة التوفيق والإصلاح والقبول. 
وقد وعد الله تعالى ذلك كله على التقوى وأكرم به المتقى سأل أو لم يسأل فالتقوى هى 
الغاية التى لا متجاوز عنها ولا مقصد دونها. 

ثم اعلم أن حد التقوى فى قول شيوخنا: هو تنزيه القلب عن ذنب لم يسبق عنك 
مثله حتى يجعل العبد من قوة العزم على تركها وقاية بينه وبين العاصى. فإذا وطن قلبه 
على ذلك فحينئذ يوصف بأنه متق» ويقال لذلك التوبة والعزم تقوى. 

ثم اعلم أن منازل التقوى ثلاثة: تقوى عن الشرك» وتقوى عن البدع. وتقوى عن 
المعاصى الفرعية» ثم الشرور ضربان أصلى وهو مانهى عنه تأديبًا كالمعاصى المحضة. و 
غير أصلى وهو مانهى عنه تأديبًا وهى فضول الحلال كالمباحات المأخوذة بالشهوات. 
فالأولى: تقوى فرض يلزم بتركها العذاب. والثانية: تقوى خير وأدب يلزم بتركها الحبس 
والحساب واللوم. فمن أتى بالأولى فهو فى الدرجة الأولى من التقوى وتلك منزلة مستقيم 
الطاعة؛ ومن أتى بالثانية: فهو فى الدرجة العليا من التقوى فإذا جمع العبد اجتناب كل 
معصية وفضول» فقد استكمل معنى التقوى وهو الورع الكامل الذى هو ملاك أمر 
الدين. وأما الذى لا بد منه ها هنا فهو مراعاة الأعضاء الخمسة فإنهن الأصول وهى: العين 
والآذن واللسان والبطن والقلب. فليحرص عليها بالصيانة لها عن كل ما يخاق منه ضررا 


سے ۵٦‏ سح مجموعة رسائل الإمام الغزالى = 
من حرام وفضول وإسراف من حلالء» فإذا حصلت صيانة هذه الأعضاء فترجو أن تكفى 
سائر أركانه وتكون قد قمت بحق التقوى بجميع بدنك لله تعالى. 

واعلم أن علماء الآخرة رضى الله عنهم أجمعين قد ذكروا فيما يحتاج إليه العبد من 
هذا الأمر سبعين خحصلة محمودة فى أضدادها المذمومةء ثم الأفعال والمساعى الواجبة 
الحظورة نحو ذلك فنظرنا فى الأصول التى لا بد من ذكرها فى علاج القلب» ولا غسنية 
عنها البتة فى شأن العبادة فرأينا أربعة أمور وهو آفات المجتهدين وفتن القلوب تعوق وتشين 
وتفسد» وأربعة فى مقابلتها فيها قوام العباد وانتظام العبادة وإصلاح القلوب . والآفات 
الأربع الأول: الأمل والاستعجال والحسد والكبر. والمناقب الأربع : قصر الأمل والتأنى فى 
الأمور والنصيحة للخلى والتواضع والخشوع. فهذه هى الأصول فى علاج القلوب 
وفسادهاء فابذل المجهود فى التحرز من هذه الآفات والتحصيل لهذه المناقب تكفى المؤنه 
وتظفر بالمقصود إن شاء الله تعالى. 

فأما طول الأمل: فإنه العائق عن كل خيرء وطاعة الجالب لكل شر وفتنته الذى يوقع 
الخلق فى جميع البليات . 

واعلم أنه طال أملك هاج لك منه أربعة أشياء: 

الأول: ترك الطاعة والكسل تقول: سوف أفعل. 

والثانى: ترك التوبة وتسويفها تقول: سوف أتوب. 

والئالث: يجرك إلى الرغبة فى الدنيا والحرص عليها تقول: أى شئ آكل وألبس 
فتهتم لها وأقل ما فى الباب أنه يشتغل قلبك ويضيع عليك وقتك ويكثر عليك همك . 

والرابع: القسوة فى القلب والنسيان للآخرة» لأنك إذا أملت العيش الطويل لاتذكر 
الآخرة بل لا تذكر الموت ولا القبرء فإذا يصير فكرك فى الدنيا فيقسو قلبك من ذلك كما 
قال الله تعالى: «( فطل عَلَيْهِم الأمد فقست فلوبهم ‏ [الحديد: 7]. وإنما رقة القلب وصفوه 
بذكر الموت والقبر وأحوال الآخرة. 

وأما حد طول الأمل. فقال العلماء: هو إرادة الحياة للوقت المتراخى بالحكم» وقصر 
الأمل ترك الحكم فيه بقيده بالاستثناء بمشيئة الله تعالى وعلمه فى الذكر أو بشرط إصلاح 
فى الإرادة. فإذا ذكرت حياتك بأنك تعيش بعد نفس أو ساعة ثانية بالحكم والقطع فأنت 
آمل وذلك منك معصية إذ هو حكم على الغيب» فإن قيدته بالمشيئة والعلم لله تعالى بأن 
تقول: أعيش إن شاء الله تعالى» فقد خرجت عن حكم الأمل ووصفت بقصر الأمل من 
حيث تركت الحكم فيهء والمراد بالذكر ذكر القلب ثم المراد منه توطين القلب على ذلك 
والتثبيت للقلب عليهء فافهمه راشداء ثم الأمل ضربان: أمل العامة وأمل الخاصة. فأمل 


س محجيوعةرسائل الإمامالفزالى ا سب سس سس سبحت ۱۵۷ = 


العامة : هو أن يريد البقاء لجمع الدنيا والتمتع بها. فهذه معصية وضدها قصر الأعل. 
وأمل الخاصة: هو أن يريد البقاء لإتمام عمل خير فيه خطرء وهو ما لا يستيقن الصلاح له 
فيه. فإنه ربما يكون خير معين لا يكون للعبد فيه أو فى إتمامه صلاح بل يقع فى أنه لا يقوم 
بهذا الخيره فإذًا ليس للعبد ابتداء فى صلاة أو صوم أوغيرهما أن يحكم بأن يتمه إذ هو 
غيب ولا أن يقيصد ذلك قطعاء بل يقيده بالاستثناء وشرط الصلاح ليتخلص من عيب 
الأمل وضد هذا الأمل فيما قال العلماء: النية المحمودة لأن الناوى بالنية المحمودة يكون 
تمتنعًا من الأمل فهذا حكمه» وأما النية المحمودة: فهى الأصل الأصيل وقد ذكروا فى حدها 
الجامع التام أنها إرادة أخذ عمل مبتدأ به قبل سائر الأعمال بالحكم مع إرادة إتمامه بالتفويض 
والاستثناء . 

فإن قيل: لم جاز الحكم فى الابتداء ووجب التفويض والاستئناء فى الإتمام؟ فيقال: 
لفقد الخطر فى الابتداء إذ هو حال الابتداء ليس بشئ متراخ عنك ولثبوت الخطر فى الإتمامء 
لأنه يقح فى وقت متراخ» ففيه خطران: خطر الوصول لأنك لا تدرى هل لك فى ذلك 
صلاح أم لا. فإذا حصلت الإرادة على هذه الشروط تكون حينئذ نيه محمودة مخرجة عن 
حكم الأمل وآفاته» واللّه تعالى أعلم. 

واعلم أن حصن تقصير الأمل هو ذكر هجوم الموت وأخذه على غفلة وغرة فاحتفظ 
بهذه الجملة فإن الحاجة ماسة إليها ودع عنك القيل والقال من غير طائل والله الموفق. وأما 
الاستعجال والترقى: فإته الخصلة المفوتة للمقاصد الموقعة فى المعاصى. 

واعلم أن أصل العبادة وملاكها الورع والورع أصله النظر البالغ فى كل شئ والبحث 
التام عند كل شئ هو بصدده من أكل وشرب ولبس وكلام وفعل. فإذا كان الرجل 
مستعجلاً فى الأمور غير متأن متثبت متبين لم يقع منه نظر وتوقف فى الأمور كما يجب 
ويسارع إلى أكل كل طعام فإنه يقع فى الحرام والشبهة وإلى كل كلام فإنه يقع فى الزلل 
وكذلك فى كل أمر يفوته الورع وأى خير فى عبادة بلا ورع فحق على العبد أن يهتم لإزالة 
هذه الآفة والله الموفق» وأما حد العجلة: فهو المعنى الراتب فى القلب الباعث على الإقدام 
على الأمر بأول خاطر دون التوقفف وضدها الأناة وهى المعنى الراتب فى القلب الباعث 
على الاحتياط فى الأمور والتأنى فى اتباعها والعمل بها. 

وأما التوقف: فضده التعسف والفرق بين التوقف والتأنى أن التوقف يكون قبل 
الدخول فى الأمر حتى يؤدى إلى كل جزء منه حقه. 

وأما الحسد: فهو المفسد للطاعات الباعث على الخطيئات المورث للتعب :والهم فى 
غير فائدة» بل مع كل وزر والموجب عمى القلب وكفى بالحاسد إضلالاً وخسرانًا أنه عدو 


جح ۱۵۸ ہد مجموعه رسائلالامامالفزالی د 


لنعمة الله تعالى ومعاند لإرادته وساخط لقضائه. وأما حد الحسد: فهو إرادة زوال نعمة اللّه 
تعالى عن أخيك المسلم تما له فيه صلاحء فإن لم ترد زوالها ولكن أردت لنفسك مثلها فهى 
غبطة» فِإن لم يكن له فيها صلاح فأردت زوالها عنه فذلك غيرة فهذا هو الفرق بين 
الخصال. وأما ضد الحسد: فالنصيحة وهى إرادة بقاء نعمة الله تعالى على أخيك المسلم 
فيما له فيه صلاج. فإن اشتبه عليك الأمر فلا ترد زوال نعمة عن أحد من المسلمين ولا 
بقاءها إلا مقيدا بالتفويض إلى الله تعالى لتخلص من حكم الحسد وتحصل لك فائدة 
النصيحة. وأما حصن النصيحة المانع من الحسد: فهو ذكر ما أوجبه الله من موالاة 
المسلمين؛ وحصن هذا الحصن هو ذكر ما عظم الله تعالى من حقه ورفع قدره وما له عند 
الله تعالى من الكرامات فى العقبى وما لك من الفوائد الدينية والدنيوية دنيا وأخرى واللّه 

وأما الكبر: فهو الخصلة المهلكة رأسًا أما تسمع قول الله تعالى عن إبليس: «9أبى 
واستكبر وكان من الكافرين ‏ [البقرة: .]۳١‏ وأما حد الكبر: فاعلم أنه خاطر فى رفع النفس 
واستعظامها والتكبر اتباع ما ينافى التواضع وكل واحد منهما عام وخاص» فالتواضع العام 
هو الاكتفاء بالدون من الملبس والمسكن وما فى معناها والتكبر فى مقابلته الترفعم عن ذلك 
وهو معصية كبيرة. 

وأعلم أن حصن التواضع العام هو أن تذكر مبدأك ومنتهاك؛ وما أنت عليه الآن من 
ضروب الآفات والأقذارء وحصن التواضع الخاص هو ذكر عقوبة العادل عن الحق فهذه 
جملة كافية لمن استبصر والله تعالى الموفق. 


البابالثانى والعشرون 
فى بيان معنى حقيقة حسن الخلق وسوئه 
ا أن السعادة 1 n‏ الصالحات م ا تھ تبقى معك إذا ع 
ET‏ [الشعراء: 188 والثانى : امتلاء القلب بمعرفة الله 8 اھ 
المقصودة من خلق العالم ويعثة الرسل صلى الله عليهم وسلم » وحسن الخلق: هو 
EEE‏ فى الفضل: ولذلك امتدح الله تعالى به تبیه 
محمد فقال تعالى : بل وك لعلئ خلق عظيم [القلم: .]٤‏ وقال تعالى: « إليه 
ع الكلم الطب والعمل الصالح يرفعه 4 افاطر: ٠‏ . والكلم الطيب هو التوحيد 
رالمعرقة والعمل الصالح هو طهارة القلب الرافعة لقدر التو حيد والمعرفةء ومعنى الرقعة 


هو حضور القلب وتأثيره بهما لينقاد خضوعًا ومسكنة ومهابة. فحيتشذ يكون قريبًا من 
الله قان اما هة خن ا تناع اف لاان رة باط وهی ا بت 
الأنبياء عليهم السلام بتقويمها وتزكيتها وكمال اعتدالها وذلك أن تصدر عنها الأخلاق 
المحموةة سكول بلا وري ول فكرم هذا هوا سي ةة خن الى رسو لق 
يكون بعكس ذلك. واعلم أن جملة الأخلاق المحمودة والمذمومة تصدر عن ثلاث صفات 
هن كالامهات: 

الصفة الأولى: العقل وقوته واعتداله بالعلم والحكمة وحقيقة الحكمة معرفة الحق من 
الباطل فى الاعتقادات والصدق من الكذب فى الأقوال والحسن من القبيح فى الأفعال. 

الصفة الثانية: قوة الغضب الدافعة للضرر وهى خلقت لذلك فكمالها واعتدالها أن 
تكون منقادة للحكمة إن أشارت الحكمة لها بالاسترسال استرسلت أو بالانقباض انقبضت م 
كالكلب المعلم . 

الصفة الثالثة: قوة الشهوة الجالبة للنفع وهى خلقت أيفمًا مطيعة للعقل فحسنها 
واعتدالها فى إذعانها للحكمة. وام أن المطلرب من الأخلاق الاعتدال والوقوف على 
وسط الأمور لقوله تعالى: «إولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط » 
[الإسراء: 9؟]. فصار العدل من هذه الصفات الثلاث ركنا رابعًا. فأما مثال الاعتدال فى 
الصفات فاعلم أن قوة الحكمة لها إفراط وتفريط ووسط والوسط هو المحمود المسمى 
بالحكمة فبحسبها واعتدالها يصدر عنها التدبير وجودة الذهن والتفطن لدقائق الأعمال 
وخفایا آفات النفس» وأما إفراطها فيصدر عنه المكر والخداع والدهاء وشبه ذلك» ومن 
تفريطها يصدر البله والغباوة والحمق والحنون. فأما الغباوة: فهى قلة التجربة والحمق 
صحة القصد مع فاد السلوك والجنون فسادهما جميعًا. وأما قوة الغضب: فلها اعتدال 
يسمى الشجاعة يصدر عنه الكرم والنجدة وكظم الغيظ والوفاء بالعهد. ولها إفراط يصدر 
عنه التكبر والعجب والاستشاطة وشبه ذلك» ولها تفريط يصدر عنه المهاتة والذلة والجزع 
والانقباض مع تناول الحق الواجب. وأما قوة الشهوة: فلها اإعتدال يسمى العفة يصدر 
عنه السخاء والصبر والورع والمساعدة وقلة الطمع» ولها إفراط يصدر عنه الحرص والشره 
وشبههماء ولها تفريط يصدر عنه الحسد والمشاتمة والعتب وشبه ذلك. فأمهات محاسن 
الأخلاق الحكمة والشجاعة والعفة والعدل المكمل لكل واحدة من الثلاثء» وما سوى 
ذلك فروع لهذه الأربعة» ولم يبلغ كمال هذه الأربع إلا سيدنا رسول الله عله وبالله 
التوقيق:: 


1 


فصل فى بيان حد النواضع وحفيفنه ونهايته وعلامنه 

على الحملة فالتواضع متخلق بأخلاق الله تعالى وكفى بها شرفًا فى الآخرة وهو 
معنى قوله عله : «من تواضع له رفعه اله» .فأما حد التواضع: فهو ضبط الأحوال 
والاختيار عن التمريط والإفراط فلا تتكبر ولا تتخاسس . وآما حقيقته: فهو الذل والإذعان 
والانقياد للحق بسهولة والحق يطلق على الله تعالى وعلى أمره. وأما نهايته: فهو أن 
لايحس بالذل إذا مدح ولا يعألم بالذم إذا ذم لعلمه بحكمة الله سبحانه وتعالى وتوحده 
بالأفعال» لأن العبد لا يحس بالذل بين يدى سيده وهذه طريقة الموحدينء» لأن المتواضع 
يرى لنفسه قدرًا فيضعه والموحد لايرى لنفسه قدرًا حتى يضعه. فالمتواضع ضابط لأفعاله 
الاختيارية فلا يتكبر ولا يتخاسس» وإن جرى عليه ذل من غير اختياره» وطريقة الأولياء 
الرضى ووجدان اللذة» لأنه جرى بقدر الله تعالى وعلمه وإرادته فهو لا يحس بالذل 
لقصور نظره على حكم الله تعالى وجميل فعله إنما يحس بالذل المتكبر الجاهل الغافل 
القاصر نظره على فعل الأفعال» وكلما كان أكثر ذلا كان أكثر كبرا. وأما العلماء باللّه تعالى 
فلا يشهدون لغير الله ولا يتهمونه فى حكم من الأحكام» بل يعرفون أن ذلك علامة 

وقد أشار بعض الأئمة رحمهم الله تعالى إلى أن المعرفة لا توجد إلا فى قلوب 
المتواضعين الذين صار الذل صفتهم الذاتية فهم بقدرة الله تعالى وتظره ينقلبون إن رفعوا إلى 
السماء لم يزدادوا فى نفوسهم كمالاً وإن خفضوا إلى منتهى الخفض لم يجدوا فى أنفسهم 
نقصا كذلك» لأنهم مسلوبوا الإرادة والاختيار لعلمهم أن الكمال المطلق فيما حكم الله 
تعالى به وقضاه فيهم» ولأنهم يجدون المزيد من الله تعالى فى أحوالهم بذلك فهو رتب 
المقربين. وأما الصالحون فتواضعهم على قدر معرفتهم بنفسهم وربهم. وأما علامة 
التواضع: فهو أن لا يأنف من الحق إذا أمر به» فإن وجد فى نفسه ألفة من ذلك فهو متكبر 
عن قبول الحق وذلك معصية كبيرة» والله تعالى أعلم. 


البابالثالث والعشرون 
فى يبان معنى الفكر ومقدماته ولواحقه 
فمقدماته مساع وتيقظ وذكر ولواحقه العلمء لأن من سمع تيقظ. ومن تيقظ تذكرء 
ومن تذكر تفكرء ومن تفكر علم» ومن علم عمل إن كان علمًا يراد للعمل» وإن كان علما 
يراد لذاته سعد والسعادة غاية المطلب. 


کک مجموعة رسائل الامامالفزالی سس سين ۱١‏ = 

أما السماع: فحقيقته الانتفاع بالمسموع من حكمة أو موعظة وما يضاهيهماء وشرطه 
الاستماع وهو الإصغاء وهو واجب فى استماع كل علم هو فرض عين مدركه السمع 
ومستحب فيما سواه فى العلوم المحمودة ويحرم فيما حرم الشارع من المحرمات ويكره فيما 
یکره استماعه . 

وأما اليقظة: فتحقيقتها انتباه القلب للخير. وعلامة الانتياه: القومة والنهوض عن 
ورطة الفترة» والقومة واجبة على الفور فى الأوامر والنواهى القورية وهى متعلقة بكل مقام . 

وأما التذكر: فهو تكرار المعارف على القلب لتثبت وترسخ . 

وأما التفكر: فهو أن تجمع بين علمين مناسبين للعلم الذى أنت طالبه بشرط عدم 
الشك فيهما وفراغ القلب من غيرهما ويحدق النظر فيهما تحديمًا بالا فلم يشعر إلا وقد 
انتقل القلب من الميل الخسيس إلى الميل النفيس إحضارًا لمعرفتين يسمى تذكر) والتذكر يتعلق 
بالىقد والقول والفعل والترك وهو واجب فيما يجب تذكره» ويحرم بتذكر المعاصى إن أدى 
إلى استجلابها. وحصول المعرفة الشالثة المقصود من هاتين المعرفتين يسمى تفكراء والتفكر 
واججب عند الشك وعند ورود الشبهة وعند علاج الأمراض الواجب إزالتها من القلوب. 

وأما العلم فيندرج فى خمسة أقسام: 

الأول: من العلوم الواجبة علم أصول الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم 
الآخر. 

الثانى: علم العبادات المتعلقة بالأبدان والأموال. 

الثالث: علم ما يتعلق بالحواس الخمس اللسان والفرج والبطن والسمع والبصر. 

الرابع: علم الأخلاق المذمومة الواجب إزالتها من القلب. 

الخامس: علم الأخلاق المحمودة الواجبة لله تعالى على القلوب. 


البابالرايع والعشرون 
فى بيان معنى التوبة ويضاف إليها الفراروالإنابة والإخبات 
لأنهن من ثمراتها 

أما التوبة: فحقيقتها الرجوع من المعصية إلى الطاعة» ومن الطريق البعيدة إلى الطريق 
القريبة وتنظيم من علم وحال وعمل. 

وكذلك كل مقام فالعلم هو الأصل الذى هو عقد من عقود الإيمان بالله تعالى أو لله 
تعالى» والحال ما نشا عنها من المواجيد» والعمل هو ما تنشكه المواجيد على القلوب 
وا حوارح من الأعمال» ويتقدم التوبة واجبان: 


یی mu |١‏ دد مجموعة رسائل‌الامام الفرالی کد 

الواجب الأول: معرفة الذنب المرجوع عنه أنه ذنب. 

الواجب الثانى: أنه لا يستبد بالتوبة بنفسه؛ لأن الله تعالى هو خالقها فى نفسها 
ومسجر أسبابهاء وهو من الإيمان بالله تعالى لتعلقه بالقدرة» والثانى من الإيمان له لتعلقه 
اا 

وأما أركانها فأربعة: علم وندم وعزم وترك والقدر الواجب من الندم ما يحث على 
الترك. 

وأما الفرار: فحقيقته الهرب من المعصية إلى الطاعةء وهذا هو الفرار الواجب المبنى 
على أصل الإيمان ورجوع العبد من الشواغل الملهية إلى الله تعالى؛ ومن الحسن إلى 
الأحسن هو أيضًا توبة ورجوعء. وبه كمال السعادة فى الآخرة» وهذا هو الفرار الواجب 
المبتى على كمال الإيمان. وعلى هذا فلا نهاية لمراتب التوبة ومراقيها وهذا هو الإنابة لأن 
حقيقة الإنابة تكرار الرجوع إلى الله تعالى وإن لم يتقدمه ذنب. 

وأما الإخبات: فهو الإذعان والانقياد للحق بسهولة. 

واعلم أن التوبة نصح من كل ذنب لا دون ذنب » والله تعالى أعلم. 


الباب الخامس والعشرون 
فى بيان الصبرويضافإليه الرياضة والتهذيب لأنهما من ثمراته 

أما علمه: فهو تصديق الله تعالى فيما أخبرنا به من عداوة النفس والشيطان 
والشهوات للعقل والمعرفة والملك الملهم للخيرء وأن القتال بينهم دائم فمن خذل جند 
الشيطان ونصر حزب الله أدخله جنتة وهذا واجب لأنه من الإيمان بالله تعالى. وأما الخال 
الناشئ عن هذا الإيمان. فهو ثبات باعث الدين فى مقابلة باعث الهوى والقدر الواجب منه 
تقويته بالوعد والوعيد إلى أن يغلب حزب الله تعالى جند الشيطان «ألا إن حزب الله هم 
الغالبون». 

وأما الرياضة: فهو تمرين النفس على الخير ونقلها من الخفيف إلى الثقيل باللطف 
والتدريج إلى أن يرتقى إلى حالة يصير ما كان عنده من الأحوال والأعمال شاقًا سهلاً هيئًا. 

وأما التهذيب: فهو امتحان النفس واختيار أحوالها فى دعوى المقامات هل صدقت 
أو كذبت» وعلامة اعتدال مقام الصبر أن تصدر عنه الأعمال بسهولة بلا مانع ولا منازع. 


والله تعالى الموفق. 





1۹۳ 


البابالسادس والعشرون 
فى الخوف. ويضاف إليه الحزن والقبض والإشفاق والخشوع 
ٌ لأنهن من أنواعه وكذلك الورع لأنه من ثمراته 

أما علمه: فهو مطالعة صفات الألوهية وتعلقها بالتقريب والإبعاد والإسعاد والإشقاء 
من غير وسيلة ولا پابقة » وهذا الخوف يراد لذاته ويجب اعتقاده لأنه من الإيمان بالله تعالى 
ينتفع بهذا الخوف من أخرجته رؤية كثرة الأعمال إلى الإدلال والأمن من مكر الله إذ لا 
يأمن من مكر الله إلا القوم الخاسرون. 

وأما الخوف المراد لغيره» فهو قسمان. أحدهما: خوف سلب النعمة وهو يحث على 
الأدب ورؤية المنة. والثانى: خوف العقوبات المرتبة على الجنايات» والقدر الواجب منه ما 
يحث على ترك المحظورات وفعل الواجبات. وأما حالهء فهو تألم القلب وانزعاجه يسبب 
توقع مكروه أو على فائت. فإن كانا محمودين كان له حكمهما فى الوجوب 
والاستحباب » وإن كانا مكروهين له حكمهما فى الحظر والكراهة. 

وأما حقيقة القبض: فهو يطرق القلب تارة يعلم سببه فحكمه حكم الحزن» وما لم 
يعلم سببه فهو عقوبة للمريدين لسبب إفراطهم فى البسط . 

وأما حقيقة الإشفاق: فهو اتحاد الخوف بالرجاء واعتدالهماء وأما حقيقة الخشوع: 
فهو سكون القلب والجوارح وعدم حركتهما لما عاين القلب من عظيم أو مفزع . 

وأما حقيقة الورع: فهو مجانبة الشئْ حذرًا من ضرره» والله تعالى أعلم. 


الباب السابع والعشرون 

فى يان الرجاء؛ ويضاف إليه الرغبة: لأنها من أنواعه وكذلك البسط لأنه من ثمراته 

أما علمه: فهو أيضًا مطالعة الصفات القديمة التى يصدر عنها كل ما ساء وسر ونفع 
وضرء فمن عرف هذا من صفاته خافه ورجاه وهذا هو الرجاء المقصود لذاته. لأنه لا يتوقع 
بحسنة ولا يندفع بسيئة إنما ينشأ عن فضل الله تعالى لمن سبقت له السعادة. ويندفع بهذا 
الرجاء من أخرجه الخوف إلى القنوط . 

وأما الرجاء والمراد لغيره: فهو ما يحث على تكثير الطاعات. فإن لم يحث على 
تكثير الطاعات كان تمتِيّاء لأن حقيقة الرجاء هو رتياح القلب وانشراحه لانتظار مسحبوب 
تقدمت أسبايه . 

وأما الرغبة: فهى استيلاء هذا الحال على قدي الراجى حتى كأنه يشاهد به المأمول 
فهى كمال الرجاء ومنتهى حقيقته . 

وأما البسط: فهو انشراح القلب وانفتاح طريق الهدى له بروح الرجاء. 


کس )| د مجموعه رسائل الإمام الفزالی سد 


البابالثامن والعشرون 
فى بيان الفقر, ولواحقه التبتل والفناءوالتجريد 

أما الفقر: فهو الفقد والاحتياج» ولكن الاحتياج على ضربين: مطلق ومقيد. 

أما المطلق: فهو احتياج العبد إلى موجد يوجده وإلى بقاء بعد الإيجاد وإلى هداية 
إلى موجده وهذا هو الفقر إلى الله تعالىء لأن الله هو موجده ومبقيه وهاديه إليه وهذا 
الفقر واجب لأنه من الإعان بالله ولله . 

وأما الحال الذى ينشأ عن هذه المعرفة: فهو شهود العبد لفقره وحاجته إلى الله تعالى 
على الدوام. 

وأما الاحتياج المقيد: فهو احتياج العبد إلى الوسائل التى تقوم بها ذاته ويستعان على 
تحصيلها بالمال والمال هو المفقود المحتاج إليهء فالفقر المطلق يراد لذاته لتعلقه بالله تعالى» 
والمقيد يراد لغيره وهو التبتل والانقطاع إلى الله وهما الوسيلة للغنى بالله تعالى وهو تعلق 
القلب به سبحانه وتعالى» والغنى بالله تعالى وسيلة إلى تجريده عما سوى الله تعالى» ولا 
يجب من التجريد إلا اعتقاد تجريد القديم عن الحادث» والله تعالى أعلم . 


الباب الناسع والعشرون 
فى بيان الزهد, ويضاف إليه الإيثاروالفتوة: لأنهما من أخلاقه 
وكذلك مقام المراد, لأنه من مواريثه 

أما المع الل اع متيب اعد فى لي : فهو الإيمان لله تعالى وهو قوله تعالي: 
بل 5 تؤثرون الحياة الدنيا 03 والآخرة خير وأبقئ »4 [الأعلى: ١٠ء‏ 17]. وأما الخال 
الناشىء عن هذا العلم: فهو انصراف الإرادة عن الدنيا لاستعظام ما عند الله . وأما سبب 
الزهد فيما سوى الله تعالى من نعيم الجنة وغيرهاء فهو إضافة حقارة الوجود إلى جلال الله 
تعالى وكمالهء وهذا هو الزهد المراد لذاته وهو من الإيمان بالله تعالى لتعلقه بالجلال 
والكمال» والزهد الذى قبله مراد لغيره وهو فراغ القلب لهذه المعرفة» والقدر الواجب من 
الزهد المراد لغيره ما يحث على الفراغ لأوقات الواجبات والزهد لا يتعلق إلا بالمباح. ومن 
شرطه أن يكون مقدورا عليه. 

وأما ثمرته: فهو الإيثار وهو أعلى درجات السخاءء لأن السخاء هو بذل ما لا يحتاج 
إليه سمحا لا تكلفاء والإيثار هو بذل ما هو محتاج إليه سمحًا بغير عوض ولا غرض إلا 
لتخلقه بأخلاق الله سبحانه وتعالى. 


وأما الفتوة: فهى ترجع إلى أخلاق المروءةء فمن قام بواجب الشرع es‏ 
فهو الفتى» ومن شارك أبناء الدنيا فيما هم فيه فلا فتوة له ولا مروءة. وأما مقام المرادء فهر 
الذرى وقفا على حقيقة الأمر بغير منازع ولا مدافع ولم يشغله عن الله تعالى شىء واللّه 
أعلم . 
الباب الثلاثون 
فى بيان المحاسبة ولواحقها الاعتصام والاستقامة لأنهما 
الثمرةالمقصودة 
أما المحاسبة فحقيقتها تفقد ما مضى وما يستقبل وهى واجبة بإجماع الأمة. أماالعلم 
الحامل عليها: فهو الإيمان بمحاسبة الله تعالى . وهذه المحاسبة توجب الاعتصام والفرق بين 
الاعتصام والاستقامة أن الاعتصام هو التمسك بكتاب اللّه تعالى والحفظ لحدوده والاستقامة 
هى الثبات والاعتدال عن الميل إلى طرفى الأمر المعتصم به والاستقامة مرادة لذاتها ولغيرها. 
أما كونها لذاتها فلأنها وسيلة إلى الدخول فى مقام الجمع من وادى التفرقةء والله تعالى 
أعلم . 
الباب الحادى والثلاثون 
فىييان الشكر, ولواحقه السرور, لأنه من أحواله والحكمة 
لأنها من أعماله 
أما العلم الذى هو سبب الشكر: فهو أن تعلم أن الفح كلو بو اله الى 
وحده. وهذا واجب. لأنه من الإيمان بالله تعالى قال الله تعالى :ل وما بكم من تعمةٍ 
فمن فمن الله [النحل: 205. وشكر المنعم واجب وهو من الإيمان. وأما الحال الناشىء 
عن هذا العلم فهو الفرح والسرور بأنعم الله فهذا الفرح شكر بنفسهء لأنه مراد لذاته 
وهو واجب لأنه من الإيمان بالله تعالى وهو ثمرة الإيمان بالله تعالى. وأما عمل 
الشكر: مراد لذاته ولغيره أما كونه مرادا لذاته فلأن العمل باستعمال النعمة فيما 
خلقت له من تمام الحكمة. وأما كونه مرادًا لغيره فلحفظ النعم الموجودة والزيادة 
عليها. وعلى الجملةء فالشكر هو استعمال النعمة فيما خلقت له فمن اعتدلت له 
أحواله حتى وضع كل شىء موضعه كان حكيما لأن الحكمة وضع كل شىء محله 
علمًا كان أو عملا وبالله التوفيق. 


البابالثانى والثلاثون 
فى بيان التوكل ولواحقه التفويض والتسليم والثقة والرضى لأنهن م نآدابه 

أما العلم الحامل على التوكل: فهو أن تعلم أن الله قائم بنفسه وأنه مقيم لغيره. ثم 
تعلم سعة«هلمه وحكمته وكمال قدرته. 

وأما الحال الناشىء عن هذا العلم: فهو اعتماد القلب على الله تعالى وسكونهء 
وعدم اضطرابه لتعلقه بالله تعالى» ولا يجب على من علم التوكل وحاله إلا ما يكف عن 
الأسباب المحظورة . والتوكل مع شرفه منخفض الرتبة عن التفويض والتسليم» لأن غايته 
طلب جلب النفع ودفع الضرء والتفويض والتسايم حقيقتهما الانقياد والإذعان للأمر وترك 
الاختيار فى جملة ما حكم الله تعالى به. 

وأما الثقة: فمعناها الربط على القلب وعدم الانفصام على ما حواه من التصدية ت 
وهى حالة مكملة لجميع المقامات والأحوال. 

وأما الرضى: فإنما يكون بعد المقضى بهء والتفويض والتسليم يكون قبل الماضى به 
والقدر الواجب من الرضى هو أن يكون راضيا بعقله وإن كان كارهًا بطبعهء لأن الكراهية 
لا تدخل تحت اختيار العبد» فمن كره بعقله شيئًا ما امتحن الله تعالى به عباده فى الدنيا 
والآخرة أو شكا بلسانه أثم وخرج عن واجب الرضى وبالله التوفيق. 


الباب الثالث والنلاثون 
فى بيان النية ويضافإليها القصد والعزم والإرادة لأنهن من 
توابعها 

فأما النية: فهى الوسيلة بعد الإيمان إلى السعادة العظمى فى الأولى والعقبى» فإذا 
عرفت هذا وجب عليك فهم حقيقتها أو تحصينها مما يشوبها من الحظوظ الدنيوية وجوبا 
وعن الأغراض والأعواض الأخروية استحبايًا. فأما النية: فهى عبارة عن تييز الأغراض 
بعضها عن بعض . فأما القصد: فهو جمع الهمة نحو الغرض المطلوب والعزم هو تقوية 
القصد وتنشيطه» والإرادة تصرف الموانع المثبطة . 


الباب الرابع والتلاثون 
فى بيان الصدق » وبضاف إليه الانفصال والاتصال والتحقيق والتفريد. لأنهن من علاماته 
أما الصدق فى حق الله تعالى »فهو وصف ذاتى راجع إلى معنى كلامه. 


سد مجموعہ رسائل الامام الفزالی AAW‏ ۱1۷ = 


وان لفت قف «وفيةن الدلا EE AEN a‏ 
وبالسدق يتحقق جميع المقامات والأحوال حتى أن الإخلاص مع جلالته يفتقر إلى الصدق 
والصدق لا هتقر إلى شىءء لأن حقيقة الإخلاص فى العبادة هو إرادة الله تعالى بالطاعة. 
فقد يراد الله تعالى بالصلاة مثلاً ولكنه غافل من حضور القلب فيها والصدق هو إرادة الله 
تعالى بالعبادة» مع حشّوره مع الله تعالى فكل صادق مخلص وليس كل مخلص صادقًا. 
وهذا معنى الانفصال والاتصالء لأنه انفصل عن غير الله تعالى واتصل بالحضور بالله 
تعالى . 

وأما التحقيق: فهو تمييز المقامات والأحوال بعضها من بعض وتخليصها من الأغيار 
والشوائب . 

وأما التفريد: فهو وقوف العبد مع الله تعالى بلا علم ولاحال لشهوده تفرد الله تعالى 
بإيجاد كل موجود وشمول قدرته كل مقدور. 


البابالخامس والثلاثون 
فى بيان الرضى 

قالالحارث: ا لتر وقال ذو النون: الرضى 
سرور القلب بمر القضاء . وقال رسول ينه لله : «ذَاق طَعْمْ الإيمان مَنْ رضى بلله ربا . وقال 
عليه السّلام : «إنَ الله بحكْمّته جَعَلَ الروح فى الرضى وآليَقِينَ وجعل الهم وَاحُرْنَ فى 
الشف والسخط» . وقال الجنيد: الرضا هو صحة العلم الواصل إلى القلوب» فإذا باشر 
القلب حقيقة العلم أداه إلى الرضاء وليس الرضا والمحبة كالخوف والرجاء فإنهما حالان لا 
يفارتان العبد فى الدنيا والآخرة. لأنه فى الجنة لايستغنى عن الرضا والمحبة. وقال ابن 
عطاء: الرضا سكون القلب إلى قديم اختيار الله تعالى للعبد أنه اختار له الأفضل فيرضى 
له وهو ترك السخط وقال أبو تراب: ليس ينال الرضا من الله من الدنيا فى قلبه مقدار. 
وقال سرى: خمس من أخلاق المقربين الرضا عن الله تعالى» فيما تحب وتكره والخيلة 
بالتحبب إليهء والحياء من الله تعالى» والأنس بهء والوحشة فيما سواه. وقال الفضيل: 
الرضا أن لا يتمنى فوق منزلته شينًا. وقال ابن سمعون: الرضى يلكي والرضي به بوالرضما 
فين ارسي د ار را خي غ احا وملا والرضي ها وا 

سئل أبو سعيد: هل يجوز أن يكون راضيًا ساخطًا؟ قال: نعم يجوز أن يكون راضيًا 
عن ربه ساخطًا على نفسه وعلى كل قاطع يقطعه عن الله تعالى. 

وقال بعضهم للحسن بن على رضى الله عنهما إن أبا ذر يقول: الفقر أحب إلى من 


الختى» والسقم أحب إلى من الصحة. فقال: رحم الله أبا ذر. أما أنا فأقول من اتكل على 
حسن اختيار الله تعالى له لم يتمن أنه فى غير الحالة التى اختارها الله . 

وقال على عليه السلام: من جلس على بساط السؤال لم يرض عن الله فى كل 
الت وال ال2 فن دى لفن +" حال ولا ف ]ل اه قال ولف هذا دسق 
صدر. فقال< صدقت فقال: ضيق الصدر ترك الرضى بالقضاءء وهذا قاله الحنيد تنبيها منه 
على أصل الرضىء وذلك لأن الرضى يحصل لانشراح القلب وانفساحه وانشراح القلب 
من نور اليقينء فإذا تمكن النور من الباطن اتسع الصدر وانقتح عين البصيرة وعاين حسن 
تدبير الله تعالى فينتزع السخط والضجرهء لأن انشراح القلب يتضمن حلاوة الحب وفعل 
المحبوب بوقوع الرضى عند المحب الصادقء, لأن المحب يرى أن الفعل من المحبوب مراده. 
كما قيل: وكل ما يفعل المحبوب محبوب فالقوم يكرهون خدمة الأغيار ويأبون مخالطتهم 
أيضًا . فإن من لا يحب طريقهم ربما استضر بالنظر إليهم أكثر ما ينتفع بهم . 

ورد فى الخبر: المؤمن مرآة المؤمن. فأى وقت ظهر من أحدهم أثر التفرقة نافروه» لأن 
التفرقة تظهر بظهور النفوس وظهور النفوس من تضييع حق الوقت. فأى وقت ظهرت نفس 
الفقير علموا خروجه من دائرة الجمعية وحكموا له بتضييع حكم الوقت وإهمال السياسة 
وحسن الرعاية فيعاد بالمناقشة إلى دائرة الجمعية . 


البابالسادس والثلاثون 
فى بيان النهى عن الفيبة 
قال الله عر وجل :ل أيحب أَحَدكم أن يأكل لحم أخيه ميا » [الحجرات: 17]. 
وعن أبى هريرة فاته : أن رنجلاً كان عند رسول الله كام م انين 3 ولم يقم 
الرجل. فقال بعض القوم: ماأعجز فلانّاء فقال: «أكلتم لحم أخيكم واغتبتموه) . 
وقيل: أوحى الله تعالى إلى موسى بن عمران عليه السّلام: #من مات تائبًا من الغيبة 
فهو آخر رجل يدخل الجنة» ومن مات مصراً عليها فهو أول من يدخل النار». 
وقيل: دعى إبراهيم بن أدهم إلى دعوة فحضر فذكروا رجلاً لم يأتهم بالغيبة . 
فقال إبراهيم: إنما فعل بى هذا نفسى حيث حضرت موضعا يغتاب فيه الناس فخرج 
ولم يأكل ثلاثة أيام. 
وقيل: مثل الذى يغتاب 'لناس كمثل من نصب منجنيقًا يرمى به حسناته شرقًا 
وغربا. 
وقيل: يؤتى العبد يوم القيامة كتابه فلا يرى فيه حسنة . فيقول : أين صلاتى وصيامى 


کی مجموعة رسائلالإمام الفزالی ببست 19 - 
وطاعتى؟ فيقال: ذهب عملك باغتيابك الناس» وقيل: من اغتيب بغيبة غفر الله له نصف 
ذنويه . 

وقيل: PEE‏ فيقال: هذا عا اعتابك 
الاس وآنت لم تشعر 

دل للجمر رشي إن فلانًا اغتابك فبعث إليه طبقًا فيه حلوى وقال: بلغتى أنك 
آهردیت إلى حناتك فكافاتك . 

وعن الحنيد قال: كنت يبغداد فى مكان أنتظر جنازة أصلى عليها فلقيت فقيرًا عليه 
أثر النسك يسأل الناس» فقلت فى نفى: لو عمل هذا عملا به يصون نفسه كان أجمل 
به. فلما انصرفت إلى منزلى وكان لى شىء من الورد بالليل فلما قضيته ونمت رأيت ذلك 
الفقير جاءوا به على خوان ممدودء. وقالوا لى: كل لحمه فقد اغتبته فكشف لى عن الحال» 
فقلت: ما اغتبته إنما قلت فى نفسى . فقيل: ماأنت ممن يرضى منك بمثله اذهب واستحلله 
فأصبحت ولم أزل أتردد حتى رأيته يلتقط من الماء أورافًا من البقل مما يتساقط من غسل 
البقل» فسلمت عليهء فقال: يا أبا القاسم تعود؟ فقلت: لاء فقال: غفر الله لنا ولك . 


البابالسايع والثلاثون 
فى بيان المنوة 

الفتى من تخلى عن تدبير نفه وماله وولده ووهب الكل من له الكل بل ليس له ما 
يهب فإنها ذهيت فى قوله تعالى: إن الله اشترئ من المؤمنين أنفسهم وأموالهم 6 (التوبه: 
۱ تخلق بقوله تغالی: لإ إن الله يأمر بالعدل والإحسان ‏ [النحل: ا الل 
والإحان من طاعة الله تعالى شينًا إلا جمعه»ء وما ترك الفحشاء والمنكر من معصية الله 
تعالى شيئًا إلا جمعه. فتوة العامة بالأموال» وفتوة الخاصة بالأموال والأفعالء وفتوة خاص 
اخواص بهما وبالأحوال» وفتوة الأنبياء بهما وبالأسرارء وهو الذى ليس فى باطته دعوى 
ولا فى ظاهره تصنع ومراءاة» وسره الذى بينه وبين الله تعالى لا يطلع عليه صدره. فكيف 
الخلق. ومن شأن الفتى النظر إلى الخلق بعين الرضى وإلى نفسه بعين السخط ومعرفة 
-«قَوق من هو فوقه ومثله ودوته ولا يتعرض لإخوانه يزلة أو حقرة أوكذب» وينظر إلى 
الخلق كأنهم أولياء غير مستقبح منهم إلا ما خالف الشرع مع أن ذلك ينسبه إلى الشيطان 
ذنبًا لا إلى أخيه المسلم. فكيف إلى الله عر وجل مع آنه يغيره بيده فإن لم يستطع فبقلبه 
والإياس من الخلق وترك السؤال والتعريض وكتمان الفقر وإظهار الغنى وترك الدعوى 
وكتمان المعنى واحتمال الأذى» وأن يؤثر مراد غیره على هواه خلقًا وفعلاًء وأن لا يزال فى 


چے .۷| سبج مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 
حاجة غيره ويعطى بلا امتنان ولا يطالب أحدًا بواجب خقه ويطالب نفسه بحقوق الناس 
ويرى الفضل لهم ويلزم نفسه التقصير فى جميع ما يأتى بهء ولا يستنكر ما يأتى به ومن 
كتأن الفتى ترك كل ما للنفس فيه حظ› ويستوى عنده المدح والذم من العامة. رمن شأنه 
الصدق والوفاء والسخاء والحياء وحسن الخلق وكرم النفس وملاطفة الإخوان ومجانبة سماع 
القبيح من الأصدقاء. وكرم العهد بالوفاء والتباعد عن الحقد والحسد والغش» ومن شأنه 
الحب والبغض فى الله والتوسعة على الإخوان من ماله وجاهه إن أمكنه. وترك الامتنان 
عليهم بذلك وصحبة الأخيار ومجانبة الأشرار» ويكون خصمًا على نفسه لربه ولا يكون له 
خصما غيرها فيجتهد فى كر هواهاء لأنه قيل: الفتى من كسر الأصنام وهى صنم 
الإنسان. 

ومن كان الفتى أن لا ينافر فقيرا لفقره» ولا ای ا لغنام» ويعرض عن 
الكونين. ويستوى عنده المقيم والطارئ. ومن يعرف ومن لا يعرف». ولا تمييز بين الولى 
والكافر من جهة الأكلء. ولا يدخر ولا يعتذر ويظهر التعمة ويسر المحبة وإذا كان فى عشرة 
فلا يتغير إن كان ما أتى به عشيره أقل أو أكثرء وأن لا يحمر وجه أحد فيما لم يندبه الشرع 
إليه. ولا يربح على صديق وما خرج عنه لا يرجع فيه وإن أعطى شكر وإن منع صبرء بل 
إن أعطى آثر وإن منع شكر الفتوة أن لا يشتغل بالخلق عن الحق». وفتوة العارف بمعروفه» 
وفتوة غيره بمعتاده ومألوفه. 


فصل فى السخاء 
السخاء: تقديم حظوظ الإخوان على حظك مطلقًا دنيويًا وأخرويًا والمبادرة إلى 
الإعطاء قبل السؤال وترك الامتنان بما أعطى وتعجيله وتصغيره وتستيره .بل بذل النفس 
والروح والمال على الخلق على غاية الحياء» وأن يكره أن يرى ذل السؤال فى وجوه المسلمين 
وسخاء النفس بما فى أيدى الناس أكبر من سخائها وبالبذل ومروءة المناعة» والرضى أكبر 
من مروءة العطاء وأكبر من ذلك كله السخاء بالحكمة. 


البابالثامن والثلاثون 
فى بيان مكارم الأخلاق 
قال تعالى: خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين » [الأعراف: 199]. 
معناه تعفو عمن ظلمك» وتعطى من حرمك. وتصل من قطعك» وتعرض عمن 
جهل اعليك“ وسن إلى من أساء ‏ إليك فكان بي مبعونًا بمكارم الأخلاق يقول:١‏ اللهم 


حسح مجموعة رسائل الإمامالفزالى يس kk‏ ییک ۱۷۱ = 


اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون». ومن السخاء إفشاء السَّلام. وإطعام الطعامء وصلة 
الأرحام» والصلاة بالليل والناس نيام» ونيل المكارم باجتناب المحارم. مكارم الأخلاق من 
أعمال أهل الجنة قول لطيف يتبعه فعل شريف . مكافأة المحسن بأكثر من إحسانه. صاحب 
مكارم الأخلاق هو الذى لا يحوجك أن تسأله ولايزال يعتذر ضد اللئيم الذى لا يزال 
يفتخر» والتغافل عن زلل الإخوان والمسارعة إلى قضاء حوائجهم» وطرح الدنيا من يحتاج 


إليها. 
الباب التاسع والثلاثون 
فى بيان القناعة 
قال الله تعالى: لمن عمل صالحا من ذكر أو أننئ وهو مؤمن فَلنحينَه حيّاة طَيبّة » 
[النسعل : .قال كثير من المفسرين: الحياة الطيبة فى الدنيا القناعة: والقناعة رمه تن اله 
عر وجل . وقال رسول الله عه عه : «القناعة كنز لا يفنى» . وعنه عليه الصلاة والسلام :0 


أراد صاحبًا فالله يكفيه. ومن أراد مؤنسًا فالقرآن د e‏ 
أراد واعظًا فالموت د 0 وعن أبى هريرة رضى الله 
عنه أنه قال: قال رسول الله عَيِنّهِ : «كن ورعًا تكن أعبد الناس» وكن قنعًا تكن أشكر 
الناس» وأحب للناس ما تحب لنفسك تكن مؤمئاء وأحسن مجاورة من جاورك تكن 
مسلمًاء وأقلٍ من الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب». وقيل فى قوله تعالى: 
ليرزقتهم الله رزقا حسنا 4 [الحج: ۸ . يعنى القناعة . 

وقال وهب: إن العز والغنى خرجا يجولان فلقيا القناعة فاستقرا فيها. 

وفى الزبور: «القانع غنى وإن كان جائعا». وفى التوراة: «قنع ابن آدم فاستغنى 
اعتزل الناس فسلم» ترك الحسد فظهرت مروءته» تعب قليلاً فاستراح طويلاً». وقيل: وضع 
الله تعالى خمسة أشياء فى خحمة مواضع: العز فى الطاعةء والذل فى المعصية» والهيبة 
فى قيام الليل» والحكمة فى البطن الخالى» والغنى فى القناعة» . 

وقال بعضهم: انتقم من حرصك بالقناعة كما تنتقم من عدوك بالقصاص. وقيل: 
من تعبت عيناه إلى ما فى أيدى الناس طال حزنه. وقيل : إن أبا يزيد غسل ثوبه فى 
الصحراء مع صاحب له فقال له صاحبه: نعلق الثياب فى جدران الكروم فقال: لا تغرز 
الوتد فى جدران الناس» فقال: نعلقه فى الشجر. فقال لاء لأنه يكسر الأغصان. فقال: 
تبط عق اللدقيش“ققال أ علب الذواب ثم يولى تظهره. القنسن والقدميض غلن 


ظهره حتى جف جانبه» ثم قلبه حتى جف الجانب الآخر. 


سے ۷١‏ ہد مجموعه رسائلالاإمام الفزالی سد 


البابالأربعون 

فى بيان السائل 
من سأل وعنده قوت يومه فقد قطع الطريق على الضعفاء والمساكين» من كانت نيته 
طلب الآخرة جعل الله غناه فى قلبه وجمع شمله وأتنه الدنيا وهى راغمة» ومن كانت نيته 
طلب الدنيا جعل الله تعالى الفقر بين عينيه وشتت شمله وأمره ولا يأتيه منها إلا ما كتب 
له» ومن جعل الهموم هما واحد) كفاه الله هم الدنيا والآخرة» ومن تشعبت عليه الهموم 
لم يبال الله تعالى فى أى أوديتها هلك. جميع الدنيا من أولها إلى آخرها ما تساوى غم 
ساعة» فكيف بعمرك القصير مع قليل يصيبك منهاء من رضى بما قسم الله له بارك الله له 
فيه ووسعه عليه من اكتفى عن السؤال فقد أعطى خير النوال» من احتجت إليه هنت عليه. 
إذا أردث أن تعيش حرا فلا تلزم مؤنة نفسك غيرها والزم القناعة: كيف يليق بالحر المريد أن 
يتذلل للعبيد وهو يجد عند مولاه كل ما يريد» ولو يعلم الناس ما فى المسألة ما سأل أحد 
شينًا. ولو يعلم الناس ما فى حق السائل ما حرموا من سألهم أبداء لو صدق السائل ما 
قدس من رده. ما من رجل سأل رجلاً حاجة فقضاها أو لم يقضها إلا غار ماء وجهه 


أربعين یوما : 


الباب الحادى والأريعون 
فى بيان الشفقة على خلق الله تعالى 
اعلم أن الشفقة على خلق الله تعالى تعظيم لأمر الله تعالى» وذلك أن تعطيهم من 
نفسك مايطلبون وأن لا تحملهم ما لايطيقون» وأن لا تخاطبهم يما لا يعلمونء ولا بما 
يعلمون. وأن يسرك ما يسرهم.وأن يحزنك ما يحزتهم وفكرك فى كيفية تحصيل منفعتهم 
الدينية والدنيوية إليهم» وكيفية دفع ما يضرهم فى دينهم ودنياهم حتى لو سقط الذباب 
على وجه أحدهم لوجدت لها ألا فى قلبك » وأن تكون لأن تحفظ قلب مؤمن شرعا أحب 
إليك من كذا وكذا حجة وغزوة » وأن تختار عر أخيك على عزك وذل نفك على ذل 


أخيك . 
الباب الثانى والأربعون 
فى بيانآقة الننوب 


طوبى لمن إذا مات ماتت ذنويهء قيل: أعظم الذنوب من ظلم من لم يعرقه ولم يره. 


من أطاع الله تعالى سخر له كل شىء؛ ومن عصاه سخره لكل شىء وسلط عليه كل 
شىء» لو لم يكن فى الإصرار على الذنب من الشؤم إلا أن يكون كل ما يصيبه فهو عقوبة 
من سعة أو من ضيقة أو صحة أو سقم لكان كافيّاء ولو لم يكن فى ترك المعصية إلا ضد 
ذلك لكان كافيًا . إن العبد ليحرم الرزق بالذنب يصيبه . ليست اللعنة سوادا فى الوجه أو 
نقصنًا فى المال إنما اللعنة فى أن لا يخرج من ذنب إلا وقع فى مثله أو شر منه. لا تكن فى 
التوبة أعجز منك فى الذنب ما أنكرت من تخير الزمان والإخوان والزوجاتء فالذنوب 
أورثت ذلك حتى فى تخلق الدابة وفأر البيت» ونسيان القرآن» أوشىء من العلمء أو نقل 
تلاوته من الأحرارء والعقوبة موضوعة للشدة والمشقة » فعقوبة كل من حيث يشترك حتى 
الاحتلام وقد تكون عقوبة الذنب ذنبًا مثله إذا عظم كثواب الطاعة. ولاحول ولا قوة إلا 


بالأه العلى العظيم . 


الباب الثالث والأريعون 
فى صفة صلاة أهل القرب 
إذا دخلت فى الصلاة فانس الدنيا وأهلها وأقبل على الله تعالى إقبالك عليه يوم 
القيامة» واذكر وقوفك بين يدى الله ليس بينك وبينه ترجمان وهو مقبل عليك تناجيه وتعلم 
بين يدى من أنت واقف فإنه الملك العظيم . 
وقيل لبعضهم: كيف تكبر التكبيرة الأولى؟ ققال: ينبغى إذا قلت: الله أكبر أن يكون 
مصحوبك فى الله التعظيم مع الألف. والهيبة مع اللام والمراقبة والفرق مع الهاء. 
واعلم أن من الناس من إذا قال الله أكبر غاب فى مطالعة العظمةء وصار الكون 
بأسره فى فضاء شرح صدره كخردلة بأرض فلاة» ثم يلقى الخردلة فما يخشى من 
الوسوسة وحديث النفس وما يتخايل فى الباطن هو من الكون الذى صار بمنزلة الخردلة 
وألقيت فكيف تزاحم الوسوسة مثل هذا العبدء واللّه تعالى أعلم. 
جعلنا الله وإياكم من عباده المقربين وعلمائه العاملين وأصفيائه الخلصين» وصلى الله 
على سيدنا محمد خاتم النبيين وقائد الغر المحجلين» وعلي آله وصحبه المقربين وأزواجه 
الهليبين الطاهرين وذريته المخلصين». وعلى سائر الأنبياء والمرسلين والملاتكة المقربين» 
علوات الله وبلايه غيم اجمعين :«واتنيد لله وب العالمانء 


حب ١١/6‏ “قت مجموعة رسائل الإمام الفزالى -حت 


قواعد العقائد 
فى 
النوحيد 
أنمرييم 


الحمد لله المبدئ المعيد الفعال لما يريد» ذى العرش المجيد والبطش الشديدء الهادى 
صفوة العبيدء إلى المنهج الرشيد» والمسلك السديدء والمنعم عليهم بعد شهادة التوحيدء 
بحراسة عقائدهم عن ظلمات التشكيك والترديد» السالك بهم إلى اتباع رسوله المصطفى 
يله واقتفاء آثار صحبه الأكرمين المكرمين بالتأيبد والتسديد المتجلى لهم فى ذاته وأفعاله 
بمحاسن أوصافه التى لا يدركها إلا من ألقى السمع وهو شهيد. وهو أنه فى ذاته واحد لا 
شريك لهء فرد لا مثل لهء صمد لا ضد له»ء منفرد لا ند لهء وأنه واحد قديم لا أول له 
أزلى لا بداية له» مستمر الوجود لا آخر له» أبدى لا نهاية له» قيوم لا انقطاع له» دائم لا 
انصرام له» لم يزل ولا يزال موصوفًا بتعوت الجلالء لا يقضى عليه بالانقضاء والانفصال 
بتصرم الآباد وانقراض الآجال. بل هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شىء 
- التنزيه: وأنه ليس بجسم مصور ولا جوهر محدود مقدر. وأنه لا يمائل الأجسام فى 
التقدير ولا فى قبول الانقسام. وأنه ليس بجوهر ولا تحله الجواهرء ولا بعرض ولا تحله 
الأعراض» بل لا يماثل موجوذا ولا يمائله موجودء ليس كمثله شىء» ولاهو مثل شىء» 
وأنه لا يحذه المقدارء ولا تحويه الأقطارء ولا تحيط به الجهات ولا تكتنفه الأرضون + ولا 
السموات وأنه مستو على العرش على الوجه الذى قالهء وبالمعنى الذى أراده استواء منزها 
عن المماسة والاستقرار والتمكن والحلول والانتقال. لا يحمله العرش بل العرش وحملته 
محمولون بلطف قدرته ومقهورون فى قبضته» وهو فوق العرش والسماء وفوق كل شىء 
إلى تخوم الثرى. فوقية لا تزيده قربا إلى العرش والسماءء كما لا تزيده بعدًا عن الأرض 
والثرى» بل هو رفيع الدرجات عن العرش والسماء» كما أنه رفيع الدرجات عن الأرض 
والثرى» وهو مع ذلك قريب من كل موجود» وهو أقرب إلى العبد من حبل الوريد» وهو 
على كل شىء شهيدء, إذ لا يمائل قربه قرب الأجسام كما لا تمائل ذاته ذات الأجسام وأنه 
لايحل فى شىء ولايحل فيه شىء» تعالى عن أن يحويه مكان كما تقدس عن أن يحذه 
زمانء بل كان قبل أن خلت الزمان والمكان وهو الآن على ما عليه كان وأنه بائن من خلقه 


جح مبموعةرسائلالإمامالفزالى ا سس سب بيصت 117/6١‏ = 


بصفاته » ليس فى ذاته سواه ولا فى سواه ذاته» وأنه مقدس عن التغيير والانتقال لا تحله 
الحوادث ولاتعتريه العوارضء بل لا يزال فى نعوت جلاله منزهًا عن الزوال به» وفى 
صفات كثماله مستغنيًا عن زيادة الاستكمالء وأنه فى ذاته معلوم الوجود بالعقول مرئى 
الذات بالأبصار نعمة منهء ولطقًا بالأبرار فى دار القرارء وإتمام للنعم بالنظر إلى وجسهه 
الكريم. 0 

الحياة والقدرة: وأنه تعالى حى قادرء جبار قاهر لا يعتريه قصور ولا عجزء ولا 
تأخذه سنة ولا نومء ولايعارضه فناء ولا موتء وأنه ذو الملك والملكوت والعزة 
زاو ا ولق وا وال هواسر ات تطوياتة ت و خا ورون 
فى قبضتهء وأنه المنفرد بالخلق والاختراع المتوحد بالإيجاد والإبداع. خلى الخلق وأعمالهم 
وقدر أرزاقهم وآجالهم لا يشذ عن قبضته مقدور. ولا يعزب عن قدرته تصاريف الأمور لا 
تحصىی مقدوراته ولا تتناهی معلوماته . 

العلم: وأنه عالم بجميع المعلومات محيط علمه بما يجرى فى تخوم الأرضين إلى 
أعلى السموات» a‏ مثقال ذرة»فى الأرض ولا فى السماءء بل يعلم دبيب 
النملة السوداء على الصخرة الصماء فى الليلة الظلماء ويدرك حركة الذر فى جو الهواءء 
ويعلم السر وأخفى ويطلع على هواجس الضمائرء وحركات الخواطر» وخفيات السرائر 
بعلم قديم أزلى لم يزل موصوقًا به فى أزل الآزال» لا بعلم متجدد حاصل فى ذاته بالحلول 
والانتقال. 

الإرادة: ذاه تعالى مريد للكائنات مدبر للحادثات فلا يجرى فى الملك والملكوت 
قليل أو كثير» صغير أو كبيرء : خير أو شرء نفع أوضرء إيمان أو كفرء عرفان أو نكرء فوز 
أو خسرانء زيادة أو نقصان طاعة أوعصيان إلابقضائه وقدره وحكمته ومشيئتهء فما شاء 
كان وما لم يشأ لم يكن. لا يخرج عن مشيئته لفتة ناظر ولا فاتة خاطرء بل هو المبدئ 
المعيد الفعال لما يريد» لا راد لحكمه ولا معقب لقضائه. ولا مهرب لعبد من معصيته إلا 
بتوفيقه ورحمته. ولا قوة له على طاعته إلا بمشيئته وإرادته» فلو اجتمع الإنس والجن 
والملائكة والشياطين على أن يحركوا فى العالم ذرة أو يسكتوها دون إرادته ومشيئته لعجزوا 
عن ذلك وأن إرادته قائمة بذاته فى جملة صفاته» لم يزل كذلك موصوقًا بها مريدا فى أزله 
لوجود الأشياء فى أوقاتها التى قدرها فوجدت فى أوقاتها كما فى أزله من غير تقدم ولا 
تأخرء بل وقعت على وفق علمه وإرادته من غير تبدل ولا تغيرء دبر اللأمور لا بترتيب 
أفكار ولا تريص زمان فلذلك لم يشغله شأن عن شأن. 

السمع واليصر: وأنه تعالى سميع بصير يسمع ويرى»ء لا يعزب عن سمعه مسموع 


وإن خفى؛ ولا يغيب عن بصره مرئى وإن دق» ولا يحجب سمعه بعدء ولا يدفع رؤيته 
ظلام. يرى من غير حدقة وأجفان» ويسمع من غير أصمخة وآذان» كما يعلم بغير قلب» 
ويبظش بغير جارحة» ویخلق بغر آلة إذ لا تشبه صفاته صفات الخلق» كما لا تشبه ذاته 
ذوات الخلق. 

الكلام: وأنه تعالى متكلم آمر ناه واعد متوعد بكلام أزلى قديم قائم بذاته لا يشبه 
كلام الخلق» فليس بصوت يحدث من انسلال هواء أو اصطكاك آجرام »ولا بحرف ينقطع 
بإطباق شفة أو تحريك لسانء وأن القرآن والتوراة والإنجيل والزبور كتبه المنزلة على رسله 
عليهم السلام» وأن القرآن مقروء بالألسنة مكتوب فى المصاحف محفوظ فى القلوب» وأنه 
مع ذلك قديم قائم بذات الله تعالى» لا يقبل الاتفصال والافتراق بالانتقال إلى القلوب 
والأوراقء وأن موسى عليه السلام سمع كلام الله بغير صوت ولا حرف كما يرى الأبرار 
ذات الله تعالى فى الآخرة من غير جوهر ولا عرض . وإذا كانت له هذه الصفات كان حيا 
عالًا قادرًا مريدًا سميعًا بصيرًا متكلما بالحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر 
والكلام لا بمجرد الذات. 

الأفعال: وأنه سبحانه وتعالى لا موجود سواه إلا وهو حادث بفعله وفائض من عدله 
على أحسن الوجوه وأكملها وأتمها وأعدلهاء وأنه حكيم فى أفعاله عادل فى أقضيته ولا 
يقاس عدله بعدل العباد إذ العبد يتصور منه الظلم بتصرفه فى ملك غيره ولا يتصور الظلم 
من الله تعالى» فإنه لا يصادف لغيره ملكا حتى يكون تصرفه فيه ظلمّاء فكل ما سواه من 
إنس وجن وشيطان وملك وسماء وأرض وحيوان ونبات وجوهر وعرض ومدرك 
ومحسوس: حادث اخترعه بقدرته بعد العدم اختراعاء وأنشأه بعد أن لم يكن شيئّاء إذ كان 
فى الأزل موجودا وحده ولم يكن معه غيره فأحدث الخلق بعد إظهارً لقدرته وتحقيقًا لما 
سبق من إرادته وحق فى الأزل من كلمته لا لاقتقاره إليه وحاجته» وأنه تعالى متفضل 
بالخلق والاختراع والتكليف لا عن وجوبء. ومتطول بالإنعام والإصلاح لا عن لزوم» له 
الفضل والإحسان والنعمة والامتنان. إذا كان قادراً على أن يصب على عباده أنواع العذاب 
ويبتليهم بضروب الآلام والأوصاب» ولو فعل ذلك لكان منه عدلاً ولم يكن قبيحًا ولا 
ظلماء وأنه يثيب عباده على الطاعات بحكم الكرم والوعد لا بحكم الاستحقاق واللزوم إذ 
لا يجب عليه فعل ولا يتصور منه ظلم ولا يجب لأحد عليه حقء وأن حقه فى الطاعات 
وجب على الخلق بإيجابه على لسان أنبيائه لا يبمجرد العقل؛ ولكنه بعث الرسل وأظهر 
صدقهم بالمعجزات الظاهرة» فبلغوا أمره ونهيه ووعده ووعيده فوجب على الخلق تصديقهم 
قينا عماء وا نه :وأته تع الى نيحف الى الم الق شي مد ا رساك إل كاف الطرتب 


والعجم والجن والإنس فنسخ بشرعه الشرائع إلا ماقررء وفضله على سائر الآنبياء وجعله 
سيد البشر ومنع كمال الإيمان بشهادة التوحيدء وهى: قول لا إله إلا الله ما لم يقترن بها 
شهادة الرسول»ء وهى محمد رسول الله فالزم الخلق تصديقه فى جميع ماأقر به من الدنيا 
والآخرة» وأنه لا يقبل إيمان عبد حتى يوقن بما أخبر عنه بعد الموت» وأوله سؤال منكر 
ونكير. وهم شخصان مهيبان هائلان يقعدان العبد فى قبره سويًا ذا روح وجسد فيسآلانه 
عن التوحيد والرسالة ويقولان: من ربك وما دينك ومن نبيك؟ وهما فتانا القبر وسؤالهما 
أول فتنة للقبر بعد الموت» وأن يؤمن بعذاب القبرء وأنه حق وحكمه عدل على الجسم 
والروح على ما يشاءء ويوقن بالميزان ذى الكفتين واللسان» وصفته فى العظم أنه مثل طباق 
السموات والأرضين توزن فيه الأعمال بقدرة الله تعالى» والصنج يومئذ مثاقيل الذر والخردل 
تحقيقًا لتمام العدل. وتطرح صحائف الحسنات فى صورة حسنة فى كفة النور فيثقل بها 
الميزات على قدر درجاتها عند الله بفضل الله تعالى» وتطرح صحائف السيئات فى كفة 
الظلمة فيخف بها الميزان بعدل الله تعالى» .وأن يؤمن بأن الصراط حق وهو جسر ممدود على 
متن جهنم أحد من السيف وأدق من الشعرة تزل عليه أقدام الكافرين بحكم الله تعالى 
فيهوى بهم إلى النار» وتثبت عليه أقدام المؤمنين فيساقون إلى دار القرارء وأن يؤمن 
بالحوض المورود: حوض محمد تله يشرب منه المؤمن قبل دخول الجحنة وبعد جواز الصراط 
من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبدّاء عرضه السماءء فيه ميزابان يصبان الكوثر» ويؤمن 
بيوم الحساب وتفاوت الخلق فيه إلى مناقش فى الحساب وإلى مسامح فيه وإلى من يدخل 
الجنة بغير حساب» وهم المقربون فيسأل من شاء من الأنبياء عن تبليغ الرسالة» ومن شاء 
من الكفار عن تكذيب المرسلين» ويسأل المبدعين عن السنةء ويسأل المسلمين عن الأعمال» 
ويؤمن بإخراج الموحدين من النار بعد الانتقام حتى لا يبقى فى جهنم موحد بفضل الله 
تعالى» ويؤمن بشفاعة الأنبياء ثم العلماء ثم الشهداء ثم سائر المؤمنين كل على حسب جاهه 
ومنزلته؛ ومن بقى من المؤمنين ولم يكن له شفيع أخرج بفضل الله تعالى» ولا يخلد فى 
النار مؤمن بل يخرج منها من كان فى قلبه مثقال ذرة من الإيمانء وأن يعتقد فضل الصحابة 
ورتبتهم» وأن أفضل الناس بعد رسول الله عَيِه : أبو بكر ء ثم عمرء ثم عشمانء ثم 
على تم » وأن يحسن الظن بجميع الصحابة ويثنى عليهم كما أثنى الله تعالى ورسوله عر 
عليهم أجمعين» فكل ذلك مما وردت به السنة وشهدت الآثارء فمن اعتقد جميع ذلك موقنًا 
به كان من أهل الحق وعصابة السنةء وفارق رهط الضلال والبدعة. فنأل الله تعالى كمال 
اليقينء والثبات فى الدنيا لنا ولكافة الملمين إنه أرحم الراحمين» وصلى الله على سيدنا 


کی ۷۸| مجيووعةرسائل الإمامالفزالى حت 


یری 
خلاصة التصانيف فى التصوف 
خطبه الكناب 


الحمد لله الذى أودع لطائف أسراره قلوب العارفين» وجعل البيان طريقًا لوصولها 
إلى المسترشدين والصلاة والسلام على أفصح الأنبياء لسانًا وأوضحهم بيانّاء وعلى آله 
وصحبه الهادين» وعلى جميع علماء شريعته العاملين. 

أما بعد: فيقول المستعين يربه المبين الفقير إليه»؛(محمد أمين) الشافعى مذهيًاء 
النقشبندى مشربًاء الكردى نسبةء الإربلى بلدة. الأزهرى إقامة: إنه قد أظفرنى الله وله 
الحمد بدرة غريبة» من العلوم الإلهية» موحشة بوشاح اللغة القارسية. فاحتجبت عمن ليس 
له إلمام بها وهو من أنفس تصائيف العالم العلامة والبحر الفهامة. حجة الإسلام الشيخ 
محمد بن محمد بن محمد الغزالى الطوسى صاحب (كتاب الإحياء) وهو الغنى عن 
التعريف قدس الله سرهء وأفاض على المسلمين بره» فرأيت من نصيحة المسلمين» وخدمة 
الدين» أن أستعين بالله على 'ترجمتها من (الفارسية إلى العربية) مع رقة اللفظ وجزالة المعنى 
وسهولة المبنى كى ينتفع بها الخاص والعام. والله أسأل أن يمن علينا بالفوز بدار السلام. قال 
ناقلها الفارسى فى بيان سبب تأليف الأستاة لهذه الرسالة الموسومة (بخلاصة التصانيف») 
بعد الثناء على الله تعالى وما يتصل به .ما ذا ترجمته: 

أما بعد: فقد كان رجل من تلامذة حجة الإسلام محمد بن محمد بن محمد الغزالى 
قدس الله سره العالى قد تعب فى تحصيل العلوم مدة من السنين حتى حاز من كل فن نصيبا 
وافرا ففى ذات يوم صار يتفكر فى نفسه ويقول : إنى قد أتعبت نفسى مدة طويلة فى 
تحصيل العلوم». والآن لا أدرى أى علم أنفع لی منها ليكون سببًا لهدايتى ويقودنى فى 
عرصات القيامة. 0 أدرى ليضًا غير النافع منها حتى أتباعد وأحترز منه كما قال عليه 
الصلاة والسلام: نعود باله من علم لا يتقع» . وما زالت هذه القكرة تغلب عليه حتى 
خملعه فلي أن يكنب إلى شيخه كتايا ينشفعيه فيه عن قضعة هله ومسائل أخرى. ويطلب 
منه مع ذلك النصيحة “والدعاء.. 

قال فيه: مولاى إن كان الطريق إلى جوابى مدونًا فى كتبك العديدة كإحياء العلوم» 
وكيمياء السعادة وجواهر القرآن وميزان العمل والقسطاس المستقيم ومعراج القدس ومنهاج 
العابدين وأمثالها. فإن خادمك ضعيف كليل الظطرف عن المطالعة فيهاء فأطلب من سيدى 
وأستاذى مختصرا أقرؤه كل يوم .وأعمل بما فيه إلى آخر عا قالء فكتب الشيخ فى رده 
الكتاب الآتى :وأرسله إليه وهو قوله طلنه . 


س مجموعة رسائلالامام القزالی للستت 117/1 = 


اعلم أيها الولد العزيز» والصاحب المخلص آطال الله بقاءك فى طاعته وسلك بك 
طريق أحبابه. أن جميع نصائح الأولين والآخحرين مجموعة فى أحاديث سيد المرسلين عله 
لآته هو الى أوتى جوامع الكلمء» فكل ناصح مهما نصح فهو متطفل على موائد نصحه 
له : (فإن وصلك شىء من النصائح النبوية فلا حاجة لك إلى نصائحى. وإن لم يصل 
إليك شىء منها فقل لى ما الذى حصلته من علومك فيما أمضيته من عمرك الذى ضيعته 
سدى). 

أيها الولد: كل نصائح الأولين والآخرين فى مقالات سيد المرسلين مكتوبة للعالمين» 
وكل منها يقيد فاتدة تامة. فمنها هذا الحديث وهو: : اعلامة إعراض الله عن العبد اشتغاله 
بالا نیت وان اسر ا دحت ساعة من مره في غير ماحل قه دير أن يطول عَلَيْه 
سره وسن جاور الأربعين ولم يغاب خيره شره يجهر إقى انار فهذه النصيحة 
والموعظة كافية لأهل الا 

ياولدى: قعل التصيحة سهل والصعوبة فى قبولها والعمل بها لأن طعم النصيحة فى 
فم عابد الهوى مر والمتهيات محبوبة على العموم. خصوصا عند من يبذك همته فى طلب 
علوم الرسم والقضل والمهارة وتحوها لأكتساب العز والشرف الدنيوى لأنه إنما يقصد 
بتحصيل العلوم مجرد العلم دؤن العمل له لينسب إليه العلم ويقال :. فلا الم فاضل فهذه 
عقيدة فاسدة وهذا القدر هو (نهايهة مذهب الفالاسقة) والعياذ بالل إذ غايتهم ٤‏ تحصيل العلم 
بدون التفات إلى العمل» ولم يعلموا أن العلم يككون عليهم. حجة بالغة وهم فى غفلة عن 
قولهيَله : «إن أشد الناس عذابًا يوم القيامة عالم لم ينفعه الله يعلمه» . 

وروى الإمام أحمد والبيهقى عنن منصور بن زاذان قلل: «بلغنا أش العالم إذا؛ لم ينتفع 
بعلمه تصيح أهل التار هن نتن ريحه ويقولون له: ماذا كنت تفعل يا خبيث» فقد آذيتنا بنتن 
ريحك. أما يكفيك ما تحن فيه من الأأدذى والشر؟ فيقول لهم : كنت عانًا فلم أتتفع 
بعلمی» . 

وحكى أن بعض أكابر أصحاب الحنيد رآه فى تومه بعد. وفاتة. فقال: ماقعل الله بك؟ 
قال: طاحت تلنك. اللإشارات » وغابت تلك العبارات» وفنيت تلك العلوم» ونفذت تلك 
الرسومء وما نفعنا إلا ركيعاتء كتا نركها فى جوق الليل.. 

أيها الولد: ينبخى أت لا تكون مقلسًا من الأعمال خالمًا من الأحوال والمعانى الشريفة 
العالية» واعلم يقينًا أن العلم يمجرهه لا يأخذ. بيدك يوم القيامة ويتضح لك هذا بضرب 
مثال» آرأيت لو أن رجلا يحسن الحرب بيتما هو يسير فى مفازه. ومعه عتشرة سيوف هندية 
وقسى وسهام فى غاية الجودة» وقد تقلد بها إذ فاجأه أسد عنظيم هل تدقع عنه هذه 





اح .۸ جحت مجموعة رسائل الإمامالفزالى عت 


الأسلحة بمجردها من شر الأسد شيئًاء أنت على يقين تام بأنها لا تغنى عنه شينَا حتى 
يستعملها فيما قصد منهاء فكذلك لو أن شخصًا علم مائة ألف مسألة ولم يعمل بواحدة» 
فأنت تعلح أن هذا العلم لايفيده فائدة ما. ولنضرب لك مثالا آخر فنقول: لو أن شخصا به 
مرض وضعف من الحرارة والصفراء وعلم علمًا ليس معه شك أن شفاءه فى تناول 
السكنجبين ولكنه لم يتناولهء فهذا العلم ليس بنافع فى الشفاء ولا دافع للداء حتى يعمل 
په : 

yT 


ياولدى: الم كسما" لاق لرحمة Ss‏ الصالح لم تصل 
إليك رحمته. واسمع الدليل من القرآن: «( وأن ليس للإنسان إل ما سعئ 4 [النجم : 061 


: تقول فى قوله تعالى فى آيات أخرى‎ e 
وإ فمن كان يرجو لقاء ره يعمل عملا صالحا © [الكيف: 1۰ و لإجزاء بما‎ 
كانت لهم‎ ٠ كائور يعملون  [الراقعة: 4 وفى قوله: إن الْذِين فوا وعملوا الصالحات‎ 
ات الفردوس زلا يه خالدين فيها 4 [الكيف: ۷ 114 رفير قوله : إلا من‎ 
تاب وآمن وعمل عمّلاً صاحا © [الفرقاذ ]. وماذا تقول فى حديث : #بنى الإسلام على‎ 
خمس: : شهادة أن لا إله إلا لله ون محمد رول اش وإقام الصلاةة وإيتاء الزكاة وصّم‎ 
وان وحج ج البيت كن امستطاع ! إليه سبيلاً». . وفى حديث: الإيمان إقْرارٌ باللسان‎ 
وتصديق بالجئان وعمل بالأركان) . والدلافل على أن متلامة العبل بالعمل كثيرة لا يعد وله‎ 
تنصى . فان حطر الك من كلام أن اليد تل اة ل ۷ بففل الله ور يفيه فنا‎ 
ذهمت كلامى!‎ 

واعلم أنى لا أقول ذلك بل أقول إن العبد يدخل الجنة بفضل الله وكرمه 
ورحمتهء غير أن رحمة الله تعالى لا تصل إلى العبد إلا إذا كان مستعدًا لها ولائقًا لأن يكون 
محلاً لها ولا يكون كذلك إلا بامتثال المأمورات واجتناب المنهيات وملازمة الطاعات والقرب 
والإخلاص ة فى العمل كما يشير إليه قول الله تعالى: إن رحمت الله قريب من 
المحسنين » [الاعراف : 6 سي SEE a E‏ فال قا 
(الإخسان أن تعد أن كائلك اهو رة عد رسيم زا قير السك فإن لم تكن 
«ستعدا لرحمته على الوجه المذكور لا تصل إليك رحمتهء وإذا لم تصل إليك رحمته لا 
تدخل الجنة» فإن قال أحد إن العبد يدخل الجنة بمجرد الإيمان. قلنا: نعم. ولكن حتى 


س مبجوموعةرسائلالإمامالفزالى ‏ سب سس ےیک ۱۸۱ = 
يذوق صعوبة العقبات التى لا يسهلها إلا صالحات الأعمال إذ لا يصل العبد إليها إلا 
بالجور على الصراطء وما مشينا عليه إلا على صورة مشينا على الصراط المعتوى فى هذه 
الدار وما اختلف الناس فى السرعة والبطء إلا ياختلافهم هنا فى المبادرة إلى الطاعة 
والتحلف عنهاء فمن تحفظ هناك حفظ هناك ومن أبطأ هتا ؤلته به قدمه هتاك. كما أن 
شرينا من حوض النبى َيه يكون بقدر تضلعنا من الشريعة المطهرة» وإذًا فمعتى كون دخول 
الجنة بفضل الله أن يوفقك الله لصالح العمل بفضله لتكون صالخا ومتهينًا لرحمته وفضنله. 
فك اة 

ياولدى: اعلم يقيئًا أنك إن لم تعمل لم تأخذ أجرة العمل 

وحكى أن عبد من يتى إسرائيل عبد الله مخلصا ستين عديدة فأراد البارئ جل وعلا 
أن يظهر إخلاصه للملائكة قبعث الله ملكا يخيره أن الله تعالى يقول: إلى متى تسعى هذا 
السعى وتتعبه تفسك فى العيادة» وآنت من أهل النار؟ فآخبره الملك با قاله اللولى . فقال 
العبد فى جوابه: آتا عيدء وشأن العبد العيودية وهو إله. وشأت الألوهية لا يعلمه إلا هو. 
فرجع الملك إلى ريه وقال: إلهى أتت تعلم السر وأعفى وتعلم ما قاله عبدك؛ ققال الله 
تعالى: إذا كان هذا العبد مع ضعفه لم يرجع عناء فكيف ترجع عنه مع كرمتا: (اشهدوا يا 
ملائكتى اتی غفرت له) . 

با ولدي: اسمع حديث النبى َيه ماذا يقول: ٠‏ «حاسبوا سکم قبل أن تحَاسبوا 
وزنوا قبل أن توزنوا» وقال أمير اللؤمنين على كرم الله وجهه: «من ظن أنه يدون الجهد 
يصل إلى الجنة فهو متمن. ومن ظن أنه بيذل الجهد يصال فهو متعن».. وقال الخسن اليصرى 
رحمه الله تعالى :«طلب الحنة بلا عمل فنب من الذنوب»..وقى الخديث القدنسى ١:‏ ما أقل 
حياء من يطمع فى جتتى يغير عمل كيف أجود يرحمتى عللى من بخخل بطاعتى»وقال أحد 
الأكبار: «الحقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك العمل» ‏ وحديث المصطقى َك ألحسن وأشرف 


وأوضح من الكل حيث قالك: «الكيس من دان نفسه وعمل ذا يعد الّوْته والأحمق من أنْبَ 
Cy 3‏ رص عرس عق 
11 


ياولدى: كثيرا ما أحبيت الليالى بتكرار العلم والمطالعة ولا أقرى ما الباعث للك على 
ذلك. إن كان غرضك الدتيل وجتّب حطامها وتحصيل المتاصب والمباهاة على آتقرانك 
وأمثاتك» فويل للك تم ويل للك وإنن كان غرصك إحاء الشريعة والدين اللحمدى. وتهذيب 
الأخلاق» قطوبى [ لك ثم طوبى لك» اعا ھن لز 
هو العيون غير وَجْهِكَ ضائع 
وكاؤمر قير قف ده بلطل 


سس ۸٢‏ س مجموعة ربمائل الإمام الغزالى عد 

وقال رسول الله عله : عش ما شئّت م ؛ نك ميت وأحبب ما شئت فإنك مقار 
واعْمَل ما شنت فإك مجزی به» . ما فائدتك فى تحصيل علم انكلام والخلاف والطب 
والدواوين وار واو والتحبق والتضريف وغيرها ما حصلت غير تضييع عمرك فى 
الغفلة عن جلال الله وعظمته وقدره» لأنى قرأت فى إنجيل عيسى عليه السلام: إن العبد إذا 
مات ووضع فى قبره يسأله الله تعالى بنفه أربعين سؤالاً أولها: «عبدى قد طهرت منظر 
الخلق سنين هل طهرت منظرى ساعة»؟ 

ياولدى: كل يوم ينادى فى قلبك وإن لم تسمع (ما تصنع بغيرى وأنت محفوف 
بخيرى) . 

ياولدى: العلم بغير عمل جنونى والعلم بغير علم أجنبى» لأن العلم إن لم يباعدك 
اليرم عن المعاصى ولم يصيرك طائعًا لم يباعدك غدا من نار جهنم فإن لم تعمل اليوم ولم 
تتدارك ما فاتك من الأيام الماضية غد فى القيامة تقول: ف فارجعنا تعمل صا حا 4 [السجدة: 
۲ . فيقال لك أيها الأحمق أنت أتيت منها فكيف ترجع إليها. 

ياولدى: الهمة العالية أن تصرف روحك فى الطاعات قبل قرار روحك من الجسد 
بالموت» لأن الدنيا منزلتك إلى أن تصل إلى المقابر وهؤلاء القوم الذين فى منازل المقابر 
ينتظرونك فى كل لحظة إلى أن تصل تصل إليهم فالحذر من أن تذهب بغير زاد. قال الصديق 
الأكبر : «الأجساد قفص الطيور أو اصطبل الدواب». فتأمل فى نفسك من أيهما أنت. فإن 
كنت من الطيور أصحاب الأعشاش ممعت صوت طبل: ارجعي ال ربك راضيّة 
مرضية ‏ [الفجر : ۸. فطر لتجلس بمكان أعلى وإن كنت من الدواب والعياذ بالله كنت ممن 
قال الله فيهم: # أولئك كالأنعام بل هم أضل # (الأعراف: 174]. واعلم يقينًا أنك حينئذ 
بعثت ذخيرتك فى زاوية إلى هاوية. 

نقل أن الحسن البصرى عطش يومًا وكان شديد الحر فا له يتح من ن الماء البارد فلما 
مسه بيده وأحس ببرودة مائه صاح صيحة عظيمة وخر مغشيًا عليه فوقع القدح من يده 
فأما أفاق قيل له : ما الذى حصل لك؟ قال: ذكرت آية أهل النار حين ينادون أهل الجنة: 
:( أن أفيضوا عَلينًا من الْمَاء 4 (الأعراف: 6]. 

ياولدى: إن كان يكفيك العلم المجرد ولم تحتج إلى العمل فماذا تقول فى نداء : هل 
من سائل هل من تائب هل من مستغفرء لأنه ورد فى أخبار صحيحة أنه إذا مضى نصف 
الليل والناس نيام ينادى المولى سبحانه وتعالى بنفسه: هل من تائب هل من سائل هل من 
مستغفر)» ولذلك صار القيام والاستغفار بالأسحار مطلويًا قال تعالى :ل کانوا قليلا من 
اليل ما يهجعون 4# وبالأسحار هم يستغفرون 4 [الذاريات: [A AY‏ 


ح مجموعہ رسالل الامامالفزالی ہیی ۱۸۳ = 


قيل: إن جماعة من الصحابة ضغ كانوا جالسين إذات يوم نين جد النبى یه فذكروا 
ل بخير فقال كله : : انعم الرجل لَوْيُصَلَى فى اليل . وأيضا قال 
رستول الله يله لأحد الصحابة : الا تكثر التوم اليل فَإِن كثْرةَ النوم بالْليِلٍ تدع صاحبها 
فقيرا يوم القيامة». 
ياولدى: قوله تعالى: ل ومن اليل فته جد به ناف لك » [الإسراء: 9]. أمر 
فإ وبالأسحار هم يستغفرون ) شكر ل والمستغفرين بالأسحار» [آل عمران: ¥ ذكر. 
يقول النبى عله : لان آصوات بحبها الله على صوت الديك» وصوت الّذى يقرا القرآنء 
وصوت المستغفرين بالأسحار» يفو لاد ان الور ر امه ال إن لله تحال راا 
تهب وقت السار ل ا کار والاستغفار إلى الملك الجبار . وأيضًا له: إذا كان أول الليل 
نادى مناد من تحت العرش: ألا ليقم العابدون فيقومون فيصلون ما شاء اللّه» ثم ينادى مناد 
فى شطر الليل: ألا ليقم القانتون فيقومون فيصلون إلى السحرء فإذا كان السحر ينادى مناد 
ألا ليقم المستغفرون فيقومون فيستغفرون» فإذا طلع الفجر تادى مناد: ألا ليقيم الغافلون 
فيقومون من مفرشهم كالموتى نشروا من قبورهم . 
ياولدى: ورد فى وصايا لقمان أنه قال لابنه : «يابنى لا يكوئن الديك أكيس منك 
ينادى بالأسحار وأنت نائم». وما أجمل وأليق من قول القائل حيث قال: 
لقدهتفت فى جنح ليل حمامة 
على فتن وهناوإنىلنائم 
فت ووا ل لحن اق ن 
لاسب قًشى بالبكاء المحمائم 
وأزعم أنى هائم نوص ب سابة 
لربى ولا أبكى وتَبّكى الله ائم 
ياولدى: (خلاصة النصيحة) أن تعلم حقيقة الطاعة والعبادة ما هى؟ العيادة هى 
متابعة الشارع َيه فى الأوامر والنواهى» فإن فعلت فعلاً ولست بمأمور به فليس بعبادة» 
.وإن كان ذلك الفعل فى صورة'العبادة بل قد يكون عصيانًا وإن كان صومًا وصلاة. ألا ترى 
أنه إذا صام شخص يوم العيدين وأيام التشريق يكون عاصيًا» وإن كان ما فعله فى صورة 
العبادة لأنه لم يؤمن به وكذا من صلى فى الأوقات المكروهة أو فى المواضع المخصوبة 
A RES‏ 
واعلم أنه إذا مزح شخص مع محرمه فإنه مأجور وإن كان ذلك فى صورة لعب» 
لأن هذا اللعب مأمور به» وبذا صار معلومًا أن العبادة الحقيقة هى امتثال الأمر لا مجرد 
الصلاة والصوم؛ لأن الصلاة والصوم لا يكونان عبادة إلا إذا كان مأمورا بهما. 


وح ‘۸٤‏ س مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


ياولدى: قليكن جميع أحوالك وأقوالك مأمور؟ به مواققًا للشريعة» لأت علم وعمل 
المخلوقنات بغير غتوى المصطفى عله ضلالة وسيب لليعد عن الله تعالى. ولهذا تسخ 
الأصطفى عله الأعمال السابقة ابقة قلا تحرك لساتك يكلمة تكون غمر مأمور يها 0 
طريق الله ال أن تصل إليه بغير ما لم تأمر به ولا تصل إليه أيقمًا بالشطحات 
والترهات الصوقية ترسماءيل لا تصل إلى هذا الطريق إلا يقطع الهوى والشهوة وحظوظ 
النفس بيقف للجاهدات ولا يوئيات الشطحات والترهاتء إن زعمت الوصول أغخترارًا 
منك ہا تيديه عن الكلام اللرقيق وصقاء الأيام عاللاوقات وصلافة اللسان مع تعلق القلب 
بلشهوات والغفلة كان ذلك علامة على الشقاء والويالء وإذا لم تقهر الهوى والتفس 
بلمجاهدات وتصيرها تحت الشرع لم يكن القلب حيًا بنور المعرفة . 
ياولدى: سئلت أسئلة بعضها لا يكيف بالقول ولا بالكتابة لأنه ذوقى» .وكل ما كان 
ذوقيًا لا يكيف بالقول ولا بالكتاية قلا تعلمه إلا إذا وصلت إليهء وما عثلك قى ذلك إلا 
كمثل عن جهل للخنلاوة نأو للرارة عثلاً وأراد أن يكفيه عمجرد القوال والكتابة خلا يقدر البتة . 
اولدى- إن كتب عتين لأحد عرف لذة الجماع يسأله عن لذة الجماع كتب إليه فى 
جوابه: إن هذا ذوقى لا تعرفه إلا إذا وصلت إليه وإلا غلا يكيف بالقول .والكتابة. 
بإوندبى: بعض أسئلتك من هذا القبيل..وأما القدر الذنى يكيف يالقول والكتابة ققد 
دبنته فى > عابتا« لحياء العلوم» وقيره من التصانيف فاطليه هناك وأما هتا قسا قلنا على 
طريقة الإشارة: وسألتنى عما يجب على مريد طريق الحق جل وعلا. 
فاعلم: أن أول ما يجب عليه الاعتقاد السليم الخالى عن البدع. 
الثلنى: التوبة 'التصوح بأن لا يرجع إلى الزلاات . 
الثالث: إرنضاء الخصماء حتى لا يبقى عليه حت للخلوق. 
الرايع: تمحصيل علم الشريعة بقدر ما يعمل بأوامر الله ويقف عن نواهيه ولا يجب 
عليه من حلم اللشربيعة .سوى «ذلك. وأما غير علم الشريعة فيكفيه أت يتعلم 'القدر الذى بيه 
خلاصه ونجاتى وهذا الكلام يكون معلومًا لك ينقل حكاية بوردت عن المشايخ .وهى أن 
الشبلى رحمه اله قال: إنى حدمت أربعمائة أستلذء .وقرأت عليهم أريعة آلاف حديث» 
واخترت منها حديئًا وإحدًا وعملت يه وتركت باقيها لأنى تأملت تى هذا الحديث الواحد 
فرأيت فيه غللاصى ونجلتىء وأيضًا رأيت أن علم الأولين والآخرين مندرج فيه وهو 
قوله كله : » اعمل لدنياك بقدر مقامك فيهاء واعمل لا خرتك بقدر بقائك فيهاء واعمل لله 
بقدر حاجتك إلَْهواعمل لللتار يدر صبرك عليها» . 
ياولدى؛ من هذا الحديث علم لك أنك لا تحتاج للعلم الكثير وتحصيل كثرة العلم 
من فروض الككفاية .للا من :قروض 'الأعيان» وتأمل فى هذه الحكاية حتى تكون مَيعتًا. :ورد 


ی ميحيوعة سال الإمامالفزالى سس سس سسحت 1868 اح 


أن حاتمًا الأصم كان من تلامذة شة شقيق البلحى رحمة الله عليهماء »فقال شميق ذات يوم: 
ياحاتم كم سنة أنت فى صحبتى؟ قال: ثلانًا وثلائين سنة . فقال ما الذى حصلته من 
العلوم وكم فائدة أخذتها منى؟ قال: تحصلت على ثمان فوائد قال شقيق: : ظإِنًا للّه ونا إليه 
راجعون 4 [البقرة : 1161 ياحاتم أنا صرفت عمرى معك فى تعليمك وأنت ما تحصلت 
منى على سوى هذه الفوائد. فقال حاتم: يا أستاذى إن طلبت منى الصدق فما تحصلت 
على غير الذى قلته ولم أطلب تحصيل غيرها لأنى تيقنت أنى لا أتحصل على خلاصى 
ونجاتى فى الدارين إلا بهذه الثمانية» وإن ما سواها مستغنى عنه بها. قال شقيق: قل لى ما 
هذه الفوائد الثمانية؟ فقال : 

الأولى: نظرت فى المخلوقات ورأيت كل واحد منهم اختار محيوبًا فالبعض يصحب 
المحب إلى مسرض الموت والبعض إلى طرف القبره وبعد ذلك يودعونه ويرجعون ولا 
يدخلون معه القبرء وتأملت لأجد محبوبًا يكون لى رفيقًا وأنيسًا فى القبر فما وجدت سوى 
العمل الصالح» فلهذا اخترته وجعلته محبوبًا ليكون رفيقًا ومؤنسًا فى القبر. فقال شفيق: 
أحسنت ياحاتم . 

الثانية: نظرت فى المخلوقات فرأيت الكل أسير النفس والهوى»ء وتأملت قوله 
تعالى : ف وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوئ 8 ) فَإِنَّ الجنة هي المأوئ » 
[النازعات: .]4١ ٠٤٠‏ فعلمت يقيئًا أن القرآن حق وخالفت النفس الأمارة بالسوء وشددت 
المنطقة فى المجاهدات وما أعطيتها ماربها وآمالها حتى انقادت تحت طاعة الحق قال شقيق : 
بارك الله فيك . 

الثالئة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت كل واحد يسعى ويتعب فى تحصيل شىء من 
حطام الدنيا وما تحصلوا عليه حفظوه وفرحوا به لظنهم أنهم تحصلوا على شىء ثم نظرت 
فى قوله تعالى: فإ ما عندكم ينقد وما عند الله باق & [التحل: 7. قما حصلته وجمعته 
فى سنين تصدقت به على الفقراء وجعلته وديعة عند الله ليكون لى عنده ياقيّا وزادًا مدخرًا 
لآخرتى قال شقيق: أحسنت. 

الرابعة: إنى نظرت فى هذا العالم فرأيت قومًا يظنون أن شرف الإنسان وعزه بكثرة 
الأقارب والعشائر ويفتخرون بها. وقوما يظنون أن شرف الإنسان وكيرياءه بكثرة الأموال 
والأولاد فافتخروا بهاء وبعضها يظنون أن العز والشرف بالغضب والسب والضرب وسفك 
الدماء فافتخروا بذلك: ونظرت فى قوله تعالى: « إن أَكْرمَكم عند الله أتقاكم 4 [الحجرات: 
۳ .فعلمت أن القرآن حق. وأن ظنون الخلق خطأء فاحترت التقوى حتى أكون عند الله 
من المكرمين قال شقيق: أحسنت . 


کک ۱۸ بسح مجموعة رسائل الإمام الفزالى سکس 


الخامسة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيت قومًا يبغض ويحسد بعضهم بعضنًا بسبب حب 
ا وار رت ی رل اي « نحن قَسما بينهم مُعِيسْتَهم في الْحيَّاة الدنيًا » 
[الزخرف: .]۳١‏ وإنى علمت أن هذه الققسمة ثابتة فى الأزل لا اختيار لأحد فيها فما 
نحدت أحدا بعد ورضيت بقسمة البارئ تعالى واصطلحت مع أهل الدنيا. قال شقيق: 
أحسنت . 3 

السادسة: نظرت إلى هذا العالم فرأيت بعضهم يعادى بعضا بسبب أغراض نفسأنية 
00 ونظرت فى قوله تعالى: إن الشيطان لكم عدو َانُحْذُوه عدو 4 
[فاطر: 15 وعلمت أن القرآن حق وأن غير الشيطان واتباعه لا يكون E‏ فاتخذت 
الشيطان عدوى ولم أطعه فى أمر ماء وامتثلت أمر الله تعالی وراقبت عظمته عظمته ولم أعاد أحدا 
مق ت ا راا ا ی ر ای ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا 
تعبدوا الشيطان نه لكم عدو مبين 21> وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم 6 [بس: 0 
۱١‏ .قال شقیق : أحسنت يا حاتم . 

السابعة: نظرت فى هذا العالم فرأيت كل واحد يصرف غاية جهده وقد أذل نفسه فى 
تحدصميل القوتء وبسبب ذلك قد وقعوا فى الحرام والشبهات» ونظ ظرت فى قوله تعالى: 
لإ رما من دابة في الأرض إلاً على الله رزقها ) [هود: 1]. وفى قوله تعالى: 9 وأن ليس 
للإنسان إلا ما سعى & 1النجم: : ۹ . فعلمت أنى أحد الدواب فى الأرض وأن رزقى مضمون 
ونه ال وای مكلت اله ف ا الا رة فاتعدلى انثالق قال اقيق : احييدت: 

الثامنة: نظرت إلى هذا الخلق فرأيبت بعضها يعتمد على ماله وملكه وبعضًا يعتمد 
على حرفته وصناعته» وبعضًا يعتمد على مخلوق مثلهء وتأملت فى قوله تعالی : ومن 
يتوكل على الله فهو حسبه # الطلاق؛ ۲۳ فشوكلت عنى الله تعالق وهو حسبى وثعم 
الوكيل. قال شقيق: أحسنت ياحاتم» وفقّك الله تعالى» إنى نظرت فى التوراة والإنجيل 
والربور والفرقان فوجدت ما فى الكتب الأربعة لا يخرج عن هذه الفوائد الثمانية» والذى 
يعمل بها كأنه عمل بما فى الكتب الأربعة. وبهذه الحكاية صار معلومًا لك أنك لا تحتاج 
إلى كثرة العلمء ولنرجع الآن إلى ما نحن فيه ونذكر لك مما يجب فى حق سالك طريق 
المى. 

الخامس: أن يكون له مرشد ومرب ليدله على الطريق ويرفع عنه الأخلاق المذمومة» 

ويسع مكانها الأخلاق المحمودة. ومعنى التربية أن يكون المربى كالمزارع الذى يربى الزرع» 
فكلما رأى حجر أو نبانًا مضرً بالزرع قلعه وطرحه خارج ويسقى الزرع مرار إلى أن ينمو 
ويتسربى» ليكون أحسن من غيره» وإذا علمت أن الزرع محتاج للمربى علمت أنه لابد 


للسالك من مرشد مرب البتةء لأن الله تعالى أرسل الرسل عليهم الصلاة والسلام للخلق 
ليكونوا دليلاً لهم ويرشدهم إلى الطريق المستقيم. وقبل انتقال المصطفى عليه الصلاة 
والسلام إلى الدار الآخرة قد جعل الخلفاء الراشدين نوابًا عنه ليدلوا الخلق إلى طريق الله 
وهكذا إلى يوم القيامة» فالسالك لا يستغنى عن المرشد البتة. 

وشوط المرشد أن يكون عاناء لكن ليس كل ععالم يصلح للإرشادء بل لا بد أن 
يكون عانًا له أهلية صناعة الإرشادء ولهذا المرشد علامات ونحن نذكر لك ما لا بد له 
منهما بطريق الإجمال حتى لا يدعى الإرشاد كل متحير . 

فالمرشد هو الذى يكون قد خرج من باطنه حب الال والجاه وتأسس بنيان تربيته على 
يد مرشد كذلك» وهلم حتى تنتهى السلسلة إلى النبى غيل وذاق بعض الرياضيات كقلة 
الأكل والكلام والنوم» وكثرة الصلاة والصدقة والصومء واقتبس نورا من أنوار سيدنا محمد 
ْلَه . واشتهر بالسيرة الحسنة والأخلاق المحمودة من صبر وشكر وتوكل ويقين وطمأنينة 
وسخاء وقناعة وأمانة وحلم وتواضع ومعرفة وصدق ووقار وحياء وسكون وتأن وأمثالهاء 
وتطهر من الأخلاق الذميمة كالكبر والبخل والحسد والحقد والحرص والأمل الطويل 
والطيش ونحوهاء وسلم من تعصب التعصبين» واستغنى عن علم المكلفين بالعلم المتلقى 
عن رسول الله َيِل . فالاقتداء بمثل هذا المرشد هو عين الصواب والظفر بمثله نادر لاسيما 
فى هذا الزمان» فإنه كثر فيه من يدعى الإرشاد وهو فى الحقيقة يدعو الناس إلى اللهو 
واللغوء بل ادعى كثير من الملحدين الإرشاد بمخالفة الشريعة وبسيب غلبة هؤلاء المدعين 
اختفى المرشدون الحقيقيون فى أركان الزوايا وبما ذكرناه علم بعض علامات المرشد 
الحقيقى » حتى أنه من وجد متخلفًا بها علم أنه من المرشدين» ومن لم يكن متخلمًا بها علم 
أنه من المدعين» فإن تحصل أحد على -مثل هذا المرشد وقبله المرشد وجب عليه احترامه ظاهرًا 
وباطنًا . 

فالاحترام الظاهرى ألا يجادله ولا يتكر عليه ولا يقيم الحجة عليه فى أى مسألة 
ذكرها. وإن تحقق خطأه» وأن لا يظهر نفسه أمام المرشد بفرش السجادة إلا أن يكون إمامّاء 
فإذا فرغ من الصلاة ترك السجادة تأديًا معه» وأن لا ينتقل كثيرا فى حضرتهء وأن يفعل كل 
ما أمره به قدر استطاعته. وأن لا يسجد له ولا لغيره لأنه كفرء وأن يبالغ فى امتثال أمره 
ولو كان ظاهره فى صورة المعصية. 

والاحترام الباطنى أن كل ما سلمه له فى الظاهر لا يتكره فى الباطن وإلا كان 
منافقّاء فإن لم يقدر على ذلك ترك صحبته حتى يكون ما فى باطنه موافقًا لما فى ظاهره 
لأنه لا فائدة فى الصحبة مع الإنكارء بل ربما تكون سببًا فى هلاكه. 


س ۸۸ سس سج مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


السادس: مخالفة سياسة النفس وهذا لايتيسر إلا بترك جلساء السوء لتقصر عنه يد 
تصرف شيطان الإنس والحن وترفع عنه التلوئات الشيطانية . 

السمابع: أن تختار جميع أحوال الفقراءء لأن أصل هذا الطريق فراغ القلب من حب 
الدنياء فإذا لم تختر جميع أحوال الفقراءء وجدت فى قلبك الأسباب الدنيوية فقل أن تقدر 
على الخلاص من حبها فترك تلك الأسباب يكون سببًا لفراغ القلب من حب الدنياء 
ولايتيسر لك هذا الترك إلا بذلك الاختيارء وهذه السبعة واجبة على سالك طريق الله . 

وسألت آيضًا ما هو التصوف؟ فاعلم أن التصوف شيئان فى الصدق مع الله تعالى 
وحسن المعاملة مع الناس» فكل من صدق مع الله وأحسن معاملة الخلق فهو صوفى» 
والصدق مع الله تعالى هو أن يفنى العبد حظوظ نفسه لأمره تعالى» وحسن المعاملة مح 
الخلق هو أن لا يفضل مراده على مرادهم ما دام مرادهم موافقًا للشرعء لأن كل من رضى 
بمخالفة الشرع أو خالفه لا يكون صوفيًا وإن ادعى التصوف يكون كذايًا. 

وسألت ما هى العبودية؟ فاعلم أن العبودية هى عبارة عن دوام حضور العبد من 
ا تى تعالى بلا شعور الغير»ء بل مع الذهول عن كل ها سواه وهى لا تتأتى إلا بثلاثة 
أشياء : 

الأول: الانتباه لأمر الشرع. 

الثانى: الرضا بالقضاء والقدر وقسمة الله تعالى. 

الثالث: ترك طلب اختيار نفسك وفرحك باختيار الله تعالى لك . 

وسألت ما هو التوكل؟ فاعلم أن التوكل أن تثق بما وعد به الله وثوقًا لا تضعفه 
الوادث مهما كثرت وتعاظمت. يعنى أن يكون لك تمام اليقين بأن كل ماقسم لك يصل 
إليك وإن اجتمع أهل الدنيا ليدفعوه عنك. وكل ما لم يقسم لك لن يصل إليك وإن 
ساعدك أهل الدنيا. وكذلك سألت ما هو الإخلاص؟ قفاعلم أن الإخلاص هو أن تكون 
أفعالك كلها صادرة لله تعالى بحيث لا يكون فى قلبك التفات لشىء من الخلق حين العمل 
ولا بعده» كأن تحب ظهور أثر الطاعة عليك من نور الوجه وظهور أئر السجود فى 
جبهتك . ومن علامات إخلاصك أن لا تفرح يثناء الخلق عليك ولا تحزن بذمهم لك.بل 
يستوى عندك الأمران واعلم أن الرياء يتولد من عظمة الخلق عندك فعلاجه أن ترى الخلق 
مسخراً لقدرة الله وتلاحظ أن الناس مثل الجمادات لا قدرة ولا إرادة لهم فلا يقدرون على 
أن يوصلوا إليك نفعًا ولا ضراء فإذا فعلت ذلك خلصت من هذا المرضء» وإلا فما دمت 
تذلن أن الخلق قادرون ومريدون لا يرتفع عنك الرياء . 

ياولدى: أما بقية أسئلتك فبعضها مسطر فى كتبى فاطلبه هناكء وبعضها لا تنبغى 
كنابته » لكن إذا عملت بما علمت يكشف لك حقيقته . 


حت مجموعة رسائلالإمام الفزالی تحني ۱۸۹ = 

ياولدى: إذا أشكل عليك شىء بعد هذا فا الى إل يسنان الخال قال ال : 
« ولو أنهُمِ صبروا حت تخرج إِليهم لكان خيرا لهم ) اا لحجرات: [e‏ :واقل تمييحة الخضر 
عليه السلام المشار إليها بقوله تعالى: فلا تسألني عن شيء حتئ أحدث لك منه ذكرا 4 
(الكهف: ]۷٠‏ .ولا تستعجل بالسؤال لأنك تصل إلى وقت يكون هو المبين لكءألا ترى 
إشارة قوله تعاليق : ل ساريم آياتي فلا تستعجلون ‏ الانيا : ۷. واعلم يمينا أنك إذا لم تسر: 
لم تصل ولم ترء قال تعالى: «إ أولم یسیروا فی الأرض فینظروا ‏ االروم: ٩‏ - غافر .]١١‏ 

یاولدی» إذا ذهبت فى طريق الله سريعًا ترى العجائب . 

ياولدى؛ لا بد لك مع العمل من بذل روحك فى سبيل الوصول إلى حضرة 
الحق»فإن العمل بدون بذل الروح لا يفيد. قال ذو النون المصرى رحمة الله تعالى عليه 
لأحد التلامذة: إن قدرت على بذل الروح فتعال. وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية 
والقال. 

ياولدى» أختصر لك النصيحة فى ثمانية أشياء: أربعة تركية وأربعة فعلية. حتى لا 
يكون علمك يوم القيامة خصمًا لك وحجة عليك. 

أما التركية فأحدها: ترك المناظرة بقدر إمكاتك وإقامة الحجة على كل من يذكر 
مسألة فإن آفات ذلك كثيرة وضرها أكثر من نفعهاء إذ هى منبع كل الأخلاق الذميمة 
كالرياء والحقّد والكبر والعداوة والمباهاة وغيرهاء فإن وقعت بينك وبين غيرك مسألة وأنت 
تريد بالمناظرة أن يتكشف الحق جاز لك البحث فى تلك المسألة بهذه النية» ولصدق هذه 
النية علامتان: 

إحداهما: ألا تفرق بين أن يتكشف الحق على لسانك أو لسان خصمك بل تحب أن 
تنكشف الحقيقة على يد خصمك ليكون ذلك أدعى له إلى قبولهاء لآن قبوله من نفسه 
أقرب إلى قبوله منك . 

ثانيهما: أن يكون البحث فى الخلوة أحب إليك منه فى الملاً. أما إذا قلت لأحد 
مسألة وأنت تعلم أن الحق بيدك وهو يستهزئ. فالحذر من أن تقيم الحجة معه واترك 
الكلام» فإنه يؤدى إلى الوحشة فلا تكون معه فائدة» وها هنا أذكر لك فائدة. 

اعلم أن السؤال عن الآشياء المشكلة مثل عرض المريض علته على الطبيب والجواب 
مثل سعى الطبيب فى شفاء المريض فالجهلاء مرضى والعلماء أطباؤهم» والعالم الناقص لا 
يليق أن يكون طبيبًا لهم» بل الذى يداوى المرضى هو العالم الكامل لأنه هو الذى يؤمل 
فيه أن يعرف حقيقة العلة. وقد يكون المرض شديد لا يمكن علاجه فمهارة الطبيب تكون 
فى عدم الاشتغال بمداواته» واعلم أن مرض الجهل أربعة أقسام: ثلاثة لا علاج لهاء وواحد 


فالأول: أن يكون السؤال أو الاعتراض ناشئًا عن حسد والحسد مرض لا علاج له 
واعلم أنك كلما أجبته بأى جواب تزينه وتوضحه له لا يزيده جوابك إلا حسدًا ولا يزيده 
حسده إلا تكبرا lL e CE‏ 

كُل اتفداوَة قد شُرجى إزاتئنها 

5 إلا وة من المخد 

وتدبيره: أن تتركه بمرضه وتعرض عنه عملاً بقوله تعالى: ا فأعرض عن من تولى 
عن ذكرنا ولّم يرد إل الحا الدنيا 4 [النجم: 4 فإذا تعرضت له واشتغلت بمداواته فقد 
أشعلت نار حسله التى هى ثما يحبط الأعمال» كما فى الحديث «الحسد يأكل الحسئات كما 
تأكل النار الحطب». 

الثانى: أن تكون العلة من الحماقة وهذا لايمكن علاجه لقول عيسى عليه السلام: ( 
عجزت عن إحياء الموتى ولكن عجزت عن إصلاح الأحمق». وهذا هو الذى اشتغل يومين 
أو ثلاثة بتحصيل العلم ولم يشرع فى العلوم العقلية أصلاًء ومع هذا يعترض على العلماء 
الذين صرفوا عمرهم فى تحصيل العلوم ولم يعلم أن الاعتراض على العالم العظيم من 
. طالب صغير لا يكون إلا من الجهل وعدم المعرفة» فهذا لم يعرف قدر نفسه ولا قدر هذا 
العالم من حماقته وعدم معرفته؛ فينبغى أن تعرض عن هذا أيضًا ولا تشتغل بجوابه. 

الثالث: أن يكون السائل مسترشدًا ليس فيه أهلية لفهم كلام الأكابر لقصور فهمه 
عنهء ويسأل عن جهة الاستفادة عن غوامض الأمور التى يكون قاصرًا عن إدراك حقائقهاء 
ولا يرى قصور فهمه فلا تشتغل بجوابه أيضاء لأن النبى يك قال: «نحن معاشر الأنبياء 
ج ا ی 

الرابع: أن يكون مسترشدًا ذكيا لبيبًا عاقلاً ليس مغلوب الغضب والشهوة والحسد 
وحب الال والجاهء بل طالبًا لطريق الحقء سائلاً من غير تعنت» فهذا المريض يمكن علاجه 
ا و ل ا 

الثانى: أن تحترر من الوعظ والتذكير إلا أن تعلم آنك:علمت آولا بما : تقول مؤملاً قبل 
أن تتكلم . قال الله تعالى لعيسى عليه السلام: «يا أين مريم عظ نفس لك فإن اتعظت فعظ 
الناس وإلا فاستحى منى» ‏ فإن كنت كذلك وابتلاك الله بالوعظ فاحترز من شيئين: الآول 
أن تحترز من التكلف فى الكلام بالعبارات والإشارات والشطحات والأشعارء لأن الله تعالى 

يعد المتكلقين فى الكلام أعداء له لآن التكلف يدل على خخراب باطن صاحبه وغقلة قلبهء 
مع أن المقصود من التذكير استحضار مصاتب الآخرة والتقصير فى خدمة المولى جل وعلاء 

ل فى العمر الماضى والعقبات التى فى الطريق حتى تخرج هن الدنيا يسلامة الإيمان 
وتنجو من هول قبضة ملك الموت وسؤال منكر وتكير ورد جوايهما. 


جح مجموعہ رسائلالإمامالقزالی سب يبت 1١1١‏ = 


وأيضنًا تأمل فى هول القيامة ومواقفها وحسابها والميزان والعبور على الصراط والنار 
ومصائبهاء فهذا هو الذى ينبغى تذكره وتذكير الخلق به وتطلعهم على تقصيرهم وعيوبهم 
لأجل. أن توقع فى قلوب أهل المجلس خوف حرارة النار ومصائبهاء ليتذكروا تفريطهم فى 
الزمن الماضى بالندم عليه والتحسر على ضياع العمر الذى انقضى يغير طاعة. 

فالجملق ا لذكورة بالكيفية المتقدمة يقال لها وعظ مع عدم التكلف فى الكلام 
بالفصاحة والتسجيع وغير ذلك» لأن مثل الواعظ كمثل صاحب بيت فيه عيال» وقد جاء 
السيل وهو يخاف أن يأخذ البيت ويغرق الأولاد وينادى الحذر الحذرء ياأهل البيت اهربوا 
لأن السيل وصلكمء فهذا الرجل فى هذه الحالة لا يقول الكلام بالتكلف والعبارات 
والسجيع والإشاراتء فمثل الواعظ للخلق يكون هكذاء وينبغى ألا يميل قليك حال وعظك 
إلى صراخ الصارخين وبكاء الباكين وغوغاء أهل المجلس بقولهم: إن هذا الواعظ حسن 
الوعظ والمجلسء لأن هذا الميل يتولد عن الغفلة» بل ينبغى أن يكون ميله حال الوعظ إلى 
تحويلهم عن الدنيا إلى الآخرة» وعن المعصية إلى الطاعة» وعن الغفلة إلى التيقظء وعن 
الغرور إلى التقوى» وأن يكون كلامه فى علم الزهد والعبودية وأن ينظر إلى رغبتهم هل 
هى خلاف رضى الخالق أو لاء وإلى ميل قلوبهم هل هو خلاف الشرع أو لاء وإلى 
أعمالهم وأخلاقهم الذميمة والحميدة أيهما أغلب» وانذى خوفه غالب فيرجعه إلى الرجاى 
والذى رجاؤه غالب فيرجعه إلى الخوف بكيفية يتصرفون بها من المجلس بحيث لم يبق 
معهم صفات ذميمة ظاهرا وباطئاء ويتصفون بالصفات الحميدة» ويرغبون ويحرصون على 
الطاعات التى تكاسلوا عنهاء ويكرهون المعاصى التى كانوا يحرصون عليها وكل وعظ لم 

يكن ولم يقل هكذا يكون وبالاً على الواعظ والموعوظ » بل يكون الواعظ غولاً وشيطانًا 
ا قر او ی ی ری م أبدياء ويجب على الخلق أن يهربوا منهء 
لأن الفساد الذى يفعله لا يقدر الشياطين أن يفعلوه» وكل من له يد القدرة يجب عليه أن 
ينزله عن المنبر ليدفعه لأنه من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر. 

الثالث: ألا تميل إلى الملوك والأمراء لم ولا تجالسهم بل ولا تنظر 
إليهمء لأن فى مخالطتهم ومجالستهم آفات كثير a‏ وإن ابتليت برؤيتهم ومجالستهم فاترك 
مدحهم وثناءهمء وإذا جاءوا رارك تلك أن كر مكنا فإن الله ينضب إذا مدح 
الفاسق والظالم. ومن دعا لظالم بطول البقاء فقد أحب أن يعصى الله تعالى فى أرضه. 

الرابع: ألا تقبل منهم شيئًا وإن علمت أنه حلالء لأن الطمع فى مالهم يكون سببًا 
لفساد الدين والمداهنة والمحاباة ومراعاة جاتبهم والموافقة فى ظلمهمء ويتولد منها فسقهم 
وفجورهمء وهذا كله هلاك فى الدين وأقل مضرة يتولد منها أن تحبهمء وکل من يحب 


سے ۱۹۲ سسب مجموعة رسائل الإمام الفزالى حد 


أحدًا يحب طول عمرهء وإذا أحب طول عمره أحب طول ظلمه وخراب العالم. ونسأل 
اللّه الأمان من أن يضللك الشيطان عن طريق الحق لأنه يقول لك الأولى أن تأخذ منهم 
الدراهم وتعطيها للدراويش وتريح المساكين بصرفها عليهم» لأنك تصرفها فى الضرورة 
وأبواب الخيرء وأما هو فيصرفها فى الفسى والفجورء لأن الشيطان بهذا الطريق سفك دماء 
:حلق كثير. وآقاث“ الطمع كثيرة ذكرتها فى كتابنا (إحياء العلوم) فاطلبها هنا. يا ولدى. 
اجتنب هذه الأربعة التركية . 

وأما الفعلية فأربعة أيضًا ولا بذ أن تعمل بها. 

الأول: يلزمك أن تؤدى ما أمرك الله تعالى به مثل ما تحب أن يؤدى عبدك ما أمرته 
له وأنت راض عنه وكل شىء لا ترضى بفعله من عبدك فلا ترضى عن نفسك بفعله فى 
حمق عبوديتك لله تعالى» ومع ذلك فليس هو عبدك حقيقة لأنك اشتريته بالدراهم وأنت 
فى الحقيقة عبد لله لأنك مخلوق له وهو خخالق لك. 

الشانى: أن تعامل الخلق با تحب أن يعاملوك به. قال رسول الله ته : «لا يكم 
يمان المد حتى يحب لسائر الاس ما بحب لتشه». 

الثالث: أن تشتغل بالعلم النافع فى الواقع” ونفس الأمر وهو الذى لو علمت أنه بقى 
من عمرك أسبوع لم تشتغل بسواهء ومن المعلوم أنه إذا كان كذلك لا تشتغل بعلم النحو 
والصرف والطب وأمثالهاء لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تنفع فى إغائتك». بل تشتغل بمراقبة 
قلبك ومعرفة صفاته فتشتغل بتطهيره من الأخحلاق الذميمة وعلائق الدنيا وتحليته بالأخلاق 
الحسنة ومحبة الحق وتشتغل بالعبادة. 

ياولدى: اسمع كلمة واحدة وتأمل فى حقيقتها واعمل بها تجد فيها خلاصك ونجاتك 
إليه. إن أخبرت أن السلطان قاصد زيارتك فى هذا الأسبوع مثلاًء نأنا أعلم أنك لا تشتغل 
فى هذا الأسبوع بشىء غير إصلاح ما تعلم أن عين السلطان تقع عليه . إذا علمت ما ذكزناه 
a‏ ان تخل بإضلاح نما تعلم أنه «متحل نظن الله تحال 
وهو القلب . قال رسول الله عه : له : «إن لله لا بَنظر إلى صوركم ولا إلى أعمالكم ولكن ينْظر 
إلى لوبكم ونياتكُم) . وإن أردت أن تعلم علم أحوال القلوب فاطلبه من كتابى(إحياء 
العلوم)؛ وسائر تصانيفى» وهذا فرض عين على كل مسلم وباقى العلوم فرض كفاية. إلا 
أن تعلم بقدر ما تتحصل به على امخال الأوامر واجتناب النواهى . 

الماع أن ا لعيالك من القوت ما يزيد على السنة لأن النبى عله قال لأزواجه: 
الهم اجعل رزق آل محمد كقانًا؛ ولم يقل ذلك لكل أزواجه. بل قال لمن لم يكن لهن 
قوة اليقين. أما مثل السيدة عائشة نها فلم يرتب لها قوت سنة ولا يوم . 











حدح مجموعة رسائل الإمامالفزالس سک ۱۹۳ ے 





ياولدى: جميع ما طلبته منى كتبته لك فى هذه الرسالة» فينبغى أن تعمل بكل ما 
فيهاء وفى أثناء عملك اذكرنى بصالح دعائك» أما ما طلبته من الأدعية فمذكورة فى 
الصمحاح وتاريخ أهل البيت فاطلبها هناك واذكر لك هذا الدعاء قاقرأه على الدوام خصوصًا 
عق الصلوات وهو: 

اللهم إنى أسألك من النعمة تمامها. ومن العصمة دوامهاء ومن الرحمة شمولهاء 
ومن العافية حصولهاء. ومن العيش أرغده» ومن العمر أسعده» ومن الإحسان أتمهءومن 
الإنعام أعمه» ومن الفضل أعذبهء ومن اللطف أقربه» ومن العمل أصلحه » ومن العلم 
أتفعدء ومن الرزق أوسعه» اللهم كن لنا ولا تكن عليناء اللهم اختم بالسعادة آجالناء وحقق 
بالزيدة أعمالتا واقرن بالعافية غدونا وآصالناء واجعل إلى رحمتك مصيرنا ومآلتاء واصبب 
سجال عفوك على ذنوبناء ومن , عليتا يإاصلاح عيوبناء واجعل التقوى زادتاء وفى دينك 
اجتهادناء وعليك توكلنا واعتمادنا . إلهنا ثبتنا على نهج الاستقامةء وأعذنا من موجبات 
الندامة يوم القيامة» وخفف عنا ثقل الأوزار» وارزقنا عيشة الأبرار» واكفنا واصرف عنا شر 
الأشرار واعتق رقايناء ورقاب آباتنا وأمهاتنا من النار والدين والمظالم يا عزيز يا غفارء 
ياكريم يا ستار» ياحليم ياجبار برحمتك يا أرحم الراحمين» وصلى الله وسلم على خير 
خلقه محمد وآله وصحيه أجمعين» والحمد لله رب العالمين آمين. 


خائمة للمعرب 

اعلم أن تصفية القلب لا تتم إلا بطريقة الذكر لقوله عه : «إن القلوب تصدا كما 
يصداً الحديد وجلاؤها ذكر الله تعالى». ثم إن الذكر إما باللسان وإما بالقلبء» فذكر اللسان 
لتحصيل ذكر القلب» وذكر القلب لتحصيل المراقبة» وأقرب التصفية تلقلب الاشتغال بذكر 
الطربقة النقشبندية وهو الذكر باسم الذات أو بالنفى والإثبات» وكيفية ذكر اسم الذات أن 
يتلفظ الذاكر بلسان القلب لفظة (الله) . لأن القلب كله لدان وكله سمع وكله بصر. وأما 
كيفية ذكر النفى والإثبات فهى أن يتلفظ بلسان القلب (لا إله) نافيًا بها جميع تعلقات القلب 
عما سوى الله ثم يتلفظ بلسان القلب (إلا الله) مثبتا بها وجود وحدائية الحق فيهء فإذا ذكر 
الذاكر هذين الاسمين يهذه الكيفية تحصل له صفوة القلب وزكاهء ويكون عارمًا بالله تعالى 
واصلاً إليه ويقدم وظيفة الذكر به على سائر العبادات بعد الفرائض ورواتبها فى جميع 
الأوقات إلى أن يحصل فى قلبه ملكة حميدة» وبعد ذلك يجوز له جميع الفضائل من 
العبادات لأنه عرف طريقٍ الاستفاضة من الله وعرف طريق التقرب إليه : 

فحت ديسو الله خسن فى الطّريق 

من الوردالمرتب امجح جه 


سے ۽۹ سب-0ا نس سييست مجموعةرسفل الإموالفزالى ل 


وَأخَس سن من قلرءة قَول حَق 
وم م ليكُلالتاقلات 
لانالتقريجلى مادء E‏ 


رس مسا بر سم بر بعر ةك 


وَيَرَفَع عنْهُ كل ا اج يات 
وجاهد فى ج ميم الوقت والزم 
بذكرا تش هد واردات 
توج ii‏ للإله ودع سوا 
وراقب وارتفع للتالي ات 
والمراقبة هى رؤية جناب الحق سبحانه وتعالى بعين البصيرة على الدوام مع التعظيم؛ 
وهى أقرب الطرق إلى الله تعالى من حيث التقرب إليه. كما قيل: القصد إلى الله عر وجل 
بالقلوب يلغ من حركات الأعضاء فى الأعمال بالصلاة والسلام والأذكار والأوراد 
ونحوهاء لأن صاحب الهمة العالية لا يزال عاملاً بقلبه وإن لم تاعده على الأعمال 
جوارحه فهو يكون دائمًا فى التقرب ا 
ثم اعلم أن الذاكر إذا يلغ مرتية و ثبتت له وحدة الوجود الإلهية وتحقق يدوام 
العبودية» فإذا داوم على المراقبة ترقى إلى مرتبة المشاهدة بأن يتكشف له بعين البصيرة أن 
أنوار وجود وحدة الذات الإلهية محيطة يجميع الأشياء» وأنه تعالى متجل يصقاته وأسمائه 
فى مصنوعاته ويحسب استعداد المشاهدين يصير الابتهاج بأتوار الربوبية والاستكشاف 
بأسرار الأحلية . 


نمت فى شهررجب سنة ۱۳۲۷ 


القسطاس المسقيم 

رايم 

ميزان حقيقةالعرفة 
أحمد الله تعالى أولآءوأصلى على نبيّه المصطفى ثانيّاء وأقول: إخوانى» هل فيكم 
من يعيرنى سمعه لاحدثه بشىء من أسمارى»ء فقد استقيلنى فى أسمارى رقيق من رفقاء 
أهل التعليم وغافصنى بالسؤال والجدال مغافصة من يتحدى باليد البيضاء والحجة الغراء 
وقال لى: أراك تدعى كمال المعرفةء فبأى ميزان تزن حقيقة المعرفة؟ أعيزان الرأى والقياس» 
وذلك فى غاية التعارض والالتباس ولأجله ثار الخلاف بين الناس؟ آم عيزان التعليم فيلزمك 
اتباع الإمام المعصومء المعلم وما أراك تحرص على طلبه؟ فقلت: أما ميزان الرأى والقياس» 


:جح مجموعةرسائلالإمامالقزالى ‏ سس سس سس حت 1١6١١‏ ع 
نحاش الله أن أعتصم به فإنه ميزان الشيطان. . ومن زعم من من أصحابى أن ذلك ميزان 
المعرقة. تأسآل الله تعالى أن يكفينى شره عن الدين فإنه للدين صديق جاهل» وهو شر من 
عدو عاقل ولو رزق سعادة مذهب آهل التعليم» لتعلم أولا الجدال من القرآن الكريم» 
-حیث قال قعالی : ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة : وجادلهم باي هي 
أحسن & [النحل : L1‏ 

واعلم أن المدعو إلى الله تعالى با لحكمة قوم وبالموعظة قوم وبالمجادلة قوم» فإن 
N E a NS‏ 
وأن المجادلة إن استعملت مع آهل الحكمة اشمأزوا متها كما يث يشمئز طبع الرجل القوى من 
الارتضاع بلين الآدمى. وأن من استعمل الجدال مع أهل الجدال لا بالطريق الأحسن كما 
تعلم من القرآن كان كمن غذى البدوى بخيز البر وهو لم يألف إلا التمر أواليلدى بالتمر 
وهو لم يآلف إلا البرء وليته كانت له أسوة حسنة كما تعلم من القرآن قى إبراهيم الخليل . 
صلوات الله عليه.حيث حاج خصمه فقال: «ربي الذي يحي ويميت يت # [البقرة: 1108 
قلا رأى أن ذلك لا يناسبه وليس حسنًا عنده حين قال: ۋانا أحبى وأميت 4 اليقرة: 
. عدل إلى الأوفق لطبعه والآقرب إلى فهمه فقال: 8 فَإِنَ الله يأتي بالشمس من 
المشرق فأت بها من المرب فبهت الذي كر ) لالبقرة: ۸ ولم یرکب الخليل ظهر 
اللجاج فى تحقيق عجزه عن إحياء الموتى إذ علم أن ذلك يعسر عليه فهمه فإن ظن أن القتل 
إماتة من جهته وتحقيق ذلك يلائم قريحته ولا يناسب حده فى البصيرة ودرجته» ولم يكن 
من قصد الخليل إقناؤه بل إحياؤهء والتغذية بالغذاء الموافق إحياء. واللجاج بالإرهاق إلى ما 
لا يواقق إفتاء. فهذه دقائق لا تدرك إلا بنور التعليم المقتبس من إشراق عالم التبوةء» قلذلك 
-حرموا التفطن له إذ حرموا من سر مذهب التعليم. 

فقال: إذا استوغرت سسيلهم واستوهنت دليلهم قبماذا تزن معرقتك؟ 

ققلت : أزنها بالقسطاس المستقيم ليظهر لى حقها وياطلهاء ومستقيمها وماتلها: أتباعا 
لله تعالى وتعليمًا من القرآن المتزل على لسان نبيه الصادق حيث قال: «وزنوا بالقسطاس 
المستقيم ‏ [الإسراء : ]ل 

فقال : وما القسطاس المستقيم؟ 

قلت: هى الموازين الخمس التى أنزلها الله نى كتايه وعليم أتبياءه الوزن بها. فمن 
تعلم من رسول الله عه ووزن ميزان الله اهتدی. و ضل عنها إلى الرأى والقياس ققد 
نمل وتردى. 

فقال: أين الموازين فى القرآن وهل هذا إلا إفى وبهتان؟ 


ل الم كي وال و بود رفون رخن دجي 
خلق الإنسان )2 علّمه البيان ) إلى قوله: «( ووضع الميزان EF‏ أ تطغوا فی 
الميزان 4# وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان © (الرحمن: ١-ة].‏ ع 
قوله فى سورة الحديد: SS‏ 
الثّاسى بالقسط | [الحديد: 6.. أتظن أن الميرّان المقرون بالكتاب هو ميزان البر والشعير 
والذهب والفضة؟ أتتوهم أن YY‏ ء فى قوله : © والسماء رفعها 
ووضع الميزان [الرحمن: ۷]. هو الطيار والقيانء وما أبعد هذا الحسبان وأعظم هذا 
البهتان» فاتق الله ولا تعسف فى التأويل. يل. واعلم يميا أن هذا ال يزان هو ميزان معرفة الله 
تعالى ومعرفة ملائكته وكتبه ورسله وملكه وملكوته د.تعلم كيفية الوزن به من أنسياته كما 
تعلّموا هم من ملاتكته. فإن الله تعالى هو المعلم الأول» والثانى جبريل» والثالث الرسول 
َيه والخلق كلهم يتعلمون من الرسل ما ليس لهم طريق إلى المعرفة به إلا بهم. 

فقال: فيم عرفت أن ذلك الميزان صادق أم كاذب؟ أيعقلك ونظرك؟ فالعقول 
متعارضة. أم بالإمام المعصوم الصادق القائم بالحق فى العالم؟ وهو مذهبى الذى أدعوا 
إليه . 

فقلت: ذلك أيضًا أعرفه بالتعليم» ولكن من إمام الأئمة محمد بن عبد الله بن عبد 
الطلب تله فإنى وإن كنت لا أراه فإنى أسمع تعليمه الذى تواتر إلى تواترً لا أشك فيه: 
وإنما تعليمه القرآن» وبيان صدق موازين القرآن معلوم من نفس القرآن فقال: « 
برهانك» وأخرج من القرآن ميزانك. وأظهر لى كيف فهمت من نفس القرآن صدقه 
وصحته. 

فقلت له: حدثنى أنت بم تعرق صحة ميزان الذهب والفضة وصدقه ومعرقة ذلك 
فرض دينك إذا كان عليك دين حتى نقضيه تاما من غير نقصان. أو كان لك على غيرك 
دين حتى تأخذه عدلاً من غير رجحانء فإذا دخلت سوقًا من أسواق المسلمين وأحذت 
ميزانًا من الموازين وقضيت أو استقضيت به الدين» فيم تعرف أنك لم تظلم بنقصان فى 
الأداء أو برجحان فى الاستيفاء؟ 

فقال : أحسن الظن بالمسلمين» وأقول إنهم لا يشتغلون بالمعاملة إلا بعد تعديل 
الموازين» فإن عرض لى شك فى بعض الموازين أخذته ورفعته ونظرت إلى كفتى الميزان 
ولسانه» فإذا استوى انتصاب اللسان من غير ميل إلى أحد الجانيين ورأيت مع ذلك تقابل 
الكفتين. عرفت أنه ميزان صحيح صادق. 

قلت : هب أن اللسان قد اتتصب على الاستواء. وأن الكفتين متحاذيتان على 
السواءء فمن أين تعلم أن الميزان صادق؟ 


جح مجموعة رسائل الإمام الفزالی سبحت ا ۱۹۷ = 

فقال: أعلم وا ور ج إحداهما تجرييةء والأخرى 
حسية .أما التجريبية فهى أنى علمت بالتجربة أن الثقيل يهوى إلى أسفل» وأن الأثقل أشد 
هويا فأقوك: لو كانت إحدى الكفتين أثقل لكانت أشد هويا فهذه مقدمة كلية تجريبية 
حاصلة عندى ضرورة . والمقدمة الثانية هى أن هذا اليزان بعينه رأيته لم نهو إحدى كفتيه» بل 
حاذت اللأخرى محاذاة مساواة. وهذه مقدمة حسية شاهدتها بالبصر فلا أشك لا فى المقدمة 
الحسية ولا فى الأولى وهى مقدمة التجربة. فيلزم فى قلبى من هاتين المقدمتين نتيجة 
ضسرورية وهى العلم باستواء الميزان. إذ أقول: لو كانت إحداهما أثقل لكانت أهوى 
ومحسوس أنها ليست بأهوى» فمعلوم أنها ليست بأثقل. 

قلت له: فهل هذا إلا رأى وقياس عقلى؟ 

قال: هيهات فإن هذا علم ضرورى لزم من مقامات يقينية حصل اليقين بها من 
التجربة والحس فكيف يكون هذا رأيًا وقياسًا. والرأى والقياس حدس وتخمين لا يفيدان برد 
اليفين وأنا أحس فى هذا برد اليقين. 

قلت: فإن عرفت صحة الميزان بهذا البرهان فبم عرفت الصنجة والمشقال. فلعله 
أخف أو أثقل من المثقال الصحيح؟ 

فقال: إن شككت فى هذا أخذت عيارة من صنجة معلومة عندى فأقابلها بها فإذا 
سارى علمت أن الذهب إذا ساواه كان مساويًا لصنجتى فإن المساوى للمساوى مساو. 

قلت: هل تعلم واضع الميزان فى الأصل من هوء وهل هو الواضع الأول؟ والذى 
وضعه يعلم هذا الوزن. 

قال: لاء ومن أين أحتاج إليه وقد عرفت صحة الميزان بالمشاهدة والعيان. بل آكل 
البقل من حيث يؤتى به ولا أسأل عن المبقلة»فإن واضع الميزان لا يراد لعينه» بل يراد 
ليعرف منه صحة الميزان وكيفية الوزن به. وأنا قد عرفته كما حكيته» وعرقته فاستغنيت عن 
مراجعة صاحب الميزان عند كل وزن فإن ذلك يطول ولا يظفر به فى كل حين مع أنى فى 
عليه عنة. 

قلت: فإن أتيتك بميزان فى المعرفة مثل هذا وأوضح منه وأزيد عليه بأنى أعرف 
واضعه ومعلمه ومستعمله فيكون واضعه هو الله تعالى ومعلّمه جبريل ومستعمله الخليل 
ومخمد وسائر النبيين عليهم السلام أجمعين.. وقد شهد الله تعالى لهم قى ذلك بالصدق. 
فهل تقبل ذلك منى؟ وهل تصدق به؟ 

فقال: إى والله وكيف لا أصدق به إن كان فى الظهور مثل ما حكيته لى . 

فقلت: الآن أتوسم فيك شمائل الكياسة. وقد صدق رجائى فى تقويمك وتفهيمك 


ی ۱۹۸ صطملللسعسس سسحت مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 
حقيقة مذهبك فى تعليمك فأكشف لك عن الموازين الخمسة . المئزلة فى القرآن لتستغنى به 
عن كل إمام وتجاوز حد العميان فيكون إمامك المصطفى عه » وقائدك القرآن» ومعيارك 
المثاهد والعيان. فاعلم أن موازين القرآن فى الأصل ثلائة : ميزان التعادل» وميزان التلازم» 
وميزان التعاند. لكن ميزان التعادل ينقسم إلى ثلاثة أقسام: إلى الأكبرء والأوسط. 
والأصغرء فيصير الجميع خمسة. 


القول فى الميزان الأكبرمن موازين التعادل 

ثم قال لى هذا الرفيق الكيس من رفقاء أهل التعليم: اشرح لى الميزان الأكبر من 
موازين التعادل أولاً واشرح لى معنى هذه الألقاب وهى التعادل والتلازم والتعاند, والأكبر 
والأوسط والأصغرء فإنها ألقاب عجيبة. ولاشك فى أن تحتها معانى دقيقة . 

فقلت: أما معنى هذه الألقاب فلا تفهمها إلا بعد شرحها وفهم معانيها لتدرك بعد 
ذلك مناسبة ألقابها لحقائقها. وأعلمك أولا أن هذا الميزان يشبه الميزان الذى حكي نه فى 
المعنى دون الصور فإنه ميزان روحانى فلا يساوى الجسمانى» ومن أين يلزم أذ يساويه 
والموازين الجسمانية أيضا تختلف. فإن القلسطون ميزان» والطيار ميزان» بل الاصطرلاب 
ميزان لمقادير حركات الفلك. والمسطرة ميزان لمقادير الأبعاد فى الخطوط› والشاقول ميزان 
لتحقيق الاستقامة والانحناء. وهى وإن اختلفت صورها مشتركة فى أنها تعرف بها الزيادة 
والنقصان. بل العروض ميزان الشعر يعرف به أوزان الشعر ليتميز منزحفه عن مستقيمه وهو 
أشد روحانية من الموازين المجسمة.ء ولكنه غير متجرد عن علائق الأجسام لأنه ميزان 
الأصوات ولا ينفصل الصوت عن الجسم . وأشد الموازين روحانية ميزان يوم القيامة إذ به 
توزن أعمال العياد وعقائدهم ومعارفهم. والمعرفة والإيمان لا تعلق لهما بالأجسام» ولذلك 
كان يزرانهنمًا :روسانا ضوكا» وكذلك ميؤاة الاه للمفرفة روحات » ن رن و فف 
عالم الشهادة بغلاف لذلك الغلاف التصاق بالأجسام وإن لم يكن جسمًا فإن تعريف الغير 
فى هذا العالم لا يمكن إلا مشافهة وذلك بالآصوات. والصوت جسمانىء أو بالمكاتبة وهى 
الرقوم وهى أيضا نقش فى وجه القرطاس وهو جسم. هذا حكم غلافه الذى يعرض فيه 
وإنما هو فى نفسه روحانى محض لا علاقة له مع الأجسام إذ توزن به معرفة الله الخارجة 
عن عالم الأجسام المقدس عن أن يناسب الجهات والأقطار فضلاً عن نفس الأجسام» ولكنه 
مع ذلك ذو عمود وكفتين» والكفتان متعلقتان بالعمود فالعمود مشترك فى الكفتين لارتباط 
كل واحدة منهما به هذا فى ميزان التعادل» وأما ميزان التلازم فهو بالقبان أشبه لأنه ذو كفة 
واحدة ولكن يقابلها من الجانب الآخر الرمانة وبها يظهر التفاوت والتقدير. 


کک مجموعہ رسائل الاما الفزالی سسحتت ۱۹٩۹‏ = 

فقال: هذه طنطنة عظيمة فأين المعنى فإنى أسمع جعجعة ولا رأى طحنًا. 

فقلت له: اصبر 9 ولا تعجل بالقرآن من قَبَلٍ أن يقضئ إلِيك وحيه وقل رّبْ زدني 
علما 4 الله: 5 . واعلم أن العجلة من الشيطان والتأنى من الله . واعلم أن الميزان الأكبر 
هو ميزان الخليل صلوات الله عليه وسلم الذى استعمله مع نمرود قمنه تعلمنا هذا الميزان 
لكن بواسطة القرآن ».وذلك أن نمرود ادعى الإلهية» وكانت الإلهية عنده بالاتفاق عبارة 1 
القادر على كل شىء. فقال إبراهيم : الإله إلهى لأنه الذى يحيى ويميت وهو القادر عليه 
وأنت لا تقدر عليه. فقال: ان أحبي وأميت © د يعنى أنه يحيى النطمة بالوقاع ويميت 
بالقتل» فلم ا کک ا ود ,عب تهج و ا إلى انايو رض هه 
فقال : ل إن الله يآتي بالشّمس من الْمُشرق فأت بها من المغرب فبهت الذي كفر ‏ [البقرة: 
8د ]. وقد أثنى الله عليه فقال: ل وتلك حجنا آتيناها إبراهيم على قومه )» [الانعام: .[AY‏ 
فعلمت من هذا أن الحجة والبرهان فى قول إبراهيم وميزانه. فنظرت فى كيفية وزنه كما نظرت 
أنت فى ميزان الذهب والفضة فرأيت فى هذه الحجة أصلين قد ازدوجا فتولّد منهما نتيجة 
هى المعرفة إذ القرآن مبناه على الحذف والإيجاز. وكمال صورة هذا الميزان أن تقول كل من 
يقدر على اطلاع الشمس فهو الإلهء فهذا أصل. وإلهى هو القادر على الاطلاع وهذا أصل 

ر. فلزم من مجموعهما أن إلهى هو الإله دونك يانمرود. فانظر الآن هل يمكن أن يعترف 
ا فى النتيجة» أو هل يتصور أن يشك فى هذين الأصلين شاك؟ 
فإن قولنا: الإله هو القادر على إطلاع الشمس لا شك فيه لأن الإله كان عندهم وعند كل 
أ-مد عسبارة عن القادر على كل شىءء وإطلاع الشمس هو من جملة تلك الأشياء وهذا 
أصل معلوم بالوضع والاتفاق. وقولنا: القادر على الاطلاع هو الله تعالى دونك معلوم 
بالشاهدة فإن عجز نمرود وعجز كل أحد سوى من يحرك الشمس مشاهد بالحس ونعنى 
بالإله محرك الشمس ومطلعها. فيلزمنا من معرفة الأصل الأول المعلوم بالوضع المتذق 
عيه . ومن الأصل الثانى المعلوم بالمشاهدة أن تمرود ليس هو القدر على تمريك الشمس 
فنهلم بعد معرفة هذين الأصلين أن غمرود ليس بإله وإنما الإله هو الله تعالى. فراجم نفسك 
الآن هل ترى هذا أوضح من المقدمة التجريبية والحسية انلتين عليهما صحة ميزان الذهب 
BAN‏ 

فقال: هذه المعرفة لازمة منه بالضرورة ولا يمكننى أن أشك فى الأصلين ولا أن أشك 
فى لوم هذه النتيجة منهماء ولكن هذا لا ينفعنى إلا فى هذا الموضع وعلى الوجه الذى 
استعمله الخليل عليه الصلاة والسلام وذلك فى نفى إلهية ترود وإقرار الإلهية لمن تفرد 
بإطلاع الشمس» فكيف إذن بها سائر المعارف التى تشكل على وأحتاج إلى تمييز الحق فيها 
عن الباطل؟ 


ıu‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالی د 
فقلت: من وزن الذهب بميزان يمكنه أن يزن به الفضة وسائر الجواهرء لأن الموزون 
عرف مقداره لا لأآنه ذهب بل لأنه ذو مقدارء ولذلك هذا البرهان كشف لنا عن هذه المعرفة 
لا لعينهاء بل لأنها حقيقة من الحقائق ومعنى من المعانى فتتأمل أنه لم تلزم منه هذه النتيجة 
وتأخذ روحه ونهرده عن هذا المثال الخاص حتى ننتفع به حيث أردنا وإنما لِزّم هذا لأن 
الحكم على الهفة حكم على الموصوف بالضرورة» وبيانه أن إيجاز هذه الححجة إن ربى 
مطلع والمطلع الإله فيلزم منه أن ربى إله فالمطلع صفة الرب» وقد حكمنا على المطلع الذى 
هو صفته بالإلهية فلزم منه الحكم على ربى بالإلهيةء وكذلك فى كل مقام حصلت لى 
معرفة بصفة الشىء وحصلت معرفة أخرى بثبوت حكم لتلك الصفة فيتولد منهما معرفة 
ثالئة بثبوت الحكم على الموصوف بالضرورة. 

فقال: هذا يكاد دركه يدق على فهمى» فإن تشككت فيه فماذا أصنع حتى يزول 
الشك؟ 

قلت: خذ عيارة من الصنجة المعروفة عندك كما فعلت فى ميزان الذهب والفضة . 

فقال: كيف آخذ عيارهاء وأين الصنجة المعروفة فى هذا الفن؟ 

قلت: الصنجة المعروفة هى العلوم الأولية الضرورية المستفادة إما من الحس أو من 
التجربة أو غريزة العقل» فانظر فى الأوليات هل تتصور أن يثبت حكم على صفة إلا 
ويتعدى إلى الموصوفء فإذا مر بين يديك مشلاً حبوان منتفخ البطن وهو بغل» فقال قائل: 
هذا حامل» فقلت له: ألم تعلم أن البغل عقيم لا يلد؟ فقال: نعم أعلم هذا بالتجربة. 
هقلت له: فهل تعلم أن هذا بغل؟ فنظرء فقال نعم قد عرفت ذلك بالحس والإبصار. 
فقلت: فالآن هل تعرف أنه ليس بحامل فلا يمكنه أن يشك فيه بعد معرفة الأصلين اللذين 
أحدهما تجريبى والآخر حسىء» بل يكون العلم بأنه ليس بحامل علمًا ضروریا متولدًا من 
بين العلمين السابقين كما تولد علمك فى الميزان من العلم التجريبى بآن الثقل هاو والعلم 
الحسى بأن إحدى الكفتين ليست هاوية بالإضافة إلى الأخرى . 

فقال: قد فهمت هذا فهما واضحاء ولكن لم يظهر لى أن سبب لزومه أن الحكم 
على الصفة حكم على الموصوف. 

فقلت: تأمل فإن قولك : هذا بغل» وصف والصفة هو البغل وقولك: كل بغل 
عقيم» حكم على البغل الذى هو صفة بالعقم فلزم حكم بالعقم على الحيوان الموصوف بأنه 
يغل» وكذلك إذا ظهر لك مثلاً أن كل حيوان حساس ثم ظهر لك فى الدود أنه حيوان فلا 
يمكنك أن تشك فى أنه حساس ومنهاجه أن تقول: كل دود حيوان وكل حيوان حساس. 
فكل دود حساس لأن قولك كل دود حيوان وصف الدود بأنه حيوان» والحيوان صفتهء فإذا 


ع مبجموعةسائل الإمامالفزالى ص سک ۲۰۱٠۱‏ = 


حکمت على الحيوان بأته حساس أو جسم أو غيره دتخل قيه الدود لا محالة وهذا ضرورى 
لا يكن الشك فيه. نعم شرط هذا أن تكون الصفة مساوية للموصوف أو أعم مته حتى 
يكون الحكم عليه يشعل ا لوصوف به بالضرورة. وكذلك من سلم فى النظر الفتقهى» أن 
كل نبيذ مسكرء وكل مسكر حرام» لم يمكنه أن يشك فى أن كل نبيذ حرام لأن المسكر 
وصق التبيذء فالحكم عليه بالتحريم يتناول النبيذ إذ يدخل فيه الموصوف لا محالةء فكذلك 
قى جميع أبواب التظريات . 

ققال: قد فهمت فهمًا ضروريا أن إيقاع الازدواج بين أصلين على هذا الوجه مولد 
لتيجة ضرورية» وآن برهان الخليل صلوات الله عليه برهان صحيح وميزاته ميزان صادق. 
وتعلمت حده وحقيقته وعرقت عياره من الصنجات المعروفة عندى» ولكنى أشتهى أن 
أعرف مثالا لاستعمال هذا الميزان فى مظان الأشكال فى العلوم قإن عذه الأمثلة واضحة 
بانفسها لایحتاج فيها إلى ميزان وبرهان . 

فقلت: هيهات. قبعض هذه الأمثلة معلومة بأنفسها بل هى متولدة من ازدواج 
الأصلين إذ لا يعرف كون هذا الحيوان مثلاً عقيمًا إلا من عرف بالحس أنه بل وبالتجرية أن 
البغل لا يلدء وإغا واضح بتفسه هو الأول. غأمًا المتولّد من أصلين فله أب وأم فلا يكون 
لابوا فنا ديل تخ ر ذلك القدرا اع الان هذا يكرك وفيا وح عضن 
الأحوال» .وذلك بعد التجربة وبعد الإبصارء وكذلك كون التبيذ حرامًا ليس واضحًا بنفسه 
بل يعرف بأصلين . 

أحدهما: أنه مسكر وهذا يعلم بالتجربة. 

والثانى: أن كل مسكر حرام وهذا بالخبر الوارد عن الشارع عَكَْهُ . فهذا يعرقك كيفية 
الوزن بهذا الميزان» وكيفية استعماله. وإن أردت مثالاً أغمض عن هذا قأمئلة ذلك عندنا لا 
تنحصر ولا تتناهى بل هذا الميزان عرفا أكثر الغوامض فاقنع منه يمثال واحد. 

فمن الغوامض أن 'الإنسان ليس حادثًا ينفسه إذ له مسبب وصانع وكذلك العالم . قإذا 
راجعنا هذا الميزان عرفنا أن له صانعا وأن صانعه عالم. فإنا نقول: كل جائز فله سبب» 
راختصاص العالم أو الإنسان بمقداره الذى اختلف به جائز. قإدت يلزم منه أن له سببًا ولا 
يقددر على التشكك فى هذه التتيجة من سلم الأصلين وعرفهما. ولكن إن شك فى الأصلين 
نيستنتج أيضًا معرفتهما من أصلين آخرين .واضحين إلى أن يتتهى إلى العلوم الأولية التى لا 
تكن التشكيك فيهاء قإن العلوم الخفية الأولية عى أصول العلوم الغامضة الجليلة وهى 
بدورهاء» ولكن يستثمرها متها من يحسن الاستثمار بالحراثة والاستساج بإيقاع الازدواج 
بيلهما . 


کک ۷۰١‏ صصح مجيموعة ربائل الإمامالفزالى حت 

فإن قلت: أنا شاك فى الأصلين جميعًا قلم قلت إن كل جائز فله سبب؟ ولم قلت 
إن اتصاص الإنسان بمقدار مخصوص جائز وليس بواجب؟ فأقول: أما قولى: كل جائز له 
سبب» فواضح إذا فهمت معنى الجائز لأنى أعنى بالجائز ما يتردد بين قسمين» متساويين» 
فإذا تاوى شيئان لم يختص أحدهما بوجود وعدم من ذاته لآن ما ثبت نيت للشىء ثبت لثله 
بالضرورة وهذا أولى. وأما قولى اختصاص الإنسان بهذا لكان ا ا وليس واجبء 
كقولى: إن الخط الذى يكتبه الكاتب وله مقدار مخصوص جائز إذ الخط من حيث إنه خط 
لا يتعين له مقدار واحد بل يتصور أن يكون أطول وأقصر. فاختصاصه بمقدار عما هو أطول 
وأقصر سببه الفاعل لا محالة» إذ نسبة المقادير إلى قبول الخط لها متساويةء وهذا ضرورى. 
كذلك نسبة المقادير إلى شكل الإنسان وأطرافه متساوية فتخصيصها لا محالة بفاعل. ثم 
أترقى منه وأقول: فاعله عالم لأن كل فعل مرتب محكم فيسند إلى علم فاعله؛ وبنية 
الإنسان مرتبة محكمة فلا بد أن يستند ترتيبها وتدبيرها إلى على فاعل بها. فههنا أصلان إذا 
عرفتهما لم تشك فى النتيجة أحدهما أن بنية الآدمى بنية مرتبة محكمة هذا يعرف 
بالمشاهدة مسن تناسب أعضائه واستعداد كل واحد لمقصود خاص كاليد للبطش والرجل 
للمشى» ومعرفة تشريح الاعضاء يورثف علما ضروريا به» وأما افتقار المرتب المنظوم إلى 
علم واضح أيضًا فلا يشك العاقل فى أن الخط المنظوم لا يصدر إلا من عالم بالكتابة وإن 
كان بواسطة القلم الذى لا يعلم» وأن البناء الصالح لإفادة مقاصد الاكتنان كالبيت والحمام 
والطاحونة وغيرها لا يصدر إلا من عالم بالبناءء فإن أمكن التشكيك فى شىء من هذا 
فطريقه أن يترقى منه إلى أوضح منه حتى يترقى إلى الأوليات. وشرح ذلك ليس من 
غرضنا بل الغرض أن نبين أن ازدواج الأوليات على الوجه الذى أوقعه الخليل عليه السلام 
ميزان صادق مفيد لمعرفة حقيقية. ولا قائل بإبطال هذا فإنه إبطال لتعليم الله تعالى أنبياءه» 
وإيطال لما أثنى الله عليه إذ قال: «( وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم عَلَى قومه 4 [الانعام: .[AY‏ 
والتعليم لا محالة حق إن لم ب یکن الزائ قاو إبطال هذا إيطال الرأى والتعليم جميعا 
ولا قائل به أصلاً . 


القول فى الميزان الأوسط 
قال: قد فهمت اليزان الأكبر وحده وعياره ومظنته وحقيقة استعماله فاشرح لى 
الميزان الأوسط ما هوء ومن أين حصل تعليمهء ومن وضعه. ومن استعمله؟ 
فقلت: الميزان الأوسط أيضًا للخليل عليه السلام حيث قال: لإ لا أحب الآفلين » 
[الأنعام: .]۷١‏ وكمال صورة هذا الميزان أن القمر آفل والإله ليس يافل فالقمر ليس بإله. 


ولكن القرآن على الإيجاز واللإإضمار مبناهء لكن العلم ينفى الإلهية عن القمر اش 
ضروريًا إلا بمعرفة هذين الأصلين وهو أن القمر آفل وأن الإله ليس بآفل» فإذا عرفت 
الأصلين صار العلم بنفى الإلهية عن القمر ضروريًا 

فقال: أنا لا أشك فى أن نفى الإلهية عن القمر يتولد من هذين الأصلين إن عرفا 
جميعًاء لكنى أعرف أن القمر آفل وهذا معلوم بالحسء أما الإله ليس بآفل فلا أعلمه 
ضرورة ولا 0 

قلت: وليس غرضى من حكاية هذا الميزان أن أعرفك أن القمر ليس بافلء بل إنى 
أعلمك أن هذا الميزان صادق والمعرفة الحاصلة منه بهذا الطريق من الوزن ضرورية» وإنما 
حصل العلم به فى حق الخليل عليه السلام. إذ كان معلومًا عنده أن الإله ليس يآفل» وإن 
لمتكن ذللف العلم اولي له يل مستفادًا من أصلين آخرين ينتجان العلم بأن الإله ليس 
بمتغير وكل متغير حادث» والأفول هو التغير قبنى الوزن على المعلوم عندهء فخذ أنت 
المزان واستعمله حيث يحصل لك العلم بالأصلين. 

قال: فهمت بالضرورة أن هذا الميزان صادق وأن هذه المعرفة تلزم فى الأصلين إذ 
صارا معلومين» ولكن أريد أن تشرح حد هذا الميزان وحقيقته ثم تشرح لى عياره من 
الصنجة المعروفة عندى ثم مثال استعماله فى مظان الغموض فإن نفى الإلهية عن القمر 
كالواضح عندى . 

قلت: أما حدهء فهو أن كل مثلين وصف أحدهما بوصف فسلب ذلك الوصف عن 
الآخر فهما متباينان أى أحدهما يسلب ذلك الوصف عن الآخر ولا يوصف بهء ولما كان 
حد الميزان الأكبر أن الحكم على الأعم حكم على الأخص ويندرج فيه لا محالةء فحد هذا 
أن الذى ينفى عنه ما يثبت لغيره مباين لذلكِ الغير» فالإله ينفى عنه الأفول والقمر يثبت 
الأفول» فهذا يوجب التباين بين الإله والقمر وهو أن لا يكون القمر إلهًا ولا الإله قمر. 
وقد علم الله تعالى نبيّه محمد ييه الوزن بهذا الميزات فى مواضع كثيرة من القرآن اقتداءً 
بأبيه الخليل صلوات الله عليهماء فأكتفى بالتنبيه على موضعين وأطلب الباقى من آيات 
القرآن . 

أحدهما: قوله تعالى لنب : فل فلم يعذيكُم بذنوبكم بل أنتم بشر مَمَن حَلْق © 
[المائدة: 18]. 

وذلك أنهم ادعوا نهم أبناء الله فعلمه اللّه تعالى كيفية إظهار خطابهم بالقسطاس 
المستقيمء فقال: قل فلم يعذبكم بذنوبکم )» وكمال صورة هذا الميزان أن البنين لا 
يعذبون وأنتتم معذبون» فإذًا لستم أبناءء فهنا أصلان: أما أن البنين لا يعذبون فيعرف 
بالتجربةء وأما نتم معذبون فيعرف بالمشاهدة ويلزم منهما ضرورة نفى النبوة. 


حدم غع.؟ طللسييست مجموعة رمائل الإمامالفزالى -د 


الوضع الثانى : قوله تعالى : قل يا أنه دين هاو إن حسم َم ونا لله من 
دون التاس فتمتوا الموت إن کنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت يديهم 4 
[الجمحة: 2.5 ۷]. وذلك أنهم ادعوا الال وكان من المعلوم أن الوالى يتمنى لقاء وليه» 
وكان من المعلوم أنهم لا يتمنون الموت الذى هو سبب اللقاء فلزم ضرورة أتهم ليسوا أولياء 
لله. وكمال طتورة هذا الميزان أن يقال: كل ولى يتمنى لقاء وليه واليهودى ليس يتمنى لقاء 
الله فلزم منه أنه ليس بولى لله . وحده أن التمنى يوصف به الولى وينفى عن اليهود فيكون 
الولن والتهودق معابين سلب انها عه الآخر غلا ركرت الولن يودي ولا الهودئ 
و وأما عياره من الصنجة المعلومة فما عندى أنك تحتاج إليه مع وضوحه» ولكن إن 
أردت استظهارا فانظر أنك إذا عرفت أن الحجر جماد ثم عرفت أن الإنسان ليس يجماد 
كيف يلزمك منه أن تعرف أن الإنسان ليس بحجر لأن الجمادية تثبت للحجر وتتقى عن 
الإنسان.» فلا جرم أن يكون الإتسان مسلوبًا عن الحجر والحجر مسلويًا عن الإنان قل 
الإنان حجر ولا الحجر إنسانًا . وأما مظنة استعماله فى مواضع الغموض فكثير وأحد 
شطرى المعرفة التقديس وهو ما يتقدس عنه الرب تعالى علو كبير وجميع معارفه توؤن بهذا 
الميزان إذ الخليل عليه السلام استعمل هفا الميزان فى التقديس» وعلمنا كيفية الوزن به إذ 
عرف بهذا الميزان نفى الجسمية عن الله تعالى وكذلك نقول إن الإله ليس يجوهر متحيز 
لأن الإله ليس بمعلول وكل متحيز قاختصاصه بحيزه الذى يختص يه معلول قيلزم مته أنه 
ليس بجوهر. وتقول ليس بعرض لأن العرض ليس بحى عالم والإله حى عالم قليس 
بعرض» وكذلك سائر أبواب التقديس تتولد معوقتها أيضا من ازدواج أصلين على هذا 
الو جه. 

أحدهما: أصل سالب مضمونه التقى . 

والثانى: أصل موجب مضمونه الإثبات وتتولد منهما معرفة التقى والتقديس. 


القول فى اميزان الأصفر 
قال: قد فهمت هذا أيقًا فهمًا ضروريا قاشرح لى الميرات الأصغر وحلم وعياره 
قلت: اليزان الأصغر تعلمناء من الله تعائى حيث علّمه محمفا عَيْتَّهُ قى القرآك + 
وذلك فى قوله تعالى : وما قدروا الله حق قدره إذ قالوا ما أتزل اله على يشر من شيء فل 
من أنزل الكتاب الذي جاع به موسی نورا وهدی لتاس » [الأتعام : . ووجه. اللوزن بهذا 
الميزان تقول قولهم يتفى إنزال الوحى على اليشر قول باطل الازدواج المنتج بين اللأصلين : 


سک مجموعة رسائل الامام الفزالی مسب سس س سس بلست و ١.‏ 

أحدهما: أن موسى عليه السلام بشر. 

والثانى: أن موسى أنزل عليه الكتاب فيلزم منه بالضرورة قضية خاصة وهو أن بعض 
البشر أنزل عليه الكتاب وتبطل به الدعوى العامة بأنه لا ينزل كتاب على بشر أصلاً. أما 
لأصل الأول وهو قولنا موسى بشر فمعلوم بالحس» وأما الثانى وهو أن موسى منزل عليه 
الكتاب فكان معلوما باعترافهمء إذ كانوا يخفون بعضه ويظهرون بعضه كما قال تعالى: 
ل تبدونها وتخفون كثيرا ‏ [الأنعام : ..١‏ وإغا ذكر هذا فى معرض المجادلة بالأحسن»ومن 
خاصية المجادلة أنه يكفى فيه أن يكون الأصلان مسلمين من الخصم مشهورين عندهء وإن 
أمكن الشك فيه لغيره فإن النتيجة تلزمه إذ كان هو معترمًا به» وأكثر أدلة القرآن تجرى على 
هذا الوجهء فإن صادفت من نفسك إمكان الشك فى بعض أصولها ومقدماتهاء فاعلم أن 
المقصود بها محاجة من لم يشك فيه. وأما أنت فالمقصود فى حقك أن تعلم منه كيفية الوزن 
فى سائر المواضع» وأما عيار هذا الميزان أن من يقول لا يتصور أن يمشى الحيوان بغير رجل» 
فيعلم منك إذا قلت الحية حيوان والحية تمشى بغير رجل فيلزم منه أن بعض الحيوان يعشى 
بغير رجل» وأن قول من يقول لا يمشى الحيوان إل برجل قول باطل منقوض وأما موضع 
ادان الو ج جر فإن بعض الناس مثلاً يقول كل كذب فهو قبيح لعينه فنقول 
ب ام اسه أو وليًا من الأولياء قد اختفى من ظالم فاله الظالم عن موضعه 

خفاه فقوله هل هو كذب». قال: نعم» قلنا: فهل هو قبيح. قال: لا بل القبيح الصدق 
0 هلاكه فنقول له: انظر إلى الميزان فإنا تقول قوله فى اخفاء محله كذب فهو 
أصل معلوم» وهذا القول ليس بقبيح وهو الأصل الثانى» فيلزم منه أن كل كذب ليس 
بقبيح فتأمل الآن هل يتصور الشك فى هذه النتيجة بعد الاعتراف بالأصلين» وهل هذا 
أوضح مما ذكرته من المقدمة التجريبية والحسية فى معرفة ميزان التقديسء وأما حد هذا 
الميزان فهو أن كل وصفين اجتمعا على شىء واحد فبعض آحاد الوصفين لا بد أن يوصف 
بالآخرة بالضرورة ولا يلزم أن يوصف بأنه كله لزومًا ضرورياء بل قد يكون فى بعض 
الأحوال وقد لا يكون فلا يوثق. ألا ترى أن الإنسان يجتمع عليه الوصف بأنه حيوان وأنه 
جسم فيلزم منه بالضرورة أن بعض الجسم حيوان ولا يلزم منه. إن كل جسم حيوان ولا 
يغرنك إمكان وصف كل حيوان بأنه جسم فإن وصف كل وصف بالآخر إذا لم يكن 
ضروريئًا فى كل حال لم تكن المعرفة الحاصلة به ضرورية. ثم قال الرفيق: قد فهمت 
هذه الموازين الثلاثة» ولكن لم خصصت الأول باسم الأكبر والثانى بالأوسط والثالث 
بالأصغر؟ 

قلت: لأن الأكبر هو الذى يتسع لأشياء كثيرةء والأصغر خلافه» والأسط بينهما 
والميزان الأول أوسع الموازين إذ يمكن أن تستفاد منه المعرفة بالإثبات العام والإثبات الخاص 


حدم ٢.٦‏ للحت مجموعةرسائل الإمامالفزالى س 


والتقى العام والتفى الخاصء فقد أمكن أن يوزن به آريعة آجتاس من لازت وأما الثانى 
قلا يمكن أن يوزن به إلا النقى ولكن يوزت به التفى العام والخاص جميعا. وآما الثالث فلا 
يوزن به إلا الخاص كما ذكرت لك أنه يلزم منه بعض أحد الوصفين يوصف به الاخر 
لاجتماعهما على شىء واحد وما لا يتسع إلا للحكم الواحد الجزئى قهو أصغر لا محالة. 
نعم وزن الحكم العام به من موازين الشيطان وقد وزن به أهل التعليم بعض معارفهم وآلة 8 
فى أمنية الخليل صلوات الله عليه وسلامه فى قوله: هذا ربي هذا أكبر 6 (الانعام: [VA‏ 
وسأتلو عليك قصته بعد هذا إن شاء الله . 


القول فى ميزان النلازم 

قال: فاشرح لى ميزان التلازم فقد فهمت الأقسام الثلائة من موازين التعادل . 

قلت: هنا الميزان مستفاد من قوله تعالي: لو كان فيهما آلهة إلا لله تسدنا > [الانياء: 
۲ .ومن قوله تعالی : فل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لأَبتَعَوَا إلى ذي العرش سبيلاً 4¢ 
االإسراء: .]٤١‏ ومن قوله تعالى: ظ لوكان هؤلاء آلهة ما وردوها ‏ [الانياء: 194. وتحقيق 
صورة هذا اليزان أن تقول: لو كان للعالم إلهان لقسدء فهذا أصل . ومعلوم آنه لم يقسد 
وهذا أصل آخرء فيلزم عنهما نتيجة ضرورية وهی نفى أحد الإلهينء ولو كان مع ذى 
العرش آلهة لابتغوا إلى ذى العرش سبيلاًء ومعلوم أنهم لم يبتغوا فيلزم نفى آلهة سوى دَى 
العرش. وأما عيار هذا الميزان بالصنجة المعلومة قولك: إن كانت الشمس طالعة فالكواكب 
خفية. وهذا يعلم بالتجرية» ثم نقول: ومعلوم أن الشمس طالعة وهذا يعلم بالحس فيلزم 
منه آن الكواكب خقيةء وتقول إن لم يأكل فلان فهو شيعان وهو يعلم بالتجربة» ثم تقول 
ومعلوم أنه أكل وهذا يعلم بالحس فيلزم من الأصل التجريبى والأصل الحسى بالضرورة أنه 
غير شيعانء وأما موضع استعماله فى الغوامض فكثير حتى يقول الفقيه إن كان بيع الغاتب 
صحيحا فيلزم بتصريح الإلزام» ومعلوم أنه لا يلزم يتصريح الإلزام فيلرّم منه أن ليس 
بصحيحء ويعلم الأصل الأول بالاستقراء الشرعى المفيد للظن وإن لم يقد العلمء والثانى 
بتسليم الخصم وماعدته ونقول فى النظريات إن كان صنعة العالم وتركيب الأدمى مرتبًا 
عجييًا محكما قصائعه عالم وهذا فى العقل أولى» ومعلوم أنه عجيب مرتب وهنا مدرك 
بالعيان فيلرم منه أن صانعه عالمء ثم نترقى. فتقول: إن كان صائعه عالًا قهو حى ومعلوم 
بالميزات الأول أنه عالم فيلزم منه أنه حىء ثم نقول إن كان حيًا عالا فهو قائم بتقه ولیس 
بعرض» ومعلوم الميزاتين السابقين الأولين أنه حى عالم فيلزم منه أنه قاتم يتفسهء وكذلك 
تعرج من صقة تركيب الآدمى إلى صفة صانعه وهو العلم» ثم تعرج من العلم إلى الخحياة» 


حب مبجموعةرسائل الإمامالفزالى ا حلش سس سبحت ۷۔۲ = 


ثم منها إلى الذات وهذا هو المعراج الروحانىء وهذه الموازين سلالم العروج إلى السماء 
ثم إلى تحالق السماء وهذه الأصول درجات السلالم وأما المعراج الجسماتى» قلا تقى به كل 
قوة يختص ذلك يقوة التبوة. وأما حد هذا الميزان قإن كل ما هو لازم للشىء قهو تايع له 
فى كل حالء فتقى اللازم يوجب بالضرورة نفى الملزوم» ووجود الملزوم يوجب بالضرورة 
وجود اللازمء آما تفى الملزوم ووجود اللازم فلا نتيجة لهماء بل هما من موازين الشيطان 
وقد يزن به بعض آهل التعليم معرفته» أما ترى أن صحة الصلاة يلزمها لا محالة كون 
المصلى متطهر فلا جرم يصح أن تقول إن كانت صلاة زيد صحيحة فهو متطهرء ومعلوم 
أنه غير متطهر وهو نقى اللازم فلزم منه أن صلاته غير صحيحة وهو تفى الملزومء» وكذلك 
إن قلت: ومعلوم أن صلاته صحيحة وهذا وجود الملزوم فيلزم منه أنه متطهر وهو وجود 
اللازم» أما إن قلت: ومعلوم أنه متطهر فيلزم منه أن صلاته صحيحة فهذا خطأ لأنه ربما 
بطلت صلاته يعلّة أخرى» فهذا وجود اللازم ولم يدل على وجود الملزوم»ء وكذلك إن 
قلت ولا وسار عاد الح موا تور | كاري توي O E‏ 
يجوز أن يكون عدم صحة الصلاة ة لفقدان شرط آخر سوى الطهارة فهذا تقى الملزوم ولم 


يدل على نهى اللازم ‏ 
القول فى ميزان التعاند 
ثم قال: اشرح لى ميزان التعاند واذكر لى من القرآن موضعه وعياره ومحل 
استعماله . 


قلت: أما موضعه من القرآن فقوله فى تعليم نبيه محمد 72 : 9 قل من يرزقكم من 
السموات والأرض قل الله وإتا أو إياكم لعل هدى أو في ضلال مبين ‏ اسبا: .٤‏ فإنه لم 
يذكر قوله إنا أو إياكم فى معرض التسوية والتشكيك. بل فيه إضمار أصل آخر وهو لسنا 
على ضلال قى قولنا: إن الله يرزقكم من السماء والأرض فإنه الذى يرزق من السماء بإنزال 
الماء» ومن الأرض بإنيات التبات فإذا أنتم ضالون بإنكار ذلك وكمال صورة هفا الميزان إنا 
وإياكم لعلى صلال ميينء وهذا أصلء» ثم نقول: ومعلوم أنا لنا فى ضلالء وهذا أصل 
آخرء فيلرم من ازدواجهما تتيجة ضرورية وهو أنكم فى ضلال وآما عياره من الصنجات 
المعروقة قهو أن من دخل دارا ليس فيها إلا بيتان» ثم دخلنا أحدهما قلم تره فيه قتعلم علما 
ا آته فی الیت الثانى» وهذا الازدواج من أصلين: أحدهما قوله إنه فى أحد البيتين 
قطعاء والثاتى أنه ليس فى هذا البيت أصلاً فيلزم منهما أنه فى البيت الگانى» فإدا تعلم 
كونه قى البيت الثشانتى تارة بأنه نراه فيه وتارة بأن ترى البيت الثانى خاليًا عتهء فإن علمتاء 


کے ۲۸٢‏ حت مجموعة رسائل الإمامالفزالى کد 
برؤيتنا إياه فيه كان علمًا عياتيًا وإن عرفتاه بأن لم نره قى البيت الثانى كان هذا علما 
لاا ويكون هذا العلم الميزان قاچ ااا وأما حد هذا الميزان فهو أن كل ما 
انحصر فى قسمين فيلزم من ثبوت أحدهما نفى الآخر ومن نفى أحدهما ثبوت الآخرء 
ولكن بشرط أن_تكون القسمة متحصرة لا منتشرة» فالوزن بالقسمة المنتشرة وزن الشيطان 
وبه وزن بعض أهل التعليم كلامهم فى مواضع كثيرة ذكرناها فى القواصمء وفى جواب 
مفصل الخلاف والكتاب المستظهرى وغيرهما من الكتب المستعملة» وأما موضع استعمال 
هذا من الغوامض فلا ينحصر ولعل أكثر النظريات تدور عليهء فإن من أنكر موجودا قديا 
قنقول له: الموجودات إما أن تكون كلها حادثة أو بعضها حادث وبعضها قديم وهذا 
حاصرهء لأنه بين النفى والإثبات دائرء ثم نقول: ومعلوم أن كلها ليست بحادثة فيلزم أن 
فيها قدياء فإن قيل: فلم قيل إن كلها ليست حادثة؟ فتقول: لأن كلها لو كانت حادئة 
لكان حدوثها بأنفسها من غير سبب» فبطل أن تكون كلها حادثة فثبت أن فيها موجوداً 
قدياء ونظائر استعمال هذا الميزان لا تنحصر. 

فقال: قد قهمت بالحقيقة صدق هذه الموازين الخمسة» ولكن أشتهى أن أعرف معنى 
ألقابها ولم خصصت الأول بأنه ميزان التعادل» والثانى بالتلازم» والثالث بالتعاند؟ 

قلت: سميت الأول ميزان التعادل لأن فيه أصلين متعادلين كأنهما كفتان متحاذيتان» 
وسمیت الثانى ميزان التلازم لأن أحد الأصلين تشتمل على جزأين : أحدهما لازمء والآخر 
ملزوم» کقوله تعالی: لو کان فيهما آلهة إا الله لفسدتا 4 (الاثنياء: ۲. فإن قوله: 
لفسدتاء لازم وملزوم قوله: لو كان فيه ما آلهة إلا الله » ولزمت النتيجة من نفى اللازم. 
وسميت الثالث ميزان التعاند لأنه رجع إلى حصر قسمين بين النفى والإثبات يلزم من 
ثبوت أحدهما نفى الآخر وف لت ا الآخر فبين القسمين تعاند وتضاد. 

فقال: هذه الأسامى أنت ابتدعتها وهذه الموازين ا انفردت باستخراجها أم سبقت 
إليها؟ 

قلت: أما هذه الأسامى فإنى ايتدعتهاء وأما الموازين فأنا استخرجتها من القرآن» وما 
عندى أنى سبقت إلى استخراجها من القرآن» لكن أصل الموازين قد سبق استخراجها ولها 
عند مستخرجها من المتأخرين أسماء أخرى سوى ما ذكرته» وعند بعض الأمم السابقة على 
بعئة محمد وعيسى صلَى الله عليهما وسلم أسامى أخرء كانوا قد تعلموها من صحف 
إبراهيم وموسى عليهما الصلاة والسلام» ولكن بعثنى على إبدال كسوتها بأسامى أخر غير 
ما سموها به ما عرفت من ضعف قريحتك وطاعة نفسك إلى الأوهام» فإنى رأيتك من 
الاعتزاز بالظواهر بحيث لما سقيت عسلاً أحمر فى قارورة حجام لم تطق تناوله لتفور 


سک مجموعة رسائل الإمام الفزالی سسسب سسحتت ۲۰۹ = 
طبعك عن المحجمة وضعف عقلك عن أن يعرفك أن العسل ظاهر فى أى زجاجة كان. بل 
ترى التركى يلبس المرقعة والدراعة فتحكم عليه بأنه صوفى أو فقيه ولو لبس الصوفى القباء 
والقلنسوة حكم عليه وهمك بأنه تركى فأبدًا يتحرك وهمك إلى ملاحظة غلاف الأشياء دون 
اللباب. وكذلك لا تنظر إلى القول من نفس القول وذاته بل من حسن صنعته أو حسن 
ظنك بقائله» فإذا كانت عبارته مستكرهة عندك أو قائله قبيح الحال فى اعتقادك رددت القول 
وإن كان فى نفسه حسنًا وحقاء فلو قيل لك: قل لا إله إلا الله عيسى رسول الله نفر عن 
ذلك طبعك. وقلت: هذا قول النصارى فكيف أقوله» ولم يكن لك من العقل ما تعرف به 
أن هذا القول فى نفسه حق وأن النصرانى ما مقت لهذه الكلمة ولا لسائر الكلمات بل 
لكلمتين فقطء إحداهما قوله: الله ثالث ثلاثةء والشانية قوله: محمد ليس برسول الله 
وسائر أقواله وراء ذلك حق» فلما رأيتك ورأيت رفقاءك من أهل التعليم ضعفاء العقول لا 
تخدعهم إلا الظواهر نزلت إلى حدك فسقيتك الدواء فى كوز الماء وسقتك به إلى الشفاء 
وتلطفت بك تلطف الطبيب بمريضيهء ولو ذكرت لك أنه دواء وعرضته فى قدح الدواء لكان 
يشمئز عن قبوله طبعك ولو قبلته لكنت تتجرعه ولا تكاد تسيغه فهذا غرضى فى إبدال تلك 
الأسامى وإبداع هذه يعرفه من يعرفهء ويجهله من يجهلهء وينكره من ينكره. 

فقال: لقد فهمت هذا كله. ولكن أين ما كنت وعدت به من أن هذا الميزان له كفتان 
وعمود واحد تتعلق به الكفتان جميعًاء ولست أرى فى هذا الميزان الكفة والعمودء وأين ما 
ذكرته من الموازين التى هى أشبه بالقبان؟ 

قلت: هذه المعارف الست قد استفدتها من أصلين فكل أصل كفة والجزء المشترك بين 
الأصلين الداخل فيهما عمود. وأضرب لك مثالا من الفقهيات فلعلّه أقرب إلى فهمك» 
فأقول: قولنا: كل مسكر حرام كفة. وقولنا: كل نبيذ مسكر كفّة أخرىء والنتيجة أن كل 
نبيذ حرام فههنا فى الأصلين ثلاثة أمور فقط: النبيذ والمسكر والحرام. أما النبيذ فإنه يوجد 
فى أحد الأصلين فقط فهو كفةء وأما الحرام فيوجد فى الأصل الثانى فقط فهو الكفة 
الثانيةء وأما المسكر فمذكور فى الأصلين جميعا وهو مكرر فيهما مشترك بينهما فهو 
العمود. والكفتان متعلقان به إذ يتعلق به أحدهما ويتعلق الموصوف بالصفةء وهو قولك كل 
نيذ مسكر فإن النبيذ موصوف بالمسكر والأخرى متعلقة لتعلق الصفة بالموصوف وهو 
قرلك. وكل مسكر حرام»ء فتأمل ذلك حتى تعرف فإن فساد هذا الميزان تارة يكون من 
الكفةء وتارة يكون من العمودء وتارة يكون من تعلق الكقة بالعمود على ما أنبهك على 
رمز يسير منه فى ميزان الشيطان. وأما المشبه بالقبان فهو ميزان التلازم إذ أحد طرفيه أطول 
من الآخر كثيراء فإنك تقول لو كان بيع الغائب صحيحًا للزم بصريح الإلزام وهذا أصل 


80 ١؟‏ ہے مجموعةرسائلالامام الفزالی سد 


طويل مشت مل على جزآين: لازم وملزوم» والثانى وهو قولك وليس يلزم بصريح الإلزام 
وهذا أصل آخر أقصر منه فكان أشبه بالرمانة القصيرة المقابلة لكففة القبان» وأما ميزان 
التعادل فتتعادل فيه كفتان ليست إحداهما أطول من الأخرىء بل كل واحدة منهما تشتمل 
على صفة وموصوف فقطء فافهم هذا مع ما عرفتك من أن الميزان الروحانى لا يكون 
كاليزان الجسمانى بل يناسيه مناسبة ماء ولذلك يمكن تشبيهه بتولد التتيجة من ازدواج 
الأصلين إذ يجب أن يدخل شىء من أحد الأصلين فى الآخر وهو المكسر الموجود فى 
الأصلين حتى تتولد النتيجة» ا ا 
كما تتولد من قولك كل مسكر حرام وكل مغصوب مضمون نتيجة أصلاً وهما أصلان» 
لكن لم يجر بينهما نكاح وازدواج إذ ليس يدخل جزء من أحدهما فى الآخرء وإنما النتيجة 
تتولد من الجزء المشترك الداخل من أحدهما فى الآخر وهو الذى سميناه عمود الميزانء ولو 
فتح لك باب الموازنة بين المحسوس والمعقول EA‏ 
عالم الملك والشهادة» وبين عالم الغيب واللكرت ونه أسرار عظيمة» » من لم يطلع عليها 
کا رر ا وان ار با من علدة إلا التو فكما أن فى 
القرآن موازين كل العلوم فكذلك فيه مفاتيح كل العلوم كما أشرت إليه فى كتاب (جواهر 
القرآن) فاطلبه منه وليست الموازنة بين عالم الملك والشهادة وعالم الغيب والملكوتء إلا يما 
يتجلى بعضه فى المنام من الحقائق المعنوية فى الأمثلة الخيالية» لأن الرؤيا جزء من التبوة 
وفى عالم النبوة يتجلى تام الملك والملكوت» ومثاله من النوم رجل رأى فى منامه كأن فى 
يده خائمًا يختم به أفواه الرجال وفروج النساء فقص رؤياه على ابن سيرين» فقال: إنك 
مؤذن تؤذت فى رمضان قبل الصباحء فقال: هو كذلكء. فانظر الآن لم تجل له حاله من 
عالم الغيب فى هذا المثال » واطلب-الموازنة بين هذا المثال والأذان قبل قبل الصبح فى 
رمضان» وربما يرى هذا المؤذن نفسه يوم القيامة وفى يله خاتم من نار ويقال له هذا هو 
الخاتم الذى كنت تختم به أفواه الرجال وفروج النساءء فيقول: والله ما فعلت هذا. فيقال: 
نعم كنت تفعله ولكن تجهله لأن هذا روح فعلك ولا تتجلى حقائق الأشياء وأرواحها إلا 
فى عالم الأرواح ويكون الروح فى غطاء من الصور فى عالم التلبيس عالم الحس والخيال. 
والآن قد كشفتا عنك غطاءك فبصرك.اليوم حديد, وكذلك يفتضح :كل من ترك حدًا من 
حدود الشرعء وإن أردت له حقيقة فاطلبه من باب حقيقة الموت فى الإحياء أو من كتاب 
جواهر القرآن» فترى فيه العجائب» وأطل التأمل فيه فعاك تنفتح لك باب رؤيته إلى عالم 
الملكوت تسترق منها السمعء فإنى ما أراك ينفتح لك بابها وآنت إنما تتظر معرفة الحقائق 
من معلم غائب لا تراهء ولو رأيته لوجدته أضعف منك فى المعرفة كثيراً فخذها ممن سافر 
وتعرف وبحث قعلى الخبير سقطت فيه. 


حب مجموعة رسائل الامامالفزالی یی ۲۱۱ = 

فقال: هذا الآن حديث آخر يطول بينى وبينك اللجاج فيه» فإن هذا المعلم الغائب 
وإن كتت لم آر منظره فقد سمعت خبره كالليث إن لم أره فقد رأيت أثره ولقد رأيت 
والدتى إلى أن ماتت ومولانا صاحب قلعة الموت يثنيات عليه ثناء بالغًا محتى قالا إنه المطلع 
على كل ما يجرى فى العالم ولو على آلف فرسخ» آفأكذب والدتى وهى العجوز العمفيفة 
السيرة أو مولانا*وهو الإمام الحسن السيرة والسريرة» كلا بل هما شاهدان صادقان كيف 
وقد طايقهما على ذلك جميع رفقائى من أهل دامغان وأصبهان ولهم الأهر المطاع وفى 
حكمهما سكان القلاعء أفقترى أنهم منخدعون وهم الأذكياء أو متنمسون وهم الأتقياء؟ 
هيهات هيهيات دع عنك الغيبة. فإن مولانا يطلع على ما يجرى بيتنا من غير ريبة إذ لا 
يعزب عنه مثقال ذرة فى الأرض ولا فى السماء فأخشى أن أتعرض لقته بمجرد السماع 
والإصغاء فاطو طومار الهذيان وارجع إلى حديث الميزان واشرح لى ميزان الشيطان وكيفية 


وزن أهل التعليم به . 


القول فى موازين الشيطان وكيفية وزن أهل التعليم بها 

فقلت: اسمع الآن يامسكين شرح ميزان رفقائك فإنك بعد غلوائك» واعلم أن كل 
ميزان ذكرته من موازين القرآن فللشيطان فى جانبه ميزان ملصق به يمثله بالميزان الحق ليوزن 
به» فيغلط لكن الشيطان إنما يدخل من موقع الثلمء فمن سد الثلم وأحكمها أمن الشيطان. 
ومواقع ثلمه عشرة قد جمعتها وشرحتها فى كتاب النظر وكتاب معيار العلم إلى غير ذلك 
من الدقائق فى شروط الميزان لم أذكرها الآن لقصور فهمك عن إدراكهاء فإن أردت معاقد 

حملها ألفيتها فى كتاب المحك. وإن أردت شرح تفاصيلها وجدتها فى كتاب المعيار» لكن 
أقدم الآن آغوذجا واحدا وذلك هوالذى ألقاه الشيطان فى خاطرٍ ارام حم اليل عليه 
اللام إذ قال الله تعالى: «إوما أَرسلنا من قَبلك من رَسُولٍ ولا تي إلا إذا تمن ألقى 
الشيطان في أُمنيّته فيسَحْ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته © [الحج: 57]. وإنما ذلك 
فى مبادرته إلى الشمس وقوله: هذا ربى هذا أكبرء لأجل أنه أكبر أراد أن يخلعه به 
وكيفية الوزن به أن الإله هو الأكبرء فهذا أصل معلوم الاتفاق والشمس هى أكبر من 
الكواكب وهذا أصل آخر معلوم بالحس» فيلزم منه أن الشمس إله وهى النتيجة وهذا ميزان 
ألصقه الشيطان يالميزان الأصغر من موازين التعادل لأن الأكبر وصف وجد للإله ووجد 
للشمس. فيوهم أن أحدهما يوصف بالآخر وهو عكس الميزان الأصغرء وحد ذلك الميزان 
أن يوجد شيئان لشىء واحد لا أن يوجد شىء واحد لشيئين فإنه إن وجد شيئان لشىء واحد 
وصف بعض أحدهما بالآخر كما سبق ذكره. أما إذا وجد شىء واحد لشيئين فلا يوصف 


سے ٢٢٢‏ د بمبجموعة رسائل الإمامالفزالى د 
انه الشينين اا افر ك ي لفان بالقكين .عار حا اة الال م 
الصنجة الظاهرة البطلان اللون فإنه يوجد للسواد والبياض جميعاء ثم لا يلزم أن يوصف 
البياض بالسواد أو السواد بالبياض» بل لو قال قائل: البياض لون والسواد لون فيلزم منه أن 
السواد بياض .كان خطأ باطلاً» فكذلك قوله الإله أكبر والشمس أكبر فالك مس إلهء فهذا 
خطأ إذ يجوز أن يوصف المتضادان بوصف واحد» فاتصاف شيئين واحد لا يوجد بين 
الشيئين انّصالاً. أما اتصاف شىء واحد بشيئين فيوجب بين الوصفين اتصالا وكل من فهمه 
أدرك التفرقة بين اتصاف شىء واحد بشيئين وبين اتصاف شيئين بشىء واحد. 

فقال: قد اتضح لى بطلان هذاء لكن متى وزن أهل التعليم كلامهم به؟ 

قلت: وزنوا به كلامًا كثيرا أشح على أوقاتى أن أضيعها بحكايته؛ لكن أريك أنموذجًا 
واحداء فلقد سمعت كثيرا من قولهم إن الحق مع الوحدة والباطل مع الكثرة» ومذهب 
الرأى يفضى إلى الكثرة» ومذهب التعليم يفضى إلى الوحدة فيلزم أن يكون الحق فى 
مذهب التعليم . 

قال: نعم سمعت هذا كثيرا واعتقدت هذا برهانًا وأعرفه برهانًا قاطعًا لا أشك فيه. 

فقلت: هذا ميزان الشيطان فانظر كيف انتكس رفقاؤك واستعملوا قياس الشيطان 
وميزانه فى إبطال ميزان الخليل صلوات الله عليه وسلامه وسائر الموازين. 

قال: وما وجه تخريجه عليه؟ 

فقلت: الشيطان إغا يلبس فى الموازين بتكثير الكلام فيه وتشويشه حتى لا يعلم منه 
موضع التلبيس وهذا كلام كثير حاصله يرجع إلى أن الحق يوصف بالوحدة. فهذا أصل 
وأن مذهب التعليم يوصف بالوحدة فهذا أصل آخرء فلزم منه أن مذهب التعليم يوصف 
بالوحدة وصف واحد بالحق لأن الوحدة فى شىء واحد فاتصف به شيئان» فيجب اتصاف 
أحد الشيئين بالآخر كقول القائل: اللون وصف واحد اتصف به البياض والسواد جميعًا 
فيلزم اتصاف البياض بالسوادء وكقول الشيطان: الأكبر وصف واحد يتصف به الإله 
والشمس فيلزم منه أن تتصف الشمس بالإله فلا فرق بين هذه الموازين الثلائة. أعنى وجود 
اللون للسواد والبياض ووجود الأكبر للإله والشمس ووجود الوحدة للتعليم والحق؛ فتأمل 
لتفهم ذلك. 

فقال: قد فهمت هذا قطعًا ولكنى لا أقنع بمثال واحد فاذكر لى مثالاً آخر من موازين 
رفقائى ليزداد قلبى سكونًا إلى معرفة انخداعهم بموازين الشيطان. 

قلت: أما سمعت قولهم إن الحق إما أن يعرف بالرأى المحض أو بالتعليم المحض» 


حب مجموعۂ رسائلالإمام الفزالی سس صصح 11١7‏ = 
وإذا بطل أحدهما ثبت الآخر وياطل أن يكون مدركا بالرأى العقلى المحض لتعارض العقول 
والمذاهب فثيت أنه بالتعليم ‏ 

“-فقال: إى والله قد سمعت ذلك كثيراً وهو مفتاح دعوتهم وعتوات حجتهم - 

قلت: فهذا وزن ميزان التيطان الذى ألصقه بميرَات التعاندء فإن إيطال أحد القسمين 
ينتج ثبوت الآخر» ولكن يشرط أن تكون القسمة متحصرة لا متشرة» والشيطان يليس. 
المتشرة بالمتحصرة» فهذه متشرة إِذ ليست دائرة بين التفى والإثبات» يل يمكن قسم الث 
وهو أن يدوك بالعقلى والتعليم جميعًا وعياره من الصنجات المعلوم بطلاتها قول القائل: 
الألوان لا تدوك بالعين بق يتور الشمسى - فقلنا: لم ققال: لا تخلو إعا أن تدرك بالعين أو 
يتوو الشمسن وباطل., أن تدرك بالعين لأنه لا يدوك بالليل فقبت أنه. يدرك بتور الشمس› 
فيقال له: يامكين ثم قسم ثالث وهو أن يدرك بالعين ولكن عتد تور الشمسى . 

فققال: قد فهمت هنا أيضًا لكن أريد أن تزيدتى شرحا للغلط الواقع فى الأتموذج 
الأول وهو حديث اكق, واللوحدة» فإن التمطن وضع الخلط. مته لطف جنا . 

قلت: وجه الغلط ما ذكرت. وهو التباس اتصاف شىء واحد بشيئين باتصاف شيئين 
يشىء واحد» ولكن آصل. هذا الغلط إيهام العكس» فإن من علم أن كل واحد حق ربا 
يظن أن كلى حق واحد وليس. يلزم هذا العكدى بل اللازم منه عكمنى خاص» وهو أن بعض 
الواحد حق قإن قولك: كل إنسان حيوان لا يلزم مته عكى عام وهو أن كل حيوان إنسان 
بل اللازم أن يعضى الخيوان إتسان ولا يستولى الشيطان بحيله على الضعقاء بأشد. وأكثر من 
تحيله بإيهام. العكس العام حتى ينتهى إلى المحسوسات. حتى أن من رأى حبلاً أسود مبرقش 
اللون يرتاع نه لشيهه بالحية: وسبيه معرفته أن. كل حية فطويل متبرقشى. اللون فيسبق وهمه 
إلى عكسه العام ويحكم يلف كلى طويل متبرقشى اللو فهو حية: قيظن منه عكسًا عامّاء 
وهو أن كل طويل متبرقشى اللوة أسود فهو حية»ء وإنما اللازم: منه عكس خاص وهو أن 
يعضن الطويل المتبرقنش حية لا أن كله كذلكم وفى العكس والنقيضن دقائق كثيرة لا تفهمها 
إلا من كتاب محف النظر ومعياز العلم.. 

فقا إنى أجد بكل مثال تذكره طمأئينة أخرى معرفة: موازين: الشيطان فلا تبخل على 
بمثال آخر من سوازيين الشيطان... 

قلت: إن فساد ذلك البزان تأرة بكون من سوء التركييه بذ لايكون تعلق الكفتين 
بالعمود تعلقًا مستقيما وتارة يكون هن نفس الكفة. وفساد طينتها التى منها اتخذت فإنها إما 
أن تتخذ من حديد أن نحاس أن جلد حيوان» فلو اتخلات من الثلج أو القطن لم يمكن 
الوزن به. والسيف تارة يقسد لخلل شكله بأن يكون على هيئة العصا غير معترض ولا حادء 


حج ١)‏ لسك مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 
وتارة يكون من فساد طينته ومادته التى منها اتخذ بأن يكون متخذا من خشب أوطين» 
وكذلك ميزان الشيطان قد يكون فساده لفساد تركيبه كما ذكرته فى مئال كبر الشمس ووحدة 
الحق فإِنْ صورتها مختلة معكوسة كالذى يجعل الكفتين فوق العمود فيريد أن يزن به 
وتارة يكون لفساد المادة كقول إبليس: آنا خير منه خلقتنى من نار وخلقته من طين فى 
ا لما منعك أن تسجد نا خلقت بيدي أستكبرت آم كنت من العالن 4 
اأص: 6/ا]. وقد أدرج إبليس فى هذا ميزانين إذ علل منع السجود بكونه خير منه ثم أثبت 
الخيرية بأنه خلق من نار؛ وإذا صرح بجميع أجزاء حجته وجد ميزانه مستقيم التركيب لكن 
فاسد المادة» وكمال صورته أن يقول ما خلق من نار خير والخير لا يسجد فنا إذّا لا أسجد 
فكلا أصلى هذا القياس منوع لأنه غير معلوم» والعلوم الخفية توزن بالعلوم الجلية وما ذكره 
غير جلى ولا مسلم إذ نقول له: نسلم أنك خير منه وهذا منع الأصل الأول» والآخر أنا لا 
نسلم أن الخير لا يلزمه السجود لأن اللزوم والاستحقاق بالأمر لا بالخيرية» لكن ترك إبليس 
الدلالة على الأصل الثانى وهو أن اللزوم والاستحقاق بالأمر لا بالخيرية واشتغل بإقامة 
الدليل على أنه خير: لأنى خلقت من نار. وهذه دعوى الخيرية بالنسب وكمال صورة دليله 
وميزانه أن يقول المنسوب إلى الخير خير» وأنا منسوب إلى الخير فإِدًا أنا خيرء وكلتا هاتين 
الكفتين أيضًا فاسدة فإنا لا نسلم أن المنسوب إلى الجير خير بل الخيرية بصفات الذات لا 
بالنسب» فيجوز أن يكون الحديد خيرا من الزجاج ثم يتخذ من الزجاج بحسن الصنعة ما 
هو خير من المتخذ من الحديدء وكذلك نقول إبراهيم صلوات الله عليه خير من ولد نوح 
وإن كان إبراهيم مخلوقًا من آزر وهو كافر وولد نوح من نبى. وأما أصله الثانى وهو أنه 
مخلوق من خير لأن النار خير من الطين فهذا أيضًا غير مسلم بل الطين خير لأنه من 
التراب والماء» وربما يقال إن بامتزاجهما قوام الحيوان والنبات وبهما يحصل النشوء والنموء 
وأما النار فمفسدة ومهلكة للجميع فقوله إن النار خير باطل . فهذه الموازين صحيحة الصورة 
فاسدة المادة تشبيها بالسيف المتخذ من الخشب بل هى كسراب بقيعة يحسبه الظمان ماء حتى 
إذا جاءه لم يجده شيئًا ووجد الله عنده فوفاه حسابه» وكذا يرى أهل التعليم أحوالهم يوم 
القيامة إذا كشفت لهم حقائق موازينهم وهذا أيضمًا مدخل من مداخل الشيطان ينبغى أن 
يسدء بل المادة الصحيحة التى تستعمل فى النظر كل أصل معلوم قطعًا إما بالحس» وإما 
بالتجربةء وإما بالتواتر الكامل أو بأول العقل أو بالاستنتاج من هذه الحملة. أما الذى 
يستعمل فى المحاجة والمجادلة فما يعترف به الخصم ويسلمه وإن لم يكن معلوما فى نفسه 
فإنه تصير حجته عليه وكذلك تجرى بعض أدلة القرآن» فلا ينبغى أن ننكر أدلة القرآن إذا 
أمكنك التشكيك فى أصولها لأنها أوردت على طوائف كانوا معترفين بها. 


القول فى الاسدغناء بمحمد عَله وبعلماء 
أمته عن إمام معصوم آخروبيان معرفة صدق محمد صلى 
إلله عليه وسلم بطريق أوضح من النظرفى المعجزات وأوثق 
منه وهو طريق العارفين 

فقال: لقد أكملت الشفاء وكشفت الغطاء وأتيت باليد البيضاء لكن بنيت قصراً 
وهدمت مصراء فإنى إلى الآن كنت أتوقع أن أتعلم منك الوزن بالميزان وأستغنى بك 
وبالقرآن عن الإمام المعصوم فالآن إذ ذكرت هذه الدقائق فى مداخل الغلط فقد آيست من 
الاستقلال به فإنى لا آمن أن أغلط لو اشتغلت بالوزن وقد عرفت الآن لم اختلف الناس 
فى هذه المذاهب وذلك لأنهم لم يتفطنوا لهذه ه الدقائق كما فطنت. فغلط بعضهم وأصاب 
بعضهم» فإدًا أقرب الطرق لى أن ا المعصوم حتى أتخلص من هذه 
الدقائق . 

فقلت: يامسكين» معرفتك اا حادق ات ضرورية فهى إما أن تكون تقليدا 
للوالدين أو موزونة بشىء من الموازين فإن كل علم ليس أوَلينًا فبالضرورة يكون حاصلاً عند 
صاحبه بقيام هذه الموازين فى تفسه وإن كان هو لا يشعر به» فإنك عرفت صحة ميزان 
التقدير بانتظام الأصلين فى ذهنك التجريبى والحسى» وكذلك سائر الناس وهو لا يشعرون 
به ومن يعرف مثلاً أن هذا الحيوان غير حامل لأنه بغل عرفه بانتظام الأصلين اللذين 
ذكرناهما فى صدر الكتاب وإن كان لايشعر بمصدر علمه. وكذلك كل علم فى العالم 
يحصل للإنسان فيكون كذلك فأنت إن أخذت اعتقاد العصمة فى الإمام الصادق بل فى 
محمد ميه تقليدا للوالدين والرفقاء لم تتميز عن اليهود والنصارى والمحبوس» فإنهم كذلك 
فعلواء وإن أخذته من الوزن بشىء من هذه الموازين فلعلك غلطت فى دقيقة من دقائقه 
فينيغى على زعمك أن لا تثق به. 

فقال: صدقت» فأين الطاريق كلد نودت على طرق التعليم والوزن جميعا. 

قلت: هيهات راجم القرآن فقد علمك الطريق» إذ قال تعالى: إن الذين اتقوا إذا 

مهم طائف من الشيْطان تذکروا ذا هم مبصروت 4 [الأعراف: .-١‏ ولم يقل سافروا 
إلى الإمام المعصوم فإذا هم مبصرون فأنت تعلم أن المعارف كثيرة فلو ابتدأت فى كل مشكلة 
سفرا إلى الإمام المعصوم بزعمك طال عناؤك وقل علمك» لكن طريقك أن تتعلم منى كيفية 
الوزن وتستوفى شروطه فإن أشكل عليك شىء عرضته على الميزان وتفكرت فى شروطه 


ہے ١١‏ ؟ ملسب مجموعةرسائل الإهامالقزالى سد 
يفكر صاف وج واف غإذا أنت مبصر وها كما لو حبت ما للبقال عليك آو للك عليه أو 
قسمت فى عألة ا الفرائض وشككت قى الإصابة ولخطأ طول عليك أن تسافر 
إلى الإمام المعصومء ولكن تحكم على الحساب وتتذكرء ولا تزال تعاودء مرة بعد أخرى 
حتى تستيقن قطعاء فنك ما غلطت قى حقيقة من خقائقها وهذا يعرفه من يعرف علم الحساب. 
وكذلك من يعرف الوزن به كما أعرغه فيتهى به التذكر والتفكر واللعنلودة ‏ مرة يعند أخترى إلى 
اليقين الضرورى بأنه ما غلطء قإن للم تسلك هذه الطربيق لم تفلح قط وصرت تشكك يلعل 
وعسى ولعلك قد غلطت فى :تقليدك للإمامك يل لللتبى 'النى آمنت به فإن ععرفة صدق 
النبى عله ليست غسرورية. 

فقال: لقد ساعدتنى على أن التعليم حق» وأن الإمام هو النبى عله واعترفت بات كل 
واحد لايمكته أن يأاخذ العلم من الثبى عله دون ععرةة لليزان وأنه لا يمكنه معرفة تام 
الميزان إلا متك شعتلفك ادعيت الإمامة لنفسك خاصق خفما يرهاتك .ومعجزتك. فإن إمامى 
إما أن يقيم معجزة وإما أت يحتج بالنص الحعاقب من ناته إليهء فأين نصك وأين 
معجزتك؟ 

فقلت: أما قولك: إنك تدعى الإمامة 'لنفسك خخاصة .فليس كذلك قإنى أرجو أن 
يشاركنى غيرى فى هذه المعرقة فيمكن أن يتعلم مته كسا يتعلم .متى فلا أجعل التعليم وققًا 
على نفسى . وأما قولك: تدعى الإمامة لنفسك. فاعلم أن الإمام نقد نعنى به الذى بيتعنلم من 
الله تعالى بواسطة جبريل وهذا لا أدعيه لنفسىء .وقد تتعنى به الذى يتعلم من الله بغير 
جبريل ومن جبريل بواسنظة الرسول» ولهذا سمى عنلى مله إماما فإنه تعلم عن الرسول لا 
من جبريل» وأنا بهذا المعنى أدعى الإمامة لنفسبى.. ألما يرهانى عليه فأوضح :من التص وما 
تعتقده معمجزة فإن ثلاثة أنفس لو 'ادعوا عندك أنهم يحفظواق القرآن. 

خقلت: ما برهانك؟ فقال أحدهم : برهانى أنه :نص على :الكسائى أستاذ المقرئين إذ 
نص على أستاذى وأستاذى نص على فكأن الكسائى .نص علِى"..ؤقال الشانى: 'إنى أقلب 
العصا حية فقلب العصا حية. وقال الثالث: برهانى 'أنى أقرأ جميع القرآن بين يديك من 
غير مصحف. فليت شعرى أى هذه البراهين أوضح عندك بوقللك ببأيها أشد تصديقًا؟ 
فقال: بالنى قرأ القرآن فهو غانة البراهين إذ لا يخالختى فيه ریب أما فص أستاذه عليه 
ونص الكسائى على أستاذه فيتصور أن تقع فيه أغاليط نلا .سيما عند ظول الأسفار. نوما 
قلب العصا حية فلعله فعل ذلك بحيلة وتلبيس وإن "لم .يكن تلبيسًا غغايته أنه فعل عجيب 
ومن أين يلزم أن من قدر على فعل عجيب ينبغى أن يككون -حافظًا للقرآن. 


حب مبجموعة رسائل الإمامالقزالى ہگ ۲۱۷ = 

قلت: فبرهانى إِذَا أيضا أنى كما عرفت هذه الموازين فقد عرفت وأفهّمت وأزلت 
الشك عن قليك فى صحته فيلزمك الإيمان بإمامتى كما أنك إذا تعلمت الحساب وعلمته من 
أستاذ فإنه إذا علّمك الحساب حصل لك علم بالحساب» وعلم آخر ضرورى بأن أستاذك 
حاسب وعالم الحساب» وكذلك فقد علمت من تعليمه علمه وصحة دعواه أيضًا فى أنه 
حاسب» وكذلك آمنت أنا بصدق محمد عَكلهُ وصدق موسى عليه السلام لا بشق القمر ولا 
بقلب العصا حية بمجردهماء فإن ذلك يتطرق إليه حيتئذ التباس كثير فلا يوئق به بل من 
يؤمن بقلب العصا حية يكفر بخوار العجل. فإن التعارض فى عالم الحس والشهادة كثير 
جدّاء لكنى تعلمت الموازين من القرآن ثم وزنت بها جميع العارف الإلهية بل أحوال المعاد. 
وعذاب القبر وعذاب أهل الفجور وثواب أهل الطاعة» كما ذكرته فى كتاب جواهر القرآن 
فوجدت جميعها موافقة لا فى القرآنء ولا فى الأخبار فتيقنت أن محمدا عله صادق وأن 
القرآن حقء وفعلت كما قال على جه إذ قال: «لا تعرف الحق بالرجال أعرف الحق تعرف 
أهله». فكانت معرفتى بصدق النبى عله ضرورية كمعرفتك إذا رأيت رجلا غريبًا يناظر فى 
مسألة من مسائل الفقه ويحسن فيها ويأتى بالفقه الصحيح الصريحء فإنك لاتتمارى فى أنه 
فقيه ويقينك الحاصل به أوضح من اليقين الحاصل بفقهه لو قلب ألف عصًا ثعبانًا لأن.ذلك 
يتطرق إليه احتمال السحر والتلبيس والطلسم وغيرها ولا يحصل العلم بالقرآن بينها وبين 
هذه الأشياءء وكونها معجزة إل بعد تخ رل ور دوحل جه اجان شت هي 
إيمان العوام والمتكلمينء فأما إيمان أرباب المشاهدة الناظرين من مشكاة الربوبية كذلك 
تکون. 

فقال: فأنا أيضًا أشتهى أن أعرف الثبى عله كما عرفتهء وقد ذكرت أن ذلك لا 
يعرف إلا بأن توزن ججميع المعارف الإلهية بهذا الميزان وما اتضح عندى أن جميع المعارف 
الدينية يمكن وزنها بهذه الموازين فيما أعلم ذلك؟ 

قلت: هيهات لا أدعى أنى أزن بها المعارف الدينية فقطء بل أزن بها العلوم الحسابية 
والهندسية والطبيعية والفقهية والكلامية وكل علم حقيقى غير وضعى» فإنى أميز حقّه عن 
باطله بهذه الموازين» وكيف لا وهو القسطاس المستقيم والميزان الذى عق رخن الكتاب 
والقرآن فى قوله تعالى: لإ لقد أرسلنا رسلتا بالبينات وأنزنا معهم الكتاب والميزان ليقوم 
الئاس بالقسط © [الحديد: © وأما معرفتك بقدرتى على هذا فلا تحصل لا ينص ولا بقلب 
العصا ثعبانّاء ولكن تحصل بأن تستكشف ذلك تجربة وامتحانًا فمدعى الفروسية لا يتكشف 
صدقه حتى يركب فرسا ويركض ميدانًا فسلنى عما شئت من العلوم الدينية لأكشف لك 
الغطاء عن الحق فيه واحد) واحدا وأزنه بهذا الميزان وزنًا يحصل لك علم ضرورى بأن الوزن 
صحيح وأن العلم المستفاد منه مستيقن ومن لم يجرب لم يعرف. 


جح ۲۱۸ سب سس مجموعة رسائل الإمام الفزالى “د 


فقال: وهل يمكنك أن تعرف جميع الحقائق والمعارف الإلهية - جميع الخلق فترفع 
الاختلافات الواقعة بينهم؟ 

قلت: هيهات لا أقدر عليه وكان إمامك المعصوم إلى الآن قد رفع الاختلافات بين 
الخلائق وأزال الإشكالات عن القلوب» بل الأنبياء متى رفعوا الاختلاف ومتى قدروا عليه 
بل اختلاف الخلق-حكم ضرورى أزلى . ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك 
خلقهم وتمت كلمة ربك أفأدعى أن أرد قضاء الله الذى قضى به الأزل أو يقدر إمامك أن 
بدعى ذلك فإن كان يدعيه فلم ادخره إلى الآن والدتيا طافحة بالاختلافات. وليت شعرى 
رئيس الأمة على بن أبى طالب شه كما سبب رفع الاختلافات بين الخلق أو سبب تأسيس 
ختلافات لا تنقطع أبد الدهر. 


القول فى طريق نجاة الخلق من ظلمات الاختلافات 

فقال: كيف نجاة الخلق من هذه الاختلافات؟ 

قلت: أن اصغوا إلى رفعت الاختلاف بينهم بكتاب الله تعالى» ولكن لا حيلة فى 
إصغائهم فإنهم لم يصغوا بأجمعهم إلى الأنبياء ولا إلى إمامك» فكيف يصغون إلى وكيف 
يجتمعون على الإصغاء وقد حكم عليهم فى الأرل بأنهم لايزالوا مختلفين إلا من رحم 
ربك ولذلك خلقهمء. وكون الخلاف بينهم 20 تعرفه من كتاب جواب مفصل الخلاف 
وهو الفصول الائنا عشر. 

فقال: فلو أصغوا كيف كنت تفعل؟ قلت: كنت أعاملهم بآية واحدة من كتاب الله 
تعالى» إذ قال: لإ وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد » 
[الحديد: 1150. وإنما أنزل هذه الشلاث لأن الناس ثلاثة أصناف كل اعون من الكتاب 
والحديد والميزان علاج قوم . 

فقال: فمن هم وكيف علاجهم؟ قلت: الناس ثلاثة أصناف عوام وهم أهل السلامة 
البله وهم أهل الجنة» وخواص وهم أهل الذكاء والبصيرة ويتولد بينهم طائفة هم أهل 
الجدل والشغب فيتبعون ما تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة. أما الخواص فإنى أعالجهم بأن 
أعلمهم الموازين القسط وكيفية الوزن بها فيرتفع الخلاف بينهم على قرب وهؤلاء قوم اجتمع 
فيهم ثلاث خصال: 

إحداها: القريحة النافذة والفطنة القوية وهذه عطية فطرية وغريزة جبلية لا يمكن 
كسيها . 

والثانية: خلو باطنهم من تقليد وتعصب لمذهب موروث ومسموع فإن المقلد لا 
يصغى والبليد وإن أصغى فلا يفهم. 


حب مجموعة رسائل الإمام الفزالی بحت 1١١‏ ع 
الثالثة: أن يعتقد فى أنى من أهل البصيرة بالميزان ومن لم يؤمن بأنك تعرف الحساب 
لا يمكنه أن يتعلم منك . 

٠‏ والصنف الثانى البله: وهم جميع العوام وهؤلاء هم الذين ليس لهم فطنة لفهم 
الحقائق وإن كانت لهم فطنة فطرية فليس لهم داعية الطلب بل شغلتهم الصناعات والحرف 
وليس فيهم أيشْنًا داعية الجدل بخلاف اللمتكايسين فى العلم مع قصور الفهم عنه. فهؤلاء 
لايختلفون ولكن يتخيرون بين الأئمة المختلفين فأدعو هؤلاء إلى اللّه بالموعظة كما أدعو أهل 
البصيرة بالحكمة» وأدعو أهل الشغب بالمجادلة وقد جمع الله سبحانه وتعالى هذه الثلاثة فى 
آية واحدة كما تلوته عليك أؤلاًء فأقول لهم ما قاله رسول الله عَللهُ لأعرابى جاءه فقال: 
علمين فى غرائب العلم فعلم رسول عه أنه ليس أهلاً لذلك. فقال: وماذا علمت فى 
رأس العلم أى الإيمان والتقوى والاستعداد للآخرة اذهب فاحكم رأس العلم ثم ارجع 
لأعلمك من غرائبه . فأقول للعامى : ليس الخوض فى الاختلافات من عشك فادرج فإياك 
أن تخوض فيه أو تصغى إليه فتهلك»› فإنك إذا صرفت عمرك فى صناعة الصياغة لم تكن 
من أهل الحياكة» وقد صرفت عسمرك فى غير العلم» فكيف تكون من أهل العلم ومن أهل 
المخوض فيهء فإياك ثم إياك أن تهلك نفسك فكل كبيرة تجرى على العامى أهون من أن 
يخوض فى العلم فيكفر من حيث لا يدرى. فإن قال: لا بد من دين أعتقده وأعمل به 
لأصل به إلى المغفرة والناس مختلفون فى الأديانء فبأى دين تأمرئى أن آخذ أو أعول عليه؟ 
فأقول له: للدين أصول وفروع والاختلاف إنما يقع فيهماء أما الأصول فليس عليك أن 
تعتقد فيها إلا ما فى القرآن» فإن الله تعالى لم يستر عن عباده صفاته وأسماءه» فعليك أن 
تعتقد أن لا إله إلا الله وأن الله حى عالم قادر سميع بصير جبار متكبر قدوس ليس كمثله 
شىء إلى جميع ما ورد فى القرآن واتفق عليه الأئمة» فذلك كاف فى صحة الدين وإن 
تشابه عليك شئ» فقل: آمنا كل من عند ربنا واعتقد كل ماورد فى إثبات الصفات ونفيها 
على غاية التعظيم والتقديس مع نفى الممائلة واعتقاد أنه ليس كمثله شئ وبعد هذا لا تلتفت 
إلى القيل والقال فإنك غير مأمور به ولا هو على حد طاقتك. فإن أخذ يتحذلق ويقول 
عليه وقد اختلف فيه الأشعرية والمعتزلة فقد خرج بهذا عن حد العوام إذ العامى لا يلتفت 
قلبه إلى مثل هذا ما لم يحركه شيطان الجدلء فإن الله يهلك قومًا إلا يؤتيهم الجدل كذلك 
ورد الخبرء وإذا التحق بأهل الجدل فسأذكر علاجهم هذا ما أعظ به فى الأأصول وهو الحوالة 
على كتاب الله فإن الله أنزل الكتاب والميزان والحديد وهؤلاء أهل الحوالة على الكتاب. 

وأما الفروع فأقول: لا تشغل قلبك بمواقع الخلاف ما لم تفرغ عن جميع المتفق عليه 
فقد اتفقت الأئمة على أن زاد الآخرة هو التقوى والورع» وأن الكسب الحرام والمال الحرام 


سے mm ٢.‏ مجموعة رسائل الآمامالفزاللی د 


رالغيبة والنميمة والزنى والسرقة والخيانة وغير ذلك من المحظورات حرام» والفرائض كلها 
واجبة فإن فرغت من جميعها علمتك طريق الخلاص من الخلاف فإن هو طالبنى بها قبل 
الفراغ من هذا كله فهو جدلى وليس بعامى ومتى تفرغ العامى من هذا إلى مواضع 
الخلاف. أفرأيت رفقاءك قد فرغوا من جميع هذا ثم أخذ إشكال الخلاف بمخنقهم هيهات 
ما أشبه ضعف عقولهم فى خلافهم إلا بعقل مريض به مرض أشرف على الموت وله علاج 
متفق عليه بين الأطباء وهو يقول قد اختلف الأطباء فى بعض الأدوية أنها حارة أو باردة 
وربا افتقرت إليه يومًا فأنا لا أعالج نقسى حتى أجد من يعلمنى رفع الخلاف فيه. نعم لو 
رأيتم صالخحًا قد فرغ من حدود التقوى كلها. وقال: ها أنا تشكل على مسائل فإنى لا أرى 
أتوضأ من اللمس والقئ والرعاف وأنوى الصوم بالليل فى رمضان أو بالنهار إلى غير ذلك» 
فأقول له: إن كنت تطلب الأمان فى طريق الآخرة فاسلك سبيل الاحتياط وخصل مما يتفق 
عمليه فتوضأ من كل ما فيه خلاف فإن كل من لا يوجبه يستحبهء وانو الصوم بالليل فى 
AE OA‏ تقل عا ا ر ا 
تدور بين النفى والإثبات» وقال: لا أدرى آأقنت فى الصبح أم لا وأجهر بالتسمية أم لاء 
نأقول له: الآن اجتهد مع نفسك وانظر إلى الأئمة أيهم أفضل عندك وصوابه أغلب على 
قلبك كما لو كنت مريضًا وفى اليلد أطباء فإنك تختار بعض الأطباء باجتهادك لا بهواك 
وطبعك فيكفيك مثل ذلك الاجتهاد فى أمر دينك» فمن غلب على ظنك أنه الأفضل فاتبعه 
نإن أصاب فيما قال عند الله فله فى ذلك أجران. وإن أخطأ فله عند الله فى ذلك أجر 
واحدء وكذلك قال رسول #َقْلّهُ إذ قال: «من اجتهد فأصاب فله أجران ومن اجتهد فأخطاً 
فله أجر واحد» . ورد الله تعالى الأمر إلى أهل الاجتهاد وقال تعالى لتعليمه الذين 
بستنبطون منهم وارتضى الاجتهاد لأهله وقال تعالى لتعليمه الذين يستنبطونه منهم وارتضى 
الاجتهاد لأهله إذ قال رسول الله عي لمعاذ: ابم تحکم؟» قال : بكتاب الله قال: «قإن لم 
تحد؟» قال: بسنة رسول الله عله قال: و قال : أجتهد رأى» قال: ذلك 
قبل أن أمره به رسول الله تله وأذن له فيهء فقال النبى عر له : «الحمد لله الى وفق رَسول 
رسول الله لا يرضاه رسول الله .قفهم من ذلك أنه مرضى به من ا الله له لعاذ 
رغيره» ؛ كما قال الأعزاين ی ت ا واقعت أهلى فى نهار رمضانء» فقال: 
أعتق رقبة) فة ففهم أن التركى أو الهندى لو جامع أيضا لزمه الإعتاق وهذا لأن الخلق ما 
sS‏ عليه ولا تكليف بما لا يطاق بل كلفوا ما 
بظنونه صوابّاء كما لم يكلفوا الصلاة بثوب طاهر بل بشوب يظنونه أنه طاهرء فلو تذكروا 
مجاسته لم يلزمهم القضاء إذ نزع رسول الله يله نعله فى أثناء الصلاة لما أنبأه جبريل أن 


حل ممجووعةسائلالإمامالفزالى ‏ سي سس ب ڪڪ 


عليه قذرًا ولم يعد الصلاة ولم يستأنئف. وكذلك لم يكلف أن يصلى إلى القبلة بل إلى 
جهة يظن أنها القبلة بالاستدلال بالجبال والكواكب والشمس فإن أصاب فله أجران وإلا فله 
أجر واخد. ولم يكلفوا أداء الزكاة إلى الفقير بل إلى من ظنوا فقره لأن ذلك لايعرف باطنه 
ولم يكلف القضاة فى سفك الدماء وإباحة الفروج طلب شهود يعلمون صدقهم بل من 
يظنون صدقه» وإذا جاز سفك دم بطن يحتمل الخطأ وهو ظن صدق الشهود فلم لاتجوز 
الصلاة بظن شهادة الأدلة عند الاجتهادء وليت شعرى ماذا يقول رفقاؤك فى هذا؟ يقولون 
إذا اشتبهت عليه القبلة يؤخر الصلاة حتى يسافر إلى الإمام ويسأله أو يكلفه الإصابة التى لا 
يطيقهاء أو يقول اجتهد لمن لا بيمكنه الاجتهاد إذ لايعرف أدلّة القبلة وكيفية الاستدلال 
بالكواكب أو الجحبال والرياح . 

قال: لا شك فى أنه يأذن له فى الاجتهاد ثم لا يؤثمه إذا بذل مجهوده وإن أخطأ أو 
صلى إلى غير القبلة. 

قلت: فإذا كان من جعل القبلة خلفه معذورً مأجورًا فلا يبعد أن يكون من أخطأ فى 
سائر الاجتهاداث معذوراء فالمجتهدون ومقلدوهم كلهم معذورن بعضهم مصيبون ما عند الله 
وبعضهم يشاركون المصيبين فى أحد الأجرين» فمناصبهم متقاربة وليس لهم أن يتعاندواء 
وأن يتعصب بعضهم مع بعض لا سيما والمصيب لا يتعين وكل واحد منهم يظن أنه مصيب 
كما لو اجتهد مسافران فى القبلة فاختلفا فى الاجتهاد فحقهما أن يصلى كل واحد منهما 
إلى الحهة التى غلبت على ظنه وأن يكف إنكاره وإعراضه واعتراضه على صاحبه لأنه لم 
يكلف إلا استعمال موجب ظنه. أما استقبال عين القبلة عند الله فلا يقدر عليهء وكذلك 
كان معاذ فى اليمن يجتهد لا على اعتقاد أنه لا يتصور منه الخطأ لكن على اعتقاد أنه إن 
أخطأ كان معذوراء وهذا لأن الأمور الوضعية الشرعية التى يتصور أن تختلف بها الشرائع 
يقرب فيها الشئ من نقيضه بعد كونه مظنونًا فى سر الاستيصار: وأما ما لا تتغير فيه 
الشرائع فليس فيه اختلاف» وحقيقة هذا الفصل تعرفه من أسرار اتباع السنة وقد ذكرته فى 
الأصل العاشر من الأعمال الظاهرة من كتاب جواهر القرآن. 

وأما الصنف الشالث: وهم أهل الجدل فإنى أدعوهم بالتلطف إلى الحقء وأعنى 
بالتلطف أن لا أتعصب عليهم ولا أعنفهم لكن أرفق وأجادل بالتى هى أحسن» وكذلك أمر 
اللّه تعالى رسوله» ومعنى المجادلة بالأحسن أن آخذ الأصول التى يسلمها الجدلى وأستنتج 
منها الحق بالميزان المحقق على الوجه الذى أوردته فى كتاب الاقتصاد فِى الاعتقاد» وإلى 
ذلك الحد فإن لم يقنعه ذلك لتشوقه بفطنته إلى مزيد كشف رقيته إلى تعليم الموازين فإن لم 
بقنعه لبلادته وإصراره على تعصبه ولجاجه وعناده عالجته بالحديد» فإن الله سبحانه جعل 
الحديد والميزان قرينى الكتاب ليفهم منه أن جميع الخلائق لا يقومون بالقسط إلا بهذه 


سی ٢٢٢‏ *صبلبلص دشم لصحت مجموعة رمائل الإمام الفزالى سد 


الثلاث» فالكتاب للعوام» والميزان للخواصء, والحديد الذى فيه بأس شديد للذين يتبعون ما 
تشابه من الكتاب ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله ولا يعلمون أن ذلك ليس من شأنهم. وأنه لا 
يعلم تأويله إلا الله والراسخون فى العلم دون أهل الجدل. وأعنى الجدل طائفة فيهم كياسة 
ترقوا بها عن العوام ولكن قياستهم ناقصة إذا كانت القطرة كاملةء لكن فى باطتهم خيث 
وعناد وتعصب وتّقليدء فذلك يمنعهم عن إدراك الحق وتكون هذه الصفات أكنة على قلويهم 
أن يفقهوه وفى آذانهم وقراء لكن لم تهلكهم إلا كياستهم الناقصةء فإن القطنة البتراء 
والكياسة الناقصة شر من البلاهة بكثيرهء وفى الخبر: أن أكثر أهل الجنة اليله وأن عليين 
لذوى الألباب» ويخرج من جملة الفريقين الذين يجادلون فى آيات الله وأولئك أصحاب 
النار ويزع الله السلطان ما لا يزع بالقرآنء وهؤلاء يتبغى أن يمنعوا من الجدال بالسيف 
والسنان كما فعل عمر تله برجل إذ سأله عن آيتين متشابهتين فى كتاب الله تعالى قعلاه 
بالدرة» وكما قال مالك ضيه لا سئل عن الاستواء على العرش فقال: الاستواء حق» 
والإيمان به واجبء والكيفية مجهولةء والسؤال عنه يبدعة. وحسم يذلك ياب 
الجدال. وكذلك فعل السلف كلهم وفى فتح باب الجدال ضرر عظيم على عباد الله تعالى» 
فهذا مذهبى فى دعوة الناس إلى الحق وإخراجهم من ظلمات الضلال إلى تور الحق» وذلك 
بأن دعوة الخواص إلى الحكمة بتعليم الميزان حتى إذا تعلم الميزان القسط لم يقدر به على 
علم واحد بل على علوم كثيرة» فإن من معه ميزان فإنه يعرف به مقادير أعيان لا نهاية لها 
كذلك من معه القسطاس المستقيم فمعه الحكمة التى من أوتيها فقد أوتى خير كثير لا نهاية 
لهء ولولا اشتمال القرآن على الموازين لما صح تسمية القرآن نور لأن التور ما ييصر بنقسه 
ويبصر به غيره وهو نعت الميزان» ولما صدق قوله: ولا رطب ولا يابس إلا فى كتاب مبين» 
فإن جميع العلوم غير موجودة فى القرآن بالتصريح» ولكن موجودة فيه بالقوة لما فيه من 
الموازين القسط التى بها تفتح أبواب الحكمة التى لا نهاية لهاء فبهذا أدعو الخواص ودعوت 
العوام بالموعظة الحسنة بالإحالة على الكتاب والاقتصار على ما فيه من الصفات الثابتة لله 
تعالى» ودعوت آهل الجدل بالمجادلة التى هى أحسن فإن أبى عرضت عن مخاطيته 
وكففت شره بيأس السلطان والحديد المتزل مع الميزانء قليت شعرى الآن يارفيقى يم يعالج 
إمامك هؤلاء الأصتاق الثلاثة؟ أيعلم العوام فيكلقهم ما لا يقهمون» ويخالف رسول الله 
عله أو يخرج الجدال من أدمغة المجادلين بالحجة ولم يقدر على ذلك رمول الله ع مع 
كثرة محاجة الله تعالى قى القرآن مع الكفار؟ قما أعظم قدرة إمامك إِدّ صار أقدر من الله 
تعالى ومن رسوله أو يدعو أهل البصيرة إلى تقليده وهم لا يقيلوت قول الرسول ع 
بالتقليد ولا يقنعون بقلب العصا ثعبانّاء يل يقولون وهو فعل غريب» ولكن من آين يلزم 


جح وحجيوعةريائل الإمامالقزالى سس سسحت ۲٢٣٣‏ = 


منه صدق قاعله وفى العالم من غرائب السحر والطلسمات ما تتحير فيه العقول ولا يقوى 
على تيز المعجز عن السحر والطلسم إلا من عرف جميعهاء وجملة أنواعها ليعلم أن 
المعجز خارج عنها كما عرف سحرة فرعون معجزة موسى عليه السلام إذ كانوا من آئمة 
السحرة. ومن الذى يقوى على ذلك؟ بل أهل البصيرة يريدون مع المعجزة أن يعلموا صدقه 
من قوله كما يعلم متعلم الحساب مسن تفس الحساب صدق أستاذه فى قوله إنى حاسب . 
قهذه هى المعرفة اليقينية التى بها يقنع أولو الألباب وأهل البصائر ولا يقنعون بغيرها البنّة 
وهم إذا عرفوا بمثل هذا المنهاج صدق الرسول عله وصدق القرآن وفهموا موازين القرآن كما 
ذكرت لكء وأخذوا منه مفاتيح العلوم كلها مع الموازين كما ذكرته فى كتاب جواهر القرآنء 
فمن أين يحتاجون إلى إمامك المعصومء وما الذى حل من إشكالات الدين وعن ماذا 
كشف عن غوامضه. قال الله تعالى: «( هذا خلق الله فأروني ماذا خلق الّذين من دونه » 
[لقمان: .]١١‏ وقد سمعت الآن منهاجى فى موازين ن العلوم فأرونى ماذا اقتبسته من غوامض 
العلوم من إمامك إلى الآنء وما الذى يتعلمون منه؟ وليت شعرى ما الذى تعلمت من 
إمامك المعصوم أرنى ما رأيتها : 

مایسدی بی رتسدى أوف 

خخ ربن وقلبياونوت 
فليس الغرض من الدعوة إلى المائدة مجرد الدعوة دون الأكل والتناول منها وإنى 


أراكم تدعوا الناس إلى الإمام ثم أرى المستجيب أمامك بعد الاستجابة على جهله الذى كان 
عله يكن لذ وما N AS EGE‏ 
طغيانًا وجهلاً . 


فقال: قد طالت صحبتى مع رفقائى» ولكن ما تعلمت منهم شينًا إلا أنهم يقولون 
عليك بمذهب التعليمء وإياك والرأى والقياس فإنه متعارض مختلف . 

قلت: فمن الغرائب أن يدعو إلى التعليم ثم لا يشتغلوا بالتعليم فقل لهم : قد 
دعوتمونى إلى التعليم فاستجبت فعلمونى ما عندكم. 

فقال: ما أراهم يزيدوننى على هذا شيئًا. 

قلت: فإنى قائل أيضا بالتعليم وبالإمام ويبطلان الرأى والقياس وأنا أزيدك على هذا 
لو أطقت ترك التقليد تعليم غرائب العلوم وأسرار القرآنء فاستخرج لك منه مفاتيح العلوم 
SS‏ 
منه فى كتاب جواهر القرآن» لكنى لست أدعو إلى إمام سوى محمد عله ولا إلى كتاب 
سوی القرآن» فمنه أستخرج جميع أسرار العلوم. وبرهانى عن ذلك نتا وبيانق» وعليك 
إن شككت تجريبى وامتحانى أفترانى أولى بأن أتعلم من رفقائك أم لا؟ 


عد ۲٢)‏ ےی د مجموعة رسائل الامام الفزالی سد 


القول فى تصاويرالرأى والقياس وإظهاربطلانهما 

.فقال: أما الانقطاع عن الرفقاء والتعليم منك فربما يمنعنى منه ما حكيته لك من وصية 
والدتى حين كانت تموت» ولكنى أشتهى أن تكشف عن وجه فساد الرأى والقياس فإنى 
اك و عى فل على فى الان وار اى حر ور عل فق ولف 
قرآناء وأنا أظنه أنه بعينه القياس الذى يدعيه أصحابك . 

قلت: هيهات» فها أنا أشرح لك ما أريده وأراوده بالرأى والقياس. أما الرأى 
والقياس فمثاله قول المعتزلة: يجب على الله سبحانه وتعالى رعاية الأصلح لعباده وإذا 
طولبوا بتحقيقه لم يرجعوا إلى شىء إلا أنه رأى استحسنوه بعقولهم من مقايسة الخالق على 
الخلق وتشبيه حكمته بحكمتهم» ومستحسنات العقول هى الرأى الذى لا أرى التعويل عليه 
فإنه ينتج نتائج تشهد موازين القرآن بفسادها كهذه المقالة فإنى إذا وزنتها بميزان التلازم . 

قلت: لوكان الأصلح واجبًا على الله تعالى لفعله ومعلم أنه لم يفعله» فدل على أنه 
غير واجب فإنه لا يترك الواجب فإن قيل: سلمت أنه لو كان واجبًا لفعله» ولكن لا 
أسلم أنه لم يفعله» فأقول: لو فعل الأصلح لخلقهم فى الجنة وتركهم فيها فإن ذلك أصلح 
لهم ومعلوم أنه لم يفعل ذلك فدل على أنه لم يفعل الأصلح. وهذه أيضًا نتيجة من ميزان 
التلازم والآن الخصم بين أن ينكر ويقول تركهم فى الجنة فيشاهد كذبه؛ أو يقول كان 
الأصلح لهم أن يخرجوا إلى الدنيا دار البلايا ويعرضهم للخطايا ثم يقول لادم يوم يكشف 
عن الخطايا: اخرج يا آدم نصيب النار» فيقول: كم» فيقول من كل ألف تسعمائة وتسعة 
وتسعين كما ورد فى الخبر الصحيح ويزعم أن ذلك أصلح لهم من خلقهم فى الجنة وتركهم 
فيها لأن نعيمهم إذ ذاك لا يكون لسعيهم واستحقاقهم فتعظم المنة عليهم والمنة ثقيلة؛ وإذا 
سمعوا وأطاعوا كان ما أخذوه جزاء وأجرة لا منة فيهاء وأنا أنزه سمعك ولسانى عن حكاية 
مثل هذا الكلام فضلاً عن الجواب عنه. فانظر فيه لترى قبائح نتائج الرأى كيف هى وأنت 
تعلم أن الله تعالى ينزل الصبيان إذا ماتوا فى منزل من الجنة دون منازل البالغين المطيعين» 
فإذا قالوا: إلهنا أنت لا تبخل بالأصلح لنا والأصلح لنا أن تبلغنا درجتهم , فيقول الله » على 
زعم المعتزلة: كيف أبلغكم درجتهم وقد بلغوا وتعبوا وأطاعوا وأنتم متم صبيانّاء فيقولون: 
أنت أمتنا فحرمتنا طول المقام فى الدنيا ومعالى الدرجات فى الآخرة فكان الأصلح لنا 
والأصلح بنا أن تبلغنا درجتهم» أو أن لا تميتناء فلم أمتنا؟ فيقول الله تعالى» على رأى 
المعتزلة: إنى قد علمت أنكم لو بلغتم لكفرتم واستحققتم النار خالدين فيهاء فعلمت أن 
الأصلح لكم الموت فى الصباء وعند هذا ينادى الكفار البالغون من دركات النار يصطرخون 


حي مبجووعةرسائل الإعامالقزالى ص سس سس م ححصت ۲٢١‏ = 
ويقولون: أما عنمت أنا إذا بلغنا كفرنا فهلا أمتنا فى الصبا فإنا راضون بعشر عشر درجات 
الصبيان فعند هذا لا يبقى للمعتزلى جواب يجيب به عن الله تعالى» فتكون الحجة للكفار 
على الله سبحانه تعالى الله عن قول الظالمين علو كبيراء نعم لفعل الأصلح سر يستمد من 
معرفة سر الله تعالى فى القدرء ولكن المعتزلى لاينظر من ذلك الأصل فإنه لا يطلع بيضاعة 
الكلام على ذللك السر فمن هذا خبط خبط عشواء واضطربت عليه الآراء فهذا مثال الرأى 
الباطل عندى . 

وأما مثال القياس فهو إثبات الحكم فى شئ بالقياس على غيره كقول المجسمة إن الله 
تعالى وتقدس عن قولهم جسم. قلنا: لم؟ قالوا: لأنه فاعل صانع فكان جسمًا قياسًا على 
سائر الصناع والفاعلين» وهذا هو القياس الباطل. كما قلنا: لم قلتم إن الفاعل كان جسم 
لأنه فاعل» وذلك لا يقدر على إظهاره مهما وزن بميزان القرآن فإن ميزانه هو الميزان 
الأكبرمن موازين التعادل» وصورة وزنه أن يقال: كل فاعل جسم والبارئ تعالى فاعل فهو 
أيضًا جسمء فتقول: نسلم أن البارئ تعالى فاعل» ولكن لا نسلم الأصل الأرل وهو أن كل 
فاعل جسم فمن أين عرفتم ذلك؟ وعتد هذا لا يبقى لهم إلا الاعتصام بالاستقراء والقسمة 
المنتشرة وكلاهما لاحجة فيه. أما الاستقراء فهو أن يقول تصفحت الفاعلين من حائك 
وحجام وإسكاف وخياط ونجار وفلان وفلان فوجدتهم أجسامًا فقلت إن كل فاعل جسمء 
فيقال له: تصفحت كل الفاعلين أو شد عنك فاعلء فإن قال: تصفحت البعض» فلا يلزم 
منه الحكم على الكل وإن قال: تصفحت الكل» فلا نسلم له ذلك فليس كل الفاعلين 
معومًا عنده . كيف وهل تصفح فى جملة ذلك فاعل السموات والأرض فإن لم يتصفح الكل 
بل البعض لم يلزم الكل» وإن تصفح فهل وجد جسمّاء فإن قال: نعمء فيقال له: فإذا 
وجدت ذلك فى مقدمة قياسك فكيف جعلته أصلاً تستدل به عليه فجعلت نفس وجدانك 
دليل ما وجدته وهذا خطأء بل ما هو فى تصفحه إلا كمن يتصفح الفرس والإبل والفيل 
والحشرات والطيور فيراها تمشى برجل وهو لم ير الحية والدود فيحكم بأن كل حيوان يمشى 
برجل» وكمن يتصفح الحيوانات فيراها عند المضغ جميعها تحرك الفك الأسفل» فيحكم بأن 
كل حيوان يحرك عند المضغ الفك الأسفل وهو لم ير التمساح فإنه يحرك الفك الأعلى 
وهذا لأنه يجوز أن يكون ألف شخص من جنس واحد على حكم ويخالف الألف واحد 
وهو لا يفيد برد اليقين فهو القياس الباطلء وأما اعتصامه بالقسمة المنتشرة فكقوله: سبرت 
أوصاف الفاعلين فكانوا أجسامًا لكونهم فاعلين أو لكونهم موجودين أو كيت وكيت» ثم 
يبطل جميع الأجسام فيقول فيلزم من هذا أنهم أجسام لكونهم فاعلين» وهذه هى القسمة 
المنتتشرة التى بها يزن الشيطان مقايبسه وقد ذكرنا يطلانهاء فقال: أظن أنه إذا بطل سائر 


کے ٢١‏ يسبلت بجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


الأقسام تعين القسم الذى أراده» وأرى هذا برهانًا قويًا عليه تعويل أكثر المكلمين فى 
عقائدهم فإنهم يقولون فى مسألة رؤية البارى تعالى مرئى لأن العالم مرئى؛ وباطل أن يقال 
انه مرت لأنه ذو بياض لأن السواد يرىء» وباطل أن يرى لكوته جوهرً لأن العرض يرى 
وباطل أن يكون عرضًا لأن الجوهر يرى» وإذا بطلت الأقسام بقى أنه يرى موجودا فأريد أن 
تكشف لى عن فأد هذا الميزان كشقًا ظاهراً لا أشك فيهء فقلت: تأنا أورد فى ذلك مثالة 
حقًا لم يتج من قياس باطل وأكشف الغطاء عنه» فأقول: قولنا: العالم حادث حق» 
ولكن قول القائل إنه حادث لأنه مصور قياسًا على البيت وسائر الأبنية المصورة قول باطل 
لا يفيد العلم بحدوث العالم إذ يقال ميزانه الحق أن يقال كل مصور حادث أو العالم 
مصورء فيلزم منه أنه حادث؛ والأصل الآخر مسلم لكن قولك كل مصور حادث لا يسلمه 
الخصم» وعند هذا يعدل إلى الاستقراء فيقول: استقريب كل مصور فوجدته حادثًا كالبيت 
والقدح والقميص وكيت وكيتء» وقد عرفت فساد هذا وقد يرجع إلى السبرء فيقول: البيت 
حادث فنسبر أوصافه وهو أنه جسم وقائم بنفسه وموجود ومصورءوهذه أربع صفات وقد 
بطل تعليله بكونه جسمًا وقائما بنفسه وموجودًا فثبت أنه معلل بكونه مصورًا وهو الرابع. 
فيقال له: هذا باطل من وجوه كثيرة وأذكر منها الأربعة: 

الأول: أنه إن سلم لك بطلان الثلاث فلا تثبت العلّة التى طلبتهاء فلعل الحكم معلل 
بعلّة قاصرة غير عامة ولا متعدية ككونه مشلا بِينّاء فإن ثبت كون البيت غير محدث أيضنًا 
فلعل الحكم معلل بالمعنى القاصر على ما ظهر كونه حادنًا إذ يمكن تقدير وصف خاص 
يجمع الجميع ولا يتعدى. 

الثانى: أنه إنما يصح إذا تم السبر على الاستقصاء بحيث لا يتصور أن يشل منه قسم» 
وإذا لم يكن حاصرا بين النفى والإثبات دائرا تصور أن يشذ منه قسم وليس الاستقصاء 
الحاصر أمرا هيئّاء والخالب أنه لا يهتم به المتكلمون والفقهاء بل يقولون إن كان فيه قسم 
آخر فأبرزه» وربما قال الآخر لا يلزمنى إبرازه وطال اللجاج فيهء وربما استدل القايس 
وقال: لو كان فيه قسم آخر لعرفناه ولعرفتهء فعدم معرفتنا تدل على نفى قسم آخر إذ عدم 
رؤيتنا الفيل فى مجلسنا تدل على نفى ولا يدرى قط هذا المسكين أنه لم نعهد قط فيلاً 
حاضرا لم نره ثم رأيناه وكم رأينا معانى حاضرة عجزنا جميعًا عن إدراكها ثم تنبهنا لها بعد 
مدة فلعل فيه قسمًا آخر شد عنا لسنا نتنبه له الآن وربما لم نتنبه له طول عمرنا. 

الثالث: أنا وإن سلمنا الحصر فلا يلزم من إبطال ثلاث ثبوت رابع بل التركيب الذى 
يحصل من أربعة يزيد على عشرة وعشرين إذ يحتمل أن تكون العلّة آحاد هذه الأربعة أو 


جح مجموعة رسائلالإمامالقزالى ‏ تش سس شسبيتت ۲۲۷ = 
اثنين منها أو ثلاثة منهاء ثم لا يتعين الاثنان منها ولا الثلاثة» بل يتصور أن تكون العلة 
كونه موجودًا أوجسمًا موجودا وقائمًا بنفسه أوجسمًا موجودًا وقائمًا بنفسه وموجوذا أو 
موجودا.وبينًا أو بِينًا ومصورً أو بينًا قائمًا بنفسه أو بِينًا وجسماء أوجسما ومصوراء أو 
جسم وقائمًا بنفسه أو جسما وموجودًا أو قائمًا بنفسه وموجوداء فهذه بعد تركيبات الاثنين 
فقس على هذه التزكيبات من الثلاث» واعلم أن الأحكام تتوقف على وجود أسباب كثيرة 
مجتمعة فليس يرى الشئ لكون الرائى ذا عين إذ لا يرى بالليل ولا لاستتارة المرئى بالشمس 
إذ لا يرى الأعمى ولا لهما جميمًا إذا لا يرى الهواء»ء ولكن جملة ذلك مع كون المرئى 
متلون وأمور أخر هذا حكم الوجودء أما حكم الرؤية فى الآخرة فحديث آخر. 

الرابع: آنه إن سلم الاستقصاء وسلم الحصر فى أربعة وتركنا التركيب فإبطال ثلاثة لا 
يوجب تعلق الحكم بالرابع مطلقًا بل بانحصار الحكم فى الرابم» ولعل الرابع ينقسم 
قسمين» والحکم يتعلق بأحدهما. أرأيت لو قسم أولاً وقال: أما كونه جسما أو موجوذا أو 
قائما بنفسه أو مصوراً مثلاً بصورة مربعة» أو مصوراً بصورة مدورة ثم أبطل الأقسام الثلاثة 
لم يتعلق الحكم بالصورة مطلفّاء بل ربما اختص بصورة مخصوصة. فتسيب الغفلة عن 
مثل هذه الدقائق خبط المتكلمون وكثر نزاعهم إذا تمسكوا بالرأى والقياس» وذلك لا يفيد 
برد اليقين» بل يصلح للأقيسة الفقهية الظنية ولإمالة قلوب العامة إلى صوب الصواب» 
والحق فإنه لا يمتد فكرهم إلى الاحتمالات البعيدة» بل ينجزم اعتقادهم بأسباب ضعيفة . أما 
ترى العامى الذى به صداع يقول له غيره استعمل ماء الورد فإنى إذا كان بى صداع 
فاستعملته انتفعت به» كأنه يقول هذا صداع فينفعه ماء الورد قياسًا على صداعى فيميل 
قلب المريض إليه فيستعمله ولا يقول له أثبت أولا أن ماء الورد يصلح لكل صداع كان من 
البرودة أو من الحرارة أو من أبخرة المعدة» وأنواع الصداع كثيرة فاثيت أن صداعى 
كصداعك ومزاجى كمزاجك وسنى كستك وصناعتى كصناعتك وأحوالى كأآحوالك» فإن 
جميع ذلك يختلف به العلاج قإن طالب تحقيق هذه الأمور ليس من شأن العوام لأنهم لا 
يتشوفون إليها ولا من شأن المتكلمين لأنهم وإن تشوفوا إليها على خلاف العوام فلا يهتدون 
إلى الطرق المفيدة برد اليقين» وإثما هى من شنشنة قوم عرفوها من أحمد عَلهُ وهم قوم 
'هتدوا بنور الله إلى ضياء القرآنء وأخذوا منه الميزان بالقسط والقسطاس المستقيم فأصبحوا 
قوامين لله بالقسط. 

فقال: الآن هذا يلوح لى مخايل الحق وتباش بره من كلامك فهل تأذن لى فى أن 
أتبعك على أن تعلمنى تما علمت رشدًا؟ 


سے ۲٢۸٢‏ عت مجيموعة رسائل الإمامالفزالى “د 


قلت: هيهات إنك لا تستطبع معى صبرا وكيف تصبر على ما لم تحط به خيرا. 

قال: ستجدنى إن شاء الله صابر ولا أعصى لك أمرا. 

قلت: أتظن أنى نسيت اتعاظك بنصيحة رفقائك ووالدتك ومن نبض عليه عرق من 
عروق التقليد فلا تصلح لصحبتى ولا أصلح لصحبتك» فاذهب عنى فهذا فراق بينى وبينك 
نايع تعسو رم ی فن عك و م اقرا عن كه ران ا 
هذا ولا أراكء فلا تسع أوقاتى أكثر من هذا الإصلاح الفاسد والضرب فى الحديد الباردء 
وقد نصحت لكم ولكن لا تحبون الناصحينء, والحمد لله رب العالمين؛ والصلاة على محمد 
نبينا سيد المرسلين . 

فهاكم إخوانى قصتى مع رفيقى تلوتها عليكم بعجرها وبجرها لتقضوا منها العجب 
وتنتفعوا فى إثبات هذه المحادئات بالتفطن لأمور هى أجل من تقويم مذهب التعليم» فلم 
يكن ذلك من غرضى» ولكن إياك أعنى وأسمعى ياجارة» والتماسى من المخلصين قبول 
معذرتى عند مطالعة هذه المحادثات فيما آثرته فى المذاهب من العقد والتحليل وأبدعته فى 
الأسامى من التغيير والتبديل. واخترعته فى المغانى من التخييل والتمثيل. فلى تحت كل 
واحد من ذلك غرض صحيح وسر عن ذوى اليصائر صريح. وإياكم أن تغيروا هذا النظام 
وتنتزعوا هذه المعانى من هذه الكسوة فقد علمتكم كيف يوزن المعقول بالإسناد إلى المنقول 
ليكون القول منها أسرع إلى القبول. وإياكم أن تجعلوا المعقول أصلاً والمنقول تابعًا 
ورديمّاء فإن ذلك شنيع منفرء وقد أمركم الله سبحانه بترك الشنيع والمجادلة بالأحسن» 
وإياكم أن تخالفوا الأمر فتهلكوا وتهلكوا وتضلوا وتضلواء وماذا تنفع وصيتى وقد اندرس 
الحى وانكسر البثقء وانتشرت الشناعة وطارت فى الأقطار» وصارت ضحكة فى الأمصار» 
فإن قومًا اتخذوا هذا القرآن مهجور؟ وجعلوا التعليمات النبوية هباءً منثوراء وكل ذلك من 
قصور الجاهلين ودعواهم فى نصرة الدين منصب العارفين. وإن كثيراً ليضلون بأهوائهم بغير 
علم إن ربك هو أعلم بالمهتدين. 


س 0 ل 2>كُُاُلُلُلفللللل سا0 3 


منهاج العارفين 

خطبةالرسالهة 
الحمد لله النى نور قلوب العارفين بذكره. وأنطق ألسنتم بشكره» وعمر جوارحهم 
بخدمته» فهم فى رياض الأنس يرتعون وإلى أوكار المحبة يأوون» ذكرهم فذكروه» وأحبهم 
فأحبوه» ورضى عنهم فرضوا عنه رأس مالهم الافتقار ونظام أمرهم الاضطرارء علمهم دواء 
الذنوب» وعرفهم طب القلوب» فهم مصابيح أنوار حجته» ومفاتيح خزائن حكمته» 
إمامهم القمر الطالع» وقائدهم النور الساطع» سيد الموالى والعرب محمد بن عبد الله بن 
عبد المطلب» والثمرة الزاكية من الشجرة المباركة؛» التي أصلها التوحيد» وفروعها التقوى. 
«لأ شرقيّة ولا غربية يكاد زينها يضيء ولو لم تمسسه نار ثور على نور يهدي الله لنوره من 
يشَاء ويضرب الله الأمتال للناس وال بكلٍ شيء عليم & [التور: [Ye‏ .9 ومن لم يجعل الله له 
نورا فما لَه من تور [التور: 4[ عله صلاة تلوح فى السموات آثارها وتعلو فى جنان 
الخلد أنوارهاء وتطيب فى مشاهد الأنبياء أخبارهاء وعلى آله الطاهرين وأصحابه المطهرين. 


باب البيان نحوالمريدين 

بذون على ثلوة أصؤل: قرت والرعساء رال «الخوف فترع العلم 6 زوالا 
فرع اليقين» والحب: فرع المعرفة ء فدليل الخوف الهرب» ودليل الرجاء الطلب» ودليل الحب 
إيثار المحبوب» ومثال ذلك الحرم والمسجد والكعبة» فمن دخل حرم الإرادة أمن من الخلق. 
ومن دخل المسجد أمنت جوارحه أن يستعملها فى معصة الله تعالى» ومن دخل الكعبة أمن 
قلبه أن يشتغل بغير ذكر الله عز وجل . فإذا أصبح العبد لزمه أن ينظر فى ظلمة الليل ونور 
النهار ويعلم أن أحدهما إذا ظهر عزل صاحبه عن الولاية» فكذالك نور المعرفة إذا ظهر عزل 
ضلمة المعاصى عن الجوارح» فإن كانت حالته حالة يرضاها لحلول الموت شكر الله تعالى 
على توفيقه وعصمته» وإن كانت حالته حالة يكره معها الموت انتقل عنها بصحة العزيمة 
وكمال الجهد وعلم أن لا ملجأ من الله إلا إليهء كما أنه لا وصول إليه إلا به فندم على ما 
أفسد من عمره بسوء اختياره واستعان بالله على تطهير ظاهره من الذنوب وتصفية باطنه من 
العيوب» وقطع زنار الغفلة عن قلبه» وأطفأ نار الشهوة عن نفسه» واستقام على طريق الحق 
وركب أمطية الصدقء فإن النهار دليل الآخرة» والليل دليل الدنياء والنوم شاهد الموت» 
والعبد قادم على ما أسلف ونادم على ما خلّف. يقول الله عر وجل : ل يتبا الإنسان يومئذ 
بما قدم وأخر ‏ (القيامة : 1۳ 


باب الأحكام 
. وإعراب القلوب على أربعة أنواع: رفع وفتح وخفض ووقف. فرفع القلب فى ذكر 
الله تعالى» وفتح القلب فى الرضاء عن الله تعالى» وخفض القلب فى الاشتغال بغير الله 
تعالى» ووقف «لقلب فى الغفلة عن الله تعالىء فعلامة الرفع ثلاثة أشياء: وجود الموافقة» 
وفقد المخالفة» ودوام الشوق» وعلامة الفتح ثلاثة أشياء: التوكل والصدق واليقين» وعلامة 
الخفض ثلاثة أشياء: العجب والرياء والحرص وهو مراعاة الدنيا وعلامة الوقف ثلاثة أشياء: 
زوال حلاوة الطاعة» وعدم مرارة المعصية»ء والتباس الحلال. 


باب الرعاية 
قال رسول الله عه : طب العلم قَريضة على كل مسنلما» وهو علم الأنفاء ىء 
فيجب أن يكون نفس المريد شكراً أو عذراء فإن قيل: ففضل وإن رد فعدل فطائع الحركة 
بالتوفيق» والسكوت بالعصمة ولا يستقيم ذلك له إلا بدوام الافتقار والاضطرار. 


ومشناح ذلك 
ذكر الموت لأن فيه راحة من الحبس ونجاة من العدو وقوامه برد العمر إلى يوم واحد 
ولن يلتئم ذلك إلا بالتفكر فى الأوقات» وباب الفكر الفراغ؛ وسبب الفراغ الزهد. وعماد 
الزهد التقوى» وسنام التقوى الخوف» وزمام الخوف اليقين» ونظام اليقين الخلوة والجوع» 
وتمامها الجهد والصبر وطريقهما الصدق» ودليل الصدق العلم . 


بابالنية 
لابد للعبد من النية فى كل حركة وسكون: «فإنما الأعمال بالنيات واككل امرئ ما 
نوى ونية المؤمن خير من عمله» . والنية تختلف على حسب اخحتلاف الأقت» وصاحب 
النية نقسه منه فى تعب» والناس مته فى راحة وليس شئ على المريد أصعب من حفظ 
النية . 


با بالذكر 
اجعل قلبك قبلة لسانك» واشعر عند الذكر حياء العبودية وهيبة الربوبية» واعلم بأن 
الله تعالى يعلم سر قلبك ويرى ظاهر فعلك ويسمع نجوى قولكء فاغسل قلبك بالحزن 


محجموعةرسائل الإماه الفزالى ‏ ب ب سس سسحتت 173١‏ اد 
وأوقد فيه نار الحوفء فإذا زال حجاب الغفلة عن قلبك كان ذكرك به مع ذكره لك. قال 
الله تعالى : ولذكر الله أكبر ‏ [العنكبوت: .]٥‏ لأنه 5 ذكرته 
مم الفقر إليه» فقال: ألا بذكر الله تطمكن القلوب © [الرعد: 4. فيكون اطمئنان القلب 
فى ذكر الله له ووجله فى ذكره الللهء قال الله تعالى: إِنْما المؤمنون الّذِين إذا ذكر الله 
وجلت قلوبهم » [الأنفال: ؟]. والذكر ذكران ذكر خالص بموافقة القلب فى سقوط النظر 
إلى غير الله وذكر صاف بفناء الهمة عن الذكرء قال رسول الله عه : «لا أحصى ثناء 
عليك أنت كما أثنيت على نفسكة . 


باب الشكر 
وفى كل نفس من أنفاس العبد نعمة لله تتجدد عليه يلزمه القيام بشكرها. وأدنى الشكر 
أن يرى النعمة من الله تعالى ويرضى بما أعطاه ولا يخالفه بشئ من نعمهء وتمام الشكر فى 
الاعتراف بلسان السر أن الخلق كلهم يعجزون عن أداء شكره على أصغر جزء من نعمه وإن 
بذغوا غاية المجهودء لأن التوفيق للشكر نعمة حادثة يجب الشكر عليهاء فيلزمك على كل شكر 
شكر إلى ما لا نهاية له ٠فإذا‏ تولى الله العبد حمل عنه شكره فرضى عنه بيسير وحط عنه مأ 
يعلم أنه لا يبلغه ويضعفه « وما كان عطاء ربك محظورا © [الإسراء: 1 


باب اللباس 

اللباس نعمة من الله على عبده يستر به البشرة ولباس التقوى ذلك خيرء وخير 
لباسك ما لا يشغل سرك عن الله تعالى» فإذا لبست ثوبك فاذكر محبة الله الستر على عباده 
فلا تفضح أحدا من خلقه بعيب تعلمه منه واشتغل بعيب نفسك فاستره يدوام الاضطرار 
إلى الله تعالى فى تطهيره» فإن العبد إذا نسى ذنبه كان ذلك عقوية له وازداد به جزءًا على 
المعاصى» ولو انتبه من رقدة الغفلة لنصب ذنوبه بين عينى قلبه نصبًا ولبكى عليه بجفون 
سره واستولى عليه الوجل فذاب حياءً من ربه» وما دام اليد ترج ال حول وكونها 
انطع عن حول الله وقوته» فاطرح همتك بين يدى الخوف والرجاء: واعبد ربك حتىئ 
يأتيك القن % [الحجر : 14 


باب القيام 
فإذا قمت من فراشك فأقم قلبك عن فراش البطالة» وأيقظ نفسك عن نوم الجهالة» 
و'نهض بكلك إلى من أحياكء ورد إليك نفسك. وقم بفكرك عن حركتك وسكونك» 


واصعد بقلبك إلى الملكوت الأعلىء ولا تجعل قلبك تابمًا لنفسك فإن النفس تميل إلى 
الأرضء والقلب ييل إلى السماء 00 قول الله عر وجل : 9 إليه يصعد الْكلم اليب 
والعمل الصالح يرفعه 4 (فاطر: ٠‏ 


» باب السواك 
واستعمل السواك فإنها مطهرة للفم مرضاة للربء وطهر ظاهرك وباطنك عن دنس 
الإساءةء وأخلص أعمالك عن كدر الرياء والعجب» واجل قلبك بصافى ذكره» ودع عنك 
نا لآ يتقعك بل يضرك: 


باب النبرز 
وإذا تبرزت لقضاء وطر فاعتبر» فإن الراحة فى إزالة النجاسة» واستنج ونكس رأس 
همتك. وأغلق باب الكبرء وافتح باب الندم» واجلس على بساط الندامة» واجتهد فى إيثار 
أمره واجتناب نهيه والصبر على حكمه» واغسل شرك بترك الغضب والشهوة» واستعمل 
الرغبة والرهبة فإن الله تعالى مدح قومًا فقال: م کانو! يسارعون في الخيرات 
ويدعوتتا رغبا ورهبا وكانوا لا خاشعين ) (الأثياء: ٠‏ 


باب الطهارة 
وإذا تطهرت ففكر فى صفوة الماء ورقته وتطهیره وتنظیفه» فإن الله تعالی جعله مارکا 
فقال: ‏ ونزَلنا من السماء ماء مبَارَكا © (ق: 4]. فاستعمله فى الأعضاء التى فرض الله 
عليك تطهيرها ولتكن صفوتك مع الله كصفوة الماء» فاغسل وجه قلبك عن النظر إلى غير 
الله » واغسل يدك عن الامتداد ٤‏ غيره وامسح رأسك عن الافتخار بغيره» واغسل رجليك 
عن السعى لغيره» واحمد الله على ما ألهمك من دينه. 


باب الخروج 
فإذا خرجت من منزلك إلى مسجدك» فاعلم أن لله تعالى حقوقًا عليك يلزمك أداؤها. 
من ذلك السكينة والوقار والاعتيار بخلق الله برهم وفاجرهم» قال الله تعالی : وتلك الأمقال 
نضربها للناس وما يعقلها إل الْعَالُونَ 4 [العنكبوت: .]٤١‏ وغض بصرك عن نظر الغفلة 
والشهوة» وأفش السلام مبتدنًا ومجيبّاء وأعن من استعانك على الحق وأمر بالمعروف وانهَ عن 
المنكر إن كنت من أهله وأرشد الضال. 


= مجموعةرسائل الإمامالفزالى ‏ سس wd‏ ب 371377 = 


باب دخول المسجد 
فإذا بلغت باب المسجد فاعلم أنك قصدت بيت ملك عظيم قدره لا يقبل إلا الطاهر 
ولا يصعد إليه إلا الخالص» ففكر فى نفسك من أنت ولمن أنت وأين أنت ومن أى ديوان 
يخرج اسمك. فإذا استصلحت نفسك لخدمته فادخل فلك الإذن والأمانء وإلا فقف وقوف 
مضطرب قد انقطعت عنه الحيل وانسدت عنه السبل» فإذا علم الله من قلبك الالتجاء إليه 
أذن لك فتكون أنت بلا أنت» والله يرحم عبده ويكرم ضيفه ويعطى سائله ويبر المعرض 
عنهء فكيف المقبل إليه . 


باب افتناح الصلوات 

فإذا استقبلت بوجهك القبلة استقبل بوجهك الحق ولا تنبسط فلست من أهل 
الاو و و ی و ل دی ا وار جاده 
ورفع قلبك عن النظر إلى الدنيا والخلقء وأرسل همتك إليه فإنه لا يرد الآبق ولا يخيب 
السائل . فإذا قلت الله أكبر فاعلم أنه لا يحتاج إلى خدمتك له وذكرك إياه لآ الحاجة من 
جبلة الفقراء وذلك سمة الخلق والغنى عن صمات ذاته» وإنما وظف على عبيده وظائف 
لبقربهم بها إلى عفوه ورحمته ويبعدهم بها من سخطه وعقوبته تال الله عز وجل: 
« وأْرَمهم كلمة التَقرئ وكانوا أحق بها وأهلها 4 [الفت : ٣‏ . وقال عر من قائل :ل ولكن 
الله حبب إليكم الإيمان وزينه في فلوبكم & [الحجرات: : ۷]. واشكر الله إذ جعلك أهلاً 
لتوقوف بين يديه فإندظ أهل التقوئ وأهل المغفرة » [المدثر : ]٠١‏ أهل أن يتقيه خلقه فيغفر 
ا 

باب القراءة 

558 قال الله تعالى : فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالّه من الشيصان الرجيم اريه إِنه ليس 
أ سلطان علي الدين اموا وعلئ رتهم پیر کاود ددمل 64 

إِنَما سلطانه على الذي يتَولُونه 4 [النحل: 

بإ أنه من تولا فََنَه يضلّه 4 [الحج: [٤‏ 

واذكر عهد الله عليك ومیثاقه فى وحيه وتنزيله» وانظر كيف تقرأ كلامه وكتابه فرتل 
رتدبر»ءوقف عند وعده ووعيده وأمثاله ومواعظه وأمره ونهيه ومحكمه ومتشابهه» وإنى 
لأخشى أن ؛ تكون إقامتك حدوده غفلة من تضييعك حدوده. قال الله عر وجل : فاي 
حديث بعده يؤمنون 4 [الأعراف: 606 


باب الركوع 
* واركع ركوع خاشع لله بقلبه خاضعًا يجوارحهء واستوف ركوعك وانحط عن همتك 
فى القيام بأمرهء فإنك لا تقدر على أداء فرضه إلا بعونه. ولا تبلغ دار رضوانه إلا 
برحمتهء ولا 0 من معصية إلا بعصمته» ولا تنجو من عذابه إلا بعفوه. قال 
رسول الله كه : ال يَدْخْلَ الجئة أحَ د بسَمَله' الو و كانت بارس لاله قال :لول 


دي و سس سات 


آنا إلا أن تَقمدنی الله برحمته» ! 


بابالسجود 

واسجد لله سجود عبد متواضع علم أنه خلق من تراب يطؤه جميع الخلق: وأنه 
ركب من نطفة يستقذرها كل واحدء فإذا فكر فى أصله وتأمل تركيب جوهره من ماء وطين 
ازداد لله تواضعًا ويقول فى نفسه: ويحك لم رفعت رأسك من سجودك؟ لم لم تمت بين 
يديه» وقد جعل الله السجود سبب القرب إليه؟ فقال تعالى : لإ واسجد وافترب 4 . . فمن 
اقترب منه بعد من كل شئ سواه» واحفظ صفة سجودك فى هذه الآية : ل منھا خلقناکم 
وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أُخْرَئ » لطه: 6 ]. واستعن بالله عن غيره» فإنه روى 

عن النبى عله أنه قال: قال الله تبارك وتعالى : «لا أطلع على قلب عبد فأعلم منه حب 
العمل بطاعتى إلا توليت تقويه وسياسته» . 


باب النشهد 

والتشهد ثناء. وشكر لهء وتعرض لزيد فضله ودوام كرامته» فاخرج عن دعواك 
وكن له عبدا بفعلك كما أنت عبد له بقولك» فإنك خلقك عبدا وأمرك أن تكون له عبدا 
كما خلقك: وما كان لؤمن ولا مؤمنة إذَا قضى اللّهِ ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة من 
أمرهم ‏ [الأحزاب: 7 

«( وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الْخيرة 4 [القصص: .]٠۸‏ 

فاستعمل العبودية فى الرضى بحكمته» واستعمل العيادة فى النزول تحت أمره. 
وصل على حبيبه عقب الثناء عليه» فإنه وصل محبته بمحبته وطاعته بطاعته ومتابعسته 
بمتابعته» فقال تعالى :طقل إن كنشم تحبون الله فَانعوني يحييكم الله 4 ذل عمران: .]8١‏ 
وقال : ل 8 وقال: 9٠‏ إن الُذين يبايعونك إنم 
يبايعون الله [الفعح: . . وأمر رسوله بالاستغفار لك. فقال تعالى: لإ فاعلم أنه لا إل 


ی مجموعہ رسائلالإمام الفزالی سس ٣٣١‏ = 


إل الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات 4 [محمد: 5 وأمرك بالصلاة ب فقال 
تعالى : إن الله وملائكته يصون على النبي يا أيها الَذين آمنوا صلُوا عليه وسلَموا تَسليما 4 
| الأحزاب”: 03].وقال رسول الله تله : «من صلَى على واحدة صلى الله عليه بها عشسرًا 
رعامله بالفضل». فقال تعالى :ل ورفعنا للك ذكرك » (الانشراح: 4] ثم أمره بمعاملته 
بالعدل فقال لغيرة 5 فَإِذَا قُضيْت الصّلاة قات نتشروا في الأرض 4 [الجمعة: .]٠‏ وقال له: 
فإذا فرغت فانصب 0 وإلئ رَبك فرعب 7الانشراح : ¥ LA‏ 


باب السلام 
السلام من أسماء الله تعالى أودعه خلقه ليستعملوا معناه فى معاملته ومعاشرة خلقه» 
فإذا ل الختلق بين فتن 
> إما مبتلى بالنعمة ليظهر شكره» وإما مبتلىي بالشدة ليظهر صبره» قال الله 
تعالي مالي لفن الإنسان إا ما ابتلاه ربه فأك رمه نحم فقول ربي آکرمن اه وأا إذا ما 
ابتلاه فقدر عليه رزقه فيقول بي أهانن 4 كلا [الفجر: .]۱۷-٥‏ فالكرامة فی طاعته 
والوزاة قن ج ویر کب لمر أهانة الله : 


يا بالدعاء 

واحفظ آداب الدعاء وانظر من تدعو وكيف تدعو ولاذا تدعو ولاذا تسأل» والدعاء 
استجابة الكل منك للحق وإن لم تأت بشرط الدعاء فلا تشترط الإجابة. قال مالك بن 
دينار: أنتم تستبطتون المطر وأنا أستبطئ الحجرء ولو لم يأمر الله سبحانه بالدعاء لوجب 
علينا أن ندعوه ولو لم د يشترط لنا الإجابة لكنا إذا أخلصنا له الدعاء تفضل بالإجابة . فكيف 
وقد ضمن ذلك من أتى بشرط الدعاء. قال الله تعالى: :اقل ما يعبَاً بك كم ربي لولا 
دعا ؤكم [الفرقان: ۷۷]. وقال تعالى: [ادعوني ي استجب لكم 4 [غافر : رسكل أرق 
يزيد البطامى عن اسم الله الأعظم» > فقال: فرع فی س ج E E e‏ 
وقال يحيى بن معاذ: اطلب الاسم. وقال رسول الله که لا پستجیب الله الدعاء من قلب 
لاه فإذا آخلصت فابشر پإحدی تلاث: : إما أن بجَمل لَك ما سألتء وإِما أن يدَخْر لَكَ ما هو 
N‏ 
دعاء مشير» » روى عن رسول الله عي أنه قال: «قال الله تبارك وتعالى من شغله ذكرى 


ع م سوه 


عن مَسْالَىَ أططيته أفُضل ما أعطى السائلين» . وقال أبو الحسين الوراق: : دعوت الله مرة 
فدات يعات افسنيت الداجة تاحفظ ى اله غ وجل غلك کے العا ولا تشتغل 
بحظك فإنه أعلم مصلحتك 


باب الصوم 
< فإذا صمت فانو بصومك كف النفس عن الشهوات فإن الصوم فناء مراد النفس 
وفيه صفاء القلب وضمارة الجوارح والتنبيه على الإحسان إلى الفقراء والالتجاء إلى الله 
والشكر على ما تفضل به من النعم وتخفيف الحساب» وعنة الله فى توفيقك للصوم أعظم 
من أن تقوم بشكرها ومن صومك أن تطلب منه عوضا. 


بابالركاة 
وعن كل جزء من أجزائك زكاة واجبة للّه» فزكاة القلب التفكر فى عظمته وحكمته 
وقدرته وحجته ونعمته ورحمته»ء وزكاة العين النظر بالعبرة والغض عن الشهوة» وزكاة الأذن 
الاستماع إلى ما فيه نجاتك» وزكاة اللسان النطى بما يقربك إليه» وزكاة اليد القبض عن الشر 
والبسط إلى الخيرء وزكاة الرجل السعى إلى ما فيه صلاح قلبك وسلامة دينك . 


باب الحج 

والمريد إذا حج يعقد النية خوف الردء واستعد استعداد من لايرجو الإياب» وأحسن 
الصحبة » وتجرد عند الإحرام عن نقسه» واغتسل من ذنبه» ولبس ثوب الصدق والوفاء» ولبى 
موافقة للحق فى إجابة دعوته» وأحرم فى الحرم من كل شئ يبعده عن الله تعالى» وطاف 
بقلبه حول كرسى كرامته» وصفا ظاهره» وباطنه عند الوقوف على الصفاء وهرول هربًا من 
هواه ولم يتمن على الله تمنى مسا لا يحل له واعترف بالخطأ بعرفة» وتقرب إلى الله 
بمزدلفة» ورمى الشهوات عند رمى الجمرات» وذبح هواه وحلق الذنوب» وزار البيت معظما 
صاحبه» واستلم الحجر رضاء بقضائه» وودع ما دون الله فى طواف الوداع . 


باب السلامه 
واطلب السلامة فليت من طلبها وجدها فكيف لن تعرض للبلاء» والسلامة قد عزت 
فى هذا الزمان وهى فى الخمول»فإن لم تكن فى الخمول»فالعزلة وليست كالخمول فإن لم 
نكن عزلة فالصمت وليس كالعزلةء فإن لم تكن فى صمت فالكلام بجا ينفضع ولا يضر 
وليس كالصمت. وإن أردت السلامة فلا تنازع الأضداد ولا تنافس الأشكال كل من قال أنا 
فقل أنت»وكل من قال لى فقل لك والسلامة فى زوال العرف» وزوال العرف فى فقد 
الإرادة» وفقد الإرادة فى ترك دعوى العلم فيما استأئر الله به من تدبير أمرك. قال الله 


حت مجموعة رسائل الامام الفزالی ٣۷ waw‏ 


اله بكاف عبده ) االزمر: .]۳١‏ وقال: يدير الأمرَ من السّمَاء إلى 


باب العرلة 
صاحب العزلة يحتاج إلى عشرة أشياء : علم الحق والباطل والزهد واختيار الشدة 
واغتنام الخلوة والسلامة والنظر فى العواقب وأن يرى غيره أفضل منه ويعزل عن الناس 
شره ولا يفتر عن العلمء فإن الفراغ بلاء ولا يعجب بما هو فيه ويخلو بيته من 
الفضولء والفضول ما فضل عن يومك ل ر لاص عن ريدت لأهل 
المعرفة »ويقطع ما يقطعه عن الله تعالى» قال رسول الله عه لحذيفة اليمان: دكن حلس 
بينك». وقال عيسى ابن مريم عليه السلام: «أملك لسانك وليسعك بيتك وأنزل تفسك 
منزلة السبع الضارى والنار المحرقة »وقد كان الناس ورقًا بلا شوك فصاروا شوكًا بلا 
ورقءوكانوا أدواء يستشمى بهم فصاروا داء لا دواء لهة. قيل لدواد الطائى : مالك لا 
من استأنس بالله استوحش من غيره. وقال الفضيل: إن استطعت أن تكون فى موضع لا 
تعرف ولا تعرف فافعل. وقال سليمان: همى من الدنيا أن ألبس عباءةً وأكون بقرية ليس 
83 لالہ َع م لزم ام م بير 
فيها أحد يعرفنى ولا غذاء لى ولا عشاء؛ وقال رسول الله عيله : «يأتى زمان المدمسك 
© لعج 
يومئذ بدي كالقابض على الجمر وله اجر خمسين منكم». وفى العزلة صيانة الجوارح 
وفراغ القلب EY‏ حقوق الخلق وإغلاق أبواب الدنيأ وكسر سلاح الشيطان وعمارة 
الظاهر والباطن. 


باب العبادة 
أقبل على أداء الفرائضء» فإن سلم لك فرضك فأنت أنت» واطلب بالنوافل حفظ 
الفرائض وكلما ازددت عبادة فازدد شكرا وخوقًا. قال يحيى بن معاذ: عجبت لطالب 
فضيلة تارك فريضة ومن كان عليه دين فأهدى إلى صاحب الدين مثل حقه كان مطالبًا 
بالحق إذا حل الأجل . وقال أبو بكر الوراق: ابذل فى هذا الزمان أربعة على أربعة : الفضائل 
على الفرائض. والظاهر على الباطن» والخلق على النفس» والكلام على الفعل. 


باب النفكر 


تفكر فى قوله عر وجل: اهل أتئ على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا 


مُذَكُور» [الدهر: .6١‏ واذكر كيف أحوالك واعتبر بما مضى من الدنيا على ما تراه هل 
'بقيت على أحدء وما بقى منها اا کی و ا ود ال رر ا الم 
بق من الدنيا إلآ بلاء وفنتة. وقيل لنوح عليه السلام: «كيف وجدت الدنيا يا أطول 
الأثبياء عمرا؟ قال: 6 له بابان دخلت من أحدهما وخرجت من الآخر». والفكرة أبو 
كل خير وهى مرآة تريك الحسنات والسيئات . 

تم بحمد الله وعونه وحسن توفيقه والحمد لله وحده. 

قال الشيخ محمد بن على بن الساكن فى كتاب دليل الطالب إلى نهاية المطالب. 
تال : فالطالب المجتهد إذا أراد لبس الخرقة فالواجب عليه أن يخلع الثوب الذى كان يلبسه 
نى أيام العادة. وأحسن ما تليس هذه الطائفة الصوف إذ هم منسوبون إليهء قيل: إن أول 
من لبس الصوف آدم وحواء عليهما السلام؛ وكان موسى وعيسى ويحيى عليهم السلام 
السو اروق وان يك اقرف ا لاء کان يلس عناءة كان دان ها ی 
دراهم وينبغى أن لا يلبس الصوف إلا من مقاب كدر لشن نقد قال الحسن البصرى: 
بلغنى أن النبى عله قال: ١‏ لا تسوا الصوف إلا وقلوبكم قي فإنه من لبس الصوف 
على دغل وغش قلاه جبار السماء فإذا لبسه وجب أن يقوم بوظائف حروفه» وهى ثلاثة أما 
وظيفة الصاد فهى: الصدق والصفاء والصيانة والصبر والصلاحء وأما وظيفة الواو فهى: 
الوصلة والوفاء والوجدء وأما وظيفة الفاء فهى الفرح والتفجع فلو لبس المرقع وجب عليه 
أن يؤدى حت حروفه » وهى أربعة: فحق الميم المعرفة والمجاهدة والمذلة» وحق الراء: الرحمة 
والرأفة والرياضة والراحةء وحى القاف: القناعة والقرية والقوة والقول الصدقءوحق 
العين: العلم والعمل والعشق والعبودية؛ وقد أمر النبى 6 يه بلبس المرقع حيث قال لعائشة 
اها : "إن سرك الوق بی فَإِياك وَمجَالَسة الموتى ولا تَسْتيْدلى وبا حتی ترقعیه»» انتهى 


والله أعلم . 


الرسالة اللدنيه 
خطية الرسالة 
الحمد للّه"الذى زين قلوب خواص عباده بنور الولاية» وربى أرواحهم بحسن العناية» 
وفتح باب التوحيد على العلماء العارفين بمفتاح الدراية؛ وأصلى وأسلم على سيدنا محمد 
سيد المرسلين صاحب الدعوة والرعاية» ودليل الأمة إلى الهدايةء وعلى آله سكان حرم 
الحماية . 


العلم الفيبى اللدنى 

اعلم أن واحدًا من أصدقائى حكى عن بعض العلماء أنه أنكر العلم الغيبى اللدنى 
الذى يعتمد عليه خواص المتصوفةء وينتمى إليه أهل الطريقة» ويقولون إن العلم اللدنى 
أقوى وأحكم من العلوم المكتسبة المحصلة بالتعلمء» وحكى أن ذلك المدعى يقول: بأنى لا 
أقدر على تصوير علم الصوفية؛ لا أظن أن أحدا فى العالم يتكلم فى العلم الحقيقى من 
فكر وروية دون تعلم وكسب» فقلت: كأنه ما اطلع على طرق التحصيل»ء وما درى أمر 
النفس الإنسانية وصفاتها وكيفية قبولها لآثار الغيب وعلم الملكوت. فقال صديقى : نعم إن 
ذلك الرجل يقول بأن العلم هو الفقه وتفسير القرآن والكلام وحسب» وليس وراءها علم 
وهذه العلوم لا تتحصل إلا بالتعليم والتفقهء فقلت: نعم فكيف يعلم علم التفسير فإن 
القرآن هو البحر المحيط المشتمل على جميع الأشياء وليس جميع معانيه وحقائق تفسيره 
مذكورة فى هذه التصانيف المشهورة بين العوام» بل التفسير غير ما يعلم ذلك المدعى» فقال 
ذلك الرجل: لا يعد إلا التفاسير المعروفة المذكورة والمنسوبة إلى القشيرى والثعلبى والماوردى 
وغيرهم» فقلت: لقد بعد عن منهج الحقيقة»فإن السلمى جمع شيئًا فى التفسير من كلمات 
المحققين شبه التحقيق» وتلك الكلمات غير مذكورة فى سائر التفاسير. وذلك الرجل الذى 
لايعد العلم إلا الفقه والكلام. وهذا التفسير العامى كأنه ما علم أقسام العلوم وتفاصيلها 
ومراتبها وحقائقها وظواهرها وبواطنهاء وقد جرت العادة بأن الجاهل بالشئ ينكر ذلك 
الشئ» وذلك المدعى ما ذاق شراب الحقيقة وما اطلع على العلم اللدنى فكيف يقر بذلك» 
ولا أرضى بإقراره تقليدًا أو تخميئًا ما لم يعرف» فقال ذلك الصديق: أريد أن تذكر طرقًا 
من مراتب العلوم وتصحيح هذا العلم وتعزيه أنت لنفسك وتقر على إثباته» فقلت: إن هذا 
المطلوب بيانه عسير جداء لكن أشرع فى مقدماته بحسب اقتضاء حالى وموافقة وقتى وما 


چیھ ٢).‏ للست مجموعة رسائل الإمام الفزالى د 


سنح بخاطرىء ولا أريد تطويل الكلام فإن خير الكلام ماقل ودل» وسألت الله عر وجل 
التوفيق والإعانة وذكرت مطلوب صديقى الفاضل فى هذا المفضول. 


فصل فى شرف العلم 

اعلم أن العلل تعور النفس الناطقة المطمئنة حقائق الأشياء وصورها المجردة عن 
اواد بأعيانها وكيفيتها وكمياتها وجواهرها وذواتها إن كانت مفردةء والعالم هو المحيط 
اندرك المتصورهء والمعلوم هو ذات الشئ الذى ينتقش علمه فى النفس» وشرف العلم على 
قر شرف معلومه. ورتبة العالم تكون بحسب رتبه العلم. ولا شك أن أفضل المعلومات 
وأعلاها وأشرفها وأجلّها هو الله الصانع المبدع الحق الواحد» فعلمه هو علم التوحيد أفضل 
العلوم وأجلها وأكملهاء وهذا العلم ضرورى واجب تحصيله على جميع العقلاء كما قال 
صاحب ا 00 «طلب العلم فريضة على كل مسلم» . أمر بالسفر فى 
طلب هذا العلم. فقال: عله : الطلبوا العلم ول بالصين». وعالم هذا العلم أفضل العلماء 
وبهذا السبب خصهم الله تعالى بالذكر ذ فى أجل المراتب» فقال: (١‏ شهد الله أنه لا له إلا هر 
والملائكة وأولوا العلم 1آل عمران: 1۸]. فعلماء علم الترحيد الإطلاق هم الأنياء 
وبعدهم العلماء الذين هم ورثة الأثبياء» وهذا العلم وإن كان شريقًا فى ذاته كاملاً فى نفسه 
لا ينفى سائر العلوم بل لا يحصل إلا بمقدمات كثيرة» وتلك المقدمات لا تنتظم إلا من 
علوم شتى مثل علم السموات والآفلاك وعلم جميع المصنوعات» ويتولد عن علم التوحيد 

علوم أخر كما سنذكر أقسامها فى مواضعها. 
فاعلم أن العلم شريف بذاته من غير نظر إلى جهة العلوم» حتى أن علم السحر 
ريف بذاته وإن كان باطلاء وذلك أن العلم ضد الجهلء والجهل من لوازم الظلمةء 
والظلمة من حيز السكون» والسكون قريب من العدم» ويقم الباطل والضلالة فى هذا 
القسم» فإذًا الجهل حكمه حكم العدم» والعلم حكمه حكم الوجودء والوجود خير من 
العدم» والهداية والحق والنور كلها فى سلك الوجودء فإذا كان الوجود أعلى من العدم 
فالعلم أشرف من الجهل » فإن الجهل مثل العمى والظلمةء والعلم مثل البصر والنورء وما 
يستوي الأعمئ والبصير 816+ ولا الظلمات ولا النور» اقاطر: ۹ ۲۰]. وصرح سبحانه 
بهذه الإشارات فقال :قل هل يستوى الذين يَعلَمُونَ وَالّذِينَ لا يعلمون » [الزمر: 4]. فإذا 
كان 2 خير من الجهل» والجهل من لوازم الجسم» والعلم من صفات النفس » والنفس 
من الجسم» وللعلم أقسام كثيرة: نحصيها فى فصل آخر. وللعالم فى طلب العلم 
اللا 0 والآن لا يتعين عليك بعد معرفة فضل العلم إلا معرفة 


جع مجموعة رسائل الإمام الفزالی سسس ۲)١‏ = 


النفس التى هى لوح العلوم ومقرها ومحلهاء وذلك أن الجسم ليس بمحل للعلم لأن 
الأجسام متناهية» ولا يتسع لكثرة العلوم بل لا يحتمل إلا النقوش والرقوم والنفس قابلة 
لجميع العلوم من غير ممانعة ولا مزاحمة وملال وزوال» ونحن نتكلم فى شرح النفس على 
شيل الاحتضار: 


فصل فى شرح النفس والروح الإنسانى 

اعلم أن الله تعالى خلق الإنسان من شيئين مختلفين: أحدهما: الجسم المظلم الكثيف 
الداحل تحت الكون والفساد المركب المؤلف الترابى الذى لا يتم أمره إلا بغيره؛ والآخر: هو 
النفس ١‏ لجوهرى المفرد المنير المدرك الفاعل المحرل المتمم للآلات والأجسام» والله تعالى 
ركب الحسد من أجزاء العذاء ورباه بأجزاء الرمادء ومهد قاعدته وسوى أركانه وعين أطرافه 
وأظهر جوهر النفس من أمره الواحد الكامل المكمل المفيد. ولا أعنى بالتفس القوة الطالية 
للغذاء» ولا القوة المحركة للشهوة والغضبء. ولا القوة الساكنة فى القلب المولدة للحياة» 
والمبرزة للحس والحركة من القلب إلى جميع الأعضاء فإن هذه القوة تسمى روحًا 
حيوانياء والحس والحركة والشهوة والغضب من جنده» وتلك القوة الطالبة للغذاء الساكنة 
فى الكبد بالتصرف يقال لها روحًا طبيعيًاء والهضم والدافع من صفاتهاء والقوة المصورة 
واللولدة والنامية وباقى القوى المنطيعة كلها خدام للجسدء والجسد خادم الروح الحيوانى لأنه 
يقبل القَوى عنه ويعمل بحسب تحريكه وإنما أعنى بالنفس ذلك الجوهر الكامل الفردى الذى 
ليس من شأنه إلا التذكر والتحفظ والتفكر والتمييز والروية» ويقبل جميع العلوم ولا يمل 
من قبول الصور المجردة المعراة عن المواد وهذا الجوهر رئيس الأرواح وأمير القوى. الكل 
يخدمونه ويمتثلون أمره وللنفس الناطقة أعنى هذا الجوهر عند كل قوم اسم خاص» 
فالحكماء يسمون هذا الجوهر النفس الناطقة» والقرآن تسميه النفس المطمئنة والروح الأمرى. 
والتصوفة تسميه القلب» والخلاف فى الأسامى والمعنى واحد لا خلاف فيه. فالقلب 
وا.روح عندناء والمطمئنة كلها أسامى النفس الناطقة» والنفس الناطقة »هى الحوهر الجى 
الفعال المدركء وحيثما نقول الروح المطلق أو القلب فإنما نعنى يه هذا الجوهرء والمتصوفة 
يمون الروح الحيوانى نفسًا. والشرع ورد بذلك فقال: «أعدى عَدوَك نقسك». وأطلق 
التمارع اسم النفس بل أكدها بالإضافة» فقال: «نفسك التى بين جنبيك». وإنما أشار بهذه 
الافظة إلى القوة الشهوانية والغضبية فإنهما ينبعثشان عن القلب الواقف بين الحنبين» فإذا 
عرفت فرق الأسامى؛ فاعلم أن الباحثين يعبرون عن هذا الجوهر النفيس بعبارات مختلفة» 
ويرون فيه آراء متفاوتة» والمتكلمين المعرفين بعلم الجدل يعدون النفس جسماء ويقولون إنه 


کے ۲٤٢‏ لطت مجموعة رسائل الإمام القزالى حت 


جسم لطيف بإزاء هذا الجسم الكثيف. ولا يرون الفرق بين الروح الخد إلا باللطافة 
والكثافة .وبعضهم يعد الروح عرضاء وبعض الأطباء يميل إلى هذا القول» وبعضهم يرى الدم 
روحا وكلهم قنعوا بقصور نظرهم على تخيلهم وما طلبوا القسم الثالث. واعلم أن الأقسام 
ثلاثة: الجسم والعرض والجوهر الفردء فالروح الحيوانى جسم لطيف كأنه سراج مشعل 
موضوع فى زجاجة القلب أعنى ذلك الشكل الصنوبرى المعلق فى الصدرء والحياة ضوء 
السراج والدم رهنهء والحس والحركة نورهء والشهوة حرارتهء والغضب دخانهء والقوة 
الطالبة للغذاء الكائنة فى الكبد خادمه وحارسه ووكيلهء وهذا الروح يوجد عتد جميع 
الحيوانات »والإنسان هو جسم وآثاره أعراض» وهذا الروح لا يهتدى إلى العلم ولايعرف 
طريق المصنوع ولا حق الصانعء وإنما هو خخادم أسير يموت بموت البدنء لو يزيد الدم ينطفئ 
ذلك السراج بزيادة الحرارة» ولو ينقص ينطفئ بزيادة البرودة وانطفاؤه سبب موت البدن» 
وليس خطاب البارى سبحانه ولا تكليف الشارع لهذا الروح لأن البهائم وسائر الحيوانات 
غير مكلفين ولا مخاطبين بأحکام الشرعء والإنسان إنما يكلف ويخاطب لأجل معتى آخر 
وجد عنده زائدا خاصا بهء وذلك المعنى هو النفس الناطقة والروح المطمئنة» وهذا الروح 
د عرض لأنه من أمر الله اتعالى كما قال :قل الروح من أمر رب » [الإسراء: 
. وقال: یا ايها التقس المطمئنة YF‏ ارجعي إلى ربك راضية مرضية & [ الفجر : 

[YA YY‏ ا ای هال ی ر عر بل قوة إلهية مثل العقل الأول 
واللوح والتتلم وهى الجواهر المفردة المفارقة للمواد بل هى أضواء مجردة معقولة غير 
محسوسةء والروح والقلب بلساننا من قبل تلك الجواهرء ولا يقبل الفساد ولا يضمحل ولا 
يفنى ولا يموت» بل يفارق البدن وينتظر العود إليه فى يوم القيامة كما ورد فى الشرع وقد 
صح فى العلوم الحكمية بالبراهين القاطعة» والدلائل الواضحة أن الروح الناطق ليس بجسم 
ولا عرض» بل هو جوهر ثابت دائم غير فاسد» ونحن نستغنى عن تكرير البرهان وتعديد 
الدلائل لأنها مقررة مذكورة. فمن أراد تصحيحها فليرجع إلى الكتب الاثقة بذلك الفن. 
فأما فى طريقنا فلا يتأتى بالبرهان بل نعول على العيان ونعتمد على رؤية الإيمانء ولا 
أضاف الله تعالى الروح إلى آمره وتارة إلى عزتهء فقال :ل ونقخت فيه من زوحي ) [الحجر 
4 -ص: ۷۲]. بوتقال: قل الروح م من أمر ربي 4 [الإسراء : 40 وقال: فنفخنا فيه من 
روحتا » [التحريم: ١‏ ].. بوالله تعالى أجل من أن يضيف إلى نفسه جسمًا أو عرضًا لخستهما 
وتغيرهما وسرعة زوالهما وقسادهماء والشارع لله قال: «الأرواح اع جرد معد ةوقال 

لواح الشهذاء فى حواصل طبور حر > والعرض لا يبقى بعد فناء الجوهر لأنه لا يقوم 
بذاته» والجسم يقب يقبل التحليل› هال ا كف و ا اوو ا هی کرو 


د مجموعة رسائل الإمام القزالی سح تح ۲٤١‏ = 
الكتب» فلما وجدنا هذه الآيات والأخبار واليراهين العقلية علمنا أن الروح جوهر فرد كامل 
نى بذاته يتولد منه صلاح الدين وفساده» والروح الطبيعى والحيوانى وجميع القوى البدنية 
كلها من جتوده» وأن هذا الجوهر يقبل صور المعلومات وحقائق الموجودات من غير اشتغال 
بأعيانها وأشخاصهاء فإن التفس قادرة على أن تعلم حقيقة الإنسانية من غير أن ترى إنسانًا 
كما أنها علمت الملائكة والشياطين؛ وما احتاجت إلى رؤية أشخاصها إد لا ينالها حواس 
شر الناس» وقال قوم من المتصوفة إن للقلب عيئًا كما للجسد» فيرى الظواهر بالعين 
ا ويرى الحقائق بعين العقل» وقال رسول اللهعَلاه : اما من عبد إلا وتقلبه عيتان» : 
وما عينان يدرك بهما الغيب» > قإذا أراد الله تعالى بعبد خيرًا فتح قلبه ليرى ما هو غائب 
عن بصرهء وهذا الروح لايموت بموت البدن لأن الله تعالى يدعوه إلى بابه فيقول : 9 ارجعي 
إلى ربك [الفجر: 178. وإنما هو يفارق ويعرض عن البدن» قمن آعراضه تتعطل اال 
القوى الحيوانية والطبيعية قيسكن المتحرك فيقال لذلك السكون: موت وأهل الطريقة. أعنى 
الصوفية . يعتمدون على الروح والقلب أكثر اعتمادًا منهم. على الشخص . وإذا كان الروح 
من أمر البارى تعالى فيكون فى البدن كالغريب» ويكون وجهه إلى أصله وسرجعه . فينال 
الفوائد من جانب الأصل أكثر مما ينال من جهة الشخص إذا قوى ولم يدنس بأدناس 
الطبيعة. وإذا علمت أن الروح جوهر فرد وعلمت أن الجسد لابد له من المكان. والعرض 
لا يبقى إلا بالجوهر. فاعلم أن هذا الجوهر لا يحل فى محل ولا يسكن فى مكان» وليس 
اإبدن مكان الروح ولا محل القلب» بل البدن آلة الروح وأداة: القلب ومركب النفس . 
والروح ذاته غير متصل بأجزاء البدن ولا منقفصل عنه» بل هو مقبل على البدن مفيد له 
منيض عليهء وأول ما يظهر نوره على الدماغ لأن الدماغ مظهره الخاص اتخذ من مقدمه 
«نارسًا. ومن وسطه ورّير ومدیرا» ومن آخره خزانة وخازتًاء ومن جميع الأجزاء رجالا 
وركبانّاء ومن الروح الحيواتى خادمًاء ومن الطبيعى وكيلاء ومن البدن مركبًاء ومن الدنيا 
مداتا ومن الحياة بضاعة ومالأء ومن الحركة تجارة» ومن العلم ريحًا» ومن الآخحرة مقصدا 
ومرجعاء ومن الشرع طريقة ومنهاجاء ومن النفس الأمأرة حارسًا ونقسّاء» ومن اللوامة 
منبهًا. ومن الحواس جواسيس وأعوانًاء ومن الدين درعاء ومن العقل أستادًا. ومن الحجس 
تلميذًا. والرب سبحانه من وراء هذه كلها بالمرصادء والنقس بهذه الصغة مح هذه الآلة ما 
أنبلت على هذا الشخص الكثيف وما اتصلت بذاته بل تنيله الإقادة» ووجهها إلى بارئها 
وأمر بارئها بالاستفادة إلى أجل ممى» فالروح لا يشتغل فى مدة ها السفر إلا بطلب 
العلم لأن العلم يكون حليته فى دار الآخرة لأن حلية المال والبنين زينة حياة الدنياء فكما أن 
العين مشغولة برؤية المنظورات» والسمع مواظب على استماع الأصوات. واللسان مستعد 


حص ١)‏ بسح مجموعةرسائل الإمامالفزالسى سس 
لتركيب الأقوال» والروح الحيوانى مريد اللذات الغضبية» والروح الطبيعى محب للذائذ 
الأكل والشربء كذلك الروح المطمكتة -أعنى القلب- لايريد إلا العلم ولايرضى إلا به 
ويتعلم طول عمره. ويتحلى بالعلم جميع أيامه إلى وقت مفاقته» ولو قبل أمرا آخر دون 
العلم فإنما يقبل عليه لمصلحة البدن لا لمراد ذاته ومحبة أصله. فإذا علمت أحوال الروح 
ودوام بقائه وعشقه للعلم وشغفه به» فيجب عليك أن تعلم أصناف العلم فإنها كثيرة ونحن 
نحصيها بالاختصار. 


فصل فى أصناف العلم وأقسامه 

اعلم أن العلم على قسمين: أحدهما شرعى» والآخر عقلى . وأكثر العلوم الشرعية 
عقلية عند عالمها 0 العلوم العقلية شرعية عند عارفها ومن لم يَجعَل الله لَه نورا فما لَه 
من نور [التور: . 
۰ ا وق القلم الشرعى» فيتسم إلن اتوعيق؛ 

أحدهما: فى الأصول وهو علم اا م وهذا العلم ينظر فى ذات الله تعالى 
وصفاته القدية » وصفاته الفعلية» وصفاته الذاتية المتعددة بالأسامى على الوجه المذكور. 
وينظر أيضًا فى أحوال الأنبياء والأئمة من بعدهم والصحابة. وينظر فى أحوال الموت والحياة 
وفى أحوال القيامة والبعث والحشر والحساب ورؤية الله تعالى وهل النظر فى هذا العلم 
يتمسكون أولا بآيات الله تعالى من القرآنء ثم بأخبار الرسول عه ثم بالدلائل العقلية 
والبراهين القياسية» وأخذوا مقدمات القياس الحدلى والعادى ا من أصحاب المنطق 
الفلسفىء ووضعوا أكثر الألفاظ فى غير مواضعهاء ويعبرون فى عباراتهم بالجوهر والعرض 
والدليل والنظر والاستدلال والحجة» ويختلف معنى كل لفظ من هذه الألفاظ عند كل قوم 
حتى أن الحكماء يعنون بالجوهر شيئًا» والصوفية يعنون شيئًا آخرء والمتكلمون شيئًاء وعلى 
هذا المثال» وليس المراد فى هذه الرسالة تحقيق معانى الألفاظ على حسب آراء القوم» فلا 
نسرع فيها. وهؤلاء القوم مخصوصنن بالكلام فى الأصول وعلم التوحيد ولقبهم 
المتكلمون؛ فإن اسم الكلام اشتهر على علم التورحيد. ومن علم الأصول التفسيرء فإن 
القرآن من أعظم الأشياء وأبينها وأجلها وأعرّها. وفيه من المشكلات الكثيرة ما لا يحيط بها 
کل عقل إلا من أعطاه الله تعالى فهمًا فى كتابه. قال رسول الله عله : اما من آية من آيات 
القرآن إلا وها هر وطن ولبطنه طن إلى سبْعة أبطن». وقن. وؤاية القن E E‏ عله : 
الكل حرف من حروف القرآن حد ولكل حد مطلع» والله تعالى أخبر فى القرآن عن جميع 
العلوم وجلى الموجودات وخفيها وصغيرها وكبيرها ومحسوسها ومعقولها. وإلى هذه 


د مجموعة رسائل الإمامالغرالى - ر 2-06 


الإشارة, يقوله 0 يه ل ال و و 
مفسر أدى حقهء وأى عالم خرج عن عهدته نعم 0 واحد من للفسرين شرع فى شرحه 
بمقدار طاقتهء وخاض فى بيانه بحسب قوة عقلهء وقدر كنه علمه» فكلهم قالوا» وبالحقيقة 
ما قالواء وعلم القرآن يدل على علم الأصول والفروع والشرعى والعقلى. ويجب على 
المفسر أن ينظر فى القرآن من وجه اللغة» ومن وجه الاستعارة. ومن وجه تركيب اللقظ › 
ومن وجه مراتب النحو» ومن وجه عادة العرب» ومن وجه أمور الحكماء ‏ ومن وجه کلام 
المتصوفة حتى يقرب تفسيره إلى التحقيق» ولو يقتصر على وجه واحد ويقنع فى البيان بفن 
واحد لم يخرج عن عهده البيان» ويتوجه عليه حجة الإيمان وإقامة البرهان. ومن علم 
الأصول أيضًا علم الأخبار. فإن التبى عَيْلهُ أفصح العرب والعجم»:وكان معلمًا يوحى إليه 
من قبل الله تعالى» وكان عقله محيطًا بجميع العلويات والسلفيات»ء فكل كلمة من كلماته 
بل لفظة من ألفاظه يوجد تححها بحار الأسرار وكتوز الرموزء فعلم أخياره وهمعرفة أحاديثه 
أمر عظيم » وخطب جليل. لا يقدر أحد أن يحيط بعلم الكلام التيوى إلا آن يهذب نفسه 
بمتابعة الشارع» ويزيل الاعوجاج عن قلبه بتقويم شرع النبى عة » ومن أراد أن يتكلم فى 
تفسير القرآن وتأويل الأخبار ويصيب فى كلامهء فيجب عليه أولاً تحصيل علم انلغة 
والتبحر فى فن النحو. والرسوخ فى ميدان الإعراب» والتصرف فى أصناف. التصريف» فإن 
علم اللغة سلم ومرقاة إلى جميع العلوم. ومن لم يعلم اللغة فلا سبيل له إلى تحصيل 
العلوم. فإن من أراد أن يصعد سطحًا عليه تمهيد المرقاة أولاً ثم بعد ذلك يصعد:وعنلم اللغة 
وسيلة عظيمة» ومرقاة كبيرة» فلا يستغنى طالب العلم عن أحكام اللغةء فعلم اللغة أصل 
الأصول»ء وأول علم اللغة معرفة الأدوات» وهى بمنزلة الكلمات. المفردة» وبعدها معرفة 
الآفعال مثل الثلاثى والرباعى وغيرهماء ويجب. على اللفوى, أن ينظر فى أشعار 
العرب . وأولاها وأتقنها أشعار الجاهلية. فإن فيها تنقيحًا للخاطرء وترويحًا للنفس ومع 
ذلك الشعر والأدوات والآسامى يجب تحصيل علم التحو فإنه لعلم اللغة بمنزلة. ميزان القبان 
للذهب والفضة. والمنطق لعلم الحكمة والعروض للشعرء والذراع للأثواب. والمكيال 
للحبوب» وكل شئ لا يوزن بميزان لا يتبين فيه حقيقة الزيادة والنقصان. فعلم اللغة سبيل 
إلى علم التفسير والأخبار» وعلم القرآن والأخبار دليل على علم التوحيك» وعم التوحيد 
هو الذى لا تنجو نفوس العباد إلا به ولا تتخلص من خوف المعاد إلا به »قهذا تفصيل علم 
الأصول. 

و الثانى: من العلم الشرعى هو علم الفروع. وذلك أن العلم إما أن يكون 

علمياء وإما أن يكون چ وعلم الأصول هو العلمى. وعل الفروع هو العملى» 
وهذا العلم العملى يشتمل على ثلاثة.-حقوق: 


أولها: حق الله تعالى وهو أركان العبادات مثل الطهارة والصلاة والزكاة والحج الجهاد 
والأذكار والأعياد والجمعة وزوائدها من النوافل والفرائض. 

وثانيها: حى العباد وهو أبواب العادات ويجرى فى وجهين: أحدهما: المعاملة مثل 
البيع والشركة والهبة والقرض والدين والقصاص وجميع أبواب الديات» والوجه الثانى : 
المعاقدة مثل النكاح والطلاق والعتق والرق والفرائض ولواحقهاء ويطلق اسم الفقه على 
هذين الحقين. وعلم الفقه علم شريف مفيد عام ضرورى لا يستغنى الناس عنه لعموم 
الضرورة إليه. 

وثالشها: حق النفس» وهو علم الأخلاقء والأخلاق إما مذمومة ويجب رفضها 
وقطعهاء وإما محمودة ويجب تحصيلها وتحلية النفوس بهاء والأخلاق المذمومة والأوصاف 
المحمودة مشهورة فى كتاب الله تعالى وأخبار الرسول عه » من تخلّق بواحد منها دخل 
الجنة . 

وأما القسم الثانى: من العلم فهو العلم العقلى وهو علم معضل مشكل يقع فيه خطأ 
وصواب. وهو موضوع فى ثلاث مراتب: 

المرتبة الأولى: وهو أول المراتب العلم الرياضى والمنطقى . أما الرياضى فمنه الحساب 
وينظر فى العدد والهندسة وهى علم المقادير والأشكال والهيئة أعنى علم الأفلاك والنجوم 
وأقاليم الأرض. وما يتصل بهاء ويتفرع عنه علم النجوم وأحكام المواليد والطوالع» ومنه 
علم المسبقى الناظر فى نسب الآثار» وأما المنطقى فينظر فى طريق الحد والرسم فى الأشياء 
التى تدرك بالتصورء وينظر من طريق القياس والبرهان فى العلوم التى تنال بالتتصديق» 
ويدور علم المنطق على هذه القاعدة يبتدئ بالمفردات ثم بالمركبات. ثم بالقضاياء ثم 
بالقياس» ثم بأقسام القياس» ثم مطلب البرهان وهو نهاية علم المنطق. 

المرتبة الثانية: وهو أوسطها العلم الطبيعى» وصاحبه ينظر فى الجسم المطلق» وأركان 
العالم وفى الجواهر والأعراض» وفى الحركة والسكون» وفى أحوال السموات والأشياء 
الفعلية والانفعالية» ويتولد من هذا العلم النظر فى أحوال مراتب الموجودات وأقسام النفوس 
والأمزجة» وكمية الحواس» وكيفية إدراكها لمحسوساتهاء ثم يؤدى إلى النظر فى علم الطب 
وهو علم الأبدان والعلل والأدوية والمعاللجات وما يتعلق بها.ء ومن فروعه علم الاثار 
العلوية» وعلم المعادنء ومعرفة خواص الأشياءء وينتهى إلى علم صنعة الكيمياء وهى 
معالجة الأجساد المريضة فى أجواف المعادن. 

المرتبة الثالشة: وهى العلياء هى النظر فى الموجودء ثم تقسيمه إلى الواجب 
والممكن »ثم النظر فى الصانع وذاته وجميع صقاته وأفعاله وأمره وحکمه وقضائه وترتب 


ی مججموعةسائل الإمام الفزالى ‏ لس سسب سسحت 7غ 71 اح 


ظهور الموجودات عنهء ثم النظر فى العلويات والجواهر المفردة والعقول المفارقة والنفوس 
الكاملة» ثم النظر فى أحوال الملائكة والشياطين» وينتهى إلى علم النبوات وأمر المعجزات 
وأحوال الكرامات» والنظر فى أحوال النفوس المقدسة وحال النوم واليقظة ومقامات الرؤياء 
ومن فروعه علم الطلسمات والنبرنجات وما يتعلّق بهاء ولهذه العلوم تفاصيل وأعراض 
ومراتب» تحتاج إلى شرح جلى ببرهان بهى ولكن الاقتصار أولى. 


فصل فى علم الصوفيه 

اعلم آن العلم العقلى مفرد بذاته ويتولد منه علم مركب يوجد فيه جميع أحوال 
العلمين المفردين» وذلك العلم المركب علم الصوفيةء وطريقة أحوالهم فإن لهم علمًا 
خاصا بطريقة واضحة مجموعة من العلمين وعلمهم يشتمل على الحال» والوقت والسماع» 
الود وال و الك وال "و الاقات ولحو واف وال وارلا 
والإرادة» والشيخ» والمريد» وما يتعلق بأحوالهم مع الزوائد والأوصاف والمقامات. ونحن 
نتكلم فى هذه العلوم الشلاثة فى كتاب خاص إن شاء الله تعالى: والآن ليس قصدنا إلا 
تعديد العلوم وأصنافها فى هذه الرسالة» وقد اختصرناها وعددناها على طريق الاختصار 
والإيجاز»ء ومن أراد الزيادة وشرح هذه العلوم فليرجع إلى مطالعة الكتب: ولا انتهى 
الكلام فى بيان تعديد أصناف العلوم» فاعلم أنت يقيئًا أن كل فن من هذه الفنون» وكل 
علم من هذه العلوم» يستدعى عدة شرائط لينتقش فى نفوس الطالبين» فبعد تعديد العلوم 
يجب عليك أن تعرف طرق التحصيل فإن لتحصيل العلم طرقًا معيئة نحن نفصلها (إن شاء 


الله) . 
فصل فى بيان التحصيل للعلوم 
اعلم أن العلم الإنسانى يحصل من طريقين » أحدهما: التعليم الإنسانى» والثانى : 
التعليم الريانى 


أما الطريق الأول طرق امهو وملك محدوس» يقر به جع العلا وما 
التعليم الربانى فيكون على وجهين أحدهما: من خارج وهو التحصيل بالتعليم والآخر : 
من داخل وهو الاشتغال بالتفكرء والتفكر من الباطن بمنزلة التعلم فى الظاهر؛ فإن التعلم 
إستفادة الشخص من الشخص الجحزئى» والتفكر استفادة النفس من النفس الكلى» والنفس 
الكلى أشد تأئيرا وأقوى تعليمًا من جميع العلماء والعقلاء» والعلوم مركوزة فى أصل 
النفوس بالقوة كالبذر فى الأرض» والجوهر فى قعر البحرء أو فى قلب المعدن» والتعلم هو 


:سے ۲۴۸ بجت مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


طلب خروج ذلك الشىء من القوة إلى الفعل. والتعليم هو إخراجه من القوة إلى الفعل» 
نفس المتعلم تتشبه بنفس المعلم وتتقرب إليه بالنسبةء فالعالم بالإفادة كالزارع والمتعلم 
بالاستفادة كالأرض. والعلم الذى هو بالقوة كالبذرء والذى بالفعل كالبات فإذا كملت 
نفس المتعلم تكون .كالشجرة المثمرة أو كالجوهر الخارج من قعر البحرء وإذا غلبت القوى 
البدنية على النفس يحتاج المتعلم إلى زيادة التعلم وطول المدة» وتحمل المشقة والتعب وطلب 
الفائدة. وإذا غلب نور العقل على أوصاف الحس يستغنى الطالب بقليل التفكر عن كثرة 
التعلم. فإن نفس القابل تهد من الفوائد بتفكر ساعة ما لا تجد نفس الحامد بتعلم سنة» 
نإذن بعض الناس يحصلون العلوم بالتعلم وبعضهم بالتفكر» والتعسم يحتاج إلى التفكر» 
إن الإنسان لا يقدر أن يتعلم جميع الأشياء الجزئيات والكديات وجميع المعلومات. بل 
بتعلم شيئًا ويستخرج بالتفكر من العلوم شيئًا وأكثر العلوم النظرية والصنائع العلمية 
استخرجها نفوس الحكماء بصفاء ذهنهم» وقوة فكرهم» وحدة حدسهم من غير زيادة تعلم 
وتحصيل» ولولا أن الإنسان يستخرج بالتفكر شِيئّاء من معلومه الأول لكان يطول الأمرعلى 
الناس ولما كانت تزول ظلمة الجهل عن القلوب لأن النفس لا تقدر أن تتعلم جميع مهماتها 
الجزئية والكلية بالتعليم» بل بعضها بالتحصيل وبعضها بالنظر كما يرى عادات الناس» 
وبعضها يستخرج من ضميره بصفاء فكره» وعلى هذا جرت عادة العلماء وتمهدت قواعد 
العلوم. حتى أن المهندس لا يتعلم جميع ما يحتاج إليه فى طول عمرهء بل يتعلم كليات 
علمه وموضوعاته» ثم بعد ذلك يستخرج ويقيس. وكذلك الطبيب لا يقدر أن يتعلم 
جزئيات أدواء الأشخاص وأدويتهم بل يتفكر فى معلوماته الكلية. ويعالج كل شخص 
بحسب مزاجه. وكذلك المنجم يتعلم كليات النجوم ثم يتفكر ويحكم بالأحكام المختلفة. 
وكذلك الفقيه والأديب. وهكذا إلى بدائع الصتائع فواحد وضع آلة الضرب وهو العود 
بتفكره» وآخير استخرج من تلك الآلة آلة أخرى . ركذلك جميع الصنائع البدنية والتفسانية 
أواتلها محصلة من التعلم والبواقى مستخرجة من التفكرء وإذ انفتح باب الفكر على النفس 
علمت كيفية طريق التفكر وكيفية الرجوع بالحدس إلى المطلوب فينشرح قلبه وتنفتح بصيرته 
فيخرج ما فى تفه من القوة إلى الفعل من غير زيادة طلب وطول تعب . 

الطريق الثانى: وهو التعليم الربانى على وجهين: 

الأؤل: إلقاء الوحى وهو أن النفس إذا كملت ذاتها يزول عنها دنس الطبيعة ودرن 
الحرص والأآمل الفانية.. وتقبل بوجهها على بارئها ومنشئها وتتمسك بجود مبدعها وتعتمد 
على إفاوكة وفيض توو والله هال من فا بق غل لك لف إا كلا 
وينظر إليها نظرا إلهِيًا ويتخذ منها لوحًا. ومن النفس الكلى قلمًا وينقش فيها جميع 


س مجموعہ رسائل الإمام الفرالی حت ۲٤۹‏ = 


علومهء ويصير العقل الكلى كالمعلم» والنفس القدية كالمتعلم» فيحصل جميع العلوم 
o iT‏ ومصداق هذا قوله تعالى لنبيه 
لله : .ا وعلّمَك ما لم تكن تعلم © [النساء: ۳ الآية . فعلم الأنبياء أشرف سرتبة من 
جميع علوم الخلائق لأن محصوله عن الله تعالى بلا واسطة ووسيلةء وبيان هذا يوجد فى 
قصة آدم عليه افشلام والملائكة» فإنهم تعلموا طول عمرهمء وحصلوا بفنون الطرق كثيراً 
من العلوم حتى صاروا أعلم المخلوقات وأعرف الموجودات» وآدم عليه السلام ما كان عا 
لأنه ما تعلم وما رأى معلمًا فتفاخرت الملائكة وتجبروا وتكبروا فقالوا :8 ونحن نسبح 
بحمدك ونقدس لك [البقرة: .]٠‏ ونعلم حقائق الأشياء» فرجع آدم عليه السلام إلى 
ات وأخرج قلبه عن جملة. المكونات وأقبل بالاستعانة على الرب تعالى فعلمه 
جميع الأسماء: لثم عرضهم على الملائكة 4 [البقرة: .١‏ فقال: «أنبئوني بأسماء 
هؤلاء إن كنتم صادقین 4 [البقرة: .١‏ فصغر حالهم عند آدم. وقل علمهم وانكسرت 
را ا 
. فقال تعالى: ليا آدم أنبنهم بأسمائهم 4 (البقرة: 7"]. فأنبأهم آدم عليه السلام عدة 
00 العلم ومستترات الأمرء فتقرر الأمر عند العقلاء أن العلم الغيبى المتولّد عن الوحى 
أقوى وأكمل من العلوم المكتسبة» خا ادي إرث الأنبياء وحق الرسل» وأغلق الله 
باب الوحى من عهد سيدنا محمد عَيله» وكان رسول الله عله وخاتم البيين» وكان أعلم 
الناس وأقصح العرب والعجم وكان يقول: «أدبنى ربى فأحسن تأديبى»» وقال لقومه: «أنا 
أعلمكم وأخشاكم من الله تعالى". وإنما كان علمه أكمل وأشرف وأقوى لأنه حصل عن 
التعليم الربانى» وما اشتغل قط بالتعليم والتعليم الإنسانى. قال تعالى: لإ عَلّمَه شديد 
القوئ » (النجم : 6]. 
الوجه الثانى: هو الإلهام» والإلهام تنبيه النفس الكلية للنفس الحزئية الإنسانية على 
قدر صفائها وقبولها وقوة استعدادها والإلهام أثر الوحى فإن الوحى هو تصريح الأمر الغيبى 
والإلهام هو تعريضه. والغلم الحاصل عن الوحى يسمى علما ويا والذى يحصل عن 
الإلهام يسمى علمًا لدنياء والعلم اللدنى هو الذى لا واسطة فى حصوله بين النفس وبين 
البارى» وإنما هو كالضوء من سراج الغيب يقع على قلب صاف فارغ لطيف. وذلك أن 
العلوم كلها حاصلة معلومة فى جوهر النفس الكلية الأولى الذى هو فى الجواهر المفارقة 
الأولية المحضة بالنسبة إلى العقل الأول كنسبة حواء إلى آدم عليه السلام» وقد بين أن العقل 
الكلى أشرف وأكمل وأقوى إلى البارى تعالى من النفس الكلية. والنفس الكلية أعز وألطف 
وأشرف من سائر المخلوقات فمن إفاضة العقل الكلى يت ولد الإلهام ومن إشراق النفس 


ہے .۵ ببح «جموعةرسائل الامامالفزالى سد 
الكلية يتولد الإلهام» فالوحى حلية الأنبياء والإلهام زينة الأولياء. فأما علم الوحى فكما أن 
النفس دون العقل فالولى دون النبى فكذلك الإلهام دون الوحى فهو ضعيف بنسبة الوحى 
قوى بإضافة الرؤيا والعلم علم الأنبياء والأولياء. فأما علم الوحى فخاص بالرسل موقوف 
عله كما كان لادم ونورس عليهها السلام وإبراقيم ومخمد لى الله عام ها وح 
وغيرهم من الرائل» وفرق بين الرسالة والنبوة. فالنبوة قبول النفس القدسية حقائق 
المعلومات والمعقولات إلى المستفيدين والقابلين» وربما يتفق القبول لنفس من النفوس ولا 
يتأتى لها التبليغ لعذر من الأعذار وسبب من الأسبابء والعلم اللدنى يكون لأهل النبوة 
ك عليه السلام حيث أخبر اللّه تعالى عنهء فقال :ل وعلّمنَاه من لَدنا 
علما 4 [الكيف: ه 5]. وقال أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه: «أدخلت 
لسانى فى فمى فانفتح فى قلبى آلف باب من العلم مع كل باب ألف باب»» وقال: «لو 
وضعت لى وسادة وجلست عليها لحكمت لأهل التوراة بتوارتهم ولأهل الإنجيل بإنجيلهمء 
ولأهل القرآن بقرآنهم». وهذه مرتبة لا تنال بمجرد التعلم الإنسانى» بل يتحلى المرء بهذه 
المرتبة بقوة العلم اللدنىء وقال أيضًا فاه يحكى عن عهد موسى عليه السلام أن شرح 
كتابه أربعون حملاً فلو يأذن الله فى شرح معانى الفاتحة لأشرع فيها حتى تبلغ مثل ذلك» 
يعنى أربعين وقرًاء وهذه الكشرة والسعة والانفتاح فى العلم لا يكون إلا لدنيا إلهيا 
ا فإذا أراد الله له تعالى بعبد خيرًا رفع الحجاب بين نفسه وبين النفس التى هو اللوح» 
فيظهر فيها أسرار يعض المكنونات وانتقش فيها معانى تلك المكنونات فتعبر النفس عنها كما 
تشاء لمن يشاء من عباده وحقيقة الحكمة تنال من العلم ا هذه 
المزبة لا يكون حكيما لآن المسكية من مواهب الله تعالى : :9 يۇ تي الحكمة من يشاء ومن 
يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما يذكر إلا أُولوا الألباب 4 البقرة: 4. وذلك لأن 
الواصلين إلى مرتبة العلم اللدنى مستغنون عن كثرة التحصيل وتعب التعليم فيتعلمون قليلاً 
ويعلمون كثيرا ويتعبون يسيرا ويستريحون طويلاً. 

واعلم أن الوحى إذا انقطع . وباب الرسالة إذا انسد استغنى الناس عن الرسل وإظهار 
الدعوة بعد تصحيح الحجة وتكميل الدين؛ كما قال تعالى: ( اليُوم أكملت لكم دينكم 4 
[المائدة: 17. وليس من الحكمة إظهار زيادة الفائدة من غير حاجة. فأما باب الإلهام فلا 
ينسدء ومدد نور النفس الكلية لا ينقطع لدوام ضرورة النفوس وحاجتها إلى تأكيد وتجديد 
وتذكيرء وكما أن الناس استغنوا عن الرسالة والدعوة واحتاجوا إلى التذكير والتنبيه 
لاستغراقهم فى هذه الوساوس وانهماكهم فى هذه الشهوات فالله تعالى أغلق باب الوحى 
وهو آية العباد وفتح باب الإلهام رحمة وهيأ الأمور. ورتب المراتب ليعلموا أن الله لطيف 
بعباده يرزق من يشاء بغير حساب . 


حب مجموعہ رسائلالامام الفرالی ہیی ۲۵١۱‏ = 


فصل فى مراتب النفوس فى تحصيل العلوم 

اعلم أن العلوم مركوزة فى جميع النفوس الإنسانية وككلها قابلة لجميع العلوم وإنما 
يفوت نفسًا من النفوس حظها منه يسبب طارئ وعارض يطرأ عليها من لجار كد قأل 
البى عله : «خلق”الناس حنفاء فاختالتهم الشياطين» . وتال لز : کل موود يولد على 
الفطرة» اديت فالفن التاطفة الإنسانية اهل لإشراق الكلية عليها وسعيدة لقبرل الصزر 
المعقولة عنها بقوة طهارتها الأصلية وصفاتهاء ولكن يمرض بعضها فى هذه الدنيا. ويمتنع 
عن إدراك الحقائق بأمراض مختلفة وأعراض شتىء ويبقى بعضها على الصحة الأصلية بلا 
مرض وفساد. يقبل أبدًا ما دامت حيةء والنفوس الصحيحة هى النفوس النبوية القابلة 
للوحى والتأييد القادرة على إظهار المعجزة والتصرف فى عالم الكون والفسادء فإن تلك 
النفوس باقية على الصحة الأصلية» وما تغيرت أمزجتها بفساد اللأمراض وعلل الأعراض 
نصار الأنبياء أطباء النفوس ودعاة الخلق إلى صحة الفطرة . 

وأما النفوس المريضة' ف هذه الدنيا الدنيئة فصارت على مراتب» بعضهم تأثر بمرض 
المنزل تأثرا ضعيمًا. ودق غمام النسيان فى خواطرهم فيشتغلون بالتعلم . ويطلبون الصحة 
الأصلية فيزول مرضهم بأدنى معالجة. وينقشع غمام نسيانهم بأقل تذكر وبعضهم يتعلمون 
طول عمرهم ويشتغلون بالتعليم ريطلبون الصحة الأصلية فيزول مرضهم بأدنى معالحة. 
وينقشع غمام نسيانهم بأقل تذكر وبعضعهم يتعلمون طول عمرهم ويشتغلون بالتحصيل 
رالتصحيح جميع أيامهم» ولا يفهمون شيئًا لفساد أمزجتهم. لأن المزاج إذا فسد لا يقبل 
العلاج» وبعضهم يتذكرون وينسون ويرتاضون ويذلون أنفسهه ويجدون نور قليلاً وإشرائًا 
ضعيفمًاء وهذا التفاوت إنما ظهر من إقبال النفوس على الدنيا واستغراقها بحسب قوتها 
وضعفها كالصحيح إذا مرض.والمريض إذا صحء وهذه العقدة إذا انحلت تقر النفوس 
بوجود العلم اللدنى وتعلم أنها كانت عالمة فى أول الفطرة وصافية فى ابتداء الاختراع»ء وإنا 
جهلت لأنها مرضت بصحية هذ؛ الحسد الكثيف» والإقامة فى هذا المنزل الكدر والمحل 
المظلم وأنها لا تطلب بالتعلم إيجاد العلم المعدوم. ولا إبداع العقل المفقودء بل إعادتها 
العلم الأصلى الغريزى وإزالة طريان المرض بإقبالها على زينة الجسد وتمهيد قاعدته ونظم 
أساسهء والآب المحب المشفق على ولده إذا أقبل على رعاية الولد. واشتغل بمهماته ينسى 
جميع الأمور ويكتفى بأمر واحد وهو أمر الولد» فالنفس لشدة شغفها وشفقتها أقبلت على 
هذا الهيكل واشتغلت بعمارته ورعايته والاهتمام بمصالحه. و.ستغرقت فى بحر الطبيعة 
بسبب ضعفها وجزثيتها فاحتاجت فى أثناء العمر إلى التعلم طلبًا لتذكار ما قد نسيت». 


سد ن۲۵ لسلس طبس سح وجموعة رسائل الإمامالفزرالى حت 


وطمعًا فى وجدان ما قد فقدت وليس التعلم إلا رجوع النفس إلى جوهرها وإخراج ما فى 
ضميرها إلى الفعل طلرًا لتكميل ذاتها ونيل سعادتهاء وإذا كانت النفوس ضعيفة لا تهتدى 
إلى حقيقة جوهريتها تتمسك وتعتصم بمعلم مشفق عالم وتستغيث به ليعينها على طلب 
مرادها ومأمولها كالمريض الذى يكون جاهلاً بمعالجته ويعلم أن الصحة الشريفة محمودة 
مطلوبة . فيرجع إلى طبيب مشفق» ويعرض حاله عليه ويأوى إليه ليعاللجه ويزيل عنه 
مرضه. وقد رأينا عالًا يمرض بمرض خاص كالرأس والصدر فتعرض نفسه عن جميع العلو 
وينسى معلوماته وتلتبس عليه ويستتر فى حافظته وذاكرته جميع ما حصل فى سابق عمره 
وماضى أيامه . فإذا صح عاد الشفاء إليه يزول النسيان عنه وترجع النفس إلى معلوماتها 
فتتذكر ما قد نسيت فى أيام المرض» فعلمنا أن العلوم ما فنيت وإنما نسيت وفرق بين المحو 
والنسيان بالناس فإن المحو فناء النقوش والرسوم»ء والنسيان التباس النقوش فيكون كالغمام 
أو السحاب الساتر لنور الشمس عن أبصار الناظرين لا كالغروب الذى هو انتقال الشمس 
من فوق الأرض إلى أسفل. فاشتغال النفس بالتعليم هو إزالة المرض العارض عن جوهر 
النفس لتعود إلى ما علمت فى أول الفطرة وعرفت فى بدء الطهارة. فإذا عرفت السبب 
والمراد من التعليم وحقيقة النفس وجوهرها فاعلم أن النفس الريضة محتاج إلى التعليم وإنفا 
قال العمر فى تحصيل العلوم. فأما النفس التى يخف مرضها وتكون علتها ضعيفة وشرها 
دقيقًا وغمامها رقيقًا ومزاجها صحيحاء فلا تحتاج إلى زيادة تعلم وطول تعب بل يكفيها 
أدنى نظر وتفكر لأنها ترجع به إلى أصلهاء وتقبل على بدا'يتها وحقيقتها وتطلع على 
مخفياتها فيخرج ما فيها من القوة إلى الفعل ويصير ما هو مركوز فيها حلية لها فيتم أمرها 
ويكمل شأنها وتعلم أكثر الأشياء فى أقل الأيام وتعبر عن المعلومات بحسن النظام» وتصير 
عالمة كاملة متكلمة تستضئ بإقبال على النفس الكلية وتفيض باستقبال على النفس الحزئية 
وتتشبه من طريق العشق بالأصل. وتقطع عرق الحسد وأصل الحقد وتعرض عن فضول 
الدنيا وزخارفهاء وإذا وصلت إلى هذه المرتبة فقد علمت وغبت وفازت» فهذا هو المطلوب 


سيم الثالن . 


فصل فى حقيقة العلم اللدنى وأسباب حصوله 
اعلم أن العلم اللدنى وهو سريان نور الإلهام يكون بعد التسوية كما قال الله تعالى: 
# ونفس وما سواها # [الشمس: 87. وهذا الرجوع يكون بثلائة أوجه: 
أحدها: تحصيل جميع العلوم وأخذ الحظ الأوفر من أكثرها. 
والشانى: الرياضة الصادقة والمراقبة الصمحيحةء فإن النبى يَلِْهُ أشار إلى هذه 


دج مجموعة رسالل الإمام القزالى سسسب سس حح ۲٣۳‏ = 


الحقيقة» فقال: ١مَنْ‏ عمل بمَا علم أورته الله علم م لَميَعْلَم. وقال يله : «من أخلّص لله 
ربعن صبَاحًا أظهر اله تعالى بتابيع الحكمة من قلبه عَلّى لسانه» . 
والثالث: التفكرء فإن النفس إذا تعلمت وارتاضت بالعلم ثم تتفكر فى معلوماتها 
بشروط الفكر ينفتح عليها باب الغيب كالتاجر الذى يتصرف فى ماله بشرط التصرف ينفتح 
علبه أبواب الربح» وإذا سلك طريق الخطاً يقع فى مهالك الخسران فالمتفكر aT‏ 
العهسواب يصير من ذوى ك E‏ علج الغيب فى قلبه فيضير عانًا كاملا 
عاقلاً ملهمًا و کما قال لل : له : اتفكر ساعة حَبر من عبّادة ستّون سئة» . وشرائط التفكر 
ا ا ا ا رح وعدي ار یا ی چ 
وتفسير بعون الله تعالى. والآن نختم هذه الرسالة» »فإن فى هذه الكلمات كفاية لأهلها: ومن 
لم يجعل الله له نورا فما له من ور [النور : .]:٠‏ والله ولى المؤمنين وعليه التكلان» وصلى 
الله على سيدنا محمد وآله وصخبه وسلم وحسبنا الله ونعم الوكيلء ولاحول ولا قوة إلا بالله 
العلى العظيم» وبه ثقتى فى كل آن وحين والحمد لله رب العالمين. 


فصل النمرقة 
خطبة الرساله 
قال الإمام العالم العامل أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى رحمة الله 
عليه: أحمد الله تعالى استسلامًا لعزته واستتمامًا لنعمتهء واستغنامًا لتوفيقه ومعونته 
وطاعته. واستعصامًا من خذلانه ومعصيته: واستدرانً لسوابغ نعمته ا على محمد 
عبيده ورسوله وخير خليقته» انقيادًا لنبوته واستجلابًا لشفاعته» وقضاء لحق رسالته 
واعتصامًا بيمين سريرته ونقيته» وعلى آله وأصحابه وعترته. 
أما بعد: فإنى رأيتك أيها الأخ المشفق» والصديق المتعصب موغر الصدرء منقسم 
الفكر لما فرغ سمعك من طعن طائفة من الحسدة على بعض كتبنا المصنفة فى أسرار 
معاملات الدين» وزعمهم أن فيها ما يخالف مذهب الأصحاب المتقدمين» والمشايخ 
المتكلمين؛ وأن العدول غلى مذهب الأشعرى ولو فى قيد شبر كفر ومباينته ولو فى شئ نزر 
ضلال وخسرء فهون أيها الأخ المشفق المتعصب على ما يقولون واهجرهم هجر جميلاً» 
واستحقر من لا يحسد ولا يقذف» واستصغر من بالكفر أو الضلال لا يعرف فأى داع أكمل 
وأعقل من سيد المرسلين َيه وقد قالوا: إنه مجنون من المجانين» وأئ كلام أجل وأصدق 


کسی mm ١0١6‏ د مجموعه رسائل الإمامالفزالی س 
من كلام رب العالمين؛ وقد قالوا: إنه أساطير الأوليين» وإياك أن تشتغل بخصامهم وتطمع 
بن ا فان ی غر ن a‏ يت أما سمعت ما قيل: 
٠‏ كل العٌداة قَسلا تُرجَى لائ ها 
إلأعداوة من ااكعن خد 
ول ا فيه مطمع لأحد من الناس» لا تلى على أجلهم رتبة آيات اليأس» أو ما 

جحت قوله: تعالى : لإ وإن كان كبر عليِك إعراضهم إن استطعت أن تبتغي نفقا في الأرض 
أو سلما في السّماء فَأتيهم بآية ولو شاء الله مهم عَلَى الهُدئ فلا نكت من الجاهلين » 
[الأثعام : .٥‏ وقوله تعالى : ( ولو فتحتا عليهم بابا من السماء َظَلُوا فيه يعرجون +( 
لقالوا إِنّمَا مَكْرت أبصارنا بل نحن قوم م مُسحورون » اطع 1ن فد وقرلة كان 
ولو ْنَا عَليِك كتابًا في قرطاسٍ فلمسوه بأيديهم لقال لين كفروا إن هذا إل حر 
مين 4 [الانعام: ۷]. وقوله اتعالى : ل ولو ننا ترا يهم الملائكة وكلمهم اموت ورا 
عليهم كل شيء قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكن أكترهم يَجَهَلُوتَ 4 [الأنعام: 
.]١‏ واعلم أن الفكر والإيمان وحدهماء والحق والضلال وسرهماء لا ينجلى للقلوب 
المدنة بطلب الجاه والمال وحبهماءيل إنما يتكشف دون ذلك لقلوب طهرت عن وسخ 
أوضار الدنيا أولاً» ثم صقلت بالرياضة الكاملة ثانيّاءئم نورت بالذكر الصافى ثالثّاءثم 
عذبت بالفكر الصائب رابعًاء ثم زينت بملازمة حدود الشرع خامسًاء حتى فاض عليها النور 
من مشكاة النبوة» وصارت كأنها مرآة مجلوة»وصار مصباح الإيمان فى زجاجة قلبه مشرق 
الأنوار» يكاد زيته يضئ ولو لم تمسسه نار. وأنى تتجلى أسرار الملكوت لقوم إلههم هواهم 
ومعبودهم سلاطينهم» وقبلتهم دراهمهم ودنانيرهم» وشريعتهم رعونتهم» وإرادتهم جاههم 
وشهواتهمء وعبادتهم خدمتهم أغنياءهم. وذكرهم وساوسهمء وكنزهم سواسهمء وفكرهم 
استتباط الخيل لا تقتضيه حشمتهمء فهؤلاء من أين تتميز لهم ظلمة الكفر من ضياء الإيمانء 
أبإلهام إلهى ولم يفرغوا القلوب عن كدورات الدنيا لقبولها آم بكمال علمى» وإتما بضاعتهم 

فى العلم مألة التجامة وماء الرعفران وآمثالهما؟ هيهات هيهات هذا المطلب أنفس وأعر 

من أن يدرك يالمتىء أو يتال بالهويتا؟ فاشتغل أنت بشانك ولا تضيع فيهمٍ ية 
زمانك :ل فأعرض عن من تولّئ عن ذكرنا وم يرد إلا الحياة الدنيا 455 ذلك مبلغهم من 
العلم إن ربك هو أَعلم بمن ضل عن سبيله وهو أَعلم بمن اهتدى ‏ [التجم: 1 .[T-‏ 


1 

_ 
Oo 
O 


س مجموعة رسائل الإمام الغزالى 


فصل فى حقيقَة الكفروالإيمان 

فأما أنت إن أردت أن تنتزع هذه الحسكة من صدرك» وصدر من هو فى حالك» تمن 
لا تحركه غواية الحسودء ولا تقيده عماية التقليد. بل تعطشه إلى الاستبصار لحزازة إشكال 
آثارها فكرء وهيجها نظرء فخاطب نفسك وصاحبك وطالبه بحد الكفر فإن زعم أن حد 
الكفر ما يخالف مذهب الأشعرى أو مذهب المعتزلى أو مذهب الحنبلى أوغيرهم فاعلم أنه 
غير بليد» قد قيده التقليد فهو أعمى من العميان. فلا تضيع بإصلاحه الزمان» وناهيك 
حجة فى إفحامه»ء مقابلة دعواه بدعوى خصومه., إذ لا يجد بين نفسه وبين سائر المقلدين 
المخالفين له فرقًا وفصلاًء ولعل صاحبه يميل من سائر المذاهب إلى الأشعرى؛: ويزعم أن 
مخالفته فى كل ورد وصدر كفر من الكفر الحلى» فاسأله من أين يثبت له أن يكون الحق 
وفشًا عليه حتى قضى بكفر الباقلانى إذ خالفه فى صفة البقاء لله تعالى. وزعم أنه ليس هو 
وصمًا لله تعالى زائدًا على الذات ولم صار الباقلانى أولى بالكفر بمخالفته الأشعرى من 
الأشعرى بمخالفته الباقلانى؟ ولم صار الحق وفقًا على أحدهما دون الشانى؟ أكان ذلك 
لأجل السبق فى الزمان؟ فقد سبق الأشعرى غيره من المعتزلة فليكن الحق للسابق عليه! أم 
لأجل التفاوت فى الفضل والعلم؟ فبأى ميزان ومكيال قدر درجات الفضل حتى لاح له أن 
لا أفضل فى الوجود من متبوعه ومقلده؟ فإن رخص للباقلانى فى مخالفته فلم حجر على 
غيره؟ وما الفرق بين الباقلانى والكرابيسى والقلانسى وغيرهم؟ وما مدرك التخصيص بهذه 
الرخصة؟ وإن زعم أن خلاف الباقلانى يرجع إلى لنظ لا تحقيق وراءه كما تعسف بتكلفة 
بعض المتعصبين زاعمًا أنهما جميعا مترافقان على دوام الوجود. والخلاف فى أن ذلك يرجع 
إلى الذات أو إلى وصف زائد عليه خلاف قريب لايوجب التشديدء فما ياله يشدد القول 
على المعتزلى فى نفيه الصفات وهو معترف بأن الله تعالى عالم محيط بجميع المعلومات 
فادر على جميع الممكنات» وإنما يخالف الأشعرى فى أنه عالم وقادر بالذات أو بصصفة 
ا ا و ن اا رای مت اجا وأعط :من مشاه اق انه وا 
فى النظر فى نفيها وإثباتها؟ فإن قال: إنما أكفر المعتزلى لأنه يزعم أن الذات الواحدة تصدر 
منها فائدة العلم والقدرة والحياة وهذه صفات مختافة بالحد والحقيقة. والحقائق المختلفة 
تستحيل أن توصف بالاتّحاد أو تقوم مقامها الذات الواحدة فما باله لا يستبعد من اللأشعرى 
قوله: إن الكلام صفة زائدة قائمة بذات الله تعالى ومع كونه واحدًا هو توراة وإنجيل وزبور 
وقرآن» وهو آمر ونهى وخبر واستخبارء وهذه حقائق مختلفة كيف لا وحد الخبر ما يتطرق 
إليه التصديق والتكذيب ولا يتطرق ذلك إلى الأمر والنهى فكيف تكون حقيقة واحدة يتطرق 


کس ۷۵٢‏ ست مجموعة رسائل الإمام الفزالى 
إليها التصديق والتكذيب ولايتطرق فيجمتع النفى والإثيات على شىء واحد فإن نحم 
وشرط المقلد أن يسكت ويسكت عنه لأنه قاصر عن سلوك طريق الحجاج» ولو کان أ 
كان مستتبعًا لا تابعًاء وإمامًا لا مأمومّاء فإن خاض المقلد فى المحاجة فذلك منه. 
والمنتغل به صار كضارب فى حديد بارد وطالب لصلاح الفاسد. وهل يصلح الع 
أفسد الدهر . ولعلك إن أنصفت علمت أن من جعل الحق وققًا على واحد من النظار 
فهو إلى الكفر والتناقض أقرب. أما :لكفرء فلأنه نزله منزلة النبى المعصوم من الزلل 
النظار يوجب النظر وأن لا ترى فى نظرك إلا ما رأيت وكل ما رأيته حجة. وأى فر 
من يقول قلدنى فى مجرد مذهبىء وبين من يقول قلدنى فى مذهبى ودليلى جميعًا 
هذا إلا التناقض . 


فصل في الكقر 

تداك شي اسن طبن كير جا فا ورف و 
المقلدين » فاعلم أن شرح ذلك طويل ومدركه غامض. ولكنى أعطيك علامة ص 
فتطردها وتعكسها لتتخذها مطمح نظرك وترعوى بسيبها عن تكفير الفرق» وتطويل | 
فى أهل الإسلام وإن اختلفت طرقهم ما داموا متمسكين بقول لا إله إلا الله محمد 
الله صادقين بها غير مناقضين لها فأقول: 

الكفر هو تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام فى شئ مما جاء بهء والإيمان ته 
فى جميع ما جاء بهء فاليهودى والنصرانى كافران لتكذيبهما للرسول عليه الصلاة واك 
والبرهمى كافر بالطريق الأولى لأنه أنكر مع رسولنا المرسل سائر الرسل» وهذا لأن 
حكم شرعى كالرق والحرية مثلاً إذ معناه إباحة الدم والحكم بالخلود فى النار ومدركه : 
فيدرك إما بنص وإما بقياس على: منصوص . وقد وردت النصوص فى اليهود والنص 
والتحق بهم بالطريق الأولى البراهمة والثنوية والزنادقة والدهرية» وكلهم مشركون 
مكذبون للرسول فكل كافر مكذب للرسول» وكل كافر مكذب فهو كافر فهذه هى |أ 
المطردة المنعكسة . 


فصل 


اعلم أن الذى ذكرناه مع ظهوره نحته غور بل تحته كل الغور لأن كل فرقة 


کت مبجموعةسائل الإماه الفزالى ‏ ببس سل ست ۲0۷ = 
مخالفها وتسبه إلى تكذيب الرسول عليه الصلاة والسلام» فالخنيلى يكفر الأشعرى زاعمًا 
ه كذب الرسول فى إثبات الفوق لله تعالى وفى الاستواء على العرش» والأشعرى يكفره 
زاعمًا أنه مشبه وكذب الرسول فى أنه ليس كمثله شئ» والأشعرى يكفر المعتزلى زاعمًا أنه 
كذب الرسول فى جواز رؤية الله تعالى وفى إثبات العلم والقدرة والصفات لهء والمعتزلى 
يكفر الأشعرى زاعمًا أن إثيات الصفات تكفير للقدماء وتكذيب للرسول فى التوحيدء ولا 
ينجيك من هذه الورطة إلا أن تعرف حد التكذيب والتصديق وحقيقتهما فيه فيتكشف لك 
علو هذه الفرق وإ سرافها فى تكفير بعضها بعضا. 

فأقول: التصديق إنما يتطرق إلى الخبر بل إلى المخبر» وحقيقة الاعتراف بوجوه ما 
أخبر الرسول نيه عن وجوده إلا آن للوجود خمس مراتب ولأجل الغفلة عنهما نسبت كل 
فرفة مخالفها إلى التكذيب فإن الوجود ذاتى وحسى وخيالى وعقلى وشبهى» فمن اعترف 
بوجود ما أخبر الرسول عليه الصلاة والسلام عن وجوده بوجه من هذه الوجوه الخمسة 
فليس بمكذب على الإطلاق . فلنشرح هذه الأصناف الخمسة ولنذكر مثالها فى التأويلات. 

أما الوجود الذاتى: فهو الوجود الحقيقى الثابت خارج الحس والعقل» ولكن يأخذ 
الحس والعقل عنه صورة فيسمى أخذه إدراكًا وهذا كوجود 'لسموات والأرض والحيوان 
والنبات وهو ظاهر بل هو المعروف الذى لا يعرف الأكثرون للوجود معنى سواه. 

وأما الوجود الحسى: فهو ما يتمثل فى القوة الباصرة من العين ما لا وجود له خارج 
العين فيكون موجودً فى الحس ويختص به الحاس» ولا يشاركه غيره» وذلك كما يشاهده 
' النائم بل كما يشاهده المريض المتيقظ إذ قد تتمثل له صورة ولا وجود لها خارج حسّه حتى 
بشاهدها كما يشاهد سائر الموجودات الخارجة عن حسه» بل قد تتمثل للأنبياء والأولياء فى 
اليففظة والصحة صورة جميلة محاكية لجواهر الملائكةوينتهى إليهم الوحى والإلهام 
براسطتها فيتلقون من أمر الغيب فى اليقظة ما يتلقاه غيرهم فى النوم وذلك لشدة صقاء 
باطنھم» كما قال تعالى :ل فتمثل لها بشرا سويا © امريم: .)٠‏ وكما أنه عليه الصلاة 
والسلام رأى جبريل عليه السلام كثيراًء ولكن ما رآه فى صورته إلامرتين وكان يراه فى 
صور مختلفة يتمثل بها وكما یری رسول الله عله فى المنام؛ وقد قال: «من رآنى فى النوم 
نقد رآنى حقناء فان الشیطان لا بتمثل پی» ولا تكون رؤيته بمعنى انتقال شخصه من روضة 
الدينة إلى موضع النائم» بل هى على سبيل وجود صورته فى الحس النائم فقط» وسيب 
ذلك وسره طويل» وقد شرحناه فى بعض الكتب فإن كنت لا تصدق به فصدق 
عيتك» فإنك تأخذ قبسًا من نار كأنه نقطة ثم تحركه بسرعة حركة مستقيمة فتراه خطًا من 
ذارء وتحركه حركة مستديرة فتراه دائرة من نارء والدائرة والخط مشاهدان وهما موجودان فى 


سے ٢۵۸‏ س مجموعة رسائل الإمامالقزالى حت 


حك لا فى خارج عن حسك» لأن الموجود فى الخارج عى تقطة فى كل حال» وإنما تصير 
خطًا فى أوقات متعاقية قلا يكون الخط موجودًا فى حالة واحدة وهو ثايت فى مشاهدتك 
فى حالة واحدة 

وأما الوجود الخيالى: قهو صورة هذه الحسوسات إذا غايت عن حسك فإنك تقدر 
على أن تخترع.قى يالك صورة فيل وفرس» وإن كنت مغمضًا عينيك حتى كأنك تشاهده 
وهو موجود بکمال صورته قى دماغك لا فى الخارج. 

وآما الوجود العقلى: فهو أن کرو لی دوچ وحققيقة ومعنى فيتلقى العقل مجرد 
معناه دون أن يثبت صورته قى تخيال أوحس أو خارج كائيد مثلاٌ فإن لها صورة محسوسة 
ومتخيلة ولها معتى هو حقيقتها وهى القدرة على البطش.» والقدرة على البطش هى اليد 
العقلية» وللقلم صورةء ولكن حقيقته ما تنقش يه العلومء» وهذا يتلقاه العقل من غير أن 
يكون مقرونًا يصورة قصب وخشب وغير ذلك من الصور الخيالية والحسية. 

وأما الوجود الشبهى: فهو أن يكون تفس الشىء موجودا لا بصورته ولا بحقيقتهء لا 
فی الخارج» ولا قى الحس ولا فى الخيال» ولا فى العقل» ولكن يكون الموجود شيئًا آخر 
يشيهه فى خاصة من خواصهء وصفة من صفاته. وستفهم هذا إذا ذكرت لك مثاله فى 
التأويلات. فهذا مراتب وجود الأشياء ‏ 


قصل 
أسمع الآن أمثلة هذه الدرجات فى التأويلات. آما الوجود الذاتى فلا يحتاج إلى 
مثال وهو الذى يجرى على الظاهر ولا يتأولء وهو الوجود المطلق الحقيقىء وذلك كإخبار 
الرسول عَكهُ عن العرش والكرسى والسموات السيع فإنه يجرى على ظاهره ولا يتأول إذ 
هذه أجسام موجودة فى أنفسها أدركت بالحس والخيال أو لم تدرك. وأما الوجود الحسى 
فأمثلته فى التأويلات كثيرة» واقتع منها بمثالين: 
5 أحدهما: قول رمول الله عي : «يؤتى اوت يوم القَيَامَة فى صورة كبش أمْلَمٍ 
فيذبح بين الجنة والتار٤ء‏ فإن من قام عنذه اليرهان على أن الموت عرض أوعدم عرض» 
وأن قلي العرس عضي مستحيل غير مقدور ينزل الخير على أن أهل القيامة يشاهدون ذلك 
ويعتقدون أنه الموت» ويكون ذلك موجودا فى حسهم لا قى الخارجء ويكون سييًا لحصول 
اليقين باليأس عن الموت بعد ذلك إذ المذبوح ميئوس منه. ومن يقم عنده هذا البرهان 
و 1 و ا ا 0 


عام عله ا أن الأجسام له ak‏ وان المغير له يسع الكيير حمل ذلك 0 


کے ممجموعةرسائل الإعامالقزالى حك م 519 ع 


أن نفس الجنة لم تنتقل إلى الحائط لكن تمثل للحس صورتها فى الحائط حتى كانه 
بشاهدها ولا يمتنع أن يشاهد مثال * شئ كبير فى جرم صغيرء كما تشاهد السماء فى مرأآة 
صخيرة ويكون ذلك إبصار؟ مقارقًا لمجرد تخيل صورة الجنة إذ تدرك التفرقة بين أن ترى 
«صورة السماء فى المرآة وبين أن تغمض عيتيك فتدرك صورة اللسماء ة فى المرآة على سبيل 
التخيل . 

. وأما الوجود الخيالى: فمثاله قوله عله : « کاو أَنْظر إلى يونس بن متى عليه باءئَان 
ألطوانيكان لَى وتجيبه الحبال وآ تعالى يقول له: ليك بايونس)»ء والظاهر آن:هذا إنباء عن 
نشل الصورة فى خياله إذ كان وجود هذه الحالة سابقًا على وجود رسول الله كله وقد 
انعدم ذلك فلم يكن موجودا فى الحال» ولا بيعد أن يقال أيضاء تمثل هذا فى حسه حتى 
صار يشاهده كما يشاهد التائم الصورء ولكن قوله: كأنى أنظرء يشعر بأنه لم يكن حقيقة 
النظر بل كالنظرء والعغرضص التمهيم بالمشال لا عين هذه الصورة وعلى الجملة فكل ما يتمثل 
فى محل الخفيال فيصور أن يتمثل فى محل الإيصار قيكون ذلك مشاهدة وقل ما يتميز 
بالرهان استحالة المشاهلة فيما يتصور فيه التخيل. 

ا فأمثلته كثيرة» افع مها تالو 

أحدهما: و َه : «آخر من يخرج من الثار يعْطَى من الجثة عَشَرَة أمثال هذه 
الدئيا» فإن ظاهر هذا يشير إلى أنه عشرة أمثالها بالطول والعرض والمساحة وهو التفاوت 
الحسى والخيال» ثم قد يتعجب فيقول: إن الجنة فى السماء كما دلّت عليه ظواهر الأخبار» 
فكيف تتسع السماء لعشرة أمثال الدتيا والسماء أيضًا من الدتيات» وقد يقطع المتأول هذا 
التعجب فقول المراد به تقات معتوی عقلى لا حسى ولا خميالى» كما يقال مثلاً هذه 
الجوهرة أضعاف الفرس أى فى روح المالية» ومعناها المدرك دون مساحتها المدركة بالحس 
والتخيل . 

الخال الثانى: قرله عل «إن الله الى حمر طيتة آم بيده أربعين صباحًا» » ققد 
أثبت لله تعالى يدا ومن قام عتده البرهان على استحالة يد الله تعالى هى جارحة محسوسة 
أو متخيلة» فإنه يثبت لله سيحانه يذ روحانية عقلية. أعنى أنه يثيت معنى اليد وحيقيقتها 
وروحها دون موري إن روح اليد ومعناها ما يه بطش ويقعل ويعطى ويمتعء والله تعالى 
يعطى ويمتع بواسطة ملاتكتهء كما قال عليه الصلاة واللام: «أول ما خلق الله العقل فقال 
بك أعطى ويك أمنع». ولا يمكن أن يكون المراد يدل ث العقل عرضًا كما يعتقده المتكلمون 
إذ لا يكن أن يكون العرض أول مخلوق بل يكون ع ارة عن ذات ملك من الملائكة يسمى 
عقلاً من حيث يعقل الأشياء بجوهره وذاته من غ_ حاجة إلى تعليم» وريما يسمى قلمًا 


nt 


مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


3 


باعتيبار أنه تنقش به حقائق العلوم في الواح قلوب الأتبياء والأولياء وسائر الملائكة وحيا 
لهامًا فإنه قد ورد فى حديث آخر: «إن أول ما خَلَق الله تعالى القلّم». فإن لم يرجم ذلك 
1 القن تناقض الحديثانء ويجوز أن يكون لشئ واحد أسماء كثيرة باعتبارات م ختلفة 
فيسمى عقلاً باعتبار ذاته وملكنًا باعتبار نسبته إلى الله تعالى فى كونه واسطة بينه وبين 
الخلقء وقلما باعتبار إضافته إلى ما يصدر منه من نقش العلوم بالإلهام والوحي» كما يسمى 
جبريل روحًا باعتبار ذاته وأميئًا باعتبار ما أودع من الأسرارء وذا مرة باعتبار قدرته» وشديد 
القوى باعتبار كمال قوتهء ومكيئًا عند ذى العرش باعتبار قرب منزلته » ومطاعًا باعتبار 
قوت برعا وى حو وف لكك و کیو ا ا ا 
وخياليًا وكذلك من ذهب إلى أن اليد عبارة عن صفة لله تعالى إما القدرة أو غيرها كما 
اختلف فيه المتكلمون. 
وأما الوجود الشبهى: فمثاله الغضب والشوق والفرح والصبر وغير ذلك مما ورد فى 
حق الله تعالى» فإن الغضب مثلاً حقيقته أنه غليان دم التلب لإرادة التشفى وهذا لا ينفك 
عن نقصان وألمء فو انام عبد اماد N RN‏ 
ذاتيا وحسيا A EE DLL Es‏ رست هوا ما رسيت عن لعفي 
كإرادة العقاب» والإرادة لا تناسب الغضب فى حقيقة ذاته ولكن فى صفة من الصفات 
وتقارنها وأثر من الآثار يصدر عنها وهو الإيلام. فهذه دراجات التأويلات. 


فصل في المصدقين 

اعلم أن كل من نزل قولاً من أقوال صاحب الشرع على درجة من هذه الدرجات 
فهو من المصدقين, وإنما التكذيب أن ينفى جميع هذه المعانى» ويزعم أن ما قاله لا معنى 
له. وإغغا هو كذب محض وغرضه فيما قاله التلبيس أو مصلحة الدنيا وذلك هو الكفر 
المحض والزندقة» ولا يلزم كفر المؤولين ما داموا يلازمون قانون التأويل كما سنشير إليه 
وكيف يلزم الكفر بالتأويل» وما من فريق من أهل الإسلام إلا وهو مضطر إليه . فأبعد الناس 
عن التأويل أحمد بن حنبل رحمة الله عليه» وأبعد التأويلات عن الحقيقة وأغربها أن تجعل 
الكلام مجارًا أو استعارة هو الوجود العقلى والوجود الشبهى» والحنبلى مضطر إليه وقائل 
به» فقد سمعت الثقات من أئمة الحنابلة ببغداد يقولون إن أحمد بن حنبل رحمه الله صرح 
بتأويل ثلاثة أحاديث فقط : 

أحدها: قوله عله : «الحَجر الأمنود يمون اله فى الأرض». 

والثانى: قوله وَللَه : كل المؤمن بين أصبَعيْنَ من أصابع الرحْمن». 


حل مجموعة رسائل الإمام الفزالی یسیک ۲٣۱‏ = 

والثالث: قوله تله : «إتى لأجد تفس الرحمن من قبل اليَمْن». 

فانظر الآن كيف أول هذا حيث قام البرهان عنده على استحالة ظاهرة» فيقول: 
اليمن تقبل فى العادة تقريبًا إلى صاحبهاء والحجر الأسود يقبل أيضًا تقربًا إلى الله تعالى 
فهو مثل اليمن لا فى ذاته ولا فى صفات ذاته. ولكن فى عارض من عوارضه فسمى 
نذلك ييتا. وهذا الوجود هو الذى سميناه الوجود الشبهى وهو أبعد وجود التأويل» فانظر 
كيف اضطر إليه أبعد الناس عن التأويل. وكذلك لما استحال عنده وجود الأصبعين لله 
تعالى ا إذ من فتش عن صدره لم يشاهد فيه أصبعين فتأوله على روح الأصبعين وهى 
الأصبع العقلية الروحانية. أعنى أن روح الأصبع ما به يتيسر تقلب الأشياء. وقلب الإنسان 
بين لمة الملك ولمة الشيطان» وبهما يقلب الله تعالى القلوب» فكنى الأصبعين عنهما. وإغا 
اقتصر أحمد بن حنبل ياه على تأويل هذه الأحاديث الثلاثة لأنه لم تظهر عنده الاستحاله 
إلا فى هذا القدرء لأنه لم يكن تمنعًا فى النظر االعقلى ولو أمعن لظهر له ذلك فى 
الاختصاص بجهة فوق وغيره ما لم يتأوله والأشعرى والمعتزلى لزيادة بحثهما تجاوزا إلى 
تأويل ظواهر كثيرة» وأقرب الناس إلى الحنابلة فى أمور الآخرة الأشعرية وفقهم الله فإنهم 
قرروا فيها أكثر الظواهر إلا يسيراء والمعتزلة أشد منهم توغلاً فى التأويلات وهم مع هذا - 
أعنى الأشعرية- يضطرون أيفًا إلى تأويل أمور كما ذكرناه من قوله: إنه يؤتى يالموت فى 
صورة كبش أملحء وكا ورد “من ورن الأبمال بالميران» فان الاسر اول من وون 
الأعمال فقال: توزن صَحائف الأعمال ويخلق الله فيها أوزانًا بقدر درجات الأعمالء وهذا 
رد إلى الوجود الشبهى البعيد فإن الصحائف أجسام كتب فيه رقوم تدل بالاصطلاح على 
أعمال هى أغراض» فليس الموزون إذا العمل بل محل نقش يدل بالاصطلاح على العمل . 
والمعتزلى تأول نفس الميزان وجعله كناية عن سبب به يتكشف لكل واحد مقدار عملهء وهو 
أبعد عن التعسف فى التأويل بوزن الصحائف. وليس الغرض تصحيح أحد التأويلين» بل 
تعلم أن كل فريق وإن بالغ فى ملازمة الظواهر فهو مضطر إلى التأويل إلا أن يجاوز الحد 
فى الغباوة والتجاهل» فيقول: الحجر الأسود يمين تحقيفّاء والموت وإن كان عرضا فيستحيل 
فنتقل كبشا بطريق الانقلاب» والأعمال وإن كانت أعراضاء وقد عدمت فتنتقل إلى الميزان 
وبكون فيها أعراض هى الثقل» ومن ينتهى إلى هذا الحد من الجهل فقد انخلع من ربقة 
العقل . 


فصل فى الناويل 
فاسمع الآن قانون التأويل» نقد علمت اتفاق الفرق على هذه الدرجات الخمس فى 
التأويل» وإن شيئًا من ذلك من حيز التكذيب» واتفقوا أيضًا على أن جواز ذلك موقوف 


کے ٦‏ بيط بجموعة رسائل الإمامالفزالى س 


على قيام البرهان على استحالة الظاهرء والظاهر الأول هو الوجود الذاتى فإن إذا ثبت 
تضمن الجمع. فإن تعذرء فالوجود الحسى فإنه إن ثبت تضمن ما بعده. فإن تعذرء 
فالوجود الخيالى أو العقلى . وإن تعذرء فالوجود الشبهى المجازى ولا رخصة للعدول عن 
درجة إلى ما دونها إلا بضرورة البرهان فيرجع الاختلاف على التحقيق إلى البراهين. إذ 
يقول الحنيلى : لا برهان على استحالة اختصاص البارى بجهة فوق. 

ويقول الأشعرى: لابرهان على استحالة الرؤية. وكأن كل واحد لا يرضى با ذكره 
الخصم ولا يراه دليلاً قاطعًا. وكيف ما كان فلا ينبغى أن يكفر كل فريق خصمه بأن يراه 
غالطًا فى البرهان. نعم يجوز أن يسميه ضالا أو مبتدعا. أما ضالاً فمن حيث إنه ضل عن 
الطريق عنده» وأما مبتدعًا فمن حيث إنه ابتدع قولاً لم يعهد من السلف الصالح التصريح 
به . إذ المشهور فيما بين السلف أن الله تعالى يرى» فقول القائل: لا يرى بدعة» وتصري نه 
بتأويل الرؤية بدعة» بل إن ظهر عنده أن تلك الرؤية معناها مشاهدة القلب» فينبغى أذ لا 
يظهره ولا يذكره لأن السلف لم يذكروه» لكن عند هذا يقول الحنبلى إثبات الفوق لله عالى 
مشهور عند السلف» ولم يذكر أحد منهم أن خالق العالم ليس متصلاً بالعالم ولا :نفصلاً 
ولا داخلاً ولا خارجاء وأن الجهات الست خالية عنه وأن نسبة جهة فوق إليه كنسبة جهة 
تحت فهذا قول بدع إذ البدعة عبارة عن إحداث مقالة غير مأثورة عن السلف. وعند هذا 
يتضح لك أن ههنا مقامين. 

أحدهما: مقام عوام الخلق. والحق فيه الاتباع والكف عن تغيير الظواهر رأساء 
والحذر عن إبداع التصريح بتأويل لم تصرح به الصحابة وحسم باب السؤال رأسًا والزجر 
عن الخوض فى الكلام والبحث» واتباع ما تشابه من الكتاب والسنة» كما روى عن عمر 
تله أنه سأل سائل عن آيتين متعارضتين فعلاه بالدرة» وكما روى عن مالك رحمه الله أنه 
سئل عن الاستواء فقال: الاستواء معلوم» والإيمان به و'اجبء» والكيفية مجهولة. والسؤال 
عنه بدعة. 

المقام الثانى: بين النظار الذين اضطربت عقائدهم المأثورة المروية» فيتبغى أن يكون 
بحثهم بقدر الضرورةء وتركهم الظاهر يضرورة البرهان القاطع» ولا ينبغى أن يكفر بعضهم 
بعضًا بأن يراه غالطًا فيما يعتقده برهاناء فإن ذلك ليس أمراً ها سهل المدرك وليكن 
للبرهان بينهم قانون متفق عليه يعترف كلهم بهء فإنهم إذا لم يتفقوا فى الميزان لم يمكنهم 
رفع الخلاف بالوزنء وقد ذكرنا الموازين الخمسة فى كتاب (القسطاس المستقيم) وهى التى لا 
يتصور الخلاف فيها بعد فهمها أصلاًء بل يعترف كل من فهمها بأنها مدرك اليقين قطعاء 
والمحصلون لها يسهل عليهم عقد الإنصاف والانتصاف وكشف الغطاء ورفم الاختلاف» 


ولكن لا يستحيل منهم الاختلاف أيضًا إما لقصور بعضهم عن إدراك تمام شروطه. 'وإما فى 
رجوعهم فى النظر إلى محض القريحة والطبع دون الوزن بالميزان» كالذى يرجع بعد نمام 
تعلم العروض فى الشعر إلى الذوق لاستتثقاله عرض كل شعر على العروض فلا يبعد أن 
ينلط. وإما لاختلافهم فى العلوم التى هى مقدمات البراهين. فإن من العلوم التى هى 
أصول البراهين تجريبية وتواترية وغيرهاء والناس يختلفون فى التجربة والتواتر فقد يتواتر 
عند واحد ما لا يتواتر عند غيره» وقد يتولى تجربة ما لا يتولاء غيره. وإما لالتباس قضايا 
الوهم بقضايا العقل. وإما لالتباس الكلمات المشهورة المحمودة بالضروريات والأوليات كما 
فصلنا ذلك فى كتاب (محك النظر)» ولكن بالجملة إذا حصلوا تلك الموازين» وحققوها 
أمكنهم الوقوف عند ترك العناد على موقع الغلط على يسر. 


فصل فى التأويل بغلبات الظنون 
من الناس من يبادر إلى التأويل بغلبات الظنون من غير برهان قاطع ولا ينبغى أن 
يبادر أيضًا إلى كفره فى كل مقام بل ينظر فيه» فإن كان تأويله فى أمر لا يتعلق بأصول 
العقائد ومعماتها فلا نكفرهء وذلك كقول بعض الصوفية إن المراد برؤية الخليل عليه السلام 
الكوكب والقمر والشمس» وقوله هذا ربى غير ظاهرهاء بل هى جواهر نورانية ملكية 
ونورانيتها عقلية لا حسية ولها درجات فى الكمال. ونسبة ما بينها فى التفاوت كنسبة 
الكواكب والقمر والشمس» ويستدل عليه بأن الخليل عليه السلام أجل من أن يعتقد فى 
جسم أنه إله حتى يحتاج إلى أن يشاهد أفوله. أفترى أنه لو لم يأفل أكان يتخذه إلهّاء ولو 
لم يعرف استحالة الإلهية من حيث كونه جسمًا مقدراء واستدل بأنه كيف يمكن أن يكون 
أول ما رآه الكوكب والشمس هى الأظهر وهى أول ما يرى: واستدل بأن الله تعالى قال 
أولا: 8 وكذلك نري إبراهيم مَلَكُوت السّموات والأرض 4 (الانعام: 67. ثم حكى هذا 
القول فكيف يمكن أن يتوهم ذلك بعد كشف الملكوت لهء وهذه دلالات ظنئية وليست 
براهين . 
أما قولهء هو أجل من ذلكء فقد قبل إنه كان صبيًا لما جرى له ذلك ولا يبعد أن 
بخطر لمن سيكون نبي فى صباه مثل هذا الخاطر» ثم يتجاوزه على قرب ولا يبعد أن تكون 
دلالة الأفول على حدوث عنده أظهر من أدلة التقدير والجسمية. 
وأما رؤية الكوكب أولاً فقد روى أنه كان محبوسًا فى صباه فى غار وإنما خرج 
لل 
وأم قوله تعالى أولاً: 9 وكذلك نري إبراهيم ملكوت السَموات والأرض © فبجور 


سے ٦)‏ للست مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


أن يكون الله تعالى قد ذكر حال نهايته ثم رجع إلى ذكر بدايته. فهذه وأمثالها ظنون يظنها 
براهين من لا يعرف حقيقة البرهان وشرطه. فهذا جنس تأويلهم. وقد تأولوا العصا 
والنعلين فى قوله تعالى :ل فاخلع نعليك ‏ الله: 11 رقم « وألق ما في يمينك 4 
[طه: 194]. ول الظن فى مثل هذه اكور القن لاا راموك الاعتقاد تجرى مجرى 
البرهاة كن: أحيول الاعتقاد فلا يكفر فيه ولا يبدع. نعم إن كان فتح هذا الباب يؤدى إلى 
تشويش قلوب العوام فيبدع به خاصة صاحبه فى كل ما لم يؤثر عن اسلف ذكره» ويقرب 
منه قول بعض الباطنة أن عجل السامرى مؤول إذ كيف يخلو خلق كثير عن عاقل يعلم أن 
المنخذ من الذهب لايكون إلهًا؟ وهذا أيضًا ظن إذ لا يستحيل أن تنتهى من الناس إليه 
كعبدة الأصنام. وكونه نادرًا لا يورث يقيئًا. 

ا کی م ها ای ا ملو الاد ال کت كفن ن ر الا بغير 
برهان قاطع » كالذى ينكر حشر الأجساد وينكر العقوبات الحسية فى الآخرة بظنون وأوهام 
واستبعادات من غير برهان قاطع » فیجب نکفیره a‏ إذ لا برهان على استحالة رد 
الأرواح إلى الأجسادء وذكر ذلك عظم الضرر فى الدين فبجب تكفير كل من تعلّق به وهو 
مذهب أكثر الفلاسفة. وكذلك يجب تكفير من قال منهم إن الله تعالى لا يعلم إلا نقسهء 
أو لا يعلم إلا و فأما الأمور الحزئية المتعلقة بالأشخاص فلا يعلمها لأن ذلك 
تكذيب للرسول ينه قطعّاء وليس من قبيل الدرجات التى ذكرناها فى التأويل إذ أدلة 
القرآن والأجبار على تفهيم حشر الأجساد وتفهيم تعلّق علم الله تعالى بتفصيل كل ما 
يجرى على الأ خاص مجاوز حدا لا يقبل التأويل وهم معترفون بأن هذا ليس من 
التأويل» ولكن قالوا: لما كان صلاح الخلق فى أن يعتقدوا حشر الأجساد لقصور عقولهم 
عن فهم المعاد العقلى وكان صلاحهم فى أن يعتقدوا أن الله تعالى عالم بما يجرى عليهم 
ورقيب عليهم ليورث ذلك رغبة ورهبة فى قلوبهم . جاز للرسول أن يفهمهم ذلك ولیس 
بكاذب من أصلح غيره» فقال ما فيه صلاحه وإن لم يكن كما قالهء وهذا القول باطل قطعا 
لأنه تصريح بالتكذيب» ثم طلب عذرًا فى أنه لم يكذب: ويجب إجلال منصب النبوة عن 
هذه الرذيلة ففى الصدق وإصلاح الخلق به مندوحة عن الكذب» وهذه أول درجات 
الزندقة. وهى رتبة بين الاعتزال وبين الزندقة المطلقة» فإن المعتزلة يقرب منهاجهم من 
مناهج الفلاسفة إلا فى هذا الأمر الواحد وهو أن المعتزلى لا يجوز الكذب على الرسول 
عليه السلام بمثل هذا العذرء بل يؤول الظاهر مهما ظهر له بالبرهان خلافه»والفلسفى لا 
يقتصر على مجاوزته للظاهر على ما يقبل التأويل على قرب أو على بعد. 

وأمًا الزندقة المطلقة» فهو أن تنكر أصل العاد عقَايًا وحسياء وتنكر الصانع للعالم 
ا 


س مجموعة رسائل الإمام الفزالمى ‏ سس ست 17070 اح 

أما إثبات المعاد بنوع عقلى مع نفى الآلام واللذات الحسية وإثبات الصانع مع نغى 
000 العلوم فهى زندقة مقيدة بنوع اعتراف يصدق اا و 
عند الله . أن هؤلاء يه لر استفترق أمتى بضعًا وسبعين 
فرقَة كلّهُمْ فى الجن إل الادقة هى فرقة. هذا لفظ الحديث فى بعض الروايات وظاهر 
الحديث يدل على أنه أراد به الزنادقة من أَمَته؛ إذ قال : استفترق أمتى». ومن لم يعترف 
ضري سين امت والذين ينكرون أصل المعاد وأصل الصائم “ليتوا مسر فين لوقه إذ 
يزعمون أن الموت عدم محضص» وأن العالم لم يزل كذلك موجودا بنفسه من غير صانع ولا 
يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر. وينسبون الأنبياء إلى التلبيس فلا يمكن نسبتهم إلى الأمةء 
فإِذًا لا معنى لزندقة هذه الأمة إلا ما ذكرناه. 


فصل فى يبان الزندقه المطلمة 
اعلم أن شرح ما يكفر به وما لا يكفر به يستدعى تفصيلاً يفتقر إلى ذكر كل المقالاات 
والمذاهب» وذكر شبهة كل واحد ودليله ووجه بعده عن الظاهر ووجه تأويله؛ وذلك لا 
مويه مجلدات ولا 3 5 ذلك 2 فاقنع الآن و قم 


000 ل ل ود م رسول الله عل عه بعذر أو 
غير عذرء فإن التفكير فيه خطر والسكوت لا خطر فيه. 

وأما القانون: فهو أن تعلم أن النظريات قسمان: قسم يتعلق بأصول القواعد» وقسم 
يتعلق بالفروع» وأصول الإيمان ثلاث : الإيمان بالله وبرسوله وباليوم الآخر وما ا 
واعلم أنه لا تكفير فى الفروع أصلاً إلا فى مسألة واحدة وهى أن ينكر أصلاً دينيًا علم من 
الرسول نيه بالتواتر» لكن فى بعضها تخطئة كما فى الفقهيات وفى بعضها تبديع كالخطأ 
الغلي: بالاماعة واموال ااا 

واعلم أن الخطأ فى أصل الإمامة وتعينها وشروطها وما يتعلق بها لا يوجب شئ منه 
تكفيراً. فقد أنكر ابن كيسان أصل وجوب الإمامة ولايلزم تكفيره ولايلتفت إلى قوم 
يعظمون أمر الإمامة ويجعلون الإيمان بالإمام مقرونًا بالإيمان بالله وبرسولهء ولا إلى 
خصومهم المكفرين لهم بمجرد مذهبهم فى الإمامة فكل ذلك إسراف إذ ليس فى واحد من 
القولين تكذيب للرسول َه أصلاً» ومهما وجد التكذيب وجب التفكير وإن كان فى 
الفروع. فلو قال قائل مثلاً: البيت الذى بمكة ليس الكعبة التى أمر الله تعالى بحجها فهذا 
كفر» إذا قد ثبت تواتر عن رسول الله يله خلافه. ولو أتكر شهادة الرسول لذلك البيت 


ی ٦١‏ بطلل بح مجموعة رسائل الإمامالفزالى حب 


بأنه الكعبة لم ينفعه إنكاره» بل يعلم قطعًا أنه معاند فى إنكاره إلا أن يكون قريب عهد 
بالإسلام» ولم يتواتر عنده ذلك» وكذلك من نسب عائشة بشع إلى الفاحشة» وقد نزل 
القرآن ببراءتها فهو كافر لآن هذا وأمثاله لا يمكن إلا بتكذيب الرسول أو إنكار التواتر» 
والتواتر ينكره الإنسان بلسانه ولايمكنه أن يجهله بقليه. نعم لو أنكر ما ثبت بأخبار الآحاد 
فلآ ةة الكت لل انكر ما فت بالأجماءة فهذا فيه نظر لأن معرفة كون الإجماع حجة 
قاطعة فيه غموض يعرفه المحصلون لعلم أصول الفقه. وأنكر النظام كون الإجماع حجة 
أصلاً فصار كون الإجماع حجة مختلف فيه فهذا حكم الفروع . 

وأما الأصول الثلاثة: وكل ما لم يحتمل التأويل فى نفسه وتواتر نقله» ولم يتصور 
أن يقوم برهان على خلافه فمخالفته تكذيب محض. ومثاله ما ذكرناه من حشر الأجساد 
والجئة والنار وإحاطة علم الله تعالى بتفاصيل الأمور وما يتطرق إليه احتمال التأويل ولو 
بالمجاز البعيد فينظر فيه إلى البرهان فإن كان قاطعًا وجب القول به» ولكن إن كان فى 
إظهاره مع العوام ضرر لقصور فهمهم فإظهاره بدعة وإن لم يكن البرهان قطعيًا لكن يفيد 
ظنًا غالبّاء وكان مع ذلك لا يعلم ضرره فى الدين كنفى المعتزلى الرؤية عن الله تعالى . 
فهذه بدعة وليس بكفر . 

وأما ما يظهر له ضرر فيقع فى محل الاجتهاد والنظر فيحتمل أن يكفر ويحتمل أن لا 
يكفر. ومن جنس ذلك ما يدعيه بعض من يدعى التصوف أنه قد بلغ حالة بينه وبين الله 
تعالى أسقطت عنه الصلاة وحل له شرب الخمرة والمعاصى وأكل مال السلطان. فهذا ممن لا 
شك فى وجوب قتله وإن كان فى الحكم بخلوده فى النار نظرء وقتل مثل هذا أفضل من 
قتل مائة كافر إذ ضرره فى الدين أعظم وينفتح به باب من الإباحة لا ينسد وضرر هذا فوق 
ضرر من يقول بالإباحة مطلقًا فإنه يمنم عن الإصغاء إليه لظهور كفره. وأما هذا فإنه يهدم 
الشرع من الشرع». ويزعم أنه لم يرتكب فيه إلا تخصيص عموم إذ خصص عموم 
التكليفات بمن ليس له مثل درجته فى الدين» وربما يزعم أنه يلابس ويقارف المعاصى 
بظاهره وهو بباطته برئ عنه. ويتداعى هذا إلى أن يدعى كل فاسق مثل حالة وينحل به 
عصام الدين. ولا ينبغى أن يظن أن التكفير ونفيه ينبغى أن يدرك قطعًا فى كل مقام؛ بل 
التكفير حكم شرعى يرجع إلى إباحة المال وسفك الدم والتكم بالخلود فى النار. فمأخذه 
كمأخدذ سائر الأحكام الشرعية» فتارة يدرك بيقين وتارة بظن غالب» وتارة يتردد فيه» ومهما 
حصل تردد فالوقوف فيه عن التكفير أولى» والمبادرة إلى التكفير إنما تغلب على طباع من 
يغلب عليهم الجهل» ولا بدّ من التنبيه على قاعدة أخرى وهو أن المخالف قد يخالف نصنًا 
متواتراً ويزعم أنه مؤول» ولكن ذكر تأويله لا انقداح له أصلاً فى اللسان لا على بعد ولا 


حب مجموعة رسائل الإمام الفزالی بصتح ۲۱۷ = 
على قرب» فذلك كفر. وصاحبه مکذب وإن کان يزعم آنه مؤرل. مثاله: ما رأيته:فى كلام 
بعض الباطنية أن الله تعالى واحد بمعنى أنه يعطى الوحدة ويخلقها. وعالم بمعنى أنه يعطى 
العلم لغبيره ويخلقه. وموجود بمعنى أنه يوجد غيرهء وإما أن يكون واحدا فى نفسه 
وموجوذا وعالًا على معنى اتصافه فلا. وهذا كفر صراح لأن حمل الوحدة على اتحاد 
الوحدة ليس من الممتأويل فى شىء ولا تحتمله لغة العرب أصلاً». ولو كان خالق الوحدة 
بسمى واحدًا لخلقه الوحدة لسمى ثلانًا وأربعًا لأنه خلق الأعداد أيضنًا. تأمثلة هذه المقالات 
تكذيبات عبر عنها بالتأويلات. 


فصل النظرفى التكفير 

قد فهمت من هذه التكفيرات أن النظر فى التكفير يتعلق بأمور: 

أحدها: أن النص الشرعى الذى عدل به عن ظاهره هل يحتمل التأويل أم لا؟ فإن 
احتمل فهل هو قريب أم بعيد؟ ومعرفة ما يقبل التأويل» وما لا يقبل التأويل ليس بالهين 
بل لا يستقل به إلا الماهر الحاذق فى علم اللغة العارف بأصولهاء ثم بعادة العرب فى 
الاستعمال فى استعاراتها وتجوزاتها ومنهاجها فى ضروب الأمثال. 

الثانى: فى النص المتروك أنه ثبت تواترا أو آحادًا أو بالإجماع المجردء فإن ثبت تواترا 
فهو على شرط التواتر أم لا؟ إذ ربما يظن المستفيض تواتراء وحد التواتر ما لا يمكن الشك 
فيه كالعلم بوجود الأنبياء ووجود البلاد المشهورة وغيرهاء وأنه متواتر فى الأعصار كلها 
عصراً بعد عصر إلى زمان النبوة» فهل يتصور أن يكون قد نقص عدد التواتر فى عصر من 
الأعصار؟ وشرط التواتر أن لا يحتمل ذلك كما فى القرآن» أما فى غير القرآن فيغمض 
مدرك ذلك جذًا ولا يستقبل بإدراكه إلا الباحشون عن كتب التواريخ وأحوال القرون الماضية 
وكتب الأحاديث وأحوال الرجال وأغراضهم فى نقل المقاللات. إذ قد يوجد عدد التواتر فى 
كل عصر ولا يحصل به العلم إذ كان يتصور أن يكون للجميع الكثير رابطة فى التوافق 
لاسيما بعد وقوع التعصب بين أربات المذاهب» ولذلك ترى الروافض يدعون النص على 
على بن أبى طالب فلته» فى الإمامة لتواتره عندهم» وتواتر عند خصومهم فى أشياء كثيرة 
خلاف ما تواتر عندهم لشدة توافق الروافض على إقامة أكاذييهم واتباعها. 

وأما ما يستند إلى الإجماع فدرك ذلك من أغمض الأشياء إذ شرطه أن يجتمع أهل 
الحل والعقد فى صعيد واحدء فيتفقوا على أمر واحد اتفاقًا بلفظ صريح» ثم يستمروا عليه 
مرة عند قوم وإلى تام انقراض العصر عند قومءأو يكاتبهم إمام فى أقطار الأرض فيأخذ 
فتاويهم فى زمام واحد بحيث تتفق أقوالهم اتفاقًا صريحًا حتى يمتنع الرجوع عنه والخلاف 


جد م١١ ım‏ مجموعة رسائل الآإمامالفزالی کد 


بعدهء ثم النظر فى أن من خالف بعده هل يكفر؟ لأنه من الناس من قال إذا جاز فى ذلك 
الوقت أن يختلفوا فيحمل توافقهم على اتفاق ولا يمتنع على واحد منهم أن يرجع بعد 
ذلك وهذا غامض أيفًا . 

الثالث: النظر فى أن صاحب المقال هل تواتر عنده الخبرء أو هل بلغه الإجماع؟ إذ 
كل من يولد لا“تكون الأمور عنده متواترة» ولا موضع الإجماع عنده متميز عن مواضع 
الخلاف. وإنما يدرك ذلك شيئًا فشيئًاء وإنما يعرف ذلك من مطالعة الكتب المصئّفة فى 
الاختلاق والإجماع للسلف. ثم لا يحصل العلم فى ذلك بمطالعة تصنيف ولا تصنيفين إذ 
لا يحصل تواتر الإجماع به. وقد صتف أبو بكر الفارسى رحمه الله كتابًا فى مسائل 
الإجماع وأنكر عليه كثير منه وخولف فى بعض المسائل» فإذًا من خالف الإجماع ولم 
يثبت عنده بعد فهو جاهل مخطئ وليس بمكذب فلا يمكن تكفيره. والاستقلال بمعرفة 
التحقيق فى هذا ليس بيسير. 

الرابع: النظر فى دليله الباعث له على مخالفة الظاهر أهو على شرائط البرهان أم لا؟ 
ومعرفة شرط البرهان لا يمكن شرحها إلا فى مجلدات» وما ذكرنا فى كتاب (القسطاس 
المستقيم)؛ وكتاب (محك النظر) أنموذج منه وتكل قريحة أكثر فقهاء الزمان عن قص شروط 
البرهان على الاستيفاء» ولابد من معرفة ذلك فإن البرهان إذا كان قاطعًا رخص فى التأويل 
وإن كان بعيدًا. فإذا لم يكن قاطعًا لم يرخص إلا فى تأويل قريب سابق إلى الفهم. 

الخامس: النظر فى أن ذكر تلك المقالة هل يعظم ضررها فى الدين أم لا؟ فإن ما لا 
يعظم ضرره فى الدين فالأمر فيه أسهل وإن كان القول شنيعًا وظاهر البطلان كقول الإمامية 
المنتظرة أن الإمام مختف فى سرداب فإنه ينتظر خروجه. فإنه قول كاذب ظاهر اليطلان 
شنيع جداء ولكن لا ضرر فيه على الدين إنما الضرر على الأحمق المعتقد لذلك إذ يخرج 
كل يوم من بلده لاستقبال الإمام حتى يدخل فيرجع إلى بيته خاسنّاء وهذا مثال. والمقصود 
أنه لا ينبغى أن يكفر بكل هذيان وإن كان ظاهر البطلان. فإذا فهمت أن النظر فى التكفير 
موقوف على جميع هذه المقامات التى لا يستقل بآحادها المبرزون علمت أن المبادر إلى تكفير 
من يخالف الأشعرى أوغيره جاهل مجازف» وكيف يستقل الفقيه بمجرد الفقه بهذا الخطب 
العظيم وفى أى ربع من أرباع الفقه يصادف هذه العلوم» فإذا رأيت الفقيه الذى بضاعته 
مجرد الفقه يخوض فى التكفير والتضليل فأعرض عنه ولا تشغل به قلبك ولسانك» فإن 
التحدى بالعلوم غريزة فى الطبع لا يصبر عنه الجهال ولأجله كثر الخلاف بين الناس ولو 
ينكث من الأيدى من لايدرى لقل الخلاف بين الخلق . 


جب محجموعهرسائل الإمامالفزالى لسسع سسب ب بحبح 71 جد 


فصل فى حكم عوامالمسلمين 

من أشد الناس علوا وإسرافًا طائفة من المتكلمين كفروا عوام المسلمين وزعموا أن من 
لا يعرف الكلام معرفتنا ولم يعرف العقائد الشرعية بأدلتنا التى حررناها فهو كافرء فهؤلاء 
ضيقوا رحمة الله« الواسعة على عباده أولاًء وجعلوا الجنة وفقمًا على شرذمة يسيرة من 
المتكلمين ثم جهلوا ما تواتر من السنة ثانيِّاء إذا ظهر لهم فى عصر رسول الله به وعصر 
الصحابة تشغ حكمهم بإسلام طوائف من أجلاف العرب كانوا مشغولين بعبادة الوئن ولم 
يشتغلوا بعلم الدليل» ولو اشتغلوا به لم يفهموه ومن ظن أن مدرك الإيمان الكلام والأدلة 
المجردة والتقسيمات المرتبة فقد أبدع حد الإبداع» بل الإيمان نور يقذفه الله فى قلوب عبيده 
عطية وهدية من عنده. تارة ببينة من الباطن لا يمكنه التعبير عنهاء وتارة بسبب رؤيا فى 
المنام» وتارة بمشاهدة حال رجل متدين وسراية نوره إليه عند صحبته ومجالسته» وتارة 
بقرينة حال. فقد جاء أعرابى إلى النبىءَيكُهُ جاحدا به منكراء فلما وقع بصره على طلعته 
البهية زادها الله شرفًا وكرامة فرآها يتلألاً منها أنوار النبوة» قال: والله ما هذا بوجه كذاب. 
وسأله عرص دادم فأسلمء > وجاء آخر إليه عليه الصلاة ولام وقال: أنشدك الله 
لله بعثك نبيًا؟ فقال عليه الصلاة والسلام: «إى وال الله بعثنى نبيا». فصدقه بيمينه وأسلمء 
وهذا وأمثاله أكثر من أن يحصى ولم يشغل واحد منهم بالكلام وتعليم الأدلةء بل كأن يبدو 
نور الإيمان بمثل هذه القرائن فى قلوبهم لمعة بييضاء ثم لاتزال تزداد إشراقًا بمشاهدة تلك 
الأحوال العظيمة وتلاوة القرآن وتصفية القلوب» فليت شعرى متى نقل عن رسول الله عه أو 
عن الصحابة ف إحضار أعرابى أسلم وقوله له الدليل على أن العالم حادث أنه لا يخلو 
الام و ی ی ردك ا و انق تیا عا يملع ووا د 
زائدة عن الذات لا هى هو ولا هى غيره» إلى غير ذلك من رسوم المتكلمين. 

ولست أقول لم تبر هذه الألغاظ» ولم يجر أيضا ما معناه معنى الألفاظ » بل كان لا 
تنكشف ملحمة إلا عن جماعة من الأجلاف يسلمون تحت ظلال السيوف» وجماعة من 
الأسارى يسلمون واحدا واحدًا يعد طول الزمان أو على القرب. وكائوا إذا نطقوا بكلمة 
الشهادة علموا الصلاة والزكاة وردوا إلى صناعتهم من رعاية الخنم وغيرهاء نعمء لست 
أنكر أنه يجوز أن يكون ذكر أدلّة المتكلمين أحد أسباب الإيمان فى حق بعض الناس» ولكن 
ليس ذلك بمقصور عليه وهو أيفضنًا نادرء بل الأنفع الكلام الجارى فى معرض الوعظ كما 
يشتمل عليه القرآن. فأما الكلام المحرر على رسم المتكلمين فإنه يشعر نفوس المستمعين بأن 


جد ل د مجموعةرسائلالإمامالفزالی د 
فيه صنعة جدل ليعجز عنه العامى لا لكونه حقنًا قى نقسه- وريّما يكون ذلك سببًا لرسوخ 
العناد فى قليهء ولذلك لا ترى مجلس متاظرة للمتكلمين ولا للفقهاء يتكشف عن واحد 
انتقل من الاعتزال أو بدعة إلى غيرهء ولا عن مذهب الشاقعى إلى مذهب أبى حنيقة ولا 
على العكس. وتجرى هذه الانتقالات بأسياب آخر حتى فى القتال يالسيف» ولذلك لم تجر 
غات الف بالدعرة ييقة الخلدلاك» بل كوا العو على من تور في الكلام ويشتفل 
بالبحث والؤال» وإذا تركنا المداهنة ومراقية الجانب صرحنا يأن الخوض فى الكلام حرام 
لكثرة الآفة فيه إلا لأحد شخصين: 

رجل: وقعت له شبهة ليست تزول عن قليه يكلام ریب وعظی ولا بخبر نقلى عن 
رسول الله فيجوز أن يكون القول المرتب الكلامى رافعًا شبهته ودواء له فى مرضه» 
فيست عمل معه ذلك ويحرس عنه سمع الصحيح الذى ليس به ذلك المرض فإنه يوشك أن 
يحرك فى نفسه إشكالاً ويثير له شبهة تمرضه وتتتزله عن اعتقاده المجروم الصحيح . 

الثانى: شخص كامل العقل راسخ القدم فى الدين ثابت الإيمان بأنوار اليقين» يريد 
أن يحصل هذه الصنعة ليداوى بها مريضا إذا وقعت له شيهةء وليقحم بها مبتدعا إذا تبغ 
وليحرس يه معتقله إذا قصد مبتدع اغواءف فتعلم ذلك بهذا العزم كان من فروض 
الكفايات» وتعلم قفر ما يزيل به الشك ويدرأ الشبهة فى -حق المشكل فرض عينء إذا لم 
يمكن إعادة اعتقاده المجزوم بطريق آخر سواه. والحق الصريح أن كل من اعتقد ما جاء به 
الرسول عليه الصلاة والسلام واشتمل عله القرآن اعتقادا جما فهو موّمن وإن لم يعرف 
أدلته» بل الإعان المتقاد من الدليل الكلامى ضعيف جدا مشرف على التزاول بكل شبهة 
بل الإيمان الراسخ إعان العوام الحاصل فى قلوبهم فى الصبا بتواتر الماع أو الحاصل بعد 
البلوغ بقرائن أحوال لايمكن التعبير عنها وتام تأكله يلزومه العيادة والذكرء فإن من تمادت 
به العبادة إلى حقيقة التقوى وتطهير الباطن عن كذورات الدنيا وملازمة ذكر الله تعالى دائمًا 
تجلت له أنوار المعرفة وصارت الأمور التى كان قد آخذها تقايدا عتده كالمعايتة والمشاهدة, 
وذلك حقيقة المعرفة التى لا تحصل إلا بعد انحلال عقدة الاعتقادات واتشراح الصدر بنور 
الله تعالى © أفمن شرح الله صدرة للإسلام فهو عل نور من ريه لالزمر: ' 7]- كما سكل 
رسول الله له عن معنى شرح الصدر فقال: «نور يذ فى قَلب لر ٠»‏ فقيل وما 
علامته؟ قال: «التجافى عن دار الغرور والإتابة إلى دار اللُود. فبهذا 3 أن المتكلم 
المقبل على الدنيا المتهالك عليها غير مدرك حقيقة اللعرقة ولو أدركها لتجافى عن دار الغرور 
قطعًا . 


حب مجموعة رسائلالامام الفرالی سب بي سح ۲۷۱ = 


فصل فی بعت النار 
لعلّك تقول أنت تأخذ التكفير من التكذيب للتصوص الشرعية ‏ والشارع ضلوات الله 
عله هر واالذى ف الرتحعه على كلق دون ا إذ قال ع : "يقول الله تعالى 
لآدم عليه السلام يوم القيامة: ا آدم ابعث من خريتك بعث التار. فيقول: يارب من كم؟ 
تقول من كل الف تسعمائة وتسعة وتسعين». وقأل عليه الصلاآة والسلام: «ستفترق أمتى 
ی َيف وسبعين فرقة الناجية منها واحدم» . 
الجواب: أن الحديث الأول صحيح. ولكن ليس المعنى به أنهم كفار مخلدون بل 
إنهم يدخلون النار ويعرضون a‏ ويتركون فيها بقدر معاصيهم» والمعصوم من المعاصى 
لايكون فى الآلف إلآ واحداء وكذلك قال تعالى: «وإن منكم إلا واردها 4 امريم الا 
ثم بعث النار عبارة عمن استوجب النار يذنويه ويجوز أن يصرقوا عن طريق جهتم بالشفاعة 
كما وردت به الأخبارء وتشهد له الآخيار الكثيرة الدالة على سعة رحمة الله تعالىء وهى 
أكثر من أن متخصى . 
فمنها ما روى عن عائشة مَْتهاء أنها قالت: فقدت التبى عَكِتّهَ ذات ليلة فابتغيته فإذا 
هو فى مشريه يصلى» فرأيت على رآسه آنوارا ثلائة فلما قضى صلاتهء قال : «مهيم من 
هنه؟» قلت: أنا عائشة يارسول اللهء قال: «أَرَأيْت الأنوار التَلّد؟» قلت: نعم يارسول 
الله قال : إن آت أناني من ركى فبشرنى أن الله تَعالى يدْخل اَن من أمَتى سبْعين آلا غير 
حساب ولا عدَاب» ثُم أنانى ذ في النور الثانى آت من ربى فبتسرنى أن الله تَعَالى يذخل الجنة 
م كان ا م ا قن عي ا عير حاب ولاعلّابء ثم آتانی فی 
التور الشالث آت من ري قبشرتی أن الله تعالى يدخل الجدة من أمتى مكان گل واحد من 
السبعين ألما الضاعقة سبعين ألما بغير حساب ولا عذاب» ققلت: يارسول الله لا تبلغ 
أمتك هذا قال: يَكَملُونَ لَكُمْ من الأغراب ممن لا يصوم ولا بصلى»» فهذا وأمثاله من 
الأخبار الدالة على سعة رحمة الله تعالى كيرء فهذا فى أمة محمد عله خاصةء وأنا 
أقول: إن الرحمة تشتمل كيرا من الأمم السالقة وإن كان أكثرهم يعرضون على التارء إما 
عرضة خفيفة حتى فى الحظة أو ساعة» وإما فى مدة حتى يطلق عليهم اسم بعث النار ء بل 
أقول: إن أكثر نصارى الروم والترك فى هذا الززمان تشملهم الرحمة إن شاء الله تعالى. 
أعنى الذين هم فى أقاصى الروم والترك ولم تبلخهم الدعوة فإنهم ثلاثة أصناف: صنف 
لم يبلنهم اسم محمد عَكهَ أصلاً قهم معذورون» وصنتف بلغهم اسمه وتعته وما ظهر عليه 
من المعجزات وهم اللجاورون لبلاد الؤإملام والمخالطون لهم وهم الكقار الملحدون. وصتف 


کک 7077 س ب جح مجموعةرسائل الإمام الفزالى حت 


ثالث بين الدرجتين بلغهم اسم محمد بيه ولم يبلغهم نعته وصفته. بل سمعوا أيضّ منذ 
الصبا أن كذايًا مليسًا اسمه محمد ادعى النبوة» كما سمع صبياننا أن كذابًا يقال له المقفم 
بعثه الله تحدث بالتبوة كاذياء فهؤلاء عندى فى أوصافه فى معنى الصنف الأول فإنهم مع 
أنهم لم يسمعوا اسمه سمعوا ضد أوصافه. وهذا لا يحرك داعية النظر فى الطلب. 

وأما الحديث الآخرهء وهو قوله: الناجية منها واحدة. فالرواية مختلفة فيه. فقد روى 
الهالكة منها واحدة ولكن الأشهر تلك الرواية» ومعنى الناجية هى التى لا تعرض على 
النارء ولا تحماج إلى الشفاعة بل الذى تتعلق به الزبانية لتجره إلى النار فليس بناج على 
الإطلاق وإن انتزع بالشفاعة من مخاليبهم. وفى رواية: كلها فى الجنة إلا الزنادقة وهى 
فرقة. ويمكن أن تككون الروايات كلها صحيحة فتكون الهالكة واحدة هى التى تخلد فى 
النار» ويكون الهالك عبارة عمن وقع اليأس من صلاحه لأن الهالك لا يرجى له بعد 
الهلاك خير وتكون الناجية واحمدة وهى التى تدخل الجنة بغير حساب ولا شفاعة لأن من 
نوقش الحساب فقد عذب فليس بناج إا ومن عرض للشفاعة فقد عرض للمذلة فليس 
بناج أيضًا على الإطلاق» وهذان طريقان وهما عبارتان عن شر الخلق وخيره. وباقى الفرق 
كلهم بين هاتين الدرجتين: فمنهم من يعذب بالحساب فقط». ومنهم من يقرب من النار ثم 
يصرف بالشفاعة» ومنهم من يدخل النار ثم يخرج على قدر خطاياهم قى عقائدهم 
وبدعتهم وعلى كثرة معاصيهم وقلتها. فأما الهالكة المخلدة فى النارمع هذه الأمه فهى فرقة 
زاحو وف التى کیت وعجورتك الكذب: عن “رسوك: الله ع بالمصلحة : 

وأما من سائر الأممء فمن كذبه بعد ما قرع سمعه التوائر عن خروجه وصفته 
ومعجزته الخارقة للعادة كشق القمر وتسبيح الحصى ونبع الماء من بين أصابعه والقرآن المعجز 
الذى تحدى به أهل النصاحة وعجزوا عنه؛ فإذا قرع ذلك سمعه فأعرض عنه وتولى ولم 
ينظر فيه ولم يتأمل ولم يبادر إلى التصديق» فهذا هو الجاحد الكاذب وهو الكافر» ولا 
يدخل فى هذا أكثر الروم والترك الذين بعدت بلادهم عن بلاد المسلمين»ء بل أقول من قرع 
سمعه هذا فلا بد أن تنبعث به داعية الطلب ليستيين حقيقة الأمر إن كان من أهل الدين ولم 
يكن من الذين استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة» فإن لم تنبعث هذه الداعية فذلك لركونه 
إلى الدنيا وتخلوه عن الخوف وختطر أمر الدين وذلك كفرء وإن اتبعثت الداعية فقصر فى 
الطلب فهو أيضًا كفر بل ذو الإيمان بالله واليوم الآخر من أهل كل ملة لا يمكنه أن يفتر عن 
الطلب بعد ظهور المخايل بالأس باب الخارقة للعادة» فإن اشتغل بالنظر والطلب ولم يقصر 
فأدركه الموت قبل تمام التحقيق فهو أيضًا مغفور له ثم له الرحمة الواسعة» فاستوسع رحمة 
الله تعالى ولا تزن الأمور الإلهية بالموازين المختصرة الرسمية . 


ح مجموعه رسال الإمام الفزالى جک ۲۷٣‏ = 


واعلم أن الآحرة قريب من الدنيا فما خلقكم ولا بعثكم إلا كنفس واحدة فكما أن 
أكثر أهل الدنيا فى نعمة وسلامة أو فى حالة يغبطها إذ لو خير بينها وبين الإماتة والإعدام 
مثلاً لاختارهاء وإغا المعذب الذى يتمنى الموت نادرء فكذلك المخلدون فى النار بالإضافة 
إلى الناجين والمخرجين منها فى الآخرة نادر»فإن صقفة الرحمة لا تتغير باختلاف أحوالهاء 
وإنما الدنيا والآخرة عبارتان عن ا ا ار رات ا 
والسلام معنى»؛ حيث قال: اول ما حط انه فى الكتّاب الأول تا الل لا إله إلا آنا سَبِقَت 
رحمتی غضیی فمن شهد أن لا إله إلا الله وآن محمدا عنده ورسوله. قله الجنة». 

واعلم أن أهل الشاك قا- انكشف لهم سبق الرحمة وشمولها بأسباب ومكاشفات 
سوى ما عندهم من الأخبار والآثار» ولكن ذكر ذلك يطول. فأبشر برحمة الله وبالنجاة 
المطلقة إن جمعت بين الإيمان والعمل الصالح» وبالهلاك المطلق إن حلوت عنهما جميعاًء 
وإن كنت صاحب يقين فى أصل التصديق وصاحب خطأ فى بعض التأويل؛ أو صاحب 
شك فيهماء أو صاحب خلط فى الأعمال» فلا تطمع فى النجاة المطلقة . 

واعلم» أنك بين أن تعذب مدة ثم تخلى» وبين أن يشفع فيك من تيقنت صدقه فى 
جميع ما جاء به أو غيره فاجتهد أن يغنيك الله بفضله عن شفاعة الشفعاء فإن الأمر فى 
ذلك مخطر. 


فصل 
قد ظن بعض الناس أن مأخذ التكفير من العقل لا من الشرع» وأن الجاهل بالله كافر 
والعارف به مؤمن. فيال له: الحكم بإباحة الدم والخلود فى النار حكم شرعى لا معنى له 
قبل ورود الشرعء وإن أراد به أن المفهزم من الشارع أن الجاهل بالله هو الكافرء فهذا لا 
يمكن حصره فيه لأن الجاهل بالرسول وبالآخرة أيضًا كافرء ثم إن خصص ذلك بالجهل 
بذات الله تعالى بجحد وجوده أو وحدانيته ولم يطرده فى الصفات فربما سوعد عليه وإن 
جعل المخطئ فى الصفات أيفمًا جاهلاً أو كافرًً لزمه تكنير من نفى صفة اليقاء وصفة 
القدم. ومن نفى الكلام وصمًا زائدًا على العلم» ومن نفى السمع والبصر زائدا على العلم» 
ومن نفى جواز الرؤية» ومن أثبت الجهة وأثبت إرادة حادثة لا فى ذاته ولا فى محل وتكفير 
المخالفين فيه وبالجملة يلزمه التكفير فى كل مسألة تتعلق بصفات الله تعالى وذلك حكم لا 
مستند له» وإن خصص بيعض الصفات دون بعض لم يجد لذلك فصلا ومرداء ولا وجه 
له إلا الضبط بالتكذيب ليعم المكذب بالرسول وبالمعادء ويخرج منه المؤول» ثم لا يبعد أن 
يقع الشك والنظر فى بعض المسائل من جملة التأويل أو التكذيب حتى يكون التأويل بعيدًا 
ويقضى فيه بالظن وموجب الا-جتهاد» فقد عرفت أن هذه مسألة اجتهادية . 


ْ٠‏ فصل 

من الناس من قال إنما أكفر من يكفرنى من القرق» ومن لا يكفرنى قلا وهذا لا 
مأحذ لهء فإن قلل قائل على نذه أولى بالإمامة إذ لم يكن كفراً فبأن يخطى صاحبهء 
ويظ: أن المخالف فيه كافر لا يصير كافرًاء وإنغا هو خخطأ فى مسألة شرعية. وكذلك الحنبلى 
إذا ' لم يكفر بإثبات الجهة فلم يكفر بأن يعلط أو يظن أن تافى الجهة مكذب وليس بمتأول. 
وأما قول رسول الله مله : «إذًا مدق أَحَد الْمنُلمين صاحبه بالكفر فَقَد َاء به أحدهما». 
معناه أن يكفره ه مع عرقت بحاله فمن عرف من غيرء آله مصدق لرصول الله عه ثم يكقره 
فيكون المكقر كافراً. فأما إن كفره لظنه أنه كذب الرسول فهذا غلط منه فى حال شخص 
واحد» إذ قد يظن به أنه كاقر مكذب وليس كذلك وهذا لا يكون كفرا. فقد أفدناك بهذه 
الترديدات التنبيه على أعظم الغور فى هذه القاعدة وعلى القانون الذى ينبغى أن يتبع فيه 
فاقنع به والسلام. 


أيها الولد 
خطبة الرسالة 
الحمد لله رب العالمين» .والعاقبة للمتقينء .والصلاة والسلام على نبيه محمد وآله 
أ-جمعين . 
اعلم» أن واحدا من الطلبة التقدمين لازم خحدمة الشيخ الإمام زين الدين حجة 
الإسلام أبى حامد محمد بن محمد الغزالى قدس الله روحمه واشتعل بالتحصيل وقراءة 
العلم عليه حتى جمع من دقائق العلومء واستكمل من فضائل النفس» ثم إنه فكر يوما فى 
حال نفسه وخطر على باله. ققال : إنى قرأت أنواعا من الحلوم» وصرفت ريعان عمرى 
على تعلمها وجمعها. فالآن ينبغى أن E‏ غذا ويواسنى فى ری واا 
لا يتفعنى حتى أتركه» فنقد قال .رسبول الله يله : «اللّهم | إت ى أعوذ بك من علم لا يْقع٤»‏ 
فاستمرت له هذه الفكرة حتّى كتب إلى حضرة ة الشيخ حجة الإسلام محمد الخزالى رحمة 
الله تعالى عليه استفتاء» .وسأل عنه مسائل والتمس منه نصيحة .ودعاءء وقال: .وإن كان 
مصنفات الشينخ كالإحياء وغيره يشتمل على جواب مسائلى لكن مقصودى أن يكتب الشيخ 
حاجتى فى ورقات تكون معى ملة .حياتى وأعمل يما فيها مدى عمرى إن :شاء الله تعالى» 
فكتب الشيخ هذه الرسالة إليه فى جوابه» والله أعلم . 


کی مجموعة رسائل الإمامالفزالی ببح ٢۷١‏ = 

اعلم أيها الولد المحب أطال الله بقاءك بطاعته: وسلك بك مسيق أحيائه أن منشور 
SS‏ لت 
ی یکی وان لم يلتك مه نمل لى اا ج هن الندين ا 

أيها الولد: aca E‏ قوله: ةراض لله عن 
العّد اشتغالله بها لا يعني وإن اموأ ديت ساعة من عر فى عيْرِ ما خلق لَه دير أن تول 
عليه حسرئه ومن جاور الأربعين ولم غلب خيره شره قليتجهر إلى الثارة. وفى هذه 
التصيحة كماية لأهل العلم . 

أيها الولد: التصيحة سهلة واللشكل قيولها لأتها فى مذءاق متبعى اللهوى مرة إذ المناهى 
ومناقب الدنياء فإنه يحسب أن العلم المجود له سيكون نجاته. وخلاصه فيه وإنه متغن عن 
العمل وهذا اعتقاد الفلاسفة. سبحان الله العظيم لا يعلم هذا القدر أنه حين حصل العلم 
إذا لم يعمل به تكون الحجة عليه آكدء كما قال رسول الله يَيِتّهُ : «أشد التاس عذابًا يوم 
القيامة عالم لا ينقعه الله بعلمه» . 

وروی أن الجنيد قدّس الله سره رئى فى المنام هوته» فقيل له: ما الخبر يا أبا القاسم؟ 
قال: طاحت تلك العيلراتء وفتيت: تلك الإشارات وما نفعنا إلا ركيعات ركعناها فى 
جوف الليل ۔ 

أيها الولد: لا تكن من الأعمال مفلسا» ولا من الأحوال خاليًا وتيقن أن العلم 
المجرد لآ يأخذ اليد. مثاله: لو كان على رجل. فى برية عدشرة أسياف هندية مع أسلحة 
أخرىء وكان الرجل شجاعًا وأنعن د عليه أسد عظيم مهيب فسا ظنك. هل تدفع 
الأسلحة شره عنه بلا استعمالها وضربها؟ قمن المعلوم أنها لا تدفع إلا بالتحريك والضرب» 
فكذا لو قرأ رجل مائة ألف مسألة علمية وتعلّمها ولم يعمل بها ل" تقیده إلا بالعمل » ومثله 





ضا لو کان لرجل حرارة ومرض صفراوى يكون علاجه بالسكتجبين والكشكاب فلا 
تامى تخورزى نباشتدتث. شقليدائى 


ولو قرأت العلم مائة سنة وجمعت ألق كتاب» لا تكون مستعاًا لرحمة الله تعالى 
إلا بالعمل: ل وأن ليس لاإتسات إلا ما سعئ ي (النجم: ٠ (T4‏ فمن کان ي رجو لقاء ربه 
يعمل عملا صالخا » لالكهف: 00 جزاء بما كانوا, يككسبوة» [التوبة: 87] ٠‏ إن 
لين آمنوا وعملوا الصّاات كانت لهم جنات الفردوس نول +530 خالدين فيها لا يبغون 


عنها حولا 4 االكهف: ١١۷‏ 8١1].ء‏ 9 إلا من تاب وآمن وعمل عملا صاححا 4 1 الفرقاد: 
. وما تقول فى هذا الحديث: «بنى الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن 
محمد زسول الله وإقام الصلاة. وإيتاء الزكاة» وصوم رمضان: وحج البيت من استطاع إلبه 
عدا :والأغان كول الان و هدن الاق وغم بالأركان» ردلا الا عمال اکر من ان 
يحصى إن كان الغبد يبلغ الجنة بفضل الله تعالى وكرمهء لكن بعد أن يستعد بطاعته وعبادته 
لأن رحمة الله قريب من المحسنين» ولو قيل أيضًا يبلغ بمجرد الإيمانء قلنا: نعم» لكن متى 
يبلغ؟ وكم من عقبة كؤود يقطعها إلى أن يصل؟ فأول تلك العقبات عقبة الإيمان»وأنه هل 
يسلم من سلب الإيمان أم لا؟ وإذا وصل» هل يكون خائتنًا مفلسا؟ وقال الحسن البصرى: 
يقول الله تعالى لعباده يوم القيامة: ادخلوا يا عبادى الجنة برحمتى واقتسموها بأعمالكم . 

أيها الولد: مالم تعمل لم تجد الأجر. 

حكى أن رجلاً من بنى إسرائيل عبد الله تعالى سبعين سنة فأراد الله تعالى أن يجلوه 
على الملائكة فأرسل الله إليه ملكا يخبره أنه مع تلك العبادة لا يليق به دخول الجنة. فلما 
بلغه قال العابد: نحن خلقنا للعبادة فيتبغى لنا أن نعبده» فلما رجع الملك قال: إلهى أنت 
أعلم بما قال» فقال الله تعالى : 'إذا هو لم يعرض حر ل ا رات 
عنه. اشهدوا باملائكتى أنى قد غفرت له1. قال رسول الله عو : احاسبوا أنفسكم قَبْل أن 
تحاسبوا وزنوا أعمالكم قبل أن توزنوا». وقال على فش : (من ظن أنه بدون الجهد يصل 
فهو متمن. ومن ظن أنه ببذل الجهد يصل فهو مستغن). وثال الحسن رحمه الله تعالى: 
(طلب الجنة بلا عمل ذنب من الذنوب). وقال: علامة الحسقيقة ترك ملاحظة العمل لا ترك 
العمل . وقال رسول الله عه : "الكيّس من دان تقْسَه وعمل ا بَعْد المت والأحمق مَن البَع 
هواه وتمتی على الله تَعالى الأمانى». 

أيها الولد: كم .من ليال أحييتها بتكراز العلم :ومطالعة:النكتب وخرهت على نفسك 
النوم» لا أعلم ما كان الباعث فيه إن كان نيل عرض الدنيا و-جذب حطامها وتحصيل مناصها 
والمباهاة على الأقران والأمثال فويل لك ثم ويل لك. وإن كان قصدك فيه إحياء شريعة 
النبى عله وتهذيب أخلاقك وكر النفس الأمارة بالسوء» فطوبى لك ثم طوبى لك. ولقد 
صدق من قال شعر: 

ور اترو لن هك خاد 

وبكاؤمن لف يرق قدة باطل 

أيها الولد: عش ما شئت فإنك ميت وأحبب من شنت فإنك مفارقه» واعمل ما 

شئت فإنك مجزى به. 


کے مجموعة رسائل الإمام الفزالى ا سس كب للست 777 جح 


أيها الولد: أى شىء حاصل لك e‏ والخلاف والطب والدواوين 
والأشعار والنجوم والعروض والنحو والتصريف غير تضييع العمر بخلاف ذى الجلال» إنى 
رأيت قى إنجيل عيسى عليه الصلاة والسلام» قال: e‏ أن يوضع الميت على الجنازة 
إلى أن يوضع على شفير القبر يسأل الله بعظمته منه أربعين سؤالاء لله أوله يقول عبدى 
طهرت منظر الخلّق سنين وما طهرت منظرى ساعة وكل يوم بنظر فى قلبك يقول: ما تصنع 
لغيرى وأنت محفوف بخيرىء أما أنت أصم لا تسمع. 

أيها الولد: العلم بلا عمل جنون» والعمل بغير علم لا يكون. 

واعلم أن العلم لا يبعدك اليوم عن المعاصى» ولا يحملك على الطاعة» ولن يبعدك 
غدا عن نار جهنم» وإذا لم تعمل اليوم ولم تدارك الأيام الماضية تقول غلا يوم القيامة» 
فارجعنا نعمل صالكحاء فيقال: يا أحمق أنت من هناك جىئ . 

أيها الولد: اجعل الهمة فى الروح» والهزيمة فى النفس» والموت فى البدن لأن 
منزلك القبرء وأهل المقابر ينتظرونك فى كل لحظة متى تصل إليهم إياك إياك أن تصل 
إليهم بلا زاد» وقال أبو بكر الصديق شه : هذه الأجاد قفص الطيورء واصطبل 
الدواب» فتفكر فى نفسك من أيهما أنت. إن كنت من الطيور العلوية فحين تسمع طنين 
طبل ارجعى إلى ربك تطير صاعد إلى أن تقعد فى أعالى بروج الجنان» كما قال رسول الله 
عله : : «اهتز عرش الرحمن من موت سعد بن معاذا . والعياذ بالله إن كنت من الدواب» 
کما قال الله تعالی :ل اولك کالأنعام بل هم أضل که الاعراف: 1.۹ .فلا تأمن انتقالك من 
زاوية الدار إلى هاوية النار» وروى أن الحسن البصرى رحمه الله تعالى أعطى شربة ماء بارد 
فأخذ القدح وغشى عليه وسقط من يده» فلما أفاق قيل له: مالك يا أبا سعيد؟ قال: 
ذكرت أمنية أهل النار حين يقولون لأهل الجنة أفيضوا علينا من الماء أو مما رزقكم الله . 

أيها الولد: لوكان العلم المجرد كافيًا لك ولا تحتاج إلى عمل سواهء لكان نداء: هل 
من سائل» هل من مستغفرء هل من تائب ضائعاء بلا فائدة. 00 


ا أجمعين ذكروا عبد الله بن عمر عند رسول الله عله فقال: نعم الرجل هو» 
و کان صلی بالليّل» وقال عليه السلام لرجل من أصحابه ع E‏ إن 
كثْرَة النوم بالليل دع صاحبه فقيرا يوم القيامة» . 


أيها الولد: : ومن الليل فتهجد به: اي وبالأسحار هم يستغفرون فدرم والمستغفرون 
بالأسحار ا لبا الم انان أصوات يحبها الله تَعَالى: صوت الديك» وصوات 


الْذى يقْراً القرآن وصوت الُستغفرين بالأسْحار». قال سفيان الشورى» ريه اله تعالى 
له إن اله تبارك و کو بالأسحار ر تحمل الأذكار والاستغفار إلى الملك الجبار 3 


صصح ٢۷۸‏ سس مجموعة رسائل الامام الفرالس سد 


وقال ايغتاء که زفقل خان اد ن ت ال آلا لم القابدون مسموهرن 
ریصلون ما شاء الله ثم ينادى مناد فى شطر الليل: ألا ليقيم القانتون» فيقومون ويصلون 
.لى السحرء فإذا كان السحر نادى مناد: ألا ليقيم المستغفرون فيقومون ويستغفرونء فإذا 
طلم الجر ادى ادر آلا لقم الحافلوة:فيفوصوت: من فروفهم كالرق روا من 
ا ف 
أيها الولد: روى فى وصايا لقمان الحكيم لابنه أنه قال: يا بنى لا يكونن الديك 
أكيس منك يتنادى بالأسحار وأنت نائم» ولقد أحسن من قال شعراً: 
لقدهتفت فى جنح ليل حمامة 
على فتن وهناوائىلتائم 
تيت وت لقال عي و ا ا 
لاسب قتى بالبكاء عالقمًائم 
رارق انی همائوذو صطباسابة 
لربى فلا أبكى» وتبكى الل هائم 
أيها الولد: خلاصة العلم أن تعلم أن الطاعة والعبادة ماهى . 
اعلم : أنا الطاعة والعبادة متابعة الشارع فى الأوامر والنواهى»بالقول والفعل. يعنى 
كل ما تقول وتفعل وتترك ويكون باقتداء الشرع» كما لو صمت يوم العيد وأيام التشريق 
تكن عاصيًاء أو صليت فى ثوب مخصوب وإن كانت صورة عبادة تأئم . 
أيها الولد: ينبغى لك أن يكون قولك وفعلك موافتًا للشرع إذ العلم والعمل بلا 
اققداء الشرع ضلالة» وينبغى لك أن لا تغتر بالشطح وطامات الصوفية لأن سلوك هذا 
الطريق يكون بالمجاهدة وقطع شهوة النفس وقتل هواها بسيف الرياضة لا بالطامات 
والترهات . 
واعلم» أن اللسان المطلق والقلب المطبى المملوء بالخفلة والشهوة علامة الشقاوةء 
حتى لا تقتل التفس بصدق المجاهدة لن يحيى قلبك بأنوار المعرفة. 
واعلم أن بعض مسائلك التى سألتنى عنها لا يستقيه جوابها بالكتابة والقول إن لم 
تبلغ تلك الحالة تعرف ماهى؛ وإلا فعلمها من المستحيلات لأنها ذوقية» وكل ما يكون 
ذوقيًا لا يستقيم وصفه بالقول كحلاوة الحلو ومرارة المر لايعرف إلا بالذوق. كما حكى أن 
عنينًا كتب إلى صاحب له أن عرفنى لذة المجامعة كيف تكون» فكتب له فى جوابه: يا فلان 
إنى كنت حسبتك عنيئًا فقط . الآن عرفت أنك عنين وأحمق. لأن هذه اللذه ذوقية إن تصل 
إليها تعرف» وإلا لا يستقيم وصفها بالقول والكتابة . 





حح مجموعة رسائل الإمامالفزالى ۹ - 


أيها الولد: بعض مسائلك من هذا القبيل» وأما اليبعض الذى يستقيم له الجواب فقد 
ذكرناه فى إحياء العلوم وغيره. وتذكر ههنا نبدأ منه ونشير إليه فنقول : قد وجب على 
السالك أربعة أمور: 

الأمر الأوّل: اعتقاد صحيح لا يكون فيه بدعة. 

والثانى: توبة نصوح لا يرجع بعدها إلى الزلة . 

والثالث: استرضاء الخصوم حتى لا يبقى لاحد عليك حق. 

الرابع: تحصيل علم الشريعة قدر ما تؤدى به أوامر الله تعالى .ثم من العلوم الآخرة 
ما يكون به النجاة. 

حكى أن الشبلى رحمه الله خدم أربعمائة أستاذ» وقال: قرأت أربعة آلاف حديث» 
ثم اخترت منها حديئًا واحدًا وعملت به وخليت ما سواه لأنى تأملته فوجدت خلاصى 
ونجاتى فيه . وكأن علم الأولين والآخرين كله مندرجًا فيه فاكتفيت بهء وذلك أن رسول الله 
عله قال لبعض أصحابه: «اعمل لدئيّاكَ بقّدر مقامك فيهاء واعمل لآخرتك بقدر بقائك 
فيهاء واعمل لله بقدر حاجتك إِلَيْه واعمّل للنار بِقَدر صبْرك علَيْها : 

أيها الولد: إن عضت هذا الحديث احا إلى العلم الكثيرء وتأمل فى حكاية 
أخرى: وذلك أن حائًا الأصم كان من أصحاب الشقيق لشقيق البلخى رحمة الله تعالى عليهماء 
فسأله يومًا قال: صاحبتنى منذ ثلاثين سنة ما حصلت فيها؟ قال: حصلت ثمانى فوائد من 
اقلم وغ تكن م لان ارس خو هار ا كمال ی ای ال ات 
الأصم : 

الفائدة الأولى: إنى نظرت إلى الخلق فرأيت لكل e‏ ومعشوقًا يحبه 
ويعشقه وبعض ذلك المحبوب يصاحبه إلى مرض الموت وبعضه إلى شفير القبر» ثم يرجم 
كله ويتركه فريدا وحيدا ولا يدخل معه فى قبره منهم أحدء فتفكرت وقلت: أفضل 
محبوب المرء ما يدخل معه فى قبره ويؤانسه فيه فما وجدت غير الأعمال الصالحة فأخذتها 
محبوبا لی لتكون سراجًا لى فى قبرى» وتؤانسنى فيه ولا تتركنى فريداً. 

الفائدة الثانية: إنى رأيت الخلق يقتدون بأهوائهمٍ ويبادرون إلى مرادات ا 
فتأملت قوله تعالى: لإ وأما من خاف مقام ربّه ونهى النفس عن الهرى 4# إن الجنة هي 
المأوى » 1النازعات: .]١ ٠‏ وتيقنت أن القرآن حق صادق فبادرت إلى خلاف نفسى 
وتشمرت بمجاهدتها وما متعتها بهواها حتى رضيت بطاعة الله سبحانه وتعالى وانقادت. 

الفائدة العالثة: إتى رايت كل واحدسن الثاس يسع فى جع خطام الدنيا ثم كما 
قابضًا يده عليهء فتأملت فى قوله تعالى: فإ ما عند كم ينقد وما عند الله باق & [النحل: 35 


فبذلت محصولى من الدنيا لوجه الله تعالى» ففرقته بين المساكين ليكون ذخيرًا لى عند الله 
تعالى . ٠‏ 

الفائدة الرابعة: إنى رأيت بعض الخلق ظن شرفه وعزه فى كثرة الأقوام والعشائر 
فاغتر بهم» وزتم آخر أنه فى ثروة الأموال وكثرة الأولاد فافتخروا بهاءوحسب بعضهم 
الشرف والعز فى غصب أموال الناس وظلمهم وسفك دمائهمء واعتقدت طائفة أنه فى 
إتلاف المال وإسرافه وتبذيره» وتأملت فى قوله تعالى إن أكرمكم عند الله أنقاكم 4 
[الحجرات: .]١‏ فاخترت التقوى واعتقدت أن القرآن حق صادق وظنهم وحسبانهم كلها 
بطل رال 

الفائدة الخامسة: إنى رأيت الناس يم بعضهم بعضا ويغتاب بعضهم بعضاء فوت 
ذلك من الحسد فى الال والجاه والعلم فتأملت فى قوله تعالى :9 نحن قسمنا بنهم 
معيشتهم في الحياة الدنْيًا 4 [الزخرف: ؟1"]. فعلمت أن القسمة كانت من الله تعالى فى 
الآزل فما حسدت اح ورضيت بقسمة الله تعالى . 

الفائدة السادسة: إنى رأيت الناس 0 
تعالى : 9 إن الشَيْطان لكم عدو فَاتَخذُوه عدوا افاطر: ٦‏ . فعلمت أنه لا يجوز عداوة 
آخرغير الشيطان. 

والفائدة السابعة: إنى رأيت كل أحد يسعى بجد ويجتهد ببالغة لطب القوت 
والمعاش بحيث چ فى شبهة وجرا ويذل نمسهء وينقص قدرهء فتأملت فى قوله 
تعالى: لإ وما من دابّة في الأرض إلا على الله رزقها 4 [هود: 1. فعلمت أن رزقى على الله 
تعالى» وقد ضمنئه فاشتغلت بعبادته وقطعت طمعى عمن سواه. 

الفائدة الثامنة: إنى رأيت كل واحد معتمدًا على شىء مخلوق بعضهم إلى الدينار 
والدرهم» وبعضهم إلى المال والملك» وبعضهم إلى الجوفة والصناعةء وبعضهمٍ إلى مخلوق 
مثله» فتأملت فی قوله تعالی :ل ومن يتو کل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل 
الله لكل شيء قَدرا 4 [الطلاق: *]. فتوكلت على الله تعالى فهو حسبى ونعم الوكيل» فقال 
شقيق: وفقك الله تعالى إنى قد نظرت التوراة والإنجيل والزبور والفرقان» فوجدت الكتب 
الأربعة تدور على هذه الفوائد الثمانية» فمن عمل بها كان عاملاً بهذه الكتب الأربعة. 

أيها الولد: قد علمت من هاتين الحكايتين أنك لا تحتاج إلى تكثير العلم» والآن أبين 
جب على شالك شيا الحو 

فاعلم أنه ينبغى للسالك شيخ مرشد مربى ليخرج الأخلاق السيئة منه بتربيته ويجعل 
مكانها خلقًا حسئًا. ومعنى التربية يشبه فعل الفلاج الذى يقلع الشوك ويخرج النباتات 


جس محجموعةرسائلالإمامالفزالى ا عب سسسب ب نت انراد 


الأجنبية من بين الزرع ليحسن نباته ويكمل ريعه» ولا بد للسالك من شيخ يؤديه ويرشده 
إلى سبيل الله تعالىء لأن الله أرسل للعباد رسولاً للإرشاد إلى سبيلهء فإذا ارتحل عه فقد 
خلف الخلفاء فى مكانه حتى يرشدوا إلى الله تعالى: وشرط الشيخ الذى يصلح أن يكون 
نابا لرسول الله صلوات الله وسلامه عليه وأن يكتون عالماء ولكن لا كل عالم يصلح 
غو باتني أن للك يعدن غاد لن مل الا جال بح ا دی كل أبطد أنه 
مرشد. 

فنقول: من يعرض عن حب الدنيا وحب الجا وكان قد تابع لشخص بصير 
يتسلسل متابعته إلى سيد المرسلين مه وكان محسنًا رياضة نفسه من قلة الأكل والقول 
والنوم» وكثرة الصلوات والصدقة والصوم» وكان متابعته الشيخ البصير جاعلا محاسن 
الآخلاق له سيرة كالصبر والصلاة والشكر والتوكل واليقين والقناعة وطمأنيئة النفس والحلم 
والتواضع والعلم والصدق والحياء والوفاء والوقار والسكون والتأتى وأمثالهاء فهو إِذا نور 
من أنوار النبى عله يصلح للاقتداء به» ولكن وجود مثله نادر أعر من الكبريت 
الأحمر» ومن ساعدته السعادة فوجد شيخًا كما ذكرنا وقبله الشيخ ينبغى أن يحترمه ظاهرا 
وباطنًا. أما احترام الظاهر فهو أن لا يجادله ولا يشتغل بالاحتجاج معه فى كل مسألة وإن 
علم خطأه. ولا يلقى بين يديه سجادته إلا وقت أداء الصلاة فإذا فرغ يرفعهاء ولا يكثر 
نوافل الصلاة بحضرته» ويعمل ما يأمره الشيخ من العمل بقدر وسعه وطاقته. وأما احترام 
الباطن فهو أن كل ما يسمع ويقبل منه فى الظاهر لاينكره فى الباطن لا فعلاً ولا قولا لثلا 
يتسم بالنفاق» وإن لم يستطع يترك صحبته إلى أن يوافق باطنه ظاهره» ويحترز عن مجالسة 
صاحب السوء ليقصر ولاية شياطين الجن والإنس من صحن قلبه فيصفى عن لوث 
الشيطنةء وعلى كل حال يختار الفقبر على الغنى. ثم اعلم. أن التصوف له خصلتان: 
الاستقامة والسكون عن الخلق. فمن استقام وأحسن خلقه بالناس وعاملهم بالحلم فهو 
صوفى . والاستقامة أن يفدى حظ نفسه لنفسهء وحسن الخلق مع الناس أن لا تحمل الناس 
على مراد نفسك بل تحمل نفسك على مرادهم ما لم يخالفو' الشرعء ثم إنك سألتنى عن 
العبودية» وهى ثلاثة أشياء أحدها: محافظة أمر الشرع» وثانيها: الرضاء بالقضاء والقدر 
وقسمة الله تعالى» وثألشها: ترك رضاء نفسك فى طلب رضاء الله تعالى». وسألتنى عن 
التوكل هو أن تستحكم اعتقادك بالله تعالى فيما وعد يعنى تعتقد أن ما قدر لك سيصل 
إليك لا محالة وإن اجتهد كل من فى العالم على صرفه عنك؛ وما لم يكتب لن يصل 
إليك وإن ساعدك جميع العالم. وسألتنى عن الإخلاص» وهو أن تكون أعمالك كلها لله 
تعالى ولايرتاح قلبك بمحامد الناس ولا تبالى بمذمتهم. واعلم. أن الرياء يتولّد من تعظيم 


سے ۲٣٢‏ سسحت مجموعة رسائل الإمام الفزالى س 


الخلق» وعلاجه أن تراهم مسخرين تحت القدرة وتحسبهم كالجمادات فى عدم قلارة إيصال 
الراحة والمشقة لتخلص من مراءاتهم» ومتى تحسبهم ذوى قدرة وإرادة لن يبعد عنك الرياء. 

أيها الولد: والباقى من مسائلك بعضها مسطور فى مصنفاتى فاطلبه منه وكتابة بعضها 
حرام اعمل أنت بما تعمل ليكشف لك ما لم تعلم. 
٠‏ أيها الولد:.بعد اليوم لا تسآلنى ما أشكل عليك إلا بلسان الجنان قوله تعالى :ولو 
نهم صبروا حت تخرج إِلَيهم لكان خيرا لهم 4 [الحجرات: [o‏ 0 
السلام حين قال: لفلا تسالني عن شيء حتّئ أحدث لَك منه ذكرا 4 (الكهف: ولا 
کک تبلغ أو أنه يكشف لك وتراه: « سأريكم آياتي فلا ا 

'. فلا تسألنى قبل الوقت: وتيقن أنك لا تصل إلا بالسير لقوله تعالى: «أولم 
ار ۹ غافر: ۲۱]. 

أيها الولد: بالله إن تسر تر العجائب فى كل منزل» وابذل روحك فإن رأس هذا 
الأمر بذل الروح كما قال ذو النون المصرى رحمه الله تعالى لأحد من تلامذته : إن قدرت 
على بذل الروح فتعال وإلا فلا تشتغل بترهات الصوفية . 

أيها الولد: إنى أنصحك بثمانية أشياء اقبلها منى لثلا يكون علمك خصهمًا عليك يوم 
القيامة» تعمل منها أربعة» وتدع منها أربعة أما اللواتى تدع: 

أحدها: أن لا تناظر أحدًا فى مسألة ما استطعت لأن فيها آيات كثيرة فإثمها أكبر من 
نفعهاء إذ هى منبع كل خلق ذميم كالرياء والحسد والكبر والحقد والعداوة والمباهاة وغيرهاء 
نعم لو وقع مسألة بينك وبين شخص أوقوم وكانت إر'دتك فيها أن تظهر الحق ولا يضيع 
جاز البحث لكن لتلك الإرادة علامتان: إحداهما: أن لا تفرق بين أن يتكشف الحق على 
لسانك أو على لسان غيرك» والثانية: أن. يكون البحث فى الخلاء أحب إليك من أن يكون 
فى الملأء واسمع إنى أذكر لك ههنا فائدة. واعلم أن السؤال عن المشكلات عرض مرض 
القلب إلى الطبيب والجواب له سعى لإصلاح مرضه. واعلم: أن الجاهلين المرضى قلوبهم 
والعلماء الأطباء والعالم الناقص لا يحسن المعالجة والعالم الكامل لا يعالج كل مريض بل 
يعالج من يرجو فيه قبول المعالجة والصلاح. وإذا كانت العلّة مزمنة أو عقيمًا لا تقبل 
ات فحذاقة الطبيب فيه أن يقول هذا لايقبل العلاج فلا تشتغل فيه بمداواته لأن فيه 

تضييع العمر» ثم اعلمء أن مرض الجهل على أربعة أنواع : 

أحدها: يقبل العلاج والباقى لا يقبل أما الذى لايقبل اأحدها» من كان سؤاله 
واعتراضه عن حسده وبغضه فكلما تجيبه بأحسن الجواب وأفصحه وأوضحه فلا يزيد له 
ذلك إلا بغضا وعداوة وحسداء فالطريق أن لا تشغل بجوابه فقد قيل: 


سیک مجموعۂ رسائل الإمامالغزالی سیک 888 اح 


و ا 
إلاعداوة من عاداك عن حطسد 

فينبغى أن تعرض عنه وتتركه مع مرضهء قال الله تعالى : ل فأعرض عن من تولئ عن 
ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيًا © [التجم: 8. والحسود بكل ما يقول ويفعل أوقد النار فى 
زرع علمه» الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الخطب . 

والثانى: أن تكون علته من الحماقة وهو أيضًا لا يقبل العلاج» كما قال عيسى عليه 
السلام : إنى ما عجزت عن إحياء الموتى وقد عجزت عن معالجة الأحمق» وذلك رجل 
يشتغل بطلب العلم زمنًا قليلاً ويتعلم شينًا من العلم العقلى والشرعى فيسأل ويعترض من 
حماقته على العالم الكبير الذى مضى عمره فى العلوم العقلية والشرعية» وهذا الأحمق لم 
يعلم ويظن أن ما أشكل عليه هو أيضًا مشكل للعالم الكبير» فإذا لم يعلم هذا القدر يكون 
سؤاله من الحماقة؛ فينبغى أن لا يشتغل بجوابه. 

والثالث: أن يكون مسترشدا وكل ما لا يفهم من كلام الأكابر يحمل على قصور 
فهمه وكان سؤاله للاستفادة لكن يكون بليدا لا يدرك إلحقائق ق فلا ينيغى الاشتغال بجوابه 
أيضاء كما قال رسول الله َه انحن مَعَاشرٌ الأنْبيّاء أمرنا أن نُكَلُمْ الئاس عَلَى قَدَر 
عفولهم». وأما المرض الذى يقبل العلاج فهو أن يكون مسترشها عاقلا فهمًا لا يكون 
مغلوب الحسد والغضب وحب الشهوة والجاه والمال» ويكون طالب الطريق المستقيم ولم 
يكن سؤاله واعتراضه عن حسد وتعئت وامتحان» وهذا يقبل العلاج فيجوز أن تشتغل 
بجواب سؤاله بل يجب عليك إجابته . 

والرابع: مما تدع وهو أن تحذر من أن تكون واعظًا ومذكرًا لأن فيه آفة كثيرة إلا أن 
تعمل بما تقول أولاً» ثم تعظ به الناس فتفكر فيما قيل لعيسى عليه السلام: يا ابن مريم عظ 
نفسك فإن اتعظت فعظ الناس وإلا فاستحى من ربك. وإن ابتليت بهذا العمل فاحترز عن 
خصلتين: 

الأولى : . : عن التكلّف فى الكلام بالعبارات والإشارات والطامات والأبيات والأشعار 
لآة الله تغالى يفف المتكلفين » والمكلق المتجاور عن الحد يذل على رات الباطن وغفلة 
القلب. ومعنى التذكير أن يذكر العبد نار الآخرة وتقصير نفسه فى خدمة الخالق» ويتفكر 
فى عمره الماضى الذى أفناه فيما لايعنيه؛ ويتفكر فيما بين يديه من العقبات من عدم الإيمان 
فى الخاتمة وكيفية حاله فى قبض. ملك الموت» وهل يقدر على جواب منكر ونكير؛ ويهتم 
بحاله فى القيامة وموابقهاء وهل يعبر عن الصراط سالا أم يقع فى الهاوية؛ ويستمر ذكر 
هذه الأشياء فى قلبه فيزعجه عن قراره» فغليان هذه النيران وتوجه هذه المصائب يسمى 


:4 لل لقح مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


تذكيراً وإعلامهم الخلق واطلاعهم على هذه الأشياء وتنبيههم على تقصيرهم وتفطيرهم 
وتبصيرهم بعيوب أنفسهم التمس حرارة هذه النيران أهل المجلس وتجزعهم تلك المصائب 
ليتداركو؟ العمر الماضى بقدر الطاقة». وينحسروا على الأيام الخالية فى غير طاعة الله تعالى» 
هذه الجملة على هذا الطريق يسمى وعظًا كما لو رأيت أن السيل قد هجم على دار أحد 
وكان هو وأهله فيها فتقول: الحذر الحذرء فروا من السيل وهل يشتهى قلبك فى هذه الحالة 
أن تخبر صاحب الدار خبرك بتكليف العبارات والتكت والإشارات فلا تشتهى البتة فكذلك 
حال الواعظ فينبغى أن يجتنبها . 

والخصلة الثانية: أن لاتكون همتك فى وعظك أن ينفر الخلق فى مجلك ويظهروا 
الوجد ويشقوا الثياب ليقال نعم المجلس هذاء لأن كله ميل للدنيا وهو يتولّد من الغفلة» بل 
ينبغى أن يكون عزمك وهمتك أن تدعو الناس من الدنيا إلى الآخرةء ومن المعصية إلى 
الطاعة ومن الحرص إلى الزهد» ومن البخل إلى السخاءء ومن الغرور إلى التقوى وتحبب 
إليهم الآخرة وتبغض إليهم الدنياء وتعلمهم علم العبادة والزهد لأن الغالب فى طباعهم 
الزيغ عن منهج الشرع والسعى فيما لا يرضى الله تعالى به» والاستعثار بالأخلاق الردية 
فألق فى قلوبهم الرعب وروعهم وحذرهم عما يستقبلون من المخارف» ولعل صفات 
باطنهم تتغير ومعاملة ظاهرهم تتبدل» وينظروا الحرص والرغية فى الطاعة» والرجوع عن 
المعصية» وهذا طريق الوعظ والنصيحة» وكل وعظ لا يكون هكذا فهو وبال على من قال 
ويسمع. بل قيل إنه غول وشيطان يذهب بالخلق عن طريق ويهلكهم. فيجب عليهم أن 
يفروا منه لأن ما يفيد هذا القائل من دينهم لا يستطيع يمله الشيطان» ومن كانت له يد 
وقدرة يجب عليه أن ينزله عن منابر المواعظ ويمنعه عما بياشرء فإنه من جملة الأمر 
بالمعروف والنهى عن المنكر . 

والثالث: مما تدع أنه لا تخالط الأمراء والسلاطين» ولا تراهم لأن رؤيتهم ومجالسهم 
ومخالطتهم آفة عظيمة» ولو ابتليت بها دع عنك مدحهم وثناءهم لأن الله تعالى يغضب إذا 
مدح الفاسق والظالم» ومن دعا بطول بقائهم فقد أحب أن يعصى الله فى أرضه. 

والرابع: مما تدع أن لا تقبل شيا من عطاء الأمراء وهداياهم وإن علمت أنها من 
الحلال لأن الطمع منهم يفسد الدين لآنه يتولد منه المداهنة ومراعاة جانبهم والموافقة فى 
ظلمهم» وهذا كله فساد فى الدين وأقل مضرته أنك إذا قبلت عطاياهم وانتفعت من دنياهم 
أحببته ومن أحب أحدا يحب طول عمره وبقائه بالضرورة» وفى محبة بقاء الظالم إرادة فى 
الظلم على عباد الله تعالى وإرادة خراب العالم» فآى شىء يكون أضر من هذا الدين 
والعاقية» وإياك وإياك أن يخدعك استهواء الشياطين أو قال بعض الناس لك بأن الأفضل 


والأولى أن تأخذ الدينار والدرهم منهم وتفرقها بين الفقراء والمساكين» فإنهم ينفقون فى 
الفسق والمعصية.ء وإنفاقك على ضعفاء الناس خير من إنفاقهم , فإن اللعين قد قطع أعناق 
كثيرة من الناس بهذه الوسوسة. وقد ذكرناه فى إحياء العلوم فاطلبه ثمة. 

ونا الأربعة الى شق للك آن شعلي]: 

الأول: أن تجعل معاملتك مع الله تعالى بحيث لو عامل معك بها عبدك ترضى بها 
منه ولا يضيق خاطرك عليه ولا تغضب. والذى لا ترضى لنفسك من عبدك المجازى فلا 
ترضى أيضًا لله تعالى وهو سيّدك الحقيقى. 

والثانى: كلما عملت بالناس اجعله كما ترضى لنفسك منهم لأنه لايكمل إيمان عبد 
حتى يحب لسائر الناس ما يحب لنفسه. 

والغنالك: إذا'قنزات العلم أو 'طالعنته يشل أن يكون علمك يتضلم قلبك ويزكى 
نفسك» كما لو علمت أن عمرك ما يبقى غير أسبوع» فبالضرورة لا تشتغل فيها بعلم الفقه 
والأخلاق والأصول والكلام وأمثالها لأنك تعلم أن هذه العلوم لا تغنيك» بل تشتغل 
بمراقبة القلب ومعرفة صفات النفس» والإعراض عن علائى الدنياء وتزكى نفسك عن 
الأخلاق الذميمة وتشتغل بمحبة الله تعالى وعبادتهء والاتّصاف بالأوصاف الحسنة. ولا يمر 
على عبد يوم وليلة إلا ويمكن أن يكون موته فيه. 

أيها الولد: اسمع منى كلاما آخر وتفكر فيه حتى تهد خلاصا لو أنك أخبرت أن 
السلطان بعد أسبوع يختارك وزيراً. اعلم أنك فى تلك المدة لا تشتغل إلا بإصلاح ما 
علمت أن نظر السلطان سيقع عليه من الثياب والبدن ولاو اراش وغيرعاء والان تفكر 
إلى ا ا ت و ی ر کی أليس قال رسول الله عله َيه : «إن الله لا 
ينظ إلى صو ركم ولا إلى أعمَالكم.ولكن بنظر إلى قلويكم ونيائكم) واف اروت غ 
أحوال القلب فانظر إلى الإحياء وغيره من مصنفاتى. وهذا العلم فرض عين وغيره فرض 
كفاية إلا مقدار ما يؤدى به فراتض الله تعالى وهو يوفقك حتى تحصله. 

والرابع: أن لا تجمع من الدنيا أكثر من كفاية سنةء كما كان رسول الله عله يعد 
ذلك لبعض حجراتهء وقال: الهم اجعل قوت آل محمد كقاا». ولم يكن يعد ذلك لكل 
حجراته بل كان يعده لمن علم أن فى قلبها ضعماء راا ا کان فداه و ن ا 
لها أكثر من قوت يوم ونصف . 

أيها الولد: إنى كتبت فى هذا الفصل ملتمساتك فينبغى لك أن تعمل بها ولا تنسانى 
فيه من أن تذكرنى فى صالح دعائك. وأما الدعاء الذى سألت منى فاطلبه من دعوات 
الصحاح واقرأ هذا الدعاء فى أوقاتك خصوصاً أعقاب صلواتكء» اللهم إنى أسألك من 


کک ٣١‏ مس7 بجموعة رسائل الإمام الفزالى “د 


النعمة تمامهاء ومن العصمة دوامهاء ومن الرحمة شمولهاء ومن العافية حصولهاء ومن 
العيش أرغده» ومن العمر أسعده» ومن الإحسان أتمه» ومن الإنعام أعمه. ومن الفضل 
أعذبه» ومن اللطف أقربهء اللهم كن لنا ولا تكن عليناء اللهم اختم بالسعادة آجالناء 
وحقق بالزيادة آمالناء واقرن بالعافية غدونا وأصالناء واجعل إلى رحمتك مصيرنا 
ومآلناء واصبب سجال عفوك على ذنوبناءومن عليد بإصلاح عيوبناء واجعل التقوى 
زادناءوفى دينك اجتهادناء وعليك توكلنا واعتمادناء اللهم ثبتنا على نهج الاستقامة» 
وأعذنا فى الدنيا من موجبات الندامة يوم القيامة» وخفف عنا ثقل الأوزار» وارزقنا عيشة 
الأبرار» واكفنا واصرف عنا شر الأشرارء واعتق رقابنا ورقاب آبائنا وأمهاتنا وإخواننا 
وأخواتنا من النار بيرحمتك ياعزيز يا غمار ياكريم ياسّار يا عليم ياجبار يا الله ياالله ياالله 
برحمتك يا أرحم الراحمين» ويا أول الأولينء ويا آخر الآخرين ويا ذا القوة المتين» ويا 
راحم الماكين» ويا أرحم الراحمين» لا إله إلا أنت سبحانك إنى كنت من الظالمينء 
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجميعن والحمد لله رب العالمين. 


مشكاة الأنوار 

ؤس اميه 

خطبة الرساله 
الحمد لله مفيضص الأنوار» وفاتح الأبصارء وكاشف الأسرار» وراقع الأستارء والصلاة 
على محمد نور الأنوار» وسيك الأبرارء و حبيبه الحبارء وبشير الغفار» ونذير القهارء وقامع 
أما بعدء فقد سألتنى أيها الأخ الكريم قيضك الله لطلب السعادة الكبرى» ورشحك 
للعروج إلى الذروة العلياء وكحل بنور الحقيقة بصيرتك› ونعى عما سوى الحق سريرتك أن 
أبث إليك أسرار الانوار الإليهة مقرونة بما يشير إليه ظواهر الآيات المتلوة والآخيار المروية 
مثل قوله تعالى : ل الله تور السموات والأرض & االنور : (To‏ ومعنى تشبيهه ذلك بالمشكاة 
والزجاجة واللصباح والريت والشجرة مع قوله ع : : إن ف سبَعِينَ آلف حجاب من تور 

اده اع سے ىس ق E‏ ا روي 
ولم َو شمه ل حْرَقت سبحات وجهه كل من أذر كه دصره»» ولقف لرتقيت” يؤالك 
می صا کن رة آغالته مرا أعين التاظريق + وقرعت بايا مغلمًا لا يتفتح إلا 
للعلماء الراسخين» ثم ليس كل سر يكشف ويغشى» ولا كل حقيقة تعرض وتحلى يل 
38 2 دعوت ا ده بعرو عورالا بر ع اعم 

سيد الأولين والآخرين : «إن من العلم كهية الَكون لا يَعْلَمه إلا العلّماء بلله فَإِدا توا به 


ح بمبجووعةرسائ ل الإمامالقزالى حبس سسسب ۲۸۷ = 


لم يئكره عَلَيْهم إلا أَمْل الاغترار بالله4: ومهما كثر أهل الاغترار بالله وجب حفظ الأسرار 
عن وجه الأشرارء لكنى أراك منشرح الصدر بالنور نره السر عن ظلمات الغرور فلا أشح 
عليك بالإشارة إلى لوامع ولوائح والرمز إلى حقائق ودقائق. فليس الظالم فى كف العلم 
عن أهله بأقل منه بثه إلى غير أهله فقد قيل: 

من مح ابل ل ل | أن اء 7 

وَسَنْمَتَعَ ال توج بين قَقَدَظَلمْ 

فاقنع بإشارات مختصرة»ء وتلويحات موجزة فإن تحقيقى القول فيه يستدعى تمهيد 
1 3 5 عي دخ 2 3 : 
أصول»وشرح فصول ليس يتسع له الآن وقتى ولا ينصرف إليه دصى ولا عمىء ومفاتيح 
القلوب بيد الله يفتحها إذا شاء كما شاء با شاء» وإنما ينفتح فى هذا الوقت فصول ثلاثة: 


الفصل الأول 
فى بيان أن النورالحق هو الله تعالى وأن اسم النورلغيره 
مجازمحض لا حقيقة له 


وبياته بأن تعرف معنى النور بالوضع الأول عند العوام» ثم بالوضع الثانى عند 
الختواص» ثم بالوضع الثالث عند خواص الخواص» ثم تعرف درجات النور المنسوبة إلى 
الخواص وحقائقها ليتكشف لك عند ظهور درجاتها أن الله تعالى هو النور الأعلى الأقصىء 
وعند انكشاف حقاتقها أنه النور الحق الحقيقى وحده لا شريك له فيه. أما الوضع الأول 
العامى فالنور يشير إلى الظهور والظهور أمر إضافى إذ يظهر الشئ لا محالة لغيره ويبطن 
عن غيره فيكون ظاهرًا بالإضافة باطنًا بالإضافة وإضافة ظهوره إلى الإدراكات لامحالة. 
وأقوى الإدراكات وأجلها عند العوام الحواس ومنها حاسة البصرء والآشياء بالإضافة إلى 
الحس البصرى ثلاثة أقسام: منها ما لا يبصر بنفسه كالأجسام المظلمة» ومنها ما يبصر بنفسه 
ولا يبصر به غيره كالأجسام المضيئة مثل الكواكب وجسم النار إذا لم تكن مشعلةء ومنها ما 
يبصر به غيره كالشمس والقمر والنيران المشعلة والسرج» والنور اسم لهذا القسم الثالث» ثم 
تارة يطلق على ما يفيض من هذه الأجسام المنيرة على ظواهر الأجسام الكثيفة فيقال 
استنارت الأرض ووقع نور الشمس على الأرض. ونور السراج على الحخائط والثوب. وتارة 
يطلى على نفس هذه الأجسام المشرقة أيضًا لأنها فى أنفسها مستنيرة. وعلى الحملة فالنور 
عبارة عما يبصر بنفسه ويبصر به غيره كالشمس . هذا حده وحقيقته بالوضع الأول. 

دقيقة: لما كان سر النور وروحه هو الظهور للإدراك وكان الإدراك موقوقًا على وجود 


ححد د ۸۸٢‏ لسسع سسسس7 _بجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


النور وعلى وجود العين الباصرة أيغمًا إذ النور هو الظاهر المظهر وليس شىء تمن الأنوار 
ظاهرا فى حق العميان ولا مظهر. فقد ساوى الروح الباصرة النور الظاهر فى كونه ركنا 
لابد منه للإدراك ثم ترجح عليه فى أن الروح الباصرة هى المدركة وبها الإدراك» وأما النور 
فليس بمدرك ولا به إدراك بل عنده الإدراكء وكأن اسم النور بالنور أحى مته بالنور المبصرء 
فأطلقوا اسم النور على نور العين المبصرة فقالوا فى الخفاش إن نور عينه ضعيف» وذ 
الأعمش إنه ضعيف نور البصرء وفى الأعمى آنه فقد نور بصره» وفى السواد إنه يجمع نور 
البصر ويقويه والأجفان إنما خصتها الحكمة الإلهيه بلون السواد وجعل العين مجفونة بها 
لتجمع ضوء العين. وأما البياض فيفرق نور العين فيضعف نوره حتى إن إدامة النظر إلى 
اليلاض الشرق بل ,إلى تور الشصن يبهز تون الان وعبحقه كما دق 'الصعيفه فى جنب 
القوى» فقد عرفت بهذا أن السروح الباصرة يسمى نور وأنه لم يكن بهذا الاسم أولى وهذا 
هو الوضع الثانى وهو وضع الخواص. 

حقيقة: اعلم أن نور البصر موسوم بأنواع من النقصان فإنه يبصر غيره ولا يبصر 
به ول و امد منة ولأ مارت ولان ا هز ورك جاب ويهر هن :الا شا 
ظاهرها دون باطنهاء ويبصر من الموجودات بعضها دون كلها ويبصر أشياء متناهية ولا يبصر 
ما لا نهاية له ويغلط كثيرا فى إبصاره فيرى الكبير صغير! ويرى البعيد قريبًا والساكن 
متحركًا والمتحرك ساكنّاء فهذه سبع نقائص لا تفارق العين الظاهرة فإن كان فى الأعين عين 
منزهة عن هذه النقائص كلهاء فليت شعرى هل هو أولى باسم النور فاعلم أن فى قلب 
الإنسان عيئًا هذه صفة كمالها وهى التى يعبر عنها تارة بالعقل وتارة بالروح وتارة النفس 
الإنسانى» دع عنك هذه العبارات» فإنها إذا كثرت أوهمت عند الضعيف البصيرة كثرة 
المعانى فنعنى به المعنى الذى يتميز به العاقل عن الطفل الرضيع وعن البهيمة وعن المجنون 
ولنسمه عقلا متابعة للجمهور فى الاصطلاح فنقول العقل أولى بأن يسمى نور من العين 
الظاهرة لرفعة قدره عن النقائص السبع . 

أما الآولى: فهو أن العين لا تبصر نفسها والعقل يدرك غيره ويدرك نفسه ويدرك 
صفات نفسه إذ يدرك نفسه عالما وقادراء ويدرك عام نفسهء ويدرك علمه بعلمه بنفسه 
وعلمه بعلمه بعلمه نفسه إلى غير نهاية» وهذه خاصة لا تتصور لما يدرك بالة الأجسام 
ووراءه سر يطول شرحه. 

الثانية: أن العين لا تبصر ما قرب منها قربًا مفرطًا ولا ما بعد والعقل عنده يسوى بين 
القريب والبعيد ويعرج فى طرقه إلى أعلى السموات رقيناء وينزل فى لحظة إلى تخوم 
الأرض هوياء بل إذا حقت الحقائق انكشف أنه منزه عن أن يحوم بجنيات قدسه القرب 


ولبعد الذى يعرض بين الأجسامء فإنه أنموذج من بحور الله تعالى ولا يخلو الأنموذج عن 
محاكاة وإن كان لا يرقى إلى ذروة المساوقةء وهذا ريما هزك للتفطن لسر قوله يله : «إن الله 
خَلَقَ آَدمُ عَلَى صورته», فلست أرى الآن الخوض فى بيانه . ّ 

الثالئة: أن العين لا تدرك ما وراء الحجاب والعقل يتصرف فى العرش والكرسى وما 
وراء حجب السماوات وفى الملا الأعلى والملكوت كتصرفه فى عالمه الخاص به ويملكته 
القريبة. أعنى بها الخاصة بهء بل الحقائق كلها لا تحجب عن العقل. وإنما حجاب العقل 
حيث يحجب من نفسه لنفسه يسبب صفات مقارتة له تضاهى حجاب العين من نفسه عند 
تخميض الأجفان وستعرفق هذا فى الفصل الثالث من الكتاب. 

الرابعة: أن العين تدرك من الأشياء ظاهرها وسطحها الأعلى دون باطنها بل قوالبها 
وصورها دون حقائقهاء والعقل يتغلغل إلى بواطن الأشياء وأسرارهاء ويدرك حقائقها 
وأرواحهاء ويستنبط أسبابها وعللها وحكمهاء وأنها مم حدثت وكيف خلقت ومن كم 
مسنى جمع الشئ وركب وعلى أى مرتبة فى الوجود نزل وما نسبته إلى سائر مخلوقاته؟ 
إلى مباحث أخر يطول شرحها نرى الإيجاز فيها أولى . 

الخامسة: أن العين تبصر بعض الموجودات إذ تقصر عن جميع المعقولات وعن كثير 
من المحسوسات ولا تدرك الأصوات ولا الروائح والطعوم والحرارة والبرودة والقوى 
المدركة . أعنى قوة السمع والشم والذوقء بل الصفات الباطنة النفسانية كالفرح والسرور 
والغم والحزن والألم واللذة والعشق والشهوة والقدرة والإرادة والعلم إلى غير ذلك من 
موجودات لا تحصى ولا تعد. فهو ضيق المجال مختصر المجرى لا تسعه مجاوزة عالم 
الألوان والأشكال وهما أخس الموجودات» فإن الأجسام فى نفسها أخس أقسام الموجودات 
والألوان. والأشكال من أخس أعراضهاء والموجودات كلها مجال العمل إذ يدرك هذه 
الموجودات التى عددناها وما لم نعده وهو الأكثر فيتصرف فى جميعها ويحكم عليها حكما 
يقينًا صادقًاء فالأسرار الياطنة عنده ظاهرة والمعانى الخفية عنده جلية» فمن أين للعين 
الباصرة مساواته فى استحقاق اسم النور. كلا بها نور بالإضافة إلى غيرها ولكنها ظلمة 
بالإضافة إليه بل هى جاسوس من جواسيسه وكلها بأخس خزائنه وهى خزانة الألوان 
والأشكال لترفع إلى حضرته أخبارها فيقضى فيها بما يقتضيه رأيه الشاقب وحكمه النافذ. 
والحواس جواسيسه سواها وهى من خيال ووهم وفكر وذكر وحفظ ووراءهم خدم وجنود 
مسخرة له فى عالمه الحاضر يسخرهم ويتصرف فيهم استسخار الملك عبيده بل أشدء وشرح 
ذلك يطول» وقد شرحناه فى كتاب عجائب القلب من كتب الإحياء . 

السادسة: أن العين لا تبصر ما لا نهاية له فإنها تبصر صفات الأجسام المعلومات. 
والأجام لا تتصور إلا متناهية والعقل يدرك المعقولات والمعقولات لا تتصور أن تكون 


ح ١١١‏ يللب سسسب مجموعه رسائل الإمام الفزالى س 


متناهية» نعم إذا لاحظ العلوم المتحصلة فلا يكون الى ضر الحاصل عنده إلا متناهيًا لكن فى 
قوته إدراك ما لا نهاية له. وشرح ذلك يطول فإن أردت له مثالا فخذ من الحساب فإنه 
يدرك الأعداد ولا نهاية لها نهاية ويدرك تضعيفات الاثنين والثلاثة وسائر الأعداد ولا يتصور 
لها نهاية ويدرك أنواعا من النسب بين الأعداد ولا يتتصور لها نهاية» بل يدرك علمه بالشئ 
قله جلي الع رک ا هو فى هن الرية ارد لذ نسي عند ا 

السابعة: أن العين تدرك الكبير صغيرً فترى الشمس فى مقدار بحر والكواكب فى 
صور دانير متشورة على بساط أزرق والعقل يدرك أن الكواكب والشمس أكبر من الأرض 
أضعافًا مضاعفة» ويرى الكواكب ساكنة بل يرى الظل بين يديه ساكنّاء ويرى الصبى ساكنًا 
فى مقداره. والعقل يدرك أن الصبى يتحرك فى النمو ا والظل متحرکا 
دائمًا والكواكب تتحرك فى كل لحظة أميالاً كثيرة کما قال بره لجبریل : «أزالّت الشمس؟» 
فقال: «لا. ٠‏ نعم قال: «وكيّف؟2 قال: من قلت لا إلى أن قلت نعم قد تح ركت مَسيرة 
اة عام» . وأنواع غلط البصر كثيرة والعقل منزه عنهاء فإن قلت: نرى العقلاء 
يغلطون فى نظرهم فاعلم أن خيالاتهم وأوهامهم قد تحكم باعتقادات يظنون أن أحكامها 
أحكام العقل فالغلط منسوب إليها. وقد شرحنا لمان امسا اكات 
محك النظرء فأما العقل إذا تجرد عن غشاوة الوهم والخيال لم يتصور أن يغلط بل يرى 
الأشياء على ما هى عليه وفى تجرده عسر» وإغا يكمل تجرده عن هذه النوازع بعد الموت 
وعند ذلك ينكشف الغطاء وتنجلى الأسرار ويصادف كل أحد ما قدمه من خير أوشر 
محضراً ويشاهد كتانًا لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها وعندها يقال له: فكشفنا عنك 
غطاءك فبصرك اليوم حديد» وإنما الغطاء غطاء الخيال والوهم» وعندها يقول المغرور بأوهامه 
واعتقاداته الفاسدة وخيالاته الباطلة: ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صاحًا إنا موقنون» 
فقد عرفت بهذا أن العين أولى باسم النور من النور المعروف المحسوس» ثم عرفت أن العقل 
أولى باسم النور من العين» بل بينهما من التفاوت ما يصح أن يقال معه إنه أولى بل الحق 
أنه يستحق الاسم دونه. 

دقيقة: اعلم أن العقول وإن كانت مبصرة فليست المبصرات عندها كلها على مرتبة 
واحدة» بل بعضها تكون عندها كأنها حاضرة كالعلوم الضرورية مثل علمه بأن الشئ 
الواحد لا يكون قديًا حديئًا ولا يكون موجودًا معدومًاء والقول الواحد لا يكون صدقًا 
وكذبًا وأن الحكم إذا ثبت للشئ جوازه ثبت لله» وأن الأحص إذا كان موجودا كان الأعم 
واجب الوجودء فإذا وجد السواد فقد وجد اللونء وإذا وجد الإنسان فقد وجد الجيوان» 
وأما عكسه فلا يلزم فى العقل إذ لا يلزم من الوجود اللون وجود السواد» ولا من وجود 


د مجموعة رسائل الامام الغزالی سسسب ۷۹۱ = 
المسيوان وجود الإنسان إلى غير ذلك من الققضايا الضرورية فى الواجبات والجائزات 
E‏ ومنها ما لا يقارن العقل فى كل حال إذا عرض عليه بل يحتاج إلى أن يهز 
أعمطافه ويبتورى زناده وينبه عليه بالتنبيه كالنظريات وإنما ينبهه كلام الحكماء. فعند إشراق 
نور الحكمة يصير الإنسان مبصرا بالفعل بعد أن كان مبصراً بالقوة. وأعظم الحكمة كلام الله 
تعالى : (ومن جملة..كلامه القرآن خاصة فيكون منزلة آيات القرآن عند عين العقل منزلة نور 
الشمس عند العين الظاهرة» إذ به يتم الإبصار فبالحرى أن يسمى القرآن نور كما يسمى نور 
ال ورا يال القرآن نورالشمس» ومثال العقل نور العين)ء وبهذا يفهم معنى قوله 
تعالى : فإ فآمنوا بالله ورسوله والتور الذي أنزلتا ‏ (التغاين: ۸. وقوله تعالی : لإ قد جاءکم 
برهان من ربكم وأَنزلنا إليكم نورا مبينا 4 [النساء: 1 ]. 

تكملة لهذه الحقيقة: فإذا فهمت من هذا أن العين عينان ظاهرة وياطنة من عالم 
اس والمشاهدة» والباطنة من عالم آخر وهو عالم الملكوت ولكل عين من العينين شمس 
ونور عنده تصير كاملة الإبصار. إحداهما ظاهرة والأخرى باطنة. والظاهرة من عالم 
الذهادة وهى الشمس المحسوسة, والباطنة من عالم الملكرت وهو القرآن وكتب الله المنزلة» 
مهدا انكشف لك هذا انكشاقًا تامًا فقد انفتح لك باب من أبواب الملكوت وفى هذا العلم 
عجائب يستحقر بالإضافة إليها عالم الشهادة» ومن يسافر إلى هذا العلم وقعد به القصور 
فى حضيض عالم الشهادة فهو بهيمة يعد ومحروم عن خاصية الإنسانية بل أضل من البهيمة 
إذلم تعط البهيمة أجنحة الطيران إلى هذا العلمء ولذلك قال تعالى ١:‏ أولتك كالأنعام بل 
هم أَضْل 4 [الأعراف: 14 

واعلم أن عالم الشهادة بالإضافة إلى عالم الملكوت كالقشرة بالإضافة إلى اللب 
وتالصورة والقالب بالإضافة إلى الروح» وكالظلمة بالإضافة إلى النور وكالسفل بالإضافة 
إلى العلوء ولذلك يسمى عالم الملكوت العالم العلوى والعالم الروحانى والعالم التورانى» 
وفى مقابلته العالم السفلى والجسمانى والظلمانى. ولا تظنن أنا نعنى بالعالم العلوى 
السماوات فإنها علو وقوق فى حق بعض عالم الشهادة والحس يشارك إدراكها البهائم» وأما 
العد فلا تفتح له أبواب الملكوت ولا يصير ملكوتيا إلا وتبدل فى حقه الأرض غير الأرض 
و' .أءدات» ولا يصير كل ما هو داخل تحت الحسر والخيال أرضه ومن جملتها السماوات» 
وكن ما ارتفع عن الحس سماؤه. وهذا هو المعراج الأول لكل سالك ابتدأ سفره لقرب 
حضسرة الربوبية . فالإنسان مردود إلى أسفل سافليز ومنه يترقى إلى العالم الأعلى. وأما 
الملاائكة فإنهم من جملة عالم الملكوت عالقون فى - بضرة القدسء ومنها يشرفون على 


و ےہ م ن 


العالم الأسفل. ولذلك قال رسول الله عله : إن الله خلق اقلق فى ظلمتة ثم اض عَلَيْهِم 


من نوره». وقال: الله ملائكة هم أعلّم بأعْمَال التاس منهم» . والأنبياء إذا بلغ معراجهم 
إلى عالم الملكوت فقد بلغوا المبلغ الأقصى وأشرفوا على جملة من عالم الغيب» إذ من كان 
فى عالم الملكوت كان عند الله وعنده مفاتيح الغيب أى من عنده تنزل أسباب الموجودات 
فى عالم الشهادةء إذ عالم الشهادة أثر من آثار ذلك العالم يجرى منه مجرى الظل بالإضافة 
إلى الشخص «مجرى الشمر بالإضافة إلى المثمرء والمسبب بالإضافة إلى السبب» ومفاتيح 
معرفة المسببات إنما تؤثر من الأسباب» ولذلك كان عالم الشهادة مثالا لعالم الملكوت كما 
سيأتى فى بيان المشكاة والمصباح والشجرة لأن المشبه لايخلو من موازاة المشبه به» ومحاكاته 
نوعا من المحاكاة على قرب أو بعد وهذا الآن له غور عميق. ومن اطلع على كنه حقيقته 
ال 

دقيقة ترجع إلى حقيقة النور: قلنا: إن كل ما يبصر نفسه وغيره أولى باسم النورء 
فإن كان من جملته ما يبصر به غيره أيضًا من أنه يبصر نفسه وغيره فهو أولى باسم النور 
من الذى لا يؤثر فى غيره أصلاًء بل بالحرى أن يسمى سراجًا مني لفيضان أنواره على 
غيرهء وهذه الخاصة توجد و القدسى النبوى إذ تفيض بواسطته أنوار المعارف على 
الخلق وبه يفهم تسمية الله محمدا عله سراجًا منيراً: » والأنبياء كلهم سرج» وكذلك انعلماء 
ولكن التفاوب بينهم لا يحصى . 

دقيقة: إذا كان اللائق بالذى يستفاد منه نور الإبصار أن يسمى سراجًا منيرً فالذى 
يقتبس منه السراج فى نفسه جدير بأن يكنى عنه بالنار» وهذه السرج الأرضية إنما تقتبس فى 
أصلها من أنوار علوية والروح القدسى النبوى يكاد زيته يضئ ولو لم تمسسه نار إنما يصير 
نورًا على نور إذا مسته الثارء فبالحرى أن يكون مقتبس الأرواح الأرضية من الأرواح الإلهية 
العلوية التى وصفها على وابن عباس عليهما السلام فقالا: إن لله ملكا له سبعون ألف وجه 
فى كل وجه سبعون ألف فم فى كل ف فم سبعون ألف لسان يسبح الله بجميعهاء وهو الذى 
قوبل بالملائكة كلهم فقيل : يوم يقوم الروح والملائكة صفا ‏ [النبا: ۸. فھی إذا 
اعتبرت من حيث يقتبس منها السرج الأرضية لم يكن لها مثال إلا النار» وذلك لايؤنس إلا 
من جانب الطور . 

دقيقة: الآنوار السماوية التى منها تقتبس الأنوار الأرضية إن كان لها أن تترتب 
بحيث يقتبس بعضها من بعض. فالأقرب من المنبع الأول أولى باسم النور لأنه أعلى رتبة. 
ومثال ترتيبها فى عالم الشهادة لا يدركه الإنسان إلا بأن يبصر ضوء القمر داخلاً فى كوة 
بيت واقعًا على مرآة منصوبة على حائط منعطمًا منها على حائط آخر فى مقابلتهاء ثم 
منعطفًا منها على الأرض بحيث تستنير منه الأرض» فأنت تعلم أن ما على الأرض من 


سد مجموعة رسائلالامام الغزالی سس سس سس یی ۹١‏ = 


النور تابع لما على الحائط» وما على الحائط تابع لما على المرآةء وما على المرآة تابع للقمرء 
وما فى القمر تابع لما فى الشمس إذ منها يشرق النور على القمر. وهذه الأنوار الأربعة 
منرتبة بعضها أعلى من بعض وأكمل من بعض» ولكل واحد مقام معلوم ودرجة خاصة لا 
يتعداهاء فاعلم أنه قد انكشف لأرباب البصائر أن الأنوار الملكوتية إنما وجدت على ترتيب 
كذلكء» وأن المقرب هو الأقرب تقرب إلى النور الأقصى فلا يبعد أن تكون رتبة إسرافيل 
فرق رتبة جبريل وأن الآقرب الذى تقرب درجته من حضرة الربوبية التى هى منبع الأنوار 
كلها وأن فيهم الأدنى وبينهم درجات تستعصى عن الإحصاءء وإغا ا معلوم كثرتهم وترقيهم 
الاصدرة يي وانها E‏ محية دالوا : وما متا إلا له مقام معلوم +319 وإنا 
نحن الصافرن ده وإنا لحن المسبحون ‏ [الصافات: 14~ 11[ 

دقيقة: إذا عرفت أن الأنوار لها ترتيب» فاعلم أنها لا تتسلسل إلى غير نهايةء بل 
ترتقى إلى منبع أول وهو النور لذاته وبذاته ليس يآتيه نور من غيره ومنه تشرق الأنوار كلها 
على ترتيبها. فانظر الآن هل اسم النور أحق وأولى بالمستنير المستعير نوره من غيره أو بالمثير 
فى ذاته المنور لكل ما سواه؟ فما عندى أنه يخفى عليك الحق فيه وبه تتحقق أن اسم النور 
أحق بالنور الأقصى الأعلى الذى لا نور فوقه ومنه ينزل النور إلى غيره. 

حقيقة: بل أقول ولا أبالى أن اسم النور الأولى مجاز محضء إذ كل ما سواه إذا 
اعتبرت ذاته فهو فى ذاته من حيث ذاته لا نور له بل نوره مستعار من غيره ولا قوام 
لنورانيته المستعارة بنفسها بل بغيرها. ونسبة المستعار مجاز محض أفترى أن من استعار ثيابًا 
وفرسًا ومركبًا وركبه فى الوقت الذى أركبه المعيرء وعلى الحد الذى رسمه له غنى بالحقيقة 
أو بالمجاز أو أن المعير هو الغنى كلا بل المستعير هو فقير فى نفسه كما كان. وإنما الغنى هو 
المعير الذى منه الإعارة والإعطاء وإليه الاسسترداد والانتزاع؛ فإِذًا النور الحق هو الذى بيده 
اخلق والأمرء ومنه الإنارة أولأ» والإدامة ثانيًا فلا شركة لأحد معه فى حقيقة هذا الاسم 
ولا فى استحقاقه إلا من حيث تسميته به» ويتفضل عليه بتسميته إياه تفضل المالك على 
عبده إذا أعطاه مالا ثم سماه مالكاء وإذا انكشف للعيد هذه الحقيقة علم أنه وماله ملك 
لالكه على التفرد لا شريك له فيه أصلاً. 

حقيقة: مهما عرفت أن النور راجع إلى الظهور والإظهار وفراتبه. فاعلم أنه لا ظلمة 
أشد من ظلمة العدم لأنه مظلمء وسمى مظلمًا لأنه ليس يظهر للأبصار إذ ليس يصير 
موجودا للبصر مع أنه موجود فى نفسه فالذى ليس موجودًا لغيره ولا لنفسه كيف لا 
يستحق أن يكون هو الغاية فى الظلمة وفى مقابلته الوجود فهو النورء فإن الشئ ما لم يظهر 
فى ذاته لا يظهر لغيره» والوجود بنفسه أيضًا ينقسم إلى ما له الوجود من ذاته وإلى ما له 


يح غ0١‏ لسلست بجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


الوجود من غيره. وما له الوجود من غيره فوجوده مستعار لا قوام له بتفسهء بل إذا نسبته 
إلى غيره وليس ذلك بوجود حقيقى كما عرفت فى مثال استعارة الثوب والغنى» فالموجود 
الحق هو الله تعالى كما أن النور الحق هو الله تعالى. 

حقيقة الحقائق: من ههنا يترقى العارفون من حضيض المجاز إلى ذروة الحقيقة 
واستكملوا معرلجهم فرأوا بالمشاهدة العيانية أن ليس فى الوجود إلا الله وأن كل شىء هالك 
إلا وجهه. لأنه يصير هالكنًا فى وقت من الأوقات» بل هو هالك أزلاً وأبدًا إذ لا يتصور 
إلا كذلك. فإن كل شىء سواه إذا اعتبرت ذاته من حيث ذاته فهو عدم محضص» وإذا اعتبر 
من الوجه الذى يسرى إليه الوجود من الأول الحق رئى موجودا لا فى ذاته بل من الوجه 
الذى يلى موجده فيكون الموجود وجه الله فقط . ولكل شىء وجهان: وجه إلى نقسهء 
ووجه إلى ربه. فهو باعتبار وجه نفسه عدمء وباعتبار وجه الله وجودء فإذا لا موجود إلا 
الله ووجهه» فإذًا كل شىء هالك إلا وجهه أزلاً وأبدًا. ولم يفتقر هؤلاء إلى قيام القيا د 
ليستمعوا تداء البارى : © كن الملك الوم لله الواحد الما ر» اغافر: .]١7‏ .بل هذا الندا. 
يفارق سمغهم أبداء ولم يفهموا معنى قوله «الله أكبر» أنه اكب هر ار 8 
فى الوجود معه غيره حتى يكون هو أكبر منه» بل ليس لغيره رتبة المعية بل رتبة التبعية» بل 
ليس لغيره وجود إلا من الوجه الذى يليه فالموجود وجهه فقطء ومحال أن يكون أكبر من 
وجهه بل معناه أكبر من أن يقال له أكبر بمعنى الإضافة والمقايسة وأكبر من أن يدرك غيره 
كه فيان نري كاذ او علكا عي ر که الالو ]ذ كل م هف 
تحت سلطان العارف واستيلائه وذلك ينافى الجلال والكبرياء. وهذا له نحقق ذكرناه فى 
كتاب : «المقصد الأسنى فى معانى أسماء الله الحسنى؟» . 

إشارة: العارفون بعد العروج إلى سماء الحقيقة اتفقوا على أنهم لم دروا فى الوجود 
إلا الواحد الحقء > لكن منهم من كان له هذه الحالة عرفانًا علميًا ومنهم من صار له ذوقًا 
وحالاً وانتفت عنهم الكثرة بالكلية» واستغرقوا بالفردانية الملحضة» واستهوت فيها عقولهم 
فصاروا كالمبهوتين فيه ولم يبق فيهم متسع لذكر غير الله ولا لذكر أنفسهم أيًاء فلم يبق 
عندهم إلا الله فسكروا سكراً وقع دونه ساطان عقولهمء فقال بعضهم: أنا الحق. وقال 
الآخر: سبحانى ما أعظم شأنى . وقال الآخر: ما فى الجنة إلا اللهء وكلام العشاق فى حال 
السكر يطوى ولا يحكى فلما خف عنهم سكرهم وردوا إلى سلطان ا عقل الذى هو ميزان 
الله فى أرضه عرفوا أن ذلك لم يكن حقيقة الاتحاد بل يشبه الاتحاد مثل قول العاشق فى 
حال فرض العشق : 

أنامًّن أمموى ومنأهطوى أتا 

تحن روعهل ا حَلَلْنَابَدنَا 


فلا يبعد أن يفجأ الإنسان مرآة فينظر فيهاء ولم ير المرآة قط» فيظن أن الصور التى 
رها فى المرآة فى صورة المرآة متحدة بهاء ويرى الخمر فى الزجاج فيظن أن الخنمرة لون 
الزجاج فإذا صار ذلك عنده مألوقًا ورسخ فيه قدمه اة فقال: 

رق الزجاج وراقت ال مر 

و ت 
تكاتتانخمزرلاندح 
وكا اق ولا جر 

وفرق بين أن يقال الخمر قدح وبين أن يقال كأنه قدحء وهذه الحالة إذا غلبت سميت 
بالإضافة إلى صاحب الحال فناءء بل فناء الفناء لأنه فنى عن نفسه وفنى عن فنائه» فإنه 
ليس يشعر بنفسه فى تلك الحال ولا بعد شعوره بنفسهء ولو شعر بعدم شعوره بنفسه لكان 
قد شعر بنفسهء وتسمى هذه الحال بالإضافة إلى المستغرق فيها بلسان المجاز اتحادّاء وبلسان 
المقيقة توحيداء ووراء هذه الحقائق أيضًا أسرار لا يجوز الخوض فيها. 

خاتمة: لعلك تشتهى أن تعرف وجه إضافة نور إلى السماوات والأرض» بل وجه 
كونه فى ذاته نور السماوات والاأرضء» ولا يتبغى أن يخفى ذلك عليك يعد أن عرفت أنه 
النرر ولا نور سواه وأنه كل الآنوار وأنه النور الكلىء لأن النور عبارة عما تتكشف به 
الأشياء وأعلى منه ما يتكشف به وله أعلى منه ما يتكشف به وله ومنه وأن الحقيقى منه ما 
يتكشف به وله ومنه وليس فوقه نور منه اقتباس واستمداده بل ذلك له فى ذاته من ذاته لا 
من غيره. ثم عرفت أن هذا لا يتصور ولن يتصف به إلا النور الأول» ثم عرفت أن 
السماوات والأرض مشحونة نور من طبيعة النور. أعنى المنسوب إلى البصر والبصيرة أى 
إلى الحس والعقل . 

أما البصرى فما تشاهده فى السماوات من الكواكب والشمس والقمر وما تشاهده فى 
الأرض من الأشعة المنيسطة على كل ما فى الأرض حتى ظهرت به الألوان المختلفة 
خصوصا فى الربيع» وعلى كل حال من الحيوانات والنباتات والمعادن وأصناف الموجودات 
ولولاها لم يكن للألوان ظهور بل وجودء ثم سائر ما يظهر للحس من الأشكال والمقادير 
يدرك تبعا للألوان ولا يتصور إدراكها إلا بواسطتها. 

أما الأنوار العقليه المعنوية فالعالم الأعلى مشحون بها وهى جواهر الملائكة» والعالم 
الأسفل مشحون بها وهى الحياة الحيوانية ثم الإنسانية وبالنور الإنسانى السفلى ظهر نظام 
العالم السفلى كما أن بالنور الملكى ظهر نظام العالم العلوى وهو المعنى بقوله: هو 
أنشأكم من من الأرض واستعم ركم فيها ‏ [هود: .]1١‏ وقال: ل ليستخلفتهم في الأرض » 


جح ي س ڪڪ مجموعه رسال الاما الفزالی کڪ 


[النور: [o0‏ . وقال: لا ويجعلكُم ا الأرض 4 :المل: 37]. وقال: ظِِ ني جاعل في 
الأرض خليفة 4 [البقرة: .٠‏ فإذا عرفت هذا عرفت أن العالم بأسره مشحون بالاأنوار 
الظاهرة البصرية والباطنة العقلية» ثم عرفت أن السفلية فائضة بعضها من بعض فيضان النور 
من السراج» وأن السراج هو النور النبوى القدسىء وأن الأرواح النبوية القدسية مقتبسة من 
الأرواح العلوية اقتباس السراج من النار. وأن العلويات بعضها مقتبس من بعض» وأن 
ترتيبها ترتيب مقامات» ثم ترتقى جملتها إلى نور الأنوار ومعدنها ومنبعها الأولء وأن 
ذلك وهو الله وحده لاشريك له» وأن سائر الأنوار مستعارة منه» وإنما الحقيقى نوره فقط 
وإن الكل من نوره بل هو لا هوية لغيره إلا بالمجازء فإذًا لا نور اوا الأنوار أنوار 
من الوجه الذى تليه لا من ذاتها فوجه كل موجه إليه ومول شطره ه ظفَأينمَا تولُوا فهَم وجه 
الله (البقرة: 65. فإِذًا لا إله إلا هو فإن الإله عبارة عما الوجوه مولية نحوه بالعبادة 
والتأليه» أعنى وجوه القلوب فإنها الآنوار والأرواح» بل كما أنه لا إله إلا هو فلا هو إلا 
هو فإن هو عبارة عما إليه الإشارة» وكيفما كان فلا إشارة إلا إليه بل كلما أشرت فهو 
بالحقيقة الإإشارة إليه» وإن كنت لا تعرفه أنت لغفلتك عن حقيقة الحقائق التى ذكرناهاء ولا 
إشارة إلى نور الشمس بل إلى الشمسء» فكل ما فى الوجود فنسبته إليه فى ظاهر المثال 
كنسبة النور إلى الشمسء فإِذًا لا إله إلا الله توحيد العوام ولا هو إلاهو توحيد الخواص» 
لأن ذلك أعم وهذا أخص وأشمل وأحق وأدق وأدخل بصاحبه فى الفردانية المحضة 
والوحدانية الصرفة» ومنتهى معراج الخلائق ملكة الفردانية فليس وراء ذلك مرقاة إذ الرقى 
لا يتصور إلا بكثرة» فإنه نوع إضافة يستدعى ما منه الارتقاء وما إليه الارتقاء» وإذا ارتفعت 
الكثرة حقت الوحدة وبطلت الإضافة وطاحت الإشارة فلم يبق علو ولا سفل ولا نازل ولا 
مرتفع» فاستحال الترقى واستحال العروج فليس وراء الأعلى علو ولا مع الوحدة كثرة ولا 
مع انتقاء الكثرة عروج» فإن كان ثمة تغيير من حال فبالنزول إلى السماء الدنيا. أعنى 
بالإشراق من علو إلى أسفل لأن الأعلى وإن لم يكن له أعلى فله أسفل . 
فهذا غاية الغايات ومنتهى الطلبات يعلمه من يعلمه وينكره من يجهله» وهو من 
العلم الذى هو كنهه المكنون الذى لا يعلمه إلا العلماء بالله فإذا نطقوا به لم ينكره إلا أهل 
الغرة بالله ولا يبعد أن قال العلماء إن النزول إلى السماء الدنيا هو نزول ملك › فقد توهم 
بعض العارفين ما هو أبعد منه إذ قال هذا المستغرق بالفردانية له تزول إلى سماء الدنيا وإن 
ذلك هو نروله إلى استعمال الحواس أو تحريك الأعضاءء وإليه الإشارة بقوله عليه الصلاة 
والسلام : صرت سمعه الذی یسمع به وبصره الذى يبصر به ولسانه الذى ينطق به» . وإذا 
كان هو سمعه وبصره ولانه فهو السامع والباصر والناطق إِذَا لا غيره» وإليه الإشارة بقوله 


کے مبجيوعة سال الإمامالفزالى ‏ سس سس سس سب سح 107 = 
موسى َيه : «مَرضت قَلَمْ تعدنى؛ الحديث. فحركات هذا الموحد من السماء الانيا 
واا ماري وغه ر دا وق رق من ما الل ا ی مرا 
الخلائق وملكة الفردانية إلى سبع طبقات» ثم بعد يستوى على عرش الوحدانية ومنه يدبر 
الأمر إلى طبقات سماواته فربما نظر الناظر إليه أن ذلك له تأويل كقوله: أنا الحق 
رسبحانى» بل كقوله عليه الصلاة والسلام: امرضت فلم تعدنى وكنت سمعه وبصره 
ولساته»» فأرى الآن إماك عتان البيان فما أراك تطيق من هذا الفن أكثر من هذا المقدار. 

مساعدة: لعلك لا تمو إلى هذا المكان بهمتك. بل تقصر دون ذروته همتك فخذ 
إليك كلامًا أقرب إلى فهمك وأقرب لضعفكء. واعلم أذ معتى كونه نور السماوات 
رالأرض تعرفه بالنسبة إلى النور الظاهرى البصرى» فإذا رأيت ألوان الربيع وخضرتها مثلاً 
فى ضياء النهار فلست تشك فى أنك ترى الألوان» وربما ظننت أنك لست ترى مع الألوان 
غيرها فكأنك تقول لست أرى مع الخضرة غيرهاء ولقد أصر على هذا أقوام فزعموا أن 
لنور لا معنى له وأنه ليس مع الألوان غير الألوانء فأنكررا وجود النور مع أنه أظهر 
الأشياء وكيف لا وبه تظهر الأشياء وهو الذى يبصر فى نفسه ويبصر به غيره كما سبق» 
لكن عند غروب الشمس وغيبة السراج ووقوع الظل أدركوا تفرقة ضرورية بين محل الظل 
وبين موضع الضياء فاعترفوا بأن النور معنى وراء الألوان يدرك مع الألوان حتى كأنه لشدة 
اتحاده بها لا يدرك ولشدة ظهوره يخفى». وقد تكون شلته سيب 00 والشىء إذا جاوز 
حده انعكس على ضده فإذا عرفت هذا فاعلم أن أرباب البصائر ما رأوا شيئًا إلا ورأوا الله 
معهء وربما زاد على هذا بعضهم فقال: ما رأيت شيئًا إلا رأيت الله قبله. لأن منهم من 
يرى الأشياء به» ومنهم من یری الأشياء فيراه بالأشياء وإلى الأول الإشارة بقوله: ۾ أو لم 
يكف بربك آنه على کل أشي شهید 4 (فصلت : ”0]. وإلى الثانى الإشارة بقوله: 
سنريهم آياتنا في الآقاق رفي أنفسهم # [فصلت: : ١ه].‏ قالاأول صاحب المشاهدة. والثانى 
ضائعب الاتتدلال باياتة والأولى درجة الصدين + :والثائة ورجة العلماء الزاسيكين» :ولبس 
بعدهما إلا درجة الغافلين المحجوبين» فإذا عرفت هذا فاعلم أنه كما ظهر كل شىء للبصر 
بالنور الظاهر فقد ظهر كل شىء للبصيرة الباطنة بالله فهو مع كل شىء لا يفارقه وبه يظهر 
كل شئ» ولكن بقى ههنا تفاوت وهو أن النور الظاهر يتصور أن يغيب بغروب الشمس 
ويحجب حتى يظهر الظل . 

أما النور الإلهى الذى به يظهر كل شىء لا يتصور غيبته بل يستحيل غروبه فيبقى مع 
الأشياء كلها دائمًا فانقطع طريق الاستدلال بالتفرقة ولو يضطر غيبته لانهدمت السموات 
والأرض ولأدرك به من التفرقة ما يضطر معه إلى المعرفة بما به ظهرت الأشياءء لكن لما 


چ ۲۹۸ سب سم سس مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


شاو الأتجاء كلها على قط راحلا فى الشهادة لواخدائيةخالقها اد کل شىء مع بخ 
لا بعض الأشياء. وفى جميع الأوقات لا فى بعض الأوقات ارتفع التفريق وخفى الطريق إذ 
الطريق الظاهر معرفة الأشياء بالأضداد فما لا ضد له ولا نقيض تتشابه الأحوال فى الشهادة 
لهء فلا بد أن يخفى ويكون خفاؤه لشدة جلائه والغفلة عنه لإشراق ضيائه: فسبحان من 
اختفى عن الخلق لشدة ظهوره واحتجب عنهم لإشراق نوره»ء وربما أيضًا لا يفهم هذا 
الكلام بعض القاصرين فيفهم من قولنا إن الله مع كل شىء كالنور مع الأشياءء إنه فى كل 
مكان تعالى وتقدس عن النسبة إلى مكان» بل الأبعد عن إثارة هذا الخيال أن نقول لك قبل 
كل شىء وأنه فوق كل شىء وأنه مظهر كل شئء والمظهر لا يفارق المظهر فى معرفة 
صاحب البصيرة» فهذا الذى نعنى بقولنا إنه مع كل شئء ثم لا يخفى عليك أيضًا أن المظهر 
قبل المظهر وفوقه مع أنه معه لكنه معه بوجه وقبله بوجه فلا تظن أنه متناقض واعتبر 
بالمحسوسات التى هى قدر درجتك فى العرفانء وانظلر كيف تكون حركة اليد مع حركة ظل 
اليد وقبلها أيضًاء ومن لم يتمع صدره لمعرفة هذا فليهجر هذا النمط من العلم فلكل علم 
رجال وكل ميسر لما خلى له. 


المصل الثانى 
فى بيان مثال المشكاة والمصباح والزجاجةوالشجرة 
والريت والنار 
وبيان ذلك: يستدعى تقديم قطبين يتسع المجال فيهما إلى غير حد محدودء ولكنى 
أشير إليهما بالرمز والاختصار. 
أحدهما: فى بيان سر التمثيل ومنهاجه ووجه ضبط أرواح المعانى بقوالب الأمثلة» 
ووجه كيفية المناسبة بينهما وكنه الموازنة بين عالم الشهادة التى منها يتخذ طينة الأمثال» وبين 
عالم الملكوت الذى منه تنزل أرواح المعانى . 
والقطب الثانى: فى طبقات اچ الطينة البشرية ر أنوارهاء فإن هذا المثال 
مسوق لبيان ذلك وقد قرا ائ مسعود «مثل وره فی فلب الُؤمن كمشكاة فيها [التور: #8] , 
وقرأ أبى بن كعب «مثّل نور فلب من امن کمشکاة فيها». 


القطب الأول فى بيان سرالة مثيل ومنهاجه 
اعلم أن العالم عالمان روحانى وجسمانئى. وإن شئت قلت حسى وعقلى» وإن شئت 
قلت علوى وسفلى والكل متقارب» وإغا يختلف باختلاف العبارات» فإذا اعتبرتهما فى 


أننسهما قلت: جسمانى وروحانى» وإذا اعتبرتهما بالإضافة إلى العين المدركة لهما قلت: 
حسى وعقلى» وإن اعتبرتهما بإضافة أحدهما إلى الآخر قلت علوى وسفلى. وربما سميت 
أ-حدهما عالم الملك والشهادة والآخر عالم الغيب والملكورت ومن ينظر إلى الحقائق من 
الألفاظ وكا عم كترنها ويتخيل كثرة المعانى والذى تنكشف له الحقائق يجعل المعانى 
أصلاً والألفاظ 2 وأمر ال بالعكس منه إذ يطلب الحقائق سن الألفاظ وإلى الفريقين 
الإشارة بقوله تعالى :8 أفمن د يمشي مكب علئ وجهه أهدئ أمن يمشي سويا على صراطٍ 
مستقيم [اللك: ؟15. رذ عرقت يني العامة فاعلم أن العالم الملكوتى العلوى 
عالم غيب إذ هو غائب عن الأكثرء والعالم الحسى عالم الشهادة إذ يشهده الكافةء والعالم 
الحسى مرقاة إلى العالم العقلىء ولو کن وا اتال وا انعد ری ا ن 
إنيهء ولو تعذر ذلك لتعذر السفر إلى الحضرة الربوبية والقرب من الله فلن يقرب من الله 
أحد ما لم يطأ بحبوحة حظيرة القدسء والعالم المرتفع عن إدراك الحس والخيال هو الذى 
نعنيه بعالم القدسء» وإذا اعتيرت جملته بحيث لايخرج منه شىء ولا يدخل فيه ما هو 
ريب منه سميناه حظيرة القدس» وربا سمينا الروح البشرى الذى هو مجرى لوائح القدس 
الوادى المقدس . ثم هذه الحظيرة فيها حظائر بعضها أشد إمعانًا فى معانى القدس» ولكن 
افظ الحظيرة محيط بجميع طبقاتهاء فلا تظنن أن هذه الألفاظ طامات غير معقولات عند 
أرباب البصائر . 

واشتغالى الآن بشرح كل لفظ مع ذكره يصدنى عن المقصدء فعليك بالتشمير لفهم 
الألفاظ فأرجع إلى الغرض فأقول: لما كان عالم الشهادة مرقى إلى عالم الملكوت كان سلوك 
لصراط المستقيم عبارة عن هذا الترقى وقد يعبر عنه بالدين. وبمنازل الهدى فلو لم يكن 
بينهما مناسبة واتصال لما تصور الترقى من أحدهما إلى الآخرء فجعلت الرحمة الإلهية عالم 
لشهادة على موازنة عالم الملكوت» فما من شىء فى هذا العالم إلا وهو مثال لشئ من 
ذلك العالمء وربما كان الشئ الواحد مثالاً لأشياء من عالم الملكوت. وربما كان للشئ 
الواحد من الملكوت. أمثلة كثشيرة من عالم الشهادة» وإنما يكون مثالا إذا ماثلة نوعًا من 
الممثالة . وطابقه نوعا من المطابقةء وإحصاء تلك الأمئلة يستدعى استقصاء جميع موجودات 
العالمين بأسرهاء ولن تفى به القدرة البشرية» ولم تتسع لفهمه القوة البشريةء ولا تفى 
لشرحه الأعمار القصيرة» فغايتى أن أعرفك منها أنموذجًا لتستدل باليسير منها على الكثير 
وينفتح لك باب الاستبصار بهذا النمط من الأسرار. فأقول: إن كان من عالم الملكوت 
جواهر نورانية شريفة عالية يعبر عنها باملائكة منها تفيض الأنوار على الأرواح البشرية 
را ی ا ن الله رب الأرباب لذلك» ويكون لها مراتب فى نورانيتها 


متفاوتة » فبالحرى أن يكون مثالها من عالم الشهادة الشمس والقمر والكواكب» وسالك 
الطريق يترقى أولاً إلى ما درجته درجة الكوكب فيتضح له إشراق نوره» ويتكشف له أن 
العالم' الأسفل بأسره تحت سلطانه وتحت إشراق نوره» ويتضح له من جماله وعلو درجته ما 
ينأدى فيقول: هذا ربى» ثم إذا اتضح له ما فوقه ما رتبته رتبة القمر رأى أفول الأول فى 
ا ال لأ اي الآفلينء فكذلك ر قي حت 

ينتهى إلى ما مثاله الشمس فيراه أكبر وأعلى قابلاً للمثال بنوع مناسبة له معه» والمناسبة مع 
ذى النقص نقص؟ وأقول أيضمًا فمنه من يقول: «وجَهت وجهي | للّذي فطر السموات 
والأرض حنيفا وما أنا من المشر كين 4 [الأنعام : 4 ون الثى ا 
إذ لو قال قائل ما مثال مفهوم الذى لم يتصور أن يجاب عنه فالمنزه عن كل مناسبة هو الله 
الحق ء ولذلك ا 0 لرسول الله ما نسبة الله انزل فى جوابه: ل قل هو الله 
أحد ل الله المد م (2> لم يلد ولم يولد عر ولم يكن لَه كفوا أحد 4 1الإخلاص: 

ا ن e‏ ولذلك نا قال قوعون لوسئن؟#وقاارت العالمين؟ كالطالت 
لماهيته يجبه إلا بأفعاله إذا كانت الأفعال أظهر عند السائل »فقال: رب السموات 
والأرض. فقال فرعون لمن حوله: ألا تسمعون كالمنكر عليه فى عدوله فى جوابه عن طلب 
الحقيقة» فقال موسى: : لإ ربكم ورب آبائكم الْأَولين 4 (الصافات: 7 ]. فلسبه فرعون 
الجنون إذ كان مطلبه المثال والماهية وهو يجيب عن 'لأفعال بالأفعال. وقال فرعون: إن 
رسولكم الذى أرسل إليكم لمجنون» ولنرجع الآن إلى الأنموذج فنقول: عالم التعبير يعرفك 
مقدار ضرب الخال لأن الرؤيا جزء من النبوة. أما ترى أن الشمس فى الرؤيا تعبيرها 
السلطان لما بينهما من المشاركة والمماثلة فى معنى روحانى» هو الاستعلاء على الكافة مع 
فيضان الآثار والأنوار على الجميع › وال تعبيره الوزير لإفاضة الشمس نورها بواسطة 
القمر على العالم عند غيبتهاء 4 ا يدن فة اا ر الوزير على من يغيب عن 
حضرة السلطان» وأن من يرى أن فى يده خخاتمًا يختم به أفواه الرجال وفروج النساء فإنه 
يعبر له أنه يؤذن قبل الصبح فى رمضانء ومن رأى أنه يصب الزيت فى الزيتون تعبيره أن 
تحته جارية هى أمه وهو لا يعرفها فاستقصاء أبواب التعبير فى أمثال هذا الجنس غير ممكن 
فلا يمكن الاشتغال يعدهاء بل أقول: كما أن فى الموجودات العالية الروحانية ما مثاله 
ال ال الك ك ذلك ما ما اخ اغى إا ارت ما راف أ 
سوى النورانية» فإن كان فى تلك الموجودات ما هو ثابت لا يتغير وعظيم لا يستصغر ومنه 
تتفجر إلى أودية القلوب البشرية مياه المعارف ونفائس المكاشفات فمثاله الطورء وإن كانت 
الموجودات التى تتلقى تلك النفائس بعضها أولى من بعض فمثاله الوادى» وإن كانت تلك 


کے مجموعة رسائلالامام الفزالی ٣.۱٠۱ u‏ = 


المفائس بعد اتصالها بالقلوب البشرية تجرى من قلب إلى قلب. فهذه القلوب ا أودية 
ومفتتح الوادى قلوب الأنياء والأولياء والعلماءء ثم من بعدهم فإن كانت هذه الآودية دون 
الأول ومنها تغترف فبالحرى أن يكون الأول هو الوادى الأيمن لكثرة يمنه وعلو درجتهء وإن 
كان الوادى الأول يتلقى من آخر درجات الوادى الأيمن فهو يغترف من 0 الوادى الأيمن 
دون ته ومیدانه» وإن كان روح النبى سراجًا منيرا. وكان ذلك الروح مق مقتبسًا بواسطة وحى 
كما قال: 9 أوحينا إليك روحا من أمرنا # (الشورى: ؟0]. فما منه الاقتباس مثاله النار» 
وإن كان المتلقون من الأنبياء ء بعضهم على محض التقليد لما يسمعه وبعضهم على حظ من 
النصيرة؛ مال اأقلد النين اصن احذوة والقسن والقهات وضاعت الدوق مارك لي 
فى بعض الأحوال. ومثال تلك المشاركة الاصطلاء وإنما يصطنى بالنار من معه النار لا من 
سمع خبرهاء وإن كان أول منزل الأنبياء الترقى إلى العالم المقدس عن كدورة الحس 
رالخيال» فمثالء ذلك المتزل الوادى المقدسء وإن كان لا يمكن وطء ذلك المقدس إلا 
إطراح الكونين أعنى الدنيا والآخرة والتوجه إلى الواحد الحق» وكانت الدنيا والآخرة 
متقابلتين متحاذيتين وهما عارضان للجوهر النورانى البشرى يمكن اطراحها مرة والتلبس 
هما أخرى» فمثال إطراحهما عند الإحرام والتوجه إلى كعبة القدس خلع النعلين بل نترقى 
إلى الحضرة الربوبية مرة أخرى» فنقول: وإن كان فى تلك الحضرة شىء بواسطته ننتقش 
العلوم المفصلة فى الجواهر القابلة فمثاله القلم. وإن كان فى تلك الجواهر القابلة للتلقى ما 
انتقش بالعلوم فمثاله اللوح والكتاب في رق مُنشورٍ» [الطور: ۳]. وإن كان فوق الناقش 
للعلوم شىء مسخر له فمثاله اليدء وإن كان لهذه الحضرة المشتملة على اليد واللوح والقلم 
والكتاب ترتيب منظوم فمثاله الصورة» وإن كان يوجد للصور الإنسية ترتيب منظوم على 
هله الشاكلة ين على عرو الخد قر كين أن يقال صل كور اسمن ريت أن 
يقال على صورة الله . إذ الرحمة الإلهية هى التى على صورة الحضرة الإلهية بهذه الصورة. 
ثم أنعم على آدم فأعطاه صورة مختصرة جامعة لجميع أصناف ما فى العالم حتى كأنه كل 
ما فى العالم أو هو نسخة العالم مختصرة. وصور آدم أعنى هذه الصورة مكتوبة بخط الله 
و ی الدى ی برف رو إذ يتره جد عن ان جرف رفع ورو کا 
يتنزه كلامه عن أن يكون صوءًا وحروقاء وقلمه عن أن يكون قصبًا وحديداء ويده عن أن 
تكون لما وعظمًا. ولولا هذه الرحمة لعجز الآدمى عن معرفة ربه إذ لا يعرف ربه إلا من 
عرف نفسهء فلما كان هذا من آثار الرحمة كان على صورة الرحمن لا على صورة الله 
فحضرة الإلهية غير حضرة الرحمن وغير حضرة الملك وغير حضرة الربوبية» ولذلك أمر 

لعياذ بجميع هذه الحضرات فقال : لإ قل أعوذ برب الئاس ل ملك الاس + إله 


سے ٣.٢‏ ہی مجموعةه رسائل الإمام الفزالى سد 


التاس ه لالناس: .]۳-١‏ ولولا هذا المعنى لكن قوله: إن الله خلق آدم على صورة الرحمن 
غير منظوم لفظاء 0 ينبغى أن يقول على صورتهء واللفظ الوارد فى الصحيح على 
صورة الرحمن. ولأن تيز حضرة املك عن حضرة الربوبية يستدعى شرحًا طويلاء 
فلنتجاوز ويكنيك من الأنموذج هذا القدر فإنه بحر لا ساحل له فإن وجسدت فى نفسك 
فو فن هذه لاان ان رة الى أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها 4 
[الرعد: 117]. الآية. فإنه قد ورد فى التفسير أن الماء هو المعرفة والأودية القلوب. 

خاتمة واعتذار: لا تظنن من هذا الأنموذج وطريق ضرب الأمثال رخصة منى فى رفع 
الظاهر واعتقادًا فى إبطالها حتى أقول مثلاً: لم يكن مع موسى نعلان ولم يسمع الخطاب 
بقوله : 9 فاخلع نعليك © اطه: 7]. حاشا لله فإن إيطال الظواهر رأى الباطنية الذين 
نظروا بالعين العوراء إلى أحد العالمين» وجهلوا جهلاً بالموازنة بينهما فلم يفهموا وجهه. 
كما أن أبطال الأسرار مذهب الحشوية فالذى يجرد الظاهر حشوى» والذى يجرد الباطن 
باطنى والذى يجمع بينهما كاملء ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: "للقرآن ظاهر وباطن 
وحد ومطلع». وربما نقل هذا عن على موقفًا عليهء بل أقول موسى فهم من الأمر بخلع 
النعلين اطرح الكوتين فامتثل الآمر ظاهرًا بخلع نعليه وباطنًا بخلع العالمين» فهذا هو 
الاغتبار أي العيوز من شىء إلى :خبره ومن ظاعر إلى رة وقرف بين من اع هول رول 
الله عله : «لا تَدْخْل الملائكة ْنَا فيه كلب أو صورة». قفن الكلب فى البيت ويقول: ليس 
افا ا اد بخ بت الیو کاب الك > لأنه ينع المعرفة التى هى من 
أنوار الملائكة إذ الغضب. غول العقل وبين من يمتثل ١لأمر‏ بالظاهرء ثم يقول ليس الكلب 
بصورته يل بمعناه وهو السبعة والضراوة» وإذا كان حفظ البيت الذى هو مقر الشخص 
والبدن واجبّا عليه أن يحفظ عن صورة الكلبية» فلآن يجب حفظ بيت القلب وهو مقر 
الجوهر الحقيقى الخاص عن سر الكلبية كان أولى» فإن من يجمع بين الظاهر والباطن جميعا 
فهذا هو الكامل» وهو المعنى بقولهم الكامل من لا يطفئ نور معرفته نور ورعهء وكذلك 
ترى الكامل لا يسمح لنفسه بترك حد من حدود الشرع مع كمال البصيرة. 

فهذه مغلطة» منها ما وقع لبعض السالكين فى إباحة طى بساط الأحكام ظاهرا حتى 
ربما ترك أحدهم الصلاة وزعم أنه دائم الصلاة بسرهء وهذًا أشد مغلطة الحمقاء من الإباحية 
الذين تأخذهم ترهات كقول بعضهم: إن الله غنى عن عملنا. وقول بعضهم: إن الباطن 
مشحون بالخبائث ليس يمكن تزكيته منها ولا مطمع فى استئصال الغضب والشهوة بظنه أنه 
مأمور باستتصالهاء فهذه حماقات. وأما ما ذكرناه فهو ككبوة جواد وهفوة سالك صده 
الشيطان فدلاه بحبال الغرور وأرجع إلى حديث النعلين فأقول: ظاهر خلع النعلين منبه على 


ترك الكونينء» فالمشال فى الظاهر حق وأداؤه إلى السر الباطن حقيقة»؛ ولكل حق حقيقة. 
وأهل هذه الرتبة هم الذين بلغوا درجة الزجاجة؛ كما سيأتى معنى الزجاجة لأن الخيال 
الذى من طينته يتخذ المثال صلب كثيف يحجب الأسرار ويحول بينك وبين الأنوار» ولكن 
إذا صفا صار كالزجاج الصافى» وصار غير حائل عن الأنوار بل صار مع ذلك مؤديًا 
للأنواره بل صارخمع ذلك حافظًا للأنوار عن الانطفاء بعواصف الرياح» فستأتيك قصة 
الزجاجة. فاعلم أن العالم الكثيف الخيالى السفلى صار فى حى الأنبياء عليهم السلام 
زجاجة» ومشكاة للآنوار» ومصفاة للأسرار» ومرقاة إلى العالم الأعلى. وبهذا يعرف أن 
المثال الظاهر حق ووراء هذا سر. وقس عليه الضوء والنهار وغيره. 

دقيقة: إذا قال عليه الصلاة والسلام: «رأيت عبد الرحمن بن عوف دخل الجنة 
حبوا». فلا تظن أنه لم يشاهده بالبصر كذلك بل رآه فى يقظته كما يراه النائم فى نومه 
وإن كان عبد الرحمن بن عوف نائمًا فى البيت بشخصه. فإن النوم إنما أثر فى أمثال هذه 
المشاهدات لقهره سلطان الحواس عن النور الباطن الإلهى فإن الحواس شاغلة وجاذبة إلى 
عالم الحس وصارفة وجهه عن عالم الغيب والملكوت» وبعض الأنوار النبوية قد تصفى 
وتستولى بحيث لا تجذيه الحواس إلى عالمهاء ولا تشغله فيشاهد فى اليقظة ما يشاهذه غيره 
فى المنام لكنه إذا كان فى غاية الكمال لم يقتصر إدراكه على محض الصورة المبصرة» بل 
عبر منها إلى السر فاتكشف له أن الإيمان جاذب إلى العالم الأعلى الذى يعبر عنه بالجنة 
والغنى والثروة جاذبة إلى الحياة الحاضرة وهى العالم الأسفل» فإذا كان الجاذب إلى أشغال 
الدنيا أقوى مقارئة من الجاذب للآخر صد عن السير إلى الجنة فإن كان جاذب الإيمان أقوى 
أورث عسراً أو بطنًا فى سيره فيكون مثاله من عالم الشهادة الحبوء فكذلك تنجلى الأسرار 
من وراء زجاجات الخيال وذلك لا يقضر فى حكمه على عبد الرحمن وإن كان إيصاره 
مقصورا عليه؛ بل يحكم به عن كل من قويت بصيرته واستحكم إيمانه وكثرت ثروته كثرة 
تزاحم الإيمان؛ لكن لا تقاومه لرجحان قوة الإيمان» فهذا يعرفك كيفية إبصار الأنبياء 
الصور؛ وكيفية مشاهدتهم المعانى من وراء الصورء والأغلب أن يكون المعنى سابقًا إلى 
المشاهدة الباطنية » ثم يشرف منه على الروح الخيالى فينطبع بصورة موازية للمعنى محاكية 
له» وهذا الحظ من الوحى فى اليقظة يحتاج إلى التأويل كما أنه فى النوم يفتقر إلى التعبير» 
والواقع منه فى النوم نسبته إلى الخواص النبوية نسبه :لواحد إلى ستة وأربعين» والواقع منه 
فى اليقظة نسبته أعظم من ذلك وأظن أن نسيتة نسبه الواحد إلى الثلاثة» فإن الذى انكشف 
لنا أن الخواص النبوية تنحصر شعبها فى ثلاثة أجناس وهذا واحد من تلك الأجناس 
الثلاثة . 


ıı www ٣.)‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالى 


القطب الثانى: فى بيان مراتب الأرواح البشرية النورانية إذ بمعرفتها تعرف أمثلة 
القرآن: 

. فالأول منها: الروح الحساس وهو الذى يتلقى ما تورده الحواس إذ كان أصل الروح 
الحيوانى وأوله وبه يصير الحيوان حيوانًا وهو موجود للصبى الرضيع. 

الثانى: الروح الخيالى وهو الذى يكتب ما أوردته الحواس ويحفظه مخزونًا عنده 
ليعرضه على الروح العقلى فوقه عند الحاجة إليه. وهذا لا يوجد للصبى الرضيع فى بدء 
نشوئه ولذلك يولع بالشئ ليأخذء فإذا غيب عنه ينساه ولا تنازعه نفسه إليه إلى أن يكبر 
قليلاً بحيث إذا غيب عنه بكى وطلب ذلك لبقاء صورته محفوظة فى خياله» وهذا قد 
يوجد لبعض الحيوانات دون بعضء. ولايوجد للفراش المتهاقت على النار لأنه يقصد النار 
لشغفه بضياء النار فيظن أن السراج كوة مفتوحة إلى موضع الضياء فيلقى نفسه عليه فيتأذى 
به » لكنه إذا جاوزه وحصل فى الظلمة عاوده مرة أخرى بعد مرة» ولو كان الروح الحافظ 
المستثبت لا آداه الحس إليه من الألم لما عاوده بعد أن تضرر به مرة. فالكلب إذا ضرب مرة 
بخشبة فإذا رأى الخشبة بعد ذلك هرب. 

الثالث: الروح العقلى الذى يدرك المعانى الخارجة عن الحس والخيال وهو الجوهر 
الإنسى الخاص ولا يوجد للبهائم ولا الصبيانء ومدركاته المعارف الضرورية الكلية كما 
ذكرناه عند ترجيح نور العقل على نور العين. 

الرابع : الروح الفكرى وهو الذى يآخذ العلوم العقلية المحضة فيوقع بينها تأليفات 
وازدواجات ويستنتج منها معارف نفسية ثم استفاد نتيجتين مثلاً ألف بينهما مرة أخرى 
واستفاد نتيجة مرة أخرى» ولا تزال تتزايد كذلك إلى غير نهاية. 

الخامس: الروح القدسى النبوى الذى به يختص الأنبياء وبعض الأولياء» وفيه تنجلى 
لوائح الغيب وأحكام الآخرة وجملة من معارف ملكوت السموات والأرض» بل من 
المعارف الربانية التى تقتصر دونها الروح العقلى والفكرى وإليه الإشارة بقوله تعالى: 
( وكذلك أوحينا ليك روحا مَن أَمَرِنَا ما كنت تَدَرِي ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا 
نهدي به من نُشَاء من عبادنا وإنّك لتهدي إلى صراط مستقيم 4 [الشورى: 07 . ولا يبعد 
أيها المعتكف فى عالم العقل أن يكون وراء العقل طورًا آخر يظهر فيه ما لا يظهر فى العقل 
كما لم يبعد كون العقل طور؟ وراء التمييز والإحساس ينكشف فيه غرائب وعجائب يقصر 
عنها الإحساس والتمييز. فلا تجعل أقصى الكمال وققًا على نفسك؛ وإن أردت مثالاً عا 
تشاهده من جملة خواص بعض البشر فانظر إلى ذوق الشعر كيف يختص به قوم من الناس 
وهو نوع إدراك ويحرم منه بعضهم حتى لاتتميز عندهم الآلحان الموزونة من المزحفة. وانظر 


جح مجموعة رسائل الاإمام الغزالی جب سب سس سس شح ٣.۵١‏ = 
كيف عظمت قوة الذوق فى آخرين حتى استخرجوا منها الموسيقى والأغانى وصنوف 
الدستاتات التى منها المحزن» ومنها المطرب» ومنها المنوم» ومنها المبكىء ومنها المجنن» 
ومنها القاتل» ومنها الموجب للغشى وإنما تقوى هذه الآثار فيمن له أصل الذوق» وأما 
العاطل عن خخاصية الذوق فإنه يشارك فى سماع الصوت وتضعف فيه هذه الآثار وهو 
يتعجب من صاححمب الوجد والغشى ولو اجتمع العقلاء كلهم من أرباب الذوق على تفهيمه 
معنى الذوق لم يقدروا عليه . 

فهذا مثال فى أمر خسيس لأنه قريب إلى فهمك فقس به الذوق الخاص النبوى. 
واجتهد فى أن تصير من أهل الذوق بشئ من تلك الروح فإن للأولياء منه حقنًا وافراء فإن 
لم تقدر فاجتهد أن تصير بالأقيسة التى ذكرناها والتشبيهات التى رمزنا إليها من أهل العلم 
بها فإن لم تقدر فلا أقل من أن تكون من آهل الإیان بهاظ ير برقع الله الذين آمنوا هنكم 
والّذين أوتوا العلم درجات 4 [المجادلة: .]١١‏ والعلم فوق الإيمان. والذوق فوق العلمء 
والذوق وجدان والعلم قياس» والإيمان قبول مجرد بالتقليد وحسن الظن بأهل الوجدان أو 
بأهل العرفان. وإذا عرفت هذه الأرواح الخمسةء فاعلم أنها بجملتها أنوار إذ بها تظهر 
أصناف الموجودات والحسى والخيالى منها وإن كان يشارك البهائم فى جنسهاء لكن الذى 
للإنسان منها نمط آخر أشرف وأعلى وخلقًا فى الإنسان لغرض آخر أجلى وأسنى. وأما 
الحيوانات فلم يخلقا لها ليكونا آلتها فى طلب غذائها وتسخيرها للأدميين. وإنما خلقا 
للأدمى ليكونا شبكة له يقتص بهما فى جهة العالم الأسفل مبادئ المعارف الدينية الشريفة إذ 
الإنسان إذا أدرك بالحمس شخصًا معيئًا اقتبس من عقله معنى عامًا مطلقًا كما ذكرنا فى مثال 
عبد الرحمن بن عوف فإذا عرفت هذه الأرواح الخمسة فلنرجع إلى عرض الأمثلة . 

بيان أمثلة هذه الآية: اعلم أن القول فى ر هذه الأرواح الحمسة للمشكاة 
والزجاجة والمصباح والشجرة والزيت يمكن تطويله» لكنى أوجز وأقتصر على التنبيه على 
طريقهء فأقول: أما الروح الحاس فإذا نظرت إلى خاصيته وجدت أنواره خارجة من ثقب 
عدة كالعينين والأذنين والمنخرين وغيرهما فأوفق مثال له فى عالم الشهادة المشكاة. وأما 
الروح الخيالى فتجد له خواص ثلاثة : 

إحداها: أنه من طينة العالم السفلى الكثيف لأن الشىئ المتخيل ذو مقدار وشكل 
وجهات محصورة مخصوصة وهو على نسبة من المتخيل من قرب أو من بعد.ومن شأن 
الكثيف الموصوف بأوصاف الأجسام أن يحجب عن الأنوار العقلية المحضة التى تتنزه عن 
الوصف بالجهات والمقادير والقرب والبعد. 

الثانية: أن هذا الخيال الكثشيف إذا صفى ورقق وهذب وضبط صار موازيًاً للمعانى 
العقلية محاذيًا لها وغير حائل عن إشراق نور منها. 


کک ۳.٦١‏ سد مجموعة رسائل الإمام الفزالى يت 

الثالثة: أن الخيال فى بداية أمره محتاج إليه جدًا لتنضبط له المعارف العقلية فلا 
تضطرب ولا تتزلزل ولا تنتشر انتشارا يخرج عن الضبط إذ تجمع المثالات الخيالية للمعارف 
العقلية : 


وهذه الخواص الشلاثة لا تجدها فى عالم الشهادة بالإضافة إلى الأنوار المبصرة إلا 
الزجاجة فإنها قن الأصل من جوهر كثيف لكن صفى ورقق حتى صار لا يحجب نور 
المصباح بل يؤديه على وجهه ثم يحفظه عن الانطفاء بالرياح العاصفة والحركات العنيفة فهى 
أولى مثال به. 

وأما الثالث: وهو الروح العقلى الذى فيه إدراك المعانى الشريفة الإلهية فلا يخفى 
عليك وجه قثيلها وقد عرفت هذا مما سبق من بيان معنى كون الأنبياء سراجًا مئيراً. 

وأما الرابع: وهو الروح الفكرى فمن خاصيته أن يبتدئ من .أصل واحد ثم يتشعب 
شعبتين ثم كل شعبة شعبتين» وهكذا إلى أن تكثر الشعب بالتقسيمات العقلية؛ ثم يفضى 
بالآخر إلى نتائج تعود فتصير بذورًا لأمثالها إذ يمكن أيفمًا تلقيح بعضها بالبعض فيكون 
مثاله من هذا العالم .الشجرة» وإذا كانت ثمراتها مادة ‏ لتضاعف المعارف وثباتها ويقائهاء 
فبالحرى أن لا تئل بشجرة السفرجل والتفاح والرمان وغيرها من جملة سائر الأشجار إلا 
بالزيتونة خاصة لأن لب ثمرتها هو الزيت الذى هو مادة المصابيح ويختص من بين ساثر 
الأدهان بخاصية زبادة الإشراف وإذا كانت الشجرة التى تكثر ثمرتها تسمى مباركة فالتى 
لا تتناهى 'ثمرتها إلى -حد محدود أولى :أن تسمى-شججرة مباركة- .وإذا كانت شعب الأفكار 
العقلية المحضة نخارجة عن قبول الإضافة إلى الجهات والقرب والبعد فأولى أن تكون شرقية 
ولا غربية. 

وأما الخامس: وهو الروح القدسى النبوى والمنسوب إلى الأولياء إذا كان فى غاية 
الإشراق والصفاء بوكانت الروح المفكرة منقسمة إلى ما يحتاج إلى تعليم وتنبيه ومدد من 
خارج حتى يستمر فى .أنؤواع المعارف» .وبعضها يكون فى شدة الصفاء كأنه تبيه من نفسه 
بغیر مدد من خارج» فبالحرى أن يعبر عن الصافى القوى الاستعداد بأنه يكاد زيته يضئ ولو 
لم تمسه نار إذ فى الأولياء من يكاد يشرق نوره حتى يكاد يستغنى عن مدد الأنبياء. وفى 
الأنياء من يكلد يستغنى .عن مدد الملائكة فهذا المثال موافق لهذا القسم وإذا كانت هذه 
الأنوار مرتبة بعضها على بعض فال حس هو الأول وهو كالتوظنة .والتمهيد للخيالى إذ لا 
يتصور الخيالى إلا :مبؤضوعًا بعده .والفكرى والعقلى يكونان بعدهاء فبالحرى أن تكيون 
الزجاجة كالمحل للمصياح والمشكاة كالمحل للزجاجة لغيكون المصباح فى زجاجة والزجاجة 
فى مشكاة» وإذا كانت هذه كلها أنوار بعضها فوق بعض فبالحرى أن تكون نور على نور 
فافهم والله الموفق. 


حب محموعةرسائل الإمامالقزالى ا جص ب ب سسحت ١‏ ”7 


خاتمة: هذا مثال إنما يصلح لقلوب المؤمنين أو لقلوب الأنبياء والأولياء لا لقلوب 
الكفارء فإن النور يراد للهداية فالصروف عن طريق الهدى ياطل وظلمة» بل أشد من 
الظلمة لأن الظلمة لا تهدى إلى باطل كما تهدى إلى ححق» وعقول الكفار انتكست وكذلك 
سائر إدراكاتهم وكقاونت على الضلال فى حقهم» فمثالهم كرجل فى بحر لجى يغشاه موج 
من فوقه موج من فوقه سحاب ظلمات بعضها فوق يعضء. والبحر اللجى هو الدنيا بما فيها 
من الأخطار المهلكة والحوادث الرديئة والمكدرات المعمية» والموج الأول: موج الشهوات 
الباعثة إلى الصفات البهيمية والاشتغال باللذات الحسية وقضاء الأوطار الدنيوية حتى أنهم 
يأكلون ويتمتعون كما تأكل الأنعام والنار متوى لهمء أن يكون هذا الموج مظلمًا لأن حب 
الشئ يعمى ويصم. والموج الشانى: موج الصفات السبعية الباعشة على الغضب والعداوة 
والبغضاء والحقد والحسد واللباهاة والتفاخر والتكاثر وبالحرى أن يكون مظلمًا لآن الغضب 
غول العقل وبالحرى أن يكون هو الموج الأعلى لأن الغضب فى الآاكثر مستول على 
الشهوات» حتى إذا ماج أذهل عن الشهوات وأغفل عن اللذات فإن الشهوة لا عقاوم 
الغضب الهائج أصلاًء وأما السحاب فهو الاعتقادات الخبيثة والظنون الكاذية والخيالات 
الفاسدة التى صارت حجًا بين الكافر ويين الإينان ومعرفة الحق والاستضاءة ينور شمس 
القرآن والعقل فإن خاصية السحاب أن يحجب إشراق نور الشمسن» وإذا كانت هذه كلها 
مظلمة فبالحرى أن تكون ظلمات بعضها فوق بعض» وإذا كانت هذه الظلمات تحجب عن 
معرفة الأشياء القريية فضلا عن اليعيدة فلذلك تحجب الكقار عن معرفة عنجائب أحوال 
النبى يله مع قرب متناوله وظهوره بأدنى تأعل» فبالحرى أن يعبر عنه بأنه إذا أخرج يده لم 
يكد يراهاء. وإذا كان منبع الأنوار كلها من النور الأول الحق كما سبق» فبالحرى أن يعتقد 
كل موحد أن من لم يجعل الله له نور فما له من نورء ويكفيك. هذا القدر من أسرار هذه 


الآية فاقنع . 


لسدا مام مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 
المصل الثالث 
فى معنى قوله َه :, إن لله سبعين حجابا 
من نوروظلمة لوكشتها لأحرقت سبحات وجهه كل من 
أدركه بصره, 


فود يمن الروانات شكيجانة زفق يها سيق القاد اول ن اله ای مسج قن 
ذاته بذاته لذاته ويكون الحجاب بالإضافة إلى محجوب لا محالة؛ وإن المحجوبين من الخلق 
ثلاثة أقسام منهم: من يحتجب بمجرد الظلمة» ومنهم: من يحتجب بمجرد النور المحض» 
ومنهم: من يحتجب بنور مقرون بظلمة. وأصناف هذه الأقام كثيرة تتحقق كثرتهاء 
ويمكننى أن أتكلف حصرها لكننى لا أثق بما يلوح من تحديد وحصر إذ لا يدرى أهو المراد 
فى الحديث آم لاء أما الحصر إلى سبعمائة أو سبعين ألقًا فذلك لا تستقل به إلا القوة 
النبوية مع أن ظاهر ظنى أن هذه الأعداد مذكورة لا للتحديد» وقد تجرى العادة بذكر أعداد 
ولا يراد بها الحصرء بل التكثير والله أعلم بحقيقة ذلك فهو خارج عن الوسع» وإغا الذى 
يمكننى الآن أن أعرفك هذه الأقسام وبعض أصناف كل قسم فأقول: 

القسم الأول: هم المحجوبون بمحض الظلمة وهم الملاحدة الذين لا يؤمنون بالله ولا 
باليوم الآخرء وهم الذين يستحبون الحياة الدنيا على الآخرة لأنهم لا يؤمنون بالآخرة أصلاً 
وهم أصناف . 

الصنف الأول: تشوق إلى طلب سبب لهذا العالم فأحاله الطبع والطبع صفة مركوزة 
في الأجام حالة فيهاء وهى مظلمة إذ ليس لها معرفة وإدراك ولا خبر لها من نفسها ولا 
تصور لها وليس لها نور يدرك بالبصر الظاهر أيضا. 

الصنف الثانى: هم الذين شغلوا بأنفسهم ولم يتفرغوا لطلب السبب بل عاشوا عيشة 
البهائم فكان حجابهم أنفسهم المركوزة وشهواتهم المظلمة فلا ظلمة أشد من الهوى والنفس . 
ولذلك قال تعالى :ل أفرأيت من اتخذ إلهه هواه (الجائية: *؟]. وقال النبى له : «الهوى 
أبْعَض إله عبد إلى اء وهؤلاء ينقسمون فرقًا: ففرقة زعمت أن غاوة المطلب من الدنيا 
تن ا ونيل الشهرات وإدراك اللذات البهيمية من منكح ومطعم ومشرب 
وملبس» فهؤلاء عبيد اللذة يعبدونها ويطلبونها ويعتقدون أن نيلها غاية السعادة رضوا 
لأنفسهم بأن يكونوا بمنزلة البهائم بل كيلا ينظر الناس إليهم بعين الحقارة» وهؤلاء الأصناف 
لا يحصون وكلهم محجوبون عن الله بمحض الظلمة وهى نفوسهم المظلمة» ولا معنى لذكر 
آحاد الفرق بعد وقوع التنبيه على الأجناس» ويدخل فى جملة هؤلاء جماعة يقولون 


بلسانهم لا إله إلا الله ولكن ربما حمله على ذلك خوف» أو استظهار باللمين أو تجمل 
بهم أو استمداد من مالهمء أو لأجل التتعصب لتصرة مذهب الاباءء وهؤلاء إذا لم 
تحملهم هذه الكلمة على العمل الصالح فلا تخرجهم من الظلمات إلى النور بل أولياؤهم 
الطاغوت يخرجونهم من النور إلى الظلمات فأما من أثرت فيه الكلمة بحيث ساءته سيئاته 
وسرته حستاته فهو خارج عن محض الظلمة وإن كان كثير المعصية. 

القسم الثانى: طائفة حجبوا بنور مقرون بظلمة وهم ثلائة أصئاف: صنف منشأ 
ظلمتهم من الحسء وصنف منشاً ظلمتهم من الخيال» وصنف منشآ ظلمتهم من مقايسات 
عقلية فاسدة. 

الصنف الآول: المحجوبون بالظلمة الحسية وهم طوائف لا يخَلو واحد منهم عن 
مجاوزة الالتفات إلى نفه وعن التأله والتشوق إلى معرفة ريه» وأول درجاتهم عبدة الأوئان 
وآخرهم الثنوية وبينهما درجات. ٍ 

الطائفة الأولى: عبدة الأوثان علموا فى الجملة أن لهم ربا يلزمهم إيثاره على 
نفوسهم المظلمة واعتقدوا أن ربهم أعز من كل شىء وأنفس من كل نفيس» ولكن حجبتهم 
ظلمة الحس عن أن يتجاوزوا المحسوس من أتفس الجوهر كالذهب والقضة والياقوت 
أشخاصًا مصورة بأحسن الصور واتخذوها آلهة»ء فهؤلاء محجوبون. بنور العرّة واللجمال من 
صفات الله وأنوارهء ولكتهم ألصقوها بالأجسام المحسوسة وصدهم عن ذلك النور ظلمة 
الحسء فإن الحس ظلمة بالإضافة إلى العالم الروحاتى كما سبق . 

الطائفة الثانية: جماعة من أقاصى الترك ليس لهم ملة ولا شريعة يعتقدون أن لهم 
ربا وأنه أجمل الأشياء وإذا رأوا إنسانًا فى غاية الجمال أو شجرًا أو قرسا أو غير ذلك 
سجدوا له وقالوا إنه ربناء وهؤلاء محجوبون بنور الجمال مع ظلمة اللحس وهم أدخل فى 
ملاحظة التور من عبدة الوثان لأنهم يعبدون الحمال المطلق دون الشخص الخاصن ولا 
بخصصونه يشخص دون شخص ثم يعبدون الجمال المطبوع لا المصنوع من جهتهم 

الطائفة الثافثة: قالوا ينبغى أن يكو ربنا نورانيًا فى ذاته» بهيًا فى صورته ذا سلطان 
نى نفسهء مهييًا فى حضرته لا يطاق القرب منه» ولككن ينبغى أن يكوك محسوسًا إذ لا 
معنى لَغيو المحسوس عندهمء ثم وجدوا النار بهذ الصفة فعيدوهل واتخلوها ويا فهؤلاء 
محجوبون بنور السلطنة واليهاء:ه وكل ذلك من أنوار الله تعالى. 

الطائفة الرايعة: زعموا أن التار نستولى نحن عليها بالاشتعال والإطفاء فهى تحت 
'تصرقنا قلا تصلح للإلهية بل مايكون بتلك الصفة أعنى السلطنة: والبهاء» ثم تكون نحن 


جد 7١ ١‏ سيب 7ح مجموعة رسائل الامامالفزالنى جع 


تحت تصرفه ويكون مع ذلك موصوقًا بالعلو والارتفاع» ثم كان المشهور فيما بينهم عام 
النجوم وإضافة التأثيرات إليهاء فمنهم من عبد الشعرى» ومنهم من عبد المشترى إلى غير 
ذلك من الكواكب بحسب ما اعتقدوه فى النجوم من كثرة التأثيرات» فهؤلاء محجوبون 
بنور العلو والإشراق والاستيلاء وهى أنوار الله تعالى. 

اة اا ات و لعن رو كاك له ليف أ ور 
موسومًا بالصغر والكبر بالإضافة إلى الجواهر النورانية . بل ينبغى أن يكون أكبرها فعبدوا 
الشمس إذ قالوا هى أكبر. فهؤلاء محجوبون بنور الكبرياء مع بقية الأنوار مقرونًا بظلمة 
الحواس. 

الطائفة السادسة: ترقوا من هؤلاء فقالوا النور كله لا تنفرد به الشمس بل لغيرها 
أيضًا أنوار» ولا ينبغى أن يكون للرب شريك فى نورانيته فعبدوا النور المطلق الجامع لجميع 
الأنوار. وزعموا أنه رب العالمين والخيرات كلها منسوبه إليهء ثم رأوا فى العالم شرورا فلم 
يستحسنوا إضافتها إلى ربهم تنزيها له عن الشر فجعلوا بينه وبين الظلمة منازعة وأحالوا 
العالم إلى النور والظلمة وربما سموها: (يزدان واهرمن) وهم .لثنوية فيكفيك هذا القدر 
تنبيها على هذا الصنف فهم أكثر من ذلك. 

الصنف الثانى: المحجوبون ببعض الأنوار مقرونًا بظلمة الخيال وهم الذين جاوزوا 
الحس وأثبتوا وراء المحسوسات أمراء لكنهم لم يمكنهم مجاوزة الخيال فعبدوا موجودًا قاعد 
على العرش وأخسهم رتبة المجسمة:ء ثم أصناف الكرامية بأجمعهم., ولا يمكننى شرح 
مقالاتهم ومذاهبهم فلا فائدة للتكثيرء ولكن أرفعهم دراجة من نفى الجسمية وجميع 
عوارضها إلا الجهة المخصوصة بجهة فوق لأن الذى لا ينسب إلى الجمهة ولا يوصف بأنه 
خارج العالم ولا داخله لم يكن عندهم: موجوداء إذ لم يكن متخيلاً ولم يدركوا أن أول 
درجات المعقولات تجاوز النسبة إلى الجهات والحيزة. 

الصنف الثالث: المحجوبون بالأنوار الإلهية مقرونة بمقاسات عقلية فاسدة مظلمة 
نَسِبذوا إلها سما بصا غالا قادرا مريد) حي مترها عن الحهات» لكتهم فنهموا هذه 
الصفات على حسب مناسبة صفاتهم» وربا صرح بعضهم» فقال كلامه حروف وأصوات 
كکلامناء وربا ترقى بعضهم فقال: لا بل هو كحديث نفسنا ولا حرف ولاصوت» وكذلك 
إذا طولبوا بحقيقة السمع والبصر والحياة رجعوا إلى التشبيه من حيث المعنى وإن أنكروها 
باللفظ إذ لم يدركوا أصلاً معانى هذه الإطلاقات فى حق الله تعالى» ولذلك قالوا فى 
إرادته إنها حادثة مثل إرادتنا وإنه طلب وقصد مثل قصدناء وهذه مذاهب مشهورة فلا 
حاجة إلى تفصيلها. وهؤلاء محجوبون بجملة من أنوار مع ظلمة المقايسات العقلية 
الفاسدة؛ فهؤلاء كلهم أصناف القسم الثانى الذين حجبوا بنور مقرون بظلمة. 


کے مجموعة رسائلالإمام الفزالی ہج سیک ٣۱۱١‏ = 


القسم الثالث: هم المحجوبون بمحض الأنوار وهم أصئاف ولا يمكن إحصاؤهم 
فأشير إلى ثلاثة أصناف منهم: 

'لصنف الأول: عرفوا معنى الصفات تحقيقًا وأدركوا أن إطلاق اسم الكلام والإرادة 
والقدرة والعلم وعرقا على ا فتحاشوا عن تعريفه بهذه 
الصفات وعرفوة بالإضافة إلى المخلوقات كما عرف موسى فى جواب قول فرعون: وما 
رب العالين؟ فقالوا: إن الرب المقدس عن معانى هذه الصفات محرك السموات رها 

الصنف الثانى: ترقوا عن هؤلاء من حيث ظهر لهم أن فى السموات كثرةء وأن 
محرك كل سماء خاصة موجود آخر يسمى ملكا فيهم كثرة» وإنما نسبهم إلى الأنوار الإلهية 
نسبة الكواكب فى الأنوار المحسوسةء ثم لاح لهم أن هذه م0 
يتحرك الجميع بحركته فى اليوم والليلة مرة» فالرب هو المحرك للجرم الأقصى المحتوى على 
الأفلاك كلها إذ الكثرة منفية عنه . 

الصنف الثالث: ترقوا عن هؤلاء وقالوا: إن تحريك الأجسام بطريق المباشرة ينبغى أن 
يكون خدمة لرب العالمين وعبادة له وطاعة له وطاعة من عبد من عبيده يسمى ملكا نسبته 
إلى الأنوار الإلهية المحضة نسبة القمر إلى الأنوار المحسوسة» فزعموا أن الرب هو المطاع من 
جهة هذا المحرك. ويكون الرب تعالى وجد محركًا للكل بطريق الأمر لا بطريق المباشرة» 
ثم فى تفهيم ذلك الأمر وماهيته غموض يقصر عنه أكثر الأفهام ولا يحتمله هذا الكتاب» 
فهؤلاء أصناف كلهم محجوبون بالأنوار المحضةء وإنما الواصلون صنف رابع تجلى لهم أيضًا 
أن هذا المطاع موصوف بصفة تنافى الوحدانية المحضة والكمال البالغ لسر ليس يحتمل هذا 
الكتاب كشفهء وأن نسبة الحمر إلى جوهر النار الصرف فتوجهوا من الذى يحرك السموات 
ومن الذى أمر بتحريكهاء فوصلوا إلى.موجود., منزه عن كل ما أدركه بصر الناظرين 
وبصيرتهم إذ وجدوه منزها ومقدسًا عن جميع ما وصفناه من قبل» ثم هؤلاء انقسموا: 

فمنهم من احترق منه جميع ما أدركه بصره وانمحق وتلاشى ولكن بقى هو ملاحظا 
للجمال والقدس وملاحظا ذاته فى جماله الذى تاله بالوصول إلى الحضرة الإلهية» فاشغحقت 
فيه المسصرات دون المبصرء وجاوز هؤلاء طائفة منهم خواص الخواص فأحرقتهم سبحات 
وجهه الأعلى وغشيهم سلطان الجلال وانمحقوا وتلاشوا فى ذاتهم. ولم ب يبق لهم لحاظ إلى 
أنفسهم لفنائهم عن أنفسهم. ولم يبق إلا الواحد الحق وصار معنى قوله (١‏ كل شيء هالك 
إلا وجهه © (القصص: 4. لهم ذوقًا وحالاًء وقد أشرنا إلى ذلك فى الفصل الأول وذكرنا 
أنهم كيف أطلقوا الاتحاد وكيف ظنوه فهذه نهاية الواصلين. 

منهم من لم يتدرج فى الترقى والعروج عن التفصيل الذى ذكرناه» ولم يطل عليه 
العروج فسبقوا من أول وهلة إلى معرفة القدس وتنزيه الربوبية عن كل ما يجب تنزيهه عنه 


قغلب عليهم أولاً ما غلب على الآخرين ن آخراء وهجم عليهم التجلى دفعة فأحرقت 
سبحات وجهه جميع ما يمكن أن يدركه بصر حسى أو بصيرة عقليةء ويشبه أن يكون الأول 
طريق الخليل» والئانى طريق الحبيب صلوات الله وسلامه عليهماء والله أعلم يأسرار 
أقدامهما وأتوار مقامهما: 

فهته إشارة إلى آصتاف المحجوبين ولا يبعد أن يبلغ عندهم إذا فصلت المقامات 
وتتبع حجب السالكين سبعين آلقّاء ولكن إذا فتشت لا تجد واحدا منهم خارجًا عن الأقسام 
التى ذكرناهاء قإنهم إما يحتجون يصفاتهم البشرية أو بالحس أو بالخيال وبمقايسة العقل أو 
بالنور اللحض كما سيق . 

فهذا ما حضرنى فى جواب هذه الأسئلة مع آن السؤال صادفتى ٠»‏ والفكر منقسم» 
والخاطر متشعبء والهم إلى غير ذلك الفن منصرفء. ومقترحى عليه أن تسأل لى العفو 
عما طغى به القلم أو زلت به القدم. قإن خوض غمرة الآسرار الإلهية خطيرةء واستكشاف 
الأنوار العلوية من بوراء الحجب غير يسيره والحمد لله رب العالمين» وصلى الله على سيدنا 
محمد وآله الطيبين الظاهرين . 


ب يض قري 
رسالة الطير 
دكرالعنقاء 
اجتمعت أصناف الطيور على اختلاف أنواعها وتباين طباعهاء وزعمت آنه لا بذ لها 
من ملك : واتفقوا أنه لا E‏ الشأن إلا العنقاء وقد وجدوا لخبر عن استيطائها فى 
مواطن للغرب وتقررها فى بعض الجزائر قجمعتهم داعية الشوق وهمة الطلب فصمموا 
العزم على التنهوض إليهاء والااستظلال بظلهاء والمثول بفئائهاء والاستسعاد بخدمتهاء 
فتناشدوا وقالوا: 
ووا إلى الدار من لَيْلى حييها 
نعم وتسألهم عن بعض يها 
وإذا الأشواق الكامنة قد برزت .من كمين القلوب وزعمت لان الطلبء بأى نواحى 
الأرض أبخى .وصالكم وأنتم .ملوك ما لمقصدهم نحو. 
وإذا مهم بمنادى الغيب ينادى من وراء الحجب" : ولا تلقوا بأيديكم إلى التُهلكّة » 
[البقرة: :2581.56 لازدموا أماكنكم ولا تفارقوا 'مساكتكمء فإنكم إن فارقتم أوطانكمء ضاعفتم 
أشجانكم» فدونكم والتعرض للبلاء :والتحلل بالفناء : 


جح مجموعة رسائل الإمام الفزالی uw‏ سسسب ٣۱۳٣‏ = 


إنزاللامةمن سعدى وجارتها 
أن لا تحل على حال بواديها 
قلما سمعوا نداء التعذر من جتاب الجبروت ما ازدادوا إلا شومًا وقلقًا وتميرً وأرقًاء 
واا م ر 
و لتم سيف كس 
بقيِر كلام ليلىماشفاكا 
وزعموا: 
إن لحب اذى ك :رة 
أو يلت ف روسن وى به الدار 
ثم نادى لهم الحنين». ودب فيهم الجنون» فلم يتلعثموا في الطلب اهتزازًا منهم إلى 
بلوغ الأرب . فقيل لهم: بين أيديكم المهامة الفيح والجبال الشاهقة والبحار المغرقة وأماكن 
القر ومساكن الحرء فيوشك أن تعجزوا دون بلوغ الأمنية فتخترمكم المنية» فالأحرى بكم 
مساكنة أوكار الأوطار قبل أن يستدرجكم الطمعء وإذا هم لا يصغون إلى هذا القول. ولا 
يبالون» بل رحلوا وهم يقولوف: | 
فريدّعن الح لان فى كل بلدة 
إذاعظُم الطلوب قل الام 
فامتطى كل منهم مطية الهمة قد ألجمها بلجام الشوق وقومها بقوام العشق وهو 
يقول: 
انْظْرْ إلى تاقتى فى ساحة الوادى 
يه او و ت تنا 
إا اشتكتا من كلال البَين أورعدها 


ER E 


ررح القدوم فتخياعند ميعادى 
تَهابوج هك نورٌستضىء به 
وفى توالك من أ قابها حادى 
فرحلوا من محجة الاختيار. فاستدرجتهم بحد الاضطرارء فهلك من كان من يلاد 
الحر فى بلاد البردء ومات من كان من بلاد البرد فى بلاد الحرء وتصرفت فيهم الصواعق. 
وتحكمت عليهم العواصف حتى خلصت منهم شرذمة قليلة إلى جزيرة الملك». ونزلوا بفنائه 
واستظلوا بجنابه» والتمسوا من يخبر عنهم الملك وهو فى أمنم حصن من حمى عزهء 
فأخبر بهم فتقدم إلى بعض سكان الحضرة أن يسألهم: ما الذى حملهم على الحضور؟ 


و 





کی ٠۱)‏ سح مجيموعة رسائل الإمامالفزالى د 
فقالوا: حضرنا ليكون مليكناء فقيل لهم: أتعبتم أنفسكم فنحن الملك شتتم أو أبيتم» جتتم 
أو ذهبتمء لا حاجة بنا إليكم» فلما أحسوا بالاستغناء والتعذر أيسوا وخجلوا وخابت 
ظنونهم فتعطلوا فلما شملتهم الحيرةء وبهرتهم العزةء قالوا لا سبيل إلى الرجوع فقد 
تخاذلت القوى وأضعفنا الجوى. فليتنا تركنا فى هذه الجزيرة لنموت عن آخرناء وأنشتوا 
بقولون هذه الأبيات : 

أسكان اة هل مقرى 

ققذدفع ليل فيم اقوعا 
ا من الزاد إن تههدىما 


e TE 
هذا وقد شملهم الداءء وأشرفوا على الفناءء ولوا إلى الدعاء:‎ 


فكل غلا لأخسي هرضي عا 
فلما عمهم اليأس» وضاقت بهم الأنفاس تداركتهم أنفاس الإيناس وقيل لهم: 
هيهات فلا سبيل إلى اليأس» فلا ييأس من روح الله إلا القوم الخاسرون» فإن كان كمال 
الغنى يوجب التعزز والرد فجمال الكرم أوجب السماحة والقبول» فبعد أن عرفتم مقداركم 
فى العجز عن معرفة قدرنا فحقيق بنا إيواؤكن فهو دار الكرم ومنزل النعم. فإنه يطلب 
المساكين الذين رحلوا عن مساكنة الحسبان ولولاه لما قال سيد الكل وسابقهم: «أ 
مسكيئًا؛ ومن استشعر عدم استحقاقه فحقيق بالملك العنقاء أن يتخذه قريئّاء فلما استأنسوا 
بعد أن استيأسواء وانتعشوا بعد أن تعبسوا ووثقوا بفيض الكرم واطمأنوا إلى درور النعم 
سألوا عن رفقائهم فقالوا: ما الخبر عن اكرام قطنت بوي الاب وال الول اح 
أم لهم دية؟ فقيل : یمات همات :ل رسن يخرج من بيت مهاجرا إلى الله ورسوله لم يدرك 
اموت فقد وفع أجره عَلَى الله 6 [النساء: ٠].اجتبتهم‏ أيادى الاجتباء بعد أن أبادتهم 
سطوة الابتلاء: # ولا تقولوا لمن يقتل فى سبيل الله أموات بل أحياء # [البقرة: 194]. 
قالوا : فالذين غرقوا فى جج البحارء ولم يصلوا إلى الدار ولا إلى الديار بل بل التقمتهم 
لهوات التيار. قيل: هيهات ولا تحسبن الّذِين قتلوا في سبيل الله أمواتا بل أَحياء © (آل 
عمران: .]١519‏ فالذى جاء بهم وأمهاتهم أحياهم» والذى وكل بكم داعية الشوق حتى 
استقللتم العناء والهلاك فى أريحية الطلب دعاهم وحملهم وأدناهم وقربهم. فهم حجب 


حب ممجووعةسائل الإمامالفزالى ‏ صصص سسسب ببستت ۳۱۵ = 
العزة وأستار القدرة: ل في مقعد صدق عند مليك مقتدر 4 [القمر: ة]. قالوا: فهل لنا إلى 
مشاهدتهم سبيل؟ قيل: لاء فإنكم قى حجاب العزة وأستار البشرية» وأسر الأجل وقيده» 
فإذا قفحيتم أوطاركم وفارقتم أوكاركم» فعند ذلك تزاوزتم والاقيتمء وا والدرن معد 

نهم اللوم السام يخرجوا؟ فيل : هيهات 8 ولو أَرَادوا الخروج لأعدوا له عدّة ولكن 
ر الله انبعاتهم بهم 4 [التوبة: 47]. ولو اقم لدعوناهم ولكن كر هتاهم فطردناهم . 
أنتم بأنفسكم جتتم أم نحن دعوناكم؟ أنتم اد شتک آم فن رفاک نین الفا 
فحملناكم وحملناهم فى البر والبحر» فلما سمعوا ذلك واستأنسوا بکمال العناية وضمان 
الكفاية كمل اهتزازهم وم وثوقهم فاطمأنوا واستقبلوا حقائق اليقين بدقائق التمكين» 
وفارقوا بدوام الطمأنينة إمكان التلوين» ولتعلمن نبأه بعد حين. 


فصل 
أترى هل كان بين الراجع إلى تلك الجزيرة وبين الممبدئ من فرق؟ إغا قال : جنا 
ملكنا من كان مبتدناء أما من كان راجعا إلى عيشه الأصلى يا ينها التق الْمطمئنة 
G3:‏ ارجعي ) [الفجر : ۷ ۲۸]. فرجع لسماع النداء كيف يقال له لم جئت؟ فل 
لم دعيت لا بل فيقول لم حملت إلى تلك البلاد وهى بلاد القربة» والجواب على قدر 
السؤال» والتؤال غلى قدز التفقه؛ والهموم بقدر الهمم: 
فصل 
من يرتاع لمثل هذه النكت فليجدد العهد بطور الطيرية» وأريحية الروحانية» فكلام 
الطيور لا يفهمه إلا من هو من الطيورء وتجديد العهد بملازمة الوضوء» ومراقبة أوقات 
الصلاة وخلوة ساعة للذكر فهو تجديد العهد الحلو فى غفلة لا بد من أحد 
الطريقين» فاذكرونى أذكركمء أو نسوا الله فنسيهم . فمن سلك سبيل الذكر أنا جليس من 
ذكرنى» ومن سلك النسيان: فإ ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيّض له شيطانا فهو لَه فين » 
[الزخرف: 175. وابن بن آدم فى كل نفس مصحح أحد هاتين النسبتين ولا بد يتلوه يوم القيامة 
أحد ا يعرف المجرمون بسيماهم أو الصالحون بسيماهم فى وجوهم من أ 
السجوده أنقذك الله بالتوفيق» وهداك إلى التحقيق» وطوى لك الطريق» إنه بذلك حقيق. 
والحمد لله رب العالمين» وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله أجمعين آمين . 


الرسالة الوعظية 

مقدمة الرسالة 
لقد بلغنى حمن لسان من أثق به سيرة الشيخ الإمام الزاهد -حرس الله توفيقه وسمره 
فى مهم دينه- ما قوى رغبتى فى مؤاخاته فى الله تعالى رجاء لما وعد الله به عباده 
المتحابين . وهذه اللأخوة لا تستدعى مشاهدة الأشخاص وقرب الابدان» وإنما تستدعى قرب 
القلوب وتعارف الأرواح وهى جنود مجندة فإذا تعارفت اتتلفت» وها أنا عاقد معه اللآأخوة 
فى الله تعالى ومقترح عليه أن لا يخلينى عن دعوات فى أوقات خلوتهء وأن يأل الله 
تعالى أن يرينى الى عقا ويرزقنى اتباعهء وأن يرينى الباطل باطلاً ويرزقنى اجتنابه» ثم 


قرع سمعى أنه التمس منى كلامًا فى معرض النصح والوعظ . وقولاً وجيزًا فيما يجب على 
المكلف اعتقاده من قواعد العقائد. 


وعظ النفس 

أما الوعظ. فلست أرى نفسى أهلاً له لأن الوعظ زكاة نصابها الاتعاظ ومن لا 
نصاب له كيف يخرج الزكاةء وفاقد النور كيف يستنير به غيره (ومتى يستقيم الظل والعود 
أعوج) وقد أوحى الله تعالى إلى عيسى ابن مريم عله : «عظ نفسك فإن اتعظت فعظ 

الناس وإلا فاستحى منى1. وقال نبينا يله : اتركت فيكم واعظين ناطق وصامت» . 
فالناطق هو القرآن والصامت هو الموت وفيهما كفاية لكل متعظ ومن لا يتعظ بهما 
فكيف يعظ غيرهء ولقد وعظت بهما نفنسى فصدقت وقبلت قولاً وعقلا» وأبت وتمردت 
تحفيمًا وفعلاً فقلت لنفسى: أما أنت مصدقة بأن القرآن هو الواعظ .الناطىء وأنه الناصح 
الصادق» فإنه كلام الله المنزل الذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ فقال: e‏ 
قال الله تعالى : لمن كان يريد الحيّاة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعمالهم فيها وهم فيها لا 
ييخسون ممه أولتك الّذينَ ليس لهم في الآخرة إِلاَ التار وحبط ما صنعوا فيها وباطل ما 
کانوا يعملون 4 [هود: وء .]١5‏ فقد وعدك الله تعالى بالنار على إرادة الدنياء وكل ما لا 
يصحبك بعد الموت فهو من الدنياء فهل تنزهت عن إرادة الدنيا أو حبهاء ولو أن طبيبًا 
تصراتا وعدك باوت أو ارهن على تتاولك الذ الشهوات شحافيتها واتفيتهاء أكان 
النصرانى عندك أصدق من الله تعالى؟ فإن كان ذلك فما أكفرك. أو كان المرض أشد عندك 
من النارء فإن كان ذلك فما أجهلك» فصدقت ثم ما انتفعت بل أصررت على اليل إلى 


ح ببجيوعةسائلالإمامالفزالى u‏ بحت ۳۱۷ = 


العاجلة واستمررت» ثم أقبلت عليها فوعظتها بالواعظ الصامت فقلت: قد أخبر الناطق عن 

الصامت إذ قال تعالى: N‏ رار إن عا 
اليب والشهادة فيبئكم بما كنحم تعملون ‏ [الجمعة: ۸. وقلت لها: هى أنك ملت إلى 
العاجلّة أفلست مصدقة بأن الموت لا محالة آتيك وقاطع عليك كل ما أنت متمسكة به 
رسالك تلد كل جعانات لاعن ليوز وكل ما هر ر وا ما لسن ا وقد قال 
الله تعالى: «أفرأيت إن متَعَاهم سنين اه ثم ۾ جاءهم ما كانوا يوعدون +23 ما أغنى 
عنهم ما کانوا يمتعون ‏ [الشعراء: ه 1١7٠‏ . أفأنت مخرجة هذا عن جميع ما أنت فيه؟ 
والحر الحكيم يخرج من الدنيا قبل أن يخرج منها. واللائم يتمسك بها إلى أن يخرج من 
الدنيا خائيًا خاسرا متحسراء فقال: صدقتء فكان ذلك منها قولاً لا تحصيل وراءه إذ لم 
تجنهد قط فى التزود للآخرة كاجتهادها فى تدبير العاجل» ولم تجتهد قط فى رضاء الله 
تعالى كاجتهادها فى رضاها بل كاجتهادها فى طلب الخلق» ولم تستح قط من الله تعالى 
كما تستحى من واحد من الخلق»ء ولم تشمر للاستعداد للآخرة كتشميرها فى الصيف» 
فإنها لا تطمئن فى أوائل الشتاء ما لم تفرغ من جميع ما تحتاج إليه من آلاته مع أن الموت 
ربما يختطفهاء والشتاء لا يدركهاء والآخرة على يقين لايتصور أن يختطف منهاء وقلت 
لها: ألا تستعدين للصيف بقدر طوله وتصنعين آلة الصيف بقدر صبرك على الحر؟ قالت: 
نعم. قلت: فاعصى الله بقدر صبرك على النار واستعدى للآخرة بقدر بقائك فيها. فقالت: 
هذا هو الواجب الذى لا يرخص فى تركه إلا الأحمق» ثم استمرت على سجيتها فوجدتنى 
كما قال بعض الحكماء: إن فى الناس من يموت نصفه ولاينزجر نصفه الآخرء وما أرانى إلا 
منهمء ولا رأيتها متمادية فى الطغيان غير منتفعة بوعظ الموت والقرآن. رأيت أهم الأمور 
التفتيش عن سبب تماديها مع اعترافها وتصديقهاء فإن ذلك من العجائب العظيمة» فطال 
عليه تفتيشى حتى وقفت على سببه. وها أنا مؤنس وإياه بالحذر منه. فهو الداء العضال وهو 
السبب الداعى إلى الغرور والإهمال. وهو اعتقاد تراخى الموت واستبعاد هجومه على 
القرب. فإنه لو أخيره صادق فى بياض نهاره أنه يموت فى ليلته أويمورت إلى أسبوع أو 
أشهر » لاستقام على الطريق المستقيم. ولترك جميع ما هو فيه مما يظن أنه نما يتعاطاه لله 

ل د عاد عا ل ا ره فانكشف تحقيقًا أن من أصبح وهو 
يأمل أن يمسى أو أمسى وهو يأمل أن يصبح لم يخل من الفتور والتسويف» ولم يقدر إلا 
على سير ضعيف. فأوصيه ونفسى بما أوصى به رسول الله عله حيث قال : «صل صلاة 
مودّع 1 ولقد أوتى جوامع الكلم وفصل الخطاب. ولا ينتفع بوعظ إلا به فمن غلب على 
قلبه فى كل صلاة أنها آخر صلاته» حضر معه قلبه فى الصلاة وتيسر له الاستعداد بعد 


طلس سک مجموعة رسائلالامام الفرالی حت 


الصلاة. ومن عجز عن ذلك فلا يزال فى غفلة دائمة وغرور مستمر» وتسويف متتابع إلى 
أن يدركه الموت فتدركه حسرة الفوت وأنا مقترح عليه أن لا يسأل الله تعالى أن يرزقنى 
هذه الرتية فإنى طالب لهاء وقاصر عنهاء وأوصيه أن لا يرضى من نفسه إلا بهاء وأن 
يحذر من مواقع الغرورء فإذا وعدت النفس بذلك طالبها بموثق غليظ من الله تعالى» فإن 
خداع النفس لا يقف عليه إلا الأكياس. 

وأما أقل ما يجب اعتقاده على المكلف فهو ما يترجمه قوله لا إله إلا الله محمد 
رسول الله .ثم إذا صدق الرسول فينبغى أن يصدقه فى صفات الله تعالى فإنه حى قادر عالم 
متكلم مريد ليس كمثله شىء وهو السميع البصير وليس عليه بحث عن .حقيقة هذه 
الصفات. وأن الكلام والعلم وغيرهما قديم أو خادث» بل لو لم تخطر له هذه المسألة حتى 
مات مؤمئًا وليس عليه تعلم الأدلة التى حررها المتكلمون. بل كلما حصل فى قلبه التصديق 
بالحق. بمجرد الإيمان من غير دليل وبرهان فهو مؤمن. ولم يكلف رسول الله كَيلَهُ أكثر من 
ذلك. وعلى هذا الاعتقاد المجمل استمرت الأعراب وعوام الخلق إلا من وقع فى بلدة يقرع 
سمعه فيها هذه المسائل مقدم الكلام وحدوثه ومعنى الاستواء والنزول وغيره فإن لم يأخذ 
ذلك قلبه وبقى مشغولا بعبادته وعمله فلا حرج عليه وإن أخذ ذلك بقلبه فأقل الواجبات 
عليه ما اعتقده السلف فيعتقد فى القرآن القدمء كما قال السلف: القرآن كلام الله غير 
مخلوق» ويعتقد أن الاستواء حق والسؤال عنه مع الاستغناء بدعة» والكيفية فيه مجهولة. 
فيؤمن بجميع ما جاء به الشرع إِيانًا مجملاً من غير بحث عن الحقيقة والكيفية» فإن لم 
ينفعه ذلك وغلب على قلبه الإشكال والشك فإن أمكن إزالة شكه وإشكاله بكلام قريب من 
الإفهام. وإن لم يكن قويًا عند المتكلمين ولا مرضيًا عندهم؛ فذلك كاف ولا حاجة به إلى 
تحقيق الدليل» بل الأولى أن يزال إشكاله من غير برهان حقيقة الدليل» فإن الدليل لا يتم 
إلا بدرك السؤال الجواب عنهء ومهما ذكرت الشبهة فلا يبعد أن ينكر بقلبه ويكل فهمه عن 
درك جوابه إذ الشبهة قد تكون جلية والحواب دقيقًا لا يحتمله عقله. ولهذا زجر السلف 
عن البحث والتفتيش عن الكلام . وإما زجروا عنه لضعفاء العوام . 

وأما المشتغلون بدرك الحقائق فلهم حوض غمرة الإشكال ومتع الكلام للعوام يجرى 
مجرى منع الصبيان هن شاطئ نهر دجلة خوفًا من الغرق» ورخصة الأقوياء فيه تضاهى 
رخصة الماهر فى صتعة السباحةء إلا أن ههنا موضع غرور ومرزّلة قدمء وهو أن كل 
ضعيف فى عقله -راض من الله تعالى قى كمال عقله- يظن بنفسه أنه يقدر على إدراك 
الحقائق كلها وأنه من جملة الأقوياء قربما يخوضون فيغرقون فى بحر الجهات حيث لا 
يشعرونء فالصواب للخلى كلهم إلا الشاذ التادر الذى لا تسمح الأعصار إلا بواحد متهم 


ید ممحوموعةربائل الإماوالفزالى جمس سمت ٣۱۹‏ = 


أو اثنين سلوك مسلك السلف فى الإيمان بالرسل والتصديق المجمل بكل ما تزله الله 
تعالى وأخبر به رسوله من غير بحث وتفتيش عن الأدلة» بل الاشتغال بالتقوى عليه شغل 
تاغل إذ قال 22 ععيث :راق أضصحابه يخوضصوؤت بعد أن عضن تق لحرت ولحناه: 
(أبهذا أمرتم تضربون كتاب الله بعضه ببعض انظروا ما أمركم الله به فافعلوا وما نهاكم عنه 
فانتهوا». فهذا تثيه على المنهج الحق. واستيفاء ذلك شرحناه فى كتاب (قواعذ العقائد) 
فيطلب منه والسلام. 


إلجام العوام 
عن 
علم الكلام 
ريم 
خطة الرسالة 
الحمد لله الذى تجلى لكافة عباده بصفاته وأسمائه وتاهت عقول الطالبين فى بيداء 
كبريائه» وقص أجنحة الأفكار دون حمى عزته وتعالى بجلاله عن أن تدرك الأفهام كنه 
حقيقته . واستوفى قلوب أوليائه وخاصته واستغرق أرواحهم حتى احترقوا بنار محبته وبهتوا 
فى إشراق أنوار عظمته؛ وخرست السنتهم عن الثناء على جمال حضرته إلا بما أسمعهم من ٠‏ 
أسمائه وصفاته وأنبأهم على لسان رسوله محمد عله خير خليقته وعلى أصحابه وعترته . 
أما بعد: فقد سألتنى أرشدك الله عن الأخبار الموهمة للتشبيه عند الرعاع والجهال من 
الحشوية الفلال حيث اعتقدوا فى الله وصفاته ما يتعالى ويتقدس عنه من الصورة واليد 
والقدم والنزول والانتقال والجلوس على العرش والاستقرار. وما يجرى مجراه ثما أخذوه 
من ظواهر الأخبار وصورهاء وأنهم زعموا أن معتقدهم فيه معتقد السلف. وأردت أن 
أشرح لك اعتقاد السلف» وأن أبين ما يجب على عموم الخلق أن يعتقدوه فى هذه الأخبارء 
وأكشف فيه الغطاء عن الحق. وأميز ما يجب البحث عنه عما يجب الإمساك والكف عن 
الخنوض فيهء فأجبتك إلى طلبتك متقربًا إلى الله سبحانه وتعالى بإظهار الحق الصريح من 
غير مداهنة ومراقبة جانب ومحافظة على تعصب لمذهب دون مذهبء. فالحق أولى بالمراقبة. 
والصدق والإنصاف أولى بالمحافظة عليهء وأسأل الله التسديد والتوفيق وهو بإجاية داعية 
ی و آنا اركب الكناك علق وة آبرافة ٠‏ 
باب فى بيان حقيقة مذهب السلف فى هذه الأخبار. 
وباب فى البرهان على الحق فيه مذهب السلف وأن من خالفهم فهو مبتدع . 
وباب فى فصول متفرقة نافعة فى هذا الفن. 


1 


.7م لس سب ید مجموعة رسائل الإمام الفزالی سے 


البابالأول 

فى شرح اعتقاد السلف فى هذه الأخبار. 

اعلم: آن الحق الصريح الذى لا مراء فيه عند أهل البصاثر هو مذهب السلف أعنى 
مذهب الصحابة والتابعين وها آنا أورد بيانه وبيان برهانه. 

فأقول: حقيقة مذهب السلف وهو الحق عندنا أن كل من بلغه حديث من هذه 
الأحاديث من عوام الخلق يجب عليه فيه سبعة أمور: التقديس» ثم التصديق» ثم اعتراف 
بالعجزء ثم السكوت. ثم الإمساكء ثم الكف. ثم التسليم لأهل المعرفة. 

أما التقديس: فأعنى به تنزيه الرب تعالى عن الجسمية وتوابعها. 

وأما التصديق: فهو الإيمان بما قاله يَبتّْهُ وإن ما ذكره حق وهو فيما قاله صادق وأنه 
حق على الوجه الذى قاله وأراده. 

وأما الاعتراف بالعجز: فهو أن يقر بأن معرفة مراده ليست على قدر طاقته وأن ذلك 
ليس من شأنه وحرفته. 

وأما السكوت: فأن لا يسأل عن معناه ولا يخوض فيه ويعلم أن سؤاله عنه بدعة» 
وأنه فى خوضه فيه مخاطر بدينه» وأنه يوشك أن يكفر لو خاض فيه من حيث لا يشعر. 

وأما الإمساك: فان لا يتصرف فى تلك الألفاظ بالتصريف والتبديل بلغة أخرى 
والزيادة فيه والنقصان منه والجمع والتفريق بل لا ينطق إلا بذلك اللفظ وعلى ذلك الوجه 
من الايراد والإعراب والتصريف والصيغة. 

وأما الكف: فأن يكف باطنه عن البحث عنه والتفكر فيه. 

وأما التسليم لأهله: فان لا يعتقد أن ذلك إن خفى عليه لعجزه فقد خفى على 
رسول الله عله أو على الأنبياء أو على الصديقين والأولياءء فهذه سبع وظائف اعتقد 
كافة السلف وجوبها على كل العوام لاينبغى أن يظن بالسلف الخلاف فى شئ منهاء 
فلنشرحها وظيفة وظيفة إن شاء الله تعالى: 

الوظيفة الأولى: التقديس ومعناه أنه إذا سمع اليد والإصبع قر له كله :لازن اله حمر 


ل مس سه مه 


طينة آدم بيده. وَإن قب المؤْمن بين إصبَعينِ من أصّابع الرححمن». فيتبغى أن يعلم أن اليد 
تطلق لمعنيين أحدهما هو الموضع الأصلى وهو عضو مركب من لحم وعصب. واللحم 
والعظم والعصب جسم مخصوص وصفات مخصوصة أعنى بالجسم عبارة عن مقدار له 
طول وعرض وعمق يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو إلا بأن يتنحى عن ذلك المكان» (وقد 
يستعار هذا اللفظ) أعنى اليد لمعنى آخر ليس ذلك المعنى بجسم أصلاً كما يقال: البلدة فى 


سد مجموعهة رسائل الإمامالفزالى ‏ ج ہیی ی ی ٣۲۱‏ = 
يد الأمير فإن ذلك مفهوم وإن كان الأمير مقطوع اليد مثلاً فعلى O E E‏ 
يتحقق قطمًا ويقينًا أنّ رسول الله يله لم يرد بذلك جسمًا هر عضو مركب من لحم ودم 
وعظمء وأن ذلك فى حق الله تعالى محال وهو عنه مقدسء» فإن خطر بباله أن الله جسم 
مركب من أعضائه فهو عابد صنم فإن كل جسم فهو مخلوقء وعبادة المخلوق كفرء وعبادة 
الصنم كانت كفرً لأنه مخلوق» وكان مخلوقًا لأنه جسم فمن عبد جسم فهو كافر بإجماع 
الأئمة السلف منهم والخلف. سواء كان ذلك الجسم كثيقًا كالجبال الصم الصلاب» أو لطيقًا 
كلهواء والماءء وسواء كان مظلمًا كالأرض أو مشرقًا كالشمس رالقمر والكواكب . أو مشمًا 
لا لون له كالهواءء أو عظيمًا كالعرش والكرسى والسماءء أو صغيرً كالذرة والهباء» أو 
جمادًا كالججارة» أو حيوانًا كالإنسان . فالجسم صنم فإن يقدر -حنه وجماله أو عظمه 
أوصغره أو صلابته وبقاؤه لا يخرج عن كونه صنمًاء ومن نفى الحسمية عنه وعن يده 
وإصبعه فقد نفى العضوية واللحم والعصب وقدس الرب جل جلاله عما يوجب الحدوثء 
وليعتقد بعده أنه عبارة عن معنى من المعانى ليس بجسم ولا عرض فى جسم يليق ذلك 
المعنى بالله تعالى». فإن كان لا يدرى ذلك المعنى ولايفهم كنه -حقيقته فليس عليه فى ذلك 
تكليف أصلاً. فمعرفة تأويله ومعناه ليس بواجب عليه بل واجب عليه أن لا يخوض فيه 
كما سيأتى . 


عي سن سس رص علص 


مثال آخر: إذا سمع الصورة فى قوله عله : : «إنَ الله خَلَقَ آدَمَ على صورته»» «وإنى 
NENE GT‏ 
الهيئة الحاصلة فى أجسام مؤلّفة مرتبة ترتيبًا مخصوصًا مثل الأنف والعين والفم والخد التى 
هى أجسام وهى لحوم وعظامء وقد يطلق ويراد به ما ليس بجسم ولا هيئة فى جسم ولا 
هو ترتيب فى أجسام. كقولك عرف صورته وما يجرى مجراه» فليتحقق كل مؤمن أن 
الصورة فى حق الله لم تطلق لإرادة المعنى الأول الذى هو جسم لحمى وعظمى مركب من 
أنف وفم وخدء فإن جميع ذلك أجسام وهيئات فى أجسام. وخخالق الأجسام والهيئات كلها 
منزه عن متشابهتها وصفاتهاء وإذا علم هذا يقينًا فهو مؤمن فإن خطر له أنه إن لم يرد هذا 
المعنى فما الذى أراده فينبغى أن يعلم أن ذلك لم يؤمر به بل أمر بأن لا يخوض فيه فإنه 
لبس على قدر طاقته. لكن ينبغى أن يعتقّد أنه أريد به معنى يليق بجلال الله وعظمته بما 
ن 
ٍ مشال آخر: إذا قرع سمعه النزول فى قوله عله : ايل الله تعَالی فی کل ليل إلى 
السماء الدنيا». فالواجب عليه أن يعلم أن التزول اسم مشترك قد يطلق إطلاقا: ر ةه إل 
اانه أجساء: جسم عال هو مكان لساكنه» وجسم سافل كذلك» رجسم منتقل من السافل 


حد 7١١‏ ا س٠‏ سييست مجموعة رسائل الإمامالفزالى کس 


إلى العالى ومن العالى إلى السافل» ان کان من اسل ال فلو عي عع ا وروجا 
ورقياء وإن كان من علو إلى أسفل سمى نزولاً وهبوطاء وقد يطلق على معنى آخر ولا 
يفتقر فبه إلى تقدير انتقال وحركة فى جسمء كما قال الله تعالى: وأنزل لكم مَن الأنعام 
ثمانية أزواج » االزمر: 1]. وما رئى البعير والبقر نازلاً من السماء بالانتقال بل هى مخلوقة 
فى الأرحام ولإنزيالها معنى لا محالة» كما قال الشافعى به : دخلت مصر فلم يقيموا 
كلامى» فنزلت ثم نزلت ثم نزلت فلم يرد به اتتقال جسده إلى أسفل فتحقق المؤمن قطعا 
أن النزول فى حق الله تعالى ليس بالمعنى الأول وهو انتقال شخص وجد من علو إلى 
أسفل. فإن الشخص والجسد أجسام والرب جل جلاله ليس بجسم فإن خطر له أنه لم يرد 
هذا فما الذى أراد فيقال له: أنت إذا عجزت عن فهم نزول البعير من السماء فأنت عن 
فهم نزول الله تعالى أعجزء فليس هذا بعشك فادرجى» واشتغل بعبادتك أو حرفتك 
واسكت» واعلم أنه أريد به معنى من المعانى التى يجوز أن يراد بالنزول فى لغة العرب. 
ويليق ذلك المعنى بجلال الله تعالى وعظمته وإن كنت لا تعلم حقيقته وكيفيته. 

ومثال آخر: إذا سمع لفظ الفوق فى قوله تعالى :9 وهو القاهر فوق عباده » 
[الأنعام :18]. 

وفى قوله تعالى: ف يَحَافُونَ ربهم من فوقهم 4 [النحل: .55٠‏ فليعلم أن الفوق اسم 
مشترك يطلق لمعنيين. 

أحدهما: نسبة جسم إلى جسم بأن يكون أحدهما أعلى والآخر أسفل يعنى أن 
الأعلى من جانب رأس الأسفل وقد يطلق لفوقية الرتبة» وبهذا المعنى يقال: الخليفة فوق 
السلطان والسلطان فوق الوزير» وكما يقال: العلم فوق العلم والأأول يستدعى جسم 
ينسب إلى جسيم 

والثانى: ل ¿ قطعًا أن الأول غير مراد وأنه على الله تعالى 
محال فإته من لوازم الأجسام أو لوازم أعراض الأجسام وإذا عرف نفى هذا المحال فلا 
عليه إن لم يعرف أنه لماذا أطلى وماذا أريد فقس على ما ذكرناه ما لم نذكره. 

الوظيفة الثانية: الإيمان والتصديق وهو أنه يعلم قطعًا أن هذه الألفاظ أريد بها معنى 
يليق بجلال الله وعظمته؛ء وأن رسول الله يله صادق فى وصف الله تعالى بهء فليؤمن 
بذلك وليوقن بأن ما قاله صدق وما أخبر عنه حق لا ريب فيه وليقل آمنا وصدقنا » وأن 
ما وصف الله تعالى به نفسه أو وصفه به رسوله فهو كما وصفه وحق بلمعنى الذى أراده 
وعلى الوجه الذى قاله» وإن كنت لا تقف على حقيقته فإن قلت التصديق إنما يكون بعد 
التصورء والإيمان إنما يكون بعد التفهمء فهذه الالفاظ إذا لم يفهم العبد معانيها كيف يعتقد 


دح مجموعة رسائل الإمام القزالی شششحتحح ۳۲٣‏ = 


صدق قائلها فيها؟ فجوابك أن التصديق بالأمور الجميلة ليس بمحال وكل عاقل يقل أنه 
أريد بهذه الألفاظ معانء وأن كل اسم فله مسمى إذا نطق به من أراد مخاطبة قوم قصد 
ذلك المهمى فيمكنه أن يعتقد كونه صادقًا مخبرً عنه على ما هو عليه» فهذا معقول على 
سبيل الإجمالء بل يمكن أن يفهم من هذه الألفاظ أمور جميلة غير مفصلة» ويمكن 
التصديق كما إذا كال فى البيت حيوان أمكن أن يصدق دون أن يعرف أنه إنسان أو قرس 
N U GEE‏ فكذلك من سمع 
الاستواء على العرش فهم على الجملة أنه أريد بذلك نسبة خاصة إلى العرش فيمكنه 
TS‏ 
الاستيلاء عله بالقهر أو معنى آخر من معانى النسبة فأمكن التصديق بهء وإن قلت فأى 
فائدة فى مخاطبة الخلق بما لا يفهمون وجوابك أنه قصد بهذا الخطاب تفهيم من هو أهله 
وهم الأولياء والراسخون فى العلم وقد فهمواء وليس من شرط من خاطب العقلاء بكلام 
أن يخاطبهم بما يفهم الصبيان والعوام بالإضافة إلى العارقين كالصبيان بالإضافة إلى 
الباا.نين» ولكن على الصبيان أن يسألوا البالغين عما يفهمونه؛. وعلى البالغين أن يجيبوا 
الصبيان بأن هذا ليس من شأنكم ولستم من أصله فخوضوا فى حديث غيره فقد قيل 
لسجاهل : ل فاسألوا أهل الذكر 4 (التحل: 47]. فإن كانوا يطيقون فهموهم وإلا قالوا لهم: 
وما أوتيتم من الْعلم إل قليلاً 4 [الإسراء: 6 فلا تسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم»ء 
ما لكم ولهذا السؤال. هذه معان الإيمان بها واجب والكيفية مجهولة أى لكمء والسؤال 
عنها بدعة كما قال مالك: الاستواء معلوم والكيفية مجهولة والإيمان به واجب. فإِذًا الإيمان 
بالجمليات التى ليست مفصلة فى الذهن عكن ولكن تقديسه الذى هو نفى للمحال عنه 
ينبغى أن يكون مفصلاًء فإن المنفى هى الجسمية ولوازمها ونعنى بالجسم هاهنا الشخص 
الع در الطويل العريض العميق» الذى يمنع غيره من أن يوجد بحيث هو الذى يدقع ما 
يطلب مكانه إن كان قويًا ويندفع ويتنحى عن مكانه بقوة دافعة إن كان ضعيفاء وإنما شرحنا 
هنا اللقظ مع ظهوره لأن العامى ربما لا يفهم المراد به. 

الوظيفة الثالثة: الاعتراف بالعجز ويجب على كل من لا يقف على كنه هذه المعانى 
و-حقيقتها ولم يعرف تأويلها والمعنى والمراد به أن يقر العجزء فإن التصديق واجب وهو عن 
دركة عاجزء فإن ادعى المعرفة فقد كذب وهذا معنى قول مالك: الكيفية مجهولة» يعنى 
تقصيل المراد به غير معلوم» بل الراسخون فى العل والعارفون من الأولياء إن جاوزوا فى 
المعرفة حدود العوام وجالوا فى ميدان المعرفة وقطعوا ن بواديها أميالاً كثيرة فما بقى لهم مما 
لم يبلغوه بين أيديهم أكثر بل لا نسبة لما طوى عنه, إلى ما كشف لهم لكثرة المطوى وقلة 


کے ٣٢)‏ يبيج مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


المكشوف بالإضافة إليه والإضافة إلى المطوى المستور. قال سيد الأتبياء صلوات الله عليه: 
دلا أحصى ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك». وبالإضافة إلى المكشوف. قال 
صلوات الله عليه: «أعرفكم بالله ار د أعرفكم بالله2. ولأجل كون العجز 
والقصور ضروريًا فى آخخر الأمر بالإضافة إلى منتهى الحال قال سيد الصديقين: العجز عن 
درك الإدراك إدراك» فأوائل حقائق هذه المعانى بالإضافة إلى عوام الخلق كأواخرها بالإضافة 
إلى خواص الخلق» فكيف لا يجب عليه الاعتراف بالعجز! . 

الوظيفة الرابعة: السكوت عن السؤال وذلك واجب على العوام لأن بالسؤال متعرض 
لا لا يطيقه وخائض فيما ليس أهلاً له. فإن سأل جاهلاً زاده جوابه جهلاً وبما ورطه فى 
الكفر من حيث لا يشعر» وإن سأل عارقًا عجز العارف عن تفهيمه بل عجز عن تفهيم ولده 
مصلحته فى خروجه إلى المكتب» بل عجز الصائغ عن تفهيم النجار دقائق صناعته » فإن 
النجار وإن كان بصيرا بصناعته فهو عاجز عن دقائق الصياغة لأنه إنما يعلم دقائق النجر 
لاستغراقه العمر فى تعلمه وممارستهء فكذلك يفهم الصائغ الصياغة أيغنًا لصرف العمر إلى 
تعلمه وممارسته وقبل ذلك لا يفهمه فالمشغولون بالدنيا وبالعلوم التى ليست من قبيل معرفة 
الله عاجزون عن معرفة الأمور الإلهية عجز كافة المعرضين عن الصناعات عن فهمهاء بل 
عجز الصبى الرضيع عن الاعتذار بالخبز واللحم لقصور فى فطرته لا لعدم الخبز واللحم ولا 
لأنه قاصر على تغذية الأقوياء» لكن طبع الضعفاء قاصر عن التغذى به فمن أطعم الصبى 
الضعيف اللحم والخبز وأمكنه من تناوله فقد أهلكهء وكذالك العوام إذا طلبوا بالسؤال هذه 
المعانى يجب زجرهم ا افيه بكل من سأل عن 
الآيات المتشابهات» وکما فعله رسول الله َه فى الإنكار على قوم رآهم خاضوا فى مسألة 
القدر وسألوا عنهء فقال َل : اقبهذا أمركم» وقال: «إنْما هدك من كان فلكم بكثرة 
السؤال» أو لفظ هذا معناه كما اشتهر فى الخبر. ولهذا أقول يحرم على الوعاظ على رءوس 
المنابر الزات عن هذه الأسئلة بالخوض فى التأويل والتفصيل» بل الواجب عليهم الاقتصار 
على ما ذكرناه وذكره السلف. وهو المبالغة فى التقديس ونفى التشبيه وأنه تعالى منزه عن 
الجسمية وعوارضها وله اللمبالغة فى هذا بما أراد حتى يقول: كل ما خطر ببالكم وهجس فى 
ضمي ركم وتصور فى خاطركم فإنه تعالى خالقها وهو منزه عنها وعن مشابهتها وأن ليس 
المراد بالأخبار شيئًا من ذلك» وأما حقيقة المراد فلستم من أهل معرفتها والسؤال عنهاء 
فاشتغلوا بالتقوى فما أمركم اللّه تعالى به فافعلوه وماتهاكم عنه فاجتنبوه وهذا قد نهيتم عنه 
فلا تسألوا عنه ومهما سمعتم شيئًا من ذلك فاسكتوا وقولوا: آمنا وصدقنا وما أوتينا من 
العلم إلا قليلاًء وليس هذا من جملة ما أوتيناه. 


الوظيفة الخامسة: الإمساك عن التصرف فى ألفاظ واردة يجب على عموم الخلق 
الحمود على ألفاظ هذه الأخبار والإمساك عن التصرف فيها من ستة أوجه: التفسير» 
والتأويل» “والتصرفء والتفريع › والحمع» والتفريق . 

الأول: التفسير وأعنى به تبديل اللفظ بلغة أخرى يقوم مقامها فى العربية أو معناها 
بالفارسية أو التركيةء بل لا يجوز الطق إلا باللفظ الوارد لأن من الألفاظ العربية مالا يوجد 
لها فارسية تطابقها. ومنها ما يوجد لها فارسية تطابقها لكن ما جرت عادة الفرس 
باستعارتها للمعانى التى جرت عادة العرب باستعارتها منها. ومنها ما يكون مشتركًا فى 
العربية ولا يكون فى العجمية كذلك. 

أما الأول: مثاله لفظ الاستواء فإنه ليس له فى الفارسية لفظ مطابق يؤدى بين الفرس 
من المعنى الذى يؤديه لفظ الاستواء بين العرب بحيث لايشتمل على مزيد إيهام إذ فارسيته 
أن يقال: اراستا باستان» وهذان لفظان: الأول: ينبي عن انتصاب واستقامة فيما يتصور أن 
يدحنى ويعوج. والثانى: ينبئ عن سكون وثابت فيما يتصور أن يتحرك ويضطرب وإشعاره 
بهذه المعانى وإشارته إليها فى العجمية أظهر من إشعار لفظ الاستواء وإشارته إليهاء فإذا 
تفوت فى الدلالة والإشعار لم يكن هذا مثل الأول وإنما تجوز تبديل اللفظ بمثله المرادف له 
الذى لا يخالفه بوجه من الوجوه لا بما يبايئه أو يخالفه ولو بأدنى شئ وأدقه وأخفاه. 

ومثال الثانى: أن الأصبع يستعار فى لسان العرب للنعمة يقال لفلان عندى أصبع أى 
نعمة ومعناها بالفارسية انكشفت وما جرت عادة العجم بهذه الاستعارة» وتوسع العرب فى 
التجوز والاستعارة أكثر من توسع العجم بل لا نسبة لتوسع العرب إلى جمود العجم» فإذا 
أحسن إرادة المعنى المستعار له فى العرب وسمج ذلك فى العجم نفر القلب عما سمج 
ومجه السمع ولم يمل إليهء فإذا تفاوتا لم يكن التفسير تبديلاً بالمثل بل بالخلاف ولا يجوز 
البديل إلا بالمثل . 

مثال الثالث: العين فإن من فسره بأظهر معانيه» فيقول هو جسم وهو مشترك فى لغة 
العرب بين العضو الناصر وبين الماء والذهب والفضةء وليس اللفظ اسم وهو مشترك هذا 
الاشتراك وكذلك لفظ الجنب والوجه يقرب منه. فلأجل هذا نرى المنع من التبديل 
والاقتصار على العربية» فإن قيل: هذا التفاوت إن ادعيتموه فى جميع الألفاظ فهو غير 
صحيح إذ لا فرق بين قولك خبز ونان وبين قولك لحم وكوشتء. وإن اعترف بأن ذلك فى 
البعض فامنع من التبديل عند التفاوت لا عند التمائل» فالجواب الحى أن التفاوت فى 
البعض لا فى الكل فلعل لفظ اليد ولفظ دست يتساويان فى اللغتين وفى الاشتراك 


والاستعارة وسائر الأمور ولكن إذا انقسم إلى ما يجوز وإلى ما لا يجوز وليس إدراك التمييز 
بينهما والوقوف على دقائق التفاوت جليا سهلاً يسير على كافة الخلق بل يكثر فيه الإشكال 
ولا يتميز محل التفاوت عن محل التعادل»ء فتحن بين أن نحسم الباب احتياطًا إذ لا حاجة 
ولا ضرورة إلى التبديل وبين أن نفتح الباب ونقحم عموم الخلق ورطة الخطرء فليت شعرى 
أى الأمرين أعزم وأحوطء والمنظور فيه ذات الإله وصفاته وما عندى أن عاقلاً متديئًا لا يقر 
بأن هذا الأمر مخطرء فإن الخطر فى الصفات الإلهية يجب اجتنابه. كيف وقد أوجب 
الشرع على الموطوءة العدة لبراءة الرحم وللحذر من خلط الأنساب احتياطًا لحكم الولاية 
والوراثة وما يترتب على النسبء فقالوا مع ذلك تجب العدة على العقيم والآيسة والصغيرة 
وعند العزل» لأن باطن الأرحام إنما يطلع عليه علام الغيوب فإنه يعلم ما فى الأرحام» فلو 
فتحنا باب النظر إلى التفصيل كنا راكبين متن الخطر فإيجاب العدة حيث لا علوق أهون بن 
ركوب هذا الخطرء فكما أن إيجاب العدة حكم شرعى فتحريم تبديل العربية حكم ش نى 
عن ثبت بالاجتهاد وترجيح طريق الأولء ويعلم أن الاحتياط فى الخبر عن الله وعن سقاته 
وعما أراده بألفاظ القرآن أهم وأولى من الاحتياط فى العدة وكل ما احتاط به اله بهاء من 
هذا القبيل. 

أما التصرف الثانى: التأويل» وهو بيان معناه بعد إزالة ظاهره وهذا إما يقع من 
العامى نفسهء أو من العارف مع العامىء أو من العارف مع نفسه وبينه وبين ربه» فهذه 
ثلاثة مواضع . 

الأول: تأويل العامى على سبيل الاشتغال بنفسه وهو حرام يشبه خوض البحر المغرق 
من لا يحسن السباحة. ولاشك فى تحريم ذلك» وبحر معرفة الله أبعد غورًا وأكثر معاطب 
ومهالك من بحر الماءء لأن هلاك هذا البحر لا حياة يعده وهلاك بحر الدنيا لا يزيل إلا 
الحياة الفانية وذلك يزيل الحياة الأبدية فشتان بين الخطرين . 

الموضع الثانى: أن يكون ذلك من العالم مع العامى وهو أيضًا منوع» ومثاله: أن 
يجر السباح الغواص فى البحر مع تفسه عاجرا عن السباحة مضطرب القلب. والبدن وذلك 
حرام لأنه عرضة لخطر الهلاك فإنه لايقوى على حفظه فى لحة البحرء ورن قدر على حفظه 
فى القرب من الساحل ولو أمره بالوقوف بقرب الساحل لا يطيعه» وإن أمره بالسكون عند 
التطام الأمواج وإقبال التماسيح وقد فغرت قاها للالتقام اضطرب قلبه وبدنه ولم يسكن 
على حسب مراده لقصور طاقته» وهذا هو المثال الحى للعالم إذا فتح للعامى باب التأويلات 
والتصرف فى خلاف الظواهرء وفى معنى العوام الأديب والنحوى والمحدث والمفسر والفقيه 
والمتكلم بل كل عالم سوى المتجردين لعلم السباحة فى بحار المعرفة القاصرين أعمارهم 


تح مجموعة رسائل الامام الغزالی تت سس نعطت ۳۲۷ = 


عليه» الصارفين وجوههم عن الدنيا والشهوات, المعرضين عن المال والجاه والخئى' وسائر 
الاذات» المخلصين لله تعالى فى العلوم والأعمال» بجميع حدود الشريعة وآدابها فى القيام 
بالطاعات وترك المنكرات» المفرغين قلوبهم بالجملة عن غير الله تعالى للّه؛ المستحقرين 
للدنيا بل الآخرة والفردوس الأعلى فى جنب محبة الله تعالى» فهؤلاء هم أهل الغوص فى 
بحر المعرفة وهم مع,ؤلك كله على خطر عظيم يهلك من العشرة تسعة إلى أن يسعد واحد 
بالدر المكنون والسر اللخزونء أولئك الذين سبقت لهم من اللّه اللحسنى فهم 
القائزون :ل وربك يعَلَمِ ما نكن صدورهم وما يعلنون 4 (القصص: 604 

الموضع الثالث: تأويل العارف مع نفسه فى سر قابه بينه وبين ربه وهو على ثلاثة 
أواجه فإن الذى انقدح فى سره أن المراد من لفظ الاستواء والفوق مثلاً إما أن يكون 
مقطوعا به أو مشكوكا فيه أو مظنونًا ظنًا غالبًا. . فإن كان قطعيا فليعتقده» وإن كان مشكوكا 
فلیجتبه ولا یحکمن على مراد الله ورسوله عه من کلامه باحتمال یعارضه مثله من غير 
ترجيح» بل الواجب على الشاك التوقف› LEG‏ فاعلم أن للظن متعلقين: 
أحدهما: أن المعنى الذى انقدح عنده هل هو جائز فى حق الله تعالى أم هو محال؟ 
والثانى: أن يعلم قطعًا جوازه لكن تردد فى أنه هل هو مراده أم لا؟ 

مثال الأول: تأويل لفظ الفوق بالعلو المعنوى الذى هو المراد بقولنا: السلطان فوق 
الوزيرة فإنا لانشك فى ثبوت معناها للّه تعالى لكنا ربما نتردد فى أن لفظ الفوق فى قوله: 
ل يخافون ربهم من فوقهم 4 (التحل: [o‏ ار أريد به معنى آخر 
يلو تى بجلال الله تعالى دون العلو بالمكان الذى هو محال على م | ليس بجسم ولا هو صفة 
فی 

ومثال الثانى: تأويل لفظ الاستواء على العرش» بأنه أراد به النسبة الخاصة التى 
للعرش ونسبته أن الله تعالى يتصرف فى جميع العالم ويدبر الأمر من السماء إلى الأرض 
بو سطة العرش فإنه لا يحدث فى العالم صورة ما لم يحدثئه فى العرش» كما لا يحدث 
النقاش والكاتب صورة وكلمة على البياض ما لم يحدثه فى الدماغ. بل لا يحدث البناء 
صورة الأبنية ما لم يحدث صورتها فى الدماغء» فبواسطة الدماغ يدبر القلب أمر عالمه الذى 
هو بدنة فربما نتردد فى أن إثبات هذه النسبة للعرش إلى الله تعالى هل جائزء إما لوجود فى 
نفسه أو لأنه أجرى به سنته وعادته وإن لم يكن خلافه محالاً كما أجرى عادته فى حق 
قلب الإنسان بأن لا يمكنه التدبير إلا بواسطة الدماغ. وإن كان فى قدرة الله تعالى تمكينه منه 
دون الدماغ لو سبقت به إرادته الأزلية وحقت به الكلمة القديمة التى هى علمه فصار خلاقه 
متنا لا لقصور فى ذات القدرة لكن لاستحالة ما يخالف الإرادة القديمة والعلم السابق 


سے ۳٢٢‏ ید مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 
الأزلى» ولذلك قال: ون تجد لسنّة الله تبْديلاً» [الأحزاب: ٦۲‏ الفتح: ۲۴]. وإغا لا 
تتبدل لوجوبها وإنما وجوبها لصدورها عن إرادة أزلية واجبة» ونتيجة الواجب واجبة 
ونقيضها محال وإن لم يكن محالاً فى ذاته» ولكنه محال لغيره وهو إفضاؤه إلى أن ينقلب 
العلم الأولى جهلاً ويمنع نفوذ المشيئة الأزلية» فإذاً إثبات هذه النسبة لله تعالى مع العرش 
فى تدبير المملكة بواسطته إن كان جائرًا عقلاًء فهل واقع وجودا؟ هذا مما قد يتردد فيه 
الناظر وربما يظن وجوده هذا مثال الظن فى نفس المعنى» والأول مثال الظن فى كون المعنى 
مرادا باللفظ مع كون المعنى فى نفسه صحيحا جائرا وبينهما فرقان» لكن كل واحد من 
الظنين إذا انقدح فى النفس وحاك فى الصدر فلا يدخل تحت الاختبار دفعة عن النفس ولا 
يمكنه أن يظن» فإن للظن أسبابًا ضرورية لايمكن دفعها ولا يكلف الله نفسًا إلاوسعهاء لكن 
عليه وظيقتان: 

إحداهما: أن لايدع نفسه تطمئن إليه جزمًا من غير شعور بإمكان الغلط فيهء ولا 
ينبغى أن يحكم من نفسه بموجب ظبه حكمًا جازما. 

والثاني: أنه إن ذكره لم يطلق القول بأن المراد بأن بالاستواء كذاء أو المراد بالفوق 
كذاء لأنه حكم بما لا يعلمء وقد قال الله تعالى: «إ ولا تقف ما ليس لك به علم » 
[الإسراء: 87]. لكن يقول: أنا أظن أنه كذا فيكون صادقًا فى خبره عن نفسه وعن ضميره» 
ولا يكون حكمًا على صفة الله ولا على مراده بكلامهء بل حكمًا على نفسه ونبأ عن 
ضميره» فإن قيل: وهل يجوز ذكر هذا الظن مع كافة الخلق والتحدث به كما اشتمل 
ضميره» وكذلك لو كان قاطعاء فهل له أن يتحدث به؟ قلنا: تحدثه به إنما يكون على أربعة 
أوجه: فإما أن يكون مع نفه أو مع من هو مثله فى الاستبصار أو مع من هو مستعد 
للاستبصار بذكائه وفطنته وتجرده لطلب معرفة الله تعال» أو مع العامى فإن كان قاطعا فله 
أن يحدث نفسه به ويحدث من هو مثله فى الاستبصار أو من هو متجرد لطلب المعرفة 
مستعد له خال عن الميل إلى الدنيا والشهوات والتعصبات للمذاهب وطلب الباهاة بالمعارف 
والتظاهر بذكرها مع العوام. فمن اتصف بهذه الصفات فلا بأس بالتحدث معه لأن الفطن 
المتعطش إلى المعرفة للمعرفة لا لغرض آخر يحيك فى صدره أشكال الظواهر وربا يلقيه فى 
تأويلات فاسدة لشدة شرهه على الفرار عن مقتضى الظواهر ومنع العلم أهله -علم- كبثه 
إلى غير أهلهء وأما العامى فلا ينبغى أن يحدث به وفى معنى العامى كل من لا يتصف 
بالصفات المذكورة» بل مثاله ما ذكرناه من إطعام الرضيع الأطعمة القوية التى لا يطيقها. 
وأما المظنون فتحدثه مع نفسه اضطرار فإن ما ينطوى عليه الذهن من ظن وشك وقطع لا 
زالت التفس تتحدث به ولا قدرة على الخلاص منهء فلا منع منه ولاشك فى منع التحدث 


به مع العوام» بل هو أولى بالمنع من المقطوع. أما تحدثه مع من هو فى مثل درجته فى 
٠» TT‏ فيحتمل أن يقال هو جائز ولا يزيد على أن يقول أظن 
کذا وهو صادق» ویحتمل المنع لأنه قادر على تركه وهو بذكره متصرف بالظن فى صفة الله 
تعالى أو فى مراده, من كلامه وقيه خطرء وإياحته تعرف بتص أو ا أو قياس على 
«نصوص ولم يرد شىء من ذلك بل ورد قوله تعالى: «ولا تقف ما ليس لَك به علّم 4 
[الإسراء: .]۳١‏ فإن قيل يدل على الجواز ثلاثة أمور: 

الأول: الدليل الذى دل على إباحة الصدق وهو صادقء فإنه ليس يخبر إلا عن ظته 
وهو ظان. 

والثانى: أقاويل المفسرين فى القرآن بالحدس والظنء إذ كل ما قالوه غير مسموع من 
الرسول تيء بل هو مستنبط بالاجتهاد ولذلك كثرت الأقاويل وتعارضت . 

والثالث: اجماع التابعين على نقل الأخبار المتشابهة التى نقلها آحاد الصحابة ولم 
تتواترء وما اشتمل عليه الصحيح الذى نقله العدل عن العدل فإنهم جوزوا روايته ولا 
يحصل بقول العدل إلا الظن. 

والجواب عن الأول: أن المباح صدق لا يخشى منه ضررء وبث هذه الظنون لا يخلو 
عن ضرر فقد يسمعه من يسكن إليه ويعتقده جزمًا فيحكم فى صفات الله تعالى بغير علم 
وهو خطر والنفوس نافرة عن أشكال الظواهرء فإذا وجد مستروحًا من المعنى ولو كان 
مظنونًا سكن إليه واعتقد جزْمّاء وربما يكون غلطًا فيكون قد اعتقد فى صفات الله تعالى ما 
هو الباطل أو حكم عليه فى كلامه بما لم يرد به. 

وأما الثانى: وهو أقاويل المفسرين بالظن فلا نسلم ذلك فيما هو من صفات الله تعالى 
كالاستواء والفوق وغيره»ء بل لعل ذلك فى الآحكام الفقهية أو فى حكايات أحوال الأنبياء 
والكفار والمواعظ والأمثال وما لا يعظم خطر الخطأ فيه. 

وأما الثالث: فقد قال قاتلون لا يجوز أن يعتمده فى هذا الباب إلا ما ورد فى القرآن 
أو تواتر عن الرسول ءيه تواترًا يعيد العلم . فأما أخبار الآحادء فلا يقبل فيه ولا نشتغل 
بتأويله عند من يميل إلى التأويل» ولا بروايته عند من يقتصر على الرواية» لأن ذلك حكم 
بالمظنون واعتماد عليه وما ذكروه ليس بيعيد لكنه مخالف لظاهر ما درج عليه السلف. 
فإنهم قبلوا هذه الأخبار من العدول ورووها وصححوها فالجواب من وجهين: 

أحدهما: أن التابعين كانوا قد عرفوا من أدلة الشرع أنه لا يجوز اتهام العدل 
بالكذب لا سيما فى صفات الله تعالى» فإذا روى الصديق له خبراء وقال سمعت رسول 
الله عه يقول كذا فرد روايته تكذيب له ونسية له إلى الوضع أو إلى السهو فقبلوه وقالوا: 


يد .7 سسسب لطت مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 
قال أبو بكرء قال رسول الله مله قال أنس قال رسول الله عله وكذا فى التابعين» فالآن إذا 
ثبت عندهم بأدلة الشرع أنه لاسبيل إلى اتهام العدل التقى من الصحابة يكم أجمعين» فمن 
أين يجب أن لا يتهم ظنون الآحاد وأن ينزل الظن منزلة نقل العدل مع أن بعض الظن إثم. 
فإذا قال الشارع : ما أخبركم به العدل فصدقره واقبلوه وانقلوه واظهروه فلا يلزم من هذا أن 
يقال ما حدتتكم به نفوسكم من ظنونكم فاقبلوه واظهروه وارووا عن ظنونكم وضمائركم 
ونفوسکم ما قالته» » فليس هذا فى معنى المنصوصء» ولهذا تقول ما رواه غير العدل من هذا 
ا لجنس ينبغى أن يعرض عنه ولا يروى ويحتاط فيه أكثر ثما يحتاط فى المواعظ والأمثال وما 
يجرى مجراها. 

والجواب الثانى: أن تلك الأخبار روتها الصحابة لأنهم سمعوه يقيئًا فما نقلوا إلا 
E‏ 0 ه ورووه» وما قالوا: قال رسول الله مَكِّهَ كذاء بل قالوا: قال فلان قال 
رسول الله يله كذا وكانوا صادقين » وما أهملوا روايته ال کل جد عل راد 
سوى اللفظ الموهم دای ی بين الك عل و قال 
رواية الصحابى عن رسول الله عه قوله: «ينزل الله تعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول 
هل من داع فأستجيب له» هل من مستغفر فأغفر له»» الحديث. فهذا الحديث سيق لنهاية 
الترغيب فى قيام الليل وله تأثير عظيم فى تحريك الدواعى للتهجد الذى هو أفضل 
العبادات» فلو ترك هذا اللحديث لبطلت هذه الفائدة العظيمة ولا سبيل إلى إهمالها وليس 
فيه إلا إيهام لفظ النزول عند الصبى» والعامى الجارى مجرى الصبى» وما أهون على 
البصير أن يغرس فى قلب العامى التنزيه والتقديس عن صورة النزول بأن يقول له: إن كان 
نزوله إلى السماء الدنيا ليسمعنا نداءه وقوله فما أسمعنا فأى فائدة فى نزولهء ولقد كان 
يمكنه أن ينادينا كذلك وهو على العرش أو على السماء العلياء فهذا القدر يعرف العامى أن 
ظاهر النزول باطل بل مثاله أن يريد من فى المشرق إسماع شخص فى المغرب ومناداته» 
فيتقدم إلى المغرب بأقدام معدودة وأخذ يناديه وهو يعلم أنه لا يسمع» فيكون نقله الأقدام 
عملا باطلاً وفعلاً كفعل المجانين» فكيف يستقر مثل هذا فى قلب عاقل» بل يضطر بهذا 
القدر كل عامى إلى أن يتين نفى صورة النزول» وكيف وقد علم استحالة الجسمية عليه 
واستحالة الانتقال على غير الأجسام كاستحالة النزول من غير انتقالء فإِدًا الفائدة فى نقل 
هذه الأخبار عظيمة والضرر يسيرء فأنى يساوى هذا حكاية الظنون المنقدحة فى الأنفس» 
ل طرق الاجتهاد فى إباحة ذكر التأويل المظنون أو المنع» ولا يبعد ذكر وجه 
ثالث وهو أن ينظر إلى قرائن ن¿ حال السائل والمستمع؛ فإن علم أنه ينتفع به ذكرهء وإن علم 
أنه يتضرر تركه» وإن ظن أحد الأمرين كان ظنه كالعالم فى إباحة الذكرء وكم من إنسان لا 
تتحرك داعيته باطنًا إلى معرفة هذه المعانى ولا يحيك فى نفسه إشكال من ظواهرهاء فذكر 


دحج مجموعة رسائلالامام الفزالی ب سب 771 ب 
التأويل معه مشوش» ا من إنسان يحيك فى نفه إشكال الظاهر حتى يكاد أن يسوء 
اعتقاد فى الرسول عله وينكر قوله الموهم» فمثل هذا لو ذكر معه الاحتمال المظنون بل 
معجرد الاحتمال الذى ينبو عنه اللفظ انتفع به ولا بأس بذكره معه فإنه دواء لدائهء وإن كان 
داء فى غيره» ولكن لا ينبغى أن يذكر على رءوس النابر لأن ذلك يحرك الدواعى الساكنة 
من أكثر المستمعيت: وقد كانوا عنه غافلين وعن إشكاله منفكين» ولا كان زمان السلف 
الأول زمان سكون القلب بالغوا فى الكف عن التأويل خيقة من تحريك الدواعى وتشويش, 
اتلوب فمن خالفهم فى ذلك الزمان فهو الذى حرك الفتنة وألقى هذه الشكوك فى 
القلرب مع الاستغناء عنه فباء بالإثم. أما الآن وقد فشا ذلك فى بعض البلاد فالعذر فى 
إلهار شئ من ذلك رجاء لإماطة الأوهام الباطلة عن القلوب أظهر واللوم عن قائله أقل فإن 
قيل فقد فرقتم بين التأويل المقطوع والمظنون فبماذا يحصل اطع بصحة التأويل؟ قلنا 
بأمرين: 

أحدهما: أن يكون المعنى مقطوعا ثبوته لله تعالى كفوقية المرتية . 

الثانى: أن لا يكون اللفظ محتملاً إلا لأمرين وقد بطل أحدهما وتعين الشانى مثاله 
قرله تعالى: « وهو القاهر فوق عباده ‏ [الأنعام: 18]. فإنه إن ظهر فى وضع اللسان أن 
الفوق لا يحتمل إلا فوقية المكان أو فوقية الرتبة» وقد بطل فوقية المكان لمعرفة التقديس لم 
بق إلا فوقية الرتبة كما يقال: السيد فوق العبد» والزوج فوق الزوجة»ء والسلطان قوق 
الوزيرء فالله فوق عباده بهذا المعنى وهذا كالمقطوع به فى لفظ الفوق وأنه لا يستعمل لسان 
العرب إلا فى هذين المعنيين» أما لفظ الاستواء إلى السماء وعلى العرش ربما لا ينحصر 
مفهومه فى اللغة هذا الانحصارء وإذا تردد بين ثلاثة معان معنيان جائزان على الله تعالى 
ومعنى واحد وهو الباطل.ء فتنزيله على أخد المعنيين الجائزين أن يكون بالظن وبالاحتمال 
المجرد وهذا تمام النظر فى الكف عن التأويل. 

التصريف الثالث: الذى يجب الإمساك عنه التصريف» ومعناه أنه إذا ورد قوله 
تعالى : # استوئ على العرش » . فلا ينبغى أن يقال مستو ويستوى. لأن المعنى يجوز أن 
بختلف لأن دلالة قوله هو مستو على العرش على الاستقرار أظهر من قوله: « رفع 
السّموات بغيرٍ عمد ترونها ثم استوئ على العرش 4 (الرعد: ٢‏ بل هو کقوله  :‏ خلق کم 
8 في الأرض جميعا ثم استوئ إِلى السماء 44 [البقرة: 19]. فإن هذا يدل على استواء قد 
ا بر شاف ففى تغيير التصاريف ما يوقم 
فى تغيير الدلالات والاحتمالات» فليجتنب التصريف كما يجتنب الزيادة فإن تحت التصرف 
الزيادة والنقصان. 


التصرف الرابع: الذى يجب الإمساك عنه القياس وتلتفريغ مثل :أن يرد لفظ اليد فلا 
يجوز إثبات الساعد والعضد والكف مصيرًا إلى أن هذا من لوازم اليد وإذا ورد الأصبع لم 
يجز ذكرالانملة كما لا يجوز ذكر اللحم والعظم والعصب, وإن كانت اليد المشهورة لا تنفك 
عنه وأبعد من هذه الزيادة إثبات الرجل عند ورود اليد وإثبات الفم عند ورود العين أو عند 
ورود الضحك » وإثبات الأذن والعين عند ورود السمع والبصرء وكل ذلك محال وكذب 
وزيادة» وقد يتجاسر بعض الحمقى من المشبهة الحشوية فلذلك ذكرناه. 

التصرف الخامس: لا يجمع بين متفرق» ولقد بعد عن التوفيق من صف كتابًا فى 
جمع الأخبارخاصة ورسم فى كل عضو بابًا فقال: باب فى إثبات الرأس وباب فى اليد إلى 
غير ذلك» وسماه: كتاب الصفات. فإن هذه كلمات متفرقة صدرت من رسول الله يله فى 
أوقات متفرقة متباعدة اعتمادًا على قرائن مختلفة تفهم السامعين معان صحيحة» فإذا ذكرت 
اك واحدة عظيمة 
فى تأكيد الظاهر وإيهام التشبيه وصار الإشكال فى أن رسول الله عه لا نطق بما يوهم 
خلاف الحق أعظم فى النفس وأوقع. بل الكلمة الواحدة يتطرق إليها 5 حتمال» فإذا اتصل 
بها ثانية وثالئة ورابعة من جنس واحد صار متواليًا يضعف الاحتمال بالإضافة إلى الجملة» 
ولذلك يحصل من الظن بقول المخبرين وثلاثة ما لا يحصل بقول الواحد» بل يحصل من 
العلم القطعى بخبر التواتر ما لا يحصل بالآحاد ويح صل من وكل ذلك نتيجة الاجتماع إذ 
يتطرق الاحتمال إلى قول كل عدل وإلى كل واحدة من القرائن» فإذا انقطع الاحتمال أو 
ضعف فلذلك لايجوز جمع المفترقات. 

التصرف السادس: التفريق بين المجتمعات فكما لا يجمع بين متفرقة فلا يفرق بين 
مجتمعة ) فإن كل كلمة سابقة على كلمة أو لاحقة لها مؤثرة فى تفهم معناه مطلقًا ومرجحة 
اجان ال و فإذا فرقت وفصلت سقطت دلالتها مثال قوله تعالى: « وهو 
القاهر فوق عباده ‏ [الأنعام : ۸. لا تسلط على أن يقول القائل هو فوق» لأنه إذا ذكر 
القاهر قبله ظهر دلالة الفوق على الفوقية التى للقاهر مع المقهور وهى فوقية الرتبة ولفظ 
القاهر يدل عليه بل يجوز أن يقول وهو القاهر فوق غيره» بل يتبغى أن يقول قوق عباده 
لأن ذكر العبودية فى وصفه فى الله فوقه يؤكد احتمال فوقية السيادة إذ لا يحسن أن يقال 
زيد فوق عمر. وقبل أن يتبين تفاوتهما فى معتى السيادة والعبودية أو غلبة القهر أو نفوذ 
الأمر بالسلطنة أو بالأبوة أو بالزوجية؛ء فهذه الأمور يغفل عنها العلماء فضلاً عن العوام» 
فكيف يسلط العوام فى مثل ذلك على التصرف بالجمم والتفريق والتأويل والتفسير وأنواع 
التغيير» ولأجل هذه الدقائق بالغ السلف فى الجمود والاقتصار على موارد التوفيق كما ورد 


:جح مجموعه رسائل الإمام الفزالى سس ب | ٣٣٣‏ سے 


على الوجه الذى ورد وباللفظ الذى ورد والحق ما قالوه والصواب ما رأوه» فأهم المواضع 
بالاحتياط ما هو تصرف فى ذات الله وصفاته» وأحق المواضع بإلجام اللسان وتقييده عن 
الحريات فيما يعظم فيه الخطر وأى خطر أعظم من الكفر. 

الوظيفة السادسة: فى الكف يعد الإمساك. وأعنى بالكف كف الباطن عن التفكير 
ى هذه الامورء فاك واجب عله كما وجب غلية إمساك اللسان عن السؤال والتصرف» 
رهذا أثقل الوظاتف وأشدها وهو واجب كما وجب على العاجز الزمن أن يخوض غمرة 
البحارء وإن كان يتقاضاه طبعه أن يغوص فى البحار ويخرج دررها وجواهرهاء ولكن لا 
بنبغى أن تغره نفاسة جواهرها مع عجزه عن نيلهاء بل ينبغى أن ينظر إلى عجزه وكثرة 
معاطبها ومهالكها ويتفكر أنه إن فاته نفائس البحار فما فاته إلا زيادات وتوسعات فى 
لمعيشة وهو مستغن عنهاء فإن غرق أو التقمه تمساح فإنه أصل الحياة. فإن قلت: إن لم 
بنصرف قلبه من التفكر والتشوف إلى البحث فما طريقه؟ قلت: طريقه أن يشغل نفسه 
بعبادة الله وبالصلاة وقراءة القرآن والذكرء فإن لم يقدر فبعلم آخر لا يناسب هذا الجنس من 
لغة أو نحو أو خط أو طب أو فقهء فإن لم يمكته فبحرفة أوصناعة ولو الحراثة والحياكة» 
فإن لم يقدر فبلعب ولهو وكل ذلك خير له من الخوض فى هذا البحر البعيد غوره وعمقه 
العظيم خطره وضررهء بل لو اشتغل العامى بالمعاصى البدنية ربا كان أسلم له من أن 
يخوض فى البحث عن معرفة الله تعالى» فإن ذلك غابته الفسق وهذا عاقبته الشرك فإ إن 
اله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لن يشاء ‏ [النساء: 1 

فإن قلت: العامى إذا لم تكن نفسه إلى الاعتقادات الدينية إلا بدليل» فهل يجوز أن 
يكون له الدليل فإن جوزت ذلك فقد رخصت له فى التفكر والنظرء وأى فرق بينه وبين 
غيره؟ 

الجواب: أنى أجوز له أن يسمع الدليل على معرفة الخالق ووحدانيته وعلى صدق 
الرسول وعلى اليوم الآخر ولكن بشرطين: أحدهما: أن لا يزاد معه على الأدلة التى فى 
القرآن. والآخر: أن لا يمارى فيه مراءً ظاهرا ولا يتفكر فيه إلا تفكرا سهلاً جليًا ولايمعن 
فى التفكر ولا يوغل غاية الإيغال فى البحثء» وأدلة هذه الأمور الأربيعة ما ذكر فى 
القرآن . 

أما الدليل على معرفة الخالق فمثل قوله تعالى: قل من يرزقكم م من السماء و والأرض 
من يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميّت ويخرج المت من الحي ومن يدبر 
الأمر فسيقولون الله ايونس : .]١‏ وقوله: ف ألم ينظروا إلى السماء فوقهم كيف بنيتاها 
وزيناها وما لَهَا من فروج 22 والأرض مَددنَاها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج 


جد ]8م لل سبيت مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


NG E a‏ اه 
جنات وحب الحصيد, GF‏ والنخل باسقاتٍ لها لع نقد ق ا 
رکترد لطر الإنسأة إلى امه چ أن م اء سا چ َم فقا الأرض ف 
E:‏ زج فانبتنا فیھا حبا + وعببا وقضبا 27 وزيتونا ونخلا 57 وحدائق غلبا +[ 
وفاكهة وأبا 4 اعيّس: .]۳-٤‏ وقوله : لإ ألم نجعل الأرض مهادا ي والجبال تادا 4 
إلى قوله: « وجنات قافا 4 (النبا: 5 -1١).وأمثال‏ ذلك هى قريب من خمساتة آية 
جمعناها فى كتاب جواهر القرآن بها ينبغى أن يعرف الخلق جلال الله الخالق وعظمته لا 
بقول المتكلمين إن الأعراض حادثة؛ وإن الجواهر لا تخلو عن الأعراض الحادثة ثم الحارث 
يفتقر إلى محدث,ء فإن تلك التقسيمات والمقدمات وإثباتها بأدلتها الرسمية يشوش قلوب 
العوام» والدلالات الظاهرة القريبة من الأفهام على ما فى القرآن تنفعهم وتسكن نفوسهم 
وتغرس فى قلوبهم الاعتقادات الجازمة . 

وأما الدليل على الوحدانية فيقنع فيه بما فى القرآن من قوله تعالى: ف لو كان فيهما 
آلهة إل الله ه لفسدتا © [الأنبياء: 71]. فإن اجتماع المدبرين سيب إفساد التدبير» وبمثل قوله: 
« أو كان معه آلهة كما يقولون إذا لأبتغوا إلى ذي العش سيلا ) االإسرء: ؟4]. وقوله 


ا (ما اشح اله من ولد وما كان معه من له إذا ذهب َل إله بما حَلق ولعلا يهم 
على بعض ‏ [الؤمنون: وأما صدق الرسول فيستدل عليه بقوله تعال ى : فا قل ئن 
اجتمعت الإنس والجن علئ أن يأنوا بمثل هذا القرآن لا يَأتون بمثله ولو كان بعضهم بعضٍ 
ظهيرا © [الإسراء: . ويقوله : ل فأتوا بسورة من مثله © [البقرة : 177 وقوله : ف قل فأتوا 
بعشر سور مله مفتريات © لهود: 1]. وأمثاله» وأما اليوم الآخر: فيستدل عليه بقوله 
تعالى : قال من يحبي العظام وهي رميم +750 قل يحبيها الذي أنشأها أَول مرة 4 ايس: 
هلاء 175]. وبقوله :ل أيحسب الإنسان أن يترك سدى 22> ألم يك نطفة من مني يمنئ 4 
إلى قوله: $ اليس ذلك بقادر على أن يحبي الموتئ 4 [القيامة: 017 40. وبقوله : :ليا أيها 
الثاس إن كنتم في ريب من البعث فَإِنا خلقناکم من تراب إلى قوله : © فإذا أنزلنا عليها 
الماء اهترت وربت وأنبعت من كل زوج بهيج 4 (الحج: 4 . وأمثال ذلك كثير فى القرآن» 
فلا ينبغى أن يزاد عليه. 

فإن قيل: فهذه الأدلة التى اعتمدها المتكلمون وقرروا وجه دلالتهاء فما بالهم يمتنعون 
عن تقرير هذه الأدلة ولا يمتنعون عنهاء وكل ذلك مدرك بنظر العقل وتأمله فإن فتح للعامى 
باب النظر فليفتح مطلقًا أو ليسد عليه طريق النظر رأممًا وليكلف التقليد من غير دليل. 

الحواب: إن الدلالة تنقسم إلى ما يحتاج فيه إلى تفكر وتدقيق حارج عن طاقة 
العامى وقدرتهء وإلى ما هو جلى سابق إلى الأفهام ببادئ الرأى من أول النظر مما يدركه 


سک مبجموعةرسائل الإمامالقزالى ‏ بسع سس سی ٣٣١٣‏ = 


كافة الناس بسهولة» فهذا لا خطر فيهء وما يفتقر إلى التدقيق فليس على حد وسعهء فأدلة 
القرآن مثل الغذاء ينتفع به كل إنسان» وأدلة المتكلمين مثل الدواء ينتفع به أحاد الناس 
وتشر به الا كروت تل أذله الفتران كالماء الذى ينتفع به الصبى الرضيع والرجل القوى 
وساتر الأدلة كالأطعمة التى يتتفع بها الأقوياء کن ورود بهنيا أخرى ولا ينتفع بها 
الصبيان أصلاًء ولهذا قلنا أدلة القرآن أيضًا ينبغى أن يصغى إليها إصغاء + إلى كلام جلى ولا 
عاری فى الإمراء ظاهراء ولا يكلف نفسه تدقيق الفكر وتحقيق النظر» ة فمن الجلى أن من 
قدر على الابتداء فهو على الإعادة أقدرء كما قال: فإ وهو الذي يبدا الْخلَق ّم يعيده وهو 
أهون عليه 6 (الروم: ۷. وأن التدبير لا يتتظم فى دار واحدة بمدبرين» فكيف ينتظم فى 
كل العالم؟ وأن من خلق علم كما قال تعالى: 9 ألا يعلم من خَلَّقَ » (الملك: .٤‏ فهذه 
الأدلة تجرى للعوام مجرى الماء الذى جعل الله منه كل شئ حى» وما أخذه المتكلمون وراء 
ذلك من تنقير وسؤال وتوجيه إشكال ثم اشتغال بحله فهو بدعة وضرره فى حق أكثر الخلق 
ظاهر» فهو الذى ينبغى أن يتوقى. والدليل على تضرر الخلق به المشاهدة والعيان والتجربة 
وما ثار من الشر منذ نبغ المتكلمون وفشت صناعة الكلام مع سلامة العصر الأول من 
الصحابة عن مثل ذلك ويدل عليه أيضًا أن رسول الله عَيِلْهُ والصحابة بأجمعهم ما سلكوا 
فى المحاجة مسلك المتكلمين فى تقسماتهم وتدقيقاتهم لا لعجز منهم عن ذلك» فلو علموا 
أن ذلك نافع لأطنبوا فيه ولخاضوا فى تحرير الأدلة خوضًا يزيد على خوضهم فى مسائل 
الفرائض . 

فإن قيل: إنما أمركوا عنه لقلة الحاجة» فإن البدع إنما نبغت بعدهم فعظم حاجة 
المتأخرين» بح الكلام راجع إلى علم معالجة المرضى بالبدع» فلما قلت فى زمانهم 
أمراض البدع قلت عنايتهم بجميع طرق المعالجة» فالجواب من وجهين. 

أحدهما: أنهم فى مسائل الفرائض ما اقتصروا على بيان حكم الوقائع» بل وضعوا 
المسائل وفرضوا فيها ما تنقضى الدهور ولا يقع مثله لأن ذلك مما أمكن وقوعه فصفوا علمه 
ورتبوه قبل وقوعه إذ علموا أنه لا ضرر فى النوض فيه وفى بيان حكم الواقعة قبل 
وقوعهاء والعناية بإزالة البدع ونزعها عن النفوس أهم فلم يتخذوا ذلك صناعة لأنهم عرفوا 
أن الاستضرار بالخوض فيه أكثر من الانتفاع» ولولا أنهم كانوا قد حذروا من ذلك وفهموا 
تحريم الخوض لخاضوا فيه. 

والجواب الثانى: أنهم كانوا محتاجين إلى محاجة اليهود والنصارى فى إثبات نبوة 
محمد لله وإلى إثبات البعث مع منكريه» ثم ما زادوا فى هذه القواعد التى هى أمهات 
العقائد على أدلة القرآن» فمن أقنعه ذلك قبلوه ومن لم يقنم قتلوه وعدلوا إلى السيف 


احج مم لغ غك كك _ حت مجموعة رسائل الإمامالفرالى حت 
والسنان بعد إفشاء أدلة وما ركبوا ظهر اللجاج فى وضع المقاييس العقلية وترتيب المقدمات 
وتحريم طريق المجادلة وتذليل طرقها ومنهاجهاء كل ذلك لعلمهم بأن ذلك مثار الفتن ومنبع 
التشويش ومن لا يقنعه أدلة القرآن لا يقمعه إلا السيف والسنانء فما بعد بيان الله بيان على 
أننا ننصف ولا ننكر أن حاجة المعالحة تزيد بزيادة المرض وأن لطول الزمان وبعد العهد عن 
عضيل الجر ة تاكن إثارة PD‏ 

أحدهما: الخوض فى البيان والبرهان إلى أن يصلح واحد يفسد به اثنان» فإن 
صلاحه بالإضافة إلى الأكياس وفساده بالإضافة إلى البله وما أقل الأكياس وما أكثر البله 
والعناية بالأكثر أولى . 

الطريق الثشانى: طريق السلف فى الكف والسكوت والعدول إلى الدرة والسوط 
والسيف. وذلك مما يقتنع الأكثرين وإن كان لا يقنع الأقلين» وآية إقناعه أن من يسترق من 
الكقار من العبيد والإماء تراهم يسلمون تحت ظلال السيوف ثم يستمرون عليه حتى يصير 
طوعا ما كان فى البداية كرهاء ويصير اعتقادًا جزمًا ما كان فى الابتداء مراء وشكاء وذلك 
بمشاهدة أهل الدين والمؤانسة بهم وسماع كلام الله ورؤية الصالين وخبرهم وقرائن من هذا 
الجنس تناسب طباعهم مناسبة أشد من مناسبة الجدل والدليل» فإذا كان كل واحد من 
العلاجين يناسب قوم دون قوم وجب ترجيح الأنفع فى الأكثر» فالمعاصرون للطبيب الأول 
المؤيد بروح القدس المكاشف من الحضرة الإلهية الموحى إليه من الخبير البصير بأسرار عباده 
وبواطنهم أعرف بالأصوب والأصلح قطعّاء فسلوك سبيلهم لا محالة أولى. 

الوظيفة السابعة: التسليم لأهل المعرفة وبيان أنه يجب على العامى أن يعتقد أن ما 
انطوى عنه من معانى هذه الظواهر وأسرارها ليس منطويًا عن رسول الله يله وعن 
الصديقء. وعن أكابر الصحابة» وعن الأولياء والعلماء الراسخين» وأنه إغا انطوى عنه 
لعجزه وقصور معرفته» فلا ينبغى أن يقيس بنفسه غيره فلا تقاس الملائكة بالحدادين وليس 
ما يخلو عنه مخادع العجائز يلزم منه أن يخلو عنه خخزائن الملوك. فقد خلق الناس أشتانًا 
متفاوتين كمعادن الذهب والفضة وسائر الجواهر». فانظر إلى تفاوتها وتباعد ما بينهما صورة 
ولونًا وخاصية ونفاسة. فكذلك القلوب معادن لسائر جواهر المعارف» فبعضها معدن النبوة 
والولاية والعمل ومعرفة الله تعالى» وبعضها معدن للشهوات البهيمية والأخلاق الشيطانية» 
بل ترى الئاس يتفاوتون فى الحرف والصناعات فقّد يقدر الواحد بخفة يده وحذاقة صناعته 
على أمور لا يطمع الآخر فى بلوغ أوائله فضلاً عن غايته» ولو اشتغل بتعلمه جميع عمره. 
فكذلك معرفة الله تعالى» بل كما ينقسم الناس إلى جبان عاجذ لا يطيق النظر إلى التطام 
أمواج البحر وإن كان على ساحله» وإلى من يطيق ذلك لكن لايطيق رفع الرجل عن 


جب مجموعة رسائلالامام الفزالی سبحت 3777 = 


الأرض اعتمادًا على السباحة» وإلى من يطيق السباحة إلى حد قريب من الشط لكن لا 
يمكنه الخوض فى أطرافه وإن كان قائمًا فى الماء على رجله. وإلى من يطيق ذلك لكن لا 
يطيق خخوض البحر إلى لجمه والمواضع المغرقة المخطرة» وإلى من يطيق ذلك لكن لايطيق 
الخوص فى عمق البحر إلى مستقره الذى فيه نفائسه وجوهره» فهكذا مثال بحر المعرفة 
وتفاوت الناس فيه مثله حذو الْمَذْة بالقذة من غير فرق. 

فإن قيل: فالعارفون محيطون بكمال معرفة الله سبحانه حتى لا ينطوى عنهم شئ. 

قلنا: هيهات فقد بينا بالبرهان القطعى فى كتاب المقصد الأقصى فى معانى أسماء الله 
الحسنى أنه لا يعرف الله كنه معرفته إلا الله » وأن الخنلائق وإن اتسعت معرفتهم وغزر 
علمهم» فإذا أضيف ذلك إلى علم الله سبحانه فما أوتو من العلم إلا قليلاً» لكن ينبغى أن 
يعلم أن الحضرة الإلهية محيطة بكل ما فى الوجود إذ ليس فى الوجود إلا الله وأفعاله 
فالكل من الحضرة الإلهية كما أن جميع أرباب الولايات فى المعسكر حتى الحراس هم من 
المعسكر فهم من جملة الحضرة السلطانية» وأنت لا تفهم الحضرة الإلهية إلا بالتمثيل إلى 
الحضرة السلطانيةء فاعلم أن كل ما فى الوجود داخل فى الحضرة الإلهية» ولكن كما أن 
السلطان له فى تملكته قصر خاص وفى فناء قصره ميدان واسع ولذلك الميدان عتبة يجتمع 
عليها جميع الرعايا ولا يمكنون من مجاوزة العتبة ولا إلى طرف الميدان ثم يؤذن لخواص 
المملكة فى مجاوزة العتبة ودخول الميدان والجلوس فيه على تفاوت فى القرب والبعد بحسب 
مناصبهم» وربما لم يطرق إلى القصر الخاص إلا الوزير وحدهء ثم إن الملك يطلع الوزير من 
أسرار ملكه على مايريد ويستآئر عنه بأمور لا يطلعه عليهاء فكذلك فافهم على هذا المثال 
تفاوت الخلق فى القرب والبعد من الحضرة الإلهية» فالعتبة التى هى آخر الميدان موقف 
العوام ومردهم لا سبيل لهم إلى مجاوزتهاء فإن جاوزوا حدهم استوجبوا الزجر والتتكيل» 
وأما العارفون فقد جاوزوا العتبة وانسرحوا فى الميدان ولهم فيه جولان على حدود مختلفة 
فى القرب والبعد وتفاوت ما بينهم كثيرء وإن اشتركوا فى مجاوزة العتبة وتقدموا على 
العوام المفقترشين. وإما حظيرة القدس فى صدر الميدان فهى أعلى من أن يطأها أقدام 
العار فين وأرفع من أن يمتد إليها أبصار الناظرين» بل لا يلمح ذلك الجناب الرفيع صغير 
وكبير إلا غض من الدهشة والحيرة طرفه فانقلب إليه البصر خاسئًا وهو حسيرء فهذا ما 
يجب على العامى أن يؤمن به جملة وإن لم يحط به تفصيلاء فهذه الوظائف السبع الواجبة 
على عوام الخلق فى هذه الأخبار التى سألت عنها حقيقة مذهب السلفء وأما الآن فنشغل 
بإقامة الدليل على أن الحق هو مذهب السلف. 


0 
١ 


مجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


الباب الثانى 

ف إثاقة ها على أذ ای هت اا غ ا غل ومحمي نا 
العقلى فائنات كلى وتفصيلى . أما اليرهان الكلى على أن الحق مذهب السلف فيتكشف 
بتسليم أربعة أصول هى مسلمة عند كل عاقل . 

الأول: أن أعرف الخلق بصلاح أحوال العباد بالإضافة إلى حسن المعاد هو النبى 
عله فإن ما ينتفع به فى الآخرة أو يضر لا سبيل إلى معرفته بالتجربة» كما عرف الطبيب 
إذ لامجال للعلوم التجريبية إلا بما يشاهد على سبيل التكررء ومن الذى رجع من ذلك 
العالم قأدرك بالمشاهدة ما نفع وضر وأخبر عنه ولا يدرك بقياس العقل» فإن العقول قاصرة 
عن ذلك» والعقلاء بأجمعهم معترفون بآن العقل لا يهتدى إلى ما بعد الموت ولا يرشد إلى 
وجه ضرر المعاصى ونفع الطاعات. لاسيما على سبيل التفصيل والتحديد كما وردت به 
الشرائع بل أقروا بجملتهم أن ذلك لا يدرك إلا بنور النبوة وهى قوة وراء العقل يدرك بها 
من آمر الغين فى الماضى والمستقبل أمور لا على ظريق التغرف بالاسباب العقلية:. وهذاءعا 
اتفق عليه الأوائل من الحكماء فضلاً عن الأولياء والعلماء والراسخين القاصرين نظرهم على 
الاقتباس من حضرة النبوة المقربين بقصور كل قوة سوى هذه القوة. 

الأصل الثانى: أنه عَكْلْهُ أفاض إلى الخلق ما أوحى إليه من صلاح العباد فى معادهم 
ومعاشهمء وأنه ما كتم شيئًا من الوحى وأحفاه وطواه عن الخلق فإنه لم يبعث إلا لذلك» 
ولذلك كان رحمة للعلمين» فلم يكن منهما فيه وعرف ذلك علمًا ضروريا من قرائن أحواله 
فى حرصه على إصلاح الخلق وشغفه بإرشادهم إلى صلاح معاشهم ومعادهمء فما ترك 
شيئًا ما يقرب الخلق إلى الجنة ورضاء الخالق إلا دلهم عليه وأمرهم به وحثهم عليه ولا شينًا 
ما يقربهم إلى النار وإلى سخط الله إلا حذرهم منه ونهاهم عنهء وذلك فى العلم والعمل 

الأصل الثالث: أن أعرف الناس بمعانى كلامه وأحراهم بالوقوف على كنهه ودرك 
أسرار الذين شاهدوا الوحى والتنزيل وعاصروه وصاحبيوه.» بل لازموه آناء الليل والنهار 
متشمرين لفهم معانى كلامه وتلقيه بالقيول للعمل به أولأء وللنقل إلى من بعدهم ثانيّاء 
وللتقرب إلى الله سبعحانه وتعالى سماعة وقهيه و وهم الذين حثهم رسول 
الله عه ي ال والفهم والحفظ والآداء فقال: ١نَضر‏ الله امرأ سمع مَقَالَى فَوعَاها 
ادها کی سمعها؛ الحديث. فليت شعرى أيتهم رسول الله تیه بإخفائه وکتمانه عنهم 
حاشا فض اة عن ذلك ا أولئك الأكابر فى فهم كلامه وإدراك مقاصده أو 


يتهمون فى إخفائه وأسراره بعد الفهم أو يتهمون فى معاندته من حيث العمل ومخالفته 
على سبيل المكابرة مع الاعتراف بتقهيمه وتكليفه . فهذه الأمور لايتسع لتقديرها عقل عاقل . 
الأصل الرابع: أنهم فى طول عصرهم إلى آخر أعمارهم ما دعوا الخلق إلى البحث 
والتفققيش والتفسير والتأويل والتعرض اثل هذه الأمور بل بالغوا فى زجر من خاض فيه 
e :‏ ع E ٠‏ مك 5 ا 3 
الفرائض ا تعلم بالقطع من هذء الأصول أن الحق ما قالوه ا ما رأوه» 


َم 2 سي TIS‏ 


لاسيما وقد أثنى عليهم رسول الله تله وقال: «حَير الاس إقرتى ثم الذين يلونهم ثم الذين 
يلُوتهم". وقال عله : : «ستفترق أمنى يما وسَبْعين فرقَة التَاجية منهم وأحدة». فقيل من 
هم؟ فقال: «أَهْل اسه وَاجمّاعة». فقال دما آنا عليه الآن وأصحابى» . 

البرهان الثانى: هو التفضيلى. فتقول ادعيئا أن الى هو مدهب السلف وأن مذهب 
اسلف هو توظيف الوظائف السبع على عوام الخلق فى ظواهر الأخبار المتشايهة. وقد ذكرنا 
برهان كل وظيفة معها فهو برهان كونه حقا فمن يخالف؟ ليت شعرى يخالف فى قولنا 
الأول أنه يجب على العامى التقديس للحق عن التشييه ومشابهة الأجسام» أو فى قولنا 
الثانى إنه يجب عليه التصديق والإيمان بما قاله الرسول عَيله بالمعنى الذى أراده أو فى قولتا 
الثالث إنه يجب عليه الاعتراف بالعجز عن درك حقيقة تلك المعانىء أو فى قولنا الرابع إنه 
يجب عليه السكوت عن السؤال والنوض فيهما وراء طاقته» أو فى قولنا الخامس إنه يجب 
عليه إمساك اللسان عن تغيير الظواهر بالزيادة والنقصان والجمع والتقريق» أو فى قولنا 
السادس إنه يجب عليه كف القلب عن التذكير فيه والفكر مع عجزه عنه» وقد قيل لهم 
تفكروا فى الخلق ولا تفكروا فى الخالق. أو فى قولنا السابع إنه يجب عليه التسليم لأهل 
المعرفة من الأنبياء والأولياء والعلماء الراسخين فهذه أمور بيانها برهانها ولا يقدر آلحد على 
جحدها وإنكارها إن كان من أهل التمييز فضلاً عن العلماء والعقلاء. فهذه هى البراهين 
العقلية . 

النمط الثانى: البرهان السمعى على ذلك وطريقه أن تقول:: الدليل على أن الحق 
مذهب السلف أن نقيضه بدعة والبدعة مذمومة وضلالة» والخوض من جهة العوام فى 
التأويل» والخوض بهم فيه من جهة العلماء بدعة مذمومة. وكان نقيضه وهو الكف عن 
ذلك سنة محمودة فها هنا ثلائة أصول: 

أحدها: أن البحث والتفتيش والسؤال عن هذه الأمور بدعة. 


ہے ٣).‏ علب ليس سح مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


والثانى : أن كل بدعة فهى مذمومة. 

والثالث: أن البدعة إذا كانت مذمومة كان نقيضهاء وهى السنة القديمة محمودة ولا 
يمكن ا لنزاع فى شئ من هذه اللأصولء فإذا سلم ذلك ينتج أن الحق مذهب السلف. 

فإن قيل: فبم تنكرون على من يمنع كون البدعة مذمومة أو يمنع كون البحث 
والتفتيش بدعة فتتازع فى هذين وإن لم ينازع فى الثالث لظهورة؟ فنقول: الدليل على إثبات 
الأصل الأول من كون البدعة مذمومة اتفاق الأمة قاطبة على ذم البدعة وزجر المبتدع وتغيير 
من يعرف بالبدعة» وهذا مفهوم على الضرورة من الشرع وذلك غير واقع فى محل الظن» 
فذم رسول الله عه البدعة علم بالتواتر بمجموع أخبار يفيد العلم القطعى جملتهاء وإن كان 
الاحتمال يتطرق إلى آحادهاء وذلك كعلمنا بشجاعة على ناه وسخاوة حاتم» وحب 
رسول الله عله لعائشة نها وما يجرى مجراهء فإن علم قطعًا بأخبار آحاد بلغت فى الكثرة 
مبلذًا لا يحتمل كذب ناقليهاء 3 تكن آحاد تلك | الأخبار متواترة؛ وذلك مثل ما روى 


ا و 


عن رسول الله يه أنه قال: بستى وس الخلقّاء راشي الا من اى 


١‏ ل مه 


(2110101111 1 111111110 


ص وس سا قر 


وکل ضلالة فی التار٤‏ وقال عله : TT‏ 
فی دينهم وتر كوا سنن أنيبائهم وقالوا بآرائهم فَضْلُوا وأضلواء وقال ل : «إذا مات 


ع “علا حو لخر 


صاحب بدعة فقد الإسلا ). وقال عله : ١‏ إل جاخ 
0 ف ی إا جا ا 


ليوقره مد أعان على هذ الإسلام؛. . وقال عله : ١من‏ أعرض عن صاحب بدعة بغضا لَه 


ت 
ر ر ر ر 8 


فى آله ملا لله لبه أا وإعاناء ومن أنشهر صاحب بدعة رفع الله له مائة درجة ومن سلّم 
مسر > ر 


ل N‏ 
اق 0 عه : إن الل لا يقل لضاخب بدعة عونا وه اة ولا زا و ا خا ا 


هه 
وو 2 و 


عرة ولا جهادا ولا را ولا عدا ورج من الإسلام نكما يَخرج السَهم من الرمية أو 
كما تخرج الشعرة من العجين». فهذا وأمثاله بما يجاوز حد الحصر أفاد علمًا ضروريا بكون 
البدعة مذمومة. 

فإن قيل: سلمنا أن البدعة مذمومة» ولكن ما دليل الأصل الثانى وهو أن هذه بدعةء 
فإن البدعة عبارة عن كل محدث» قال الشافعى بي الجماعة فى التراويح بدعة وهى بدعة 
حسنة» وخحوض الفقهاء فى تفاريع الفقه ومناظرتهم فيها مع ما أبدعوه من نقص وكسر 
وفساد وضع وتركيب ونحوه من فنون مجادلة والزام كل ذلك مبدع لم يؤثر عن الصحابة 
شئ من ذلك فدل على أن البدعة المذمومة ما رفعت سئة مأثورة» ولا نسلم أن هذا رافع 
لسنة ثابتة لكنه محدث خاض فيه الألوان إما لاشتغالهم لما هو أهم منه وإما لسلامة القلوب 


کے بمبجمووعةرسائلالإمامالفزالى ا سب سسب سسحت 311١‏ = 


فى العصر الأول عن الشكوك والترددات فاستغنوا لذلك وخاض فيه من يعدهم لمسيس 
الحاجة» حيث حدثت الأهواء الخ إلى إبطالها وإفحام متتحلها؟ 

الجواب: أما ما ذكرتموه من أن البدعة المذمومة ما رفعت سنة قديمة هو الحق وهذا 
بدعة رفعت سنة قليمة. إذ كان ستّة الصحابة المنع من الخوض فيهء وزجر من سأل عنه 
والمبالغة فى تأديبه ومنعه بفتح باب السؤال عن هذه المسائل» والخوض بالعوام فى غمرة هذه 
المشكلات على خلاف ما تواتر عنهم» وقد صح ذلك عن الصحاية بتواتر النقل عند التابعين 
من نقلة الآثارء وسير السلف حجة لا يتطوق إليها ريب ولا شك كما تواتر خوضهم فى 
مسائل الفرائض ومشاورتهم فى الوقائع الفقهية وحصل العلم به أيضًا بأخبار آحاد لا يتطرق 
الشك إلى مجموعهاء كما نقل عن عمر فاه أنه سأل سائل عن آيتين متشابهتين فعلاه 
بالدرة» وكما روى أنه سأل سائل عن القرآن أهو مخلوق أم لاء فتعجب عمر من قوله 
فأخذ بيده حتى جاء به إلى على شه فقال: يا أبا الحسن استمع ما يقول هنا الرجل . 
قال: وما يقول يا أمير المؤمنين؟ فقال الرجل: سألته عن القرآن أمخلوق هو آم لا؟ فوجم 
لها شه وطأطأ رأسهء ثم رفع رأسه وقال: سيكون لكلام هنا نبأ : فى آخر الرّمان ولو 
وليت من أمره ما وليت لضريت عنقه. 

7 SS 
وأبى هريرة يغ ولم يقولا له ولا أحد تمن بلغه ذلك من الصحاية؛ ولا عرف على فافع‎ 
فى نفه أن هذا سؤال عن مسألة دينيه وتعرف الحكم كلام الله تعالى وطلب معرفة لصقة‎ 
القرآن الذى هو معجرّة دالة على صدق الرسولء بل هو الدليل المعرف لحكام التكليف»‎ 
فلم يستوجب طالب المعرفة هذا التشديدء قاتظر إلى فراسة على وإشرافه على أن ذلك قرع‎ 
لباب الفتنة» وأن ذلك سينتشر فى أنخر الزمان الذى هو موسم الفتن ومطيتها بوعد رسول‎ 
الله عله ء وانظر إلى تشديده وقوله: ولو وليت لضربت عنقه» فمثل أولئك السادة الأكابر‎ 
الذين شاهدوا الوحى والتنزيل واطلعوا على أسرار الدين وحقائقه» وقد قال ع له نى‎ 
. أحدهما: الو لم أبيعث ليعث عمر». وقال فى الثانى: «أنَا مَادينة العلم وعلى بابها»‎ 
يزجرون اا ثم يزعم من بعدهم من المشغوفين. بالكلام والمجادلة. وممن‎ 
لو أنفق مثل أحد ذهيًا ما بلغ مد أحدهم ولا نصيفه.. أن. الحق والصواب. قبول هذا السؤال‎ 
والخوض فى الجواب وفتح هذا البابي. ثم يعتقد فيه أنه صحق» وفى عمر وعلى أثهما‎ 
مبطلان. هيهات ها أيعد عن التحصيل وها أخلى عن الدين من قاس اللائكة بالحدادين‎ 
ويرجح المجادلين على الأئمة الراشدين والسلف. فإذًا قد عرف على القطع أن هذه بدعة‎ 
مخالفة لسنة اسلف لا كخوض الفقهاء فى التفاريع والتفاصيل» فإنه ما نقل عنهم زجر عن‎ 


سے ٣)٢‏ د مجموعة رسائلالامامالفزالی سد 


الخوض فه» بل إمعانهم فى الخوض. وأما ما أبدع من فنون E‏ مذمومة 
عند أهل التحصيل ذكرنا وجه ذمها فى كتاب قواعد العقائد من كتب الإحياء. وآما 
مناظراتهتم إن كان القصد منها التعاون على البحث عن مأخذ الشرع ومدارك الأحكام» فهى 
سنة السلف ولقد يتشاورون ويتناظرون فى المسائل الفقهية كما أبدعوا ألفاظًا وعبارات للتنبيه 
على مقاصدهم الصحيحة فلا حرج فى العبارات بل هى مباحة لمن يستعيرها ويستعملهاء 
وإن كان مقصدهم المذموم من النظر الإفحام دون الإعلام» والإلزام دون الاستعلام» فذلك 
بدعة على خلاف السنة المأثورة. 
الباب الثالت فى فصول متفرقة نافعة فى هذا المن 
فصل 

إن قال قائل : ما الذی دعا الله ته إلى إطلاق هذه الألفاظ الموهمة مع الاستغناء 
عنهاء أكان لا يدرى أنه يوهم التشبيه ويخلط الخلق ويسوقهم إلى اعتقاد الباطل فى ذات الله 
تعالى وصفاته» وحاشا منصب النبوة أن يخفى عليه ذلك أو عرف لكن لم يبال بجهل 
الجهال وضلالة الضلال» وهذا أبعد وأشنع لأنه بعث شارحًا لا مبهمّاء ملبسا ملغرّاء وهذا 
إشكال له وقع فى القلوب حتى جر بعض الخلق إلى سوء الاعتقاد فيه فقالوا: لو كان نبي 
لعرف الله ولو عرفه لما وصفه بما يستحيل عليه فى ذاته وصفاته» ومالت طائفة أخرى إلى 
اعتقاد الظواهر» وقالوا: لو لم يكن حقنًا لا ذكره كذلك مطلقًا ولعدل عنها إلى غيرها أو 
قرنها بما يزيل الإبهام عنها فى سبيل حل هذا الإشكال العظيم. 

الحواب: أن هذا الإشكال منحل عند أهل البصيرة» وبيانه أن هذه الكلمات مأ 
جمعها رسول الله دفعة واحدة وما ذكرهاء وإنما جمعها المشبهة وقد بينا أن لجمعها من 
التأثير فى الإيهان والتلبيس على الأفهام ما ليس لآحادها المفرقة؛ وإنما هى كلمات لهج بها 
فى جميع عمره فى أوقات متباعدة وإذا اقتصر منها على ما فى القرآن والأخخبار المتواترة 
رجعت إلى كلمات يسيرة معدودة» وإن أضيف إليها الآخبار الصحيحة فهى أيفمًا قليلة» 
وإنما كثرت الروايات الشاذة الضعيفة التى لا يجوز التعويل عليهاء ثم ما تواتر منها إن صح 
معها إيهام التشبيه وقد أدركها الحاضرون المشاهدون. فإذا نقل الألفاظ مجردة عن تلك 
القرائن ظهر الإيهام» وأعظم القرائن فى زوال الإيهام المعرفة السابقة بتقديس الله تعالى عن 
قبول هذه الظواهر» ومن سبقت معرفته بذلك كانت تلك المعرفة ذخيرة له راسخة فى نفسه 
مقارنة لكل ما ر يسمع» فينمحق معه الإيهام انمحاقًا لا يشك فيهء ويعرف هذا بأمثلة : 

الأأول: أنه عله سمى الكعبة بيت الله تعالى» وإطلاق هذا يوهم عند الصبيان وعند 


حت ببجموعةرسائلالإمامالفزالى ا حبس سسبت ست سس سبح 1 2د 


من تقرب درجتهم منهم أن الكعبة وطنه ومثواه» لكن العوام الذين اعتقدوا آنه فى السماء 
وأن استقراره على العرش ينمحق فى حقهم هذا الإيهام على وجه لا يشكون فيه» فلو قيل 
لهم: ما الذى دعا رسول الله عه إلى إطلاق هذا اللفظ الموهم المخيل إلى السامع أن 
الكعبة مسكنه لمادروا بأجمعهمء وقالوا: هذا إنما يوهم فى -حق الصبيان والحمقى. وأما من 
تكرر على سمعه أن الله مستقر على عرشهء فلا يشك عند سماع هذا اللفظ أنه ليس المراد 
به أن البيت مسكنه ومأواه»ء بل يعلم على البديهة أن المراد بهذه الإضافة تشريف البيت أو 
معنى سواه غير ما وضع له لفظ المضاف إلى ربه وساكنه. أليس كان اعتقاده أنه على 
العرش قرينة أفادته علمًا قطعيا بأنه ما أريد بكون الكعبة بيته إنه مأواه؛ وإن هذا إنما يوهم 
فى حق من لم يسبت إلى هذه العقيدةء فكذلك رسول الله له خاطب به بهذه الألفاظ 
جماعة سبقوا إلى علم التقديس ونفى التشبيه وإنه منزه عن الجسمية وعوارضهاء وكان ذلك 
قرينة قطعية مزيلة للإيهام لا يبقى معه شك» وإن جاز أن يبقى لبعضهم تردد فى تأوبلها 
وتعيين المراد به من جملة ما يحتمله اللفظ ويليق بجلالة الله تعالى. 

المخال الثانى: إذا جرى لفقيه فى كلامه لفظ الصور بين يدى الصبى أو العامى فقال: 
صورة هذه المسألة كذا وصورة الواقعة كذاء ولقد صورت للمسألة صورة فى غاية الحسن 
ربما توههم الصبى أو العامى الذى لا يفهم معنى المسألة أن المسألة شئ له صورة» وفى تلك 
الصورة أنف وفم وعين على ما عرفه واشتهر عنده» أما من عرف حقيقة المسألة وإنها عبارة 
عن علوم مرتبة ترتيبًا مخصوصاء فهل يتصور أن يفهم عيئًا وأنقًا وفمًا كصورة الأجسام؟ 
هيهات. بل يكفيه معرفته بأن المسألة منزهة عن الجسمية وعوارضهاء فكذلك معرفة نفى 
الجسمية عن الإله وتقدسه عنها تكون قريئة فى قلب كل مستمع مفهمة لمعنى الصورة فى 
قوله خلق الله آدم على صورته ويتعجب العارف بتقديسه عن الجسمية من يتوهم لله تعالى 
الصورة الجسمية» كما يتعجب تمن يتوهم للمسألة صورة جسمانية. 

المثال الثالث: إذا قال القائل بين يدى الصبى : بغداد فى يد الخليفة ربما يتوهم أن 
بغداد بين أصابعه. وأنه قد احتوى عليها براحته كما يحتوى على حجره ومدره» وكذلك 
كل عامى لم يفهم المراد بلفظ بغداد. أما من علم أن بغداد عبارة عن بلدة كبيرة هل يتصور 
أن يخطر له ذلك أو يتوهم وهل يتصور أن يعترض على قائله ويقول: لماذا قلت بغداد فى 
يد الخليفة؟ وهذا يوهم خلاف الحق ويفضى إلى الجهل حتى يعتقد أن بغداد بين أصابعه بل 
يقال له: يا سليم القلب هذا إنما يوهم الجهل عند من لا يعرف حقيقة بغدادء فأما من علمه 
فبالضرورة يعلم أنه ما أريد بهذه اليد العضو المشتمل على الكف والأصابع بل معنى آخر 
ولا يحتاج فى فهمه إلى قرينة سوى هذه المعرفةء فكذلك جميع الألفاظ الموهمة فى الأخبار 


کی ım ۳٢‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالی سد 


يكفى فى دفع إيهامها قرينة واحدة وهى معرفة الله وإنه ليس من جنس الأجسامء وهذا مما 
افتتح رسول الله ع؛ ل ل 

المثال الرابع : قال رسول الله عله فی نساته: «أطولكن يدا أسرعكن حانًا بى؛ فَكَانَ 
بعض نسوته ححت الطول بالَسَاحة ووضع اليد عَلَى اليد حتى ذكر لهن أنه أراد بذلك 
الاج بق الخره درن الطون للعضوء وكان رسول الله عه ذكر هذه اللفظة مع قرينة أفهم 
بها إرادة الجود بالتعبير يطول اليد عتهء فلما تقل اللقظ مجردًا عن قرينته حصل الإيهم. 
فهل كان لأحد أن يعترض على رسول الله يه فى إطلاقه لفظًا جهل بعضهم معناه؟ إنما 
ذلك لأنه أطلق إطلاقًا مفهمًا فى حى الحاضرين مقرونًا مثلاً يذكر السخاوةء والناقل قد 
ينقل اللفظ كما سمعه ولا ينقل القرينة» أو كان بحيث لا يمكن نقلهاء أو ظن أنه لا حاجة 
إلى نقلهاء وأن من يسمع يقهمه هو كما فهمه هو لما سمعه. فربما لا يشعر أن فهمه إنما كان 
بسبب القرينةء فلذلك يقتصر على تقل اللقظ ٠‏ فبمثل هذه الأسباب بقيت الألقاظ مجردة 
عن قرائنها فقصرت عن التفهيم مع أن قرينة معرفة التقديس بمجردها كافية فى نفى 
الإيهام. وإت كانت ربا لا تكفى فى تعيين المراد به فهذه الدقائق لا بد من التنبه لها كائثال 
الام 

إذا قال القائل بين يدى الصبى ومن يقرب مته درجة ممن لم يمارس الأحوال» ولا 
عرف العادات فى المجالسات قلان دخل مجمعًا وجلس فوق غلان ربا يتوهم السامع الجاهل 
الغبى أنه جلس على رأسه أو على مكان فوق رأسه» ومن عرف العادات وعلم أن ما هو 
أقرب إلى الصدر فى الرتبة» وأن الفوق عبارة عن العلو يفهم منه آنه جلس بجنبه لا فوق 
رأسهء لكن جلس أقرب إلى الصدرء فالاعتراض على من خاطب بهذا الكلام وأهل المعرفة 
بالعادات من حيت إنه يجهله :الصبيان أو :الأغبياء اعتراض باطل لا أصل لهء وأمثلة ذلك 
كثيرة. فقّد فهمت على القطع بيهذه الأمثلة أن هذه الألفاظ الصريحة انقلبت مفهوماتها عن 
أوضاعها الصريحة يمجرد قرينة» ورجعت تلك القرائن إلى معارف سابقة .ومقترتة» فكذلك 
هذه الظواهر الموهمة :انقلبت عن الإيهام بسبب تلك القرائن الكثيرة التى بعضها هى 
المعارف» والواحدة متها معرفتهم أنهم لم يؤمروا بعبادة الأصنامء وإن من عبد جسمًا فقد 
عبد صنمًا كان الجسم صغيراً أو كبيراء قبيحًا أو جميلاً» ساقلاً أو عاليًا على الأرض أو 
على العرش . وكان نفى الجسمية وتفى لوازمها معلوما لكافتهم على القطع بإعلام رسول الله 
عله المبالغة فى التنزيه بقوله : 9 ليس كمثله شيء » 1الشورى: .١‏ وسورة الإخللاص 
وقوله : لإ فلا تجعلوا لله أندادا 4 (البقرة (TY:‏ وبألفاظ كثيرة لا حصر لها مع 'قرائن قاطعة 
لا يمكن حكايتهاء وعلم ذلك إلا علمًا لا ريب فيه وكان ذلك كافيًا فى تعريقهم استحالة يد 


جح مبجيوعةرسائلالإمامالقزالى ‏ ببست سس سسبت 68غ37 = 


هى عضو مركب من لحم وعظم» وكذا فى سائر الظواهر لآنها لاتدل إلا على الجسمية 
وعوارضها لو أطلق على جسم ولو أطلق على غير الجسم على ضرورة أنه ما أريد به ظاهره 
بل معنى آخر تما يجوز على الله تعالى ربما يتعين ذلك المعنى وربما لا يتعين. فهذا مما يزيل 
الإشكال. 

فإن قيل: ,فلم لم يذكر بألفاظ ناصة عليها بحيث لا يوهم ظاهرها جهلاً ولا فى حن 
العامى والصبى؟ ٠‏ 

قلنا: لأنه إنما كلم الناس بلغة العربء وليس فى لغة العرب ألفاظ ناصة على تلك 
المعانى» فكيف يكون فى اللغة لها نصوص وواضع اللغة لم يفهم تلك المعانى» فكيف 
وضع لها النصوص بل هى معان أدركت بنور النبوة خاصة أو بنور العقل بعد طول البحث» 
وذلك أيضًا فى بعض تلك الأمور لا فى كلهاء فلما لم يكن لها عبارات موضوعة كان 
استعارة الألفاظ من موضعات اللغة ضرورة كل ناطق بتلك اللغة» كما أنا لا نستغنى عن أن 
نقول صورة هذه المسألة كذا وهى تخالف صورة المسألة الأخرى؛ وهى مستعارة من الصور 
الجسمانية» لكن واضع اللغة لا لم يضع لهيئة المسألة وخصوص ترتيبها اسم نصًا إما لأنه 
لم يفهم المسآلة أو فهم » لكن لم تحضره أو حضرته لكن لم يضع لها نصنًا خاضصًا اعتمادًا 
على إمكان الاستعارة أو لأنه علم أنه عاجز عن أن يضع لكل معنى لفظًا خاصًا ناصاء لأن 
المعانى غير متناهية العدد والموضوعات بالقطع يجب أن تناهى فتبقى معان لها يجب أن 
يستعار اسمها من الموضوعء. فاكتفى بوضع البعض وسائر اللغات أشد قصورا من لغة 
العرب» فهذا وأمثاله من الضرورة يدعو إلى الاستعارة لمن يتكلم بلغة قوم إذ لا يمكنه أن 
يخرج عن لختهم. كيف ونحن نجوز الاستعارة حيث لا ضرورة اعتمادًا على القرائن» فإنا 
لا نفرق بين أن يقول القائل: جلس زيدٍ فوق عمروء وبين أن يقول جلس أقرب منه إلى 
الصدرء وأن بغداد فى ولاية المخليفة أو فى يله إذا كان الكلام مع العقلاءء وليس فى 
الإمكان حفظ الألفاظ عن إفهام الصبيان والجهال» فالاشتغال بالاحتراز عن ذلك ركاكة فى 
الكلام وسخافة فى العقل وثقل فى اللفظ. 

فإن قيل: فلم لم يكشف الغطاء عن المراد بإطلاق لفظ الإله ولم يقل إنه موجود ليس 
بجسم ولا جوهر ولا عرض ولا هو داخل العالم ولا خارجه ولا متصل ولا منفصل ولا 
هو فى مكان ولا هو فى جهة»ء بل الجهات كلها خالية عنه»ء فهذا هو الح عند قومء 
والإفصاح عنه كذلك؛ كما أفصح عنه المتكلمون ممكن ولم يكن فى عيارته عله قصورء 
ولا فى رغبته فى كشفه الحق فتورء ولا فى معرفته نقصان؟ 

قلنا: من رأى هذا الحق اعتذر بأن هذا لو ذكره لنفر الناس عن قبولهء ولبادروا 


سی ۳٢٦١‏ سس بمجووعة رسائل الإمام الفزالى سد 


الألكان ماكو دا ی الخال رو قرا فى التعطيل ولا خصير فى البالفة فى تثزيه بتتج 
التعطيل فى حق الكافة إلا الأقلينء وقد بعث رسول الله عه لله داعا للخلق إلى سعادة 
الآخرة رحمة للعالمين. كيف ينطق بما فيه هلاك الأكثرين» ل 
على قدر عقولهم. وقال عر : «مَنْ حدث الاس بحديث لا يه موته كان فنتة علّى 
بعضهم». أو لفظ.هذا معناه. 

فإن قيل: إن كان فى المبالغة فى التنزيه خوف التعطيل بالإضافة إلى البعض ففى 
استعماله الألفاظ الموهمة خوف التشبيه بالإضافة إلى اليعض . 

قلنا: بينهما فرق من وجهين. 

أحدهما: أن ذلك يدعو إلى التعطيل فى حت الأكثرين» وهذا يعود إلى التشبيه فى 
حق الأقلين» وأهون الضررين أولى بالاحتمال» وأعلم الضررين أولى بالاجتناب. 

والثانى: أن علاج وهم التشبيه أسهل من علاج التعطيل. إذ يكفى أن يقال مع هذه 
الظواهر : لإ لیس کمتله شيء ‏ االشوری: 1 وأنه ليس بجسم ولا مثل الأجسام. وأما 
إثبات موجود فى الاعتقاد على ما ذكرناه من المبالغة فى التنزيه شدیدا جداء بل لا يقبله 
واحد من الآلف لا سيما الأمة العربية. 

فإن قيل: فعجز الناس عن الفهم هل يمهد عذر الأنبياء فى أن يثبتوا فى عقائدهم 
امور على خلاف ما هى عليها ليثبت فى اعتقادهم أصل الإلهية حتى توهموا عندهم مثلاً 
أن الله مستقر على العرش وأنه فى السماء وأنه فوقهم فوقية المكان؟ 

قلنا: معاذ الله أن نظن ذلك أو يتوهم بنبى صادق أن يصف الله بغير ما هو متصف 
به» وأن يلقى ذلك فى اعتقاد الخلق» فإنما تأثير قصور فى استعمال الألفاظ مستعارة رما 
يغلط الأغبياء فى فهمهماء وذلك لقصور اللغات وضرورة الخلق فى أن يذكر لهم ما 
يطيقون فهمه ومالا يقهمونه. فكيف عنه علاج عجز الخلق وقصورهم ولا ضرورة فى 
تفهيمهم خلاف الحق قصدًا لا سيما فى صفات الله . نعم» به ضرورة فى استعمال الألفاظ 
مستعارة ربما يغلط الأغبياء فى فهمهاء. وذلك لقصور اللغات وضرورة المحاورات. فأما 
تفهيمهم خلاف الحق قصدا إلى التجهيل فمحال» سواء فرض فيه مصلحة أو لم تفرض. 

فإن قيل: قد جهل أهل التشبيه جهلا يستند إلى ألفاظه فى الظواهر تفضى إلى 
جهلهم؛ فمهما جاء بلفظ مجمل ملبس فرضى به لم يفترق ال حال بين أن يكون مجرد قصده 
إلى التجهيل؛ وبين أن يقصد التجهيل مهما حصل التجهيل» وهو عالم به وراض . 

قلنا: لا نلم أن جهل أهل التشبيه حصل بألفاظه» بل بتقصيرهم فى كسب معرقة 
التقديس وتقديمه على النظر فى الألفاظء ولو حصلوا تلك المعرفة أولاً وقدموها لا 


ید مجموعہ رسائل‌الاإمامالفزالی ہج ید ٣٤٣۷‏ = 


جهلوهاء كما أن من حصل علم التقديس لم يجهل عند سماعه صورة المسألةء وإغا 
الواجب عليهم تحصيل هذا العلمء ثم مراجعة العلماء إذا شكوا فى ذلك ثم كف النفس 
عن التأويل وإلزامها التقديس . وإذا رسم لهم العلماءء فإذا لم يفعلوا جهلوا وعلم الشارع 
بأن الناس طباعهم الكسل والتقصير والفضول بالخوض فيما ليس من شأنهم ليس رض 
بذلك ولا سعيًا فى تحصيل الجهل» لكنه رضًا بقضاء الله وقدره فى قسمته حيث 
قال :لومت كلمة ربك لأَمَادَنَ جهنم من الجن الاس أجمعين 4 [هود: 114 
وقال : ف ولو شاء ربك لعل النّاس أَمَهَ واحدة 4 [عود: L14۸‏ ف ولو شاء ربك لآمن من في 
الأرض كلهم جميعا أفأنت تكره ابي حت يكونوا ھۇمنين ‏ [يونس: 1۹ وما كان 
تفس أن تؤ من إلا يإذن الله 4 (يونس: ١ ٠‏ . ولا يزالون مختلفين 0127 إلا من رحم 
ربك ولذلك حَلقَهِم © اهرد: 4 .]١١۹4‏ فهذا هو القهر الإلهى فى فطرة الخلتق ولا قدرة 
للأنبياء فى تغيير سنته التى لا تبديل لها. 


فصل فى جواب مالك رضى الله عنه 
لعلك تقول الكف عن السؤال والإمساك عن الجواب من أين يغنىء» وقد شارع فى 
البلاد هذه الاختلافات وظهرت التعصبات» فكيف سبيل الجواب إذا سئل عن هذه الممائل؟ 
فلنا: الجواب ما قاله مالك ي فى الاستواء إذ قال: الاستواء معلوم الحديث. 
فيذكر هذا الجواب فى كل مسألة سئل عنها العوام لينحسم سبيل الفتنة . 
فإن قيل: دي AD‏ 
قلنا: الجواب أن يقال ما قاله الرسول عله . وقال الله تعالى وقد صدق حيث 
قال: ل الحم على الْعرش استرئ » امله: ] . فيعلم قطعًا أنه ما أراد الجلوس والاستقرار 
الذى هو صفة الأجسام. ولا ندرى ما الذى أراده ولم نكلف معرفته وصدق حيث قال: 
وهو القاهر فوق عباده ‏ 1الأنعام : ۸. وفوقية المكان محالء فإنه كان قبل المكان فهو 
الآن كما كان» وما أراد فلسنا نعرفه وليس علينا ولا عليك أيها السائل معرفته فكذلك نقول 
ولا يجوز إثبات اليد والأصبع مطلقاء > بل يجوز النطق بما نطق به رسول اللّه َه على 
الوجه الذى نطق به من غير زيادة ونقصان وجمع وتفريق وتأويل وتفصيل كما سبق» فنقول 
صدق حيث قال: لخمر طيئة آدم بيدها وحيث قال: «قلب المؤمن بين أصبع من أصابع 
الرحمن» فتؤمن بذلك ولا نريد ولا تتقص› ٠‏ وننقله كما روى ونقطع بنفى العضو المركب 
من اللحم والعصبء أوإذا قيل: القرآن قديم أو مخلوق؟ قلنا: هو غير مخلوق لقوله عه : 
«القرآن كلام اله عير مخلوق» . فإن قال: الحروف قديمة أو لا؟ قلنا: الحواب فى هذه 


سے ۳٢۸‏ ب مجموعهرسائلالإمام الفزالی د 
المسألة لم يذكرها الصحابة» فالخوض فيها بدعة فلا تسألوا عنهاء فإن ابتلى الإنسان بهم فى 
بلدة غلبت فيها الحشوية وكفروا من لا يقول بقدم الحروف» فيقول المضطر إلى الجواب: إن 
عنيت باللحروف نفس القرآن فالقرآن قديم» وإن أردت بها غير القرآن وصفات الله تعالى فما 
سوى الله وصفاته محدث ولا يزيد عليه» لأن تفهيم العوام حقيقة هذه المسألة عسيرة جداء 
فإن قالوا: قد قال النبى عله : «من قرا حرفًا من القران فله كذا». فأثبت الحروف للقرآن 
ووصف القرآن بأنه غير مخلوق» فلزم منه أن الحروف قديمة. قلنا: لا ثزيد على .ما قاله 
ارتل وسى أذ القران ف ما ن وشو ماله وان كان لان رت ف سال 
أخرى . وأما أن الحروف قديمة فهى مسألة ثالثة ولم نزد عليه فلا نقول به» ولا نزيد على ما 
قاله الرسول تيه فإن زعموا أنه يلزم المسألتين السابقتين هذه المسألة. قلنا: هذا قياس 
وتفريع» وقد بينا أن لا سبيل إلى القياس والتفريع» بل يجب الاقتصار على ما ورد من غير 
اع محم و ا «( أنزلناه قرآنا 
عربيا 4 (يوسف: ١‏ . فالعربى قديم. فنقول: أما أن القرآن عربى فحق إذ نطق به القرآن» 
وأما أن ال َيه » فعلى هذا الوجه يلجم العوام والحشوية 
عن التصرف فيه ونزمهم عن القياس والقول باللوازم» بل نزيد فى التضييق على هذا 
ونقول: إذا قال القرآن كلام الله غير مخلوق فهذا لا يرخص فى أن يقول القرآن قديم ما 
لم يرد لفظ القديم إذ فرق بين غير مخلوق والقديمء إذ يقال: كلام فلان غير مخلوق أى 
غير موضوعء وقد يقال: المخلوق بمعنى المختلق فلفظ غير مخلوق يتطرق إليه هذا ولا 
يتطرق إلى لفظ القديم» فبينهما فرق» ونحن نعتقد قدم القرآن لا بمجرد هذا اللفظء فإن 
هذا اللفظ لا ينبغى أن يحرف ويبدل ويغير ويصرف» بل يلزم أن يعتقد أنه حق بالمعنى 
الذى أراه» وكل من وصف القرآن بأنه مخلوق من غير نقل نص فيه مقصودء فقد أبدع 
وزاد ومال عن مذهب السلف وحاد. 


فصل فى أن الإيمان قديم 
فإن قيل: من المسائل المعروفة قولهم إن الإيمان قديم» فإذا سئلنا عنه فبم نجيب؟ 
قلنا: إن ملكنا زمام الأمر واستولينا على السائل منعناه عن هذا الكلام السخيف الذى 
لا جدوى له» وقلنا: إن هذا بدعة» وإن كنا مغلوبين فى بلادهم فنجيب ونقول ما الذى 
أردت بالإيمان؟ إن أردت به شيئًا من معارف الخلق وصفاتهم فجميع صفات الخلق مخلوقة, 
وإن أردت به شيئًا من القرآن أو من صفات الله تعالى فجميع صفات الله تعالى قديمة» وإن 
أردت ما ليس صفة للخلق ولا صفة الخالق فهو غير مفهوم ولا متصور وما لا يفهم ولا 


مجموعة رسائل الإمام الفزالس ابس سس سبيت 7:4 د 


يتصور ذاته» كيف يفهم حكمه فى القدم والحدوث. والأصل زجر السائل والسكوت عن 
الجواب هذا صفو مقصود مذهب السلف ولا عدول عنه إلا بضرورة وسبيل المضطر ما 
ذكرناء “فإن وجدناه ذكيًا مستفهمًا لفهم الحقائق كشفنا الغطاء عن المسألة وخلصناه عن 
الإشكال فى القرآن وقلنا: 
اعلم أن كل شىء فله فى الوجود أربع مراتب: وجود فى الأعيان» ووجود فى 
الأذهانء ووجود فى اللسان» ووجود فى البياض المكتوب عليه كالثار مثلاً» فإن لها وجودا 
فى التنور ووجودا فى الخيال والذهن» وأعنى بهذا الوجود العلم بنفس النار وحقيقتها ولها 
وجود فى اللسان وهى الكلمة الدالة عليهء أعنى لفظ النار ولها وجود فى البياض المكتوب 
عليه بالرقوم. والإحراق صفة خاصة للنار كالقدم للقرآن ولكلام الله تعالى» والمحرق من 
هذه الجملة الذى فى التنور دون الذى فى الأذهان» وفى اللسان وعلى البياض إذ لو كان 
المحرق فى البياض أو اللسان لاحترق» ولكن لو قيل لنا: النار محرقة؟ قلنا: نعم. فإن قيل 
لنا: كلمة النار محرقة؟ قلنا: لاء فإن قيل: حروف النار محرقة؟ قلنا: لاء فإن قيل: 
مرقوم هذه الحروف على البياض محرقة؟ قلنا: لاء فإن قيل: المذكور بكلمة النار أو 
المكتوب بكلمة النار محرق؟ قلنا: نعم. لأن المذكور والمكتوب بهذه الكلمة ما فى التنور وما 
فى التنور محرقء فكذلك القدم وصف كلام الله تعالى كالإحراق وصف التار وما يطلق 
عليه اسم القرآن وجوده على أربع مراتب. أولها: ا 
تعالى يضاهى وجود النار فى التنور «إولله امل الأعلئ 4 [النحل: .]1١‏ ولكن لا بد من 
هذه الأمثلة فى تفهيم العجزة والقدم وصف خاص لهذا الوجود. 0 وجوده العلمى 
فى أذهاننا عند التعليم قبل أن ننطق بلسانناء ثم وجوده فى لساننا بتقطيع أصواتناء ثم 
وجوده فى الأوراق بالكتب». فإذا سئلنا عما فى أذهاننا من علم القرآن قبل النطق به. قلنا: 
علمنا صفته وهى مخلوقة لكن المعلوم به قديم» كما أن بالنار وثبوت صورتها فى خيالنا 
غير محرق لكن المعلوم به محرق» وإن سئلنا عن صوتنا وحركة لساننا ونطقنا قلنا: ذلك 
صفة لسائئا فلسنائنا حادث وصفته توجد بعده وما هو بعد الحادث حادث بالقطع» لکن 
منطوقنا ومذكورنا ومقروءنا ومتلونا بهذه الأصوات الجحادثة قديم» كما أن ذكرنا حروف النار 
بلساننا كان المذكور بهذه الحروف محرقًا وتقطيع أصواتنا غير محرق إلا أن يقول 
قائل: حروف النار عبارة عن نفس النار. قلنا: إن كان كذلك» فحروف النار محرقة 
وحروف القرآن إن كان عبارة عن نفس المقروء فهى قديمةء وكذلك المخطوط برقوم النار 
والمكتوب به محرق لأنه الأوراق من غير إحراق واحتراق» فهذه أربع درجات فى الوجود 
تشتبه على العوام لا يمكنهم إدراك تقاصيلها وخاصة كل واحدة منهن»فلذلك لا نخوض 


بهم فيها لا لجهلنا بحقيقة هذه الأمور وكنه تفاصيلها. إن النار من حيث إنها فى التنور 
توصف بأنها محرقة وخامدة ومشتعلة» ومن حيث إنها فى اللسان يوصف بأنها عجمى 
وتركى -وعربى وكثيرة الحروف وقليلة الحروف» وما فى التنور لا ينقسم إلى العجيمى 
والتركى والعربىء وما فى اللسان لا توصف بالخمود والاشتعال» وإذا كان مكتوبًا على 
البياض يوصف لاأنه أحمر وأخضر وأسود وأنه بقلم المحقق أو الثلث والرقاع» أو قلم النسخ 
وهو فى اللسان لايمكن أن يوصف بذلك. واسم النار يطلق على ما فى التنور وما فى 
القلب وما فى اللسان وما على القرطاسء لكن باشتراك الاسم فأطلق على ما فى التنور 
حقيقة وعلى ما فى الذهن من العلم لا بالحقيقة ولكن بمعنى أنه صورة محاكية للنار 
الحقيقى» كما أن ما يرى فى المرآة يسمى إنسانًا ونارًا لا بالحقيقة ولكن بمعنى إنها صورة 
محاكية للتار الحقيقى والإنسان وما فى اللسان من الكلمة يسمى باسمه بمعتى ثالث» وهو 
أنه دلالة دالة على ما فى الذهن وهذا يختلف بالاصطلاحات والأول والثانى لا اختلاف 
فيهماء وما فى القرطاس: يسمى تار بمعنى رابع» وهو أنها رقوم تدل بالاصطلاح على ما 
فى اللسان ومهما فهم اشتراك اسم القرآن والنار وكل شئ من هذه الأمور الأربعة» فإذا ورد 
الخبر أن القرآن فى قلب العبد وأنه فى لسان القارئ وأنه صفة ذات الله صدق بالجميع وفهم 
معنى الجميع» ولم يتناقص عند الأذكياء وصدق بالجميع مع الإحاطة بحقيقة المراد. وهذه 
أمور جلية دقيقة لا أجلى منها عند الفطن الذكى ولا أدق» وأغمض منها عن البليد الغبى؛ 
فحق اليليد أن يمنع من الخوض فيها ويقال له: قل القرآن غير مخلوق واسكت ولا تزد عليه 
ولاتنقص ولا تفتش عنه ولا تبحث» وأما الذكى فيروح عن غمه هذا الإشكال فى ظة 





ويوصى بأن لا يحدث العامى به حتى لا يكلفه ما ليس فى طاقته» وهكذا جميع موضع 
الإشكالات فى الظواهر فيها حقائق جلية لأرباب البصائر ملتبسة على العميان من العوام» 
فلا ينبغى أن يظن بأكابر السلف عجزهم عن معرفة هذه الحقيقة» وإن لن يحرروا ألفاظها 
تحرير صنحة ولكتهم عرفوه وعرفوا عجر العوام فسكتوا عنهم وأسكتوهم وذلك عين الحق 
والصوابه. لا أعنى بأكاير اسلف الأكابر من حيث الجاه والاشتهارء ولكن من حيث 
الغوص عملى اللعانى والاطلاع على الأسرارء وعند هذا ريا اتقلي الأمر فى حى العوام 
واعتقشوزااقى االأشهر أنه الأكير وذدلك. سبب آخر من أسياب الضلال ‏ 


ْ ١ e 
فإن قال قائل: العامى إذا منع من البحث والنظر لم يعرق الدليل» ومن لم يعرف‎ 
الدليل كان جاهلاً بالمدلول» وقد أمر الله تعالى كاقة عياده بمعرقته  آى بالإيمان به والتصديق‎ 


جح مجموعة رسائل امام الغزالی سبح ٣۵١۱‏ = 


بوجوده أولاً» وبتقديسه عن سمات الحوادث ومتشابهة غيره ثانيّاء ويوحدانيته الثّاء 
وبصفاته من العلم والقدرة ونفوذ المشيئة وغيرها رابعاء وهذه الأمور ليست ضرورية فهى إذَا 
مطلوبة»وكل علم مطلوب قبلا سبيل إلى انتقاصه وتحصيله إلا بشبكة الأدلة والنظر فى 
الأدلة والتفطن لوجه دلالتها على المطلوب وكيفية إنتاجها وذلك لا يتم إلا بمعرفة شروط 
البراهين وكيفية ترتيب المقدمات واستنتاج النتائج» ذلك شيئًا فشينًا إلى تمام علم البحث 
واستيفاء علم الكلام إلى آخر النظر فى المعقولات» وكذلك يجب على العامى أن يصدق 
الرسول تیه فی کل ما جاء به» وصدقه ليس بضرورى بل هو بشر كسائر الخلق فلا بد من 
دليل يميزه عن غيره تمن تحدى بالنبوة كاذبًا ولا بمكن ذلك إلا بالنظر فى المعجزة ومعرفة 
حقيقة المعجزة وشروطها إلى آخر النظر فى النبوات وهو لب علم الكلام. 

قلنا: الواجب على الخلق الإيمان بهذه الأمورء والإيمان عبارة عن تصديق جازم لا 
تردد فيه ولا يشعر صاحبه بإمكان وقوع الخطاً فيه» وهذا التصديق الجازم يحصل على ست 
مراتب . 
الأولن: ورهن أقضاها ما يحفتل بالرغان التتفى الوقن شروطه المحرر أضولة 
ومقدماته درجة درجة وكلمة كلمة حتى لا يبقى مجال احتمال وتكن التباس. وذلك هو 
الغاية القصوى» ريا يتفق ذلك فى كل عصر لواحد أو اثنين من ينتهى إلى تلك الرتبة» 
رق تر :اليو عه رار قات اة هرر ةغل فل الع ملت الك ول 
الناجون. 

الات أن بخ دة ار هة الوب ال عل اتور هة مى ا 
لإشهارها بين أكابر العلماء وشناعة إتكارها ونفرة النفوس عن إبداء المراء فيهاء وهذا الجنس 
أيضًا يفيد فى بعض الأمور وفى حق بعض الناس تصديقًا جازمًا بحيث لا يشعر صاحبه 
بإمكان خخلافه أصلاً . 

الشالشة: أن يحصل التصديق بالأدلة الخطابية» أعنى القدرة التى جرت العادة 
باستعمالها فى المحاورات والمخاطيات الجارية فى العادات» وذلك يفيد فى حق الأكثرين 
تصديقًا ببادئ الرأى وسابق الفهم إن لم يكن الباطن مشحونًا بالتعصب وبرسوخ اعتقاد 
على خلاف مقتضى الدليل» ولم يكن المشنع مشغوفًا بتكليف المماراة والتشكك ومنتجعا 
بتحديق المجادلين فى العقائدء وأكثر أدلة القرآن من هذا الجنس» فمن الدليل الظاهر المقيد 
للتصديق قولهم: لا ينتظم تدبير المنزل بمدبرين» فلو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتاء فكل 
قلب باق على الفطرة غير مشوش بمماراة يسبق من هذا الدليل إلى فهمه تصديق جازم 
بوحدانية الخالق» لكن لو شوشه مجادل وقال: لم يبعد أن يكون العالم بين إلهين يتوافقان 





سے ٢۵ج‏ ہے مجموعةرسائلالامامالغزالی ہے 
على ادير و لالا اماه هدا القت بترن عل سدق تم ها بر سل ها 
السؤال ودفعه فى حق بعض الأفهام القاصرة فيستولى الشك ويتعذر الرفعء وكذلك من 
الجلى أن من قدر على الخلق فهو على الإعادة أقدر. كما قال :قل يحييها الذي أنشأها 
اول رة ايس: 4 فهذا لا يسمعه أحد من العوام ذكى وي لخر يا إلى 
التصديق» ويقولي: نعم ليست الإعادة بأعسر من الابتداء بل أهون» ويمكن أن يشوش عليه 
بسؤال ربما يعسر عليه فهم جوابهء والدليل المستوفى هو الذى يفيد التصديق بعد تام الأسئلة 
وجوابها بحيث لا يبقى للسؤال مجال والتصديق يحصل قبل ذلك. 

الرابعة: التصديى لمجرد السماع ممن حسن الاعتقاد فيه بسبب كثرة ثناء الخلق عايه. 
فإن من حسن اعتقاده فى أبيه وأستاذه أو فى رجل من الأفاضل المشهورين قد يخبره عن 
شئ كموت شخص أو قدوم غائب أو غيره» فيسبق إليه اعتقاد فيه» فالمجرب بالصدق 
والورع والتقوى مثل الصديق فاه إدا قال قال رسول الله عه كذاء فكم من مصدق به 
جما وقابل له قبولاً مطلقًا لا مستند لقوله إلا حسن اعتقاده فيه. فمثله إذا لقن العامى 
اعتقادًا وقال له: اعلم أن خالق العالم واحد قادر وأنه بعث محمدا ميه رسولا بادر إلى 
التصديق ولم يمازجه ريب ولا شك فى قولهء وكذلك اعتقاد الصبيان فى آبائهم ومعلميهم 
فلا جرم يسمعون الاعتقادات ويصدقون بها ويستمرون عليها من غير حاجة إلى دليل 


وحجة . 





الرتبة الخامسة: التصديق به الذى يسبق إليه القلب عند سماع الشئ مع قرائن أحوال 
لا تفيد القطع عند المحقق ولكن يلقى فى قلب العوام اعتقادًا جازمّاء كما إذا سمع بالتواتر 
مرض رئيس البلد 5 ثم ارتفع صراخ وعويل من داره» ثم يسمع من أحد غلمانه أنه قد مات 
اعتقد العامى جزم أنه مات وبنى عليه. تدبيره ولا يخطر بباله أن الغلام ربما قال ذلك عن 
إرجاف سمعه» وأن الصراخ والعويل لعله عن غشية أو شدة مرض أوسبب آخرء لكن هذه 
خواطر بعيدة لا تخطر للعوام فتنطبع فى قلوبهم الاعتقادات الجازمة» وكم من أعرابى نظر 
إلى أسارير وجه رسول الله عله وإلى حسن كلامه ولطف شمائله وأخلاقه فآمن به وصدقه 
جزمًا لم يخالجه ريب من غير أن يعالجه بمعجزة يقيمها ويذكر وجه دلالتها. 

الرتبة السادسة: أن يسمع القول فيناسب طبعه وأخلاقه» فيبادر إلى التصديى لمجرد 
موافقته لطبعه لا من حسن اعتقاده فى قائله» ولا من قرينة تشهد له» لكن لناسبة ما فى 
طباعه» فا لحريص على موت عدوه وقتله وعزله يصدق جميع ذلك بأدنى إرجاف ويستمر 
على اغتقاده جازمّاء وبلو أخبر بذلك فى حق صديقه أو بشئ يخالف شهوته هواه توقف 
فيه أو أباه كل الإباءء وهذه أضعف التصديقات وأدنى الدرجات لأن ما قبله استند إلى دليل 


کے مجموعة رسائل الإمام الغزالی س٠*ششسيم ٣۵٣٣‏ = 
ما. وإن كان ضعيمًا من قرينة أو حسن اعتقاد فى المخبر أو نوع من ذلك وهى أمارات يظنها 
العامى أدلة فتعمل فى حقه عمل الأدلة فإذا عرفت مراتب التصديق» فاعلم أن مستند إيمان 
العوام فى هذه الأسباب وأعلى الدرجات فى حقه أدلة القرآن وما يجرى مجراه ما يحرك 
القلب إلى التصديق» ولا يتبغى أن يجاوز بالعامى إلى ما وراء أدلة القرآن وما فى معناه من 
الجليات المكنة للقلؤب المستجرة لها إلى الطمأنيتة والتصديق وما وراء ذلك ليس على قدر 
طاقتهء وأكثر الناس آمنوا فى الصيا وكان سبب تصديقهم مجرد التقليد للآباء والمعلمين 
لحسن ظنهم بهم وكثرة ثنائهم على أنفسهمء وثناء غيرهم عليهم وتشديدهم النكير بين 
أيدهم على مخالفيهم» وحكايات أنواع التكال النازل يمن لا يعتقد اعتقادهم وقولهم إن 
فلانًا اليهودى فى قبره مسخ كلبّاء وفلانًا الرافضى انقلب خنزيراء أو حكايات منامات 
وأحوال هذا الجنس ينغرس فى نفوس الصبيان النفرة عنه والميل إلى ضده حتى ينزع الشك 
بالكلية عن قلبه» فالتعلم فى الصغر كالنقش فى الحجرء ثم يقع نشوءه عليه ولايزال يؤكد 
ذلك فى نفسهء فإذا بلغ استمر على اعتقاده الجازم تصديقه المحكم الذى لا يخالجه فيه 
ريب» ولذلك ترى أولاد النصارى والروافض والمجوس ولمسلمين كلهم لا يبلغون إلا على 
عقائد آبائهم واعتقاداتهم فى الباطل والحق جازمة . لو قطعوا إربًا إربًا لما رجعوا عنها وهم 
قط لم يسمعوا عليه دليلاً لا حقيقيًا ولا رسمياء وكذا ترى العبيد والإماء يسبون من 
المشرك ولا يعرفون الإسلام» فإذا وقعوا فى أسر المسلمين وصحبوهم مدة ورأوا ميلهم إلى 
الإسلام مالوا معهم واعتقدوا اعتقادهم وتخلقوا بأخلاقهم. وكل ذلك لمجرد التقليد 
والتشبيه بالتابعين» والطباع مجبولة على التشبيه لا سيما طباع الصبيان وأهل الشباب فبهذا 
يعرف أن التصديق الجازم غير موقوف على البحث وتحرير الأدلة. 


فصل 

لعلك تقول: لا أنكر حصول التصديق الجازم فى قلوب العوام بهذه الأسباب» ولكن 
ليس من المعرفة فى شئ» وقد كلف الناس المعرفة الحقيقية دون اعتقاد هو من جنس الجهل 
الذى لا يتميز فيه الباطل على الحق. فاالجواب: أن هذا غلط ممن ذهب إليهء بل سعادة 
الخلق فى أن يعتقدوا الشئ على ما هو عليه اعتقاذا جازمًا لتنتقش قلوبهم بالصورة الموافقة 
لحقيقة الحق» حتى إذا ماتوا وانكشف لهم الغطاء فشاهدوا الأمور على ما اعتقدوها لم 
يفتضحوا ولم يحترقوا بنار الخزى والخجلة ولا بنار جهنم ثانيّاء وصورة الحق إذا انتقش بها 
قلبه فلا نظر إلى السبب المفيد له دليل حقيقى أو رسمى أو إقناعى» أو قبول بحسن الاعتقاد 
فى قائلة أو قبول لمجرد التقليد من غير سيب فليس المطلوب الدليل المقيد» بل الفائدة وهى 


حقيقة الحق على ما هى عليه فمن اعتقد حقيقة الحق فى الله وفى صفاته وكتبه ورسله 
واليوم الآخر على ما هو عليه فهو سعيد. وإن لم يكن ذلك بدليل محرر كلامى ولم يكلف 
الله عياده إلا ذلك وذلك معلوم على القطع بجملة أخبار متواترة من رسول الله عله فى 
موارد الأعراب عليه وعرضه الإيمان عليهم وقبولهم ذلك وانصرافهم إلى رعاية الإبل 
والمواشى من غير تكليفه إياهم التفكر فى المعجزة» ووجه دلالته والتفكر فى حدوث العالم 
وإثبات الصانع . وفى أدلة الوحدانية وسائر الصفات» بل الأكثر من أجلاف العرب لو كلفوا 
ذلك لم يفهموه ولم يدركوه بعد طول المدة. بل كان الواحد منه يخلفه ويقول: الله أرسلك 
رسولاً. فيقول: واللّه الله أرسلنى رسولاً وكان يصدقه بيمينه وينصرف» ويقول الآخر إذا 
قدم عليه ونظر إليه: والله ما هذا وجه كذاب» وأمثال ذلك مما لا يحصىء بل كل يسلم فى 
غزوه واحدة فى عصره وعصر أصحابه آلاف لا يفهم الأكثرون منهم أدلة الكلام» ومن كان 
E‏ 
ذلك فعلم علمًا ضروريًا أن الله تعالى لم يكلف الخلق إلاً الإيمان والتصديق الجازم با قاله 
كيفما حصل التصديق. 

نعم ء لا ينكر أن للعارف درجة على المقلد. ولكن المقلد فى الحق مؤمن كما أن 
العارف مؤمن . 

فإن قفلت: فبم ييز المقلد بين نفسه وبين ن اليهود والمقلد؟ 

قلنا: المقلد لا يعرف التقليد ولا يعرف أنه مقلدء بل يعتقد فى نفسه أنه محق عارف 
ولا يشك فى معتقده ولا يحتاج مع نفسه إلى التمييز لقطعه بأن خصمه مبطل وهو محق» 
ولعله أيضًا يستظهر بقرائن وأدلة ظاهرة وإن كانت غير قوية يرى نفسه مخصوصا بها ومميزًا 
بسببها عن خصومهء فإن كان اليهودى يعتقد فى نفسه مثل ذلك فلا يشوش ذلك على 
المحق اعتقاده. كما أن العارف الناظر يزعم أنه يميز نفسه عن اليهودى بالدليل» واليهودى 
المتكلم الناظر أيضا يزعم أنه مميز عنه بالدليل ودعواه ذلك لا يشك الناظر العارف. وكذلك 
NS E NEG NAS‏ الميطل كلامه 
بكلامهء فهل رأيت عاميا فقط قد اغتم وحزن من حيث يعسر عليه الفرق بين تقليد 
اليهودى. بل لا يخطر ذلك يبال العوام» وإن خطر يبالهم وشوفهوا به ضحكوا من قائله 
وقالوا: ما هذا الهذيان وكان به بين الحق والباطل مساواة حتى يحتاج إلى فرق فارق تببينًا 
أنه على الباطل» وإنى على الحق» وأنا متيقن لذلك غير شاك فيه. فكيف أطلب الفرق 
حيث يكون الفرق معلومًا قطعًا من غير طلب» فهذه حالة المقلدين الموقنين وهذا إشكال لا 
يقع لليهودى المبطل لقطعه مذهبه مع نفسهء فكيف للمسلم المقلد الذى وافق اعتقاده ما هو 


سک ببجموعة رسال الإمامالفزالى www‏ ست ٣۵٣۵‏ = 


الحق عند الله تعالى» فظهر بهذا عند القطع للمسلك المقلد الذى وافق اعتقاده ما هو الحق 
عند الله تعالى» فظهر بهذا على القطع أن اعتقاداتهم جازمة» وأن الشرع لم يكلفهم إلا 
ذلك . 

فإن قيل: قاذ لقنن شاب ‏ تسنا دل ای ی ی 0 
الأقاويل الجليلة المفرقة السابقة إلى الأفهام فماذا تصنع به؟ 

قلنا: هذا مريض مال طبعه عن صحة الفطرة وسلامة الخلقة الأصلية فينظر فى 
شمائله فإن وجدنا اللجاج والجدل غاليًا على طبعه لم نجادله» وطهرنا وجه الأرض عنه إن 
كان يجاحدنا فى أصل من أصول الإيمان» وإن توسمنا فيه بالفراسة مخائل الرشد والقبول 
إن جاوزنا به من الكلام الظاهر إلى توفيق فى الأدله عالجناه بما قدرنا عليه من ذلك» 
وداوينا بالجدال المر والبرهان الحلوء وبالجملة فنجتهد أن نجادله بالأحسن كما أمر الله تعالى 
ورخصنا فى القدر من المداواة لا تدل على فتح باب الكلام مع الكافةء فإن الآدوية يستعمل 
فى حى المرضى وهم الأقلون» وما يعالج به المريض بحكم الضرورة يجب أن يوقى عنه 
الصءميحء والفطرة الصحيحة الأصلية معدة لقبول الإيمان دون المجادلة وتحرير حقائق 
الأدلة» وليس الضرر فى استعمال الدواء مع الأصحاء ء بأقل من الضرر فى إهمال المداواة مع 
المرضى» فليوضع کل د شئ موضعه كما أمر. الله تعالى به نبيه حيث قال: ادع إلى سبيل 
ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم باي هي أحسن 4 1النحل : ..١6‏ والمدعو 
E‏ إلى الحق قوم» وبالموعظة الحسئة قوم آخرون» وبالمجادلة الحسئة قوم آخرون على ما 
فصلنا أقسامهم فى كتاب القسطاس المستقيم فلا نطول بإعادته . 


المضنون نبه على غبراهله 
آم إعرهيم 
خطبة الرسالة 
الحمد لله على موجب ما هدانا إلى حمده ووفقنا للقيام بشكره» والصلاة والسلام 
على سيدنا محمد أشرف من انتسب إلى آدم عليه السلام وعلى صحبه الأخيار. 
اعلم أن لكل صتاعة أهلاً يعرف قدرهاء ومن أهدى نفائس صناعة إلى غير أريايها 
ققد ظلمهاء وهذًا علق نقيس مضنون به على غير أمله فمن صانه عمن لا يعرف قدره فقد 
قضى حقه أكرمت يهذا العلق على سبيل التهادى. أخى وعزيزى أحمد صانه الله عن 
.الركؤن إلى الغرور وأهله لمعرفة بعض حقائق الأشياء 'تى كانت معرفة جميعها مطلوبة لسيد 
ولد آدم عليه السلام حيث قال: أرنا الآشياء كما هر . وهذا العلق المضمون به على غير 
أهله يشتمل على أربعة أركان: 


الركن الأول: فى معرفة الربوبية . 
الركن الثانى: فى معرفة الملائكة . 
٠‏ الركن الثالث: فى حقائق المعجزات. 
الركن الرابع: فى معرفة ما بعد الموت والانتقال من الدنيا إلى العقبىء وفقنا الله 
تعالى لما يرضى”"ويحب» فإنه خير موفق ومعين وإليه المرجع والمصير. 


الركن الأول فى علم الريوبية 

الزمان لا يكون محدودًا وخلق الزمان فى الزمان أمر محال» فاليوم هو الكون 
الحادث فى اللغة وأيام الله حيث قال: ل وذكرهم بأيام الله 4 [إبراهيم : 8]. مراتب 
مخلوقاته ومصنوعاته ومبدعاته من وجوه منها قوله: في أربعة أيامو4 (نصلت: .]٠‏ فيوم 
مادة السماء ويوم صورتها ويوم كواكبها ويوم نفوسها. وقوله :ل خلق الأرض في يومين ‏ 
[فصلت: 4). المادة والصورةء ومادة السموات ومادة بروجها صورة واحدة» ومادة الأرض 
مادة مشتركة بين أزواج وفحول وهی اخس لأنها مثل مومسة تقبل كل ناكح . ومنها: الجما 
والمعدنيات داخلة فى الجماد والنبات والحيوانات العجم والإنسان. ومنها: الأرض فهو سماء 
من طريق اللغة» لأن أهل اللغة تقول: كل ما علاك فهو سماؤك؛ وكل ما دون الفلك يعنى 
فلك القمر بالنسبة إلى الأفلاك أرض لقوله : [ ومن الأرض متهن 4 [الطلاق: ؟1]. 

الأول: كرة النار. 

والثانية: كرة الهواء . 

والثالثة: كرة الطين المجفف الذى فوق الماء. 

والرابعة: الماء . 

والخامسة: الأرض البسيطة . 

والسادسة: الممتزجات من هذه الأشياء. 

والسابعة: الآثار العلوية. 


فصل فى تعليقات عل ىآيات كريمة 
ظ فَليرتقوا في الأَسباب 4 اص: ١٠].الارتقاء‏ صعود الأخس إلى الأشرف حتى 
يتتهى إلى واجب الوجود. 
كما قال تعالى :فل وأ إلى ربك المنتهئ » (النجم: 47]. 
وقوله تعالى: : يوم نطوي السّماء كطي المسجل لذكتب »> (الانياء: 5]. 


سک مجموعة رسال الاما الفزالی سس سس شب ٣۵۷‏ کے 
وقوله تعالى: أن السَموّات والأرض كانتا رتقا ففتقناهمًا ) [الانياء: .۲۴١‏ الأول 


فصل فى أن الرزق مقدرمضمون 

وهو من المعقوللات لامن المنقوللات. لأن الحق تعالى عقل ذاته» وما توجبه ذاته فهو 
قد عقل جميع الموجودات» وإن كان بالقصد الثانى وإنما يوجب كل واحد منها. أعنى من 
الموجودات المبدعات على ما وجد لأنه سبحانه وتعالى يعقل وجود الكل من ذاتهء فكما أن 
تعقله ذاته لا يجوز أن يتغيرء كذلك تعقله لكل ما توجيه ذاته ولكل ما يعقله وجوده من 
ذاته لا يتغير» بل يجب وجود كل ذلك ووجود أنواع الحيوانات وبقاؤها متعقل لا شك فيه 
خصوصًا النوع الإنسانى» والنوع إنما يبقى مستحفظا بالأشخاص وبلوغ كل شخص إلى 
الغاية التى يمكن أن يولد شخصًا آخر مثله لا يمكن إلا بقاؤه مدة»ء وبقاؤه تلك المدة لا يصح 
إلا بما فيه قوام الحياة. وقوام الحياة بالرزق لأنه تعالى يعقل وجود الكل من ذاته ووجود ما 
يعقله من ذاته واجب» وتعقل بقاء النوع الإنسانى ببقاء الأشخاص وتناسلهم» 
تناسلهم ببقاء كل شخصء وتعقل بقاء كل شخص مدة بما فيه قوام حياته وهو الرزق» 
والرزق إنما يكون من النبات والحيوان وهما الخبز واللحم» والفواكه من جملة النبات وأكثر 
الخلارى» فوجب أن يكون الرزق مضمونًا بتقدير الرءوف الرحيم يم لذلك قال تعالى : 
وفي السماء رزفكم وما توعدون ©4 فورب السماء والأرض إن لق ثل ما نکم 
تنطقوت 4 [الذاريات: [YY YY‏ 

فصل فى من لا يعرف حميفة الرؤيا 

من لا يعرف حقيقة الرؤيا لا يعرف حقائق أقسام الرؤياء ومن لا يعرف حقيقة رؤيا 
الرسول يه وسائر الرسل» بل رؤيا الذين ماتوا لا يعرف رؤيا الله تعالى فى المنام» 
والعامى يتصور أن من رأى رسول الله فى المنام فقد رأى حقيقة شخصه. وكما أن المعنى 
الذى وقع فى النفس حاكى الخيال عنه بلفظ» فكذلك كل نقش ارتسم فى النفس يمثل 
الخيال له صورة ولا أرى أنه كيف يتصور رؤية شخص الرسول فى المنام وشخصه مودع فى 
روضة المدينة وما شق القبر وما خرج إلى موضع يراه النائم. ولئن سلمنا ذلك فربما يراه فى 
ليلة واحدة ألف نائم فى ألف موضع على صور مختلفة» والوهم ياعد العقل فى أنه لا 
يمكن تصور شخص واحد فى حالة واحدة فى مكانين ولا على صورتين طويل وربع» 
وشاب وكهل وشيخ» ومن لا تحيط معرفته بفساد هذا التصور» فعَد قنع من غريزة العقل 


سے ۳۵۸ ب س7 مجموعة رسائل الإمام الفزالى ‏ ست 


بالاسم والرسم دون الحقيقة والمعنى» ولا ينبغى أن يعاتب بل ينبغى أن يخاطب . فلعله 
يقول ما يراه مثاله لا شخصه»ء ويقال هو مئال ش خصه أو مثال حقيقة روحه المقدسة عر 
الصور والشكل فإن قال: هو مثال شخصه الذى هو عظمه ولحمه. فأى حاجة إلى شخصه 
وشخصه فى نفسه متخيل ومحسوسء. ثم من رأى شخصه بعد الموت دون الروح فكأنه 
مارأی النبى» "بل رأى جسمًا كان يتحرك بتحرك النبى عليه الصلاة والسلام فكيف يكون 
رائيًا له برؤية مثال شخصهء بل الحق أنه مئال روحه المقدسة التى هى النبوة فما رآه من 
الشكل ليس هو روح النبى وجوهره ولا شخصه بل مثاله على التحقيق . 
فإن قيل: افأى معنى لقوله عليه الصلاة والسلام: من رآنی فی الام َقَدْ رآنى فَإنْ 

الشيْطان لا تمل بى». 

قلنا: E EG E N‏ بين النبى وبينه من تعريف الحق إياه» فك ) 
أن جوهر النبوة أعنى الروح المقدسة الباقية من النبى بعد وفاته منزهة عن اللون والكٌ لى 
والصورة» ولكن تنتهى تعريفاته إلى الأمة بواسطة مثال صادق ذى شكل ولون وه ررة. 
وإذا كان جوهر التبوة منزها عن ذلك فكذلك ذات الله منزه عن الشكل والصورة ولكن 
تنتهى تعريفاته إلى العبد بواسطة مثال محسوس من نور أوغيره من الصور الجميلة التى 
تصلح أن تكون مثالا للجمال المعنوى الحقيقى الذى لا صورة له ولا لون» ويكون ذلك 
امثال صادقًا وحقنًا وواسطة فى التعريف» فيقول النائم: رأيت الله تعالى فى امام لا معنى 
انی رأيت ذاتهء كما يقول: رأيت النبى لا بمعنى أنه رأى ذات النبى وروحه أو ذات شخصه 
بمعنى أنه رأى مثاله . 

فإن قيل: إن النبى له مثل والله تعالى لا مثل له. 

قلنا: هذا جهل بالفرق بين المثل والمثال؛ فليس المثال عيارة عن المثل, فالمثل عبارة عن 
المساوى فى جميع الصفات. والمثال لا يحتاج فيه إلى المساواة فإن للعقل معنى لا يمائله 
غيره. 

ولنا أن نصور الشمس له مثالا لما بينهما من المناسية فى شئ وا-حدء وهو أن 
المحسوسات تنكشف ينور الشمس كما تتكشف المعقولات بالعقل فهذ! القدر من المناسية 
كاف فى المثال» بل السلطان يمثل فى النوم بالشمس وبالقمر الوذيرء والسلطان لايمائل 
الشمس بصورته ولا بمعناه» ولا الوزير يماثل القمر .إلا أن السلطان له استعلاء على الكافة 
ويعم أثره النور» كما أن الوزير واه ن اطا والرغية ف إقاضة أثر العدل» فهذا 
مثال وليس بمثل واللّه تعالى قال :الله نور السموات والأرض مثل نوره كمشكاة فيها 
مصباح (النور: .]٠١‏ فأى عاثلة بين نوره وبين الزجاجة والمشكاة والشجرة والزيت؟ قال 


س ببجووعة رسائل الإمامالغزالی ست 700 اح 
الله تعالى : 9١‏ أنزل من السماء مَاء فُسَالَتَ أودية بقدرها فاحتمل ا زبدا ابيا 4 [الرعد: 
۷. ذكر ذلك تمثيلاً للقرآن والقرآن صفة قديمة لا مثل لهء فكيف صار الماء له مثالاً؟ وكم 
من المنامات.عرضت على رسول الله يله من رؤيا لبن أوحبل. فقال: اللبن هو الإسلام» 
والحبل هو القرآن إلى أمثال له لا تحصى وأى ممائلة ؛ بين اللبن والإسلام والحبل والقرآن إلا 
فى مناسبة» وهو أن.الخبل يتمسك به النجاة والقرآن كذلك. واللبن غذاء تغذى به الحياة 
الظاهرة والإسلام غذاء تغذى به الحياة الباطنة» فهذا كله مثال وليس بمثل» بل هذه الأشياء 
لها. والله تعالى لا مثل له لكن له أمثلة محاكية لمناسبة معقولة من صفات الله تعالى» فإنا 
إذا عرفنا المسترشد أن الله تعالى كيف يخلق الأشياء وكيف يعلمها وكيف يزيدها وكيف 
يتكلم وكيف يقوم الكلام بنفسه. مثلنا جميع ذلك بالإنسانء. ولولا أن الإنسان عرف من 
نفسه هذه الصفات لما فهم مثاله فى حق الله تعالى» فالمثال فى حق الله تعالى جائزء والمثل 
باطلء فإن المثال هو ما يوضح الشئ والمثل ما يشابه الشئ. 

فإن قيل: هذا التحقيق الذى ذكرتموه ليس يفضى إلى أن الله تعالى يرى فى المنام. بل 
إلى أن الرسول أيضنًا لا يرى» فإن المرئى مثاله لا عيته فقوله: من رآنی فی الام فقد رآنی» 
فهو نوع تجوز معناه كأنه رآنى وما سمع من المثال كأنه سمع منى. 

قلنا: وهذا ما يريده القائل بقوله: رأيت الله تعالى فى المنام لا غير . أما أن يريد به 
أنه رأى ذاته على ما هو عليه فلاء فإنه حصل الاتفاق على أن ذات الله تعالى لا ترى وإن 
مثالاً يعتقده النائم ذات الله تعالى أو ذات النبى يجوز أن يرى» وكيف ينكر ذلك» مع 
وجوه فى المنامات. فإِن لم يره بنفسه فقد تواتر إليه من جماعة أنهم رأوا ذلك» إلا أن الخال 
المعتقد قد يكون صادمًا وقد يكون كاذياء ومعنى الصادق أن الله تعالى جعل رؤياه واسطة 
بين الرائى وبين النبى فى تعريف بعض الأمورء وفى قدرة الله تعالى خلق هذه الواسطة بين 
العبد وبين اتصال الحق به وهو موجودء فكيف يمكن إنكاره؟ 

فإن قيل: إذا كانت رؤية الرسول تجوداء فالتجوز مما قد أذن فى إطلاقه فى حقه ولا 
يجوز فى حق الله تعالى من الإطلاقات إلا ما ورد الإذن به. 

قلنا: قد ورد الإذن بإطلاق ذلك. فإن رسول الله ينه قال: «رَأَيْت ربى فى أَحْسّنٍ 
e‏ وهذا مما أورد فى الأخبار التى وردت فى إثبات ا تعالى حيث قال: ان 
لله خلق آم على صورته». و و 
أنه رآه مرارً كثيرة وما رآه فى صورته الحقيقة إلا مرة ومرتين» وقثيل جبريل فى صورة 
دحية الكلبى ليس بمعنى أنه انقلب ذات جبريل صورة دحية الكلبىء بل إنه ظهرت تلك 
الصورة للرسول مثالا مؤديًا عن جبريل ما أوحى إليهء وكذلك قوله تعالى: فإ فتَممّل لها 


بَشْرا سويا ‏ [مريم: وإذا لم يكن استحالة فى ذات الملك وانقلابّاء بل يبقى جبريل 
على حقيقته وصفتهء وإن ظهر النبى فى صورة دحية الحلبى فلا يستحيل مثل ذلك فى حق 
الله تعالى فى يقظة ولا فى منام» فهذا ما يدل من جهة الخبر على جواز إطلاقه» وقد ورد 
عن السلف إطلاق ذلك ونقلت فيه آثار وأخبار» ولو لم يرد فيه إطلاق لكنا نقول: يجوز 
إطلاق كل لفظة فى حي الله تعالى صادقة لا منع منه ولا تحريم إذا كان لا يوهم الخطأ عند 
المستمعء وهذا لا يوهم رؤية الذات عند الأكثرين لكثرة تداول الألسنة له فإن معتاه كما 
يجوز أن تقول: إنا نحب الله تعالى أو نشتاق إليه ونريد لقاءء» وقد سبق إلى فهم قوم من 
هذه الإطلاقات خيالات فاسدة والأكثرون يفهمون معناه على وجهه من غير خیال فاسد» 
ورا فى هذه الإطلاقات ,حال خان الخاطتك جور الأطلاق مو غير عقف ولا تفر 
حيث لا إبهام» ويجب الكشف عند الإبهام. وعلى الجملة هذا يرد الخلاف إلى إطلاق 
اللفظ وجوازه بعد حصول الاتفاق على لفظ المعنى من أن ذات الله تعالى مرئية» وأن المرئى 
مثال» وظن من ظن استحالة المشال فى حق الله تعالى خطأء بل نضرب لله تعالى ولصفاته 
الأمثال وننزهه عن المثل ولا ننزهه عن المثال وله المثل الأعلى . 


فصل فى الكلام على الفرق يبن الواحد والأحد 
ومعنى الصمد 

قرلة تعالی: قل هو الله أحد » [الإخلاص: .]١‏ فرق بين الواحد والأحدء قال 
تعالى: ل وإلهكم إله واحد 4 [البقرة: 177]. فيقال الإنسان شخص واحد وصنف واحدء 
والمراد به أنه جملة هى جملة واحدةء ويقال ألف واحدء فالواحد المشار إليه من طريق 
العقل والحس هو الذى يمتنع مفهومه عن وقوع الشركة فيه» والأحد هو الذى لا تركيب فيه 
ولا جزء له بوجه من الوجوهء فالواحد نفى الشريك والمثل» والأحد نفى الكثرة. فى ذاته 
وقوله تعالى : اللّه الصّمَد ‏ [الإخلاص: ؟5. الصمد الغنى المحتاج إليه غيره وهذا دليل 
على أن الله تعالى إحدى الذات وواحدء لأنه لو كان له شريك فى ملكه لما كان صمد! 
غنيًا يحتاج إليه غيره» بل كان هو أيضًا يحتاج إلى شريكه فى المشاركة أو التثنية» ولو كان 
له أجزاء تركيب واحد لما كان صمدا يحتاج إليه غيره» بل هو محتاج فى قوامه ووجوه إلى 
أجزاء تركيبه وحدهء فالصمدية دليل على الواحدية والآّحديةء لم یلد ) دلیل على آن 
وجوده المستمر ليس مثل وجود الإنسان الذى يبقى نوعه بالتوالد والتناسل» بل هو وجوده 
مستمر أزلى وأبدى ولم يولد دليل على أن وجود ليس مثل وجود الإنسان الذى خضل بد 
العدم» ويبقى داتمًا إما فى جنة عالية لا تفنى وإما فى هاوية لا تنقطعء ل ولم يكن له كفو! 


00 أن الوجود الحقيقى الذى له تبارك وتعالى وهو الوجود الذى يفيد وجود 
غيره ولا يستفيد الوجود من غيره ليس إلا له تيارك وتعالى فقوله : «قل هو الله أحد » . 
دليل على إثيات ذاته المنزه المقدس والصمدية نقى وإضافة نفى الحاجة عنه. فلا طريق فى 
معرفة ذات الله تعالى أبين وأوضح من سلب صفات المخلوقات عنه . 


فصل فى كلام حول الصمات 

يتخيل بعض الناس كثرة فى ذات الله تعالى من طريق تعدد الصفات وقد صح قول 
من قال قى الصفات لا هو ولاغيرهء وهذا التخيل يع من توهم التغاير ولا تغاير فى 
الصفات مثال ذلك: أن إنسانًا يعلم صورة الكتاب وله علم بصورة بسم الله التى تظهر تلك 
الصورة على القرطاس» وهذه صفة واحدة وكمالها أن يكون المعلوم تبِحًا لهاء فإنه إذا 
حصل العلم بتلك الكتابة ظهرت الصورة على القرطاس بلا حركة بد وواسطة قلم ومدادء 
فهذه الصفة من حيث إن المعلوم انكشف بها يقال لها علم» ومن حيث إن الألفاظ تدل 
عليها يقال لا القدرة» ولاتغاير ههنا بين العلم والقدرة والكلام» فإن هذه صقة واحدة فى 
نفسها ولا تكون هذه الاعتبارات الثلاثة واحدة» وكل من كان أعور ينظر بالعين العوراء فلا 
يرى إلا مطلق الصفة فيقول: هو هوء وإذا التفت إلى الاعتبارات الثلاث فقال: هى غيره» 
ومن اعتبر مطلق الصفة مع الاعتبارات فقد نظر بعينين صحيحتين اعتقد أنها لا هو ولا غيره 
والكلام فى صفات الله تعالى وإن كان مناسبًا لهذا المثال فهو مباين له يوجه آخرء وتفهيم 
هذه المعانى بالكتابة عسير غير يسيرء وأما الوهم الذى وقع لبعض الناس أن المثال فى حق 
أوصاف الله تعالى لا يجوز فيدفعه أن ذلك المتوهم لم يميز بين المثل والمثال» فإن المثال 
يحتاج إليه كما ذكرناه فى أن يسترق للمعنى المعقول من الصور المحسوسة صورة تضحهء 
وتوصل ذلك المعنى المعقول إلى فهم المستفيدء وأما المحسوس فلا يحتاج إلى مثال لأن 
المحسوس بعينه مندرج فى الخيال. ألا ترى أن من رأى المقدحة والزند والنار تحصل بينهما 
لا يحتاج إلى مثال لهذه الأشياءء ولكن المعقول المحض الذى لا يندرج فى الخيال ولا 
يضبطه الخيال فإنه يحتاج إلى الاستعانة بالخيال حتى يصل إلى فهم الضعفاء» وليس لله 
تعالى مثل كما قال: ( ليس كمثله شيء 4 الشورى : .١‏ ولكن له مثال» وقول النبى 
عليه الصلاة والسلام: إن لله َعَالَى لق آدم على صورته؛. . إشارة إلى هذا المثالء فإنه لما 
كان تعالى وتقدس موجودًا قائمًا بنفسه حيا سميعًا بصيرًا عالًا قادرًا متكلمًا فالإنسان 
كذلك» ولو لم يكن الإنسان بهذه الأوصاف موصوقًا لم يعرف الله تعالى» ولذلك قال 
النبى عليه الصلاة والسلام: «من عرف نفسه فقد عرف ربه4» فإن كل ما لم يجد الإنسان 


کی ٠۹١‏ سسحت مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


له من نفسه مثالا يعسر عليه التصديق به والإقرار» وقد أوحى الله تعالى إلى بعض الأتبياء 
عليهم الصلاة والسلام: أيها الإننان اعرف نفسك تعرف ربك ولذلك لا يحيط علم 
الإثان بأخص وصف الله تعالىء. لأنه ليس فى المبدعات والمخلوقات مثال وأنموذج من 
ذلك الوصف الحاص» وكذلك الاسم للوصف الخاص الذى له تعالى لأن الإإنسان إشا 
يسمى الشئ بعد معرفته إياءء وإذا لم يكن للإنسان إليه طريق وأنموذج فلا علم له به ولا 
اسم له عنده ولا علامة. فكيف يعرفه؟ فلذلك لا يعرف الله إلا الله. وأعنى أخص وصفه 
وكنه معرفته فمن قال: إن الإنسان حى عالم قادر سميع بصير متكلم والله تعالى كذلك 
لايكون هذا القائل مشبهاء فإن التشبيه إثبات المشاركة فى الوصف الأخصء. ومن قال: إن 
السواد عرض موج ود وهو لونء والبياض عرض موجود وهو لون لا يكون مشبها السواد 
بالبياض» فإن الاشتراك فى اللونية والعرضية والوجودية لا يكون تشبيها بينهماء ولذلك لا 
تمائل بين السواد والبياض مع اشتراكهما فى اللونية والعرضية الوجدية؛ فالمثال فى حق الله 
سائغ جائز والمثل مستحيل» فإنا نقول: الله تعالى مدبر متصرف فى العالم وليس فى العالم 
مثال ذلك أن أصبع الإنسان يتحرك ويحركه علمه وإرادته وليس فيها العلم والإرادة فيقع 
التفهيم بسبب ذلك وتصور الضعيف أنه كيف يكون مدبرا فاعلاً فى شئ غير مجاور له ولا 
حال فيه. 


فصل فى تكليف الله تعالى عباده 

تكليف الله تعالى عباده لا يضاهى تكليف الإنسان عيده الأعمال التى يرتيط بها 
غرضه وما لا حظ له فيه وما لا يحتاج إليه فلا يكلقه به. وتكليف الله تعالى عباده يجر ی 
مجرى تكليف الطبيب المريض. فإذا غلبت عليه الحرارة أمره بشرب المبردات والطبيب غنى 
عن شربه لا يضره مخالفته ولا ينفعه موافقه. ولكن الضرر والنفع يرجعان إلى المريض وإننا 
الطبيب هاد ومرشد فقط ٠‏ فإن وفق المريض حتى وافق الطبيب شفى وتخلص» وإن لم 
يوفق فخالفه تمادى به المرض وهلك. وبقاؤه وهلاكه عند الطبيب سيانء فإنه مستغن عن 
بقائه وفنائه» فكما أن الله تعالى. خلقى للشفاء سببًا مفضيًا إليه كذلك خلق للسعادة سييًا وهو 
الطاعات» ونهى النفس عن الهوى بالمجاهدة المزكية لها عن رذائل الأخلاق منجيات ورذائل 
فى الآخرة مهلكات. كما أن رذائل الأخلاق ممرضات فى الدنيا ومهلكات والمعاصى 
لاه إلى حياة الآخرة كالسموم بالإضافة إلى حياة الدنيا وللنفوس طب كما أن للآأجسام 
طبا والأنبياء عليهم الصلاة والسلام أطباء النتفوس يرشدون الخلق إلى طريق ف بتمهيد 
الطريق المزكية للقلوب». كما قال الله تعالى: قد أفلح من زکاها ر وقد خاب من 


دساها # [الشمس: 4: .1٠١‏ ثم يقال: إن الطبيب أمره بكذا ونهاه عن كذاء وأنه زاد مرضه 
لأنه خالف الطبيب» وأنه صح لأنه راعى قانون الطبيب ولم يقصر فى الاحتماء» وبالحقيقة 
لم يتماد مرضص المريض بمخالفة الطبيب لعين المخالفة. بل لأنه سلك غير طريق الصحة التى 
أمره الطبيب بهاء فكذلك التقوى هى الاحتماء الذى ينفى عن القلوب أمراضها وأمراض 
القلوت تفوت حاة الأخرئ كما فوك أمرافن الاجناة حياة الدنياء :واحال الآخر أن ملكا 
من ملوك الناس يمد بعض عبيده الغائب عن مجلسه بمال ومركوب ليتوجه تلقاءه ليناك رتبة 
القرب منه»ويسعد بسببه مع استغناء الملك عن الاستعانة به» وتصميم العزم على أن لا 
يستخدمه أصلاًء ثم إن العبد إن ضيع المركوب وأهلكه وأنفق المال لا فى زاد الطريق كان 
كافراً للنعمة, وإن ركب المركوب وأنفق المال فى الطريق متزودًا به كان شاكرا للنعمة لا 
عن أنه انال انلك حا فإنه لم يرد فى الإنعام عليه وفى تكلفه الحضور حفدًا لنئفسه 
ولكن أراد سعادة العبد» فإنه وافق مراد السيد فبه كان شاكرًا وإن خالف عدت مخالفته 
كفراناء والله تعالى ويستوى عنده كفر الكافرين وإيمانهم بالإضافة إلى جلاله واستغنائه» 
ولكنه لا يرضى لعباده الكفرء فإنه لا يصلح لعياده فإنه يشقيهم؛ كما لا يرضى الطبيب 
هلاك المرضى ويعالجهم» ولا يرضى الملك المستغنى عن عبده لعبده الشقاوة بالبعد عنه 
ويريد له السعادة بالقرب منه وهو غنى عنه قرب أو بعدء فهكذا ينبغى أن يفهم أمر 
التكليف فإن الطاعات أدوية والمعاصى سموم وتأثيرها فى القلوب» ولا ينجو إلا من أتى 
الله بقلب سليم» كما لا تسعد الصحة إلا من أتى بمزاج معتدل» وكما يصح قول الطبيب 
للمريض قد عرفتك ما يضرك وما ينفعك» فإن وافقتنى فلتفسك وإن خالفت فعليهاء كذلك 
قال الله تعالى : من اهتدیٍ انما يهتدي لنفسه ومن ضل فَإِنمَا يضل علَيها 4 [الإسراء: 
6 . وقوله: من عمل صَاًا فلنفْسه ومن أماء فليا 4 [فصلت: 7» الحائية: .]١6‏ وأما 
العقاب على ترك الأمر وارتكاب النهى فليس العقاب من الله تعالى غضيًا وانتقامًا. ومثال 
ذلك أن من غادر الوقاع عاقبه الله تعالى بعدم الولدء ومن ترك إرضاع الطفل عاقبه بهلاك 
الولد» ومن ترك الأكل والشرب عاقبه بالجوع والعطش» ومن ترك تناول الأدوية عاقبه بألم 
امرض وغضب الله تعالى على عباده غير إرادته الإيلام» كما إن الأسباب والمسببات يتأدى 
بعضها إلى بعض فى الدنيا بترتيب مسبب الأسباب فبعضها يفضى إلى الآلام ويعضها إلى 
اللذات ولا يعرف عواقبها إلا الأنبياءء فكذلك نسبة الطاعات والمعاصى إلى آلام الآخرة 
ولذاتها من غير فرق» فالسؤال عن أنه لم تفض المعصية إلى العقاب كالسؤال فى أنه لم 
يهلك الحيوان عن السمء ولم يؤد السم إلى الهلاك؛ ولم يخلق جسد الإنسان على وجه 
يفعل فيه السم أثرا وينفعل البدن عنه وهو لا يتفعل عن البدنء فكذلك الكلام فى أنه لما 


خلق الله تعالى نفس الإنسان على وجه تكملها وتنجيها الفضائل وتهلكها الرذائل» هذا 
والله تعالى غير عاجز عن الإشباع من غير أكل والإدواء من غير شرب» والإنشاء من غير 
مصاحية وقاعء والإنماء من غير رضاعء ولكنه قد رتب الأسياب والمسيبات» ولذلك سر 
وحكمة لا يعلمها إلا الله تعالى والراسخون فى العلم» وليس هذا يعجبء وإنما العجب 
من هذا التدبيرٌ المحكم والنظام المتقنء ولعمرى أن من لا يهتدى إلى سر الحكمة فيه يتعجب 
منه لقصور هدايتهء ولو كان كذلك لضاع حظ النبات والحيوانات التى هى ألطف الحيوانات 
وأقربها إلى الاعتدال مثل الغنم والنعاج والقباج والدجاج وغيرهاء وكمال النباث أن يصير 
غذاء لما هو أعلى منه بالرتبة وهو الحيوان» ولذلك يقوم بدل ما يحلل منه فيصير جزء منه 
متشبها به وهذا كمالهء وكذلك نسية الحيوانات المذبوحة إلى الإنسان ونسبة الإنسان إلى 
اللائكة فى جنات عدن كما قال تعالى :م وَالْمَلائكَة يَدخْلُونَ عَلَيْهُم من كل باب » [الرعد: 
61 وأما كون بعض الحيوانات العجم غذاء لبعض السباع الضارية ففى السباع الضوارى 
فوائد ومنافع سياسية وطبية يعرفها أرباب السياسة والأطباء» ومثال من يتعجب من وضع 
هذه الأشياء على ترتيب النظام الكلى على موجب تقدير العزيز الحكيم كمثل الأعمى الذى 
دخل دار فتعثر بالأوانى الملوضوعة فى صحن الدارء فقال لأهل الدار: ما الذى أزال 
عقولكم؟ لاذا لا تردون هذه الأوانى إلى مواضعها؟ ولم تركتموها على الطريق؟ فقيل له: 
إنها موضوعة فى مواضعهاء وإنما الخلل من فقد البصرء وكمثل الأخشم الذى لا يدرك 
الروائح فيلوم واضع اللخالخ والمثلثات والفواكه العطرة الطيبة بين يديهء فقال: هذا قد شغل 
المكان فقطء فقيل له فى العودة فائدة سوى اتخاذه على جهة الحطب» وإما المانع من إدراكه 
هو الخشم . 

وههنا مباحثة أخرى منها: إن الله تعالى كيف يأمر بالشئ ويمنع من البحث عنه 
والبصيرة لا تحصل إلا بالبحث عنه وهذا تعجب فاسدء فإن العلم يستدعى اعتقادًا جازمًا أو 
معرفة حقيقية» والاعتقاد الجازم يعرف بالتقليد المجرد على سبيل التصديق والإيمانء والمعرفة 
تحصل بالبرهان والوصول إليها بالبحث» ولم ينع عن البحث الخلاتق كلهم» بل الضعفاء 
العاجزون عن الاطلاع على حقائق البرهان ومعضلات البحثء ومثل ذلك الطبيب الذى 
يأمر العليل بشرب الدواء ويمنعه عن البحث عن سبب كون هذا الدواء شافيّاء فإنه يقصر 
عنه فهمه ويشقى عليه ويعجز عنه ويزداد المرض ويستضر به» قإن وجد على سبيل الندور 
مريضًا ذكيًا سالكًا منهاج الطب وعلل الأمراض لم يمنعه من البحث ولم يمتعه عن ذكر 
المناسبة بين دوائه وبين مرضهء بل إذا علم أنه ليس يؤمن بمجرد قوله وليس يقلد محض 
التقليد لما خص به من الذكاء وما يفهم من أسباب العلةء وعلم أنه إذا فهم العلة والمناسبة 


اشتغل بالعلاج» وإن لم يكن يفهم أعرض عن التقليد وجب عليه ذكر المناسبة والعلة ولم 
يمنع من.البحث إذا علم استقلاله بهء إلا أن ذلك نادر فى المرضى جذاء والأكثرون 
يضعفون"عن ذلك وكذلك معرفة العلل والأسرار والبحث عنها فى الشرعيات من هذأ 
القبيل» وأما تسخير البهائم للإنسان مثل من يمشى خطوات مثلاً ينظر إلى منتزهات ووجوه 
حسان» فيقال له: : كيف أتعب رجله وسخرها لأجل عينيه والعين آلته كما أن الرجل آلته 
فما باله جعل إحداهما خادمة وأتعبهاء وجعل الآخرى مخدومة وطلب راحتهاء وهذا جهل 
بالأقدار والمراتب» بل العاقل يعلم أن الكامل أبدًا يفدى بالناقصء وأن الناقص يستسخر 
لأجل الكامل وهو عين الحكمة وليس ذلك بظلم» فإن الظلم هو التصرف فى ملك الغيرء 
والله تعالى لا يصادف لغیره ملگا حتی يكون تصرفه فيه ظلمًا فلا يتصور منه ظلم» بل له 
أن يفعل ما يشاء فى ملكه ويكون عادلاء والوحى الإلهى والشرع الحق لايرد با ينبو عنه 
العقل» فإن أراد بنبو العقل أن برهان العقل يدل على استحالته كخلق الله تعالى مثل نفسه 
أو الجمع بين المتضادينء فهذا ما لا يرد الشرع به وأن أراد به ما يقصر العقل عن إدراكه 
ولا يستقل بالإحاطة بكنهه فهذا ليس بمحال أن يكون فى علم الأطباء مثلاً جلب المغناطيس 
للحديدء وأن المرأة لو مشت فوق حية مخصوصة ألقت الجنين وغير ذلك من الخواص» 
وهذا مما ينبو عنه العقل بمعنتى أنه لايقف على حقيقته ولا يستقل بالاطلاع عليه فلا ينبو عنه 
الحكم باستحالته» وليس كل ما لا يدركه العقل محال فى نفسه بل لو لم نشاهد قط النار 
وإخراجها فأخبرنا مخبر وقال: إنى أصك خشبة بخشبة وأستخرج من بينهما شيئًا أحمر 
بمقدار عدسة فتأكل هذه البلدة وأهليها حتى لا يبقى منهم شىء من غير أن ينتقل ذلك إلى 
جوفهاء ومن غير أن يزيد فى حجمها بل .تأكل نفسها فلا تبقى هى ولا البلد؛ لکنا نقول: 
هذا الشئ ينيو عنه العقل ولا يقبله» وهذه صورة النار والحس قد صدق ذلك وكذلك قد 
يشتمل الشرع على مثل هذه العجائب التى ليست مستحيلة» وإغا هى مستبعدة وفرق بين 
البعيد والمحالء فإن البعيد هو ما ليس بمألوف والمحال ما لا يتصور كونه» وأما معنى قول 
الله تعالى : إلا يسأل عمًا يفعل وهم يسألون © (الانياء: 17]. وقوله تعالى :لم حشرتني 
أعمئ وقد كنت بصيرا 4 1 لطه : 6؟1]. فالسؤال قد يطلق ويراد به الإلزام يقال: ناظر فلان 
فلانًا ويتوجه عليه سؤاله وقد يطلق ويراد به الاستخبار كما يسأل التلميذ أستاذه» والله 
تعالى لا يتوجه عليه السؤال بمعنى الإلزام وهو المعنى بقوله: ل لا يسأل عم يفعل 4. إِذ 
لا يقال له: لم قول إلزام فأما أن لا يستخبر ولا يستفهم فليس كذلك وهو المراد بقوله: 
«لم حشرتني أعمئ 4 . وهذا القدر كاف فى جواب هذه الأسئلة» ومن ترق عن محل 


کک 0 لل سح مجموعةرسائل الإمامالفزالى کڪ 
التقليد بأدنى كياسة ولم ينته إلى رتبة الاستقلال كان من الهالكين» فنعوذ بالله من كياسة لا 
تنفع فإن الجهالة أدنى إلى الخلاص والنجاة منهاء شعر : 

وا و ا ا 

كنقص القادرين على الل مام 
فصل 

إذا عرفت أنك حادث» وأن الحادث لا يستغنى عن محدث فقد حصل لك البرهان 
على الإيمان بالله» وما أقرب إلى العقل من هاتين الود اع الك حافك انات 
لا يحدث بنقسه» وإذا عرفت نفسك وأنك جوهر خاصيتك معرفة الله ومعرفة ما ليس 
بمحسوس وليس البدن من قوام ذاتك. فانهدام البدن لا يعدمك فقد عرفت اليوم الآخر 
بالبرهان فإنه لا معنى له إلا أن لك يومين يوم حاضر أنت فيه مشغول بهذا البدن. ويوم 
آخر أنت فيه مفارق لهذا الجسدء وإذا لم يكن قوامك بالجسد وقد فارقته بالموت فقد حصل 
اليوم الآخرء وإذا عرفت أنك إذا فارقت المحسوسات بمفارقة الجسد تلقيت إما نعمة هى 
معرفة الله تعالى التى هى خاصية ذاتك ومنتهى لذاتك بمقتضى طبعك الأصلى لو لم تمرض 
بالميل إلى الشهوات» وإما عذابًا بالحجاب عن الله تعالى: « وحيل بينهم وبين ما يشتهون » 
[سبأ: 54]. وعرفت أن سيب المعرفة الذكر والفكر والإعراض عن غير الله تعالى» وسبب 
المرض الماتع عن ذكر الله معرفته الإقبال على الشهوات والحرص على الدنياء وعرفت أن الله 
تعالى قادر على أن يعرف عموم عباده ذلك بواسطة الكشف لبعض خواص عباده» وعرفت 
أنه قد فعل ذلك فقد عرفت رسله بالبرهان وآمنت» وإذا عرفت أن هذه التعريفات بالاتبياء 
إنما تكون فى كسوة ألفاظ وعبارات توحى إليهم وتلقى فى سمعهم إما فى يقظة أو فى 
منام» فقد آمنت بالكتب» وإذا عرفت أن أفعال الله تعالى منقسمة إلى ما فعله بواسطة وإلى 
ما فعله بغير واسطة وأن وسائطه مختلفة المراتب فالواسائط القريبة هم المقربون وعنهم يعبر 
بالملائكة» لكن معرفة هذا بطريق البرهان عسير والقول فيه طويل فصدق الرسل فى 
أخبارهم عنهم بعد أن عرفت صدق الرسل بالبرهانء واكتف بذلك فإنه درجة من درجات 
الإيمان [ يرفع الله الّذين آمنوا منكم والّذين أوتوا العم درجات ‏ [الجادلة: ا 


كل ما يتوالد فلا يستحيل أن يتولد أصلاًء وما يتولد لا يستحيل أن يتوالد فقوله 
تعالى: نا لقنا الإنسان من نُطْفَةر) [الدهر: ؟]. إنما عنى به الإنسان التوالدى» 
وقوله : ل خلقتاکم من تراب [الحج: .]١‏ عنى به الإنسان التوالدى» وقد تتولد العقارب 


س مجموعہ رسائل الاما الغزالی ۳٣۷ Add‏ = 


من الباذورج ولباب الخبز والحيات من العسل والنحل من العجل والمتختق المتكسر عظامه 
والبق من الخل وسام أبرص من القرنبيط والخنافس من البعرة ومن نوى التبق العقرب 
الجراوة ومن الشعر الحيات ومن الطين والمدر الفآر ومن طين أصول القصب الدائم والرطوبة 
الطير ولا سيما طير الماء وأمثال ذلك. كما ذكر فى كتب الطلسمات وغيرهاء ثم يتوالد هذا 
المتولد ويبقى نوعه بالتوالد وانطباق دائرة معدل النهار على فلك البروج مما يدل على خراب 
العالم السفلى وتغييره للفصول. أعنى الربيع والصيف والخريف والشتاء فلا يبقى الحرث 
والنسل كما قال تعالى :"ل كل من عَلَيَها فان © [الرحمن: 1. يعنى على الأرض» فخلق 
الله تعالى آدم من تراب ثم حصل منه التوالد ونظير ذلك مشاهد» وكذا الصنائع والحرف 
تحصل من طريق الإلهام ثم تستفاد وتتعلم» وتحصل التار من المقدحة والزند ثم تقتبس بعد 
حصولها: ظ ذلك تقدير العزيز العليم 4 [يس: 78 . الذى خلق عند اتفراج الدائرتين معدل 
النهار وفلك البروج الذى يتزايد» الميل الذى خلق بينهما آدم من تراب ثم جعل نسله من 
سلالة من ماء مهين» ثم سواه ونفخ فيه من روحهء فمن شك فى كيفية بدء الخلق ووضع 
الصانع الحكيم فى التوالد والتولدء فلينظر إلى المحسوسات التى ذكرناهاء وأما النشأة 
الأخرى وكيفية عود النفوس والأرواح إلى أشباحها فمذكورة فى بايها. 


فصل فى المبدعات 

المبدعات والمخلوقات أحدثها الله تعالى بالترتيب» فهو الأول الذى لا أول قبله ومنه 
تحصل المبدعات بل الممكنات بأسرهاء E TN RE‏ 
إلى المادة التى هى أخس الأشياءء ثم ابتدأ تعالى من الأخس عائدا إلى الأشرف حتى انتهى 
إلى الإنسان ويعود الإنسان عند زكاء نفسه إلى حيث قال :ل ارجعي إلى ربك راضية 
مرضية ‏ [الفجر: ۸ . ولذلك قال: هو الأول والآخر والظّاهر والباطن © [الحديد: 7 
أما الظاهر فمركوز فى غرائز العقول أن للكل مبدأ وأن للحادث محدئًا وللمكن موجودا 
واجباء أما الباطن فلأن وصفه الخاص لا يعرفه إلا هو وربما كان باطئًا لغاية ظهوره. كما أن 
الشمس التى هى فى غاية البعد عن هذا المشال ظاهر وباهر وبسبب غاية ظهورها لا تدركها 
الحاسة المبصرة محاذاة ومقابلة . 

والميزان: ما يعرف به حقائق الأشياء ويميز به صحيح العقيدة من الفاسد وهو ا 
بين السماء والأرض حيث قال: ل والسماء رفعها ووضع الميزان هق أله تطفوا فى 
الميزان 4# وأقيموا در ا 
[الرحمن: ۷ - .6٠١‏ وذلك الميزان سر من أسرار الربوبية لا يعرفه إلا الراسخون فى العلمء 


والله أعلم . 


الركن الثانى فى معرفة الملائكة 

ˆ الملاتكة والجن والشياطين جواهر قائمة بأنفسها مختلفة بالحقائق اختلاقًا يكون بين 
الأنواع . 

مثال ذلك: القدرة فإنها مخالفة للعلم والعلم ممخالف للقدرة وهما مخالفا اللون 
واللون والقدرة والعلم أعراض قائمة يغيرهاء فكذلك بين الملك والشيطان والحن اختلاف 
ومع ذلك. فكل واحد جوهر قائم بنفسه وقد وقع الاختلاف بين الجن والملك فلا يدرى 
أهو اختلاف بين النوعين كالاختلاف بين الفرس والإنسانء أو الاختلاف فى الأعراض 
كالاختلاف بين الإنسان الناقس والكاملء وكذا الاختلاف بين الملك والشيطان» وهو أن 
يكون النوع واحدا والاختلاف واقعًا فى العوارضء كالاختلاف بين الخير والشريرء 
والاختلاف بين النبى والولى؛ والظاهر أن اختلافهم بالنوع والعلم عند الله تعالى» وهذه 
الجواهر المذكورة لا تنقسمء أعنى أن محل العلم بالله تعالى واحد لا ينقسمء فإن العلم 
الواحد لا يحل إلا فى محل واحد وحقيقة الإنسان كذلك». فالعلم والجهل بشئ واحد فى 
محل واحد متضادان وفى المحلين غير متضادين» وإما أن هذا الجوهر غير منقسم وهل هو 
متحيز أم لا؟ فهذا الكلام عائد إلى معرفة الجزء الذى لا يتجزأء فإن استحال الجزء الذى لا 
يتجزأ فهذا الجوهر غير منقسم ولا متحيزء وإن لم يستحل الجزء الذى لا يتجزأ فيمكن أن 
يكون هذا الجوهر متحيزا وقد قال قوم: لا يجوز أن يكون غير منقم ولا متحيزء فإن الله 
تعالى غير منقسم ولا متحيز فما الذى يفصل هذا من ذلك» وهذا غير مبرهن عليه لأن ربما 
تباينا فى حقيقة الذات» وإن سلب عنهما الانقسام والتحيز والأمور المكانية وتلك سلوب 
والاعتبار بالحقائق لأن ما سلب عن الحقائق كالعرضين المختلفين بالحد والحقيقة أن الحالين 
فى محل واحد. فإن إيجاب احتياجهما إلى المحل وكونهما فى المحل لا يفيد تمائلهماء 
فكذلك سلب الاحتياج إلى المحل والمكان لا يفيد اشتراك الشيئين؛ ويمكن أن تشاهد هذه 
الجواهر. أعنى جواهر الملائكة وإن كانت غير محسوسة. وهذه المشاهدة على ضربين إما 
على سبيل التمثيل كقوله تعالى :ل فمل لها بشرا سَويًا © [مريم: ۷. وكما كان النبى 
عليه الصلاة والسلام يرى جبريل فى صورة دحية الكلبى : القسم الثانى أن يكون لبعض 
الملائكة بدن محسوسء كما أن نفوسنا غير محسوسة ولها بدن محسوس هو محل تصرفها 
وعالمها الخاص بهاء فكذلك بعض اللائكةء وربا كان هذا اليدن المحسوس موقوفًا على 
إشراف نور التبوة كما أن محسوسات عال نا هذا موقوف عند الإدراك على إشراق نور 
الشمس» وكذا فى الحن والشياطين. 


حب مجموعہ رسائل الإمام الفزالی بحصت 114 ات 


فصل فى وقوع مزاج قريب من مزاح آخر 

قوع مزاج من مزاج غير مستحيل» فنسبة نفس مزاج واحد هو قريب إلى مزاج آخر 
إلى نفس ذلك المزاج نسبة مقارنة» فإن كان لإنسان مزاج خاص وله نفس خاصة ثم مات 
صاحب ذلك المزاج وحدث بعده مزاج خاص وله نفس خاصة ثم مات صاحب ذلك المزاج 
وحدث بعده مزاج آخر قريب منه» وذلك عند الأدوار والتشكلات الفلكية مثال ذلك حدث 
مزاج وتشكل الفلك على هيئة مخصوصة» ثم عادت تلك التشكلات بأسرها عرذا يمكن لها 
وإن لم يكن بالنسبة المخصوصة, إلى مبدأ واحدء فحدث مزاج آخر استحق المزاج الحادث 
نفسمًا أخرى لتلك النفس مع النفس المفارقة التى كانت للمزاج المناسب له مناسبة لهاء فلا 
تتعلق النفس المفارقة بهذا المزاج تعلقًا كليا لاستحالة تصرف النفسين فى بدن واحدء 
فتتعلق بذلك المزاج تعلقًا دون تعلق تلك النفس الحادثة معهء فتزداد خيرًا إن كانت خيرة 
وشرا إن كانت شريرة» ولذلك يقال لكل إنسان جنى يشاكله ويعاونه أو شيطان يغويه 
ویضله» وإن حدث مزاجان فی زمان واحد فى بدنين أو فى مكانين وحدثت لهما نفسان 
كانتا تربين ففى الأبدان تربان وفى النفوس تربان» وكل من تكون مناسبة الأرواح المفارقة 
إلى روحه أكثر حدث به من تلك الاتصالات أنواع من الأخلاق» فيكون عرافًا كاهنًا أو 
صاحب تنجيم أو غير ذلك وربما كانت القوة الوهمية بعد المفارقة بحيث يصير لها العالم 
المحسوس بدنًا ولا تتعداه إلى العالم الأعلى» قتطالع الأسباب الجزئية فى هذا العالم فتستفيد 
النشس البدنية المتصلة بها معرفة ما والشرير منها فى غاية الشرء لأنها حرجت عن المادة 
فالشرير شيطان والخير من الطبقة الناقصة جن والجن والشياطين علائق يتمسك بها البشر 
وأفعال روحانية هى مولدات لأفعال طبيعية. والخلاص عن المادة دليل كمال القوة سواء 
كانت تلك القوة رداءة أو قوة خيرء وأما القاعدة عن اليمين والشمال فقالوا فيهما ما قالواء 
والحق أن هذا سر إنما يعرفه الأنبياء والمرسلون عليهم السلامء وملائكة السموات المدبرون 
لوي جرا م الْموات لا يعلم أعداد تلك الأجرام إلا الله تعالىء كما قال الله 
تعالى : ل وما يعلم جنود ربك إلا هو 4 [اللدثر: .١‏ وملك الوت هو الملك الذى يأمره الله 
تعالى بقبض الأرواح متضمنًا تفريق المزاج الذى استحق قبول تلك النفس مشاله مثال مطفئ 
السراج بالنفخ» والنفخ نفخان: نفخ يوقد كما قال تعالى :[ تفخت فيها من روحتا ) (الأنياء: 
.١‏ ونفخ يطفئ كما قال تعالى «٠:‏ ونفخ في الصور فصعق من في السَموات ومن في 
الأرض # [الزمر: A‏ وقال تعالى :<9 تم نفخ فيه أخرئ فَإِذا هم قيام ينظرون 4 [الزمر: 60 


الركن الثالث فى المعجزات وأحوال الأنبياء عليهم السلام 

تسبيح الحصى» وقلب العصا حية تسعىء وكلام البهائم» وكلام الشاة التى قالت 
للنبى عليه الصلاة والسلام حين سمتها اليهودية لا تأكل منى فإنى مس مومة, وأمثال ذلك 
على ثلاثة أقسام: القسم الأول الحسىء والثانى الخيالى؛ والثالث العقلى. 

القسم الأول: الحسىء وهو أن يخلق الله العلم والحياة والقدرة فى الحصى حتى 
يتكلم. وفى البهيمة العقل والقدرة والنطق وذلك ليس بمحال فإن الله تعالى قادر على أن 
يخلق فى الباذروج اة ودر اونما ريكلى هة عفرياء: ويكلق مق توغ لفق كذلك: 
ويخلق من لحوم اليقر النحل؛ ومن النطفة الإنسان وسائر الحيوانات من موادهاء فهو قادر 
على أن يخلق بإعجاز نفس نبوية فى الحصاة حياة وقدرة» ومن شاهد خلق الحية النضشناضة 
من شعر امرأة ويحس ولا يتعجب من قلب الشعر حية؛ فكيف يتعجب من قلب العصا 
حية» والخشب كان ذا نفس نامية نباتية» والشعر لم يكن قط ذا نفس» والأجسام متماثلة 
فكما جاز ذلك فى أجسام الناس جاز ذلك فى سائر الأجسام» وأن كان الجسم الإنسانى 
بسبب اعتدال المزاج قابلاً لهذه الأشياء» فكل جسم مستعد لقبول المزاج المعتدل. وإن كان 
الاعتدال موقوقًا على الحرارة والرطوبة» فليس يمتنع أن يكون كل جسم قابلاً للحرارة 
والرطوبة ويكون دعاء التبى وهمته يؤثران فى كينونة هذه الأشياء من غير مهلة ومدة» وإن 
جرت العادة أن يخلق الله تعالى مثل هذه الأشياء قى مدة وبذلك يظهر شرف الأنبياء وخرق 
العادة ليس بمحال مثال ذلك: الشمس والنارء فإن ما يحصل من تأثير الشمس فى المائعات 
وغيرها إنما يحصل بمدة على سبيل التدريج» وما يحصل من إسخان النار يكون دفعة فلم 
استحال أن يكون تأثير مراد الأنبياء على وجه تكون نسبة إسخان النار إلى إسخان الشمس . 

القسم الثانى: العقلى وهو قول الله تعالى: «إوإن من شيء إل يسح بحمده ي 
[الإسراء: ..]٤٤‏ وهو شهادة كل مخلوق ومحدث على خالقه وموجود كشهادة البناء على 
البانى والكتابة على الكاتب» ويقال لذلك لسان الحال والمتكلمون يقولون هذه دلالة الدليل 
على المذلول» والحمقى من الناس لا يعرفون هذه الرتبة ولا يقرون بها. 

القسم الثالث: الخيالى؛ أن لسان الحال يصير :مشاهدًا محسوسا على سبيل التمثيل . 
وهذه خاصية الأنبياء .والرسل عليهم الصلاة والسلامء كما أن لسان الحال يتمثل فى المنام 
لغير الأنبياء ويسمعون صونًا وكلامًا كما يرى فى منامه» .أن جملاً يكلمه أو فرسًا يخاطبه أو 
ميئًا يعطيه شيئًا أو يأخذ بيده أو يسلب منه شينًا أي تصير أصبعه شمسّا أو قمر أو يصير 
ظفره أسندا أو غير ذلك مما يراه النائم فى منامهء فالآنبياء عليهم الصلاة والسلام يرون ذلك 


جح ببجووعة سانل الإمامالقزالى ‏ سس سم سس خخ هه ١لا‏ اح 


فى البقطة وتخاطهو هد الأشباء فى النقظء ا ا له سين اعون ذلك دلق 
خا أو نطقًا حسيًا من خارج» والتائم إنما يعرف ذلك بسبب اتتباهه والتفرقة بين النوم 
واللقظةء ومن كانت له ولاية تامة تفيض تلك الولاية أشعتها على خيالات الحاضرين حتى 
أنهم يرون ما يراه ويسمعون ما يسمعهء والتمثيل الخيالى أشهر هذه الأقسام والإيمان بهذه 
الأقسام كلها وأجمّعها واجب. 


فصل فى الشفاعة 

وأما شمفاعة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والآولياء» فالشفاعة عبارة عن نور يشرق 
من الحضرة الإلهية على جوهر النبوة ينشر منها إلى كل جوهر استحكمت مناسبته مع 
جوهر التبوة لشدة المحبة وكثرة المواظبة على السنن وكثرة الذكر بالصلاة عليه َيه ومثاله 
نور الشمس إذا وقع على الماء فإنه ينعكس منه إلى موضع مخصوص من الحائط لا إلى 

جميع المواضع » وإنما اختص ذلك الموضع لمناسبة بينه وبين الماء ة فى الموضح وتلك المناسية 
ال ا أجزاء الخائط. وذلك الموضع هو الذى إذا خرج منه خط إلى موضع 
إلا فى موضع مخصوص من الجدار» فكما إن المناسبات الوضعية تقتضى الاخختصاص 
بانعكاس النور فالمناسبات المعنوية العقلية أيضا تقتضى ذللك قى الجواهر اعنوية» ومن 
استوى عليه التوحيد فقد تأكدت مناسبته مع الحضرة الإلهية فأشرف عليه النور من غير 
واسطف. ومن ن استولت عليه السنن والاقتداء بالرسول ومحية اتباعه ولم ترسخ قدمه فى 
ملاحظة الوحداتية لم تستحكم مناسبته إلا مع الواسطة» فقاقتقر إلى واسطة. الماءء المكشوف 
بالعناية قد يغضى الملك عن هفوات أصحاب الوزير يعفو عنهم لا لناسبة بين الملك 
وأصحاب الوزير» لكن لأنهم يناسبون الوزير المتاسب للملك.. ففاضت. العناية عليهم 
بواسطة الوزير لا بأنفسهم. ولو ارتفعت الواسطة لم تشملهم العناية أصلاً» لأن الملك لا 
وإنما اللفظ. لإظهار الغرض والله مستغن عن التعريف». ولو مرف الملك. حقيقة اختصاصه 
بالوزير لاستغتى عن اللفظ وحصل العفو بشفاعة لا نطق فيها ولا كلام واللة تعالى عالم 
به» فلو أذن للأنبياء عليهم الصلاة والسلام فى التلفظ بما هو معلوم عند الله تعالى لكانت 


کسی ım ۷١‏ بمجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 
ألفاظهم ألفاظ الشفعاءء وإذا أراد اللّه تعالى أن يمثل حقيقة الشفاعة بمثال e‏ الحس 
والخيال لم يكن ذلك التمشيل إلا بألفاظ مألوفة بالشفاعة ويدل على ذلك انعكاس النور 
بطريق الناسبة» وإن جميع ما ورد فى الأخبار عن استحقاق الشماعة متعلق بما يتعلق 
بالرسول عليه الصلاة والسلام من صلاة عليه أو زيارة لقبره أو جواب المؤذن والدعاء له 
عقيبه وغير ذلك مما يحكم علاقة المودة والمحبة والمناسبة معه. 


الركن الرابع فى أحوال ما بعد الموت 
فصل فى عذاب القبر 

فى عذاب القبر» النفس إذا فرقت البدن حملت القوة الوهمية معها كما ذكرناهاء 
وتتجرد عن البدن منزهة ليس يصحبها شئ من الهيئات البدنية» وهى عند الموت عاللمة 
بمفارقتها عن البدن وعن دار الدنيا متوهمة نفسها الإنسان المقبور الذى مات» وعلى صورته 
كما كان فى الدنيا يتخيل ويتوهم وتتخيل بدنها مقبور ويتخيل الآلام الواصلة إليها على 
سبيل العقوبات الحية على ما وردت به الشرائع الصادقة» فهذا عذاب القبرء وإن كانت 
سعيدة تتخيله على صورة ملائمة على وفق ما كانت تعتقده من الجنات والأنهار والحدائق 
والغلمان والولدان والحور العين والكأس من المعين» فهذا ثواب القبر فلذلك قال النبى عليه 
الصلاة والسلام : «القبر إما روضة من رياض الحنة أو حفرة من حفر النيران». فالقير 
الحقيقى هذه الهيئات» وعذاب القبر وثوابه ما ذكرناهماء والنشأة اللأخرى خروج النفس عن 
غبار هذه الهيئات كما يخرج الجنين من القرار المكين» كما قال تعالى: «(فل يحبيها الذي 
أنشأها أول مرة وهو بكل خلقٍ عَليمٍ © آيس: ۷4[ 3 الذي جعل لكم من 
الشجر الأخضر نارا فإذا أنتم م منه توقدون 4 [یس : 4١‏ ]. دليل ظاهر ومثال بين لهذه 
النشأة . 


فصل 
قول النبى عه : «مَن مات فَقَدْ قَامَت قيامته»: الفاء هنا للتعقيب يعنى قامت قيامة 
الميت عند موته. مثال ذلك: : من سرق نصابًا كاملاً من حرزء فقد استحق 3 يده. وهذا 
عقاب لا يتأخر عن هذا الفعل. وقال تعالى أيضًا: لإ ومن يولهم يومئذ دبره إلا تحرف 
لقال أو متحيّزا إل فتة فقَد بَاءَ بغضب من اللّه 4 [الانفال: 5.. والقيامة الكيرى ميعاد عند 


جب مبجمبوعةرسائل الإمامالفزالى ٣۷۳٣ nuna‏ = 


تشابه فلكل واحد منها خواص ببعض أنواع الوجود يعتبر ذلك فى أوقات الحرث والنسل 
وغيرهماء وعند المتكلمين يرجع ذلك إلى مشيئة الله تعالى» فإنه تعالى يخصص وقنًا يوجد 
فيه موتجودًا بإرادته ومشيئته مع أن الأوقات متشابهة بالإضافة إلى القدرة وإلى ذات القديم 
سبحانه وتعالى» والفلاسفة يقولون: إن مبادئ الحوادث حركات الأفلاك» وإن أدوارها 
مختلقةء وكل شكل من تشكلات مباين غيره من التشكلات مقرر ذلك فى براهين 
إقليدسء إذ كل تشكل وكل عودة من تلك التشكلات لا تعود بعينهاء وبذلك ييطلون 
دعوى المنجمين فى التجرية لكل عودة وتشكل من تشكلات الفلك» فيجوز أن يتجدد دور 
مباين لسائر الأدوار تحدث فيه الحيوانات غريبة الشكل لم ير مثلها قبلها قطء وإذا ألقينا 
حجرا فى الماء يحدث فيه شكل مستدير تكون استدارة هذا الشكل مناسبة لعمقه وكلما ازداد 
عمقه ازدادت تلك الدائرة» فإذا ألقينا حجر آخر قبل تمام هذه الدائر لم يلم أن تكون 
حركة الماء فى التوبة الشانية كحركته فى النوبة الأولىء لأن الماء فى الأولى ساكن وفى 
الأخرى متحرك. فإن تشكيل الحجر للمتحرك خلاف تشكيله للساكنء فتختلف الأشكال 
مع تساوى الأسباب لامتزاج أثر السايق باللاحق. وهب أن تشكلاً للمتحرك وافق شكلاً 
آخر فكيف يكون مقومات اشوايت والأوجات وسائر الجواهر على مثل ما كان عليه فى 
التشكيل الأول» فلا يستحيل أن يكون فى التقدير الأزلى للأدوار دور يخالف هذه الأدوار 
يقتضى غطا من نظام الوجود والإبداع على خلاف التمط المعهود» ولا يستحيل أن يكون 
ذلك النمط بديعًا لم يسبق له نظيرء ولا أن يكون حكمه ياقيًا لا يلحقه مثل الدور السابق 
المنسوخ. فيبقى النمط الحاصل من الإبداع مستمرا فى جنسهء وإن كانت تتبدل أحواله 
فيكون ميعاد القيامة الكبرى حصول ذلك التشكيل الغريبه من الأسياب العالمية. فيكون سببًا 
كليًا جاممًا لجميع الأرواح» فيعم حكمها كافة الأرواح فتكون قيامة عامة مخصوصة بوقت 
لا تنسع القوة البشرية لمعرقتها. أعتى لمعرقة وقتها ولا الأنبياء المرسلون عليهم الصلاة 
والسلام» فإن الأنبياء أيضًا يكشف لهم ما يكشف بقدر احتمالهم وقبولهم» فإذا لم يقم 
يرهان كلامى ولا فلس فى على است حالته وجب التصنيق به إذا ورد الشرع به تشريحًا لا 
يتطرق إليه الاحتمال والتأوبل. وقد صرح الشرع به تصريحًا ضروريا يجب الإيمان به ولا 
يمكن تأويلهء وكما جاز أن يحدث دور بشكل يحدث بسيبه أنواع الخيوانات لم يعهد مثلهاء 
فكذلك يجب أن يحدث زمان يحشر فيه الموتى وتج مع أجزاؤهم وتعود إلى أشباحهم 
أرواحهم» فكما أن الجاهل يتأمل قصل الشتاء ويتعجبه إن يحصل فيه نيات. وثمال إذا ورد 
فصل الربيع عاين ذلك وبين زمائى الفصلين بعد قى هذه الذارء قكقلك بين زمان النشأة 
الأولى التى تحصل للإنان بالتتاسل» وزمان التشأة اللأحرى التى تحصل للإنسان بالإحياء 
والإعادة بعيد لا يقامى أحدهما على الثانى. 


فصل فى إعادة النمس إلى البدن 

عودة النفس إلى البدن بعد مفارقتها عنه فى القيامة أمر ممكن غير مستحيل» ولا 
ينبغى أن يتعجب منهء بل التعجب من تعلق النفس بالبدن فى أول الأمر أظهر من تعجب 
عودها إليه بعد المفارقةء وتأثير النفس فى البدن تأثير فعل وتسخير. ولا برهان على 
ا عرق هذا وهنا وده ذا ادن سكسس ادي ای ل و ی ا 
تعجب من ضعفاء العقول» وهو أن ذلك الاستعداد الإنسانى يحصل قليلاً قليلاً بالتدريج 
من نطفة فى قرار مكين ثم من علقة إلى تمام الخلقة. وإذا لم يكن كذلك لايقبل استعداد 
قبول التسخير ودفع هذا التعجب. إنا قد بينا أن ما هو ممكن بالتدريج إنما هو التوالد» وأما 
التولد فلا يكون بالتدرج بل حدوثه ممكن دفعة واحدة. ألا ترى أن الفأر الذى يتوالد يكون 
بالتدريج وباجتماع الذكر والأنثى وبعد حمل وسفادء وأن التولدى منه يكون دفعة فإنه لم 
يوجد قط مدر ولا تراب بعضه فأر وبعضه بالقوة قريب إلى حجم الفأرء وكذلك الذباب 
الذى يتولد فى الصيف من العفونات يكون دفعة ولم توجد عفونة تغيرت عن حالها 
وصارت بالقوة قريبة إلى أن تستحيل ذبابًا من غير مهلة وتدرجء والنشأة الثانية تولدية من 
تلك الأجزاء التى كانت فى الأصل وإن تفرقت وانخلعت صورها فيرد الله تعالى واهب 
الصور تلك الصور إلى موادها ويحصل المزاج الخاص مرة أخرىء» ولها نفس حدثت عند 
حدوث ذلك المزاج ابتداءً فتعود بالتسخير والتصرف إليها مع العلاقة التى بينهماء مثال ذلك 
راكب سفينة قد غرقت وتفرقت أجزاؤهاء وانتقل الراكب بالسباحة إلى جزيرة» ثم ترد تلك 
الأجزاء بعينها إلى الهيئة الأولى وتوطد وتؤكد عاد إليها راكب السفينة وأجراها وتصرف 
فيها كما شاءء ولا يجب إن يستحق هذا الحشر وجميع الأجزاء والمزاج المجدد نفسًا أخرى» 
فإن حدوث المزاج يستحق حدوث نفس لدء أما أعود المزاج إلى الحالة الأولى فلا يستحق 
إلا عود النفس إلى الحالة الأولىء وأما ظن من ظن أن الأجزاء الأرضية لا تفى بذلك فظن 
ووهم لا اعتبار بهماء فمن قاس الإنسان والأجزاء الأرضية التى فيها بأجزاء الأرضء» وأى 
مهندس استخرج بالمساحة ذلك الحد. وأما الاختلاف الراجع إلى ذلك فى الكتب الإلهية 
فى التوراة: إن أهل الجنة يمكثون فى النعيم خمسة عشر ألف سنة ثم يصيرون ملائكة. وإن 
أهل النار كذا أو أزيد ثم يصيرون شياطين. وفى الإنجيل: أن الناس يحشرون ملائكة لا 
يطعمون ولا ينامون ولا يشربون ولا يتوالدون › وفی القرآن : أن الناس يحشرون كما 
خلقهم الله تعالى أول مرة كما قال تعالى: فسيقولون من د يعيدنا قل الذي فطركم أُوَل 
مرة # [الإسراء: .١‏ وسؤال إعرايع عليه السلا والننادم عز ل كان :فإ رب أرني 
كيف تحبي الموتئ 4 [البقرة: .]۲٠١‏ وقول عرير عي يله حكاية منه: أَنّى يحبي هذه الله 


il‏ عه [البقرة: 8. ومكث أصحاب الكهف وهو قوله 
تعالى : ل وكذلك بعثتاهم ليتساءلوا بينهم 4 إلى قوله تعالى : ل ليعلموا اَن وعد اللّه حق »4 
[الكهفت: .1١9‏ ١؟].‏ دلائل على أن هذه النشأة كائنة ممكنة يجب الإيمان بهاء وكان فى قديم 
الدهر فيها اختلاف الناس والأنبياء عليهم السلام يثبتون تلك بالبراهين والأمثلة 
المحسوسة. والتعجب من النشأة الأولى أكثر من الأخرى إلا أن النشأة الأولى محسوسة 
تاس ا ف اج نال سا ان إا جر هة ری اراد كما ره 
الممخض وخرج من أجزائه شىء مثل زبد سيال فيخفى ذلك الشىء فى بعض أعضاء 
الما رضي علي ع كانه E E‏ مقي كم الم تصرير 
عظامًاء ثم تكى العظام لحمّء ثم يحصل فيه الحركة» ثم يخرج من موضع لم يعهد 
خحروج شىء منه على حالة لايهلك أمه ولا يشق عليها فى ولادته» ثم يفتح عينيه 
ويحصل فى ثدى الأم شىء مثل شراب مائع لم يكن قبل ذلك فيها ويغتذى به الطفل 
إلى أن يصير هذا الطفل بالتدريج صاحب صناعات واستنباطات» بل ربما هذا الشئ الذى 
أصله نطفة وهو عند الولادة أضعف خلق الله يصير عن قريب ملكا جبارًا قهارا 
أكثر العالم ويتصرف فيهء فإن التعجب من ذلك أكثر وأوفر من التعجب من النشأة 
الأخرى. والأصل أن كل شىء لم يشاهده الإنسان ولم يعرف سيبه يحصل له منه 
التعجب. والتعجب هيئة تحصل للإننسان عند مشاهدة شىء لم يشاهده قبل ذلك أو 
سماع شىء لم يعرف سبيه ولم يسمعه قبل ذلك . 


فصل 

تعلق النفس بالبدن كالمجاب لها عن حقائق الأمورء وبالموت يتكشف الغطاء كما 
قال الله تعالى: « فكشفنا عنك غطاءك 6 [ق: 6؟]. ومما يكشف له تأثير أعماله مما يقربه 
إلى الله تعالى ويبعده وهى مقادير تلك الآثارء وأن بعضها أشد تأثيرا من البعض. ولا بمتنع 
فى قدرة الله تعالى إن يجرى سببًا يعرف الخلق فى لحظة واحدة مقادير الأعمال بالإضافة 
لح راتوا يوري والإيعاد» فحد الميزان ما يتميز به الزيادة من النقصان ومثاله فى 
العالم المحسوس مختلف. فمنه الميزان المعروفء ومنه القبان للأثقال» والاسطرلاب لحركات 
الفلك» والأوقات والمسطرة للمقاديرء والخطوط والعروض لقادير حركات الأصوات» 
فالميزان الحقيقى وإذا مثله الله عر وجل للحواس مثله بما شاء من هذه الأمثلة أو غيرهاء 
فحقيقة الميزان وحده موجودة فى جميع ذلك وهو ما يعرف به الزيادة من النقصان وصورته 
تكون مقدرة للحس عند التشكيل» وللخيال عند التمثيل» والله تعالى أعلم نما يقدره من 
صنوف التشيكلات والتصديق بجميع ذلك واجب. 


اح ۳۷١‏ سسب مجموعة رسائل الإمام الفزالى ‏ سد 


فصل فى الحساب 

والحساب جمع متفرقات المقادير وتصريف ميلغها وما من إنسان إلا وله أعمال متفرقة 
نافعة وضارة ومقرية ومبعدة لا تعرف فذلكتها وقد لا تحصر أحاد متفرقاتهاء فإذا حصرت 
المتفرقات وجمع مبلغها كات حاباء قإن كان قى قدرة الله تعالى أن يكشف فى لحظة واحدة 
للعالمين متقرقات أعمالهم وميلغ آثارها فهو أسرع الحاسيينء ومعلوم أن قى قدرته ذلك فإذن 
هو أسرع الحاسبين قطعًا. وستل أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه: كيف 
يحاسب الله الخلق فى لحظة من غير تشويش ولا غلط؟ ققال تيه : كما يرزقهم مع سائر 
الحيوانات بلا تشويش ولا غلط . 


فصل فى الصراط 

الصراط حق . وما قيل نه مثل الشعرة فى الدقةء فهو ظلم فى وصفهء بل أدق من 
الشعرء بل لا مناسبة بين دقته ودقة الشعرء وحدته وحدة السيف» كما لا مناسبة فى الدقة 
بين الخط الهتدسى الفاصل بين الظل والكش مس الذى ليس من الظل ولا الشمس» وبين دقة 
الشعر ودقة الصراط مثل دقة الخط الهندسى الذى لا عرض له أصلا لأنه على مثال الصراط 
المستقيم» والصراط المستقيم عبارة عن الوسط الحقيقى بين الأخلاق المتضادة» لذلك قد بين 
لله بهذا الدعاء فى سورة الفاتحة حيث قال: 3 اهدتا الصراط المستقيم ) [الفائحة: . 
وقال فى حق الصطفى صلوات اللّه عليه : © وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم © [الشورى: 
۲ . وقال لړ «إتما بعت ل نَمُم مَكَارِم الأخلاق» . وقال تعالى شأنه : «وإنك على خلق, 
عظيم » [القلم : ٤‏ مثال ذلك الحاوة بين التبذير والبخل» والشجاعة بين التهور وإلحبنء 
والاقتصاد بين الإسرلف والإقتارء والتواضع بين التكبر والدناءة» والعفة بين الشهوة 
والخمودء فهته الأخلاق لها طرف إفراط وطرف تقصير وهما مذمومان والوسط ليس من 
الإفراط ولا من التقصير فهو على غاية البعد من كل طرف» ولذلك قال النبى عله : «خَيْرَ 
الأمور أوساطها» مثال ذلك الوسط الخط الهندسى الفاصل بين الظل والشمس لا من الظل 
ولا من الشمس» والتحقيق فى ذلك أن كمال الآدمى فى المشابهة بالملائكة وهم متفكون عن 
هذه الأوصاق المضادةء وليس فى إمكان الإنسات الاتفكاك عنها بالكليةء فكلفه الله تعالى 
بها يشبه الاتفكاكء .وإن لم يكن حقيقة الانفكاك وهو الوسط قت الفاتر لا حار ولا باردء 
والعودى لا أبيض ولا أسودء قالبخل والتيذير من صفات الإتسان» والمقتصد الخى كأنه 
لا بخيل ولا عيذ فالصراط المستقيم وهو الوسط الحق بين الطرفين الذى لا ميل له إلى 


حب مجموعة رسائل الإمام الفزالی سسحت /الا”ا = 


اجد ا نكاتين رحو ادق نالفي فالتى رط غا اة هة الط رفن كرت على الرس 
ولو فرضنا حلقة حديد محماة بالتار وقعت تملة فيها وهى تهرب بطيعها من الحرارة فلا 
تموت إلا على المركز لأنه الوسط الذى هو غَاية اليعد من المحيط المحرق» وتلك التقطة لا 
عرض لهاء فإذاً الصراط المستقيم هو الوسط بين الطرفين ولا عرض له. فهو أدق من 
الشعرء ولذلك حرج عن القدرة البشرية والوقوف عليه فلا جرم بورود آمشالنا التار بقدر 
ميله عنهء كما قال تعالى: «وإن منكم إلا واردها كان على ريك حتما مُقَضيًا 4 [مريم: 

. وقال تعالى: #ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين التساء ولو حرصتم فلا تميلوا کل 
ن .۹Q‏ . فإن العددل بين المرأتين فى المحبة الو ف عل فرح ي 
ميل فيه إلى إحداهما كيف يدخل تحت الإمكان؟ قمن استقام فى هذا العالم على على الصراط 
الستقيم الذى يحكى الله تعالى حقيقته عن النبى عله : وان هذا صراطي مستقيما 
فاتبعوه ‏ 1الانعام: ۲ . مر على صراط الآخرة مستويًا من غير ميل لأنه فى هذا العالم 
عود نفسه التحفظ عن الميلء فصار ذلك وصقًا طبيعيًا له فإن العادة طبيعية خامسة. هذا 
حى قطعًا كما ورد به الشرح وجاء فى الحديث: يمر المؤمن على الصّراط كَالبَرق 
الخاطف» . 


فصل فى الجنان 

اللذات المحسوسة الموجودة فى الجنان من أكل وشرب وتنكاح يجب التصديق بها 
لإمكائهاء وهى كما تقدم حسى وخيالى وعقلى. 

أما المحسى» فبعد رد الروح إلى البدن كما ذكرناء وأما الكلام قى أن بعض هذه 
اللذات مما لا يرغب فيها مثل اللبن والاستبرق والطلح المنضود والسدر المخضودء فهذا مما 
خوطب به جماعة يعظم ذلك فى أعينهم ويشتهو نه غاية الشهو, ا ا له 
مطاعم ومشارب وملابس تختص بقوم دون قوم 2 ولكل واحد فى الجنة ما يث يشتهيه يشتهيه كما قال 
تعالى : ط ولَكُم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون) افصلت: 260١‏ وربما يعظم 
الله تعالى فى الآخرة شهوة لا تكون تلك الشهوة معظمة فى دار الدنياء كالنظر إلى ذات 
الله تعالى» فإن الشهوة والرغية الصادقة فيها فى الآخرة دون الدنيا. 

وأما الخيالى» فلا يخفى إمكانه ولذته كما فى النوم إلا أنه مستحقر لانقطاعه عن 
قريبء فلو كانت دائمة لم يدرك فرق بين الخيالى والحسى لأن التذاذ الإنسان بالصور من 
حيث انطباعها فى الخيال والحس لا من حيث وجودها من خارج» فلو وجد من خارج ولم 
يوجد فى حسه بالانطباع فلا لذة» ولو بقى المتطيع فى الحس وعدم الخارج لدامت اللدّة 


أحد د ۳۷۸ لسلست بمجموعة رسائل الإمام الفرالى سد 


وللقوة المتخيلة قدرة على اختراع الصور فى هذا العالم» إلا أن صورها المخترعة متخيلة 
وليست محسوسة ولا منطبعة فى القوة والباصرة» فلذلك لو اخترع صورة جميلة فى غاية 
الجمال وتوهم حضورها ومشاهدتها لم تعظم لذاته لأنه ليس يصير مبصرا كما فى النوم» 
فلو كانت له قوة على تصويرها فى القوة الباصرة كما له قوة على تصويرها فى الْقَوة 
المتخيلة لعظمت للااته ونزلت منزلة الصور الموجودة من الخارج» ولا تفارق الآخرة الدنيا فى 
هذا المعنى إلا من حيث كمال القدرة على تصوير القوة الباصرة» وكل ما يشتهيه يحضر 
عنده فى الحال فتكون شهوته بسبب تخيله وتخيله بسبب إبصاره أى بسبب انطباعه فى القوة 
الباصرة فلا يخطر بباله شىء يميل إليه إلا ويوجد فى الخال أى يوجد بحيث يراهء وإليه 
الإشارة بقوله عليه الصلاة والسلام: «إن فى الجنة سوقًا تباع فيه الصور»؛ والسوق عبارة 
عن اللطف الإلهى الذى هو منبع القدرة على اختراع الصور بحسب المشيئة » وانطباع القوة 
الباصرة بها انطباعًا ثابًا إلى دوام المشيئة لا انطباعًا هو معرض للزوال من غير اختيار كما 
فى النور فى هذا العالمء وهذه القدرة أوسع وأكمل من القدرة على الإيجاد خارج الحس» 
لأن الموجود من خارج مشغوقًا به محجوبًا عن غيره» وأما هذا فيتسع اتساعًا لا ضيق فيه 
ولا منع حتى إذا اشتهى مشاهدة الشئ مثلاً ألف شخص فى ألف مكان فى حالة واحدة» 
لشاهدوه كما خطر ببالهم فى أماكنهم المختلفة» وأما الإبصار الحاصل عن شخص الشئ 
الموجود من خارج الحس لا يكون إلا فى مكان واحد. وحمل أمر الآخر على ما هو أوسع 
وأتم للشهوات وأوفق بها أولى ولا نقص فى قدرة الإيجاد. 

وأما الوجه الثالث: وهو الوجود العقلىء فأن تكون هذه المحسوسات أمثلة للذات 
العقلية التى ليست بمحسوسة., لكن العقليات تنقسم إلى أنواع كثيرة مختلفة اللذات 
كالسيات» فتكرن الكسينات أمظلة ليا وكل زاجد يكون #قالا للدة أخرى عا وتنته فى 
العقليات توازى رتبة المثال فى الحسيات فإنه لو رأى فى المنام الخضرة والماء الخارى والوجه 
الحسن والأنهار المطردة باللبن والعسل والخمرة» والأشجر المزيئة بالجواهر واليواقيت 
واللآلئْ» والقصور المبنية من الذهب والفضةء والسرر المرصعة بالجواهرء والغلمان الماثلين 
بين يديه للخدمة» لكان المعبر يفسر ذلك بالسرور ولا يحمله على نوع واحدء بل يحمل 
كل واحد على نوع آخر من آنواع السرور وقرة العين يرجع بعضه إلى سرور والعلم 
وكشف المعلومات» وبعضه إلى سرور الملكة ونفاذ الأمرء وبعضه إلى قهر الأعداء» وبعضه 
إلى مشاهدة الأصدقاءء وإن شم الجميع اسم اللذة والسرور فهى مختلفة المراتب مختلفة 
الذوق لكل واحدة مذاق يفارق الآخرة» فكذلك اللذات العقلية ينبغى أن تفهم كذلك. وإن 
كان ما لاعين رأت ولا أذن سمعت ولاخطر على قلب بشرء» فجميع هذه الأقسام ممكنة 


فيجوز أن يجمع بين الكل لواحد» ويجوز أن يكون نصيب كل واحد بقدر استعناده. 
فالمشغوف بالتقليد والجمود على الصور الذى لم تنفتح له طرف الحقائق تمثل له هذه الصور 
واللذاث» والعارفون المستصغرون لعالم الصور واللذات المحسوسة يفتح لهم من لطائف 
السرور واللذات العقلية ما يليق بهم ويشفى شرهم وشهوتهم إذ حد الجنة أن فيها لكل 
امرىء ما يشتهيهء وإذا اختلفت الشهوات لم يبعد أن تختلف العقليات واللذات» والقدرة 
واسعة والقوة البشرية عن الإحاطة بعجائب القدرة قاصرة والرحمة الإلهية ألقت بواسطة 
النبوة إلى كافة الخلق القدر الذين احتملته أفهامهم› فيجب التصديق بما فهموه والإقرار بجا 
وراء منتهى الفهم فى أمور تليق بالكرم الإلهى ولا تدرك بالفهم البشرى وإنما يدرك ذلك فى 
مقعد صدق عند مليك مقتدر. 


فصل 

أما التقرب لمشاهدة الأنبياء والأئمة عليهم الصلاة والسلامء فإن المقصود منه الزيارة 
والاستمداد من سؤال المغفرة وقضاء الحوائج من أزواج الأنبياء 0 عليهم الصلاة 
والسلام» والعبارة عن هذا الإمداد الشفاعة. وهذا يحصل من جهتين : الاستمداد 00 
الجانب والإمداد من الجانب الآخرء ولزيارة المشاهد أثر حرم الركنين. أما 
الاستمداد فهر بانصراف همة صاحب الحاجة باستيلاء ذكر الشفيع والمزور على الخاطر حتى 
تصير كلية همته مستغرقة فى ذلك» ويقبل بكليته على ذكره وخطوره بباله وهذه الحالة 
سبب منه لروح ذلك الشفيعء أو المزور حتى تمده تلك الروح الطيبة بما يستمد منهء ومن 
أقبل فى الدنيا بهمته وكليته على إنسان فى دار الدنياء فإن ذلك الإنسان يحس بإقبال ذلك 
المقبل عليه ويخبره بذلك» فمن لم يكن فى هذا العالم فهو أولى بالتنبيه وهو مهيأ لذلك 
التنبيهء فإن اطلاع من هو خارج عن أحوال العالم إلى بعض أحوال العالم تمكن. كما 
يطلع فى المنام على أحوال من هو فى الآخرة أهو مثاب أو معاقب» فإن النوم صنو الموت 
رأخوه» فبسبب النوم صرنا مستعدين لمعرفة أحوال لم نكن مستعدين فى حالة اليقظة لهاء 
نكذلك من وصل إلى الدار الآخرة ومات مونًا عقيف ا كان بالاطلاع على هذا العالم أولى 
وأحرى» فأما كلية أحوال هذا العالم فى جميع الأوقات لم تكن مندرجة فى سلك 
معرفتهم» كما لم تكن أحوال الماضين حاضرة فى معرفتنا فى منامنا عند الرؤيا ولآحاد 
المعارف معينات ومخصصات منها همة صاحب الحاجة وهى استيلاء صاحب تلك الروح 
العزيزة على صاحب الحاجة» وكما تؤثر مشاهدة صور صورة الحى فى حضور ذكره 
وخطورة نفسه بالبالء فكذلك تؤثر مشاهدة ذلك ايت ومشاهدة تربته التى هى حجاب 


سد ۳١۰‏ س د مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 
قاقد ف ا ی و ا یی کا قال ج 
ومشاهدة قالبه ومشهدهء ومن ظن أنه قادر على أن يحضر فى نفس ذلك الميت عنده غيبة 
مشهدة كما يحضر عند مشاهدة مشهدهء فذلك ظن خطاء فإن للمشاهدة أثرا بِينا ليس 
للغيبة مثله ومن استعان فى الغيبة يذلك الميت لم تكن هذه الاستعانة أيضًا جزائًا ولا تخلو 
ن أثر ما كما قال النبى عليه الصلاة والسلام: دمن صِلَي على مره صَلَيْت عليه عشثرا». 
ور االو اا « . «وعن زار قبری حلت له شقاعتی». لرا 
الذى هو أحص الخواص له وسيلة تامة متقاضية للشفاعة والتقرب لت الذى هو بضعة 
منه» ولو بعد توالد وتناسل» والتقرب بمشهده ومسجده وبلدته وعصاه وسوطه وبعله 
وعضادته والتقرب بعادته وسيرته والتقرب بكل ما له منها مناسبة إليه تقرب موجب للقرب 
إليه مقتض لشفاعته» فإنه لا فرق عتد الأنبياء فى كونهم فى دار الدنيا وفى كونهم فى دار 
الآخرة لا فى طريق المعرفة» فإن آلة المعرقة فى الدنيا الحواس الظاهرة وفى العقبى آلة يعرف 
بها الغيب إما فى كسوة مثالء وإما على سبيل التصريحء وأما الأحوال الأخر فى التقرب 
والقرب والشفاعة فلا تتغيرء والركن الأعظم فى هذا الباب الإمداد والاهتمام من جهة 
الممدء وإن لم يشعر صاحب الوسيلة بلك المددء فإنه لو وضع شعر رسول الله عله أو 
عضادته أو سوطه على قير عاص أو مذتب تجا ذلك المذنب بيركات تلك الذخيرة من 
العذاب» وإن كان فى دار إنسان أو بلدة لا يصيب تلك الدار وأهلها وتلك البلدة وسكاتها 
بيركاتها بلاءء وإن لم يشعر بها صاحب الدار وساكن البلدةء فإن اهتمام النبى عه وهو 
فى العقبى مصروف إلى ما هو به منسوب» ودقع المكاره واللأمراض والعقوبات مفوضة من 
جهة الله تعالى إلى الللاتكةء: وكل ملك خريتض على إشعاق ما خرضن الثبى:-ضلوات الله 
عليه بهمته إليه عن غيره» كما كان فى حال حياته» فإن تقرب الملائكة بروحه المقدسة بعد 
موته أزيد من تقربه به فى حال حياته . 
قد حكى أن أيا طاهر الهجرى القرمطى رفع إنسانًا على عنقه حتى يجر ميزاب 
الكعبة» فمات الإنسان على عاتقه وخر هو ميئّاء وأن جماعة من المصريين نقبوا فى جدار 
روضة النبى يله وقصدوا إخراج شخصه وتقله إلى مصر كان ذلك فى نصف الليل» فسمع 
أهل المدينة صونًا من الهواء احفظوا نبيكم معاشر المسلمين» احفظوا نبيكم فأوقدوا السراج 
بل أوقدوا السرج والشموع والمشاعل. ورأوا ذلك النقبٍ فى الجدار وحوله جماعة من 
المصريين موتى . 
ونقل أنه عَكِلَهَ غرس غصنًا رطبًا فى قبر إنسان وقال: رفع الله تعالى عن صاحبه 
العذاب ما دام هذا الغصن رطبّاء وذلك من بركات يديه عَلهُ وكل من أطاع سلطانًا 


کد مجموعة رسائل الإمام الفزالی ww‏ یسیک ۳۸۱ = 


وعظمهء فإذا دحل بلده ورأى فيها سهمًا من جعبة ذلك السلطان أو سرطا له فإنه يعظم 
تلك البلدة. فاللائكة عليهم السلام يعظمون النبى» فإذا رأوا ذخائره فى دار أو بلدة أو قبر 
عظموا صاحبه وخففوا عليه العذاب؛ ولذلك السبب ينفع الموتى أن توضع على قبورهم 
الصاحف. ويتلى القرآن على رءوس قبورهم» ويكتب القرآن على قراطيس وتوضع 
القراطيس فى أيدق الموتى» فهذه أنواع المناسبات على حسب حال من يريد أن يسوى كل 
وع ورو غ وال ف ذلك اندوواءها یروا ا 
ورد الشرع بها ولا يعلم حقائقها إلا الله تعالى والأنبياء الذين هم وسائط بين الله تعالى 
وبين عباده» وإن اجتمع الحذاق وتفكروا فى الشكل الموضوع على مناسبة الإعداد لسهولة 
الولادة حالة الطلق ما عرفوا تلك الخاصية. فكيف يطمع الإنسان أن يعرف حقائق ما ورد 
به الشرع من الأوامر والنواهى والأخبار والوعد والوعيد وغير ذلك» والعقل ضعيف 
وتصرفه مختصر بالإضافة إلى تلك العجائب» والخواص. قد قررت يا أخى طيب الله 
عيشك بعض ما يمكن التلويح إليه على وفق ما انتهت فطانتى إليه» وأوصيك ومن معك 
بالإيمان بهذه الآشياء التى ورد الشرع بتص حي حها دون التوقف فيهاء ونعوذ بالله من 
التوقف. وسأهدى إليك من بعد أن وفقنى الله تعالى عالقا مضنونًا آخر اسمه المضنون به 
على غير أهله أحق وأولى من هذا المصنف فإن فى هذا مسائل قررتها فى عدة مواضع 
ومسائل لم أقررها إلا فى ذلك المصنف. أما المضنون الموجود فقد كان عزيمتى على تقرير 
أشياء فيه لم أقررها فى شىء من كتبى» اللهم إلا فى إحياء العلوم» فإن على تقرير أشياء 
فيه تلويحات وإشارات إلى رموز لا يعرفها إلا أهلها والله المعين الهادى وهو حسبنا وإليه 
المرجع والمصير . 


ب ار ری 
الأجوية الغرا ليه فى المسائل الأخرو. اله 
المضنون الصغير 

سئل الشيخ الإمام الأجل الزاهد السيد حجة الإسلام زين الدين مقتدى الأمة قدوة 

القريقين أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالى قدس الله روحه ونور ضريحه عن 

معنى قوله تعالی : اذا سویته وتفخت فيه من روحي » (ص: ۲ . ما التسوية وما النفخ 
وما الروح؟ 

فقال: التسوية فعل فى المحل القابل للروح» وهو الطين فى حق آدم َه . والنطفة 

فى حق أولاده بالتصفية وتعديل المزاج» فإنه كما لا يقبل النار يابس محض كالتراب 


سے mmm ۳٣٢‏ مجموعۂ رسال الامامالغزالی کد 


والججر ولا رطب محض كال اء ET e‏ ا 
مركب» فإن الطين مركب ولا تشتعل فيه النار» بل لا بد بعد تركيب الطين الكثيف من 
تردد فئ أطوار الخلقة حتى يصير نبانًا لطيفًا» فثبت فيه النار وتشتعل فيهء وكذلك الطين 
يعن أن بيتس الله ا و ی کے ا کا کا ا ی ضير ذا 
فتنتزع القوة المركبة ففى كل حيوان صفوة الدم الذى هو أقرب إلى الاعتدال؛ فيصير نطفة 
فيقبلها الرحم ويمتزج بها منى المرأة فتزداد عند ذلك اعتدالاً» ثم ينضجها الرحم بحرارته 
فتزداد تناسبًا حتى تنتهى فى الصفاء. واستواء نسبة الأجزاء إلى الغاية فتستعد لقبول الروح 
وإمساكهاء كالفتيلة التى تستعد عند شرب الدهن لقبول النار وإمساكهاء فالنطفة عند تمام 
الاستواء والصفاء تستحق باستعدادها روحًا يدبرها ويتصرف فيهاء فتفيض إليها من جود 
الجواد الحق الواهب لكل مستحق ما يستحقه؛ ولكل مستعد ما يقبله على قدر قبوله 
واحتماله من غير منع ولا بخلء فالتسوية عبارة عن هذه الأفعال المرددة للأصل النطفة فى 
الأطوار السالكة بها إلى صفة الاستواء والاعتدال. 


فصل 

وسئل ما النفخ؟ 

فقال: النفخ عبارة عما أشعل نور الروح فى فتيلة النطفة وللتفخ صورة ونتيجة أما 
صورته» فإخراج الهواء من جوف النافخ إلى جوف المنفوخ فيه حتى يشتعل الحطب القابل 
للنار» فالنفخ سبب الاشتعال» وصورة النفخ الذى هو سبب فى حق الله تعالى محال 
ولعت ر مال وقد ك الب عن ا الى تخ الت عه عل ب 
المجازء وإن لم يكن الفعل المستعار له على صورة الفعل المستعار منه كقوله تعالى: 
لإ عضب الله عليهم ‏ [المجادلة: 4 ل( فانتقمتا منهم 4 [الاعراف: .. والغضب عبارة 
عن نوع تغير فى الغضبان يتأذى به ونتيجته الهلاك للمغضوب عليه وإيلامه فعبر عن نتيجة 
الغضبه بالغضب. وعن نتيجة الانتقام بالانتقامء وكذلك عبر عما يتج تتيجة النفخ يالتقخ 
وإن لم يكن على صورة التفخ . 

فقيل له: ذما السبب التى اشتعل به تور الروح فى قتيلة التطفة 

قال: هو صعة فى القاعل وصفقة قى المحل القابل. أما صقة الفاعل قالخود الإلهى 
الذى هو يتبوع للوجود على ماله قبول الوجود فهو فياض بذاته على كل حقيقة آوجدهاء 
ويعبر عن تلك الصفة بالقدرة ومثالها فيضان نور الشمس على كل قابل للاسحتارة عند 
ارتقاع الحجاب بينهماء قالقايل للاستتارة وهى الملونات دون الهواء الذى لا تون له وأما 


حب بمبجموعةسائلالإمامالقزالى بسع سس سس بح 177 اح 
صفة القابل فالاستواء والاعتدال الحاصل بالتسوية» كما قال: سويته. ومثاله صقالة الحديدء 
مإن المرآة التى ستر الصداً وجهها لا تقبل الصورة وإن كانت محاذية فلوحاتها الصورة 
واشتعل الثقيل بتصقيلها فكلما حصل الصقال حدثت فيها الصورة المحاذية من ذى الصور 
الحاذية» فكذلك إذا حصل الاستواء فى النطفة حدث فيها الروح من خالق الروح من غير 
تغير فى الخالق. بل إنما حدث الروح الان لا قبله لتغير المحل بحصول الاستواء الآن لا 
قبلهء كما أن الصور فاضت من دى الصورة على المرآة فى حكم الوهم من غير حدث فى 
الصورة» ولكن كان لا يحصل من قبل لأ لان العدون اميك مها لان تطبع فى المرآة» 
لكن لأن المرآة لم تكن صقلية قابلة للصور. 

فقيل له: فما الفيض؟ 

قال: لا ينبغى أن تفهم من الفيض هنا ما تفهم من فيضان الماء من الإناء على اليد 
فإن ذلك عبارة عن انفصال جزء من الماء عن الإناء واتصاله باليدء بل افهم منه ما تفهمه 
من فيضان نور الشمس على الحائط ولقد غلط قوم فى نور الشمس أيضًاء فظنوا أنه 
ينفصل شعاع من جرم الشمس ويتصل بالخائط ويتيسط عليه وهو خطأء بل نور الشمس 
سبب لحدوث شىء يناسبه فى النورية وإن كان أضعف منه فى الحائط المتلون كفيضان الصور 
على المرآة من ذى الصورةء فإنه ليس بمعنى انفصال جزء من صورة الإنسان واتصاله بالمرأة 
بل على معنى أن صورة الإنسان مثلاً سيب لحدوث صورة تماثئلها فى المرآة المقابلة وليس 
فيهما اتصال وانفصال إلا السببية المجردة وكذلك الوجود الإلهى سبب لحدوث نور الوجود 
فى كل ماهية قابلة وجود فيعبر عنه بالفيض . 


فصل 

' قيل له: قد ذكرت التسوية والنفخ» فما الروح وما حقيقته» وهل هو حال فى البدن 
حلول الماء فى الإناءء أو حلول العرض فى الجوهرء أم هو جوهرء قائم بنفسه؟ فإن كان 
جوهرا قائمًا بنفسه فمتحيز هو أم غير متحيز؟ وإن كان متحيزا فما مكانه أهو القلب أو 
الدماغ أو موضع آخر؟ وإن لم يكن متحيزا فكيف يكون جوهرا غير متحيز؟ 

فقال: هذا سؤال عن سر الروح الذى لم يؤذن لرسول الله عه فى كشفه لمن ليس 
أهلاً لهء فإن كنت من أهله فاسمع واعلم أن الروح ليس بجسم يحل البدن حلول الماء فى 
إذاء؛ ولا هو عرض يحل القلب والدماغ حلول السواد فى الأسودء والعلم فى العالم» بل 
هر جوهر وليس بعرض لأنه يعرف نفسه وخالقه ويدرك المعقّولات. وهذه علوم والعلوم 
أعارض ولو كان موضوعًا والعلم قائم بهء لكان قيام العرض بالعرض» وهذا خلاف 


س { ۳١‘‏ سے مجموعة رسائل الإمام الغزالسى بح 


المعقول ولأن العرض الواحد لا يفيد إلا واحدا فما قام به والروح يفيد حكمين متغايرين» 
فإنه حين ما يعرف خالقه يعرف نفسهء فدل على أن الروح ليس بعرض والعرض لا يتصف 
بهذه الصفات ولا هو جسمء لأن الجسم قابل للقسمة والروح لا ينقسمء لأنه لو انقسم 
لجاز أن يقوم بجزء منه علم بالشئ الواحد وبالجزء الآخر منه جهل بذلك الشئ الواحد بعيته 
فيكون فى حالة" واحدة عالًا بالشئ جاهلاً به فيتناقص لأنه فى محل واحد وإلا فالسواد 
والبياض فى جزأين من العين متناقض» والعلم والجهل بشئ واحد فى شخص واحد محال 
وفى شخصين غير محالء» فذل على أنه واحد وهو باتفاق العقلاء جزء لا يتجزأ أى شىء 
لا ينقسم إذ لفظ جزء لائق بهء لأن الجزء إضافة إلى الكل ولا كل هنا. فلا جزء إلا أن 
يراد به ما يريد القائل بقوله الواحد جزء من العشرة» فإنك إذا أخحذت جميع الأجزاء التى 
بها قوام العشرة فى كونها عشرة كان الواحد من جملتها وكذلك إذا أخحذت جميع 
الموجودات أو جميع ما به قوام الإنسان فى كونه إنسانًا كان الروح واحدا من جملتهاء فإذا 
فهمت أنه شىء لا ينقسم فلا يخلو إما أن يكون متحيرًا أو غير متحيزء وباطل أن يكون 
متحيرًا إذ كل متحيز منقسمء الجزء الذى لا يتجزأ باطل أن يكون منقسمًا بأدلة هندسية 
وعقلية أقربها أنه لو فرض جوهر بين جوهرين لكان كل واحد من الطرفين يلقى من الوسط 
غير ما يلقى الآخرء فيجوز أن يقوم بالوجه الذى يلقاه هذا الطرف علم وبالوجه الآخر 
جهلء فيكون عالمًا جاهلاً فى حالة واحدة بشئ واحد» وكيف لا ولو فرض بسيط مسطح 
من أجزاء لا تتجزأ لكان الوجه الذى يحاذينا وثراه غير الوجه الآخر الذى لا نراه؛ فإن 
الواحد لا يكون مرئيا وغير مرئى فى حالة واحدة» ولكانت الشمس إذا حاذت أحد وجهيه 
استنار بها ذلك الوجه دون الوجه الآخرء فإذا ثبت أنه لا ينقسم وأنه لا يتجزأ ثبت أنه قائم 


فصل 
قال باه : لا هو داخل ولا هو خارج ولا هو منفصل ولا متصلء لأن مصحح 
الاتصاف بالاتصال والانفصال المحسمية والتحيز قد انتفيا عنه فاتنفك عن الضدين» كما أن 
الجماد لا هو عالم ولا هو جاهل لأن مصحح العلم والجهل الحياة» فإذا انتفت انتقى الضدان. 
فقيل له: هل هو فى جهة؟ 
فقال له: هو مره عن الحلول ف المحال والاتصال بالأجسام والاختصاص بالجهات» 


ر او ةه ور اا ر کی ج را ف ن فی جا ا 
مقدس عن هذه العوارض . 

فقيل له: لم منع الرسول عله عن إفشاء هذا السر وكشف حقيقة الروح بقوله تعالى: 
« قل الروح من أمر ربي 4 [الأسراء: 46]. 

فقال: لأن الأفهام لا تمتلمه لأن الناس قسمان عوام وخواص. أما من غلب على 
طبعه العامية فهذا لا يقبله ولا يصدقه فى صفات الله تعالى فكيف يصدقه فى حق الروح 
لإنانية»؛ ولهذا أنكرت الكرامية والحنبلية ومن كانت العامية أغلب عليه ذلك وجعلوا الإله 
جسمًا إذ لم يعلقوا موجودا إلا جسما مشارا إليهء ومن ترقى عن العامية قليلاً نفى الجسمية 
وما أطاق أن ينفى عوارض الجسمية فأثبت الجهة وقد ترقى عن هذه العامية الأشعرية 
والمعتزلة» فأثبتوا موجودًا لا فى جهة. 

فقيل له: ولم لا يجوز كشف هذا السر مع هؤلاء؟ 

فقال: لأنهم أحالوا أن تكون هذه الصفات لغير الله تعالى» فإذا ذكرت هذا لبعضهم 
كفروك وقالوا إنك تصف نفسك بما هو صفة الإله على المخصوصء فكأنك تدعى الإلهية 

فقيل له: فلم أحالوا أن تكون هذه الصفة لله ولغير الله تعالى أيضًا؟ 

فقال: لأنهم قالوا كما يستحيل فى ذوات المكان أن يجتمع اثنان فى مكان واحد 
يستحيل أيضًا أن يجتمع اثنان لا فى مكان., لأنه إنما استحال اجتماع جسمين فى مكان 
واحدء لأنه لو اجتمعا لم يتميز أحدهما عن الآخرء فكذلك لو وجد اثنان كل واحد منهما 
ليس فى مكان. فبم.يحصل التمييز والعرفان؟ ولهذا أيضاً قالوا: لا يجتمع سوادان فى 
محل واحد حتى قيل المثلان يتضادان. 

فقيل: هذا إشكال قوى فما جوابه؟ 

قال: جوابه أنهم أخطئوا حيث ظنوا أن التمييز لا يحصل بالمكان بل يحصل التميز 
بثلاثة أمور: أحذها بالمكان كجسمين فى مكانين» والثانى بالزمان كسوادين فى جوهر واحد 
فى زمانين» والثالث بالحد والحقيقة كالأعراض المختلفة فى محل واحد مثل اللون والطعم 
والبرودة والرطوية فى جسم واحدء فإن المحل واحد والزمان واحد» ولكن هذه معان 
مختلفة الذوات بحدودها وحقائقهاء فيتميز اللون عن الطعم بذاته لا بمكان وزمان ويتميز 
العلم عن القدرة والإرادة بذاته وإن كان الجميع شينًا واحدّاء فإذا تصور أعراض مختلفة 
الحقائق فبآن يتصور أشياء مختلقة الحقائق بذواتها فى غير مكان أولى. 


سی ۳۸۹ ص«٠بسسسبت‏ مجموعة رساثل الإمامالفزالى کس 


فصل 

“فقيل: هنا دليل آخخر على إحالة ما ذكرتموه أظهر من طالب التفرقة وهو أن هذا تشبيه 
وإثبات لأخص وصف الله تعالى فى حق الروح. 

فقال: هيهات فإن قولنا الإنسان حى عالم قادر سميع بصير متكلم وإنه تعالى 
كذلك ليس فيه تشبيه لاأنه ليس ذلك أخص الوصف فكذلك البراءة عن المكان والجهة 
ليس أخص وصف الإلهء بل أخص وصفه أنه قيوم أى هو قائم بذاته» وکل ما سواه قائم 
به» وأنه موجود بذاته لا بغيره فكل ما سواه موجود به لا بذاته» بل ليس للأشياء من 
ذواتها إلا العدم» وإنما لها الوجود من غيرها على سبيل العارية» والوجود لله تعالى ذاتى 
ليس بمستعارء هذه الحقيقة أعنى القيومية ليست إلا لله تعالى. 

فقيل له: ذكرت معنى التسوية والنفخ والروح ولم تذكر معنى النسبة فى الروح» وأنه 
لم قال من روحى ولم نسبه إلى نفسه» فإن كان لأن وجوده به فجميع الأشياء أيضًا كذلك 
وقد نسب البشر إلى الطين» فقال: لإ إني خالق شرا من طن 4 [ص: ).ثم قال: فإذا 
مويته وَنَفَحْت فيه من روحي » [ص: كلا وإن كان معناه أنه جزء من الله تعالى فاض 
على القلب كما يفيض المال على السائل» فيقول: أفضت عليه من مالى فهذه تجزئة لذات 
الله » وقد أبطلتم هذا وذكرتم أن إفاضته ليست بمعنى انفصال جزء منه. 

فقال: هذا كقول الشمس لو نطقت وقالت: أفضت على الأرض من نورى» فيكون 
صدقًا ويكون معنى النسبة أن النور الحاصل من جنس نور الشمس بوجه من الوجوه» وإن 
كان فى غاية الضعف بالإضافة إلى نور الشمس» وقد عرفت أن الروح منزه عن الجهة 
والمكان وفى قوته العلم بجميع الأشياء والاطلاع عليهاء وهذه مضاهاة ومناسبة فلذلك 
خص بالإضافة وهذه المضاهاة ليست للجسمانيات أصلاً. 

فقيل له: ما معنى قوله تعالى: قل الروح من أَمر ربي 4 [الإسراء: .]۸١‏ وما معنى 
عالم الأمر وعالم الحق؟ 

فقال: كل ما يقع عليه مساحة وتقدير وهو عالم الأجسام وعوارضها يقال إنه من 
عالم الخلق. والخلق هنا بمعنى التقدير لا بمعنى الإيجاد والإحداثء» يقال: خلق الشئ أى 
قدره قال الشاعر: 

ولأنت تف رى ماخلفقت وبع 

ضّالق مم يَخلقثملايفرى 
أى تقدر ثم تقطع الأديم وما لا كمية له ولا تقديرء فيقال: إنه أمر ربانى وذلك 


دح مجموعۂہ رسائلالامام الفزالی سسحت ۳۸۷ = 


للمضاهاة التى ذكرناها وكل ما هو من هذا الجنس من أرواح البشر وأرواح الملائكة يقال إنه 
من عالم الأمرء فعالم الأمر عبارة عن الموجودات الخارجة عن الحس والخيال والجهة والمكان 
والتحيزء .وهو ما لا يدخل تحت المساحة والتقدير لانتفاء الكمية عنه. 

فقيل له: أتتوهم أن الروح ليس مخلوقًا وإن كان كذلك فهو قديم؟ 

فقال: قد توهم هذا جماعة وهو جهل» بل نقول: إن الروح غير مخلوق بمعنى إنه 
غير مقدر بكمية ولا مساحةء فإنه لا ينقسم ولا يتحيز ونقول أنه مخلوق» لكنه معنى أنه 
حادث وليس بقديم. وبرهان حدوثه طويل ومقدماته كثيرة» ولكن الحق أن الروح البشرية 
حدثت عند استعداد النطفة للقبول كما حدثت الصور فى المرآة بيبحدوث الصقالة» وإن كانت 
الصور سابقة الوجود على الصقالة وإيجاد هذا البرهان أنه إن كانت الأرواح موجودة قبل 
الأبدان لكانت إما كثيرة أو واحد وباطل وحدتها وكثرتها فباطل وجودهاء وإنما استحال 
وحدتها بعد التعلق بالأبدان لعلمنا ضرورة بأن ما يعلمه زيد يجوز أن يجهله عمروء ولو 
كان الجوهر العاقل منهما واحدًا لاستحال اجتماع المتضادين فيه. كما يستحيل فى زيد 
وحدهء ونعنى بالجوهر العاقل الروح ومحال كثرتها لأن الواحد محال أن لا يثنى ولا ينقسم 
إذا كان ذا مقدار كالأجسامء فا لجسم ينقسم فإنه ذو مقدار وذو بعض فيتبعض» أما ما ليس 
له بعض ولا مقدار فكيف ينقسم وأما تقدير كثرتها قبل التعلق بالبدن فمحال لأنها إما أن 
تكون متماثلة أو مختلفة» وكل ذلك محالء. وإنما استحال التماثل لأن وجود المثلين محال 
فى الأصل» ولهذا يستحيل وجود سوادين فى محل» وجسمين فى مكان واحد لأن الاثنين 
يستدعى مغايرة ولا مغايرة هنا وسوادان فى محلين جائز لأن هذا يفارق ذلك فى المحل إذا 
اختص بمحل لا يختص به الآخرء وكذلك يجوز محل واحد فى زمانين إذ لهذا وصف 
ليس للآخر وهو الاقتران بهذا الزمان الخاصء فليس فى الوجود مثلان مطلقاء بل بالإضافة 
كقولنا: زيد وعمرو هما مثلان فى الإنسانية والجسمية» وسواد الحبر والغراب مثلان فى 
السوادية» ومحال تغايرهما لأن التغاير نوعان: أحدهما باختلاف النوع والماهية كتغاير الماء 
والنار وتغاير السواد والبياضء والثانى بالعوارض التى لا تدخل فى الماهية كتغاير الماء الحار 
والماء الباردء فإن كان تغاير الأرواح البشرية بالنوع والماهية فمحال لأن الأرواح البشرية 
«تفقة بالحد والحقيقة وهى نوع واحدء وإن كانت متغايرة بالعوارض فمحال أيفنًا لأن 
الحقيقة الواحدة إنما يتغاير عوارضها إذا كانت متعلقة باللأجسام منسوبة إليها بنوع ما إذ 
الاختلاف فى أجزاء الجسم ضرورة ولو فى القرب من السماء والبعد عنها مثلاً. أما إذا لم 
يكن كذلك كان الاختلاف محالاً وهذا ربما يحتاجون فى تحقيقه إلى مزيد تقدير لكن هذا 
القدر ينبه عليه . 


سیک ۳۸۸ د مجموعه رسائل الامام الفرالی سد 
فقيل له: كيف يكون حال الأرواح بعد مفارقة الأجسام ولا تعلق لها بالأجسام فكيف 
تكثرت وتغيرت؟ 
.فقال: لأنها اكتسبت بعد التعلق بالأبدان أوصافًا مختلفة من العلم والجهل والصفاء 
والكدورة وحسن الأخلاق وقبحهاء. فبقيت منها متغايرة فعقلت كثرتها بخلاف ما قبل 
الأجساد فإنه لاعمبب لتغايرها. 


فصل 

فقيل له: ما معنى قوله عليه السلام: «إن الله تعالى خلق آدم على صورته» ورو 
اعلى ضورة الرحمن»؟ 

فقال: الصور اسم مشترك قد يطلق على ترتيب الأشكال ووضع بعضها على بعض 
واختلاف تركيبهاء وهى الصورة المحسوسة. وقد يطلق على ترتيب المعانى التى ليست 
محسوسة» بل للمعانى ترتيب أيضًا وتركيب وتناسب» ويسمى ذلك صورة» فيقال: صورة 
المسألة كذا وكذاء وصورة الواقعة وصورة المألة الحسابية والعقلية كذا » والمراد بالتسوية فى 
هذه الصورة هى الصورة المعنوية» والإشارة به إلى المضاهاة التى ذكرناها ويرجعه ذلك إلى 
الذات والصفات والأفعال.» فحقيقة ذات الروح أنه قائم بنفسه ليس بعرض ولا بجسم ولا 
جوهر متحيز ولا يحل المكان والجهة ولا هو متصل بالبدن والعالم» ولا هو منفصل» ولا 
هو داخل فى أجسام العالم والبدن. ولا هو خارجء وهذا كله فى حقيقة ذات الله تعالى, 
را الشات هدک جا عا ا فر سج حا ما واش ال كك 
وأما الأفعال فمبدأ فعل الآدمى إرادة يظهر أثرها فى القلب أولاً فيسرى منه أثر بواسطة 
الروح الحيوانى الذى هو بخار لطيف فى تجويف القلب» فيتصاعد منه إلى الدماغ ثم يسرى 
منه إلى الأعصاب الخارجة من الدماغ» ومن الأعصاب إلى الأوتار والرباطات المتعلقة 
بالعضل» فتنجنب الأوتار فيتحرك بها الأصابع» ويتحرك بالأصابع القلم » وبالقلم المداد 
مثلاً» فيحدث منه صورة ما يريد كتبه على وجه القرطاس على الوجه المتصور فى خزانة 
التخيل» فإنه ما لم يتصور فى خياله صورة المكتوب أولا لا يمكن إحدائه على البياض 
ثانيّاء ومن استقرأ أفعال الله تعالى وكيفية إحداثه النبات والحيوان على الأرض بواسطة 
تحريك السموات والكواكب» وذلك بطاعة الملائكة له فى تحريك السموات علم أن تصرف 
الآدمى فى عالمه أعنى بدنه يشبه تصرف الخالق فى العالم الأكبر وهو مثله» وانكشف له أن 
نسبة شكل القلب إلى تصرفه نسبة العرش ونسبة الدماغ نسية الكرسى والحواس كالملائكة 
الذين يطيعون الله طبعًا ولا يستطيعون خلاقًاء والأعصاب والأعضاء كالموات» والقدرة 


فى الأصابع كالطبيعة المسخرة المركوزة فى الأجسام» والقرطاس والقلم والمداد كالغناصر 
التى هى أمهات المركبات فى قبول الجمع والتركيب والتفرقة ومرآة التخيل كاللوح المحفوظ 
فمن اطلع بالحقيقة على هذه الموازنة عرف معنى قوله عليه السلام: إن الله تعالى خلق آدم 
على صورته» ومعرفة ترتيب أفعال الله تعالى معرفة غامضة يحتاج فيها إلى تحصيل علوم 
كثيرة» وما ذكرناه إشارة إلى جملة منها. 

قيل له: فما معنى قوله عليه السلام: #من عرف نفسه فقد عرف ربه»؟ 

قال: لأن الأشياء تعرف بالأمثلة المناسبة» ولولا المضاهات المذكورة لم يقدر الإنسان 
على الترقى من معرفة نفسه إلى معرفة الخالق» فلولا أن الله تعالى جمع فى الآدمى ما هو 
مثال جملة العالم حتى كأنه نسخة مختصرة من العوالم» وكأنه رب فى عالمه متصرف لا 
عرف العالم والتصرف والربوبية والعقل والقدرة والعلم وسائر الصفات الإلهية» فصارت 
النفس بمضاهاتها وموازناتها مرقاة إلى معرفة خالق النفس» وفى استكمال المعرفة بالمسألة 
التى قبل هذه ما يتكشف الغط. مر :جه هذه المسألة. 

فقيل له: إن كانت ارك حاوئه ىه لجنا n a‏ «حلق ابل 
الأ زواح قبل الأجمساد باألقی عام وقوله عليه السلام: «أنَا أول ؛ الأثبياء خَلَا وآخرهم 
بعدًا» وقوله: كنت نبا وآدم بين الّاء والطّين»؟ 

فقال: ليس فى هذا ما يدل على قدم الروح» بل يدل على حدوثه» وكونه مخلوقًا. 
نعم ربما دل بظاهره على تقدم وجوده على الجسد وأمر الظواهر هين» فإن تأويلها تمكن 
والبرهان القاطع لا يدرء بالظواهر بل يسلط على تأويل الظواهرء كما فى ظواهر التشبيه فى 
حق الله تعالى. 

أما قوله عليه اللام: «خَلَق الله الأرواح قبل الأجساداء فلعله أراد بالأرواح 
الملاتكة» وبالأجساد أجساد العالم من العرش والكرسى والكواكب والهواء والأرض والماءء 
وكما أن أجساد الآدميين بجملتهم صغيرة بالإضافة إلى جرم الأرض وجرم الأرض أصغر 
من جرم الشمس بكثير» ثم لا نبة لجرم الشمس إلى فلكها ولا لفلكها إلى السموات التى 
فوقهء ثم كل ذلك اتسع له الكرسى إذ وسع كرسيه السموات والأرضء والكرسى صغير 
بالإضافة إلى العرشء فإذا تفكرت فى جميع ذلك استحقرت أجساد الآدميين ولم تفهمها 
من مطلق لفظ الأجسادء فكذلك فاعلم وتحقق أن أرواح البشر بالإضافة إلى أرواح الملائكة 
كأجسادهم بالإضافة إلى أجساد العالمء ولو انفتح لك ياب معرفة الأرواح لرأيت الأرواح 
البشرية بالإضافة إلى أرواح الملائكة كسرج اقتبست من نار عظيم طبق العالم» وتلك النار 
العظيمة هى أرواح اللائكة» ولأرواح الملائكة ترتيب وكل واحد منفرد برتبتهء» ولا يجتمع 


فى مرتبة واحدة اثنان بخلاف الأرواح البشرية المتكثرة مع اتحاد النوع والرتبة . أما الملائكة , 
فكل واحد نوع برأسه وکل ذلك النوع وإليه الإشارة بقوله تعالى: وما ما إل له مقام 
معلوم 43# وإنا تحن الصافُون 4 1الصافات : 4 156). 

وبقوله عليه السلام: الراكع منهم لا يسجد والقائم لا يركع» وإنه ما من واحد منهم 
إلا له مقام مسعلوم» فلا يفهم إذّا من الأرواح والأجساد المطلقة إلا أرواح الملائكة وأجساد 
العالم . 

وأما قوله عليه اللام: «أنا أول الأثبياء حَلتَا وآخرهم بَعناء. فالخلق هنا هر التقدير 
دون الإيجاد. فإنه قبل أن ولدته أمه لم يكن موجودا مخلوقًاء ولكن الغايات والكمالات 
سابقة فى التقدير لاحقة فى الوجودء وهو معلى قولهم: أول الفكر آخر العمل . بيانه أن 
المهندس المقدر للدار أول ما يمثل فى نفسه صورة الدارء فيحصل فى تقديره دار كاملة» 
وآخخر انا يوجد من آثر أغمالة-هن _الداز 'الكاملة زهي اول الأقياء فى حقه تقديرا وكغرها 
وجوداء لأن ما قبلها من ضرب اللبن وبناء الحيطان وتركيب الجذوع وسيلة إلى غاية وكمال 
وهى الدارء ولأجلها تقدمت الآلات والأعمال» فإذا عرفت هذا فاعلم أن المقصود فطرة 
الآدميين إدراكهم بسعادة الترب من الحضر الإلهية» ولم يكن ذلك إلا بتعريف الأنبياء 
وكانت النبوة مقصودة بالإيجادء والمقصود كمالها وغايتها لا أولهاء وإنما تكمل بحسب سنة 
الله تعالى بالتدريج كما تكمل عمارة الدار بالتدريج لتمهيد أصل النبوة بآدم عليه السلام» 
ولم يزل ينمو ويكمل حتى بلغ الكمال بمحمد عليه السلام» وكان المقصود كمال النبوة 
وغايتها وتمهيد أوائلها وسيلة إليها كتأسيس البنيان وتمهيد أصول الحيطان» فإنه وسيلة إلى 
كمال صورة الدار ولهذا السر كان خاتم النبيين فإن الزيادة على الكمال نقصان وكمال شكل 
الآلة الباطشة كف عليه خمس أصابع» فكما أن ذا الأصابع الأربعة ناقص فذو الأصابع 
الستة ناقص. لأن السادسة زيادة على الكفاية فهو نقصان فى الحقيقة» وإن كانت زيادة فى 
الصور. وإليه الإشارة يقوله عليه السلام: مثل النبوة كمثل دار معمورة لم يبق فيها إلا 
موضع لبنة» فكنت أنا موضع تلك اللبنة أولفظ هذا مسعناه» فإذا عرفت أن كونه حاتم 
النبيين ضرورة لا يتصور خلافه إذا بلغ به الغاية والكمال» والغاية أول التقدير» آخر فى 
الوجود. 

وأما و السلام: "كنت نبيًا وآدم بيْنَ الماء والطّين» . فهو أيضًا إشارة إلى ما 
ذكرنامء وأنه كان 2 فى التقدير قبل تمام خلقه آدم عليه السلام» لأنه لم يشأ خلق آدم إلا 
لينتزع الصافى من ذريته» ولا يستصفى تدريجًا إلى أن بلغ كمال الصفاءء فقيل الروح 
القدسى النبوى المخمدى ولا تفهم هذه الحقيقة إلا بأن تعلم أن للدار» مثلاً وجودين وجود 


حب مجيموعةسائلالإمامالفزالى ‏ سق سس سس سسحت 70١‏ ع 
فى ذهن المهندس ودماغه حتى كأنه ينظر إلى صورة الدار» ووجودها خارج الذهن فى 
الأعيان. والوجود الذهنى سبب الوجود الخارجى العينى فهو سابق لا محالة؛ فكذلك 
فاعلم أن الله تعالى يقدر أولاً ثم يوجد على وقق التقدير ثانيًا وإنما التقدير يرسم فى اللوح 
المحفوظ كما يرسم دير الهندس أولاً فى اللوح أو فى القرطاس» فتصير الدار موجودة 
کل صو رها عا من ال جرد فيكو هوا لل جرد اقيق “كنا أن .هذه الضورة 
ترسم فى لوح المهندس بواسطة القلم والقلم يجرى على وفق العلم بل العلم ممجريه» 
فكذلك تقدير صورة الأمور الإلهية ترسم أولاً فى اللوح المحفوظ» وإنما ينتتقش اللوح 
المحموظ من القلم والقلم يجرى على وفق العلم» واللوح عبارة عن موجود قابل لنقش 
الصورة فيه» والقلم عبارة عن موجود منه تفيض الصور على اللوح المنتقش» فإن حد القلم 
هو الناقش لصورء وليس من شرطهما أن يكون قصبًا أو خشبًا المعلومات فى اللوح»› 
واللوح هو المنتقش بتلك الصورء بل من شرطهما أن لا يكونا جسمين فالجسمية لا تدخل 
فى حد القلمية واللوحية هو ما ذكرنا والزائد عليه صورته لا معناه» فلا يبعد أن يكون قلم 
اللّه تعالى ولوحه لائقًا بإصبعيه ويده» وكل ذلك على ما يليق بذاته وإلهيته فققدس عن 
حقيقة الجحسمية» بل جملتها جواهر روحانية. عالية بعضها معد ع كالقلم»: 0 
كاللوح» فإن الله تعالى علم بالقلم» فإذا فهمت نوعى الوجود فقد كان تبي قبل آدم عليه 
السلام بمعنى الوجود الأول التقديرى دون الوجود الثانى الحسى العينى» e‏ 
العالمين؛ والصلاة والسلام على سيد المرسلين وآله وصحبه أجعين آمين. 


بداية الهداية 


بط قرم 
الحمد لله حق حمدهء والصلاة والسلام على خير خلقه محمد رسوله وعبده» وعلى 


آله وصحبه من بعده. 


أما بعد؛ فاعلم أيها الحريص المقبل على اقتباس العلم» المظهر من نفسه صدق الرغبة 
وفرض التعطش إليهء أنك إن كنت تقصد بطلب العلم المنافسة والمباهاة والتقدم على الأقران 
واستمالة وجوه الناس إليك وجمع حطام الدنياء فأنت ساع فى هدم دينك وإهلاك نفسك 
وبيع آخرتك بدنياك» فصفقتك خاسرة وتجارتك بائرة ومعلمك معين لك على عصيانك 


ر صر 


وشريك لك فى خسرانك» وون ا ا ا طريق كما قال يَيِهُ : «من أعان على 


معصية ولو بشطر کلمة کان شریکا لَه فيها». 


ت 


وإ كانك :ب تلك ی ا ن الله تعالى من طلب العلم الهداية دون مجرد 


سے ۳۹٢‏ د مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 
الرواية فأبشرء فإن الملاتكة تبسط لك أجنحتها إذا مشيت» وحيتان البحر كدر لك إذا 
سعيت؛ ولكن ينبغى لك أن تعلم قبل كل شىء أن الهداية التى هى ثمرة العلم» لها بداية 
ونهاية وظاهر وباطن» ولا وصول إلى تهايتها إلا بعد إحكام بدايتهاء ولا عثور على باطتها 
إلا بعد الوقوف على ظاهرها. 

وها أنا مشير عليك ببداية الهداية لتجرب بها نفك وتمتحن بها قلبك» فإن صادفت 
قلبك إليها مائلاً ونفسك بها مطاوعة ولها قابلة» فدونك التطلع إلى النهايات والتغلغل فى 
بحار العلوم» وإن صادفت قلبك عند مواجهتك إياها بها مسوقًا وبالعمل بمقتضاها مماطلاًء 
فاعلم أن نفسك المائلة إلى طلب العلم هى النفس الأمارة بالسوءء وقد انتتهضت مطيعة 
للشيطان اللعين ليدليك بحبل غروره فيستدرجك بمكيدته إلى غمرة الهلاك» وقصده أن 
يروج عليك الشر فى معرض الخير حتى يلحقك بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم فى 
الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاء وعند ذلك يتلو عليك الشيطان فضل العلم 
ودرجة العلماء وما ورد فيه من الآثار والأخبارء عن : من ازداد علمًا 
ولم یردد هدې لم یزد من اله إلا بدا وعن قوله عه : «أشد الناس عذابا ي يوم م القيامَة 


alo في‎ 


عالم لم يه اله بعلمه». وکان عه يقول: «اللّهم ! ی اوك من ملم لاقع وت ۷ 


يع وحمل لا برقع ودعاء لايسمع؟. وعن قوله عروحة : كه : «مررت ليله رى بى بأفوام 
لراري ر و ع 
تفرض شفاههم بمقاریض من نار لت من الشم؟ َالو کا ائ بار ولانایه ونی ما 


الشر ونأتيه». 

فإياك يا مسكين أن تذعن لتزويره فيدلك بحبل غروره» فويل للجاهل حيث لم يتعلم 
مرة واحدة! وويل للعالم حيث لم يعمل بما علم ألف مرة! 

واعلم أن الناس فى طلب العلم على ثلاثة أحوال: رجل طلب العلم ليتخذه زاده 
إلى المعادء ولم يقصد به إلا وجه الله والدار الآخرةء فهذا من الفائزين» ورجل طلبه 
ليستعين به على حياته العاجلة» وينال به العز والجاه والمال» وهو عالم مستشعر فى قليه 
ركاكة حاله وخة مقصده؛ فهذا من المخاطرين» فإن عاجله أجله قبل التوبة خيف عليه من 
روا وی ا ر و وا ون لهه ل سارك رر افا إلن 
العلم والعمل وتدارك ما فرط فيه من الخلل» التحق بالفائزين؟ فإن التائتب من الذنب كمن 
لا ذنب له. ورجل ثالث استحوذ عليه الشيطانء فاتخذ علمه ذريعة إلى التكاثر يالمال 
والتفاخر بال جاه والتعزز بكشرة الأتباع» يدخل بعلمه كل مدخل رجاء أن يقضى من الدنيا 
وطره» وهو مع ذلك يضمر فى نفسه أنه عند الله عكانة ااا ا الا i E,‏ 
برسومهم فى الزى والمنطق» مع تكالبه على الدنيا ظاهر! وباطنًا؛ قهذا من الهالكين ومن 


0 إذ الرجاء منقطع عن توبشه لظنه أنه من اللحسنين وهو غسافل عن قوله 
تعالى لى : فيا أيها الّذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون 4 1الصف: ۲[ وهو ممن قال فيهم 

رسول الله يله : «أنا من َب رالدجال أحُوف علَيكم من الدجأل»» فقيل : رماع ارشول 
الله؟ فَقَالَ: «عَلَمَاء السوء». وهذا لأن الدجال غايته الإضلالء ومثل هذا العالم وإن 
صرف الناس عن الدنيا بلسانه ومقاله فهو داع لهم إليها بأعماله وأحوالهء ولان الجال 
أفصح من لسان المقال» وطباع الناس إلى المشاهدة فى الأعمال أميل منها إلى المتابعة فى 
الأقوال؛ فما أفسده هذا المغرور بأعماله أكثر مما أصلحه بأقواله إذ لا يستجرئ الجاهل على 
الرغبة فى الدنيا إلا باستجراء العلماء» فقد صار علمه سييًا لجراءة عباد الله على معاصيهء 
ونفسه الجاهلة مدلة مع ذلك تمنيه وترجيهء وتدعوه إلى أن يمن على الله بعلمه» وتخيل إليه 
نفسه أنه خير من كثير من عباد الله . فكن أيها الطالب من الفريق الأولء واحذر أن تكون 
من الفريق الثانى! فكم من مسوف عاجله الأجل قبل التوبة فخسرء وإياك ثم إياك أن تكون 
من الفريق الثالث فتهلك هلاكًا لا يرجى معه فلاحك ولا يتتظر صلاحك . 

فإن قلت: فما بداية الهداية لأجرب بها نفسى؟ 

فاعلم آن بدايتها ظاهرة التقوى»ء ونهايتها باطنة التقوى. قلا عاقبة إلا بالتقرىء ولا 
هداية إلا للمتقين. والتقوى عبارة عن امتثال أوامر الله تعالى واجتناب نواهيهء فهما 
قسمان. وها أنا أشير عليك بجمل مختصرة من ظاهر علم التقوى فى القسمين جميعاء 
وألق قسما ثالنًا ليصير هذا الكتاب جامعا مغنيًا والله المستعان. 


القسم الأول فى الطاعات 
اعلم أن أوامر الله تعالى فرائض ونوافل: فالفرض رأس المال عو أصل التجارة وبه 


تحصل النجاة» دل هو الريح ونه الموز بالدرجات» قال عله : ايقول ايله تبارك وتعالى: 
ما قرب إلى الَعربُونَ بمفل أداء ما افترضت لهم ولا يزال العبد يقرب إلي بالتوافلي 


حتى أحبه» فا أَحببئه كنت سمعه اذى يسمع به وبِصَرء اذى بنصر به ولساته اذى ينطق 
ر رو 
به ويده التى ينطش بها ورجِله النى يَمْشى بها». 


ولن تصل أيها الطالب إلى القيام بأوامر الله تعالى إلا بمراقبة قلبك وجوارحك فى 
لحظاتك وأنفاسك من حين تصبح إلى حين تمسى؛ فاعلم أن الله تعالى مطلع على 
ير و بعلن اهرك راطف وط جم الخطاتك. وخظرةئانة وخطر اتلكين 
وسائر سكناتك وحركاتك. وأنك فى مخالطتك وخلواتك متردد بين يديه» فلا يسكن فى 
الملك والملكوت ساكن ولا يتحرك متحرك إلا وجبار السموات والأرض مطلع عليه 9 يعلم 


سے ع۹٣‏ يسيب مجموعةرسائل الإمامالفزالى سے 
خائنة الأعين وما تخفي الصدور» لغافر: 14]. و ف يعلّم السر وأخقی چ اطه: ۷]. فتأدب 
أيها الملسكين ظاهرا وباطًا بين يدى الله تعالى بأدب العبد الذليل المذنب فى حضرة املك 
المبار القهار» واجتهد أن لا يراك مولاك حيث نهاك ولا يفقدك حيث أمرك» وان تقدر 
على ذلك إلا بآن توزع أوقاتك وترتب أورادك من صباحك إلى مسائك فاصغ إلى ما 
يلقى إليك طن أوامر الله تعالى عليك من حين تستيقظ من منامك إلى وقت رجوعك إلى 


فصل فى آداب الاستيفاظ من النوم 

فإذا استيقظت من النوم فاجتهد أن تستيقظ قبل طلوع الفجرء وليكن أول ما يجرى 
على قلبك ولسانك ذكر الله تعالى» فقل عند ذلك: امد لله الذى أحيانا بعد ما أماتنا 
وإليه النشورء أصبحنا وأصبح الملك للّه» والعظمة والسلطان لله والعزة والقدرة لله رب 
العالمين؛ أصبحنا على فطرة الإسلام» وعلى كلمة الإخلاص» وعلى دين نبينا محمد يله 
وعلى ملة أبينا إبراهيم حنيفًا مسلمًا وما كان من المشركين. اللهم بك أصبحنا وبك أمسينا 
وبك نحيا وبك نموت وإليك النشور. اللهم إنا نسألك أن تبعثنا فى هذا اليوم إلى كل خيرء 
ونعوذ بك أن نجترح فيه سوءًا أو نجره إلى مسلم أو يجره أحد إلينا. نسألك خير هذا اليوم 
وخير ما فيه ونعوذ بك من شر هذا اليوم وشر ما فيه. 

افالخ انك كان عه انال رار اه قال سددر عورتك». بوالحدن إن يكون 
دك من باسك مراءاة الذلى فتغسر. 


با بآداب دخول الخلاء 

فإذا قصدت بيت الخفلاء لقضاء الحاجة فقدم فى الدخول رجلك اليسرى» وفى 
الخروج رجلك اليمنى. ولا تستصحب شيئًا عليه اسم الله تعالى ورسوله» ولا تدخل حاسر 
الرأس ولا حافى القدمين. وقل عند الدخول: باسم الله » أعوذ بالله من الرجس النجس 
الخبيث المخبث الشيطان الرجيم؛ وعند الخروج: غفرانك الحمد للّه الذى أذهب عنى ما 
يؤذينى» وأبقى على مأ ينفعنى . 

وينبغى أن تعد للغسل قبل قضاء الحاجة؛ وأن لا تستنجى بالماء فى موضع قضاء 
الحاجة» وأن تستبرئ من البول بالتنحنح والثشر ثلاناء وبإمرار اليد اليسرى على أسفل 
القضيب. وإن كنت فى الصحراء فابعد عن عيون الناظرين أو استتر بشئ إن وجدتهء ولا 
تكشف عورتك قبل الانتهاء إلى موضع الجلوس» ولا تستقبل الشمس ولا القمرء ولا 


حب مجموعة رسائل الإمام الفزالی تب تا ا ا -ا دح ٣۹‏ = 
تستقبل القبلة ولا تستدبرهاء ولا تجلس فى متحدث الناس» ولا تبل فى الماء الراكد وتحت 
لي ولا فى الجحر. واحذر الأرض الصلبة ومهب الريح احتراًا من الرشاش» 
لقوله ع : «إن عَامّة عَذَابٍ الشَبْرِ منْه. واتكىء فى جلوسك على الرجل اليسرى». ولا 
تبل قائمًا إلا عن ضرورة؛ واجمع فى الاستنجاء بين استعمال الحجر وال اء فإذا اردت 
الاقضماو كن أعدسن) 'نالاة أففيل وان اف هل الج فلك ان كا به 
أحجار طاهرة منشفة للعين» تمسح بها محل النجو بحيث لا تنقل النجاسة عن موضعهاء 
وكذلك تمسح القضيب فى ثلاثة مواضع من حجر» فإن لم يحصل الإنقاء بثلاثة فتمم 
خمسة أو سبعة إلى أن ينقى بالإيتار» فالإيتار مستحب والإنقاء واجب. ولا تستنج إلا باليد 
اليسرى» وقل عند الفراغ من الاستنجاء: اللهم طهر قلبى من النفاق» وحصن فرجى من 
الفواحش . وادلك يدك بعد تمام الاستنجاء بالأرض أو بحائط ثم اغسلها. 


آداب الوضوء 

فإذا فرغت من الاستنجاء فلا تشرك السواك» فإنه مطهرة للفم ومرضاة للرب 
ومخطة للشيطان» ET‏ سواك؛ وروي ع ای هر 
ښالت قال : ل «لولا أن أ أشق علّی اتی لأمرتهم بالسّوآك فی كل صلا 

وعذه يله : أمرت بالسواك حتی حشیت أن بكب علَى». 
ثم اجلس للوضوء مستقبل القبلة على موضع مرتفع كى لا يصيبك الرشاش وقل: 
بسم الله الرحمن الرحيم» رب أعوذ بك من همزات الشياطين» وأعوذ بك رب أن 
يحفرون. ثم اغسل يديك ثلائا قبل أن تدخلهما الإناء وقل: اللهم إنى أسألك اليمن 
والبركة» وأعوذ بك من الشؤم والهلكة. ثم انو رفع الحدث أو استباحة الصلاة؛ ولا ينبغى 
أن تعزب نيتك قبل غسل الوجه فلا يصح وضوءك. ثم خذ غرفة لفيك وتمضمض بها 
ثلانّاء وبالغ فى رد الماء إلى الغلصمةء إلا أن تكون صائمًاء فترفق وقل: اللهم أعنى على 
تلاوة كتابك وكثرة الذكر لك. وثبتنى بالقول الثابت فى الحياة الدنيا وفى الآخرة. ثم خذ 
غرفة لأنفك واستنشق بها ثلاثاء واستنشر ما فى الأنف من الرطوبة» وقل فى الاستنشاق: 
اللهم أرحنى رائحة الجنة وأنت عنى راض؛ وفى الاستتثار: اللهم إنى أعوذ بك من روائح 
النار وسوء الدار. ثم خذ غرفة لوجهك فاغسل بها من مبتدأ تسطيح الجسبهة إلى منتهى ما 
يقبل من الذقن فى الطول. ومن الأذن إلى الأذن فى العرض» وأوصل الماء إلى موضع 
التحذيف» وهو يعتاد النساء تنحية الشعر عنه وهو ما بين رأس الأذن إلى زاوية الجبين» 
أعنى ما بيقع منه فى جبهة الوجه؛ وأوصل الماء إلى منابت الشعور الأربعة: الحاجبين» 


سی ۳۹١‏ ملسم بعس مجموعة رسائل الإمامالفزالى سے 
والشاريينء والأهداب والعذارين؛ وهما ما يوازيان الأذنين من مبتداً اللحية. ويجب إيصال 
الماء إلى منابت الشعر من اللحية الخفيفة دون الكثيفة؛ وقل عند غسل الوجه: اللهم بيضص 
وجهى بنورك يوم تبيض وجوه أوليائك» ولا تسود وجهى بظلماتك يوم تسود وجوه 
أعدائك . ولا تترك تخليل اللحية الكثيفة . 

ثم أغسل يدك اليمنى» ثم اليسرى مع المرفقين إلى أنصاف العضدين» فإن الحلية فى 
الجنة تبلغ مواضع الوضوءء وقل عند غسل اليمنى: اللهم أعطنى كتابى بيمينى وحاسبنى 
حسايًا يسيرا؛ وعند غسل الشمال: اللهم إنى أعوذ بك أن تعطينى كتابى يشمالى أو من 
وراء ظهرى. 7 

ثم استوعب رأسك بالمسح بأن تبل يديك وتلصق رءوس أصابع يديك اليمنى 
ياليسرى» وتضعهما على مقدمة الرأسء» وتمرها إلى القفاء ثم تردهما إلى المقدمةء فهذه 
مرة؛ تفعل ذلك ثلاث مرات؛ وكذلك فى سائر الأعضاء وقل: اللهم غشنى برحمتك» 
وأنزل على من بركاتكء وأظللنى تحت ظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؛ اللهم حرم 
شعرى ويشرى على النار. 

ثم امسح أذنيك ظاهرهما وباطنهما بماء جديدء وأدخل مسبَّحَتيك فى صماخى 
أذنيك» وامسح ظاهر أذنيك ببطن إبهاميك وقل: اللهم اجعلنى من الذين يستمعون القول 
فيتبعون أحسنهء اللهم أسمعنى منادى الجنة فى الجنئة مع الأبرار. 

ثم امسح رقبتك وقل: اللهم فك رقبتى من النارء وأعوذ بك من السلاسل 
والأغلال. 

ثم اغسل رجلك اليمنى ثم اليسرى مع الكعبين» وخلل بخنصصر اليسرى أصابع 
رجلك اليمنى مبتدنًا يخنصرها حتى تختم بخنصر اليسرى» وتدخل الأصايع من أسفل 
وقل: اللهم ثبت قدمى على الصراط المستقيم مع أقدام عبادك الصالحين. وكذلك تقول عند 
غسل اليسرى: اللهم إنى أعوذ بك أن تزل قدمى على الصراط فى النار يوم تزل أقدام 
المنافقين والمشركين . 

وارفع الماء إلى أنصاف الساقين» وراع التكرار ثلانًا فى جميع أفعالك . فإذا فرغت من 
الوضوء فارفع بصرك إلى السماء وقل: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك لهء وأشهد 
أن محمد عبده ورسولهء سبحانك اللهم ويحمدك» أشهد أن لا إله إلا أنت» عملت سوي 
وظلمت نفسىء أستغفرك وأتوب إليك فاغفر لى وتب على إنك أنت التواب الرحيم» 
اللهم اجعلنى من التوايينء واجعلنى من المتطهرين» واجعلنى من عبادك الصالحين. 
واجعلنى صبورً شكوراء واجعلنى أذكرك ذكرا كثيرا وأسبحك بكرة وأصيلا. 


فمن قال هذه الدعوات فى وضوته خرجت خطاياه من جميع أعضائه» وختم على 
وضوئه بخاتم» ورفع له تحت العرشء فلم يزل يسبح الله تعالى ويقدسه ويكتب له ثواب 
ذلك إلى "يوم القيامة . 

واجتنب فى وضوئك سيعا: لا تنفض يديك فترش الماء. ولا تلطم وجهك ولا 
رأسك بالماء لطمًا. ولا تتكلم فى أثناء الوضوء . ولا تزد فى الغسل على ثلاث مرات. ولا 
تكثر صب الماء من غير حاجه لمجرد الوسوسة» فللموسوسين شيطان يلعب بهم يقال له 
الوهان. ولا تتوضاً بالماء المشمس ولا من الأوانى الصفرية فهذه السبعة مكروهة فى 
الوضوء. وفى الخبر أن من ذكر الله عند وضوئه طهر الله جسده كلهء ومن لم يذكر الله لم 
يطهر منه إلا ما أصابه الماء . 


آداب الغسل 

فإذا أصابتك جنابة من احتلام أو وقاعء فخذ الإناء إلى المغتسل واغسل يديك أولة 
ثلانّاء وأزل ما على بدنك من قذرء وتوضأ كما سبق فى وضوئك للصلاة مع جميع 
الدعوات؛ وأخرغسل قدميك كيلا يضيع الماء. فإذا فرغت من الوضوء فصب الماء على 
رأسك ثلانًا وأنت ناو رفع الحدث من الجنابة» ثم على شقك الأيمن ثلاثًا ثم الأيسر ثلاثًا. 
وادلك ما أقبل من بدنك وما أدبر ثلانًا ثلاناء وخلل شعر رأسك ولحيتك» وأوصل الماء إلى 
معاطف اليبدن ومنابت الشعر ما خف مئه وما كثف. واحذر أن تمس ذكرك بعد الوضوءء 
فإن أصابته يدك فأعد الوضوءء والفريضة من جملة ذلك كله النية وإزالة النجاسة واستيعاب 
البدن بالغسل . 

وفرض الوضوء غسل الوجه واليدين مع المرفقين» ومسح بعض المرفقين» ومسح 
بعض الرأس. وغسل الرجلين إلى الكعبين مرة مرة مع النية والترتيب» وما عداها سنن 
مؤكدة فضلها كثير وثوابها جزيل» والمتهاون بها خاسر بل هو بأصل فرائضه مخاطرء فإن 
اخوافل جوابر للفرائض . 


آداب التيمم 
فإن عجزت عن استعمال الاء لفقده بعد الطلب» أو لعذر من مرض» أو لانع من 
انوصول إليه من سبع أو حبسء أو كان الماء الحاضر تحتاج إليه لعطشك أو لعطش رفيقك» 
أو كان ملكا لغيرك ولم يبع إلا بأكثر من ثمن المثل» أو كانت بك جراحة أو مرض تخاف 
منه على نفسك» فاصبر حتى يدخل وقت الفريضة ثم اقصد صعيدا طيبًا عليه تراب خالص 


کک ۳۹۸ سسجت مجموعة رسائل الإمام الفزالى ب 
طاهر لين» فاضرب عليه بكفيك ضامًا بين أصابعك» وانو استباحة فرض الصلاة وامسح 
بهما وجهك كله مرة واحدةء ولا تتكلف إيصال الغبار إلى منابت الشعر خف أو كثفاء ثم 
انزع خاتمقك واضرب ضربة ثانية مفرقًا بين أصابعك» وامسح بهما يديك مع مرفقيك فإن 
لم تستوعبهما فاضرب ضربة أخترى إلى أن تستوعبهماء ثم امسح إحدى كفيك بالأخرى» 
وامسح ما بين أصابعك بالتخليل» وصل به فرضًا واحدًا وما شئت من النوافل» فإن أردت 
فرضا ثانا فاستأئف له تيممًا آخر. 


آداب الخروج إلى المسجد 

فإذا فرغت من طهارتك فصل فى بيتك ركعتى الصبح إن كان الفجر قد طلعء 
كذلك كان يفعل رسول الله عله . ثم توجه إلى المسجدء ولا تدع صلاة فى الجماعة لاسيما 
الصبح› فصلاة الجماعة تفضل على صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة. فإن كنت تتساهل 
فى مثل هذا الربح فأى فائدة لك فى طلب العلم؟ وإنما ثمرة العلم العمل به» فإذا سعيت 
إلى المسججد فامش على هينة وتؤدة وسكينة» ولا تعجل؛ وقل فى طريقك: اللهم إنى 
أسألك بحق السائلين عليك» وبحق الراغبين إليك» وبحق عشاى هذا إلبك» فإنى لم 
أخرج أشراً ولا بطر ولا رياء ولا سمعة» بل خرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك» 
فأسألك أن تنقذنى من النارء وأن تغفر لى ذنوبى» فإنه لا يغقّر الذنوب إلا أنت. 


آداب دخول المسجد 

فإذا أردت الدخول إلى المسجد فقدم رجلك اليمنى وقل: اللهم صل على محمد 
وعلى آل محمد وصحبه وسلم» اللهم اغفر لى ذنوبى وافتح لى أبواب رحمتك. 

ومهما رأيت فى المسجد من يبيع أو يبتاع فقل: لا أربح الله تجارتك! وإذا رأيت فيه 
من ينشد ضالة فقل: لا رد الله عليك ضالتك! كذلك أمر رسول الله يبه . 

فإذا دخلت المسجد فلا تجلس حتى تصلى ركعتى التحية» فإن لم تكن على طهارة أو 
لم ترد فعلها كفتك الباقيات الصالحات ثلانّاء وقيل أربعاء وقيل ثلانًا للمحدث» وواحد 
للمتوضئ. فإن لم تكن صليت فى بيتك ركعتى الفجر فيجزئك أداؤهما عن التحية؛ فإذا 
فرغت من الركعتين فانو الاعتكاف وادع بما دعا به رسول الله عله بعد ركعتى الفجر فقل: 
«اللهم إنى أسألك رحمة من عندك تهدى بها قلبى» وتجمع بها شملى» وتلم بها شعثى؛ 
وترد بها ألفتى» وتصلح بها دينى» وتحفظ بها غائبى» وترفع بها شاهدى. وتزكى بها 
عملى» وتبيض بها وجهى» وتلهمنى بها رشدى» وتقضى بها حاجتى؛ وتعصمنى بها من 


س مجموعة رسائل الإمام الفزالی سبحت 119 = 
كل سوء اللهم إنى اسألك إهانًا خالصا دائمًا يباشر قلبى» وأسألك يقيئًا صادقًا حتى أعلم 
آنه لم يصيبنى إلا ما كتبته على» ورضنى با قسمته لى. النهم إنى أسألك إيمانًا صادقًا 
ويقيئًا ليس بعده كفرء وأسألك رحمة أنال بها شرف كرامتك فى الدنيا والآخرة. اللهم إنى 
أسألك الفوز عند اللقاء» والصبر عند القضاء» ومنازل الشهداء وعيش السعداءء والتصر 
على الأعداء» ومرافقة الأنبياء. اللهم إنى أنزل بك حاجتى وإن ضعف رأيى وقصر عملى 
وافتقرت إلى رحمتك فأسألك يا قاضى الأمور ويا شافى الصدور كما تجير بين البحور أن 
تجيرنى من عذاب السعير» ومن فتنة القبور» ومن دعوة الثبور. اللهم ما قصر عنه رأبى 
وضعفى عنه عملى ولم تبلغه نيتى وأمنيتى من خير وعدته أحدًا من عبادكء. أو خير أنت 
معطيه أحدًا من خلقكء فإنى أرغب إليك فيهء وأسألك إياه يارب العالمين. اللهم اجعلنا 
ماو می فر او و ا ا ا و کی ك 
الناس ونعادى بعداوتك من خالفك من خلقك. اللهم هذا الدعاء وعليك الإجابة» وهذا 
الجهد وعليك التكلان. وإنا لله وإنا إليه راجعون» ولاحول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. 
اللهم ذا الحبل الشديد والأمر الرشيد. أسألك الأمن يوم الوعيدء والجنة يوم الخلود مع 
المقربين الشهودء الركع السجودء الموفين لك بالعهود. إنك رحيم ودود» وأنت تفعل ما 
تريد» سبحان من اتصف بالعز وقال به! سبحان من لبس المجد وتكرم به! سبحان من لا 
يبغى التسبيح إلا له! سبحان ذى الفضل والنعم! سبحان ذى الجود والكرم! سبحان الذى 
أحصى كل شىء بعلمه! اللهم اجعل لى نورا فى قلبى» ونورا فى قبرىء ونورا فی 
سمعىء ونور فى بصرىء» ونورا فی شعری» ونورا فی بشری» ونورا فی لحمی» ونورا فی 
دمی» ونورا فی عظامی» ونورا من بین یدی» ونورا من خلفی» ونورا عن شمالی» ونورا 
من فوقى» ونورا من تحتى . اللهم زدنى نورا وأعطنى نورا أعظم نور» واجعل لى نورا 
برحمتك ياأرحم الراحمين». 

فإذا فترغت من الدعاء فلا تشتغل إلى وقت الفرض إلا بذكر أو تسبيح أو قراءة 
قرآن» فإذا سمعت الأذان فى أثناء ذلك فاقطع ما أنت فيه واشتغل بجواب المؤذن» فإذا قال 
المؤذن: الله أكبر الله أكبر»ء فقل مثل ذلك». وكذلك فى كل كلمة إلا فى الحيعلتين فقل 
نيهما: لا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. فإذا قال: الصلاة خير من النوم» فقل: 
صدقت وبررت وأنا على ذلك من الشاهدين. فإذا سمعت الإقامة فقل مثل ما يقول إلا فى 
قوله: قد قامت الصلاة» فقل: أقامها الله وأدامها ما دامت السموات والأرض. فإذا فرغت 
من جواب المؤذن فقل : اللهم إنى أسألك عند حضور صلاتك» وأصوات دعاتك» وإدبار 
ايلك» وإقال تهارك» أن تؤتى محمد الوسيلة والفضيلة والدرجة الرفيعة» وابعته المقام 


کے ..) شححح مجموعة رسائلالإمام الفزالی سد 
المحمود الذى وعدتهء إنك لا تخلف الميعاد ياأرحم الراحمين فإذا سمعت الأذان وأنت فى 
الصلاة فتمم الصلاة ثم تدارك الجواب بعد السلام على وجههء فإذا أحرم الإمام بالفرض 
فلا تشتغل إلا بالاقتداء به »وصل الفرض كما سيتلى عليك فى كيفية الصلاة وآدابها. 

فإذا فرغت فقل: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد وسلم؛ اللهم أنت السلام 
ومنك السلام وإِلَيّك يعود السلام» فحينا ربنا بالسلامء وأدخلنا الجنة دار السلام» تباركت يا 
ذا الجلال والإكرام» سبحان ربى العلى الأعلى» لا إله إلا اللّه وحده لاشريك لهء له الملك 
وله الحمد. يحيى ويميت وهو حى لا يموت بيده الخير وهو على كل شىء قديرء لا إله إلا 
الله أهل النعمة والفضل والثناء الحسنء لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه مخلصين له الدين 
ولو كره الكافرون. 

ثم ادع بعد ذلك بالجوامع الكوامل ما علمه رسول الله عله عائشة به فقل : 
«اللهم إنى أسألك من الخير كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم» وأعوذ بك من 
الشر كله عاجله وآجله ما علمت منه وما لم أعلم» وأسألك الجنة وما يقرب إليها من قول 
وعمل ونية واعتقادء وأعوذ بك من النار وما يقرب إليها من قول وعمل ونية واعتقاد» 
وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك محمد يله وأعوذ يك من شر ما استعاذك 
منه عبدك ورسولك محمد عله اللهم وما قضيت على من أمر فاجعل عاقبته رشدا». 

ثم ادع بما أوصى به رسول الله يله فاطمة نلغه: فقل: «يا حى يا قيوم يا ذا 
الجلال والإكرام» لا إله إلا أنت» برحمتك أستغيث ومن عذابك أستجير. لا تكلنى إلى 
نفسى ولا إلى أحد من خلقك طرفة عين» وأصلح لى شأنى كله با أصلحت به 
الصالحين» . 

ثم قل ما قاله عيسى» على نبينا وعليه الصلاة والسلام: «اللهم إنى أصبحت لا 
أستطيع دفع ما أكرهء ولا أملك نفع ما أرجوء وأصبح الأمر بيدك لا بيد غيرك» وأصبحت 
مرتهتا بعلمى؛ فلا فقير أفقر منى إليك» ولا غنى أغنى منك عنى . اللهم لا تشمت بى 
عدوی» ولا تسؤ بى صديقى» ولا تجعل مصيبتى فی دینی» ولا تجعل الدنیا آکبر همی ولا 
مبلغ علمى» ولا تسلط على بذنبى من لا يرحمنى». 

ثم ادع بما بدا لك من الدعوات المشهورات» واحفظها مما أوردناه فى كتاب الدعوات 
من كتاب إحياء علوم الدين. 

ولتكن أوقاتك بعد الصلاة إلى طلوع الشمس موزعة على أربع وظائف: وظيفة فى 
الدعوات» ووظيفة فى الأذكار والتسبيحات. وتكررها فى سبحةء ووظيفة فى قراءة القرآن» 
ووظيفة فى التفكر؛ فتفكر فى ذنوبك وخطاياك» وتقصيرك فى عبادة مولاك» وتعرضك 


ی بجموعةسائل الإمامالفزالى ‏ سس سس سسحت ۱١‏ = 
لعقابه الأليم وسخطه العظيم » وترتب أوقاتك يتدبيرك أورادك فى جميع يومك» لتتدارك به 
ما فرطت من تقصيركء وتحترز من التعرض لس خط الله تعالى الأليم فى يومك» وتنوی 
الخير لجصيع المسلمين» وتعزم أن لا تشتغل فى جميع نهارك إلا بطاعة الله تعالى» وتفصل 
فى قلبك الطاعات التى تقدر عليهاء وتختار أفضلهاء وتتأمل تهيئة أسبابها لتشغل بهاء ولا 
تدع عنك التفكر عقى قرب الأجل» وحلول الموت القاطع للأمل؛ وخروج الأمر عن 
الاختيار» وحصول الحسرة والندامة بطول الاغترار. 

وليكن من تسبيحاتك وأذكارك عشر كلمات: إحداهن لا إله إلا الله وحده لا شريك 
لهء له الملك وله الحمدء يحيى ويميت وهو حى لا يموت» بيده الخير وهو على كل شىء 
قدير . الثانية : لا إله إلا الله الملك الحى المبين . الثالثة: لا إله إلا الله الواحد القهار» رب 
لسموات والأرض وما بينهماء العزيز الغفار. الرابعة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا 
الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم. الخامسة: سبوح قدوس رب الملائكة 
والروح . السادسة: سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم. السابعة: أستغفر الله العظيم 
الذى لا إله إلا هو الحى القيوم وأسأله التوبة والمغفرة. الثامنة: اللهم لا مانع لما أعطيت ولا 
معطى لا منعت ولا راد لما قضيت ولا ينفع ذا الجد منك الجد. التاسعة: اللهم صل على 
محمد وعلى آل محمد وصحبه وسلم. العاشرة: بسم الله الذى لا يضر مع اسمه شىء فى 
الأرض ولا فى السماء وهو السميع العليم . تكرر كل واحدة من هذه الكلمات إما مائة 
مرة» أو سبعين مرة» أو عشر مرات وهو أقله. ليكون الجموع مائة . 

ولازم هذه الأذكار ولا تتكلم قبل طلوع الشمس» ففى الخبر أن ذلك أفضل من 
إعتاق ثمان رقاب من ولد إسماعيل على تبينا وعليه الصلاة والسلام؛ أعنى الاشتغال بالذكر 
إلى طلوع الشمس من غير أن يتخلله كلام. 


آداب ما بين طلوع الشمس إلى الزوال 

فإذا طلعت الشمس وارتفعت قدر رمح فصل ركعتين» وذلك عند زوال وقت 
الكراهة للصلاةء فإنها مكروهة من بعد فريضة الصبح إلى ارتفاع الشمس . فإذا أضحى 
النهار ومضى منه قريب من ربعه» sS‏ أو ثمانيًا مثنى. فقد 
نقلت هذه الأعداد كلها عن رسول الله عله . 

والصلاة خير كلهاء فمن شاء فليستكثر ومن شاء فليست قلل» فليس بين طلوع 
الشمس والزوال راتبة من الصلاة إلا هذه؛ فما فضل عنها من أوقاتك فلك فيه أربع 
حالاات: 


جد 8 غ) uuu‏ مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


الحالة الأولى: وهى الأفضلء أن تصرفه فى طلب العلم النافع فى الدين دون 
الفضول الذى أكب الناس عليه وسموه علمًا. والعلم النافع هو ما يزيد فى خخوفك من الله 
تعالى» ويزيد فى بصيرتك بعيوب نفسك. ويزيد فى معرفتك بعبادة ربك» ويقلل من 
رغبتك فى الدنياء ويزيد فى رغبتك فى الآخرة. ويفتح بصيرتك بآفات أعمالك حتى تحترز 
منهاء ويطلعكهحلى مكايد الشيطان وغروره: وكيفية تلبيسه على علماء السوء حتى 
عرضهم لقت الله تعالى وسخطه» حيث اشتروا الدنيا بالدين» واتخذوا العلم ذريعة ووسيلة 
إلى أخذ أموال السلاطين وأكل أموال الأوقاف واليتامى والمساكين. وصرف همتهم طول 
نهارهم إلى طلب الجاه والمنزلة فى قلوب الخلق» واضطرهم ذلك المراءاة والمماراة» والمناقشة 
فى الكلام والمباهاة. وهذا الفن من العلم النافع قد جمعناه فى كتاب إحياء علوم الدين» 
فإن كنت من أهله فحصله واعمل بهء ثم علمه وادع إليه؛ فمن علم ذلك وعمل به ثم 
علمه ودعا إليهء» فذلك يدعى عظيمًا فى ملكوت السموات بشهادة عيسى عليه السلام . 

فإذا فرغت من ذلك كلهء وفرغت من إصلاح نفسك ظاهرً وياطنّاء وفضل شىء 
من أوقاتك» فلا بأس أن تشتغل بعلم المذهب فى الفقه لتعرف به الفروع النادرة فى 
العبادات» وطريق التوسط بين الخلق فى الخصومات عند انكبابهم على الشهرات» فذلك 
أيضًا بعد الفراغ من هذه المهمات من جملة فروض الكفايات. فإن دعتك نفسك إلى ترك ما 
ذكرناه من الأوراد والأذكار استئقالاً لذلك» فاعلم أن الشيطان اللعين قد دس فى قلبك 
الداء الدفين؛ وهو حب الال والجاه. فإياك أن تغتر به فقتكون ضحكة له فيهلكك ثم يسخر 
منك. فإن جبرت نفسك مدة فى الأوراد والعبارات فكنت لا تستثقلها كسلا عنهاء لكن 
ظهرت رغبتك فى تحصيل العلم النافع ولم ترد به إلا وجه الله تعالى والدار الآخرة» فذلك 
أفضل من نوافل العبادات مهما صحت النية؛ ولكن الشأن فى صحة النية» فإن لم تصح 
فهو معدن غرور الجهال ومزلة أقدام الرجال. 

الحالة الشانية: أن لا تقدر على تحصيل العلم النافع فى الدين؛ لكن تشتغل بوظائف 
العبادات .من الذكر والتسبيح والقراءة والصلاةء فذلك من درجات العابدين وسير 
الصالحين. وتكون أيضًا بذلك من الفائزين. 

الحالة الثالثة: أن تشتغل بما يصل منه خير إلى المسلمين» ويدخل به سرور على قلوب 
المؤمنين» أو يتيسر به الأعمال الصالحة للصالحين. كخدمة الفقهاء والصوفية وأهل الدين› 
والتردد فى أشغالهم والسعى فى إطعام الفقراء والمساكين» والتردد مثلاً على المرضى بالعيادة 
وعلى الجنائز بالتشييع؛ فكل ذلك أفضل من النوافلء فإن هذه عبادات وفيها رفق 


:ص مجموعة رسائل الإمامالفزالی سبحت 37 ] 

الحالة الرابعة: إن لم تقو على ذلك فاشتغل بحاجاتك اكتسابًا على نفسك أو على 
عيالك. وقد سلم منك المسلمون وأمنوا من لسانك ويدكء وسلم لك دينك إذا لم ترتكب 
معصيةء فتنال بذلك درجة أصحاب اليمين إن لم تكن من أهل الترقى إلى مقامات 
أن ل والعياة الله ما هده دنك آر ني عدا من عاد اه تال فيسل ارده 
الهالكين؛ فإياك أن تكون فى هذه الطبقة . 

واعلم أن العبد فى حق دينه على ثلاث درجات: إما سالم» وهو المقتصر على أداء 
على اللوازمء فإن لم تقدر أن تكون رابحا فاجتهد أن تكون سائاء وإياك ثم إياك أن تكون 
خخاسراً . 


والعبد فى حق سائر العباد له ثلاث درجات: الأولى: أن ينزل فى حقهم منزلة 
الكرام البررة من الملائكة» وهو أن يسعى فى أغراضهم رفتًا بهم وإدخالاً للسرور على 
قلوبهم. الثانية: أن ينزل فى حقهم منزلة البهائم والجمادات» فلا ينالهم خيره ولكن يكف 
عنهم شره. الثالثة: أن ينزل فى حقهم منزلة العقارب والحيات والسياع الضاريات» لا 
يرجى خيره ولا يتقى شره. فإن لم تقدر على أن تلتحق بأفق الملائكة فاحذّر أن تنزل عن 
درجة اللهائم والجمادات إلى مراتب العقارب والحيات والسباع الضاريات» فإن رضيت 
لنفسك النزول من أعلى عليين فلا ترض لها بالهوى إلى أسفل سافلينء فلعلك تنجو كفاقًا 
لا لك ولاعليك. فعليك فى بياض نهارك أن لا تشتغل إلا بما ينفعك فى معادك أو معاشك 
الذى لا تستغنى عنه وعن الاستعانة به على معادك فإن عجزت عن القيام يحق دينك مع 
مخالطة الناس وكنت لا تسلمء فالعزلة أولى لك فعليك بها ففيها النجاة والسلامة. فإن 
كانت الوساوس فى العزلة تجاذبك إلى ما لا يرضى الله تعالى ولم تقدر على قمعها 
بوظائف العيادات» فعليك بالنوم فهو أحسن أحوالك وأحوالناء إذا عجزنا عن الغتيمة 
رضينا بالسلامة فى الهزيمة. فأخس بحال من سلامة دينه فى تعطيل حياته» إذ النوم أخو 
الموت» وهو تعطيل الحياة والتحاق بالجمادات. 


آداب الاستعداد لسائرالصلوات 
ينبغى أن تستعد لصلاة الظهر قبل الزوال» فتقدم القيلولة إن كان لك قيام فى الليل 
أو سهر فى الخير» فإن فيها معونة على قيام الليل» كما أن فى السحور معونة على صيام 
النهارء والقيلولة من غير قيام الليل كالسحور من غير صيام بالنهار. واجتهد أن تستيقظ قبل 


حبجت ڪڪ مجموعة رسائل الإمامالفزالى کے 


الزوال» وتتوضأًء وتمضر المسجدء وتصلى تحية المسجدء وتنتظر المؤذن فتجيبه» ثم e‏ 
فتصلى أربع راي عقب الزوال؛ كان رسول الله َل يطولهن ويقول: «هذا وقْت نفتح 
فيه واب السّمَاء» أحب أن يرقم لى فيه عَم مالع وهذه الأربع قبل الظهر سنة مؤكدة» 

ففى الخبر أن من صلاهن فأحسن ركوعهن وسجودهن صلى معه سبعون ألف ملك 
يستغفرون له إلى الليل. ثم تصاى الفرض مع الإمام» ثم تصلى بعد الفرض ركعتين» فهما 
من الرواتب الثابتة . 

ولا تشتغل إلى العصر إلا بتعليم علم» أو إعانة مسلمء أو قراءة قرآن» أو سعى فى 
معاش تستعين به على دينك . ثم تصلى أربع ركعات قبل العصر» فهى سنة مؤكدة. فقد قال 
رسول الله عله : الرحم الله امرأ صلى أربعا قبل العصر». فاجتهد أن ينالك دعاؤه عَللَه , 
ولا تشتغل بعد العصر إلا بمثل ما سبق قبله. 

ولا ينبغى أن تكون أوقاتك مهملة فتشتغل فى كل وقت با اتفق كيف اتفق» بل 
ينبغى أن تحاسب نفسك» وترتب أورادك فى ليلك ونهارك» وتعين لكل وقت شغلا لاتتعداه 
ا اكد را لد للق ر رى اقات أقاما )ذا تركع تيلف سقف ميلد اهمال 
البهائم لا تدرى بماذا تشتغل فى كل وقتء. فينقضى أكثر أوقاتك ضائعًاء وأوقاتك 
عمركء. وعمرك رأس مالك. وتمليه تجارتك. ويه وصولك إلى نعيم دار الأبد فى جوار الله 
تعالى» فكل نفس من أنفاسك جوهرة لا قيمة لهاء إذ لا بدل له فإذا فات فلا عود له. 
فلا تكن كالحمقى المغرورين الذين يفرحون كل يوم بزيادة أموالهم مع نقصان أعمارهم. 
فأى خير فى مال يزيد وعمر ينقص . ولاتفرح إلا بزيادة علم أو عمل صالحء فإنهما 
رفيقاك يصحبانك فى القبر حيث يتخلف عنك أهلك ومالك وولدك وأصدقاؤك. 

ثم إذا اصفرت الشمس فاجتهد أن تعود إلى المسجد قبل الغروب» واشتغل بالتسبيح 
والاستغفارء فإن فضل هذا الوقت كفضل ما قبل الطلوع؛ قال الله تعالى: «وسبح بحمد 
رَبك قبل طلوع الشّمس وقبَل غرويها ) لطه : .61١‏ 

واقرأ قبل غروب الشمس «والشمس وضحاها» «والليل إذا يغشى» «والمعوذتين» 
ولتغرب عليك الشمس وأنت فى الاستغفارء فإذا سمعت الأذان فأجبه وقل بعده: اللهم 
إنى أسألك عند إقبال ليلك وإدبار نهارك» وحضور صلاتك وأصوات دعاتكء» أن تؤتى 
محمد الوسيلة والفضيلة والشرف والدرجة الرفيعةء وابعثه المقام المحمود الذى وعدته إنك 
لا تخلف الميعاد. والدعاء كما سبق . 

ثم صل الفرض بعد جواب المؤذن والإقامة» وصل بعسده ركعتين قبل أن تتكلم فهما 
راتبتا المغرب» وإن صليت بعدهما أربعًا فهى أيضًا سنةء وإن أمكنك أن تنوى الاعتكاف 


چڪ مجموعة رسائل الإمامالغرالى جمس ud‏ ییک 0 .] = 


وهى ناشكة ة الليل لأنها أول e‏ وهى صلاة الأوابين ‏ وسل رسول ت عن رل 


تعالى :لل تتجافئ جتوبهم عن المضاجع م [السجدة: د ققَال: «هى الصلاة مابَينَ 
العشّاءيْن إنها تذهب بملاغى و ل الثهار وتهذبآ خر - والملاغى جمع ملغاة وهى من 
اللغو. 

فإذا دخل وقت العشاء قصل أريع ركعات قيل الفرض إحياء لا بين الأذانين» ففضل 
ذلك كثير. وفى الخبر أن الدعاء بين الأذانين والإقامة لايرد. 

ثم صل الفرد وصل الراتبة ركعتين» واقرأ فيهما سورة «الم السجنة» و *تبارك 
الملك» أو سورة «يس» و«الدحان». فذلك مأثور عن رسول الله ع . وصل يعدهما أريع 
رکعات» ففى رايا اله عا تايح لقاو ثم صل الوتر بعدها ثلانًا بتسليمتين أو 
بتسليمة واحذة؛ وكان رسول الله َيِه يقرأ فيها سورة سبح اسم ربك الأعلى» وقل يا أيها 
الكاقرون» والإخلاصء ولمعوذتين. فإن كتت عازما على قيام الليل قأخر الوتر ليكون آخر 
صلاتك بالليل وتراً ‏ ثم اشتغل يعد ذلك بمذاكرة علم أو مطالعة كتابء ولا تشتغل ياللهو 
واللعب فيكون ذلك خاتمة أعمالك قبل نومك» فإنما الأعمال بخواتيمها. 


آدابالنوم 

فإذا أردت التوم فابسط فراشك مت قبل القبلة ونم على يمينك كما يضجع الميت فى 
لحده. واعلم أن النوم مثل الموتء واليقظة مثل البعث ‏ ولعل الله تعالى يقيض روحك فى 
ليلتك. فكن مستعنا للقائه بأن تنام على طهارة» وتكون وصيتك مكتوية تحت رأسك» وتنام 
تائبًا من الذنوب مستغقراء عازمًا على أن لا تعود إلى معصية. واعزم على الخير لجميع 
المسلمين إن بعثك الله تعالى؛ وتذكر أنك ستضجع فى اللحد كذلك وحيدًا فريداء ليس 
معك إلا عملك» ولا تجزى إلا بسعيك. 

ولا تستجلب النوم تكلقًا بتمهيد الفرش الوطيئةء فإن التوم تعطيل للحياة» إلا إذا 
كانت يقظتك وبالاً عليك. فنومك سلامة لدينك. واعلم أن الليل والتهار أربع وعشرون 
ساعة» فلا يكن نومك بالليل والنهار أكثر من ثمان ساعات» فيكفيك إن عشت مثلاً ستين 
سنة أن تضيع منها عشرين سنةء وهو ثلث عمرك. 

وأعد عند النوم سواكك وطهورك ‏ واعزم على قيام الليل أو على القيام قيل الصبحء 
فركعتان فى جوف الليل كنز من كنوز البر» فاستكثر من كتوزك ليوم فقركء فلن تغنى عنك 
كنوز الدنيا إذا مت 


يصب . غ؛ umn‏ مجووعةرسائل الإمام الفزالى س 

وقل عند نومك: باسمك ربى وضعت جنيى» وباسمك أرفعهء قاغفر لى ذنبى 
اللهم قنى عذابك يوم تبعث عبادك. اللهم باسمك أحيا وأموت» وأعوذ بك اللهم من شر 
كل ذى شرء ومن شر كل دابة أنت آخذ بناصيتهاء إن ربى على صراط مستقيم . اللهم أنت 
الأول فليس قبلك شئ» وأنت الآخر فليس بعدك شىء» وأنت اا شی“ 
وأنت الباطن فليس دونك شئ» اقض عنى الدين واغننى من الفقّر. اللهم أنت خلقت 
نفسى وأنت تتوفاهاء لك مماتها ومحياهاء إن أمتها فاغفر لها وإن أحييتها فاحفظها بما تحفظ 
به عبادك الصالحين. اللهم إنى أسألك العفو والعافية فى الدين والدنيا والآخرة. اللهم 
أيفظنى فى أحب الساعات إليك» واستعملنى بأحب الأعمال إليك؛ حتى تقربنى إليك 
زافى» وتبعدنى عن سخطك» بعد أن أسألك فتعطينى» وأستغفرك فتغفر لى. وأدعوك 

لافج ا کی و اس ار سو ا فان إن اعبس الو 
والإخلاصء والمعوذتين» وتبارك الملك. وليأخذك النوم وأنت على ذكر الله تعالى وعلى 
الطهارة فمن فعل ذلك عرج بروحه إلى العرش وكتب مصليًا إلى أن يستيقظ . فإذا 
استيقظت فارجع إلى ما عرفتك أولاًء وداوم على هذا الترتيب بقية عمرك. فإن شقّت 
عايك المداومة فاصبر صبر المريض على مرارة الدواء انتظارًا للشفاء» وتفكر فى قصر 
عمرك؛ وإن عشت مثلاً مائة سنة فهى قليلة بالإضافة إلى مقامك فى الدار الآخرة وهى أبد 
الأباد. وتأمل أنك تتحمل المشقة والذل فى طلب الدنيا شهر أو سنة رجاء أن تستريح بها 
عشرين سنة مثلاًء فكيف لا تتحمل ذلك أيامًا قلائل رجاء الاستراحة أبد الآباد؟ ولا تطول 
أملك فيثقل عليك عملك. وقدر قرب الموت وقل فى نفسك: إن أتحمل المشقة اليوم فلعلى 
أمرت الشيلة» وأصبر الليلة فلعلى أموت غدا؛ فإن الموت لايهجم فى وقت مخصوص 
و.حال مخصوص وسن مخصوصء فلا بد من هجومه. فالاستعداد له أولى من الاستعداد 
للدنياء وأنت تعلم أنك لاتبقى فيها إلا مدة يسيرة» ولعله لم يبق من أجلك إلا يوم واحد 
أو تمس واحد؛ فقدّر هذا فى قلباك كل يوم» وكلف نفسك الصبر على طاعة الله يوم 
فيوماء فإنك لو قدرت البقاء خمسين سنة وألزمتها الصبر على طاعة الله تعالى نفرت 
وتميف ملف ا ت ولت ا ج مف الوت ورا ل اشر لهم وان س فا 
وتساهلت جاءك الموت فى وقت لا تحتسيه وتحسرت تحسرا لا آخر له» و «عند الصباح 
يحمد القوم السرى» وعند الموت يأتيك الخبر اليقين :9 ولتعلمن نبأ بعد حين » 1ص : 00 

وإذا أرشدناك إلى ترتيب الأورادء فلنذكر لك كيفية الصلاة والصوم وآدابهماء وآداب 
الإمامة والقدوة والجمعة. 


س بممجموعةرسانل الإماهالقزالى ‏ حبس بس سس ییک 73 .ع 


آداب الصلاة 

٠فإذا‏ فرغت من طهارة الخبثء وطهارة الحدث فى البدن والثياب والمكانء» ومن ستر 
العورة من السرة إلى الركبة» فاستقيل القبلة قائمّاء مزاوجًا بين قدميك بحيث لا تضمهماء 
واستو قائمًا. ثم اقرأ «و قل أعوذ برب الئاس #» تحصنًا بها من الشيطان الرجيم؛ وأحضر 
قلبك ما أنت فبه» وفرغه من الوسواس» وانظر بين يدى من تقوم ومن تناجى» واستح أن 
تناجى مولاك بقلب غافل وصدر مشحون بوساوس الدنيا وخبائث الشهوات. واعلم أنه 
تعالى مطلع على سريرتكء وناظر إلى قلبك» فإغا يتقبل الله من صلاتك بقدر خشوعك 
وتخضوعك وتواضعك وتضرعك . 

واعبده فى صلاتك كأنك تراه فإن لم تكن تراء فإنه يراك .فإن لم يحضر قلبك ولم 
تسكن جوارحك فهذا لققصور معرفتك بجلال الله تعالی ؛ فقدر أن رجلا ا د 
أهل بيتك ينظر إليك ليعلم كيف صلاتك» فعند ذلك يحضر قلبك وتسكن جوارحك» ثم 
ارجع إلى نفسك وقل: يانفس السوء! ألا تستحين من خالقك ومولاكء, إذا قدرت اطلاع 
عبد ذليل من عباده عليك وليس بيده ضرك ولا نفعك خشعت جوارحك وحسنت 
صلاتك» ثم إنك تعلمين أنه مطلع عليك ولا تخشعين لعظمته! أهو تعالى عندك أقل من 
عبد من عباده؟ فما أشد طغيانك وجهلك› وما أعظم عداوتك لنفسك! 

فعالج قلبك بهذه الحيل» فعساه أن يحضر معك فى صلاتك؛ فإنه ليس من صلاتك 
إلا ما عقلت منهاء وأما ما أتيت به مع الغفلة والسهو فهو إلى الاستغفار والتفكير أحوج. 

فإذا حضر قلبك فلا تترك الإقامة وإن كنت وحدكء وإن انتظرت حضور جماعة 
فأذن ثم أقمء فإذا أقمت فانو وقل فى قلبك: أؤدى فرض الظهر لله تعالى؛ وليكن ذلك 
حاضرا فى قلبك عند تكبيرك. ولا تغرب عنك النية قبل الفراغ من التكبير» وارفع يديك 
عند التكبير بعد إرسالهما أولاً إلى حذو منكبيك» وهما ميسوطتان وأصابعهما منشورةء ولا 
تتكلف ضمهما ولا تفريجهما بحيث تحاذى بإبهاميك شحمتى أذنيك» وبرءوس أصابعك 
أعلى أذنيك» وبكفيك منكبيك . فإذا استقرتا فى مقرهما فكبر ثم أرسلهما برفق. ولا تدفع 
يديك عند الرفع والإرسال إلى قدام دفعاء ولا إلى خلف رفمًّاءولا تنفضهما بيئًا 
ولاشمالاً. فإذا أرسلتهما فاستآنف رفعهما إلى صدرك» وأكرم اليمنى بوضعها على 
البمرى + وانشير أصابع اليمنى على طول ذراعك اليسرىء واقبض بها على كوعها؛ وقل 
بعد اكور «الله أكبر كبيراء والحمد لله كثيرًا وسيحان الله بكرة وأصيلا' ثم اقرأ: 
« وجهت وجهي للُذي فطر السّموات والأرض حنيفا وما أنا من المشر كين ) (الانعام: . 


م4 لسسع سسسست مبجووعة رسائل الإمام الفزالى سد 
إن صلاتي ونسكي ومحياي وهماتي لله رب العالمين » [الأتعام: 2.5157 ١لا‏ شريك له 
ويدلك أمرت وأنا من المسلمين» ‏ ثم قل: «أع_وذ بالله من الشيطان الرجيم» ثم اقرأ الفاتحة 
بتشديناتهاء واجتهد فى الفرق بين الضاد والظاء فى قراءتك فى الصلاةء وقل آمين ولا 
تعسله بقوله «ولا الضالين» وصلةا . 

واجهر بالقراءة فى الصبح والمغرب والعشاءء أعنى فى الركعتين الأوليينء» إلا أن 
تكرن مأموماء واجهر بالتأمين. واقرأ فى الصبح بعد الفاتحة من السور الطوال من المفصل»ء 
وفى المغرب من قصاره وفقى الظهر والعصر والعشاء من أواسطهء نحو: «والسماء ذات 
البروج» وما قاريها من السورء وفى الصيح قى السفر «قل يا أيها الكافرون» و «قل هو الله 
أحدة. ولا تصل آآخر السورة بتكبيرة الركوع» ولكن افصل بيتهما بمقدار سبحان الله . 

وكن فى جميع قيامك مطرقًا قاصراً نظرك على مصلاكء فذلك أجمع لهمك وأجدر 
لحفسور قليك؛ وإياك أن تلتفت يمينا وشمالاً فى صلاتك ‏ 

ثم كبر للركوع وارقع يديك كما سيقء ومد التكيير إلى اتتهاء الركوع» ثم ضع 
را-حتيك إلى ركبتيك وأصايعك متشورة» واتصب ركبتيك» ومد ظهورك وعنقك ورأسك 
م.تويًا كالصفيحة الواحدة» وجاف مرفقيك عن جنبيك؛ والمرأة لا تفعل ذلكء بل تضم 
بعنسها إلى يعض؛ وقل «سبحان ربى العظيم» ثلاثاء وإن كنت متفردا فالزيادة إلى السبع 
والعشر حسن. ثم ارفع رأسك حتى تعتدل قائتمّاء وارفع يديك قائلاً: «سمع الله لمن 
حمده؛ فإذا استويت قائما فقل: «ريتا لك الحمد ملء السموات وملء الأرض وملء ما 
شدت من شىء بعد# ‏ 

وإن كنت فى فريضة الصيح قاقرأ القنوت فى الركعة الثانية فى اعتدالك من الركوعء 
ثم اسجد مكبر غير رافع اليدين» وضع أولاً على الأرض ركيتيك ثم يديك ثم جبهتك 
مكشوقةء وضع نفك مع الحيهة وجاف مرفقيك عن جتبيك. وأقل بطنك عن فخذيك - 
واأرأة لا تقعل ذلك - وضع يديك عبر لأرض ح ذو منكبيك» ولا تفرش نراعك على 
الأرضء» وقل: «#سيحان ربى الآعلى» ثلانًا أو سيعًا أو عشرا إن كنت متقردا. 

ثم ارقع رأسك من السجود مكير) حتى تعتدل جالساء واجلس على رجلك اليسرى» 
واتنصب قدمك اليمتى» وضع يديك على قخذيك والأصابع منشورة وقل: «رب اغفر لى 
وارحمتى وارزقتى وعافتى واعف عتى». ثم اسجد ثاتية كذلك. ثم اععدل جالنًَا 
للاستراحة قى كل ركعة لا تشهد عقيها . 

ثم تقوم وتضع اليدين على الأرضء ولا تقدم إحدى رجليك فى حالة الارتفاعء 
وابتدئ بتكبيرة الارتفاع عند القرب من حد جلة الاستراحةء ومدها إلى متتصف ارتفاعك 


جح مجموعة رسائل الإمام الفرالی یسیک 4۹ .] = 
إلى القيام» ولتكن هذه الجلسة جلة خفيفة مختطفة؛ وصل الركعة الثانية كالأولى» وأعد 
التعوذ فى الإبتداءء ثم اجلس فى الركعة الثانية للتشهد الأولء وضع اليد اليمنى فى 
جلومن التشهد على الفخذ اليمنى مقيوضة الأصابع» إلا المسبحة والإبهام قترسلهماء وأشر 
بمسبحة يمناك عند قولك «إلا اللّه» لا عند قولك ١لا‏ إله» وضع اليد اليسرى منشورة الأصابع 
على الفخذ اليسْرزىء واجلس على رجلك اليسرى فى هذا التشهد كما بين السجدتين» وفى 
التشهد الأخير متورئّاء واستكمل الدعاء المعروف المأثور بعد الصلاة على النبى عله , 
واجلس فيه على وركك الأيسرء وضع رجلك اليسرى خارجة من تحتك» وانصب القدم 
اليمتئ ثم قل يعد الفراغ: «السلام عليكم ورحمة الله» مرتينء الحانيينء والتفت بحيث يرى 
بياض خديك من جانبيك» وانو الخروج من الصلاةء وانو السلام على من على جاتبيك من 
الملائكة والمسلمين. وهذه هيئة صلاة المنفرد. 

وعماد الصلاة الخشوع وحضور القلب مع القراءة والذكر بالتفهم. وقال الحسن 
البصرى رحمه الله تعالى : كل صلاة لا يحضر يها القلب فهى إلى العقوية أسرع. وقال 
رسول الله ع : «إن العد لَبِصلَّى الصّلاة فلا یتب لَه منها سدسها ولا عش رهاء وإنمَا 


وہ ۶ 


يکتب للعبد من صلاته بقذر ما عقل منها» 


آداب الإمامة والقلوة 

ينبغى للإمام أن يخفف الصلاة؛ قال أنس بن مالك تيه : ما صليت خلف أحد 
صلاة أخف ولا أتم من صلاة رسول الله عله . 

ولا يكبر ما لم يفرع المؤذن من الإقامة» وما لم تستو الصفوف. ويرفع الإمام صوته 
بالتكبيرات» ولايرفع المأموم صوته إلا يقدر ما يسمع نفسه. . ويتوى الإمام الإمامة لال 
الفضلء فإذا لم ينو صحت صلاة القوم إذا نووا الاقتداء يه وتالوا فضل القدوة. ويسر 
بدعاء الاستفتاح والتعوذ كالمنفردء ويجهر بالفاتحة والسورة فى جميع الصبح اذل ر 
والعشاء» وكذلك المنفرد. ويجهر بقوله آمين فى الجهرية» وكذلك المأموم. ويقرن المأموم 
تأميته بتأمين الإمام معًا لا تعقيبًا له. ويسكت الإمام سكتة عقب الفاتحة ليوب إليه تفسه؛ 
ويقرأ المأموم الفاتحة فى الجهرية فى هذه السكتة ليتمكن من الاستماع عند قراءة الإمام» ولا 
يقرأ المأموم السورة فى الجهرية إلا إذا لم يسمع صوت الإمام . ولا يزيد الإمام على الثلاثة 
فى تسبيحات الركوع والسجودء ولايزيد فى التشهد الأول بعد قول «اللهم صل على 
محمد». ويقتصر فى الركعتين الأخيرتين على الفاتحة» ولايطول على القومء ولايزيد دعاءه 
فى التشهد الأخير على قدر تشهده وصلاته على رسول الله عه . وينوى الإمام عند التسليم 


ی ٠غ‏ سس عست مجووعة رسائل الإمام الفزالى سب 


السلام على القومء ويتوى القوم بتسليمهم جوابه. ويلبث الإمام ساعة بعدها يفرغ من 
السلام» ويقبل على الناس بوجههء ولا يلتفت إن كان خلفه نساء لينصرفن أولاً. ولايقوم 
أحد من القوم حتى يقوم الإمام. وينصرف الإمام حيث شاءء عن يبمينه أو شماله» واليمين 
أحب إليه. ولا يخص الإمام نفسه بالدعاء فى قنوت الصبح بل يقول: «اللهم اهدنا» 
وبجهر به؛ ويؤمن القوم ولا يرفعون أيديهم. إذ لم يثبت ذلك فى الأخبار. ويقرأ المأموم 
بقية القنوت من قوله: «إنك لاتقضى ولايقضى عليك»2. ولا يقف المأموم وحده بل يدخل 
فى الصف أو يجر إلى نفسه غيره. ولا ينبغى للمأموم أن يتقدم على الإمام فى أفعاله أو 
يساويه» بل يسبغى أن يتأخر عنه ولايهوى للركوع إلا إذا انتهى الإمام إلى حد الركوع» 
ولايهوى للسجود ما لم تصل جبهة الإمام إلى الأرض . 


آداب الجمعة 

اعم أن الفحنة عبد المؤمين؛ وهوريوع شريف خض الله عر وغل بد :هذه الام 
وفيه ساعة مهمة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله تعالى فيها حاجة إلا أعطاه إياها؛ فاستعد 
لها من يوم الخميس بتنظيف الثياب وبكثرة التسبيح والاستغفار عشية الخميس » فإنها ساعة 
ج جاء فى إفرادها نهى . 

فإذ طلع عليك الصبح فاغتسل غسل يوم الجمعة. فإن غسل يوم الجمعة واجب على 
كل محتلم» أى ثابت مؤكد. 

ثم ترين بالثياب 0 0 أحب الاب الله 0 0 ¿ الطيب 
4 ا ل ني 
َنم رب بقرةء ومن راح فى الساعة الثالثة َكَنْما قرب كبشا أَْرنَءٍ ومن راح فى الساعة 
الرابعة تكأنما قرب دجاجة» ومر رج ف فى الساعة الخامسة فكأنما قرب بيِضَة. فإذا حرج 
يي 
e‏ 
ولا تمر بين أيديهم وهم يصلون» واجلس بقرب حائط أو اسطوانة حتى لا يمروا بين يديك» 


حب مجموعة رسائل الإمامالقزالی سس سس يسبب حت ٠١‏ ٠غ‏ 


ولا تقعد حتى تصلى التحية؛ والأحسن أن تصلى أربع ركعات» تقرأ فى كل ركعة بعد 
الفاتحة سورة الإخلاص خمسين مرةء ففى الخبر أن من فعل ذلك لم يمت حتى يرى مقعده 
من الجنة أو يرى له. ولا تترك التحية وإن كان الإمام يخطب. ومن السنة أن تقرأ فى أربع 
ركعات سورة الأنعام والكهف وطه ويسء» فإن لم تقدر فسورة يس والدخان والم السجدة 
وسورة الملك؛ ولا تدع قراءة هذه السورة فى ليلة الجمعة» ففيها فضل كثير؛ ومن لم يحسن 
ذلك فليكثر من قراءة سورة الإخلااص. 

وأكثر من الصلاة على رسول الله يله فى هذا اليوم خخناصة. ومهما خرج الإمامء 
فاقطم الصلاة والكلام» واشتغل بجواب المؤذنء ثم ا والاتعاظ بها. ددع 
اكد ا الا ففى الخبر" أن مَنْ قال لصاحبه والإمام يَخْطْبْ أنصت فَقد لَعَا ومن 


ررم 


نَغَا قلا جمعة لَه) أى لأن قوله أنصت كلام فيتبغى أن ينهى غيره بالإشارة لا باللفظ . 

ثم اقتد بالإمام كما سبق؛ فإذا فرغت وسلمت فاقرأ الفاتحة قبل أن تتكلم سبع 
مرات» والإخلاص سبعاء والمعوذتين سبعًا سبعاء فذلك يعصمك من الجمعة إلى الجمعة 
الأخرى ويكون حررًا لك من الشيطان؛ وقل بعد ذلك: اللهم ياغنى ياحميد» يا مبدئ يا 
معيد» يا رحيم ياودود» اغننى بحلالك عن حرامك» وبطاعتك عن معصيتك» وبفضلك 


٤ ٤ 3 .‏ 1 . 2 ا 
ثم صل بعد الجمعة ركعتين أو ستا مثنى مثنى» فكل ذلك مروى عن رسول الله عَيْهُ 
ى أحوال مختلفة . 


ثم لازم المسجد إلى المغرب أو إلى العصرء وكن حسن المراقبة للساعة الشريفة فإنها 
«بهمة فى جميع اليوم» فعساك أن تدركها وأنت خاشع لله تعالى متذلل متضرع. ولا تحضر 
فى الجامع مجالس الخلق ولا مجالس القصاصء بل مجالس العلم النافع» وهو الذى يزيد 
فى خوفك من الله» وينقص من رغبتك فى الدنيا؛ فكل علم لايدعوك من الدنيا إلى 
الآخرة فالجهل أعود عليك منهء فاستعذ بالله من علم لا ينفع 

وأكثر الدعاء عند طلوع الشمسء. وعند الزوال» وعند الغروب» وعند صعود 
الخطيب المنبر» وعند قيام الناس إلى الصلاة» فيوشاك أن تكون الساعة الشريفة فى بعض 
الأوقات. 

واجتهد أن تتصدق فى هذا اليوم بما تقدر عليه وإن قل» فتجمع بين الصلاة والصوم 
والصدقة والقراءة والذكر والاعتكاف والرباط. واجعل هذا اليوم من الأسبوع خاصة 
لآخرتك» فعساه أن يكون كفارة لبقية الأسبوع. 


=“ س مجموعةرسائل الإمامالفزالی‎ {١ 


آداب الصيام 

لا يتيغى أن تقتصر على صوم شهر رمضان.ء قتترك التجارة بالنواقل وكسب 
النرجات العالية قى الفراديس» قتحسر إذا نظرت إلى منازل الصائمين كما تنظر إلى 
الأكوكب الدرى وهم فى أعلى عليين. 

والأيام الفاضلة التى شهدت الأخبار بشرفها وفضلها وبجزالة الشواب فى صيامها: 
يوم عرفة لغير الحاج» ويوم عشوراءء والعشر الأول من ذى الحجةء والعشر الأول من 
المحرم»ء ورجب وشعيان. وصوم الأشهر الحرم من الفضائلء وهى ذو القعدة وذو الحجة 
والمحرم ورجب واحد فرد وثلاثة سرد؛ وهذه فى السنةء وأما فى الشهر فأول الشهر 
وأوسطه وآخره» والأيام الييض وهى الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر. وأما فى 
الأسبوع فيوم الاثنين والخميس والجمعة؛ فتكفر ذنوب الأسبوع بصوم الاثنين والخميس 
والجمعة» وتكفر ذنوب الشهر باليوم الأول من الشهر واليوم الأوسط واليوم الآخر والأيام 
البيض» وتكقر ذنوب الستة بصيام هذه الأيام والأشهر المذكورة. 

ولا تظن إذا صمت أن الو هو رد العام والشرات والوقاع فقطء فقد قال عله : 
«كم من صائم ليس له من صيامه إلا الجوع وَالعَطّش» بل تمام الصوم يكف الجوارح كلها 
ما يكره الله تعالى» بل يتبغى أن تحفظ العين عن النظر إلى المكارهء واللسان عن النطق بما 
لا يعنيك» والأذن عن الاستماع إلى ما حرم الله تعالى؛ فإن المستمع شريك -- وهو 
أحد المغتايين؛ وكذلك تكف جميم الجوارح كما تكف البطن والفرج» ففى ففى الخبر: 
عطَرن الصائم: الكذبء والتميمة» واليمين الكاذبة والنظر بشهوة» وقال عله : « 01 
کے فإف کان ادم ما قلات ولاق ولا هله » فإن امرقٌ َائَله أو شائمه 
يقل إِنّى صائم» . 

ثم اجتهذ أن تفطر على طعام حلال» ولا تستكثر فتزيد على ما تأكله كل ليلة لأجل 

صيامك» قلا فرق إذا استوفيت ما تعتاد أن تأكله دفعتين فى دفعة واحدة وإنما المقصود 
بالصيام كسر شهوتك وتضعيف قوتك لتقوى بها على التقوى» فإذا أكلت عشية ما تداركت 
به فاتك ضحوة فلا قائدة قى صومكء وقد ثقلت عليك معدتكء» وما وعاء أبغض إلى الله 
تعالی من بطن مل من حلالء قكيق إذا ملىئ من حرام! 

فإذا عرفت معنى الصوم فاستكثر منه ما استطعت» » فإنه أساس العبادات ومفتاح 
القرباتء قال رمول الله عَكّه : «قال الله تعالى: كل حَسنَة بعشثر أمثالها إلى سبعمائة ضعف 
إلا الصوم فَِنَه لى وأنا أَجْزِى به». وقال يي : «والذى تفسى بيده لوف قم الصائم طب 


لظ ل لس سس ا لس لس ررق 


عذد الله من ربح المسّك» بول الله عر وجل: إنما يڌر شوه وطعامه وشرآبه م من أجلى 
فالصوم لی ونا أَجْزِى به» وقال تیل : اللجتة باب يقال له الريان لا يَذْحلةً إلا الصائمون؛. 

فهعذا القدر من شرح ت E a iS‏ 
والحجء أو إلى مزيد لشرح الصلاة والصيام» فاطليه ما أوردناه فى كتاب إحياء علوم 
الذين. :5 


القسم الثانى القول فى اجدناب المعاصى 

اعلم أن الدين شطران: أحدهما ترك المناهى» والآخر فعل الطاعات. وترك المناهى 
هو الأشدء. فإن الطاعات يقدر عليها كل أحدء وترك الشهوات لايقدر عليها إلاالصديقون» 
فلذلك قال رسول الله َيه : «المهاجر من هجر السوء والجاهد من جاهد هواه» واعلم أنك 
إغا تعصى الله بجوارحك» وهى نعمة من الله عليك وأمانة لديك فاستعانك بنعمة الله 
على معصيته غاية الكفران. وخيانتك أمانة استودعكها الله غاية الطغيان. فأعضاؤك رعاياك 
فانظلر كيف ترعاهاء فكلكم راع وكل راع مسئول عن رعيته. واعلم أن جميع أعضائك 
ينه علياك الى ا ا ا لو الى أى فصيح 2 مميككك به على رين 
الخلائق؛ قال الله تعالى :يوم تشهد عليهم ألستهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا | يەملو 
[النرر: 26154 وقال الله تعالى : [ ايوم نختم على أفواههم وتكلمنًا أيديهم وتشهد أرجلهم 
ہما کانوا یکسبون 4 [یس: 1[ 

فاحفظ يا مسكين جميع بدنك من المعاصى» وخصوصًا أعضاءك السبعةء ٠‏ فإن جهنم 
لها سبعة أبواب لكل منهم جزء مقسوم. ولا يتعين لتلك الأبواب إلا من عصى الله تعالى 
بهذه الأعضاء السبعة وهى العين. والأذن» واللسان. والبطن» والفرج» واليدء والرجل. 

أما العين» فإنما خلقت لتهتدى بها فى الظلمات» وتستعين بها فى الحاجات» وتنظر 
بها إلى عجائب ملكوت الأرض والسموات» وتعتيبر بما فيها من الآيات؛ فاحفظها عن 
أربع: أن تنظر بها إلى غير محرم » أو إلى صورة مليحة بشهرة نفس» أو تنظر بها إلى 
مسام بعين الاحتقار» أو تطلع بها على عيب مسلم. 

وأما الأذن» فاحفظها عن أن تصغى بها إلى البدعة»ء أو الغيبة» أو الفحش» 
ا لخوض فى الباطلء أو ذكر مساوئ الناس؛ فإنما خلقت لك لتسمع بها كلام الله تعالى» 
وساة رسول الله َه . وحكمة أوليائه» وتتوصل باستفادة العلم بها إلى الملك المقيم والنعيم 
الداتم فى جوار رب العالمين. فإذا أصغيت بها إلى شىء من المكاره» صار ما كان عليك» 


وانقلب ما كان سبب فوزك سبب هلاكك» وهذا غاية الخسران. ولا تظن أن الإثم يختص 
به القائل دون المستمعء ففى الخبر أن المستمع شريك القائل وهو أحد المغتابين. 

. وأما اللسانء فإنما خحلق لتكثر به ذكر الله تعالى وتلارة كتابهء وترشد به تخلق الله 
تعالى إلى طريقهء وتظهر به ما فى ضميرك من حاجات دينك ودنياك» فإذا استعملته فى 
غير ما خلق له.فقد كفرت نعمة الله تعالى فيه. وهو أغلبٍ أعضائك عليه وعلى سائر 
الخلق» ولا يكب الناس فى النار على مناخرهم إلى حصائد ألسنتهم؛ فاستظهر عليه بغاية 
ال ا ا » ففى الخثبر: «إن الرجل يتكلم بالكلمة ليضحك بها 


سر سس ن 


امنحابه فبهوى بها فى فر جهنم غین خریقا. ل 0 


عهد رسول الله َه فقال قائل: هنا له بال نة فقال َكل : : وما يدذريك؟ لَعلَهِ كان يتَكَلّم 
بعالا نه ول الاه 
فاحفظ لسانك من ثمانية: 
الأول: الكذب؛ فاحفظ منه لسانك فى الحد والهزل ولا تعود لسانك الكذب هزلاً 
فيدعوك إلى الكذب فى الجد؛ والكذب من أمهات الكبائر. ثم إنك إذا عرفت بذلك 
سقطت عدالتك والشقة بقولك. وتزدريك الأعين وتحتقرك. وإذا أردت أن تعرف قبح 
الكذب من نفسك فانظر إلى كذب غيرك» وإلى نفرة نفسك عنه» واستحقارك لصاحبهء 
واستقباحك لا جاء به؛ وكذلك فافعل فى جميع عيوب نفك فإنك لا ترى قبح عيوبك 
من نفسك بل من غيرك» فما استقبحته من غيرك يستقبحه غيرك منك لا محالةء فلا ترض 
لنفسك ذلك . 

الفانى: الخلف فى الوعد؛ فإياك أن تعد بشئ ولا تى به» بل ينبغى أن يكون 
إحسانك إلى الناس فعلاً بلا قول» فإن اضطررت إلى الوعد فإياك أن تخلف إلا لعجز أو 
ضرورة» فإن ذلك من أمارات النفاق وخبائث الأخلاق» قال الب ع : لاٹ من کن فيه 
هو ماف ون صام وصلَى: من إا حدث كدب وإذا وَحَد أخْلَف» وإذَا اؤمن خَانَ» . 

الثالث: الغيية؛ فاحفظ اك ا وال أشد من ثلاثين زنية فى الإسلامء 
كذلك ورد فى الخبر. ومعنى الغيبة أن تذكر إنسانًا بما e‏ فأنت مغتاب ظالم 
وإن كنت صادقًا. وإياك وغيبة القراء المرائين» وهو أن تفهم المقصود من غير تصريح 
فتقول: أصلحه الله فقد ساءنى وغمنى ما جرى عليه» فنسآل الله تعالى أن يصلحنا وإياه. 
فإن هذا جمع بين خبيثين: أحدهما الغيبة؛ إذا بها حصل التفهم» والآخر تزكية النفس 
والثناء عليها بالتحرج والصلاح. ولكن إن كان مقصودك من قولك أصلحه الله تعالى 
الدعاءء فادع له فى السر إن اغتممت بسببه» فعلامته أنك لا تريد فضيحته وإظهار عيبه» 
وفى إظهارك الغم بعيبه إظهار تعييبه. ويكفيك زاجرً عن الغخيبة قوله تعالى: [ ولا يغتب 


سج مجموعة رسائل الامام الفزالی بحت 1٠١‏ 
شبهك الله بآكل لحم الميتة؛ فما أجدرك أن تحترز منها. ويمنعك عن غيبة المسلمين أمر لو 
تفكئرت فثيه» وهو أن تنظر فى نفسك هل فيك عيب ظاهر أو باطن» وهل أنت مفارق 
معصية سرًا أو جهراء فإذا عرفت ذلك من نفسك فاعلم أن عجزه من التنزه عما نسبته إليه 
كعجزك» وعذره كعذرك» وكما تكره أن تفتضح وتذكر عيوبك فهو أيضًا يكرههء فإن 
سترته ستر الله عليك عيوبك» وإن فضحته سلط الله عليك ألسنة حدادًا يمزقون عرضك فى 
الدياء ثم يفضحك الله فى الآخرة على رءوس الخلائق يوم القيامة. وإن نظرت إلى ظاهرك 
وباطنك فلم تطلع فيهما على عيب ونقص فى دين ولا دنياء فاعلم أن جهلك بعيوب 
نفسك أقبح أنواع الحماقة» ولاعيب أعظم من الحمق. ولو أراد الله بك خير لبصرك بعيوب 
نف.ك؛ فرؤيتك نفسك بعين الرضا غاية غباوتك وجهلك. ثم إن كنت صادقًا فى ظنك 
فاشكر الله تعالى عليه ولاتفسده بثلب الناس والتمضمض بأعراضهم فإن ذلك أعظم 
الوت 

الرابع: المراء والجدال ومناقشة الناس فى الكلام؛ فذلك فيه إيذاء للمخاطب وتجهيل 
له رطعن فيهء وفيه ثناء على النفس وتزكية لها بمزيد الفطنة والعلم. ثم هو مشوش 
الل ل ERE N‏ 
فقد قال عله : امن ترك المراء وهو بطل بتَى لله لَه َمّا فى ربّض اله ومَنْ ترك المرآء 
وعو محق بنی اله لَه ْنَا فى أَعَلَى الجن . 

ولا ينبغى أن يخدعك الان وو التي ا و داهن كيده فإن الشيطان 
أبدًا يستجرً الحمقى إلى الشر فى معرض الخسير» فلا تكن ضحكة للشيطان فيسخر منك؛ 
فإظهارك الحق حسن مع من يقبله منك. وذلك بطريق النصيحة فى الخفية لا بطريق 
المماراة؛ وللنصيحة صفة وهيئة ويحتاج فيها إلى تلطف». وإلا صارت فضيحة. وكان 
فسادها أكثر من صلاحها. ومن خالط متفقهة العصر غلب على طبعه المراء والجدال» وعسر 
عليه الصمتء إذ ألقى إليه علماء اللسوء أن ذلك هو الفضلء والقدرة على المحاجة 
والمناقشة هو الذى يمتدح به. ففر منهم فرارك من الأسدء واعلم أن المراء سبب المقت عند 
الله وعند الخلق . 

الخامس: تزكية النفسء؛ قال الله تعالى: «إ فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن انّقَى » 
[النحم: 87]. وقيل لبعض الحكماء: ما الصدق القبيح؟ فقال: ثناء المرء على نفسه. فإياك 
أن تتعود ذلك» واعلم أن ذلك ينقص من قدرك عند الناس ويوجب مقتك عند الله تعالى. 
فإذا أردت أن تعرف أن ثناءك على نفسك لا يزيد فى قدرك عند غيركء فانظر إلى أقرانك 


کے ٦إ‏ ) لس سسسب مجموعة رسائل الإمام الفزالى حم 
إذا أثنوا على أنفسهم بالفضل والجاه والمال كيف يستنكره قلبك عليهم ويستئقله طبعك»› 
وكيف تذمهم عليه إذا فارقتهم. فاعلم أنهم أيفمًا فى حال تزكيتك لنفسك يذمونك فى 
قلوبهم ناجراء وسيظهرونه بألستتهم إذا فارقتهم 

السادس: اللعن؛ فإياك أن تلعن شينًا ثما خلق الله تعالى من حيوان أو طعام أو 
إنسان بعينه؛ ولا تقطع بشهادتك على أحد من أهل القبلة بشكر أو كفر أو نفاق. فإن 
المطلع على السرائر هو الله تعالىء فلا تدخل بين العباد وبين الله تعالى» واعلم إنك يوم 
القيامة لايقال لك لم لم تلعن فلاناء ولم سكت عنه؛ بل لو لم تلعن إبليس طول عمرك 
ولم تشغل لسانك بذكره» لم تسأل عنه» ولم تطالب به يوم القيامةء وإذا لعنت أحدًا من 
خلق الله تعالى طولبت به. ولا تذمن شيمًا مما خلق الله تعالى» فقد كان النبى تَيْتْهُ لا يذم 
الطعام الردئ قطء بل كان إذا اشتهى شيئًا أكله وإلا تركه . 

السابع: الدعاء على الخلق؛ فاحفظ لسانك عن الدعاء على أحد من خلق الله 
تعالى» وإن ظلمك فكل أمره إلى الله تعالى» ففى الحديث :إن الَظلُوم لدعو عَلَى ظالمه 


لت اور وو 


حتی بکافته ثم بی للظالم قَضنل عنده بطَالبه به يوم القيامة». . وطول بعض الناس لسانه 
على الحجاج فقال بعض السلف: إن الله لينتقم للحجاج تمن تعرض له بلسانه كما ينتقم من 
الحجاج لمن ظلمه. 

الثامن: المزاح والسخرية e‏ بالناس؛ فاحفظ لسانتك منه فى الجد والهزل» 
فإنه يريق ماء الوجهء. ويسقط المهابة» ويستجر الوحشة» ويؤذى القلوب. وهو مبدأ اللجاج 
والغضب والتصارم» ويغرس الحقد فى القلوب؛ فلا تمازح أحداء فإن مازحك فلا تحبه؛ 
فأعرض عنهم حتى يخوضوا فى حديث غيره» وكن من الذين إذا مروا باللغوا مروا كرام . 

فهذه مجامع آفات اللسان» ولا يعينك عليك إلا العزلة أو ملازمة الصمت إلا بقدر 
الضرورةء فقد كان أبو بكر الصديق زه يضع حجرا فى فيه ليمنعه ذلك من الكلام بغير 
ضرورة» ويشير إلى لسانه ويقول: هذا الذى أوردنى الموارد كلها. فاحترز منه بجهدك» فإنه 
أقوى أسباب هلاك فى الدنيا والآخرة. 

وأما البطن؛ فاحفظه من تناول الحرام والشبهةء واحرص على طلب الحلال» فإذ 
وجدته فاحرص على أن تقتصر منه على ما دون الشبع» فإن الشبع يقسى القلب ويفسد 
الذهن ويبطل الحفظ ويثقل اين لحان والعلم» ويقوى الشهوات وينصر جنود 
الشيطان. والشبع من الحلال مبدأ كل شر فكيف من الحرامء وطلب الحلال فريضة على كل 
مسلم. والعبادة ا مع اك الخرام اتال اجن فإذا قنعت فى السنة بقميص 
خشنء؛ وفى اليوم والليلة برغيفين من الخشكارء وتركت التلذذ بأطيب الأدم» لم يعوزك من 


کے مجموعة سائلالإمامالفزالى uwd www‏ ۱۷ = 


الحلال ما يكفيك. والحلال كثيرء وليس عليك أن تتيقن بواطن الأمورء بل عليك أن تحترز 
ما تعلم أنه حرام» أو تظن أنه حرام ظدًا حصل من علامة ناجزة مقرونة بالمال؛ أما المعلوم 
فظاهرء وأما المظنون بعلامة فهو مال السلطان وعماله» ومال من لاكسب له إلا من النياحة 
ر بيع الخمر أو الربا أو المزامير وغير ذلك من آلات اللهو المحرمة؛ فإن من علمت أن أكثر 
»اله حرام قطعل فما تأخذه من يده وإن أمكن أن يكون حلالاً نادراً فهو حرام لأنه 
اغالب على الظن. ومن الحرام المحض ما يؤكل من الأوقاف من غير شرط الواقف» فمن 
لم يشتغل بالتفقه فما يأخذه من المدارس حرام» ومن ارتكب معصية ترد بها شهادته فما 
يأحذه باسم الصوفية من وقف أو غيره فهو حرام . 

وقد ذكرنا مداخل الشبهات والحلال والحرام فى كتاب مفرد من كتاب إحياء علوم 
الدين» فعليك بطلبهء فإن معرفته الحلال وطلبه فريضة على كل مسلم كالصلوات الخمس . 

وأما الفرج ؛ فاحفظه عن كل ما حرم الله تعالى» وكن كما قال الله تعالى: و( والذين 
هم لفروجهم حافظوت +2 إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فَإِنّهِم غير ملومين 4 
االمؤمنون: 5 ١‏ والمعارج: 259 .]١١‏ ولا تصل إلى حفظ الفرج إلا يحفظ العين عن النظرء 
رحفظ القلب عن التفكرء وحفظ البطن عن الشبهة وعن الشبع» فإن هذه محركات 
للشهوة ومغارسها. 

وأما اليدان؛ فاحفظهما عن أن تضرب بهما مسلماء أو تتناول بهما مالا حرامّاء أو 
تؤذى بهما أحدا من الخلق» أو تخوف بهما فى أمانة أو وديعة؛ أو تكتب بهما ما لا يجوز 
النطق بهء فإن القلم أحد اللسانين» فاحفظ القلم عما يجب حفظ اللسان عنه. 

وأما الرجلان؛ فاحفظهما عن أن تمشى بهما إلى باب سلطان ظالمء فإن المشى إلى 
التلاطين الظلمة من غير صرورة رازا عب کر ون تواضع لهم وإكرام لهم على 

> وقد أمر الله بالإعراض عنهم فى قوله تعالى: «ولا تركنوا إِلَى الْذينَ ظَلَموا 
سكم لاوما لمن ذو اله من أولاء ف لا صروت ) مر EY‏ و 
سبب طلب مالهم فهو سحى إلى حرام وقد قال النبى عه : من تواضع لغنى ذَهَبّ ثلنا 
دینه» وهذا فى غنى صالح» فما ظنك بالغنى الظالم! ٠‏ 

وعلى الجملة فحركاتك وسكناتك بأعضائك نعمة من نعم الله تعالى عليك» فلا 
تحرك شيئًا منها فى معصية الله تعالى أصلاًء واستعملها فى طاعة الله تعالى» واعلم أنك إن 
قصرت فعليك يرجع ويالهء وإن شمرت فإليك تعود ثمرتهء والله غنى عنك وعن عملك» 
وإنما كل نفس بما كسبت رهينة. وإياك أن تقول: إن الله كريم , ا 
فإن هذه كلمة حق أريد بها باطل» وصاحبها ملقب بالحماقة بتلقيب رسول الله عله حيث 


جح ا سلمسسب7ج7جت مجموعة رسائل الإمام الغزالى 


روت ر رن ر ل رار ر لس رت 


قال: ١الكيس‏ مَنْ دآن تفسه وعمل ل بَعْدَ الوت والأحمق م من أنبع نفسه هوآها وتمنى 
على الله الأمانى» واغلم أن قولك هذا يضاهى قول من يريد أن يصير فقيها فى علوم الدين 
من غير أن يدرس علمًا راش بالبطالة وقال : إن الله كريم رحيم قادر على أن يفيض 
على قلبى من العلوم ما أفاضه على قلوب أنبيائه وأوليائه من غير جهد وتكرار وتعلم. وهو 
كقول من يريد مالا فترك الحراثة والتجارة والكسب وتعطل ونال: إن الله كريم وله خزائن 
السموات والأرض» وهو قادر على أن يطلعنى على كنز من كنوزه أستغنى به عن الكسب 
فقد فعل ذلك لبعض عباده. فأنت إذا سمعت كلام هذين الرجلين استحمقتهما وسخرت 
منهماء وإن كان ما وصفاه من كرم الله تعالى وقدرته صدقًا وحقا . فكذلك يضحك عليك 
أرباب البصائر فى الدين إذا طلبت المغفرة بغير سعى لهاء والله تعالى يقول: وأن ليس 
للإنسان إلا ما سعئ 4 [النجم: 9 . ويقول: إِنَّما تجزون ما كنم تعملون ‏ [الطرر : 
التحريم :۷. ويقول :إن الأبرار لفي نعيم +20 وإِن الفجار في جَحيم » [الانفطار : 
TNE IY‏ 

فإذا لم تترك السعى فى طلب العلم والمال اعتمادًا على كرمهء فكذلك لا تترك التزود 
للآخرة ولا تفترء فإن رب الدنيا والآخرة واحدء وهو فيهما كريم رحيم» وليس يزيد له 
كرم بطاعتك؛ وإنما كرمه فى أن بيسر لك طريق الوصول إلى الملك المقيم والنعيم الدائم 
المخلد بالصبر على ترك الشهوات أيامًا قلائل» وهذا نهاية الكرم؛ دعي د 
تهويسات البطالين» :واقتد باؤلى العزم والتهى من الأنبياة والصاحين»: ولا تطمع. فى أن 
تحصد ما لم تزرع؛ وليت من صام وصلى وجاهد واتقى غفر له. 

هذه جمل مما ينبغى أن تحفظ عنه جوارحك الظاهرة وأعمال هذه الجوارح؛ فعليك 
بتطهيرالقلب فهو تقوى الباطن» والقلب هو المضغة التى إذا صلحت صلح بها سائر الجسدء 
بإذا فسدت فسد بها سائر الجسد؛ فاشتغل بإصلاحه لتصلح به جوارحك؛ وصلاحه يكون 
:ملازمة المراقبة . 


الفول فى معاصى القلب 
اعلم أن الصفات المذمومة فى القلب كثيرة» وطريق تطهير القلب من رذائلها طويلة» 
وسبيل العلاج فيها غامض» وقد اندرس بالكلية علمه وعمله لغفلة الخلق عن أنفسهم؛ 
واستقصينا ذلك كله فى كتاب إحياء علوم الدين فى ربع المنجيات؛ ولكننا نحذرك الآن ثلاث 
من خبائث القلب» وهى الغالبة على متفقهة العصرء لتأخذ منها حذركك. فإنها مهلكات فى 
أنفسهاء وهى أمهات الحملة من الخبائث سواهاء وهى: الحسد والرياء والعجب؛ فاجتهد 


جح مجموعة رسائلالامامالفزالی سبيت ١‏ = 


اواكلون تيلف سين انإ اكد عونا لال مه لتر سد نامر ريه الب 

إن عجزت عن هذا فأنت عن غيره أعجز. الو ا ا 

وفى قلبك شىء من اكبيد و والعجب» وقد قال عله : اثلاث مهلكات” : شح مطاعء 
ا 


وهوى متب وَإِعْجَاب الْء بنقسه». 

آنا مسد فهو شبد من الج > فإن البخيل هو الذى يبخل بما فى يده على غيره» 
والشحيح هو الذى يبخل بنعمة الله تعالى وهى فى خزائن قدرته تعالى لا فى خزائنه على 
عباد الله تعالىء فشحه أعظم . والحسود هو الذى يشق عليه إنعام الله تعالى من خزائن 
ندرته على عبد من عباده يعلم» أو مال. أو محبة فى قلوب الناس» أو حظ ا 
TT‏ » فهذا منتهى 
الخبث» فلذلك قال النبى عه : الد بأکل السات كما تأكل التار الحطّب» . 

ق الذى لا يرحمء ولا يزال فى عذاب دائم فى الدنياء فهى لا 
تخلو من خلقى كثير من آقرانه ومعارفه تمن أنعم الله عليهم بعلم أو مال أو جاهء فلا يزال 
ى عذاب دائم فى الدنيا إلى موتهء ولعذاب الآخرة» أشد وأكبرء بل لا يصل العبد إلى 
-حقيقة الإيمان ما لم يحب لسائر المسلمين ما يحب لنفسه» بل ينبغى أن يساهم المسلمين فى 
سراء والضراءء فالمسلمون كالبنيان الواحد يشد بعضه بعضًاء وكالجسد الواحد إذا اشتكى 
هنه عضو اشتكى سائر الحسد. فإن كنت لا تضادف هذا من قلبك فاشتغالك بطلب 
التخلص من الهلاك أهم من اشتغالك بنوادر الفروع وعلم الخصومات. 

'وأما الرياء هو الشرك الخفى»؛ وهو أحد الشركين» وذلك طلبك المنزلة فى قلوب 
الخلق لتنال بها الجاه والحشمةء وحب الجاه من الهوى المتبع» وفيه هلك أكثر الناس» فما 
أهلك الناس إلا الناس»ء ولو أنصف الناس حقيقة لعلموا أن أكثر ما هم فيه من العلوم 
والعبادات» فضلاً عن أعمال العادات» ليس يحملها عليها إلا مراءاة الناس» وهى محبطة 
للأعمال كما ورد فى الخبر أن الشهيد يؤمر به يوم القيامة إلى النارء فيقول: يارب 
استشهدت فى سبيلك . فيقول الله تعالى: بل أردت أن يقال نلان شجاع وقد قيل ذلك» 
وذلك أجرك. وكذلك يقال للعالم والحاج والقارىء. 

وأما العحب والكبر والفخر فهو الداء العضال؛ وهو نظر العبد إلى نفسه بعين العزة 
والاستعظامء وإلى غيره بعين الاحتقار والذل؛ ونتيجته على اللسان أن يقول آنا وأنا؛ قال 
إبليس اللعين: لإ أنا خير هنه خلقتني من ار وحلقته من طين 4 [الاعراف: 2015 وثمرته فى 
الجالس الترفع والتقدم وطلب التصدر فيهاء وفى المحاورة الاستنكاف من أن يرد كلامه 
ليه . 


کے ٢.‏ يبت مجموعة رسائل الإمامالفزالى عد 

ال هو ال وع انق او ف 
خلق الله تعالى فهو متكبرء بل ينبغى لك أن تعلم أن الخير من هو خير عند الله فى دار 
الآخرة» وذلك غيب موقوف على الخائمة» فاعتقادك فى نفسك أنك خير من غيرك جهل 
محض» بل يبتغى أن لا تنظر إلى أحد إلا وترى أنه خير منك وأن الفضل له على 
نفسكء فإن رأيب صغيراً قلت: هذا لم يعص الله وأنا عصيته فلا شك أنه خير منى» وإن 
رأيت كبيرًا قلت: هذا قد عبد الله قبلى فلا شك أنه خير منىء وإن كان عانًا قلت: هذا 
قد أعطى ما لم أعط»ء وبلغ ما لم أبلغ» وعلم ما جهلت فكيف أكون مثله! وإن كان جاهلاً 
تلت : هذا قد عصى الله بجهل وأنا عصيته بعلم» فحجة الله على آكد وما أدرى بم يختم 
له» وإن كان كافرًا قلت: لا أدرى عسى أن يسلك ويختم له بخير العلم» وينسل بإسلامه 
حمن الذنوب كما تنسل الشعرة من العجين» وأما أنا والعياذ بالله فعسى أن يضلنى الله فأكفر 
نيختم لى بشر العمل» فيكون غدا هو من المقربين وأنا أكون من الخاسرين. 

فلا يخرج الكبر من قلبك إلا بأن تعرف أن الكبير من هو عند الله تعالى. وذلك 
موقوف على الخاتمة» وهى 0 فيهاء فيشغلك خوف الخناتمة عن أن تتكبر مع الشك 
نيها على عباد الله تعالى؛ فيقينك وإيمانك فى الحال لا يناقض تجويزك التغير فى الاستقبالء 
نإن الله مقلب ا ملا ا 

والأخبار فى الحسد والكبر والرياء والعجب كثيرة» ويكفيك فيها حديث واحد 
-جامع ) فقد روى ابن المبارك بإسناده عن رجل أنه قال لمعاذ: حدثنى حديئًا سمعته من 
2 الله عة قال: فبكى معاذ حتى ظنت أنه لايسكت؛ ثم قال: واشوقاه إلى رسول 
الله َيه وإلى لقائه» ثم قال: كان رسول الله ينه يقول لى : ايا معاد إن محَدَنُكَ بحَديث 


إِنْ أَنت حفظته نفعك عند اش إن أنت ضيعته تحفظه التطعت ححتك عند الله ثَمًا 
و و 


ل لس سا عه 


وم القيامة: ا غاد إن اله تما خَلَقَ سبع أملاك قبل أ | يلق السّموات والأرض» فجعل 
لكل سَمَاء من السبع مَل يوبا عليه قَنَصِعَد الحَفَظَهُ بعَملٍ المد من حين يصبح إلى حون 


روو ي رو و ریو ر ر و 


يمسي لَه نور كنور الشسمْس» حتى إِذَا صَعَدت به إلى السماء الدنْيا زكنه وكثرته» فقول 


سوس ت 


ل ل ا نا صاحب لعي أمرنى ربى أن 


م 


و رور يږ رو ر وو © سواه وري و ا سر 


انما المد ور ره ور تلب إلى الستاه قله ريا فوا 


ا عع چ 


سے س ر رو ر 


أن لا لدم عله جاوژی إلى عبَرىءإِنَه ايمر على ذ فى مجالسهم. ال ES‏ 


لاس مغر 


الفَظة بعملٍ العبد يتهج من صدقة وصلاة وصيام قد أعجب الحَمَظَةَ ؛ فسجَاوزُونَ به إلى 


ص 


ات فق د یک رر ب قفوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه آنا ملك 


4 20 2 ر ل رر هه 


الب ل ل ا ل 


کک ر وحج حت | به إلى السمّاء ر ابع فقول ؛ لهم | الك 
الموكل بها: فوا واضربوا بهذا العمل وجه صاحبه وظهره وبطته اا ضاجت الت 


020 ےر ےر رو 


ری ری آن لا دم عمله یجاوزنی إلى عیری» إنه كان إذا عمل عملا ادحل العجب فيا 


EE‏ و ىه دو 


قال: وتصعد الحفظة بعمل العبد حتى يجاوزوا به إلى السماء ء الخامسة كأنه العروس المزفوفة 
إلى بَمْلهاء فقول لهم الك الموكل بها: قفوا واضربوا بهذا العمل وَجْه صاحبه وأحملوه 


م ی ر کر ا ا ا ا 
على عاتقه تقه» انا ملك الخد إه کان يد من بتعلم ويمل يمال عملهء وکل من كان 
2 ا 6 از و م سے ر روو ر 
باخ ضلا من المبادة کان بحسدهم ویقع فیهم» آمرنی ربى أن لا أدع حمل يجاوزتى إلى 


غيرى. قال: وتصعد الحفظة يعمل العبد له ضوء كضو كضوء الشمس من صلاة وزكاة وحج 
وعمرة وجهاد وصيام» فيجاوزون به إلى السماء السادسةء فقول لهم الك المو كل بها: قفوا 


اس سد لير 


واضربوا بهذا العمل وَجْهَ صاحبه إنه كان لا يرْحم إِنسَنَا قط من عباد الله أصابه بلا أو 


سا ی و ا ع ل ع ع اه 


مرض ؛ بل كَان يشمت به.أنا ملك الرحمَة أمرنى ربى أن لا أدع عملَه يجاوذني إلى غَيْرى. 


رظ ےہ 2 سدم > مله و 


قال: وتصعد الحفظة بعمل العَبّد من صوم وصلاة نة وجه اد وورع له دوى كدوى 


ع 2 121 أو رت ورور 


اَل وضوء كضو كضوء الشمس» ومعه اة ة لاف ملك فيجاوزن به إلى السمًاء السابعة 


صم 


فيقول لهم الملك الموكل بها: 00 وا ا ار 


و ت و 2ت سر اا ى#ير 2 ” 


واثقأوا به على مَلبه. نا صاحب الذذكر, إن أحجب عن ربى كل عمل لَم برد به وجه ری 


و مسر 
إن إنما آراد بعمله عَيْر الله تعالیء» آنه راد به رَفْعَةَ عند الفقهاء. وذكر ا عند العلماء» وصينًا 


چ ا 


فى أندائن أمرتى رتى أن لا أدح مله يساوي إلى حبْرى» دكل عمل لم يكن تعالن 
خَالصمَا فهو رياء ولا يقبل الله عسمل المرائى . قال" وتصعد الحفظة بعمل العبّد من صّلاة 


ل ا ل د 
غاص ف تع قول اله عالّی: ا ا ا 
َل إِنَه لم يرِتى بهذا العمل ونم أراد به غَيْرِيء فَمَليْ عتى 1 تقول الملائكة كلّها: عليه 
لعنتك ولعتتنا! فتلعنه السموات السبع ومن فيهن؟. ثم بكى معاذ واتتحب انتحابًا شديدا؟ 
وقال معاد : قلت يا رسول اللّه أنت رسول الله وأنا معاد فكيف لى بالنجاة والخلاص من 


E 0 7 a REN E ORD E “e‏ ل ع 
ذلك؟ قال : «افتد بى» وإن كان فى عملك نفص يا معاذ حافظ على لسانك من الوقيعة فى 


mw (8 -‏ مجموعة رسائل الإمامالغزالى حت 


إخوانك من حملة القرآن حاصة واخمل ذنوبك عَلَيّك ولا تخملها عليه ولا تزل تنك 


ل م ا ت 


بذهم ولا تر ع تنك علبهم بوضعهم» ولا تذخل عمل اديا فى عمل الآخرة ولا ثراء 


بعملك ولا تتکبر فی ملسك لکی حدر الناس من سوء خلقك ولا تتا رجلا وعندك 
أَخَرء ولا تتعظَم على الَاسٍ فَتَنْقطع خَيْرات الدئيا والآخرة ولِتَمَرق الناس بلسانك 
lC e‏ 0000 0 سر 


رم ادس و و 


اک بر اس ت 0 أنت وأمىٍ 0 الله › e‏ لمان ومن ينجو 
منها؟ قال : «يا E I EE‏ 


و 
ارو ن و ا 


قال a‏ فما رأيت احدًا أكثر تاذو a‏ العظيم من ا ا الحديث 
العظيم. فتأمل أيها الراغب فى العلم هذه الخصالء واعلم أن أعظم الأسباب فى رسوخ 
هذه الخبائث فى القلب طلب العلم لأجل المياهاة والمنافسة» فالعامى بمعزل عن أكثر هذه 
الخصال» والمتفقه مستهدف لهاء وهو متعرض للهلاك بسببها. فانظر أى أمورك أهم» أتتعلم 
كيفية الحذر من هذه المهلكات وتشتغل بإصلاح قلبك وعمارة آخرتك» أم الأهم أن تخوض 
مع الخائضين فتطلب من العلم ما هو سبب زيادة الكبر والرياء والحسد والعجب حتى 
تهلك مع الهالكين؟ 

واعلم أن هذه الخصال الثلاث ا خبائث القلوب» ولها مخرس واحد وهو 
حب الدنيا ولذلك قال عر : حت الا رأس كل حطية» ومع هذا فالدنيا مزرعة 
للآخرة» فمن أخحذ من الدنيا بقدر الضرورة ليستعين بها على الآخرة فالدنيا مزرعته» ومن 
أراد الدنيا ليتنعم بها فالدنيا مهلكته . 

فهذه نبذة يسيرة من ظاهر علم التقوى» وهى بلأية الهداية» فإن جربت بها نفسك 
وطاعتك عليها فعليك بكتاب إحياء علوم الدين لتعرف كيفية الوصول إلى باطن 
التقوى. فإذا عمرت بالتقوى باطن قلبك. فعند ذلك ترتفع المحجب بينك وبين ربك 
وتتكشف لك أنوار المعارف. وتتفجر من قلبك ينابيع الحكمء وتتضح لك أسرار اللك 
والملكوت» ويتيسر لك من العلوم ما تستحقر به هذه العلوم المحدئة التى لم يكن لها ذكر 
فى زمن الصحابة شغ والتابعين . 

وإن كنت تطلب العلم من القيل والقال والمراء والجدال» فما أعظم مصيبتك» 
أطول تعبك» وأما أعظم حرمانك وخسرانك. فاعمل ما شئت» ey‏ 
بالدين لا تسلم لك» والآخرة تسلب منك؛ فمن طلب الدنيا بالدين خسرهما جميمًاء 
ومن ترك الدنيا للدين ربحهما جميعا. 


جم مجموعة رسائل الإمام الفزالى ‏ سس يسبب ٤)۲٣‏ = 


فهذه جمل الهداية إلى بداية الطريق فى معاملتك مع الله تعالى بأداء أوامره واجتناب 
نواهيه. وأشير عليك الآن بجمل من الآداب لتؤاخذ نفسك بها فى مخالطتك مع عباد الله 


. القسم الثالثالقول فىآدابالصحبة 

اعلم أن صاحبك الذى لا يفارقك فى حضرك وسفرك ونومك ويقظتك» بل فى 
حباتك وموتك» هو ربك وسيدك ومولاك وخالقك؛ ومهما ذكرته فهو جليسك. إذا قال 
الله تعالى : «أنَا جليس من ذَكرنَى): ومهما اتكسر قلبك حزنًا على تقصیرك فی حق دینك 
و اك ا و ان الله تعالى: «أنَا عند الممُكَسرة ة تلُوبهِمْ من أجلى»؛ فلو فلو 
عرفته حق معرفته لاتخذته صاحبًا وتركت الاس ا فإن لم تقدر على ذلك فى جميع 
أوقاتاف فإياك أن تخلى ليلك ونهارك عن وقت تخلو فيه لمولاك وتتلذذ معه بمناجاتك له 
وعند ذلك فعليك أن تتعلم آداب الصحبة مع الله تعالى؛ وآدابها: إطراق الرأس. وغض 
الطرف» وجمع الهم. ودوام الصمت؛ وسكون الجوارح» ومبادرة الأمرء واجتناب النهى» 
وقلة الاعتراض على القدرء ودوام الذكر» وملازمة الفكرء وإيثار الحق على الباطل» 
والإياس عن الخلق؛ والخضوع نحت الهيبة» والاتكسار تحت الحياء. والسكون عن حيل 
الكسب ثقة بالضمان» والتوكل على فضل الله تعالى معرفة بحسن الاختيار. وهذا كله 
يبغى أن يكون شعارك فى جميع ليلك ونهارك. فإنها آداب الصحبة مع صاحب لا يفارقك› 
والخاق كلهم يفارقونك فى بعض أوقاتك . 

وإن كنت عالاء فآداب العالم: الاحتمال» ولزوم الحلم» والجبلوس بالهيبة على سمت 
الوقار مع إطراق الرأس» وترك التكبر على بجميع العباد إلا على الظلّمة زجر لهم عن 
الظلم» وإيشار التواضع فى المحافل والمجالس» وترك الهزل والدعابة» والرفق بالمتعلم. 
والتأنى بالمتعجرف» وإصلاح البليد بحسن الإشارة وترك اخرد عليه» وترك الأنفة من قول 
لا أدرى» وصرف الهمة إلى السائل وتفهم سؤاله. وقبول الحجة والانقياد للحق بالرجوع 
إليه عند الهفوة؛ ومنع المتعلم عن كل علم يضرهء وزجره عن أن يريد بالعلم النافع غير 
وجه الله تعالى» وصد المتعلم أن يشتغل بفرض الكفاية قبل الفراغ من فرض العين» وفرض 
عينه إصلاح ظاهره وباطنه بالتقوى. ومؤاخذة نفسه أولأبالتقوى ليقتدى المتعلم أولاً بأعماله 
ويستفيد ثانيًا من أقواله . 

وإن كنت متعلماء فاداب المتعلم مع العالم: أن يبدأه بالتحية والسلام» وأن يقلل بين 
يديه الكلام» ولا يتكلم ما لم يسأله أستاذه ولا يسأل ما لم يستأذن أولأء ولا يقول فى 


جد :”م سللبلبب بيبح مجهوعةرسائلالإمامالفزالى سد 
معارضة قوله قال فلان بخلاف ما قلت» ولايشير عليه بخلاف رأيه قيرى أنه أعلم 
بالصواب من أستاذه» ولايسآل جليسه فى مجلسهء ولايلتقت إلى الجوانب بل يجلس 
مطرقًا عينه ساكتًا متأديًا كأنه فى الصلاة» ولا يكثر عليه السؤال عند مللهء وإذا قام قام له 
ولا يتبعه بكلامه وسؤاله» ولا يسأله فى طريقه إلى أن يبلغ إلى منزلهء ولا يسئ الظن به 
فى أفعال ظاهرها منكرة عنده ف فهو أعلم بأسرارهء وليذكر عند ذلك قول موسى للخضر 
عليهما السلام: أَحَرفها لتغرق أهلها لقد جنت 32 جقت شيا إمر؟ 4 [الكهف : .]/١‏ وكونه مخطنًا 
فى إنكاره اعتمادًا على الظاهر . 

وإن كان لك والدانء فآداب الولد مع الوالدين: أن بسمع كلامهماء ويقوم لقيامهماء 
ويمتثل لأمرهماء ولايمشى أمامهماء ولا يرفع صوته فوق أصواتهماء ويلبى دعوتهماء 
رتس قل راما ريخف ل جام الل ولأ ين علسينا بالير ول بالقنياء 
لأمرهماء ولاينظر إليهما شزراء ولايقطب وجهه فى وجههماء ولايسافر إلا بإذنهما. 

واعلم أن الناس بعد هؤلاء فى حقك ثلاثة أصناف: إما أصدقاء. وإما معارفء وإما 

فإن بليت بالعوام الجهولين فآداب مجالستهم : ترك الخوض فى حديثهم» وقلة 
الإصغاء إلى أراجيقهم ' والتغاقل عما يجرى من سوء ألفاظهمء والاحتراز عن كثرة لقائهم 
والحاجة إليهم . والتنبيه على منكراتهم باللطف والنصح عند رجاء القبول منهم . 

وأما الإخوان والأصدقاء فعليك فيهم وظيفتان: 

إحداهما: أن تطلب آولا شروط الصحبة والصداقة» فلا يك إلا من يصلح للأخوة 
والصدافة: “قال رشول الله عكه. <«المرء ع على دين خَليله َلبَظر أحدكم من يَخالل» . فإذا 
طلبت رفيقًا ليكون شريكك فى التعلم وصاحبك فى أمر دينك ودنياك فراع فيه خمس 
خحصال: 

الأولى العقل: فلا خير فى صحبة الأحمق» فإلى الوحشة والقطيعة يرجع آخرهاء 
وأحسن 8 أن يضرك وهو يريد أن ينفعك. والعدو العاقل خير من الصديق الأحمق؛ 
قال على ناه 

E E ا‎ 

و اك وال س 


إا ا ا 


سک= مجموعة رسال الإمامالفزالی بلست 580غع = 
تخت و ا 
إإ ت التنل حا 
وا ىء ي 
ا 
وللق هبعت ىالقلب 
ولعي و ا ا 
اة جن الى فد في ما عله والذى لا علك نقسه عند الغضب 
والشهوة؛ وقد جمعه علقمة العطاردى رحمه الله تعالى فى وصيته لابنه لما حضرته الوفاة 
فقال: يا بنى إذا أردت صحية إنسان فاصحب من إذا خدمته صانلك» وإن صححيته زانك» 
وإن قعدت بك مؤوئة ماتك . اصحب من إذا مددت بحي مهاه وإن رأى منك حسنة 
عدهاء وإن رأى منك سيئة سدها. اصحب من إذا قلت صدق قولك. وإذا حاولت أمرا 
أعانك ونصرك وإن تنازعتما فى شىء آثرك . وقال على فلقيه رجرا: 
إن امن قا تنك 


مس كع 


ومن عترم ي 
ومن إذا ل 
3 شتت E O EE‏ الع حو يف 
الثالشة الصلاح: قلا تفت فاا مضا ل كيية كيف الألعن يكاف الله 
لايصر على معصية كبيرةء ومن لايخاف الله لا تؤمن غوائله» بل يتخير بتغير الأحوال 
والأعراض؛ قال الله تعالى ليه عله : ولا تطع من أَعْفَلنَا قَلبه عن ذكرنا واتبَع هواه وكَان 
أمره فرطا # [الكهف: ۲۸]. فاحذر صحبة الفاسق» فإن مشاهدة الفسق والمعصية على 
الدوام تزيل عن قلبك كراهية المعصية ويهون عليك أمرها؛ ولذلك هان على القلوب معصية 
الغيبة» لا لفهم لهاء ولو رأوا خائًا من ذهب أو ملبوسًا من حرير على فقيه لاشتد إنكارهم 
عليه » والغيبة أشد من ذلك . 
الرابعة أن لا يكون حريصا على الدنيا: فصحبة الحريص على الدنيا سم قاتل؛ لأن 
الطباع مجبولة على التشبه والاقتداءء بل الطبع يسرق من الطبع من حيث لايدرى» 
فمجالسة الحريص تزيد فى حرصك؛» ومجالة الزاهد تزيد فى زهدك. 
الخامسة الصدق: فلا تصحب كذايًا فإنك منه على غرورء فإنه مثل السراب يقرب 
منك البعيد ويبعد منك القريب. 
ولعلك تعدم اجتماع هذه الخصال فى سكان المدارس والمساجدء فعليك يأحد أمرين: 
إما الحزلة والانفراد فقيها سلامتك» وإما أن تكون مخالطتك مع شركائك بقدر خصالهمء 


دم mmm )٦‏ مجموعةرسائل الإمامالفزالى “= 
بأن تعلم أن الإخوة ثلاثة: أخ لآخرتك» فلا تراع فيه إلا الدين. وأخ لدنياك» فلا تراع فيه 
إلا الخلق الحسن. وأخ لتأنس به فلا تراع فيه إلا انسلامة من شره وفتنته وخبثه . 

والناس ثلاثة: أحدهم مثله مثل الغذاء لايستغنى عنه والآخر مثله مثل الدواء يحتاج 
إليه فى وقت دون وقت. والثالث مثله مثل الداء لايحتاج إليه قط ولكن العبد قد يبتلى به 
وهو الذى لا”أنس فيه ولا نفع » فتجب مداراته إلى الخلاص منهء وفى مشاهلته فائدة 
عظيمة إن وفقت لهاء وهو أن تشاهد من خبائث أحواله وأفعاله ما تستقبحه فتجتتنيه؛ 
فالسعيد من وعظ بغيرهء والمؤمن مرأة المؤمن» وقيل لعيسى عليه السلام: من أدبك؟ فقال: 
ما أدبنى أحد ولكن رأيت جهل الجاهل فاجتنبته. ولقد صدق على نبينا وعليه الصلاة 
والسلام» فلو اجتنب الناس ما يكرهونه من غيرهم لكملت آدابهم واستغنوا عن المؤدبين. 

الوظيفة الثانية: مراعاة حقوق الصحبة؛ فمنها انعقدت الشركة» وانتظمت بينك وبين 
شريكك الصحبة» فعليك حقوق يوجبها عقد الصحبة وفى القيام بها آداب؛ وقد قال عه 
«متل الأخوين مكل اليدين تفسل إخداهما الأخْرى» ودخل عله أجمة فاججنى منها 

سواكين: أحدهما معوج والآخر مستقيم» وكان معه بعض أصحابه» فاغطاه المسشقيم 

وأمسك لنفسه المعوج فقال: يارسول الله أنت أحق منى المي > فقال به ما من 
صاصب شی صا ولو ساعة بن نهار لوال من مت و ام فیا حن اه 
تعالى أل اعا وقال عله : «مسا اصطحب اثنان قط إل وكان اا إلى الله تعالى 
أَرقََهمَا بصاحبه» . 

وآداب الصحبة الإيثار بالمال» فإن لم يكن هذا فبذل الفضل من المال عند الحاجةء 
والإعانة بالنفس فى الحاجات على سبيل المبادرة من غير إحواج إلى التماس» وكتمان السرء 
وستر العيوب» والسكوت عن تبليغ 'ما يسؤوه من مذمة الناس إياهء وإبلاغ ما يسره من ثناء 
الناس عليه» وحسن الإصغاء عند الحديث» وترك المماراة فيه» وأن يدعوه بأحب أسمائه 
إليه» وأن يثنى عليه بما يعرف من محاسنه» وأن يشكره على صنيعه فى وجههء وأن يذب 
عنه فى غيبته إذا تعرض لعرضه كما يذب عن نفسهء وأن ينصحه باللطف والتعرض إذا 
احتاج إليه؛ وأن يعفو عن زلته وهفوته فلا يعتب عليه»ء وأن يدعو له فى خلوته فى حياته 
وبعد ثماته» وأن يحسن الوفاء مع أهله وأقاريه بعد موته. وأن يؤثر التخفيف عنه فلا يكلفه 
شيئًا من حاجاته ويروح قلبه من مهماته»ء وأن يظهر الفرح بجميع ما يرتاح له من مساره؛ 
واب ن عل ما اله من کار SS‏ 
وعلانية» وأن يبدأه بالسلام عند إقباله. وأن يوسع له فى المجلس» وأن يخرج له 
مکانه » وأن يشيعه عند قيامه. وأن يصمت عند كلامه حتى يفرغ من كلامه ويترك المداخلة 


فى كلامه؛ وعلى الجملة فيعامله بما يحب أن يعامل به» فمن لا يحب لأخيه مثل ما يحب 
لنفسه فأخوته نفاق» وهى عليه وبال فى الدنيا والآخرةء فهذا أدبك فى حق العوالم 
المجهرلين وفى حق الأصدقاء المؤاخين. 

وأما القسم النالث وهم المعارف؛ فاحذر منهمء فإنك لا ترى الشر إلا عمن تعرقه» 
أما الصديق فيعينكموأما المجهول فلا يتعرض لك وإنما الشر كله من المعارف الذين 
يظهررن الصداقة بألسنتهم . فأقلل من المعارف ما قدرت. فإذا بايت بهم فى مدرسة أو 
مسجد أو جامع أو سوق أو بلد» فيجب أن لا تستصغر منهم أحداء فإنه لا تدرى لعاه خير 
منك ولا تنظر إليهم بعين التعظيم لهم فى حال دنياهم فتهلك. لان الدنيا صغيرة عند الله 
تعالى صغير ما فيهاء ومهما عظم أهل الدنيا فى قلبك فقد سقطت من عين الله تعالى. 
وإياك أن تبذل دينك لتنال به من دنياهم» فلا يفعل ذلك أحد إلا صغر فى أعينهم» ثم حرم 
ما عندهم. وإن عادوك فلا تقابلهم بالعداوة» فإنك لا تطيق الصبر على مكافأتهم» فيذهب 
دينك فى عداوتهم. ويطول عناؤك معهم. ولا تسكن إليهم فى حال إكرامهم إياك» وثنائهم 
عليك فى وجهك. وإظهارهم المودة لك» فإنك إن طلبت حقيقة ذلك لم تجد فى المائة 
واحداء ولا تطمع أن يكون لك فى السر والعلن واحد. ولا تتعجب إن ثلبوك فى غيبتك 
ولا تغضب منهمء فإنك إن أنصفت وجدت من نفسك مثل ذلك حتى فى أصدقائك 
وأقاربك» بل فى أستاذك ووالديك» فإنك تذكرهم فى الغيبة بما لا تشافههم به. فاقطع 
طمعك عن مالهم وجاههم ومعونتهم؛ فإن الطامع فى الأكثر خائب فى المال. وهو ذليل لا 
محالة فى الحال. وإذا سألت واحدا حاجة فقضاها فاشكر الله تعالى واشكرهء وإن قصر فلا 
تعاتبه ولا تشكه فيصير عداوة له؛ وكن كالمؤمن يطلب المعاذيرء ولا تكن كالمنافق يطلب 
العيوب» وقل لعله قصر لعذر له لم أطلع عليه. ولا تعظن أحذا منهم ما لم تتوسم فيه 
أولاً مخايل القبول» وإلا لم يستمع منك وصار خصما عليكء فإذا أخطئوا فى مسألة 
وكانوا يأنفون من التعلم فلا تعلمهم» فإنهم يستفيدون منك علمًا ويصبحون لك أعداء؛ إلا 
إذا تعلق ذلك بمعصية يقارفونها عن جهل منهم. فاذكر الحق بلدلف من غير عنف. وإذا 
رأيت منهم كرامة وخيرًا فاشكر الله الذى حببك إليهم» وإذا رأيت منهم شرا فكلهم إلى الله 
تعالى» واستعذ بالله من شرهم» ولا تعاتبهمء ولا تقل لهم: لم لم تعرفوا حقى وأنا فلان 
ابن نلان وأنا الفاضل فى العلوم؟ فإن ذلك من كلام الحمقى؛ وأشد الناس حماقة من يز كى 
تفه ويشنى عليها. واعلم أن الله تعالى لا يسلطهم عليك إلا لذنب سبق منك» واستغفر 
الله من ذنبك واعلم أن ذلك عقوبة من الله تعالى. وكن فيما بينهم سميعًا لحقهم» أصم 
عند باطلهم» نطوقًا بمحاسبتهمء صمونًا عن مساويهم واحذر مخالطة متفقهة الزمان» 


جھ ۸] ım‏ مجموعة رسائل الإمامالفزالى سل 


لاسيما المشتغلين بالخلاف والجدال» واحذر منهم» فإنهم يتصرفون بك يحسدهم ريب 
المنونء ويقطعون عليك بالظنون» ويتغامزون وراءك بالعيون» ويحصون عليك عثراتك فى 
عشيرتهم حتى يجبهوك بها فى حال غيظهم ومناظرتهم. لايقيلون لك عثرة» ولا يغفرون 
لك زلةء ولايسترون عليك عورة. يحاسبونك على النقير والقطمير» ويحسدونك على 
القليل والكثيدء ويحرضون عليك الإخوان بالنميمة والبلاغات والبهتان. إن رضوا فظاهرهم 
الملقىء وإن سخطوا فباطنهم الحنق. ظاهرهم ثياب. وباطتهم ذئاب». هذا ما قطعت به 
المشاهدة على أكثرهم إلا من عصمه الله تعالى؛؟ فصحبتهم خسران» ومعاشرتهم خذلان. 

هذا حكم من يظهر لك الصداقة» فكيف من يجاهرك بالعداوة! قال القاضى ابن 
عو رحمه الله sS‏ 


واخذر ص اله 2 نك ألف ف 
تلرُمانقلب‌الص ديا 


و 


ق كان أرقف باآًضطل ره 
وكذلك قيل فى المعنى : 


عَدوكَ من صَديقك نٌسئْتفاهو 

نلا تئتكنفرنمن المطححاب 
قَإِنَائداء كفم مساتراة 

يكونٌ من الطََّا أو الش راب 
وكن كما قال هلال بن العلاء الرقى: 
للاعفوت ولمأخقفدعلى أحد 


| ا منهمالعداوات 
إلى ألحسيّى عدوى عند رؤيّته 

لاضع الشر نى بال يات 
وأظهر البشر الناية ي 
ولت ألم ممر إلكأفرقه 
الناس داء دواء الاس د ي 


وقىالجخققاء ء لَهُمْ قطع الأخوات 


سک مجموعۂ رسائل الإمام القزالی سس سبحت 559 = 


الم الاس تلم منغ وائلهم 
وك حَري ص اعلى كسب المودات 
وخالق الاس E E E‏ 
أصم أبكم أمى ذاتق يات 
وكن أيضناهكما قال بعض الحكماء: الق صديقك وعدوك بوجه الرضا من غير مذلة 
لهما ولا هيبة منهماء وتوقر من غير كبر» وتواضع من غير مذلة» وكن فى جميع أمورك 
نى أوسطها. فكلا طرفى قصد الأمور ذميم ق 
عَلَيِْكَ بأؤ سا الاأسور قإنها 
طريق إلى نهج ال راط قلويم 
ولائك فنيهامقفرطااومقرطا 
فَإنّكلاح ال الأسور ميم 
ولا تنظر فى عطفيك» ولا :عر الالنقات إلى ورافك رلا تق على الاعات 
بإذا جلست فلا تستوفز. وتحفظ من تشبيك أصابعك. والعبث بلحيتك وخاتمك» وتخليل 
"سنانك» وإدخال إصبعك فى أنفك» وكثرة بصاقك وتنخمك وطرد الذياب عن وجهك» 
وكثرة التمطى والتثاؤب فى وجوه الناس وفى الصلاة وغيرها. 
وليكن مجلسك هادئًا وحديثئك منظوما مرتبًا. واصغ إلى الكلام الحسن ممن حدثئك 
من غير إظهار تعجب مفرطهء ولا تسأله إعادته. واسكت عن المضاحك والحكايات» ولا 
تحدث عن إعجابك بولدك وشعرك وكلامك وتصنيفك وسائر ما يخصك. ولا تتصنع تصنع 
المرأة فى التزين» ولا تتبذل تبذل العبد. وتوق كثر الكحل والإسراف فى الدهن. ولا تلح 
فى الحاجات» ولاتشجع أحدا على الظلم. 
ولا تعلم أحدا من أهلك وولدك - فضلاً عن غيرهم- مقدار مالك فإنهم إن رأوه 
قليلاً هنت عليهم. وإن رأوه كثيرا لم تبلغ قط رضاهم. واجفهم من غير عنفء ولن لهم 
من غير ضعف. ولا تهازل أمتك ولا عبدك فيسقط وقارك من قلوبهم. وإذا خاصمت 
فتوقرء وتحفظ من جهلك وعجلتك. وتفكر فى حجتك؛ ولا تكثر الإشارة بيدك» ولا تكثر 
الالتفات إلى من ورائك» ولا تجث على ركبتك؛ وإذا هدأ غضبك فتكلم. وإذا قربك 
السلطان فكن منه على حد السنان. وإياك وصديق العافيةء فإنه أعدى الأعداد. ولا نجعل 
مالك أكرم من عرضك . 
فهذا القدر يا فتى يكفيك من بداية الهداية» فجرب بها نفسك» فإنها ثلاثة أقسام: 
قسم فى آداب الطاعات. وقسم فى ترك المعاصى» وقسم فى مخالطة الخلق. وهى جامعة 


لحملة معاملة العبد مع الخالق؛ فإن رأيتها مناسبة لنفسك ورأيت قلبك مائلاً إليها راغبًا فى 
العمل بهاء فاعلم أنك عبد تور الله تعالى بالإيمان قلبك» وشرح به صدرك. 

وتحقق أن لهذه البداية نهاية» ووراءها أسرارًا وأغوارًا وعلومًا ومكاشفات» وقد 
أردعناها فى كتاب إحياء علوم الدين» فاشتغل بتحصيله. وإن رأيت نفسك تستثقل العمل 
بهذه الوظائف» (تنكر هذا الفن من العلم» وتقول لك نفسك: أنّى ينفعك هذا العلم فى 
محافل العلماء؟ ومتى يقدمك هذا على الأقران والنظراء؟ وکات يرفع منصبك ف مجالس 
الأمراء والوزراء؟ وكيف يوصل إلى الصلة والأرزاق وولاية الأوقاف والقضاء؟ فاعلم أن 
الشيطان قد أغواكء وأناك منقلبك ومثواك» فاطلب لك شيطانًا مثلك ليعلمك ما تظن أنه 
ينفعك ويوصلك إلى بغيتك. ثم اعلم أنه قط لايصفو لك فى محلتك فضلاً عن قريتك 
وبلدتك, ثم يموتك الملك المقيم والنعيم الدائم فى جوار رب العالمين . 

والسلام عليكم ورحمة الله وتركاتهء والحمد لله أولاً وآخرًا وظاهرً وباطنًاء ولاحول 
ولاقوة إلا بالله العلى العظيم» وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم. 


الآدبفىالدين 

الحمد لله الذى خلقنا فأكمل خلقناء وأدبنا فأحسن أديناء وشرفنا بنبيه محمد َل 
فأحسن تشريفنا؛ ثم أقول وبالله التوفيق: 

إن أكمل الأخلاق وأعلاهاء وأحسن الأفعال وأبهاهاء هو الأدب فى الدين؛ وما 
يقتدى به المؤمن من فعل رب العلمين» وأخلاق النبيين والمرسلين. وقد أدبنا الله تعالى فى 
القرآن بما أرانا فيه من البيان» وأدبنا بنبية محمد تله فى السئّة بما أوجب عليناء فله المنةء 
وكذلك بالصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل الآدب من المؤمنين بما أوجب علينا من 
الاقتداء بهم؛ وذلك جليل خطره» كثير عدده» نذكر بعضه»ء لئلا يطول شرحه فيعسر 
وهمه . 


الآدابيين يدى الله تعالى 

أذبالمؤمن بين يْدى الله تعالى 
إطراق الطرف»ء وجمع الهمء ودوام الصمت» وسكون الجوارح»؛ ومبادرة امتثال 
الأوامر» واجتناب المناهى» وقلة الاعتراض» وحسن الخلق» ودوام الذكر» وتنزيه الفكرء 
رتقييد الجوارحء وسكون القلب» وتعظيم الرب» وقلة النغضبء» وكتمان الحب» ودوام 


س مجموعة رسائل الإمام القزالی ست سس سسسب حتت ١7ل‏ = 


الإخلاصء وترك النظر إلى الأشخاصء وإيثار الحق» واليأس من جميع الخلق» وإخلاص 
العمل» وصدق القول» وتنزيه الاطلاع» وإحياء القربات» وقلة الإشارة» وكتمان الفائدة» 
والغيرة على تبديل الاسم. والغضب عند انتهاك المحارمء ودوام الهيبة» واستشعار الحياء؛ 
واستعمال الخدوفء والسكون ثقة بالضمانء والتوكل معرفة بحسن الاخختيار» وإسباغ 
الوضوء على المكاره. وانتظار الصلاة بعد الصلاةء وارتعاش القلب خحوف فوت الفرض» 
ودوام التوبة خوف الإصرار» ودوام التصديق بما غاب» ووجل القلب عند الذكرء وزيادة 
الأنوار عند الوعظ» واستشعار التوكل عند الفاقة» وإخراج الصدقة من غير بخل مع 
الإمكان. 


آداب العالم 
لزوم العلمء والعمل بالعلمء ودوام الوقارء ومنع التكبر وترك الدعاء به» والرفق 
با متعلم» والتأنى بالتعجرف› وإصلاح المسألة للبليد. ويرك الآئفة من قول لا أدرى» 
وتكون همته عند السؤال خلاصة من السائل لإخلاص السائل» وترك التكلف» واستماع 
الحجة والقبول لها وإن كانت من الخصم. 


آداب المتعلم مع العالم 
يبدؤه بالسلامء ويقل بين يديه الكلام» ويقوم له إذا قام» ولا يقول له: قال فلان 
خلاف ما قلت» ولا يسأل جليسه فى مجلسه.ء ولا يبتسم عند مخاطبته» ولا يشير عليه 
بخلاف رأيه» ولا يأخذ بثشوبه إذا قام» ولا يستفهمه عن مسألة فى طريقه حتى يبلغ إلى 
منزله» ولا يكثر عليه عند ملله. 


آداب المقرىء 
يجلس جلة الخشية» واستماع الأمرء وإنصات الفهمء وانتظار الرحمة» والإصغاء 
إلى المتشابه وإشارة الوقف. وتعريف الابتداء» وبيان الهمزة. وتعليم العدد» وتجويد 
الحرفء وفائدة الخاتم» والرفق بالبادى» والسؤال عن المتعلم إذا غابء والحث له إذا 
حضرء وترك الحديث» ويبدأ بالمتلقن يلقنه ما يصلى به لنفسه؛ أو احتاج إلى أن يؤم غيره. 


آداب الفارىء 


يجلس بين يديه جلسة التواضع» وجمع الفهمء وخفض الرأس» والاستئذان قبل 
القراءة» ثم الاستعاذة والتسمية» والدعاء عند الفراغ . 


لحأ( يي للللدسطل ومجموعةرسائل الإمامالفزالى سد 


آداب معلم الصبيان 

يبدأ بصلاح نفه؛ فإن أعينهم إليه ناظرة» وآذانهم إليه مصغية؛ فما استحسنه فهو 
عندهم الحسن» وما استقيحه فهو عندهم القبيح» ويلزم الصمت فى جلستهء والشزر فى 
نظرهء ويكون معظم تأديبه بالرهبة؛ ولا يكثر الضرب والتعذيب» ولايحادثهم فيجترئوا 
عليه» ولا يدعهم يتحدثون فينبسطون بين يديه» ولا مازح بين أيديهم أحدا! ويتنزه عما 
يعطونه» ويتورع عما بين يديه يطرحونه» وينعهم من التحريش» ويكفهم من التفتيش» 
ويقبح عندهم الغيبة» ويوحش عندهم الكذب والنميمة» ولا يسألهم عن أمر ينوبهم 
و ولا يكثر الطلب من أهلهم فيملوه» ويعلمهم الطهارة والصلاة» ويعرفهم بما 
يلحقهم من النجاسة. 


آداب الجحدث 

يقصد الصدقء ويجتنب الكذب». ويحدث بالمشهورء ويروى عن الثقاتء» ويترك 
المناكير ولا يذكر ماجرى بين السلف» ويعرف الزمان. ويتتحفظ من الزلل والتصحيف 
واللّحن والتحريف» ويدع المداعبة» ويقل المشاغية» ويشكر النعمة؛ إذ جعل فى درجة 
الرسول عله ويلزم التواضع» ويكون معظم ما يحدث به ما ينتفع المسلمون به من فرائضهم 
وسننهم وآدابهم فى معانى كتاب ربهم عز وجل. ولا يحمل علمه إلى الوزراء» ولا يغشى 
أبواب الأمراء؛ فإن ذلك يزرى بالعلماء» ويذهب بهاء علمهم إذا حملوه إلى ملوكهم 
ومياسيرهم؛ ولا يحدث بما لا يعلمه فى أصلهء ولا يقرأ عليه ما لا يراه فى كتابهء ولا 
يتحده إذا قرئ عليهء ويحذر أن يدخل حديئًا فى حديث. 


آداب طالب الحديث 
يكتب المشهور ولايكتب الغريب» ولا يكتب المناكيرء ويكتب عن الثقاتء. ولا يغلبه 
شهرة الحديث على قرينه ولا يشغله طلبه عن مروءته وصلاته؛ يجتنب الغيبة» وينصت 
للسماعء ويلزم الصمت بين يدى محدثه؛ ويكثر التلفت عند إصلاح نسخته. ولا يقول: 
سمعت» وهو ما سمع» ولا ينشره لطلب العلو فيكتب من غير ثقة» ويلزم أهل المعرفة 
بالحديث من أهل الدين» ولا يكتب عمن لا يعرف الحديث من الصالحين. 


آداب الكاتب 
حسن الخط» وجودة البرىء وإعراب اللفظ ومعرفة الحساب» وسداد الرأى» وحسن 


2س مجموعة سائل الإمامالقفزالى سس سس للسسشسبت 3غ يع 


اللباس» وطيب الرائحة» والمعرفة بأخبار المتقدمين من الوزراء المتصرفين» والتخوف من 
المصادرات» والعلم يأمر الخراجء والمسامحة والخبرة فى السداداتء وترك الانخرام والتنزه 
عن الحرام» واستعمال المروءة وحسن العشرة والتحفظ عن الذلةء وترك الرفث فى 
المجالس» ونفى المداعبة والمحادثة والمداراة للحاشية . 
آداب الواعظ 
ترك التكبرء ودوام الحياء من سيده وإظهار الفاقة إلى خالقه» وشهوة المنفعة لمستمعه» 
والإزراء على نفسه لمعرفة عيبه» والنظر إلى المستمعين إليه بعين السلامة» وحسن الظن بهم 
بباطن الديانة» والإياس منهم طلبًا للصيانة» والرفق بالتأديب» والعطف على الميتدىى. 
واعتقاد فعل ما يقول؛ لينتفع الناس بما يقول. 


آدابالمستمع 
إظهار الخشوع› ودوام الخضوع ٠‏ وسلامة الصدر. وحسن الظن. واعتقاد القول. 
ودوام السكوت. وقلة التقلب» وجمع الهم وترك التهمة. 


آداب الناسك 
يكون وقته معلوماء وورده مفهوماء وكلامه مقسوماء ودمعه مسجومّاء دائما 
رع لازنا رغه غاا لط عاق تقلت متكرا فى دید راا رک ارما 
لصومه» ساهرا فی لیله» متورعا فی مسکنه» متقللاً فی مطعمه ومشربه» متوقعا لنزول 
أجله» مجانبًا لقرنائهء تاركًا لشهواته. محافظًا على صلواتهء عالًا بزيادة حاله ونقصانه لا 
يحتاج إلى علم غيره مع علمه بحاله. 


آداب اعنزال الناس 
يكون فقيها فى دينه» عارقًا بأمر صلاته وصيامه وزكاته وحجهء يعتقد فى اعتزالهم 
دفع شره عنهمء ويحضر الجمع والجماعات. ويشهد الجنائزء ويعود المرضى؛ ولا يخوض 
فى حديثهم. ولا يسأل عما يفد قلبه من أخبارهم؛ ولا يطمع نفسه فى تائلهمء حتى لا 
يكون له حاجة إلى جيرانه؛ تكون أوقاته ثلاثة: إما أن يصلى ويدرس فيغنمء أو ينظر فى 
كتبه فيتعلم» أو ينام فيسلم. يدمن الذكرء ويكثر الشكر حتى يتم له الأمرء فإنَ كان له أهل 
ينحدث معهم»› »ویجتهد فی خلوته حتی یری ميزان عزلته . 


حص :0 س بمجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


آداب الصوفى 
. قلة الإشارة» وترك الشطح فى العبارة» والتمسك بعلم الشريعة. ودوام الكدء 
واستعمال الجد. والاستيحاش من الناس» وترك الشهرة فى اللباس» وإظهار التجمل»ء 
واستشعار التموكل» واختيار الفقرء ودوام الذكرء وكتمان المحبة. وحسن العشرة فى 
الصحبةء والغض عن المردان وترك مؤاخاة النسوانء ودوام درس القرآن. 


آداب الشريف 
يصون شرفه, ولايأكل بنسبه؛ ولا يتعدى بحسبهء همته التواضع لربه» والخوف من 
سيده» ويأخذ بالفضل على من دونه» ولا يساوى من هو مثله. يعرف الفضل لأهل العلم 
وإن كان مثلهم فى العلم أو أعلم» يلازم أهل الدين من أهل الفقه والقرآن. ويهذب 
أخلاقه» ويتحفظ فى ألفاظه عند غضبه وخطابه» يكرم جلساءه» ويواصل إخوانه» ويصون 


أقاربه» ويعين جيرانه» ويرزين بنفسه أخدانه . 


آداب الوم 
.يتطهر قبل النوم» وينام على ننه » ويذكر الله عز وجل حتى يأخذه النوم» ويدعو إذا 


آداب النهجد 
النظر فى المحجرمات» والقيام من النوم بفزع وخوف» وإسباغ الوضوءء والنظر قن ملكوت 
السماوات. والدعاء والحضور فى الصلاة لفهم التلاوة. 


آداب الخلاء 
التسمية ثم الاستعاذة قبل الدخول» وکشف الثوب برفق بعل قربه من الأرض› 
ومسح اليد بالتراب سعل الاستنجاء نم الغسلء والاستتار قبل الخنروج» والحمد والشكر بعل 
الخروج . 


آداب الحمام 
ستر العورة» وعغض البصر عن العورات» وطلب الخلوة. وترك التكلمء وقلة 


حك مجموعة رسائل الإمام الفزالى کک ڪڪ ڪڪ ڪڪ 


التلفت» ومنع السلام» وقلة الجلوسء وغسل الجنابة من قبل الدخول» وغسل القدمين إذا 
خرج بالماء البارد قاته يذهب الصداع : 


آداب الوضوء 
السواك ودام الذكر مع الغسل» واستشعار الهيبة ممن يقصد والتوبة نما كانء 
والسكوت بعد الطهارة حتى يدخل فى الصلاة» والطهارة فى إثر الطهارة وأخخذ الشارب» 
وننف الإبطء وحلق العانة» وتقليم الأظافرء والاختتان وغسل البراجم. وتعاهد الأنف». 
ونظافة الثوب والبدن. 


آداب دخول المسجد 
يبدأ باليمنى» ويزيل ما فى نعله من الأذى» ويذكر اسم الله عر وجل» ويسلم على 
من حضر» فإن كان خاليًا سلم على نفسه» ويسأل الله تعالى أن يفتح له أبواب رحمتهء 
ويجلس فى مواجهة القبلة» ويلزم المراقبة» ويقل المخاطبة» ونتعرك الملاعنةء ولا يرفع فيه 
صوته» ولا يشهر فيه سيفه» ويمسك بنصال نبله» ولا يصنع صنعة» ولا يتشد ضالة» ولا 
يبايع ولا يشارى ولا يجامع, فإذا انصرف بدأ باليسرى» وسأل الله تعالى من فضله ما 
يدطى . 


آداب الاعتكاف 
دوام الذكر» وجمع الهم. وترك الحديث» ولزوم الموضع» وترك التنقلات» وحبس 
النفس عن مرادهاء ومنعها فى محابهاء وجبرها على طاعة الله ع وجل . 


آداب الأذان 
کرو اعارا بره فى الصف وف العكات :شا الطرفة غت مرك اة 
ويلتفت فى أذانه عند النداء بالصلاة والفلاح. ويرتل الأذان» ويتحدر فى الإقامة. 


آداب الامام 
يكون عارفًا بالصلاة وفرائضها وستنهاء فقيها بما يحدث له فى صلاته. وما يفسدهاء 
ولا يؤم قوم وهم له كارهون» يجعل من يليه من أهل العلنم ويأمرهم يتسوية الصفوف». 
ويشير إليهم بلطف» ولا يقرأ بطوال السور فيضجرواء ولايطيل التسبيح فيملوا» ولا يخفف 


01 ا ww‏ مجموعةرسائل الإمام الغزالى حت 


بحيث يفوت الكمالء بل يرتب الصلاة على قدر قوة ضَعفتهمء ويترفق فى ركوعه 
وسجوده حتى يطمئنواء ويسكت سكتة قبل الحمد وبعد الحمد وإذا فرغ من السورة» وينتظر 
فى ركوعه من أحس به ما لم يجحف بمن ورائه» وينتظر قبل الصلاة من فقد من جيرانه ما 
لم يخف قوت وقته» ويفرق بين التسليمتين بوقفة خفيفة. وإذا فرغ نظر إلى ستر الله 
ومنته» وازداد شكرا لسيده» وأدام له فى كل حالاته الذكر. 


آداب الصلاة 
خفض الجناح» ولزوم الخشوعء. وإظهار التذليل» وحضور القلب» ونفى الوساوس» 
وترك التقلب ظاهراً وباطئاء وهدوء الجوارح» وإطراق الطرف» ووضع اليمين على الشمال 
والتفكر فى التلاوة» والتكبير بالهيبة» والركوع بالخضوع.ء والسجود بالخشوع» والتسبيح 
بالتعظيم» والتشهد بالمشاهدة» والتسليم بالإشفاق» والانصراف بالخوف» والسعى يطلب 
الا 


آداب القراءة 
مداومة الوقار والحياءء ومجانبه العيث والخناءء ولزوم التواضع والبكاء . 


آداب الدعاء 
خشوع القلب» وجمع الهم. وإظهار الذل» وحسن النظر» وخحقض الجناح» وسؤال 
الفاقة» ولجأً الغريق» ومعرفته بقدر نفسه» وعظيم حرمة المسئول» وبسط الكف عند 
الرغبة» واليقين بالإجابة والخوف من الخيبة» وانتظار الفرجء وترك العدوان» وصحة القصد 
واللجإ ومسح الوجه بباطن الكف بعد الدعاء. 


آداب الجمعة 

التأهب للوقت قبل دخوله. والطهارة عند حضوره والبكور»› وغسل الحسد ونظافة 
الثوب» وطيب الرائحة. وترك التخطى» وقلة الكلامء ودوام الذكر» والقرب من الإمامء 
والإنصات للخطيب» والاتتشار لطلب العلمء والمشى بالسكينة والوقار» وترك تشبيك 
الأصابع» وتقارب الخطىء ودوام الإطراق» وكشرة الشكر للرزاق» ودخول المسجد 
بالخشوع. ورد السلام» وترك الصلاة بعد جلوس الخطيب على المنبر. ورد السلام عليه بعد 
إشارته» وترك الكلام» واعتقاد القبول للموعظة» وترك الالتفات عند إقباله ومخاطبته» 
وترك القيام إلى الصلاة حتى ينزل من المنبر ويفرغ المؤذن من الإقامة . 


س مجموعة رسائل الإمام الفزالی ہیی 30 = 


آداب الخطيب 

. يأتى المسجد وعليه السكينة والوقار. ويبداً بالتحية ويجلس وعليه الهيبة. ويمتنعم عن 
التخاطب» ويتتظر الوقت؟ ثم يخطو إلى المنبر وعليه الوقاره كأنه يحب أن يعرض ما يقول 
على الجبار. ثم يصعد للخشوعء ويقف على المرقاة بالخشوع ويرتقى بالذكر» ويلتفت إلى 
مستمعيه باجتماع الفكرء ثم يشير إليهم بالسلام ليست معوا منه الكلام» ثم يجلس للأذان 
فرعا من الديان» ثم يخطب بالتواضعء ولا يشير بالأصايعء ويعتقد ما يقوله لينتفع به» ثم 
يشير إليهم بالدعاءء وينزل إذا أخذ المؤذن فى الإقامةء ولا يكبر حتى يسكتواء ثم يفتح 
الصلاة» ويرتل ما يقرأ 


آداب العيد 
إحياء ثيلته والاغتسال فى صبيحة يومه؛ وتظاقة البدن. وطيب الراتحة» وإدامة 
التكبير» وكشرة الذكرء واستعمال الخشوعء والتسييح والحمد بين تضاعف التكبيرء 
والإنصات للخطبة بعد الصلاة» وأكل اليسير قبل الخروج إن كان قطراء والذهاب فى طريق 
والرجوع فى أخرى, والانصراف بالإشفاق خوف الغيبة. 


آدابالخصوق 
دوام الفزعء وإظهار الجزع» وساأحرة التوية» وترك الملل » وسوععة القيام إلى 
الصلاة » وطول القيام فيهاء واستشعار الحثر. 


آدابالاستسقاء 
الصيام قيلهء وتقديم التوبة» ورد الظالمء وبذل الهمةء وتوك المخاقرة والاغتسال قبل 
الخروج» ودوام الصمت ورؤية الحال التى أوجيت المتعء والاعتراف بالفنب القى ترّلت به 
العقوية» واعتقاد ترك العودء والإتصات للخطية» والتسبيح بين التكبير» وكثرة الاستغفار 
وتحويل الإزار مع الدعاء . 


الإكثار من ذكر الموت» والاستع داد له يالتوية. ودوام انلدمد والثتك لله واستعمال 
التضوع والدعاء وإظهار الجر والقاقة» والتداوی مع الاستع لته بخالی النواء» وإظهار 
الشكر عند القوة. وقلة الشكوى. وإكرام الحلساء وترك المصافحة . 


آداب المعزى 


خقض الجناح » وإظهار الحزن. وقلة الحديث» وترك التبسم فإنه يورث الحقد. 


5 آداب المشى فى الجنازة 

دوام ا لخشوع» وغض البصرء وترك الحديث» وملاحظة الميت بالاعتبار» والتفكر 
فيما يجيب به من السؤال» والعزم على المبادرة فيما يخاف به من المطالبة» وخوف حسرة 
الفوت عند هجوم الموت . 

آداب المتصدق 

ينبغى له أداؤها قبل المسألة» وإخفاء الصدقة عند العطاء.؛ وكتمانها بعد العطاءء 
والرفق بالسائل» ولا يبدؤه برد الجواب» ويرد عليه بالوسوسة فى الوسوسة» ويمنع نفسه 
البخل» ويعطيه ما سأل أو يرده رذا جميلاً.» فإن عارضه العدو إبليس لعنه الله أن السائل 
ليس يستحق» فلا يرجع بما أنعم الله به عليه» بل هو مستحق لها. 


آداب السائل 
بى الا سو ن رفوو ااا ارف ا اع ا 
الشكرء وإن قل» وحسن الدعاءء فإن رد عليه رجع بجميل قبول العذرء وترك المعاودة 
والإلجاح . 


آداب الغنى 
لزوم التواضع . ونفى التكبرء ودوام الشكر» والتوصل إلى أعمال البرء والبشاشة 
بالفقير والإقبال عليه » ورد السلام على كل أحدء وإظهار الكفاية» ولطافة الكلمةء وطيب 
المؤانسة» والمساعدة على الخيرات ٠.‏ 


آداب الفقير 
لزوم القناعة» وكتمان الفاقة» وترك البذالة والتضعضع.ء وإلقاء الطمعء وإيثار 
الصيانةء وإظهار الكفاية لأهل المروءة من أهل الديانة» وإجلال الأغنياء مع قلة الاستبشار 
لهمء وإظهار الكفاية لهم مع الإياس متهم ۰ وترك الكبر عليهم » 0ه نفى التذلل وحفظ 
القلب عند رۇيتهم › والتمسك بالدين عند مشاهدتهم. 


جح مجموعهة رسائل الإمامالقزالى ا سس سي سس سس حت 73ل = 


آداب المهدى 
. رؤية الفضل للمهدى إليهء وإظهار السرور بالقبول منه لهاء والشكر عند رؤية المهدى 
إليه؛ والاستقلال لها وإن كثرت. 
آداب المهدى إليه 
إظهار السرور بها وإن قلت؛» والدعاء لصاحبها إذا غاب . والبشاشة إذا حضرء 
والمكافأة إذا قدرء والثناء عليه إذا أمكن» وترك الخضوع له»؛ والتحفظ من ذهاب الدين 


معه» ونفی الطمع معه ثانيًا . 


آداباصطناع المعروف 
البداءة به قبل السؤالء والبادرة به عند الوعد. والتوفير له عند العطاء» والستر له 
بعد الأخذى وترك المنة بعد القبول» والمداومة على اصطناعه. والحذر من انقطاعه . 


آداب الصيام 
طيب الغذاء ‏ وترك المراء» ومجانية الغيية» ورفض الكذب» وترك الأذى, وصون 
الجوارح عن القبائح . 


آداب الحج 
آداب الطريق 
طيب النفقة » والإحسان إلى المكارى» ومعاونة الرفقة والرفق بالمنقطعء وبذل الزادء 
وحسن الخلق » وطيب الكلمة» والمزاح من غير معصية؛ واختيار التعديل» والاستيشار به 
عند رؤيته» والإصغاء عند محادثته» وقلة المماراة له عند ضجره؛ والتغافل عن زلته» 
والشكر له عند خدمته» والتوصل إلى إيثاره ومساعدته . 


آداب الإحرام 
غسل الجسدء ونظافة الإزارين»؛ وطيب الرائحة؛ وتعاهد الجياع» والتلبية بالهيبة» 
ورفع الصوت بحلاوة الإجابة» والطواف بتعظيم الحرمة» والسعى بطلب الرضاءء والوقوف 
بمشاهد القيامة؛ وشهود المشعر برؤية الرحمة والحلق برؤية العتق» والذبح برؤية الكقارة» 
والرمى برؤية الطاعة. وطواف الزيارة بمشاهدة المرور وهو من غير حدء والرد بحقيقة 
الأسف» والانصراف بمحبة الرجوع . 


سے .ع mu‏ مجموعة رسائل الإمامالقزالى د 


آداب دخول مكة 
دتعول الحرم بالتعظيم› والنظر إلى مكة بالتحصسيرء ورؤية المسجد بالتفضيل» ونظر 
البيت بالتكببر والتهليلء ودوام الطواف» ومواصفة العمرة» ودخول البيت بتعظيم الحرمة 


ودوام التوية بعد دخو له . 


آداب دخول المدينة 
يدحلها بالوغار مع الكينةء وللشاهدة لما كات فيها من الشريعةء والنظر إليها بالعين 
الرفيعةء ثم يأتى مسجد الرسول عله ومنبره كأنه مشاهد لصلاته وخطبتهء ثم يأتى كيره 
وكأنه ناظر إلى شخصه الكريمء ومخاطبته مع خفض الصوت بحضرته كأنه معاين لجلسته 
فيلؤه بالسلامء ثم يسلم على عصضحيعيه: ويشاهد محبتهما له» ومشيته بينهماء وإقباله 
عليهماكء ويعاين هسبتهسا له وإقبالهما عليه وإذا ودع القير غلا يوليه الظهر. 


آداب الناجر 
لا يجلس فى طريق المسلمين قيضيق عليهم» ويستعمل غلامًا كينا لا يبخس فى 
كيلهء ولا ينقص فى وزنهء يأمره بالرجحان» وتررك العجلة فى الميزانء» يكون ميزان دراهمه 
فى حدته كالطيار. وعن اعتذاله كالملعيار. طويلة حيوطه دقيقة ذوائيه» ععيرة صتجاته» 
معتدلة حباتف يبتدئ كل يوم بمسح ميزانهء ويتعاهد نقص أرطاله وصنجاتهء يأمر غلامه 
بالتوقف فى كليه الأدهان. وإذا وقف عليه شريف أكرعهء أو جار فضلهء أو ضعيف 
ر-حمهء أو غير عؤلاء أتصفه. يبيع على قدر أسعاره. إن نقص سعره زاد زبوته» كما إنه إن 
زاد سعر»ء نقص زيونه. 
وتكوتن همته فى جلوسه درس للقرآن. وغعضي الطرف عن المحارم والغلمان» يشترى 
عرضه باليسر عن سفيه يقف عليه ولا يرد السائل» ولا ينع البشر من النائل . 
فإن كات هو المتولى لأمره كان مايلزم غلامه هو أولى يهء ويشترى الأرطال 
والصنجات وللكيال من الات معبرات» ويترك المدح للسلعة عند البيعء والذم لها عند 
الشراءء ويلزم الصدق عند الإخبارء ويحذر الفحش عند المزايدة» والكدذب عند المحادثة» 
ويقل الخوض مح أهل الأسواقء ومداعبة الأحداث ويقصر قى الخصوعات . 
آداب الصيرقى 
يعتد :الصحةء ويؤدى الأملتةء ويحشر الرباء ويقرب التسيئةء ولا ينقق الرديثة 
وبوفى الوزن ولا يعتقد الغش والغين» متفقدا لمعيارهء خائمًا من نقصان صتجاته ومثاقله. 


عب مجموعةرسائلالامامالفزالی یسک (1] = 


آداب الصائغ 
استعمال التصيحة» والاجتهاد فى الحودة» وقلة المطلء ووفاء الوعد» وترك التعدى 
فى الآأجرة . 


9 آداب الأكل 
غسل اليدين قبل الطعام ويعده» والتسميةء والأكل باليمين ومما يليهء ويصغر اللقمة» 
وإجادة المضغ» وقلة النظر إلى وجوه الحاضرين» ولا يأكل متكنًا ولا يأكل فوق الشبع عند 
الجوع» ويعتذر إذا شبع حتى لا يخجل الضيف أو من به حاجة» ويأكل من جوانب القصعة 
ولا يأكل من ذروتهاء ويلعق الأصابع بعد الفراغ» ويحمد اللّه» ولا يذكر الموت عند الأكل 
لئلا ينغص: على الحاضرين . 


آداب الشرب 
نظن قن تافل رهه وميا فال ق وت عد وة ما و 
يعبه عباء ويتنفس فى شربه ثلاناء ويتبعه بالتحميدء ويرد بالتسيمة» ولا يشرب قائمّاء 
ويتناول من كان على يينه إن كان معه غيره. 


آداب الرجل إذا أراد النكاح 

يطلب الدّين» ثم بعده الجمال والمال إن أراده» ولا يشارط على ما يأتيهء ولا 
يضمره» ولا يخطب على خطبة أخيهء ولايأذن فى إملاكه وعرسه بما يباعده من ريه 
ويزريه» ولا يجلس فى خلواته حيث يرى غيره حرمته» ولا يقبلها بين أهله. ويبدؤها إذا 
خلا فى سؤاله» ولا يكون سغيره كذاباء ولا المخير له ناما بل من خاصتهاء ويسأله عن 
دينها ومواظبتها على صلاتهاء ومراعاتها لصيامهاء وعن حيائها ونظافتهاء وحسن ألفاظها 
وقبحهاء ولزوم بيتهاء وبرها بوالديهاء ويتلطف قبل العقد فى النظر إليهاء وبعده با 
يبلغها بالكلام الجميل. ويبحث عن حصال والدها ودينهء وحال والدتها ودينها وأعمالها. 


آداب المرأة إذا خطبها الرجل 
تأمر من تأمن به من أهلها إن کان صدوفقًا أن يسأل عن مذهب الخاطب وديته 
واعتقاده ومروءته فى نفسه وصدقه فى وعدهء وتنظر من أقرباؤه» ومن يغشاه فى بیته» 
وعن مواظيته على صلواته وجماعته» ونصيحته فى تجارته وصنعته» ويكون رغبتها فى دینه 
دون ماله» أو فى سيرته دون شهرته» تعزم معه على القناعة وتكون لأوامره مطيعة»› فهو 
آكد للألفة » وآثبت للمودة. 


کے ٢‏ د مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


آداب الجماع 
طيب الرائحة» ولطافة الكلمة» وإظهار المودة» وتقبيل الشهوة» والتزام المحبة» ثم 
القلة . 3 


آداب الرجل مع زوجنه 
خن اتير ولطافنة الكلمة: وإظيدان المودة: والسلظ افق اللو واتار عة 
الزلة» وإقالة العثرة؛ وصياتة عرضهاء وقلة مجادلتهاء وبذل المؤونة يلا بخل لهاء وإكرام 
أهلهاء ودوام الوعد الجميل» وشدة الغيرة عليها. 


آداب المرأة مع زوجها 
دوام الحياء مندء وقلة المماراة لهء ولزوم الطاعة لأمرهء والسكون عند كلامه. 
والحفظ له فى غيبتهء وترك الخيانة فى مالهء وطيب الرائحةء وتعهد الفم ونظافة الثوب. 
وإظهار القناعة» واستعمال الشفقةء ودوام الزينة» وإكرام أهله وقرابته؛ ورؤية حاله 
بالفضل» وقبول فعله بالشكر» وإظهار الحب له عند القرب منه» وإظهار السرور عند الرؤية 
له. 


آداب الرجل فی نه 
زي اه الاي رطاف الي ودا الات و لسن لديو ولا 
اذحقور» ولا یطیل ثیابه تکبرآء ولا يقصرها متمسکتاء ولا يكثر التلفت فى مشيته» ولا 
ينظر إلى غير حرمته» ولا يبصق فى حال محادثته. ولايكثر القعود على باب داره مع 
<يرانه» ولا يكثر لإخوانه الحديث عن زوجته وما فى بيته . 


آداب المرأةفى نفسها 
أن تكون لازمة لمنزلهاء قاعدة فى قعر بيتهاء ولاتكثر صعودها ولا اطلاعها الكلام 
+نيرانهاء ولا تدخل عليهم إلا فى حال يوجب الدخول؛ تسر بعلها فى نظره» وتحفظه فى 
غيبته» ولا تخرج من بيتها وإن حرجت فمتخبئة تطلب المواضع الخالية» مصونة فى 
حاجاتهاء بل تتناكر من يعرفهاء همتها إصلاح نفسهاء وتدبير بيتهاء مقبلة على صلاتها 
وصومهاء ناظرة فى عيبهاء متفكرة فى دينهاء مديمة صمتهاء غاضة طرفهاء مراقبة لربهاء 
كثيرة الذكر لهء طائعة لبعلهاء تله على طلبه الحلالء ولا تطلب منه الكثير من النوال؛ 


جح بمبجووعةسائل الإمام القزالى ‏ حس ‏ سس سب يبب صصح[ ] اد 


ظاهرة الحياء» قليلة الخناء»ء صبورة شكورة» مؤثرة فى نفسهاء مواسية من حالها وقوتها. 
وإذا استأذن بابها صديق ليعلهاء وليس يعلها حاضراء لم تستفهمهء ولا فى الكلام تعاوده. 
غيرة منها على نفها وبعلها منه. 


آداب الاستئدان 
امش کا الحدارء ولايقابل الباب» والتسبيح والتحميد قبل الدق» والسلام بعده» 
وترك السمع إلى من فى المنزل» واستئذان بعد السلام فإن أذن له وإلا رجع ولم يقف» 
ولا يقول: أناء بل يقول: فلان» إذا استفهم . 


آداب الجلوس على الطريق 
غض البصرء ونصرة المظلوم وإغاثة الملهوف. وإعانة الضعيف. وإرشاد الضال» ورد 
العلا وا ره ود اف راتو و ری ع اکر ا 
واللطف. فإن أصر فبالرهبة والعنف» ولا يصغى إلى الساعى إلا بيينةء ولا يتجسس» ولا 
يظن بالناس إلا خيراً . 


آداب المعاشرة 

من قرب منه إذا جلس. وإن بلى بمجالسة العامة ترك الخرض معهم» ولا يصغى إلى 
أراجيفهم»؛ ويتغافل عما يجرى من سوء ألفاظهمء ويقل النقاء لهم إلا عند الحاجة. ولا 
يستصغر أحدًا من الناس فيهلك. ولا يدرى لعله خير منهء وأطوع لله منه؛ ولا ينظر إليهم 
بعين التعظيم فى دنياهم؛ لأن الدنيا صغيرة عند الله» صغير ما فيهاء ولا يعظم قدر الدنيا 
هد نی اا ا و ن عن او ولا يدك لهم ييه بال ن 
دنياهم ‏ فيصغر فى أعينهم ؛ وا فتظهر لهم العداوة. ولا يطيق ذلك ولا يصبر 
عليه إلا أن تكون معاداة فى الله عز وجل» فيعادى أفعالهم القبيحة» وينظر إليهم بعين 
الشفقة والرحمة»› ولا يستكثر إليهم فى مودتهم له وإكرامهم إياه» وحسن بشاشتهم فى 
وجههء وثنائهم عليه» » فإنه من طلب حقيقة لك لم يجده إلا فى الأقل» وإن سكن سكن إليهم 
وكله الحق إليهم فهلك»› وکوا یا ا فإنه لايجد 
ذلك أبداء ولا يطمع فيما فى أيديهم فيبذل لهمء ويذهب دينه معهم» ولا يتكبر عليهم» 
عداوته » ولا يعظ أحدا منهم إلا أن يرى فيه أثر القبول. وإلا عاداه ولم يسمع منه. 


وإذا رأى منهم خيرا أو كرامة أو ثناء فليرجع بذلك إلى الله عز وجل. ويحمده 
ويسأله أنه لا يكله إليهم . وإذا رأى منهم شرا أو كلاما قبيحًا أو غيبة أو شيئًا يكرههء فيكل 
الأمر إلى الله تعالى» ويستعيذ به من شرهم» ويستعينه عليهم. ولا يعاتبهم» فإنه لايجد 
عن.هم للعتاب موضعاء ويصيرون له أعداءء ولا يشفى غيظهء بل يتوب إلى الله تعالى من 
الذنب الذى به سلطهم عليه» ويستغفر الله منه» وليكن سميعًا لحقهم أصم عن باطلهم. 


آداب الولد مع والديه 
يسمع كلامهما » ويقوم لقيامهماء ويمتثل لأمرهماء ويلبى دعوتهماء ويخفض لهما 
االرسماءةتولا نظر إلبهها زر ولا کسی لهسا افر 


آداب الوالد مع أولاده 


يعينهم على يره. ولا يكلفهم من البر فوق طاقتهمء ولا يلح عليهم فى وقت 
ضجرهم ولا يمنعهم من طاعة ربهم» ولايمن عليهم بتربيتهم. 


آداب الإخوان 
الاستبشار بهم عند اللقاءء والابتداء بالسلامء والمؤانسة والتوسعة عند الجلوس» 
والتشبيع عند القيام» والإنصات عند الكلام. وتكره المجادلة فى المقال. وحسن القول 
للاحكايات» وترك الجواب عند انقضاء الخنطاب» والنداء بأحب الأسماء. 


آداب الجار 
ابتداؤه بالسلام» ولا يطيل معه الكلام» ولا يكثر عليه السؤال» ويعوده فى مرضهء 
ويعزيه فى مصيبته؛ ويهنيه فى فرحه» ویتلطف لولده وعبده فی الکلام» ويصفح عن زلته؛ 
ومعاتبته برفق عند هفوتهء ويغض عن حرمتهء ويعينه عند صرختهء ولا يديم النظر إلى 


عدادمته . 


آداب السيد مع عبده 
لايكلفه ما لايطيقى من خدمتهء ويرفق به عند ضجره ولا يكثر ضربه› ولا يديم سبه 
قيجرأ عليه» ويفصح عن زلته» ويقبل معذرته» وإذا أصلح له طعامًا أجلسه معه على 
مائدته» أو أعطاه لقما من طعامه. 


جک مجموعہ رسائل الامام الغرالی للبت 0)) = 


آداب العبل مع سيده 

يأمّر لأمرهء وينصحه فى غيبته» ويبذل له خدمتهء ويحفظه فى حرمته» ويرق على 

ولدهء ولايخونه فى ماله. 
آداب السلطان مع الرعية 

استعمال الرفق» وترك التعنيف» والفكر قبل الأمر» وترك التكبر على الخاصة مع 
منع العدوان منهم» والتودد إلى العامة مع مزج الرهبة لهم والتطلع على أمور الحاشية» 
واستعمال المروءة مع أهل العلم» والتوسعة عليهم وعلى الأصحاب والأقارب» والرفق فى 
المجناية» ودوام الحماية. 


آداب الرعية مع السلطان 
قلة الغشيان لبابه» وترك الاستعانة به إلا لشئ يلزم أمرهء ودوام الهيبة له وإن كان ذا 
رفق» وترك الاستجراء عليه وإن كان ذا لينء وقلة السؤال وإن كان مجيّاء والدعاء له إذا 
ظهرء وترك الكلام فيه والإنشاد إذا غاب. 


آداب القاضی 
إدمان السكوت. واستعمال الوقارء وهدوء الجوارح » ومنع الحاشية من الفساد 
والطغيان» والرفق بالأرامل» والاحتياط لليتيم» والتوقف فى الجواب» والرفق بالخصومء 
ومنع الميل إلى أحد الخصمين. والمواعظة للمخالف» ودوام اللجإ إلى الله فى صواب 


القضاء. 
آداب الشاهد 
استشعار الأمانة. وترك الخيانة» والتشت فی الشهادة والتحفظط من النسيان» وكلة 
المحادلة للسلطان. 
آداب الجهاد 


صدق النيةء والغيرة لله تعالى ) وبدل الملجهود» والسخاء بالمهجة. ونفى شهوة 
الرجوعء والقصد فى أن تكون كلمة الله هى العلياء وترك الغلول» وقضاء دينه قبل 
الخروج» واستصحاب ذكر الله عند القتال وفى كل حال. 


آداب الأيسر 
. لا يؤمل فرجًا من غير الله تعالى» ولا يذل نفسه فى معصية الله تعالى» ولا ييأس 
من روح الله تعالى » ويجمع همه بين يدى الله تعالى» ويعلم أنه بعين الله ولا ينبسط. فى 
مال العدو بما لإيبيحه الله ولا يفرغ إلى غير الله تعالى. 


آداب جامعة 

قال بعض الحكماء: 

من الأدب: الق صديقك وعدوك بوجه الرضاء من غير ذلة لهم» ولا هيبة منهم. 
وتوقر من غير كبر» وكن فى جميع أمورك فى أوساطهاء ولاتنظر فى عطفيك ولا تكثر 
الالتقات ولاتقف على الجماعات» وإذا جلست فترفع وتحذر من تشبيك أصابعك». 
والعبث بخاتمك» وتخليل أستانك. وإدخال يدك فى أنفك» وطرد الذباب عن وجهك› 
وكثرة التمطى والتشاؤب. وليكن مجلسك هادئاء وكلامك مقسوماء واصغ إلى الكلام 
ا لجسن ممن يحدثك» بخير إظهار عجب منك ولا مسكنة ولا إعادةء وغض عن المضاحك 
والحكايات» ولا تحدث عن إعجابك بولدك ولا جارتك» ولا تتصنع كما تتصنع المرأةء ولا 
تبذل كما يتبذل العبد. 

وكن معتدلاً فى جميع أمورك» وتوق كثرة الكحل والإسراف فى الدهن» ولا تلح 
فى الحكايات. 

ولا تعلم أهلك وولدك - فضلاً عن غيرهم - عن مالك؛ فإنهم إن رأوه قليلاً هنت 
عليهم» وإن رأوه كثيرًا لم تبلغ إلى رضاهم؛ وأحبهم من غير عنف. ولن لهم من غسير 
صعقا. 

وإذا خاصمت فتوفرء رتفكر فى حجتك» ولا تكثر الإشارة بيدك. ولا تحث على 
ركبتك» وإذا هدأ غضيك فتكلم . 

وإن بليت بصحبة السلطان فكن منه على حذرء ولا تأمن من انقلابه عليك» وارفق 
به رفقك بالصبى. وكلمه بما يشاءء وإياك أن تدخل بينه وبين أهله وولده وحشمه ولو كان 


مستمعًا لذلك. 
عرضك . 


وإياك وكثرة البصاق بين الناس . فإن صاحبه یتسب إلى التأنيث» ولا تظهر لصديقك 
كل ما يؤذيك فإنه متى رأى مناك وقعة أعقبك العداوة. 


سس مجموعةرسائل الإمامالقزالى ‏ خسنت تس سس سح 7غ ح 

ولا تمازح لبيئًا فيحقد عليك» ولا سفيها فيجترئ عليك؛ لأن المزاح يخرق الهيبة» 
ويسمقط المنزلة» ويذهب ماء الوجهء ويعقب الحزن. ويزيل حلاوة الودء ويشين فقه الفقيه. 
ويءجرئ السفيه؛ ويميت القلب» ويباعد من الرب» ويعقب الذم ويفسخ العزم. ويظلم 
الاو إا ورك الذنوات نالسر ت: 

نسأل الله تعالې أن يهدينا فيمن هدى» ويعافينا فيمن عافى ويتولانا فيمن تولى» 
ويبارك لنا فيما ا ويقينا شر ها قضىء فإنه لا راد لما قضىء ولايعرٌ من عادی» ولا 
يذل من والى . 

تبارك ربنا وتعالى» نستخفره ونتوب إليهء ونسأله أن يصلى بأفضل الصلوات كلها 
على عبده المصطقى» وعلى آله وأصحابه أعلام الهدىء وسلم تسليمًا كثيرا. 

والجمد لله رب العالمين» وصلى الله على سيدنا محمد التبى الأمىء آمين . 


كبمباء السعادة 

الحمد لله الذى أصعد قوالب الأصفاء بالمجاهدة» وأسعد قلوب الأولياء بالمشاهدة 
وحلى ألسنة المؤمنين بالذكر» وجلى خواطر العارفين بالفكرء وحرس سواد العباد عن 
الفساد» وحبس مراد الزهاد على السدادء وخلص أشباح المتقين من ظلم الشهوات» وصفى 
أرواح الموقنين عن ظلم الشبهات» وقبل أعمال الأخيار بأداء الصلوات» وأيد خصال 
الأحرار بأسد الصلات . 

أحمده حمد من رأی آيات قدرته وقوته» وشاهد الشواهد س فردانيته ووحدانيته. 
وطرق طوارق سره وبره» وقطف ثمار معرفته من شجر سجده وجوده» وأشكره شكر من 
اخترق واغترف من نهر فضله وإفضاله . 

وأؤمن به إيمان من آمن بكتابه وخطابه وأنبيائه وأصفيائه ووعده ووعيده وثوابه 
وعتابه, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لاشريك لهء وأشهد أن محمد عبده ورسوله بعثه 
لأصلات التستة والفهرة قات لى لخدن ولارن فاص ولاق الشلك 
والشرك قاهراء لأتباع الحق والإحسان ناصرً؛ فصلوات الله عليه وعلى آله وأصحابه 


اج بعين . 


عنوان معرقه النفس 
اعلم أن الكيمياء الظاهرية لا تكون فى خزائن العوام وإنما تكون فى خزائن الملوك, 
فكذلك كيماء السعادة لا تكون إلا فى خزائن الله سبحانه وتعالى؛ ففى السماء جواهر 
الملائكةق وفى الأرض قلوب الأولياء العارفين » فكل من طلب هذه الكيمياء من غير حضرة 


النبوة فقد أخطأ الطريق» ويكون عمله كالدينار البهرج؛ فيظن فى نفسه أنه غنى وهو مفلس 
فى القيامة كما قال سبحانه وتعالى : ل فكشفنا عنك غطاءك فبصرك ايوم حديد ) (ق: 
[YY‏ , ومن رحمة الله سبحانه وتعالى لعباده أن أرسل إليهم مائة ألف وأربعة وعشرين ألف 
نبى يعلمون الناس نسخة الكيمياءء ويعلمونهم كيف يجلعون الفلعها فى كور المجاهدة» 
وكيف يطهرون.القلب من الأخلاق المذمومةء وكيف يؤدونه لطرق الصفاء كما قال سبحانه 


ر لر 


وتعالى :ل هو الذي بعث في الأمين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويز كيهم ويعلّمهم اكناب 
والحكمة 4 [الجمعة: ؟]. أى يطهرهم من الأخلاق المذمومة ومن صفات البهائم» ويجعل 
صفات الملائكة لباسهم وحليتهم. 

ومقصود هذه الكيمياء أن كل ما كان من صفات النقص يتعرى منه» وكل ما يكون 
من صفات الكمال يلبسه» وسر هذه الكيماء أن ترجع من الدنيا إلى الله كما قال سبحانه 


وتعالى :ل وتبتل إليه تيلا 4 (المزمل : ۸. وفضل هذه الكيماء طويل . 


اعلم أن مفتاح معرفة الله E‏ النفس كما قال سبحانه وتعالى سريهم 
آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتَى يتين لهم أنه الحق 4 [فصت: : لاه]. وقال النبى عله : لمن 


دس لاع عه هس دوم 


عرف نفسه فقد عرف ربه» وليس شىء أقرب إليك من نفسك» فإذا لم تعرف نفسك 
فكيف تعرف ربك؟ 

فإن قلت إنى أعرف نفسىء» فإنما تعرف الجسم الظاهرى الذى هو اليد والرجل 
والرأس والحثة» ولا تعرف ما فى باطنك من الأمر الذى به إذا غضبت طلبت الخصومة» 
وإذا اشتهيت طلبت النكاح» وإذا جعت طلبت الأكل» وإذا عطشت طلبت الشرب؛ 
والدواب تشاركك فى هذه الأمور» فالواجب عليك أن تعرف نفسك بالحقيقة حتى تدرى 
أى شىء آنت» ومن أين جئت إلى هذا المكانء ولأى شىء خلقت» وبأى شىء سعادتك» 
وبأى شىء شقاوتك . 

وقد جمعت فى باطنك صفاتء منها صفات البهائم» ومنها صفات السباع» ومنها 
صفات اللائكة؛ فالروح حقيقة جوهرك وغيرها غريب منك وعارية عندكء» فالواجب عليك 
أن تعرف هذا وتعرف أن لكل واحد من هؤلاء غذاء وسعادة؛ فإن سعادة البهائم فى الأكل 
والشرب والنوم والتكاح» فإن كنت منهم فاجتهد فى إعمال الجحورف والفرج . وسعادة السباع 
فى الضرب والفتك» وسعادة الشياطين فى المكر والشر والحيل» فإن كنت منهم فاشتغل 
باشتغالهم. وسعادة الملائكة فى مشاهدة جمال الحضرة الربوبية وليس للغضب والشهوة 
إليهم طريق. فإن كنت من جوهر الملائكة فاجتهد فى معرفة أصلك حتى تعرف الطريق إلى 
الحضرة الإلهية» وتبلغ إلى مشاهدة الجلال والجمالء وتخلص نفسك من قيد الشهوة 


کت مجموعة رسائل الإمام الفزالی یی kd‏ 4 = 
والغضب» وتعلم أن هذه الصفات لأى شىء ركبت فيك فما خلقها الله تعالى لتكون 
أسيرها ولكن خلقها حتى تكون أسراك. وتسخرها للفر الذى قدامكء. وتجعل إحداها 
مركبك والأخرى سلاحك حتى تصيد بها سعادتك. فإذا بلغت غرضك فقاوم بها تحت 
قدميك»* وارجع إلى مكان سعادتك. وذلك المكان قرار خواص الحضرة الإلهية» وقرار 
العوام درجات الجنة» فتحتاج إلى معرفة هذه المعانى حتى تعرف من نفسك شيدًا قليلاً» 
فكل من لم يعرف هذه المعانى قنصيبه من القشورء لأن الحق يكون عنه محجوبا. 
فصل 

إذا شئت أن تعرف نفسك فاعلم أنك من شيئين: الأول هذا القلب». والثانى يسمى 
النفس والروح. والنفس هو القلب الذى تعرفه يعين الباطن. وحقيقتك الباطن؛ لأن الجسد 
أول وهو الآخر والنفس آخر وهو الأول؛ ويسمى قلبّاء وليس القلب هذه القطعة اللحمية 
التتى فى الصدر من الجانب الأيسرء لأنه يكون الدواب والموتى» وكل شىء تبصره بعين 
اللاهر فهو من هذا العالم الذى يسمى عالم الشهادة» وأما حقيقة القلب فليس من هذا 
العالمء لكنه من عالم الغيب فهو فى هذا العالم غريب» وتلك القطعية اللحمية مركبةء 
وكل أعضاء الجسد عساكره وهو الملك» ومعرفة الله ومشاهدة جمال الحضرة صفاته. 
والتكليف عليه والخطاب معهء وله الثواب وعليه العقاب. والسعادة والشقاء تلحقانه والروح 
النيوانى فى كل شىء تبعه ومعه. ومعرقة حقيقته ومعرفة صفاته مفتاح معرفة الله سيحانه 
ونعالى» فعليك بالمجاهدة حتى تعرفه لأنه جوهر عزيز من جنس جوهر الملائكة» وأصل 
معدنه من الحضرة الإلهية» من ذلك المكان جاء وإلى ذلك المكان يعود. 


فصل 

أما سؤالك ما حقيقة القلب. فلم يجئ فى الشريعة أكثر من قول الله تعالى: 
«( ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي ‏ [الإسراء: ۸0 ). لأن الروح جزء من جملة 
القدرة الإلهية وهو من عالم الأمرء قال الله عز وجل: «( ألا له الخلق والأمر 4 [الاعراف: 
4. فالإنسان من عالم الخلق من جانب» ومن عالم الأمر من جانب» فكل شىء يجوز 
عليه للمساحة والمقدار والكيفية فهو من عالم الخلق؛ وليس للقلب مساحة ولا مقدارء 
ولهذا لايقبل القسمة. ولو قبل القسمة لكان من عالم الخلق» وكان من جانب الجهل جاهلاً 
ومن جانب العلم عالماء وكل شىء يكون فيه علم وجهل فهو محال. وفى معنى آخر هو 
من عالم الأمر؛ لأن عالم الأمر عيارة عن شىء من الأشياء لا يكون للمساحة والتقدير 
طريق إليه. وقد ظن بعضهم أن الروح قديم فغلطوا. وقال قوم إنه عرض فغلطواء لأن 


سی .0)] ليست مجموعة رسائل الإمام الفزالى س 


E‏ تابا لغيرء . فالروح هو أصل ابن آدم؛ ا 
الذى سميناه قلبًا وهو محل معرفة الله تعالى ليس بجسم ولا عرض بل هو من جنس 
الملائكة. 

ل الروح صعبة جد لأنه لم يرد فى الدين طريق إلى معرفته لأن لا حاجة فى 
الدين إلى مر ف لان الدين هو الجاهدة والمعرفة علامة الهداية كما قال سبحانه 
وتعالى : ل والّذين جاهدوا فينا لنهديئهم سبلا # [العتكبوت: ۹ ومن لم يجتهد حق 
اجتهاد لم يجز أن يتحدث معه فى معرفة حقيقة الروح. وأول أس المجاهدة أن تعرف 


عسكر القلب. لأن الإنسان إذا لم يعرف العسكر لم يصح له الجهاد. 


اعلم أن النفس مركب القلب» وللقلب عساكر كما قال سبحانه وتعالى : وما يعلم 
جنود ربك إِلاّ هو )» (المدثر : .]۳١‏ والقلب مخلوق لعمل الآخرة طلبًا لسعادته» وسعادته 
معرفة ربه عرز وجل» ومعرفة ربه تعالى تحصل له من صنع الله وهو من جملة عالمه. ولا 
تحصل له معرفة عجائب العالم إلا من طريق الحواس» والحواس من القلب والقالب مركبه» 
ثم معرفة صيده ومعرفة شبكته» والقالب لا يقوم إلا بالطعام والشراب والحرارة والرطوبة» 
وهو ضعيف على خطر من الجوع والعطش فى الباطن» وعلى خطر من الماء والنار فى 
الظاهرء وهو مقابل أعداء كثرة. 


فصل 

وتحتاج أن تعرف العسكرين؛ وذلك أن العسكر الظاهر هو الشهوة والغضب ومنازلهم 
فى اليدين والرجلين والعينين والأذنين وجميع الأعضاء؛ وأما العسكر الباطن فمنازله فى 
الدماغ وهو قوى الخفيال والتفكر والحفظ والتذكر والوهمء ولكل قوة من هذه القوى عمل 
خاصء فإن ضعف واحد منهم ضعف حال ابن آدم فى الدارين. وجملة هذين العسكرين 
فى القلب وهو أميرهماء فإن أمر اللسان أن يذكر ذكر» وإن أمر اليد أن تبطش بطشت» 
وإن أمر الرجل أن تسعى سعت» وكذلك الحواس الخمس حتى يحفظ نفسه كيما يدخر الزاد 
للدار الآخرة ويحصل الصيد وتتم التجارة ويجمع بذر السعادة» وهؤلاء طائعون للقلب؛ كما 
أن الملاتكة طائعون للرب سبحانه وتعالى لا يخالفون أمره. 


کک مجموعة رسائل الإمام الفزالی سی (إوع س 


فصل فى معرفة القلب وعسكره 
اعلم أنه قيل فى المثل المشهور: إن النفس كالمدينة» واليدين والقدمين وجميع 
الأعضاء ضياعهاء والقوة الشهوانية واليهاء والقوة الغضبية شحنتهاء والقلب ملكها والعقل 
وزبرها. والملك يدبيهم حتى تستقر مملكته وأحواله» لأن الوالى وهو الشهوةء كذاب 
فضولى مخلطء والشحنة وهو الغضب شرير قتال خراب» فإن تركهم الملك على ما هم 
عديه هلكت المدينة وخربت. فيجب أن يشاور الملك الوزير ويجعل الوالى والشحنة تحت يد 
الوزيرء فإذا فعل ذلك استقرت أحوال المملكة وتعمرت المدينة. وكذلك القلب يشاور العقل 
ويجعل الشهوة والغضضب تحت حكمه حتى تستقر أحوال النفس ويصل إلى سبب السعادة 
مر معرفة ا لحضرة الإلهية ولو جعل العقل تحت يد الغضب والشهوة هلكت نفسه وكان قلبه 
شئيا فى الآخرة. 


فصل 
اعلم أن الشهوة والغضب خادمان للنفس جاذبان. يحنظان أمر الطعام والشراب 
والتكاح لحمل الحواس. ثم النفس خادم الحواس شبكة العقل وجواسيسه يبصر بها صنائع 
البارئ جلت قدرتهء ثم الحواس خادم العقل وهو القلب سراج وشمعة يبصر بنوره الحضرة 
الإلهيةء لان الجنة وهى نصيب الجوف أو الفرج محتقرة فى جنب تلك الجنئة. ثم العقل 
0 القلب» والقب مخلوق لنظر جمال الحضرة الإلهية. فمن اجتهد في هذه الصنعة فهو 
عبد حق من غلمان الحضرة» كما قال سبحانه وتعالى : وما خَلقت الجن والإنس إلا 
ليعبد ون © [الذاريات : 71. معناه أنا خلقنا القلب وأعطيناه الملك والعسكرء وجعلنا النفس 
مركبه حتى يسافر عليه من عالم التراب إلى أعلى عليين» فإذا أراد أن يؤدى حق هذه النعمة 
جاس مثل السلطان فى صدر غلكته» وجعل الحضرة الإلهية قبلته ومقصده» وجعل الآخرة 
وصنه وقراره» والنفس مركبهء والدنيا منزله» واليدين والقدمين خدامه»ء والعقل وزيره» 
والشهوة عامله» والغضب شحنته» والجواس جواسيسه. وكل واحد موكل بعالم من العوالم 
يجسمع له أحوال العالم. وقوة الخيال فى مقدم الدماغ كالنقيب يجمع عنده أخبار 
الجواسيس» وقوة الحفظ فى وسط الدماغ مثل صاحب الخريطة يجمع الرقاع من يد النقيب 
ويحفظها إلى أن يعرضها على العقل» فإذا بلغت هذه الأخبار إلى الوزير يرى أحوال 
المملكة على مقتضاها. 
فإذا رأيت واحدا منهم قد عصى عليك مثل الشهوة والغنضبء. فعليك بلمجاهدة» 
ولا تقصد قتلهما؛ لأن المملكة لا تستقر إلا بهما. فإذا فعلت ذلك كنت سعيداء وأديت 
نحن تتا سيره الاك لقنت بوقعي برل فيس ف امور N E‏ 
والعقوية . 


حم أو ہک“ مجموعةرسائلالامام الفزالی سد 


فصل 

تام السعادة مبنى على ثلاثة أشياء: قوة الغضب وقوة الشهوة وقوة العلمء فيحتاج 
أن يكون أمرها متوسطا لثلا تزيد قوة الشهوة فتخرجه إلى الرخص فيهلك. أو تزيد قوة 
الغضب فتخرجه إلى الحمق فيهلك؛ فإذا توسطت القوتان بإشارة قوة العدل دل على طريق 
الهداية. وكذلك الغضب إذا زاد سهل عليه الغمرب والقتل» وإذا نقص ذهبت الغيرة 
والحمية فى الدين والدنياء وإذا توسط كان الصبر والشجاعة والحكمة. وكذا الشهوة إذا 
زادت كان الفسق والفجورء وإن نقصت كان العجز والفتورء وإن توسطت كان العفة 
والقناعة وأمثال ذلك . 


فصل 

اعلم أن للقلب مع عسكره أحوالاً وصفات بعضها يسمى أخلاق السوءء وبعضها 
أخلاق الحسن. فبالأخلاق الحسنة يبلغ درجة السعادة» والأخلاق السيئة هلاكه وخروجه 
للشقاءء وهذه كلها تبلغ أربعة أجناس: أخلاق الشياطين» وأخلاق البهائم» وأخلاق 
السباعء وأخلاق الملائكة. فأعمال السوء من الأكل والشرب والنوم والنكاح هى أخلاق 
البهائم» وكذلك أعمال الخضب من الضرب رالقتل والخصومة هى أخلاق السباعء وكذلك 
'عمال النتفس وهى الكر والحيلة والغش وغير ذلك هى أخلاق الشياطين» وكذلك أعمال 
العقل التى هى الرحمة والعلم والخير هى أخلاق الملائكة. 

فصل 

واعلم أن فى جلد ابن آدم أربعة أشياء: الكلبء والخنزير» والشيطانء والَلّك . 
رالكلب مذموم فى صفاتهء وليس بمذموم فى صورته. وكذلك الشيطان والملائكة ذمهم 
رمدحهم فى صفاتهم» وليس ذلك فى صورهم وخلقهم. وكذلك الخنزير مذموم فى 
صفاته» وليس بمذموم فى خلقته . 

وقد أمر ابن آدم بأن يكشف ظلم الجهل بنور العقل خوقًا من الفتنة كما قال النبي 
: «مَا من أحَد إلا وله شيْطَانُ ولى شيْطَان» وإن الله قد أعائتى على شيطانى حتى تم ملكته» 
وكذلك الشهوة والغضب ينبغى أن يكونا تحت يد العقل» فلا يفعلا شيئًا إلا بأمرهء فإن 
نعل ذلك صح له حسن الأخلاق» وهى صفات الملائكة وهى بذر السعادة: وإن عمل 
بخلاف ذلك فخدم الشهوة والخضب صح له الأخلاق القبيحة» وهى صفات الشياطين وهو 
بذر الشقاء» فيتبين له فى نومه كانه قائم مشدود الوسط يخدم الكلب والخنزيرء وكان مثله 
كمثل رجل مسلم يأخذ رجالا مسلمين يحيسهم عند كافرين. فكيف يكون حالك يوم 
القيامة إذا حيست الملك وهو العقل تحت يد الشهوة والعضب وهما الكلب والختزير؟ 


فصل 

واعلم أن الإنسان فى صورة ابن آدم اليوم» وغدًا تنكشف له المعانى فتكون الصور 
فى معنى المعانى؛ فأما الذى غلب عليه الغضب فيقوم فى صورة الكلب» وأما الذى غلب 
عليه الشهوة فيقوم فى صورة الخنزير؛ لأن الصور تابعة للمعانى» وإغا يبصر النائم فى نومه 
ما صح فى باطنه . وإنما عرفت أن الإنسان فى باطنه هذه الأربعةء فيجب أن يراقب حركاته 
وسكناته» ويعرف من أى الأربعة هوء فإن صفاته تحصل فى قلبه وتبقى معه إلى يوم 
القيامة» وإن بقى من جملة الباقيات الصالحات شىء فهو بذر السعادة» وإن بقى معه غير 
ذلك فهو بذر الشقاء» وابن آدم لا ينفاك ولا ينفصل عن حركة أو سكون» وقلبه مثل 
الزجاء م. وأخلاق السوء كالدخان والظلمة» فإذا وصل إليه ذلك أظا م عليه طريق السعادة 
وأتعلاق الحسن كالنور والضوءء فإذا وصل إلى القلب طهره من ظلم المعاصى كما قال 


رسول الله للد : «أنْبع السيتّة الحَسَيَة تمْحها». والقلب إما مضئ أر مظلمء ولا ينجو إلا 
من أتى الله بقلب سليم. 
فصل 
واعلم أن الشهوة والغضب اللتين فى البهائم جعلتا أيضًا فى ابن آدم» ولكنه أعطى 
شيئًا آحر زيادة عليها للشرف والكمال. وبذلك تحصل له معرفة الله تعالى» وجملة عجاتب 
صنعه » وبه يخلص نفمه من يد الشهوة والغضب وتحصل له صفات الملائكة» ولذلك يظفر 
بالسباع والبهائم وتصير كلها مسخرة له كما قال سبحانه وتعالى :وسر كم ما في 
السّموات وما في الأرض جميعا 4 [الجاثية : OY‏ 


فصل فى عجائب القاب 
اعلم أن للقلب بابين للعلوم: واحد للأحلام» والثانى لعلم اليقظة» وهو الباب 
الظاهر إلى الخارج؛ فإن نام غلق باب الحواس» فيفتح له باب الباطن» ويكشف له غيب 
من عالم الملكوت ومن اللوح المحفوظ فيكون مثل الضوء» وربا احتاج كشفه إلى شىء من 
تعبير الأحلام» وأما ما كان من الظاهر فيظن الناس أن به اليقظة وأن اليقظة أولى بالمعرفة 
مع أنه لا يبصر فى اليقظة شىء من عالم الغيب» وما يبصر بين النوم واليقظة أولى بالمعرفة 
ما يبصر من طريق الحواس 


وتحتاج أن تعرف فى ضمن ذلك أن القلب مثل المرآة» واللوح المحفوظ مثل المرآة 
أيضًا؛ لأن فيه صورة كل موجود؛ وإذا قابلت المرآة بمرآة أخرى حلت صور ما فى إحداهما 


ج عه ہے مجموعة رسال الإمامالفزالی سے 
فى الأخرى» وكذلك تظهر صور ما فى اللوح المحفوظ إلى القلب إذا كان فارعا من 
شهوات الدنياء فإن كان مشغرلاً بها كان عالم الملكوت محجوبًا عنه» وإن كان فى حال 
النوم فارعًا من علائق الحواس طالع جواهر عالم الملكوت فظهر فيه بعض الصور التى فى 
اللوح المحفوظ. وإذا أغلق باب الحواس كان بعده الخيال» لذلك يكون الذى يبصره تحت 

ستر القشرء+وليس كالحق الصريح مكشوقًا. فإذا مات. أى القلب» » بموت صاحبه لم يبق 
خیال ولا حواس» وفى ذلك الوقت يبصر بغير وهم وغير خيال» ويقال له : ١‏ فکشفنا عنك 
غطاءك فبصرك الَيُومَ حديد 4 [ق: 17 


فصل 
واعلم أنه ما من أحد إلا ويدخل فى قلبه الخاطر المستقيم وبيان الحق على سبيل 
5 من أين جاء؛ لأن 
من عالم الملكوت. والحواس مخلوقة لهذا العالم» عالم الملك» فلذلك يكون حجابه 

00 ذلك العالم إذا لم يكن فارعًا من شغل الحواس 


فصل 

ولا تظنن أن هذه اللطافة تنفتح بالنوم والموت فقطء بل تنفتح باليقظة لمن أخلص 
الجهاد والرياضة. وتخلص من يد الشهوة والغضب والأخلاق القبيحة والأعمال الرديئة. 
فإذا جلس فى مكان خال وعطل طريق الحواس» وفتح عين الباطن وسمعه» وجعل القلب 
فى مناسبة عالم الملكوت» وقال دائمًا: «اللّه الله الله» بقلبه دون لسانه» إلى أن يصير لا خبر 
معه من نفسه ولا من العالم» ويبقى لا يرى شيئًا إلا الله سبحانه وتعالى. انفتحت تلك 
الطاقة» وأبصر فى اليقظة الذى يبصره فى النوم» فتظهر له أرواح الملائكة والأنبياء» والصور 
الحسنة الجميلة الجليلة» وانكشفت اله ملکوت السموات والأرض» ورأى ما لا يمكن شرحه 
ولا وصفه كما قال النبى عله : لي ل له 
وجل : وكذلك نري إبراهيم مکوت السموات والأرض 4 االانعام: .٥‏ لان علوم 
الأنبياء عليهم السلام كلها كانت من هذا الطريق لا من طريق الحواس 0 
وتعالى :ل واذكر اسم ربك وتبتل إليه ؛ تبتيلا © [الزمل: ۸. معناه الانقطاع عن كل شئ» 
وتطهير القلب من كل شئعء والابتهال إليه سبحانه وتعالى بالكلية؛ وهو طريق الصوفية فى 
هذا الزمان. وأما طريق التعليم فهو طريق العلماءء وهذه الدرجة الكبيرة مختصرة من طريق 
النبوة» وكذلك علم الأولياء, لأنه لوقع فل اكلونهو باد بواماطة من يضر الحى كما قال 
سبحانه وتعالى: آتیناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علما ‏ [الكهف: 06. وهذه 
الطريقة لا تفهم إلا بالتجربة» وإن لم تحصل بالذوق لم تحصل بالتعليم؛ والواجب التصديق 


حب مبجموعة سانل الإمام الفزالى ‏ بسع سبحت ووئع = 


بها حتى لا تحرم شعاع سعادتهم» وهو من عجائب القلب. :ومن لم يبصر لم يصدق كما 
قال سبحانه وتعالي: : « بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ولا يأتهم تأويله 4 [يونس: 6 
وقوله: <( وذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قَديم 4 [الأحقاف: .]1١‏ 
فصل 

ولا تحسب أن هذا خاص بالآنبياء والآولياء؛ لآن جوهر ابن آدم فى أصل الخلقة 
موضوع لهذا كالحديد لأن يعمل منه مرآة ينظر فيها صورة العالم» إلا الذى صدأ فيحتاج 
إلى إ-علاء. أو جدب فيحتاج إلى صقل أو سبك» ؛ لآنه قد تلفاء وكذلك كل قلب إذا 
لي 0 هذه الدرجة» وان لم تغلب عله تلف الدرجة كما 


رو 


قال النبى ا له : *كل مولود يولّد عَلَى فطرة ة الإسلام » وقال الله تعالى :8 وأشهدهم غل 
أنفسهم ألست بربكم الوا بلى 4 [الأعراف : ا لين و عرب اعم 
بالربوبية كما قال سيحانه وتعالى :ل فطرت الله ه التي فطر الناس عليها 4 [الروم: [r‏ 
والأثياء والأولياء هم بنو آدم» قال سنحانه وتعالى :© قل إنما أنا بشر مثلكم © [فصلت: 
1. فكل من زرع حصدء ومن مشى وصل» ومن طلب وجد. والطلب لا يحصل إلا 
بالمجاهدة ‏ طلب شيخ بالغ عارف قد مشى فى هذا الطريق ‏ وإذا حصل هذان الشيئان 
لأحد فقد أراد الله له التوفيق والسعادة بحكم أزلى حتى يبلغ إلى هذه الدرجة . 
فى أن اللذة والسعادة لاينآدم فى معرفة الله سبحانه وتعالى 

اعلم أن سعادة كل شىء ولذته وراحته ولذة كل شىء تكون بمقتضى طبعه» وطبع 
كل شى ء ما خلق له؛ فلذة العين فى الصور الحسنة» ولذة الأذن ة فى الأصوات الطيبة» 
وكذلك سائر الجوارح بهذه الصفة؛ ولذة القلب الخحاصة بمعرفة الله سي حانه وتعالى» أنه 
مخلوق لهاء وكل ما لم يعرفه ابن آدم إذا عرفه فرح به» مثل الشطرنج إذا عرفها فرح بهاء 
ولو نهى عنها لم يتركها ولا يبقى له عنها صبر. وكذلك إذا وقع فى معرفة الله سبحانه 
وتعالى فرح بهاء ولم يصبر عن المشاهدةء لأن لذة القلب المعرفة وكلما كانت المعرفة أكبر 
كانت اللذة أكبر؛ ولذلك فإن الإنسان إذا عرف الوزير فرحء ولو علم الملك لكان أعظم 
فرحا. 

وليس موجود أشرف من الله سيحانه وتعالى» لأن شرف كل موجود به ومنهء وکل 
عجائب العالم آثار صنعته )2 فلا معرفة أعز من معرفتهء ولا لذة أعظم من لذة معرقته» 
بالموت» ولذة معرفة الربوبية متعلقة بالقلب فلا تبطل بالموت؛ لأن القلب لا يهلك بالموت 
بل تكون لذته أكثر وضوءه أكبر لأنه خرج من الظلمة إلى الضوء. 








کک 1{ شت مجموعة رسائل الإمام الفزالى س 


فصل 

واعلم أن نفس ابن آدم مختصرة من العالمء وفيها من كل صورة فى العالم أثر منه؛ 
لأن“هذه العظام كالجبال» ولحمه كالترابء» وشعره كالتيات» ورأسه مثل السماء وحواسه 
مثل الكواكب» وتفصيل ذلك طويل؛ وأيضًا فإن فى باطنه صناع العالمء لأن القوة التى فى 
المعدة كالطبالم. والتى فى الكبد كالخبازء والتى فى الأمعاء كالقصارء والتى تبيض اللبن 
وتحمر الدم كالصباغ. وشرح ذلك طويلء والمقصود أن تعلم كم فى باطنك من عوالم 
مختلفة كلهم مشغولون يخدمتك. وأنت فى غفلة عنهمء وهم لا يستريحون» ولا تعرفهم 
أنت ولا تشكر من أنعم عليك بهم . 


فصل فى معرفة تركيب الجسد 
ومنافع الأعضاءالتى يقال عنهافى علم التشريح 

وهو علم عظيم» والخلق غافلون عنه» وكذلك علم الطب. فكل من أراد أن ينظر 
فى نفسه وعجائب صنع الله تعالى فيهاء يحتاح إلى معرفة ثلاثة أشياء من الصفات الإلهية : 

الأولى: أن يعرف أن خالق الشخص قادر على الكمال وليس بعاجزء وهو الله 
سبحانه وتعالى. ولي عمل فى العالم باعجت من خجلى الإتندان من ماع مهين» وتصوير 
هذا الشخص بهذه الصورة العجيبة كما قال الله سبحانه وتعالى : [ إنا خلقتا الإنسان من 
نطفة أمشاج. نبتليه ‏ [الإنسان : ۲]. فإعادته بعد الموت أهون عليه؛ لأن الإعادة أسهل من 
الابتداء . 

الثانية: معرفة علمه سبحانه وتعالى وأنه محيط بالأشياء كلها؛ لأن هذه العجائب 
والغرائب لا تمكن إلا بكمال العلم. 

الثالثة: أن تعلم أن لطفه ورحمته وعنايته متعلقة بالأشياء كلهاء وأنها لا تهاية لهاء لما 
ترى فى النبات والحيوان والمعادن فى سعة القدرة وحسن الصور والألوان. 


فصل فى تفصيل خلقة بنى آدم 
لأنها مفتاح معرفة الصفات الإلهية وهو علم شريف 
وذلك معرفة عجائب الصنائع الإلهية» ومعرفة عظم الله سبحانه وتعالى وقدرته» وهو 
مختصر معرفة القلب. وهو علم شريف إذ هو معرفة الصنائع الإلهية» لأن النفس كالفرس»› 
والعقل كالراكب» وجماعهما الفارس» ومن لم يعرف نفسه وهو يدعى معرفة غيره فهو 
كالرجل المفلس الذى ليس له طعام لنفسه وهو يدعى أنه يقوت فقراء المدينة» فهذا محال. 


حب ممموعفرسائلالإمامالفزالى ‏ سمسعع سس سس سس سححح /7وغع = 


فصل 

إذا عرقت هذا العز والشرف والكمال والحمال والحلالء بعد أن عرقت جوهر القلب 
أنه جرهر عزيز قد وهب لك ويعد ذلك خفى عنك» فإن لم تطلبه وغفلت عنه وضيعته 
كان ذلك حسرة عظيثة عليك يوم القيامة؛ فاجتهد فى طلبهء واترك أشغال الدنيا كلها! 
وكل شرف لم يظهر فى الدنيا قهو فى الآخرة فرح بلا غمء وبقاء بلا فتاءء وقدرة بلا 
عجز. ومعرقة بلا جهلء وجمال وجلال عظيمان؛ وأما اليوم فليس شىء أعجز منه لأنه 
مسكين تاقص؛ وإغا الشرف غدا إذا طرح من هذه الكيمياء على جوهر قلبه حتى يخلص 
منه شبه البهائمء ويبلغ حرجة الملاثكة » فإن رجع إلى شهوات الدتيا فضلت عليه البهائم يوم 
القيامة لأنها تصير إلى ائتراب. ويبقى هو فى العذاب . نعوذ بالله من ذلك» ونستجير به» 
وهو تعم المولى ونعم التصيرء والحمد لله رب العالمين» وصلى إلله على سيدنا محمد 
وعلى آله وصحبه أجمعين. 


القواعد العسر 

الحمد تله الموفقء الذى وفق قلوب الأحباب لموافقة مراسيم السنة وأحكام الكتاب» 
الفتاح الذى فتح بصائر أبصارهم فأبصروا عواقع نبال الارتياب فى مقاتل أهل الحجاب» 
الملهم الذى ألهمهم الحجة الييضاء بالمحجة الخضراء فأصابوا أبكار الصواب» تاداهم بلسان 
شأن المحية من جتان المودة كيف ينام الملحب عن متايه الأحياب! فأكحلوا نواظرهم بإثمد 
السهادء وجموا من مضاجعهم أطيب الرقادى وجدوا فى أثر الإطلاب مم الطلاب» وجعلوا 
نهارهم ليلاًء وأفراحهم ويلأًء وأرخوا لعز مولاهم ذيلا وتذللوا على الأعتاب فأقامهم 
فى ال لحاضرة وللادية. وأسمعهم أوامرهم وتواهيه. فيا سعادتهم يتوفيقهم لوقوفهم على 
الأبواب! 

وكشف لهم الحجاب عن جمالهء وكشط الضباب عن محاسن أثواب مقاله» فردوا 
حيارى بمحاسن الأتراب. أجروا مدامعهم جريان الأنهارء وأبدوا قجائعهم عن زمن تولى 
من جر الوزار على الأوزار» وطرقوا الباب فأتاهم الحواب يا عبادى أنا التواب على من أقلع 
عن الحوبة وإلى آناب. 

روق لهم فى دار الوصال شراب الاتصالء غفناحيك به من شراب! فتلذذوا بمناجاتهء 
وغابرا عن حضورهم فى حضراته» وعدا كل بعقله الصاب. فأين المهاجر فى الهواجرء 
ومن أكحل اللحاجر بالحتاجر. طوياه قل فاز بطيب الخطاب! 


کک 0۸ سسحت مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


قذكشف المولى منيعاللملجاب ب 
وَأَسْمَعٌالأحباب طيب الخطاب 
وَآخْضرووا حضرة أنس بها 
غَابوا نماشوا بعد موت العقاب 
ونى 7 قف مالف رب أذنَاهم 
ماس قاهم فى القام الراب 
وة وامن قضئله بالوقا 
مخ ضام الأمْن أجل الكتساب 
هم الملوك الم من خلقه 
ضنائن احق لعسسيرً الج ساب 
فقذتَبعونهج سَبيل الهدى 
َ واقَعُواحَكم صوص الكتاب 
ل 
حاسبوامن قبيل يوم المساب 
ا 
سن غضب الحق وهول العقاب 
ىال تيلتراممبه 
افَِرَحَى الجمع الفرق تخت التقاب 
بوت بالذكر قَىْ بُييهم 
بذكره فى بج ممع أهل التُواب 
جردو امن سباكم بيعم 
بهم عن الق زول الاب 
عَهممثى سلامٌ سما 
مالم البرق أو اَهَل الع هاب 
أحمده حمدًا أستوجب به الثوابء وأشكره شكرًا تزيد به زيادات أولى الألباب» 
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهء شهادة تنزيه عن الحلول والانحيازء والظهورء 
والبطون» والابتداء والانتهاءء والاشتهار والاحتجاب؛ وتقدست ذاته المقدسة عن مقاللات 
أولى الجهالات من الكم والكيف والأين والمكان والزمان والإياب والذهاب. وأمجده با 
أبرزه بحكمته من الأكوان عن التفكر والتدبر والمعاونة والمشاورة والراحة والنصب 
والانتتصاب» وأعظمه عن التشبيه والتمثيل والتعديل والتحويل والتبديل والتركيب 
والارتكاب. وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله أشرف محبوبء وأعظم الأشراف» 


وأخص الأحباب؛ أرسله بمضل الكتاب وفصل الخطاب» وأيده بأفضل كتاب وآجمل 
النفى والإيجاب» فأنقذ الأحياب من مهاوى الارتياب ومغاوى الأعراب» بالعمّاب على 
الأعقاب» ؤكشف عن وجه نور الإسلام مكفرات ظلمات الإشراك والضباب؛ صلى الله 
عليه وعلى آله وأصحاره والأحباب» وعلى الخلفاء الراشدين الأقطاب: أبى بكر وأبى 
حفص وأبى عمرو وأبى تراب» صلاة غلا دار النعيم وتخرجنا عن دار العذاب. 

أما بعد: نفحنا الله وإياك بنسائم قربه» وسقانا وإياك من كاسات حبه؛ فإن بيان 
كيفية طريقناء وبرهان أهل تحقيقناء مبنى على عشرة قواعد توقظ النائم وتقيم القاعد: 


القاعدة الأولى 
النية الصادقة الواقعة من غير التواءء لقوله عليه الصلاة والسلام: اونما لکل امری 
ما نوی . 
والمراد بالنية عزم القلب» وبالصادقة إنهاؤها للفعل والترك للرب» وبالواقعة 
استمرارها على هذه الخلة الأثيرة؛ لأن التكرار تأثيرا ليس لغيره» وعلامتها عدم تغيير جزمه 
بأعراض فانية وباقية فى عزمهء فإن العمل للحق ولا بد من الحق فلا يترك ما عزم عليه 


القاعدة الثانية 

ا ولا اشتراك لقوله عليه السلام: «اعبد اله كأنك تراه إن لم 
تک تراه فإنه يراك» 0019 الق 
لقول النبى الا «تعس عبد الدينار» . 

وليترك الله سبحانه وتعالى جميع أمانيه » لقوله عليه السلام: : امن حسن إسلام الَرء 
ترکه ما لا نيه وآكدها الشبهات فاحذرها أن تصيبك. ٠‏ لقوله عليه السلام: ادع ما برييك 
إلى ما لا يريبك» . 

فإذا "صيحت هذه الأصول العلاثة ااا لك لر كن اة خن 
الدنيا وبالمعنى فى العقبى» وعلى قدر قك زلا علي الفعسل وارلا خطلى من امت 
المشهرر: ئی ایا ا غریب از عار سیل وعد كك من اعاب وره 

وعلامة القناعة الاكتفاء جا يذهب ار رالد وال لقوله لله لله : حب ابن آدم 
ُقيْمات يُقمْنَ بها صلب فلا بميل إلى صاحب القمح صاحب الشعير ف لالد النقرة شا جب 
اللقير. والمعتى بالخلدل لايقصد المباح» ولا يخفض إلى الشبهة الجناح. وعلامة الغريب 


الحمل الخفيف. وعدم الاتئتلاف بالثقيل» وترك السؤال فإنه يؤوى إلى ظل الدخيل. وعلامة 
عابر السبيل إسراع الإجابة؛ ورضاه بما سبق إليه واستطابه. وعلامة الميت إيثار مهمات دينه 
والمألة فى غوالب حينه . 


2 القاعدة الثالثة 
موافققة الحق بالاتفاق والوفاق ومخالقة النفس بالصبر على القراق والمشاق» وترك 
الهوى» وجفاء الملاذ والمكان والخلاف. ومن تعوده خرج عن الحجاب ودخل فى 
الانكشاف» فعاد نومه سهراء واختلاطه عزلة» وشبعه جوعاء وعزته ذلة» ومكالمته صمئًاء 
وكثرته قلة. 


القاعدة الرابعة 
العمل بالاتباع لا الابتداعء لاا يکوت صاحب هوىء ولا يزهو برأيه زهواء فإنه لا 


0 اتخذ لنفسه فى فعله ولي بقوله عليه السلام: «علَيَكُمْ بالسمْع والطّاعة ولَئ كَانَ 


القاعلة الخامسه 
الهمة العليا عن تسويف يفسدك؟ فقد جاء : لا تترك عمل يومك للغد؛ لأن بعضص 
الأعمال من بعضهاء وإلا فمن رضى بالآدنى حرم الأعلى . كال المتبع هو السنى ل" 
المتشيع والمعتزل المبتدع» لقوله عليه السلام: ديا أحبابى عَلَيكُم بالسواد د الأعظّم' قالوا: يا 
رسول الله وما السواد الأعظم؟ قال: (ما ما أنا عليه وأصحابى». 


الماعلة السادسة 

العجز والذلة؛ لا بمعنى الكسل فى الطاعات وترك الاجتهادء يل عجزك عن كل فعل 
إلا بقدرة الحق الجوادء وأن ترى الخلق بعين التوقير والاحترام» فإن بعضهم وسائط بعض» 
إجلالاً لحضرة ذى الجلال والإكرام؛ لأن سنة الله سبحانه وتعالى إذا آراد شيئًا ما أضافه 
إليه ينفى الوسائطء وإن أراد جلال حضرته تعظيمًا أضافه لغيره رعاية للضوابط. فإذا 
علمت أن الكل بيد الله مسبحانه وتعالى والمرجع إليه وقكبرت» فقد تكبرت عله إلا يأمر 
وصل إليك من لديه. فاجعل عجزك فى جنبه ومسكتتك له بالاعتذارء ولا تتصور قدرة 
لك فإتها منازعة فى الاقتدار 


القاعدة السابعة 
ظدث مئلكٌ بالجواد الحسان. 


ّ الفاعدةالثامنة 
دوام الورد إما فى حى الحق أو حق العبادء فإن من ليس ورد فماله من الموارد إمدادء 
فلاديم يمل يمل الحل بملاله بخلاف الذى يغيب بأعماله وأقواله» فإن النفس تنبسط بذلك جهر 
وسراء وتراعى حقوق العباد كما يتوقع منهم خيرا شر فيحب وييغض لهم ما يحب 
كفو الم و ويعلم لله تعالى ما يرضى كما يحب أن يفعل الله ما يرضى. 


الفاعدةالناسعة 
المداومة على المراقبة ولا يغيب عن الله سبحانه وتعالى طرفة عين؛ فمن داوم على 
مراقبة قلبه لله سبحانه وتعالى ونفى غير الله وجد الله وإحسانه وعلم اليقين يحصل ذلك 
لك بجملته وهو أن ترى الحركات والسكنات والأعيان بتحريكه وتسكينه وقدرته سبحانه لا 
يستغنى عنه شئ. ثم تزيد مراقبته إلى أن تترقى إلى علم اليقين» ثم يفنى عن ذلك به 
وذلك حقيقة اليقين فيقول: ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله سبحانه وتعالى» هو القيوم على 
كل شىء بقيوميته» وذلك الشىئ هو القائم بأمرء وبقدرته على حسب المشاهدة والملحاضرة» 


فتأدب مع الخلق وعاشر أحسن المعاشرة؛ قال ع ي : (أدبنى ربى ذ فاحسن تأدیبی». 
القاعدة العاشرة 


علم ما يجب الاشتغال به ظاهر وباطنًا اجتهادًا؛ لأن من ظن أنه استغني عن ع الطاعة 
فهر مقلس معاد 8 سبحانه لا رب إلاسواه: قل إن كنحم تحبون الله فاتبعوني يحيبكم 
اله 4 [آل عمران: ١‏ 7]. 

فهذا ما بنيت على أعمدة قواعده قصورا من غير قصورء وأسست عليه شرامخ 
الحجار لربات الحجورء وحرثته بمحراث فدنء وبذرته بصنوف حبوب السعادةء» وغرست 
فو فرادسه الأذكاره وأجريب فى جناته من الأوراد والأنهارء وفرشته بشقائق نعمان 
المجاهدةء ومهدته بحدائق حقائق المكابدة؛ راجيا حصاد زرعى بمناجل الهممء وقاصداً 
غنيمة إنفاقى من مواهب الكرمء والله تعالى يزكيه ويربيه» ويرتع فيه من ظهر فيه» ومن 
التحق به تمن يحبيهء إنه الجواد الكريم البر الرحيم . 


سکیس ٦۷‏ سسحت مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


والسلام على من اتبع الهدى» فما ابتدع ونفع وانتفع ولحق بعباد الله الصالحين وحزبه 
المفلحين ورحمته وبركاته» وصلى الله وسلم على سيدنا محمد نور أنوار المعارف وسر 
أسرار العوارف» وعلى آله وصحبه وتايعى سبيله وحزيه والحمد لله الذى بنعمته تتم 
الصالحات وتعم البركات آمين . 


ْم تفريم 
الكشف والببيين 

فى غرورالخلق أجمعين 

وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم آمین! !به ثقتى . 

الحمد لله وحده» وصلى الله على خير خلقه سيدنا محمد وعلى آله وصحبه. 

وبعد: فهذا كتاب الكشف والتبيين فى غرور الخلق أجمعين. 

اعلم أن الخلق قسمان: حيوان وغير حيوان. والحيوان قسمان: مكلف وغير مكلف؛ 
فالمكلف من خاطبه والله بالعبادة» وأمره بهاء ووعده بالثواب عليهاء ونهاه عن المعاصى» 
وحذره العقوبة؛ وغير المكلف من لم يخاطبه بذلك. ثم المكلف قسمان: مؤمن وكافر. 
والمؤمن قسمان: طائع وعاص؛ وكل واحد من الطائعين والعاصين ينقسم إلى قسمين : عالم 
وجاهل . 

ثم رأيت الغرور لازمًا لجميع المكلفين والمؤمنين والكافرين إلا من عصمه الله رب 
العالمين. وأنا إن شاء الله تعالى أكشف عن غرورهم» وأبين الحجة فيهء وأوضحه غاية 
الإيضاح. وأبينه غاية البيانء بأوجز ما يكون من العبارة» وأبدع ما يكون من الإشارة؛ 
فأقول وما توفيقى إلا بالله : 

واعلم أن المغرورين من الخلق ما عدا الكافرين أربعه أصناف: صنف من العلماءء 
وصنف من العباد» وصنتف من أرباب الأموال»ء وصنف من المتصوفة. فأول ما نبدأ به غرور 
الكفارء وهم فى غرورهم قسمان: منهم من غرته الحياة الدنياء ومنهم من غره بالله 
الغرور. فأما الذين غرتهم الحياة الدنيا فهم الذين قالوا: النقد خير من النسيئة» ولذات 
الدنيا يقين ولذات الآأخرة شكء ولا يترك اليقين بالشك؛ وهذا قياس فاسد. وهو قياس 
إبليس لعنه الله فى قوله أنا خير منهء فظن أن الخيرية فى السبب. 

وچ هذا الغرور شيئان إما بتصديق وهو الإعانء وإما ببرهان. أما التصديق فهو 
أن يصدق الله تعالي في قوله: وما عند الله وأبقئ » [القصص : >]. وقوله 
تعالى :وما الحيَاة الدنيًا إل متاع الغرور» ال اة مد لديف ]د وتصدرق 
الرسول فيما جاء به. وأما اليرهان فهو أن يعرف وجه فاد قياسه أن قوله: «الدنيا نقد 
والآخرة نسيئة» مقدمة ص حي حة» وأما قوله: «النقد خير من النسيئة» فهو محل 


مجموعة سائل الإمامالفزالى بي سس سس سس ی 13# د 


التلبيس » وليس الأمر كذلك» بل إن كان النقد مثل النسيئة فى المقدار والمقصود فهو خير» 
وإن كان أقل منها فالنسيئة خير منه؛ ومعلوم أن الآخرة أبدية والدنيا غير أبدية. وأما 
قولهم: “«لذات الدنيا يقين ولذات الآخرة شك» فهو أيضًا باطل؛ بل ذلك يقين عند 
المؤمنين» وليقينه مدركان: أحدهما الإيمان والتصديق على وجه التقليد للأنبياء والعلماء كما 
يقلد الطبيب الحاذق فى الدواء» والمدرك الثانى الوحى للأنبياء والإلهام للأولياء. ولا تظن 
أن معرفة النبى عله لأمور 0 ولأمور الدنيا تقليد لجبريل عليه السلام» فإن التقليد ليس 
بمعرفة صحيحة» والنبى عله حاشاه من ذلك بل قد انكشف له الأشياء وشاهدها بنور 
اليصيرة كما شاهد ال بالعين الظاهرة. 


فصل 

والمؤمنون بألستهم وعقائدهم إذا ضيعوا أوامر اللّه. وهى الأعمال الصالحة» وتدنسوا 
بالشهوات» فهم مشاركون الكفار فى هذا الغرورء فا حياة الدنيا للكافرين والمؤمنين جميعًا غرور. 

فأما غرور الكافرين بالله فمثاله قول بعضهم فى أنفسهم بالسنتهم: إنه إن كان الله 
معيدنا فنحن أحى به من غيرنا؛ ا الكهيف [الآيتان : 0 [Y1‏ 
حيث قال : ماظن أن تبيد هذه أبدا د٣‏ وما أظن الساعة قائمة ون رددت إلى ربي 
لأجدن حيرا منها منقلبًا 4 وسبب هذا الغرور قياس من أقيسة إبليس لعنه الله وذلك أنهم 
ينظرون مرة إلى نعم الله عليهم فى الدنيا فيقيسون عليها نعم الآخرة» ومرة ينظرون إلى 
تأخير عذاب ا فيقيسون عليه عذاب الآخرة. كما أخبر الله عنهم أنهم 
يقولون :ل لولا يعذبنا الله بما تقول [الجادلة: ۸. ومرة ينظرون إلى المؤمنين وهم فقراء 
فيزدرونهم ويقولون :ل أهؤلاء من الله عليهم من بيننا 4 [الانعام : 5]. ويقولون: 0 
تر ا ..١‏ وترتيب القياس الذى نظم قلوبهم أنهم يقولون: « 

و ل ل ين و ا 
کذلك. ل کر ا وکن ا الوا كوة ا م و ی 
ا اولك حصن ازور بالله تعالى» ولذلك قال عله : :٠‏ إن اله بحمى عبده اومن 
من ' الدنيا كما يَحمى أَحَدكُم مَريضة من العام والشراب وهو يحبة». وكذلك كان أرياب 
البصائر إذا أقبلت عليهم الدنيا حزنواء وإذا أقبل عليهم الفقر فرحوا وقالوا مرحبًا بشعائر 
الصالحين. وقد قال تعالى: فا الإنسان إذا ما ابتلاه ربه فاکرمه ونعمه فيقول ربي 
أكرمن 6 [الفجر: 5 .]١‏ وقال تعالى :ل أيَحسبوَ أنما ُمدهم به من مال وبنين :(22) نسارع 
ك 00 01[. وقال تعالى : ل[ سنستدرجهم من 
حيث لا يعلمون ‏ [الاعراف: 27 القلم: ٤‏ ). ل وأملي لَهم إِنّ كيدي متين 4 [الاعراف: 


ججح :0 سس لصت مجموعة رسائل الإمام القزالى سد 


۳ القلم: .]٤٥‏ وقال تعالی: لما سوا ما دروا به فَحَا لبهم أبواب كُل شيء حي 
إذا فرحوا بما أُوتوا أخذناهم بغتة فإذَا هم مبلسون 4 [الانعام: .٤‏ فلم يؤمن بالله من آمن 
بهذا الغرور. ومنشا هذا الغرور الجهل بالله وبصفاتهء فمن عرف الله فلا يأمن من مكره 
ولا ينظرون إلى فرعون وهامان والتمرود ماذا حل بهم مع ما أعطاهم الله من المال» وقد 
حذر الله من مكثره فقال تعالى :فلا یامن مکر الله إلا القوم eT‏ 44 
وقال تعالى : 9 ومكروا ومكر الله واللّه خير الماكرين 4 (آل عمران: .]٤‏ وقال 
تعالى : ظ فمهل الكافرون أمهلهم رويدا 4 [الطارق: .]١7‏ فمن أولاه الله نعمة فليحذر أن 
ون ةا 


فصل 

وأما غرور العصاة من المؤمنين فقولهم: «غفور رحيم وإنما نرجو عفوه». فاتكلوا 
على ذلك وأهملوا الأعمال ‏ وذلك من قبّل الرجاء محمود فى الدين ‏ وإن رحمة الله 
واسعة» ونعمته شاملةء» وكرمه عميم؛ إنا موحدون مؤمنون. ونرجو بوسيلة الإيمان. 
والكرم والإحسان. وربما كان منشأ حالهم التمسك بصلاح الآباء والأمهات» وذلك نهاية 
الغرور» فإن آباءهم مع صلاحهم وورعهم كانوا خائفين» ونظم قياسسهم الذى سول لهم 
الشيطان: أن من أحب إنسانًا أحب أولاده. فإن الله قد أحب آباءكم فهو يحبكم. فلا 
تحتاجون إلى الطاعة» فاتكلوا على ذلك واغتروا بالله. ولم يعلموا أن نوحًا عليه السلام أراد 
أن يحمل ابنه فى السفينةء فمنعء وأغرقه الله بأشد ما أغرق به قوم نوح» وأن اللبى عله 
استأذن فى زيارة قبر أمه دفىٍ الاستغفار لهاء فأذن له فى الزيارة رلم يؤذن له فى الاستغفار 
ونسوا قوله تعالى : « ولا ترر وازرة وزر أخرئ 4 (قاطر : 14]. وقوله تعالى: « وأن ليس 
للإنسان إلا ما سعئ & [النجم : . فإن من ظن أنه ينجو بتقوى أبيهء كمن ظن أنه يشبع 
بأكل أبيه أو يروى بشرب أبيهء والتقوى فرض عين لا يجزى فيها والد عن والده» وعند 
چرام اوی يو ار فن اح وات وابه رضاح و لا علين سبيل الشفاعة. ونسوا 
قرله تل : «الكيس من دان نَفْسه عمل تا بد الوت والعاجز من بع ننفسه هواها وتَمنى 
على الله الأمانى»» وقوله تعالى :3 الْذِين آمنوا والّذين هاجروا وجاهدوا في سبيل الله 
أولتك يرجون رَحَمَت الله الله فور رَحيم 4 [البقرة : 514]. وقال تعالى 9 جزاء بما كانوا 
يعَملُونَ © [السجدة: 7]. وهل يصح الرجاء إلا إذا تقدمه عمل؟ فإن لم يتقدمه عمل فهو 
غرور لا محالةء وإنما ورد الرجاء لتبريد حرارة المخوق واليأس» ولتلك الفائدة نطق به 
القرآن والترغب فى الزيادة لا محالة . 


سدس مجموعة رسائل الإمام الفزالى ڪڪ 170 = 


فصل 
ويقرب منهم غرور طوائف لهم طاعات ومعاصء إلا أن معاصيهم أكثرء وهم 
يتوانعون المغفرة ويظنون أن ترجح كفة حسناتهم» وكفة سيئاتهم أكثر. وهذا غاية الجهل» 
فترى الواحد يتصدق بدراهم عديدة من الحلال والحرام» ويكون ما يتناوله من أموال الناس 
والشبهات أضعافهء فهو كمن وضع فى كفة الميزان عشرة دراهم ووضع فى الكفة الأخرى 
ألهًا. وأراد أن تميل الكفة التى فيها العشرةء وذلك غاية الجهل . 
فصل 
ومنهم من يظن أن طاعته أكثر من معاصيهء لأنه لا يحاسب تفسه ولا يتفقد 
مصيهاء وإذا عمل طاعة حفظها واعتد بهاء كالذى يستغفر الله بلسانه ويسبح بالليل 
والنهار مثلاً مائة مرة وألف مرة» ثم يغتاب المسلمين ويتكلم بما لا يرضاه الله طول النهارء 


وياد 4 ت إلى ما ورد من ذ ضا الت يح وبع يغفز عما ورد فى عسقوبة الكذابين والنمامين 
واللنافقين؛ وذلك محض الخرور» فحفظ لسانه عن المعاصى آكد من تسبيحه؛ فسبحان من 


صدنا عن التنبيه . 
فصل 
بيان أصناف المغرورين وأقسام كل صنف 
الصنف الأول من المغرورين:العلماء 
وهم فرق : 


(فرقة منهم) لما أحكمت العلوم الشرعية والعقلية» تعمقوا فيهاء واشتغلوا بهاء 
وأسملوا تفقد الجوارح وحفظها عن المعاصى وإلزامها الطاعات» واغتروا بعلمهم. وظنوا 
أنهم عند الله بمكانء وأنهم قد بلغوا من العلم مبلمًا لا يعذب الله مثلهم. بل يقبل 
شفاعتهم فى الخلق ولا يطالبهم بذنوبهم وخطاياهم. وهم مغرورونء فإنهم لو نظروا بعين 
البسصيرة لعلموا أن العلم علمان: علم معاملة» وعلم مكاشفة وهو العلم بالله تعالى 
وبيصماته؛ فلا بد من علوم المعاملة لتتم الحكمة المقصودة؛ وهى المعاملة بمعرفة الحلال 
والحرام؛ ومعرفة أخلاق النفس المذمومة والمحمودة. ومثنهم مثل طبيب يطبب غيره وهو 
عذيل قادر على طب نفسه فلم يفعل» وهل ينفع الدواء بالوصف؟ هيهات لا ينفع الدواء إلا 
من شربه بعد الحمية؛ وغفلوا عن قوله تعالى: لإ قد افلح من زکاها چ4 وقد خاب من 
دسًاها ‏ [الشمس: .]٠١ ٩‏ ولم يقل :من يعلم تزكيتها وكتب علمها وعلمها الناس». 


وغفلوا عن قوله عله كر ل لق ل هلك وقوله 
ال : «إن أشد الاس علَبا يوم القيامَة عالم لم يه اله بعلمه»ء وغير ذلك كثير. وهؤلاء 
مغرورين نعوذ بالله من حالهم» وإنما غلب عليهم حب الدنيا وحب أنفسهم وطلب الراحة 
العاجلة» وظنوا أن علمهم ينجيهم فى الآخرة من غير عمل . 

(وفرقة أآخرى) أحكموا العلم والعمل الظاهرء وتركوا المعاصى الظاهرة» وغفلوا عن 
قلوبهم» فلم يمحوا منها الصفات المذمومة عند الله كالكبر والرياء والحسد وطلب الرياسة 
والعلو وإرادة السوء بالأقران والشركاء وطلب ا فى البلاد ولا وذلك غرور سببه 

عن قوله : «الرياء الشرك الأصغرا ر وقول َه : «الحسد يَأكُلّ المسنات كما 
اکل التار الحطب» وقوله تله : «حب الال والشرف يبان الفاق فى القلب كما ينبت 
الّاء البقل». ل وغفلوا عن وله تعال :إلا من أتى الله بقلب 
سليم 4 [الشعراء: 4 ؟. فغفلوا عن قلوبهم واشتغلرا بظواهرهم؛ وج لاسن للا 
تصح طاعاته» وهو 00 طليرديه. رتك فآضوة الطيتي بالطلا وشرت: الدواءة فاخت 
بالطلاء وترك شرب الدواءء فآزال ما بظاهره ولم یزل ما بباطنه» وأصل ما على ظاهره غا 
فی باطنه» فلا یزال جربه يزداد أبدًا ما فى باطنهء فلر زال ما فى باطنه استراح الظاهر ؛ 
فكذلك الخبائث إذا كانت كامنة فى القلب يظهر أثرها على الجوارح . 

(وفرقة أخرى) علموا هذه الأخلاق الباطنة وعلموا أنها مذمومة من جهة الشرعء إلا 
أنهم لأجل تعجبهم يأنفسهم يظنون أنهم منفكون عنهاء وأنهم ارمع عد انهف م 
بذلك» وإنما يبتلى به العوا م دون من بلغ مبلغهم فى العلم» قأما هم ذ فهم أبلغ عند الله من 
أن يبتليهم بذلك» وظهرت عليهم مخايل الكبر والرياسةء. وطلب العلو والشرف» 
وغرورهم أنهم ظنوا أن ذلك ليس بكبر وإنما هو عز للدين وإظهار لشرف العام ونصرة دين 
الله » وغفلوا عن قرح إبليس به» وعن نصرة النبى عله اذا كانت وباذا أرغم الكافرين» 
وغفلوا عن تواضع الصحابة وتذللهم وفقرهم ومسكنتهم» حتى عوتب عمر شه على 
بذاذته عند قدومه الشام فقال: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام لانطلب العز فى غيره. 

:م هذا المغرور يطلب عز الدين بالثياب الرفيعة» ويزعم أنه يطلب عز العلم وشرف 
الدين»ء ومهما أطلق اللسان بالحسد فى أقرانه أو فيمن رد عليه شيئًا من كلامه لم يظن 
بنفسه أن ذلك حسد ويقول: إنما هو غضب للحق» ورد على المبطل فى عداوته وظلمه. 
وهذا مغرور» فإنه لو طعن على غيره من العلماء من أقرانه ربما لم يغضب بل ربما يفرح» 
وإن آظهر الغضب عند التاس فقلبه ربا يحبه» ور يظهر العلم ويقول: غرضى به أفيد 
الخلق؟ وهو به مراء» لاه لو کان غرضه صلاح الخاق لأحب صلاحهم على يد غيره ثمن 
هو مثله أو فوقه أو .دونه . 


حح مجموعة رسائل الإمامالفزالى ۷ ع 


وربما يدخل على السلاطين ويتودد إليهم ويثنى عليهم» فإذا سئل عن ذلك قال: إنما 
غرضى أن أنفع المسلمين وأدفع عنهم الضرر؛ وهو مغرورء فلو كان غرضه ذلك لقرح به 
إذا جرى على يد غيره» ولو رأى من هو مثله عند السلطان يشفع فى أحد لغضب. 

ورجما أخذ من أموالهمء فإذا خطر بباله أنه حرام قال له الشيطان: هذا مال بلا 
مالاف» وهو لمصالح المسلمين» وأنت إمام المسلمين وعالمهم» وبك قوام الدين. وهذه ثلاث 
تلبيسات: أحدهما أنه مال لا مالك لهء والثانى أنه لمصائح الملممين» والثالث أنه إمام؛ 
وص يكون إمامًا إلا من أعرضى عن الدنيا كالأنبياء والصحاية وأفاضل علماء هذه الأمة؟ 
ومثله كما قال عيسى عليه السلام: العالم السوء كصخرة وقعت فى فم الوادق» قلا هى 
تشرب الماءء ولا هى تترك الماء يخلص إلى الزرع. 

وأصناف غرور أهل العلم كثيرة وما يفسد هؤلاء أكثر مما يصلحونه. 

(وفرقة أخرى) أحكموا العلوم» وطهروا الجوارح» ويينوها بالطاعات» راجتنبوا 
ظاهر المعاصى» وتفقدوا أخلاق النفس وصفات القلب من الرياء والحسد والكبر والحقد 
وطلب العلوء وجاهدوا أنفسهم فى التبرى منهاء وقلعوا من القلب منابتها الجلية القوية ؛ 
ولككنهم مغرورون» إذ فى زوايا القلب بقايا من خفايا مكايد الشيطان» وخبايا خدع النفس 
ما ذق وغمضء فلم يتفطنوا لها وأهملوها. ومثلهم كمثل من يريد تنقية الزرع من 
الحشيش» فدار عليه وفتش عن كل حشيش فقلعه» إلا أنه لم يغتش عما لم يخرج رأسه 
بعد من تحت اللأرض ويظن أن الكل قد ظهر وبرزء فلما غفل عنها ظهرت وأفسدت عليه 
الزرع؛ فهؤلاء إن غيروا تغيرواء وربما تركوا مخالطة الخلق استكبار عنهم» وربا نظروا إلى 
الخد بعين الحقارة» وربما يجتهد بعضهم فى نحسين منظره كيلا ينظر إليه بعين الركاكة . 

(وفرقة أخرى) تركوا المهم من العلوم» واقتصروا على علم الفتاوى فى الحكومات 
وا-خصومات» وتفاصيل المعاملات الدتيوية الحارية بين الخلق لصالح المعايش» وخصصوا 
اسم الفقيه» وسموه الفقه وعلم المذهب» وربما ضيعواً مم ذلك علم الأعمال الظاهرة 
والاطنة» لم يتفقدوا الجوارح» ولم يحرسوا اللسان عبن الغيبة» والبطن عن الحرام» والرجل 
عن السعى إلى السلاطين» وكذا سائر الجوارح» ولم يحرسوا قلوبهم عن الكبر والرياء 
وا-حسد وسار المهلكات . 

وهؤلاء مغرؤورين من وجهين: 

أحدهما: من حيث العلم؛ وقد ذكرنا وجه علااجه فى كتاب الإحياءء وأن مثلهم 
كدسثل المريض الذى تعلم الداء من الجحكماء ولم يعلمه أو يعمله» فهؤلاء مشرفون على 
الهلاك من حيث إنهم تركوا تزكية أنفسهم وتخليهاء واشتغلوا بكتاب الحيض والديات 
والسعان والظهارء وضيعوا أعمارهم فيها. وإنما غرهم تعظيم الخلق لهم وإكرامهمء ورجوع 
أحهم قاضيًا ومفتًا؛ ويطعن كل واحد منهم. فى صاحبه» فإذا اجتمعوا زال الطعن . 





عد ا ص م مسمس سس شعت بجموعةرسائل الإمام الفزالى تت 


والشانى: من حيث العلم؛ وذلك لظنهم أنه لاعلم إلا بذلك وأنه الموصل المنجى» 
وإنما الموصل المنجى حب الله تعالى؛ ولايتصور حب الله تعالى إلا بمعرفته؛ ومعرفته ثلاث: 
معرفة الذات» ومعرفة الصفات» ومعرفة الأفعال. وهؤلاء مثل من اقتصر على بيع الزاد فى 
طريق الحاج ولم يعلموا أن الفقه هو الفقه عن الله ومعرفة صفقاته المخوفة والمزجرة؛ 
ليستشعر القلب الخوف» ويلازم التقوىء كما قال تعالى ( فلولا تقر من كل فرقة منهم 
طائفة ليتفقًهوا في الدين ولينذروا قومهم إا رجعوا إِلَيْهم لَعلّهم يحذرون © (التوية : NYY‏ 

ومن هؤلاء من اقتصر من علم الفقه على الخلافيات؛ ولا يهمه إلا تعلم طريق 
المجادلة والإلزم وإفحام الخصم ودفع الحق لأجل الغلبة والمباهاة» فهو طول الليل والنهار فى 
التفتيش فى مناقضات أرباب المذاهب» والتفقد لعيوب الأقران» وهؤلاء لم يقصدوا العلم 
وإنغا قصدوا مباهاة الأقران» ولو اشتغلوا بتصفية قلوبهم كان خير لهم من علم لا ينفع إلا 
فى الدنيا والتكبرء وذلك ينقلب فى الآخرة نارًا تلظى . 

وأما أدلة المذهب فيشمل عليها كتاب الله وسنة رسول به فما أقبح غرور هؤلاء! 

(وفرقة أخرى) اشتغلوا بعلم الكلام والمحادلة» والرد على المخالفين وتتبع 
مناقضاتهم » واستكثروا من علم المقولات المختلفةء واشتغلوا بتعليم الطريق فى مناظرة 
أولئك وإفحامهم . ولكنهم على فرقتين : إحداهما ضالة مضلة والأخرى محقةء أما غرور 
الفرقة الضالة فلغفلتها على ضلالتها وظنها بنفسها النجاةء وهم فرق كثيرة يكفر بعضهم 
بعضًا؛ وإنما ضلوا من حيث إنهم لم يحكموا لشروط الأدلة ومنهاجهاء فرأوا الشبهة دليلاً 
والدليل شبهة. وأما غرور الفرقة المحقة فمن حيث إنهم ظنوا الجدل أنه أهم الأمور وأفضل 
القربات فى دين اللهء وزع موا أنه لا يتم لأحد دينه ما لم ييحثء وأن من صدق الله من 
غير بحث وتحرير لدليل فليس بمؤمن ولا بكامل ولا بمقرب عند الله تعالى. ولم يلتفتوا إلى 
القرن الأولء وأن البى َه شهد لهم بأنهم : خير الخلق ولم يطلب منهم الدليل. وروی 
أبوا أمامة الباهلى تاه عن النبى تله أنه قال: «مّا ضا ل قوم قط إلاً أوتوا الجدل» . 

(وفرقة أخرى) اشتغلوا بالوعظ وإعلاء رتبة من يتكلم فى أخلاق النفس وصفات 
القلب. من الخوف والرجاء والصبر والشكر والتوكل والزهد واليقين والإخلاص والصدق. 
وهم مغرورون لأنهم يظنون أنهم إذا تكلموا بهذه الصفات ودعوا الخلق إليها فقد اتصفوا 
بها وهم منفكون عنها إلا من قدر يسير لا ينفك عنه عوام المسلمين. وغرور هؤلاء أشد 
الغرورء لأنهم يعجبون بأنفسهم غاية الإعجاب». ويظنون أنهم ما يبحروا فى علم المحبة إلا 
وهم من الناجين عند الله ء وأنهم مغفور لهم بحفظهم لكلام الزهاد مع خلوهم من العمل. 

وعولاة شد قروا عن كان قلهرة لأنهم يظنون أنهم يحببون فى الله ورسوله. وما 
قدروا على تحقيق دقائق الإخللاص إلا وهم مخلصونء ولا وقفوا على خفايا عيوب النفس 
إلا وهم عنها منزهون»ء وكذلك جميع الصفات» وهم أحب فى الدنيا من كل أحدء 


ريظهرون الزهد فى الدنيا لشدة حرصهم عليها وقوة رغبتهم فيهاء ويحثون على الإخلاص 
وهم غير ممخلصينء ويظهرون الدعاء إلى الله وهم منه قارون» ويخوقون بالله وهم منه 
“منون» ويذكرون بالله وهم ناسونء ويقربون إلى الله وهم منه متباعدون» ويذمون الصفات 
الذمومة وهم بها متصفونء» ويصرقون الناس عن الخلق وهم على الخلق أشدهم حرصاء لو 
منعوا عن مجالسهم التى يدعون فيها التاس إلى الله لضاقت عليهم الأرض بما رحبيت. 
ريزعمون أن غرضهم إصلاح الخلقء ولو ظهر من أقران آأحدهم من أقيل الخلق عليه ومن 
صلحوا على يديه لات غا وحسدا ولو أثنى واحد من المترددين إليه على بعض أقرانه 
نكان أبخض خلق الله إليه. فهؤلاء عظم غروراء وأبعد عن التنبيه والرجوع إلى السداد. 

(وفرقة أخرى) عدلوا عن الهم الواجب فى الوعظ وهم وعاظ أهل هذا الزمان 
كافة» إلا من عصمه الل قاشتغلوا بالطاعات والشطح وتلقيق كلمات خارجة عن قانون 
الشرع والعدل طلبًا للإغراق وطائفة اشتغلوا بتيارات النتكت وتسجيع الألقاط وتلقيقهاء 
رأكثر همهم قى الأسجاع والاستشهاد يأآشعار الوصال والقراق.. وغرضهم أن يكثر فى 
مجاسهم التواجد والزعقات ولو على أغراض فاسدة. فهؤلاء شياطين الإنس ضلوا 
وأضلواء فإن الأولين إن لم يصلحوا أتقسهم فقد أصلحوا غيرهم. وصححوا كلامهم 
ووعظهم+ وأما هؤلاء فإنهم يصدون عن سييل الله» ويجرون الخلق إلى الأغراض والغرور 
باللّه بلفظ الخرافة» جراءة على المعاصى ورغية فى الدتياء لاسيما إذا كان الواعظ متزيئًا 
بالعياب والخيلاء والمرائى» ويعظهم بالقتوط من رحمة الله حتى ييأسوا من رحمته. 

(وقرقة لخرى منهم) قنعوا بكلام الزهاد وأحاديثهم قى ذم الدتيا» قيعيدوتها على 
نحو ما يحفظون من كلام من حفظوه من غير إحاطة بمعانيه» قيعظهم الواحد متهم بذلك 
على المتابر»ء وبع .هم يعظون الناس فى الأسواق مع الجلاء» ويظن أنه تاج عند الله وأنه 
مغفور له يحفظه كلام الزهاد مع ختلوه من العمل. وهؤلاء أشد غرورا ممن كان قبلهم.. 

(وقرقة ألخرى) استغرقوا آوقاتهم قى علم الحديث. أعتى فى سماعه. وجمع 
الروايات الكشيرة هنه. وطلب الأساتيد الغريية العالية. فَهِم أحدهم أن يدور فى البلاد 
ويروى عن الشيوخ ليقول: أنا أروى. عن فلان. ولقيت فلاناء وسعى من الأسانيد ما ليس 
عع غير . 

وغرورهم من وجوه: منها أنهم كحملة الأمقازء قإتهم لاا يصرقون العناية إلى فهم 
السنة وتدير معاتيهاء وإتما هم مقتصرون على النقق» ويظتوت أث ذللك يعقفيهم: وهيهات! 
ين القصود من اللتذيث: فهمه وتذبر معاتيهء قالأول قى اللحديث السماع ثم الحقظ ثم القهم 
ثم العمل ثم التشرء وهؤلاء اقتصروا على السماع ثم لم يحكسموهء وإن. كان لا فائدة فى 
الاقتصار عليه والحديث فى هتا الزمان يقرآه الصبيان» وهم غرة غافلون» والشيخ الذى يقرأ 
عليه ربما يكون غاقلاً حتى يصحف الحديث ولا يعلم. ورجا ینلم ویږوږی عنه الحديث وهو 


لا يعلم. وكل ذلك غروره وإنما الأصل فى استماع الحديث أن يسمعه من رسول الله طَلَه ‏ 
فيحفظه كما سمعه ويؤديه كما حفظه» فتكون الرواية عن الحفظ والحفظ عن السماعء فإن 
عجز عن سماعه من رسول يله سمعه من الصحابة آو من التابعين» فيصير سماعه 
منهم کسماعه من رسول الله عی4 وهو أن يصغی ویحفظ ویرویه كما حفظه حتى لا يشك 
في حرف واحد منه» وإن شك فيه لم يجز له أن يرويه أو يعلم به ويخطئ به إن أخطأ. 

وحفظ الحديث يكون بطريقين: أحدهما بالقلب مع الاستدامة والذكر. والثانى يكتب 
ما يسمع ويصحح المكتوب ويحفظه كيلا تصل إليه يد من يغيره» ويكون حفظه للكتاب أن 
يون فى خزانته محروسًا حتى لا تمتد إليه يد غيره أصلاً. ولا يجوز أن يكتب سماع 
السبى والغافل والنائم» ولو جاز ذلك لحاز أن يكتب سماع الصبى فى المهد. 

وللسماع شروط كثيرة» والمقصود من الحديث العمل به ومعرفتهء وله مقهومات كثرة 
كما للقرآن» وروى عن أبى سفيان بن أبى الخير المنهى أنه حضر فى مجلس زاهر بن أحمد 
الس خسىء. فكان أول حديث روى قوله ينه :من حسمن إسلآم الراء ء تركة ما لايَعنيهة فقام 
وتال : يكفينى هذا حتى أفرغ منه ثم أسمع غيره. فهكذا هو سماع الناس 

(وفرقة أخرى) اشتغلوا بعلم النحو واللغة والشعر وغريب اللغةء 1 به وزعموا 
أنهم قد غفر لهم وأنهم من علماء الأمة» إذ قوام الدين والسنة بعلم النحو واللغة» فأفنوا 
أعمارهم فى دقائق النحو واللغة. وذلك غرور عظيم» لوجر لعلموا أن 'لكة العرب 
كلغة التركى والمضيع عمره فى لغة العرب كالمضيع عمر ه فى ! لغة الترك والهند وغيرهم› 
وإغما فارقهم من أجل ورود الشرع . وكفى من اللغة علم الغريب فى الكتاب والسنة» ومن 
النحو ما يتعلق بالكتاب والسنةء وأما التعمق فيه إلى درجة لا تتناهى فهو فضول مستغنى 
عنه وصاحيه مغرور. 


الصنف الثانى من المغرورين أصحاب العبادات والأعمال 

والمغرورون منهم فرق كثيرة: 

منهم من غروره فى الصلاة. 

ومنهم من غروره فى تلاوة القرآن. 

ومنهم من غروره فى الحج. 

ومنهم من غروره فى الجهاد. 

ومنهم من غروره فى الزهد. 

(ومنهم فرقة) أهملوا الفرائض واشتغلوا بالنوافل. وربما تعمقوا فيها حتى يخرجوا 
إلى السرف والعدوانء كالذى تغلب عليه الوسوسة فى الوضوءء فيبالغ ولا يرتضى الماء 
الحكوم بطهارته فى الشرعء ويقدر الاحتمالات البعيدة قريبة فى النجاسة؛ وإذا آل الأمر 


ج مجموعة رسائل الإمامالفزالی ہیی ی ٤۷۱‏ = 


إلى أكل الحرام» قدر الاحتمالات القريبة بعيدة» وربما أكل الحرام المحض. ولو انقلب هذا 
الاحتياط من الماء إلى الطعام لكان أولى» بدليل سير الصحابة يم » فقد توضاً عمر فافته 
بماء فى جرة نصرانية مع احتمال ظهور النجاسة» وكان مع هذا يدع أبوابًا من الحلال خوقًا 
من الوقوع فى الحرام . 

(وفرقة أخرى) غلبت عليهم الوسوسة فى نية الصلاة» فلا يدعه الشيطان يعقد نية 
صحيحة» بل يوسوس عليه حتى تفوته الجماعة» وربما أخرج الصلاة عن الوقت؛ وإن أتم 
تكبيرة الإحرام يكون فى قلبه تردد فى صحة نيته. وقد يتوسوس فى التكبير حتى يغير صفة 
التكبير لشدة الاحتياط ويفوته الاستماع للفاتحة؛ ويفعل ذلك فى أول الصلاة ثم يغفل فى 
جميعهاء ولا يحضر قلبه ويغتر بذلك» ولم يعلم أن حضور القلب فى الصلاة هو 
الواجب» وإنما غره إبليس وزين له ذلك وقال له: ذلك الاحتياط تتميز به عن العوام وأنت 

(وفرقة أخرى) غلبت عليهم الوسوسة فى إخراج حروف الفاتحة من مخارجها 
وكذلك سائر الأذكار» فلا يزال يحتاط فى التشديدات والفرق بين الضاد والظاء؛ لا يهمه 
نمير ذلك. ولا يتفكر فى أسرار فاتحة الكتاب ولا فى معانيها؛ ولم يعلم أنه لم يكلف الخلق 
فى تلاوة القرآن من تحقيق مخارج الحروف إلا بما جرت به عادتهم فى الكلام؛ وهذا غرور 
عظيم. ومثلهم من حمل الرسالة إلى مجلس السلطان وأمر أن يؤديها على وجههاء فأخذ 
يؤدى الرسالة ويتانق فى مخارج الحروف ويعيدها مرة بعد أخرى. وهو مع ذلك غافل عن 
مقصود الرسالة ومراعاة حرمة المجلس؛ فهذا لا شك أنه تقام عليه السياسة» ويرد إلى دار 
المجانين؛ ويحكم عليه بفقد العقل. 

(فرقة أخرى) اغتروا بتلاوة القرآن» فيهدروا به هدراء ربما يختمون فى اليوم والليلة 
حتمة» وألسنتهم تجرى به وقلوبهم تتردد فى أودية الأمانى والتفكر فى الدنياء ولا تتفكر فى 
معانى القرآن لينزجر بزواجره» وبتعظ بمواعظهء ويقف عند أوامره ونواهيه» ويعتبر بمواضع 
الاعتبار منه» ويتلذذ به من حيث المعنى لامن حيث النظم. فمن قرأ كتاب الله فى اليوم 
والليله مائة مرة ثم ترك أوامره ونواهيه» يستحق العقوبة. وربما كان له صوت طيب» فهو 
يقرأ ويتلذذ به ويغتر باستلذاذه» ويظن أن ذلك لذة مناجاة الله سبحانه وسماع کلامه» 
وهيهات ما أبعده! إذ لذته فى صوته» فلو أدرك لذة كلام الله ما نظر إلى صوته وطيبهء» ولا 
تعلق خاطره به» ولذة كلام الله إنما هى من حيث المعنى؛ فهو فى غرور عظيم . 

(وفرقة أخرى) اغتروا بالصوم» ورجا صاموا الدهر وصاموا الأيام الشريفة» وهم فى 
ذلك لا يحفظون ألستتهم عن الخيبة » ولا حواطرهم عن الرياء» ولا بطونهم عن الحرام عند 
الإفطار ولا من الهذيان بأنواع الفضول. فهؤلاء تركوا الواجب» واتبعوا المندوب» وظنوا 
أنهم يسلمون» وهيهات! إنما يسلم من أتى الله بقلب سليم؛ فهم مغرورون أشد الغرور. 


سے إ۷ شسشسطصطححت بجيوعة رسائل الإمامالقزالى حت 


(وفرقة أخرى) اغتروا بالحج من غير خروج عن المظالم وقضاء الديون واسترضاء 
الوالدين وطلي الزاد الخلال. وريما ضيعوا الصلاة المكتوبة فى الطريق» وريما عجزوا عن 
طهارة الثوب واليدث. ويتعرضون لمكس الظلمة حتى يؤخذ عنهء ولا يحترزون فى الطريق 
من الرفثك والخصام. ورا جمع بعضهم الحرام قأنفقه على الرققاء فى الطريق وهو يطلب 
به الرياء والسمعةء قيعصى الله قى كسب الحرام أولاء وفى إنفاقه للرياء ثانيًا. ثم بلغ إلى 
الكعبة ويحخبرها بقلب ملوث يرتائل الأخلاق وذميم الصقات» وهو عع ذلك يظن أنه على 
خير من نريهء وحمو ععبرورر - 

(وقرقة أخرى) احقت قى طريق الخشية والآمر يالمعروف والنهى عن المنكرء وينكر 
أ-مدهم على التلس ويأمرهم م بالخير ويتسى تقسةء وإذا آمرهم بالخير عنف وطلب الرياسة 
والعزة» وإذا باشر متكي وأنكره عليه أحد غضب وقال: أنا المحتسب فكيف تتكر على؟ 
وقد يجمع الناس غى اللسجد. ومن تآخمر عته أغلظ عليه فى القول. وربما عرض له الرياء 
والسمعة والريلسةء وعلاعته أنه لو قام بالمسجد غيره جرا عليه ومتهم من يؤدّن ويظن أنه 
يؤذن للف ولو جاء غود ون قى وقت غييته قامت عليه القيامة وقال: لم آخذ حقى 

وزوحمت. ومتهم سن ب تقد إمام مسجد يظن أنه خيرء وغرضه أت يقال إنه إمام مسجد كذا 

وكذا؛ وعنلامته أنه لو هدم غيره بوإن كان أوررح منه وأعلم ثقل عليه ذلك. 

(وفرقة أخرى) جاوروا بمكة بوللديتة واغتروا بهماء بولم يراقبوا قلوبهم ولم يطهروا 
ظواهرهم وبواطتهم» ورجا كانت قلوبهم متعلقة ببلادهم ومتازلهم. وتراهم يتحدثوت يذلك 
ويقولون جاورت بمكة كذا بوكذاا سنة. .وهذا مغررور»ء لأن الأقوم له أن يكون فى يلده وقلبه 
متعلق بمكة. وإن جاور فلي حقظ حى الحوار؛ فإن جاور عكة حقظ حق الله وإإن جاور 
بالمدينة حفظ حى النبى غي بومن يقدر على ذلك.. وهؤلاء مغرورون بالظواهرء فظتوا أن 
الحيطان تنجيهم» وهيهات! بوربما لم تسمح نفسه بلقمة يتصدق بها على فقير. بوعا أصعب 
المجاورة فى حق الخاقء شكيف مجاورة لطتالق! وما أحسن مجاورته بحفظ جوارحه وقلبه. 

ا(وفرقة الخرى) تزهندت تى الال وقنعت من الطعام واللباس يالدون» ومن المسكن 
بالمساجد» وظنوا أنهم أدركوا برتبة الزهاد» وهم مع ذلك راغيونن فى الريلسة والحاه. 
والرياسة إنما تحصل بباحد أشياء: إما بالعلمء أو بالوعظ أو بمجرد الزهد؛ فقد تركوا أهون 
الأمرين وبادروا إلى أعظم المهلكات؛ لاان الجا أعظم من الالء ولو ترك آحدهم اللحاه وآخذ 
امال كان إلى السلام أقرب.. 

وهؤلاء مغروريون» نوا أنهم عن اللزهاد قى الدنيا بوهم لم يعلموا معتى الدئياء بورعا 
يندم الأغنياء على الققراء.. ومنهم من يعجب بعلمه. ومنهم من يؤثر الخلوة والعزلة وهو عن 
شروطها خال. .ومنهم «من .يعطى له المال قلا يأخعذه خيفة أن يقال بطل رهلهء وعو راخب فى 
امال والناس» تخائف من ذمهم. ومنهم من شدد على نفسه فى أعمال الجواارح حتى يصلى قى 


اليوم والليلة مثلاً ألف ركعة ويختم القرآنء وهو فى جميع ذلك لا تخطر له مراعاة القلب 
وتفقده من الرياء والكبر والعجب وسائر المهلكات. وربما يظن أن العبادات الظاهرة ترجح بها 
كفة الحسناتء. وهيهات! ذرة من ذى تقوىء وخلق واحد من خلق الأكياس» أفضل من أمثال 
الجبال عملاً بالجوارح. ثم قد يغتر يقول من يقول له: إنك من أرتاد الأرضء أو من أولياء الله 
وأحبابه؛ فيفرح يذلك اك نفسهء ولو شوتم يومًا واحدا مرتين أو ثلانًا لكفر 
رجاهد من فعل ذلك بهء وربما قال لمن سبه: لا يغفر الله لك أبذًا. 

(وفرقة أخرى) حرصت على النوافل ولم يعظم اعتدادها بالفرائض؛ فترى أحدهم 
عر ا ة الضحى وصلاة الليل وأمثال هذه النوافلء دولا يجد لصلاة الفرض لذة ولاخیرا 
من الله تعالىء لشدة حرصه على المبادرة بها فى أول الوقت» وينسى. قوله عه : «ما تقرب 
ارون بألل من أناء ما الترضه ال عليه:». 

وترك الترقين بين اخيرات ع :جملة الشروو ى قد يتعين على الإنسان فرضان: 
أحدهما يفوت والآخر لا يفوتء أو نفلان: أحدهما بضيق وقته والآخر يتسع وقته» فإن 
لم يحفظ الترتيب كان مغرورا ونظائر ذلك أكثر من أن تحصى فإن المعصية ظاهرةء وإغا 
الغامض تقديم بعض الطاعات على بعض كتقديم الفرائض كلها على النوافل» وتقديم 
فروض الأعيان على فروض الكفايات التى لا قائم بها على ما قام بها غيره» وتقديم الأهم 
من فروض الأعيان على ما دونه» وتقديم ما يفوت مثل تقديم حق الوالدة على الوالدء 
وتقديم نفقة الأبوين على الحج؛ وتقديم الجمعة إذا حضر وقتها على العيد. وتقديم الدين 
على فروض غيره. وما أعظم العبد أن ينفذ ذلك ويتنبه» ولكن الغرور فى الترتيب دقيق 
خفى لايقدر عليه إلا العلماء الراسخون فى العلم. 


الصنف الثالثمن المفرورين أرياب الأموال 

وهم فرق كثيرة: ۰ 

(فرقة منهم) يحرصون على بناء المساجد والمدارس والرباطات والقناطر والصهاريج 
للماء وما يظهر للناس» ويكتبون أسماءهم بالآجر عليه ليتخلد ذكرهم ويبقى بعد الموت 
ألرهم» وهم يظنون أنهم استحقوا المغفرة بذلك؛ وقد اغتروا فيه من وجهين: 

أحدهما: أنهم اكتسبوها من الظلم والشبهات والرشا والحاهات المحظورة؛ فهؤلاء قد 
تعرضوا لسخط الله فى كسبهاء فإذا عصوا الله فى كسبها فالواجب عليهم التوبة ورد 
الأموال إلى أهلها إن كانوا أحياءء وإلى ورثتهم إن لم يبق منهم أحد وانقرضوا. فإن لم 
يبق لهم ورثة فالواجب عليهم أن يصرفوها فى أهم المصالح» وربما يكون الأهم التفرقة على 
امساكين؛ فأى فائدة فى بنيان يستغنى عنه ويموت ويتركه؟ وإنما غلب على هؤلاء الرياء 
والشهرة ولذة الذكر. 


mw y۷‏ مجموعة رسائلالإمامالفزالیی سد 


والوجه الثانى: أنهم يظنون بأنفسهم الإخلاص وقصد الخير فى الإنفاق وعلر الأبنية. 
ولو كلف واحد منهم أن ينفق دينار على مسكين لم تسمح نفسه بذلك» لأن حب المدح 
والثناء مستكين فى باطنه. 

(ؤفرقة أخرى) ربما اكتسبوا المال الحلال» واجتنبوا الحرام» وأنفقوا على المساجد. 
وهم أيضا مغرورون من وجهين: 

أحدهما: الرياء وطلب السمعة والثناء؛ فإنه رم يكون فى جواره أو بلده فقراء 
وصرف الال إليهم أهم» فإن المساجد كثيرة والغفرض منها الجامع وحده فيجزئ عن غيره» 
ونليس الغرض بناء مسجد فى كل سكة وفى كل درب؛ والمساكين والفقراء محتاجون. وإنما 
عليهم دفع الملل فى بناء المساجد لظهور ذلك بين الناس» ولا يسمع فى الثناء عليه من عند 
اخلق» فيظن أنه يعمل لله وهو يعمل لغير الله (ونيته أعلم بذلك» وإنما نيته عليه غضب» 
وفال إنما قصدت الله عز وجل). 

والثانى: أنه يصرف فى زخرفة المساجد وتزيينها بالنقوش المنهى عنها الشاغلة قلوب 
المصلين» لأنهم ينظرون إليها فتشغلهم عن الخضوع فى الصلاة عن حضور القلب وهو 
المقصود من الصلاة؛ فكل ما طرأ فى صلاتهم ری و ا حيو ف يران الذى بناه» 
إد لايحل تزيين المسجد بوجه. قال الحسين ناته : لا أراد رسون الله َيه أن يبنى مسجده 
بالمدينة أتاه جبريل وقال: ابنه سبعة أذرع طولاً فى الماء فلا تزخرفهء ولا تنقشهء فهؤلاء 
رأوا المنكر معروفًا واتكلوا عليه فهم مغرورون فى ذلك. 

(وفرقة أخرى) ينفقون الأموال فى الصدقات على الفقراء والمساكين ويطلبون به 
امحافل الجامعة» ومن الفقراء من عادته الشكر وإفشاء المعروف» فيكرهون التصدق فى 
السرء ويرون إخفاء الفقير لا بي وكفرانًا للمعروفء وربما تركوا 
-جيرانهم جائعين؛ ولذلك قال ابن عباس يبه : فى آخر الزمان يكثر الحاج بلا سبب؛ يهوى 
لهم السفرء ويبسط لهم فى الرزق» ويرجعون مجرمين مسلوبين يهوى بأحدهم بعيره بين 
اعفار والرمال» وجاره مأثور إلى جنبه فلا يواسيه ولا يتفقده. 

(وفرقة أخرى) من أرباب الأموال؛ يحتفظون بالأموال ويمسكونها بحكم البخل» 
ويشتغلون بالعبادة البدنية التى لاا يحتاجون فيها إلى نفقة كصيام النهار وقيام الليل وختم 
القرآن. وهم مغرورونء لأن البخل المهلك قد استولى على بواطنهم» فهم محتاجون إلى 
لمعه بإخراج المالء فاشتغلوا بطلب فضائل وهم مشتغلرن عنها. ومثلهم كمثل من دخلت 
فى ثوبه حية وقد أشرف على الهلاك» فاشتغل بطلب السكنجبين ليسكن به الصفراء؛ ومن 
لدغته الحية كيف يحتاج إلى ذلك؟ وقيل لبشر الحافى: إن فلانًا كثير الصوم والصلاة؛ 
تقال: المسكين ترك حاله ودخل فى حال غيرهء إنغا حال هذا إطعام الطعام للجائع والإنفاق 
على المساكين › فهو أفضل له من تجويع نفسه ومن صلاته مع جمعه الدنيا ومنعه الفقراء. 


حب مجموعۂ رسائل الامام القرالی سیک ۷0٥0‏ 


(وفرقة أخرى) غلب عليها البخلء» فلا تسمح نفوسهم إلا بأداء الزكاة فقطء ثم 
إنهم يخرجونها من المال الخبيث الردئ الذين يرغبون عنه. ويطلبون من الفقراء من يخدمهم 
ويتردد فى حوائجهمء أو من يحتاجون إليه فى المستقبل للاستئجار له فى الخدمة؛ ومن لهم 
فيه على الجحملة غرض» ويسلمونها إلى شخص يعينه واحد من الكبار تمن يستظهر بخشيته 
ينال بذلك عنده*منزلة فيقوم بحاجتهء وكل ذلك مفسد للنية ومحبط للعمل» وصاحيه 
مغرور ويظن أنه مطيع لله وهو فاجرء إذ يطلب بعبادة الله غرضًا من غيره. فهذا وأمثاله 
مغرورون بالأموال. 

(وفرقة أخرى) من عوام الخلق وأرباب الأموال والفقراء؛ اغتروا بحضور مجالس 
الذكر واعتقدوا أن ذلك يغنيهم ويكفيهم؛ فاتخذوا ذلك عادة» ويظنون أن لهم أجرًا على 
مجرد سماع الوعظ دون العمل ودون الاتعاظ ؛ فهم مغرورون» لأن فضل مجالس الذكر 
إنما يحصل لكونها مرغبة فى الخيرء فإن لم تهيج الرغبة فلا خير فيها. والرغبة محمودة 
نها تبعث على العمل» فإن لم تبعث على العمل فلا خير فيها. وربما يغتر بما يسمعه من 
الوعظء وربما تداخله رقة كرقة النساء فيبكى» وربما يسمع كلام مخوقًا فلا يزال يصفر بين 
يديه ويقول: يا سلام سلم» ونعوذ بالله» وحسبى الله» ولاحول ولا قوة إلا بالله» ويظن 
أنه قد أتى بالخير كله وهو مغرور. وإنما مثله كمثل المريض الذى يحضر مجالس الأطباء 
ويسمع ما يصفونه من الأدوية ولايفعلها ولا يشتغل بها ويظن أنه يجد الراحة بذلك؛ 
وكذلك الجائع الاي بتر SS‏ اللذيذة» فكل وعظ لا يغير منك صفة 
تغيير تتغير به أفعالك, حتى تقبل إلى الله عز وجل وتعرض عن الدنيا وتقبل إقبالاً قويا 
إن ل ا ا > فإذا رأيته وسيلة لك كنت مغرورًا. 


الصنف الراب من امغرورين امنصوفة 

وما أغلب الغرور على هؤلاء! وما المتصوفة من أهل هذا الزمان إلا من عصمه الله . 
اغتروا بالزى والمنطق والهيئة» فشابهما الصادقين من الصوفية فى زيهم» وهيئتهم» 
وألفاظهمء وآدابهم » ومراسمهم» واصطلاحاتهم» وأحوالهم الظاهرة فى السماعء 
والرقص» والطهارةء والصلاة» والجلوس على السجادة مع إطراق الرأس» وإدخ اله فى 
ايب كالمتفكر مع تنفيس الصعداء» وفى خفض الصوت فى الحديث» وفى الصياح» إلى 
غير ذلك. فلما تعلموا ذلك ظنوا أن ذلك ينجيهم» فلم يتعبوا أنفسهم قط بالمجاهدة. 
والرياضة» والمراقبة للقلب» وتطهير الباطن والظاهر من الآثام الجلية والخفية؛ وكل ذلك من 
منازل التصوف. ثم إنهم يتكالبون على الحرام والشبهات وأموال السلاطين» ويتنافسون فى 
الرغيف والفلس والحبة» ويتحاسدون على النقير والقطميرء ويمزق بعضهم أعراض بعض 
اا ی ی کا 


سک ١/اغ‏ صسسع سس سبحب مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


فهؤلاء غرورهم ظاهرء فمثلهم كمثل عجوز سمعت أن الشجعان والأبطال والمقاتلين 
تتت أسماؤهم فى الديوانء فتزينت بزيهم» ووصلت إلى الملك» فعرضت على ميزان 
العرض فوجدت عجوز سوءء فقيل لها: أما تستحى فى استهزائك بالملك؟ اطرحوها حول 
الفيل! فطرحت حول الفيل فركضها حتى قتلها. 

(وفرقة أخرى) زادت على هؤلاء فى الغرورء إذ صعب عليها الاقتداء فى بذالة 
الثياب والرضا بالدون فى المطعم والمنكح والمسكن» وأرادت أن تتظاهر بالتصوف» ولم تجد 
بذا من التزبى بزيهمء فتركت الخز والإبريسم وطلبت المرقعات النفيسة والفوط الرفيعة 
والسجادات المصوغات» وقيمتها أكثر من قيمة الخز والإبريسم. ولا يجتنيون معصية ظاهرة 
فكيف بالباطنة! وإنما غرضهم رغد العيش وأكل أموال السلاطين» وهم مع ذلك يظنون 
بأننسهم الخير. وضرر هؤلاء على المسلمين أشد من ضرر اللصوصء لأنهم هؤلاء يسرقون 
القلوب بالزى» فيقتدى بهم غيرهم فيكونون سبب هلاكهمء فإن اطلع على فضائحهم 
فيظنون أن أهل التصوف كذلك» فيصر خون بذم الصوفية على الإطلاق. 

(وفرقة أخرى) ادعت علم المكاشفة» ومشاهدة الحق» ومجاوزة المقامات» والوصل 
والملازمة فى عين الشهودء والوصول إلى القرب؛ ولا يعرف ذلك والوصول إليه إلا باللفظ 
والاسم» فتلقف من الألفاظ الطامة كلمات» فهو يرددها وهو يظن أن ذلك من أعلى علم 
الأولين والآخرين. فهو ينظر إلى الفقهاء والمقرئين والمحدثين وأصناف العلماء بعين الازدراء 
فضملاً عن العوام» حتى إن الفلاح ليترك فلاحته والحائك حياكته ويلازمهم أيامًا معدودة» 
فيتلقف تلك الكلمات الزائفة فتراه يرددها كأنه يتكلم عن الوحى» ويخبر عن أسرارء 
ويستحقر بذلك جميع العباد والعلماء» فيقول فى العباد: أجراء متعبون؛ ويقول فى 
العلماء: إنهم بالحديث محجوبون» ويدعى لنفسه أنه الواصل إلى الحق وأنه من القربين» 
وهو عند الله من الفجار المنافقين» وعند أرباب القلوب من الحمتاء الجاهلين؛ لم يحكم قط 
علمّاء ولم يهذب خلقًاء ولم يرتب علمّاء ولم يراقب قلبًا سوى اتباع الهوى وتلقف 
الهذيان» ولو اشتغل بما ينفعه كان أحسن له. 

(فرقة أخرى) جاوزت هؤلاء؛ فأحسنت الأعمال وطلبت الحلال»؛ واشتغلت بتفقد 
القلب» وصار أحدهم يدعى المقامات من الزهد والتوكل والرضا والحب» من غير وقوف 
على حقيقة هذه المقامات وشروطها وعلاماتها وآفاتها. فمنهم من يدعى الوجد ويحب الله 
ويزعم آنه واله بالله» ولعله قد يخيل بالله خيالات فاسدة هى بدعة أو كفر»ء فيدعى حب 
الله قبل معرفته» وذلك لا يتصور قط. ثم إنه لا يخلو قط ما يفارقه ما يكرهه الله» وإيثار 
هرى نفسه على أوامر الله وعن ترك بعض الأمور حياء من الخلق؛ ولو خلا بنفسه لا 
تركها حياء من الله » وليس يدرى أن كل ذلك يناقض الحب. وبعضهم يميل إلى القناعة 
والتوكل› فيخوض البوادى من غير زاد ليصحح التوكل» وليس يدرى أن ذلك بدعة لم 


تنقل عن الصحابة وسلف هذه الأمةء وقد كانوا أعلم بالتوكل منهء ما فهموا من التوكل 
الخاطرة بالروح وترك الزادء بل كانوا يأخذون الزاد وهم متوكلون على الله لا على الزادء 
وهذا ربا يترك الزاد وهو متوكل على سيب من الأسباب وائق به. 

وما مقام من المقامات المنجية إلا وفيه غرور قد اغتر بها قوم؛ وقد ذكرنا مداخل 
الآفات فيها فى ربع المنجيات من كتاب الإحياء. 

(وفرقة أخرى) ضيقت على أنفسها أمر القوت» حتى طلبت منه الحلال ا-خالص» 
وأهملت تفقد القلب والجوارح من غير هذه الخصلة الواحدة. 

ومنهم من استعمل الحلال فى مطعمه وملبسه ومكسبه ويتعمق فى ذلك» ولم يدر أن 
الله لم يرض من العباد إلا بالكمال فى الطاعات» فمن اتبع البعض وأهمل البعض فهو 
مغررر. 

(وفرقة أخرى) ادعت حسن الخلق والتواضع والسماحة» فقصدوا لخدمة الصوفية» 
فجمعوا قومًا وتكلفوا خدمتهم» واتخذوا ذلك شبكة لحطام الدنيا وجمعًا للمال؛ وإنما 
غرضمهم التكثير والتكبير» وهم يظهرون الخدمة والتواضع» ويطلبون أن غرضهم الارتفاق 
وغرضهم الاستتباع» ويظهرون أن غرضهم الخدمة؛ وهم يجمعون الحرام والشبهات لينفقوا 
عليهم فتكثر أتباعهم وينتشر بتلك الخدمة ذكرهم. ومنهم من يأخذ من أموال السلاطين 
وينفق عليهم؛ ومنهم من يأخذ من أموال السلاطين والظلمة لينفق ذلك بطريق الحج على 
الصرفية» ويزعم أن غرضه البر والإنفاق. والباعث للجميع إنما هو الرياء والسمعة.ء وذلك 
إهمالهم لجميع أوامر الله ورضاهم بأخذ الحرام والإنفاق منه؛ ومثال الذى ينفق المال الحرام 
فى طريق الحج؛ كمن يعمر مسجدا ويطينه بالعذرة وغيرها من النجاسات ويزعم أن قصده 
العمارة. 

(وفرقة أخرى) اشتغلت بالمجاهدة وتهذيب الأخلاق وتطهير النفس من عيويهاء 
فصاروا يتعمقون فيهاء فاتخذوا البحث عن عيوب النفس ومعرفة خدعها علمًا وحرفة لهم؛ 
فهم فى جميع أحوالهم مشتغلون بالتحفظ من عيوب النفس باستنباط دقيق الكلام فى 
آفاتهساء فيقولون: هذا فى النفس عيب» والغفلة عن كونه عيبا عيب» ويستعفون فيه 
بكلهات مسلسلة» فضيعوا فى ذلك أوقاتهم» لأنهم وقعوا مع أنفسهم ولم يتعلقوا 
بخالقهم. ومثلهم من اشتغل بأوقات الحج وعوائقه ولم يسلك طريق الحج» وذلك لا يغنيه 
عن الحج؛ فهو مغرور. 

(وفرقة أخرى) جاوزت هذه المرتبة وابتدءوا سلوك الطريق وانفتحت لهم أبواب 
المعرنة» فلما شموا من مبادئ المعرفة رائحة» تعجبوا منها وفرحوا بها أعجبتهم غرائبهاء 
فتعلقت قلوبهم بالالتفات إليها والتفكر فيهاء وفى كيفية انفتاح بابها عليهم وانسداده على 
غيرهم. وذلك غرورء لأن عجائب طريق الله ليس لها نهاية» فمن وقف مع كل أعجوبة 


وتقيد قصرت خطاه وحرم الوصول إلى المقصد. ومثال ذلك كمن قدم على ملك فرأى على 
باب ميدانه روضة فيها أزهار وأنوار» ولم يكن قد رآها قبل ذلك ولا رأى مثلهاء فوقف 
ينظر إليها حتى فاته الوقت الذى يكون فيه لقاء الملك. فانصرف أخحائبًا . 

(وفرقة أخرى) جاوزت هؤلاء ولم تلتفت إلى ما يفيض عليها من الأنوار فى 
الطريق» ولا إل ما تيسر لهم من العطايا الجزيلة» ولم يلتفتوا إليها ولا عرجوا عليهاء بل 
أخذوا جادين فى السيرء فلما قاربوا الوصول ظنوا أنهم وصلواء فوقفوا ولم يتعدوا ذلك» 
فغلطوا؛ فإن لله سيحانه وتعالى سبعين حجابًا من نور وظلمة» ولا يصل السالك إلى 
حجاب من تلك الحجب إلا ويظن أنه قد وصل؛ وإليه الإشارة بقوله تعالى إخبارا عن 
إبراهيم عليه السلام: لما جن علیہ الل رای کوکا قال هذا ربي فلم فل قال لا أحب 
الآفلين ‏ (الانعام : .V1‏ 


یا ريسم 


سرالعا لین وکش ف ما فی الدارتن 
خطبة الكناب 

الحمد لله الأول فى ربوبيتهء والقديم فى أزليته» والحكيم فى سلطنته» والكريم فى 
عرته) لا شبيه له فى ذاته وصنعته» ولانظير له فى تملكته» صانع كل شىء مصنوع بقدرته» 
المتكلم بکلامه الأزلى ليس بخارج من صفته» أحمده على نعمته» وأستعین به على دفع 
نقمته» هو الله ربى 6 لا شريك له الواحد فى ربوبيته» الذى يختص من يشاء برحمته» 
ختم الأنياء بمحمد عه عَللْهُ وعلى آله وعترته. 

آنا تعد 

فما رأيت أهل الزمان هممهم قاصرة على نيل المقاصد الباطنة والظاهرة» وسألنى 
جماعة من ملوك الأرض أن أضع لهم كتابا معدوم الكل ل اي واقتناص الممالك 
وما يعينهم على ذلك» اسشوت الله نوضعت لهم كتاباء وسميته بكتاب سر العالين 
وكشف ما فى الدارين» نوتنه أبوابّاء ومقالات وأحزابًاء وذكرت فيه مراتب صواباء 
وجعلته دالاً على طلب المملكة وحانًا عليهاء وواضعًا لتحصيلها أساسًا جامعًا لمعانيهاء 
وذكرت كيفية ترتيبها وتدبيرهاء فهو يصلح للعالم الزاهد» وشريك شرك المالك بتطييب 
قلوب الجند وجذبهم إليه بالمواعظ . فار بالمدرسة النظامية سرا من 
الناس فى النوبة الثانية بعد رجوعى من السفر رجل من أرض المغرب يقال له محمد بن 
تومرت من أهل سلمية» وتوسمت منه الملك. وهو كتاب عزيز لا يجوز بذلهء لأنه تحته 
أسرارا تفتقر إلى كشف» إذ طباع العالم نافرة عنهاء وتحته علوم عزيزة وإشارات كثيرة دالة 
على غوامض أسرار لا يعرفها إلا فحول الحكماء. فالله يوفقك للعمل به فإنه دال على كل 
ما تريد إن شاء الله تعالى. 


ترجمة الأبواب وهى ثلاثون مقالة 
فصل 

اعلخ أن الملك عظيم وعقيم» عليه وقع الاشتباك والمناقشة بين الصالح والطالح 
والخاسر والرابح» فمنه يتشعب الحسد وكل عرض وغرض مزعزع. فلا بد من أصل 
ومرنبة» وتحصيل وصبرء وجمع أموال لبلوغ الآمال. وأم الغرر فى تحصيله هو علو الهمة» 
كما قال معاوية مَشه: هموا بمعالى الأمور لتنالوها! فإنى لم أكن للخلافة أهلاً فهممت بها 
فنلتها. وقد سرت بك قصص الأولين. فانظر فى أخبارهم وآثارهم! فما بلغ أحد درجة 
الملك بأب وأم غير قليل» وكم نزع الملك من يد وارث مستحق مثل بيت نبينا محمد عله . 

وستتلو عليك نبد من قصة ذى القرنين: وهو صعب بن جبل» وأبوه نساج واسم 
أمه هيلانة : کان يتيمًا فى بنى حمير» سمعت أمه ببيت الصنائع فى مدينة قسطنطين 
فحملت ابنها إلى ذلك البيت» فشاهد صورة الملك فوق الصنائع فقالت أمه: يابنى اختر 
منها ما تريد! فوضع يده على تاج الملك فانتهرته مرار فلم بنتهء فنظر إليها يونان فقال لها: 
آنت هيلانة وهذا ابنك صعب بن جبل؟ فقالت: نعم فقال: آخذ عهد ذى القرنين 
وزم مه على أنى وذريتى فى أمانك فأنت الملك الذى تسحب ذيلك بطريق التملك شرقًا 
وغرنة DE A A E‏ ا وراه ا 5ة 5 
منام ت رآهن فى ثلاث ليال: فأولهن أته رأى كأن الأرض صارت خبرا فأكلهاء وفى الثانية 
رأى كأنه قد شرب البحار وأكل طينهاء وفى الثالثشة رأى كأنه رقى فى السماء فقد نجومها 
ورماهن إلى الأرض» وركب الشمس وسحب ناصية القمرء فما اجتمع بالخضر عليه السلام 
فسرء عليه فبشره بنيل الملك الأعظمء وک يا وحكيمًا وكم من مثله إن اعتبرت» 
فاركب بسر علو الهمة وحصل الانتهاء ليتم لك كيمياؤهاء وصير عندك نديًا كاتا مطلعًا 
على كتبها ‏ أعنى بها كتب سر العالمين ‏ ثم حصل أرباب صناعة التقليب الذين هم علماء 
تقلب الكيماء قادرين على صبغ الأحمر والأبيض» فإن كنت قليل الحجال ضعيف العضد 
وقليل المال فكن كثير الفضل والعلم؛ واتخذ لنفسك زاوية على طريق التزهد» واجذب 
إليك تلاميذٌ وكثّر عددهم» واتخذ طريق الكرامات لينصبوا إليك» واستهو الكبار» واسلك 
طرين الصلاح وزنها لنفسك. واختل فإذا هب نسيم سعادتك فاكشف لتلاميذك ما الناس 

من الفسق والفجور وارتكاب ما لا يجوز من كل أمر منكرء وأمر أصحابك تستهوى 
وتجذب كل طائفة منهم لطائفة قوم آخرين» فإذا استقوت شرذمتك فخذ الخواص من الناس 
باللين والموعظة. والمعاندين بالجدلء وأولى الغلظة بالغلظة ألم تَر إلى بدو الإسلام قل 


کے ٤)۸.‏ للسش٠سشبيسيحت‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالسى ‏ 


يا أيها الكافروت 4 (الكافرون: .]١‏ فلما وصل إلى قمة السعادة قر سيفه « فَإذَا لقيتم الْذِين 
كفروا فضربٍ الرقاب & [محمد: ؛]. وعند الضعف والمسالمة أخذ الجزية والصلح «9 وإن 
جنحو ا للسلم فاجنح لها (الاتفال: ١‏ ]. وعند ربح السعادة» وارتفاع أطناب خيم الإرادة 
:ل ما كان لنبي أن ا 0 ]. فكن أيها الطالب 
للملك على هنو الوتائر» وخاطب الناس على قدر وأظهر العدل» واحترم أولى 
الفضل» وأشبع الجندء واجبر الكسير»ء وأنصف ولو من ذ 1 نفسك» وأشبع حجابك وحكامك 
وعمالك فإن لم تفعل سرت الرشوة إلى بطلان الحق وتعطيله» وقشا ظلمك فى الرعية» 
ومالت القلوب عنك» وربا ذهبت باطنًا وظاهرًا. واعام أن المظلوم له همة تكون وافية فى 
عكس آغراضك» مثل همم أرباب الاستقامة» فإنها مؤثرة فى الفلك لاستجلاب ماء 
الغمام. وسأتلوا عليك قصة السلطان ابن سملتكين وقد نفذ رسولاً إلى ملك الهند وقال: 
ما سبب طول أعماركم مع جحودكم للصانع وتكذيبكم للرسل والوسائط» ونحن قصار 
الأعمار مع تصديقنا وإيماننا؟ فقال ملك الهند لرسوله: انظر إلى هذه الشجرة التى فوقها 
ثمرة» لا أعطيك الجواب حتى تنقطع. ثم أمر بالإدرار عليه وحسن الإقامة؛ فضاق صدره 
وتعلقت همته بقلعهاء ل ا ومشى 
معهم؛ فإذا الشجرة واقعة والملك مفكرء فلما بصر الملك بالرسول قال له: اذهب فهذا 
جوابك» وقل للسلطان هذه همة واحدة أثرت فى قاع شجرة مثمرة» فكيف همم جماعة 
من المظلومين لا تؤثر فى قلع الظالمين! إذ دعاء المظلوم محمول فوق الغمام» وقد ورد فى 
بعض الكتب السالفة: آنا الظالم إن لم أنتتقم من الظالم. واعلم أن العدل وبسط باع 
السلطنة بالهيبة مثل القتل والصلب والقطع يثمر الأمن وتمهيد الأرض وطمأنينة قلوب 
الرعية»ء إذ السلطان ظل ربه فى الأرض وملجؤهاء يأوى ابه كل مظلوم: ولا تستهب 
وضع الشىء فى مكانه إذ ال أنفى للقتل» ظ ولَكم في القصاص حياة 4 (البقرة : 11۷۹ 
وكان عمرو بن العاص ا ښوه وجسره على فظائع الأفعال بقصائده 
اللامية ولوب التى قال فيها: 
لتناوئ فى الخلقلانفدلَه 
مووي إَِى َم أبَايِنْكَنلسه 
فياولَومرةًفى الدهر واحله 


وَكَمللششيغ عندى من حَريا 


ل ور 


تدك تنهال م ذازى والخازى 
وطريق آخر فى استدعاء المملكة وترتييها وهو بذل الأموالء وطريق E‏ 





= ٤۸١ 





سد مجموعة رسانلالإمامالفرالى 


بالسيف معقودء لكنه مفتقر إلى ترك الشح مع الجند وإجلاء دعوة المظلوم: ولا يتعرض إلى 
الشةوص الموقوفة . 

ولتجعل للرعية والسواد فى كل يوم لمطالعة أحوالهمء فقد يتشعب الظلم مع الغفلة 
لا سيما مع الحجاب والعمالء ولتنظر فى مخازى الكتاب فما كذيت بنت كسرى إذ سمته 
ديواناء ولتنظر فى وقت العشئ ما كتبه الكتاب بالنهارء لا يتم عليه .حيل أرباب الدساتيرء 
فكم من مظلوم عن حقه صد لغفلة الملك عنه. فإذا أردت أن لا تنحجب عنك حال فامنع 
الكلام» وأمر بأخذ القصاصء ووقع فيها بما تراه والله تعالى أعلم . 


باب النرتيب فى قعود الملك وسياسته ونومه وليلته 

إذا صليت صبحك تقعد فى ذكر الله تعالى إلى طلوع الشمسء. ثم تأمر أهل دارك 
ومن حولك با تريده من حوائجك من مأكل ومشرب» ثم تركب لتسمع أو يلقاك محجوب 
أو تلبى مظلومًا أو تطلع على الحوادث» ثم تعود وأنت محفوف بالقعقعة والسلاح والتحرز 
من طمع الأعداءء ثم تقعد فى دار عيد لك لكشف المظالم وسماع الرسل: تترك الناس 
صفون يمينا وشمالا والوسط مفتوح لثلا يحجب عنك منظورٌ وصاحب حاجة وتسأل عمن 
تنكرهء ولا تستخدم من لا تعرفه إلا بخبرة أو ضمان أو تسليم إلى عقيدة. وليكن لك 
جماعة من أرباب العلم والعقل والتجارب فى الرأى والمشورة» ووزراء خير لا فسقة» فمن 
ليس, بأمين لنفسه فكيف على سواه؟ ثم تنهض من مجلسك فى الظهرء وليكن للملك عين 
فى لديوان لما يجرى فإذا دخل منزله بسط الطعام ومد الخوان للجند والإخوان. وليكن كثير 
التعهد والتفقد وجبر القلوب المتكسرة. وليكن على الطبيخ أمين ما أساء إليهء فإن القلع ثمر 
الإساءةء ثم يأخذ طعم الطبيخ طابخهء ثم خاملهء ثم واضعه عند الملك. يغمس اللقمة» 
فى -جميعه. فقد مات شهريار بن ذار بنصف تفاحة قطعت» وقد مات شاسان بنصف قدح 
شراب سلم شريكه مع عطبه» وقد سْم النبى عله بذراع مشوى للسر فى محبته له لقرب 
المشرع من المسعى. وقد سم أبو لؤلؤة السكّينة التى قتل بها ابن الخطاب فاه » وسم عبد 
الرحمن بن ملجم سيفًا ضرب به قمة أمير المؤمنين على بن أبى طالب كرم الله وجهه. 
وسَّمّت حصار بنت خوجة بنت كعب الغسانى زوجها الحسن بن على نيقفاء وكان الأصل 
آنا وماج عنب غير مغسول. 

وكم مثل ذا فى الدهر ما ليس يحصر 

وتحترز من السموم فى طعامك وشرابك ولباسك ومنامك حتى متديل فراشك» 
وليكئن خارج العالم مجردا مسودًا مداخلاً فى معرفة غوامض أحوالهم بالترسل والتجسس 


وكشف علوم من البلاد يجواسيس شار حة متنكرة مختلفة مثل فقير وصوفى وتاجر وطبيب 
وكتبةء وقد كان المأمون له أصحاب خير يستجلبون له أخبار” من الطرقية. هكذا سنن 
الوك 


4 فصل وهو المقالة التالذه 

ويستحب للملك سهر أول الليل إلى نصفه لقضاء المهمات والقصص المستورات» 
ونوم النهار عون على سهر الليل يذهب تعب السهرء والحمام من غير إطالة محبوب» 
والتعهد بالأشربة الموافقة للأمزجة. وليحترز من تزوير العلائم ويمتحن ويستدرك» فالخطوط 
تشتبه › فأول داهية عثمان بن عفان نوه كانت من توقيع محمد بن أبى بكر فب وهى 
مذكورة فى سير الناس يتداول بها القصاص. ولا يفضل السرارى والنساءء فقد يحصل من 
مراجيح الغيرة ما لا طاقة به» فكم محمول على الغبرة ثمرتها أعظم من ثمرة الحسد. 
ويجب على الملك أن يكون وحيدا لا أحد له من حيث السياسة» ولا يركن إلى الأمن من 
شف ا ر ا 

بي نَالأنام و جني ذوى رحم 

ويجب عليه التعهد لأصحاب أبيه 0 ومراعاة أصحابه الین انا مه 
قبل سلاسل التمليك» فمن لطافة رسول الله عَيه أنه كانت تردد إليه امرأة يهودية فنهض 
لها قائمًا ا عائشة نلق: أتقوم اة هرد اقا قال دهده كانت 


ا و ر 


تتردد لين فى زمن 2 خديجة + ينا وَحسن العهد من ن اللإيمان» وبزيادة الشعر قادح 3 
ا 


ا فمتهبقال إنك غادر 


باب فى ترتيب الخلافةوالملكة 
اختلف العلماء فى ترتيب الخلافة وتحصيلها من أمرها إليه ؛ فمنهم من زعم أنها 
بالنص» ودليلهم قوله تعالى: قل للمخلّفينَ من الأعراب قاع إلى قرم أولي بأ 
شديد» إلى قوله: « أليما 4 [الفتح: 2217 وقد دعاهم أبو بكر ييه إلى الطاعة بعد 
رسول الله يله فأجابوه. وقال بعض المفسرين فى قوله تعالى :ل وإذ أُمر لبي إلى بعض 
أزواجه حدیٹا )4 [التحريم: *]. قال فى الحديث: إن باك هو الخليفة من بَعْدى؛ وقالت 
امرأة: إذا فقدناك فإلى من نرجع؟ فأشار إلى أبى بكر قافن ولاه أم بالمسلمين غل يقاء 





رسول الله َيه ه والإمامة عماد الدين. هذا جملة ما يتعلق به القائلون بالنصوصء بُم تألوا 
E‏ الخلفاء لانسحب عليه ذيل الفتى ولم يأتوا بفتوح ولامناقب. ولايقدح فى 
کونه رابعًا كما لا يقدح فى نبوة رسول الله له إذا كان آخرً. والذين عدلوا عن هذه 
الطريق زعموا أن هذا تعلق فاسد جاء على زعمكم وأهويتكم. فقد وقم الميزان فى الخلافة 
والأحكام مثل داود وسليمان وزكريا ويحيىء» قالوا لأزواجه: لمن الحلافة؟ فبهذا تعلقوا 
وهذا باطل» ولو كان ميرائًا لكان العباس» لكن أسفرت الحجة وجهها وأجمع الجماهير 
على متن الحديث من خطبته فى يوم عيد غدير خم باتفاق الجميع وهو يقول: مر کت 
مولا ؛ قعل مولا فقال عمر: بخ بخ يا أبا الحسن لقد أصبحت مولاى ومولى كل مولى؛ 
ا ا ور کی وتحكيم. ثم بعد هذا غلب الهوى لحب الرياسة» وحمل عمود الخلافة 
وعقود النبوة وتخفقان الهوى فى قعقعة الرايات واشتباك ازدحام الخيول وفتح الأمصارء 
وسقاهم كأس الهوى فعادوا إلى الخلاف الأول فنبذوه وراء ظهورهم ا ا 
قليلاً. ولما مات رسول الله عله قال قبل وفاته : 4 توا بدواة لأزيل كم إشكال الأمر وأذكر 

مَن الْمستّحق لَهَا بَعْدى» قال عمرفاشيه : دعوا الرجل فإنه ليهجر» وقيل يهدر. فإذا بطل 
تعلقكم ال ار من فعدتم إلى الإجماع: وهذا منصوص أيضساء فإن العباس وأولاده. 
زع LS‏ وخالفكم أصحاب السقيفة فى متابعة 
الخزرجى. ودخل محمد بن أبى بكر على أبيه قى مرض موته فقال: يا بنى ائت بعمك 
لأومى له بالخلافة! فقال” يا أبت أكنن على حق أو ياظل؟ فال على خی فقال: وض 
نيا لو بأوك رن كاذ و ا ثم خرج إلى على . فجرى قوله 
على منبر رسول الله َه : قومونى لست خيركم. أفقال هزلاً أو جدا أو امتحانًا؟ فإن كان 
هزلاً فالخلفاء منزهون عن الهزلء وإن كاك جيذ فهذا نقض للخلافةء وإن قاله 
امتحاا . . . لإ وتزعنا ما في صدورهم من غل 4 [الاعراف: .]٤١‏ فإذا ثبت هذا فقد صارت 
إجماعًا منهم وشورى بينهم. هذا الكلام ي الصدز الأرلآما فى زمن على رغ ف 
و ار ن ع ا لمشرع تله طول كم الخلافة بقوله عليه الصلاة والسلام: «إذَا بويع 
للحَليفتَيْنِ فَاقَْلُوا الأخَرى منهما» وال كل الب من عق والهه كتين ع 
ضرين والخلافة ليست بجسم ينقسمء ولا بعرض يتفرق» ولا بجوهر يحدء فكيف يوهب 
ويباع . وفى حديث أبى حازم: أول حكومة تجرى فى المعاد بين على ومعاوية فيحكم الله 
لعلّى بالحق والباقون تحت المشيئة. وقول المشرع به لعمار بن ياسر : «تَقتلّك الفئّة الباغية» 
فلا ينبغى للإمام أن يكون باغيًا. ل ل WMI‏ 
إنما الذين يعدهم طائفة تزعم أن يزيد لم ب يكن راضيًا بقتل الحسينء فسأضرب لك مثلاً فى 





حب ىع ہج ıد‏ مجموعةرسائل الإمام الفزالى ‏ تت 


ملكين اقتلا فملك أحدهما أفتراه يقتله العسكر على غير اختيار صاحبها إلا خلطًا؟ ومثل 
الحسين لا يحتمل حاله الغليظة لا جرى من القتال والعطش وحمل الرأس إجماعا من جماهير 
الشبرين. TS‏ مسد و 
الذى قتله الناس» ثم a‏ تعالى 0 0 ا r‏ تراك 0 
ياي عل اريك جز لو حينم واد ا و عل ر وکو له عا ا ن وات 
إن هذه البرامين معطلة لا يحكم بصحتها حاكم الشرعء فنقول فى حججكم مثل ما 
تقولون. ثم إجماع الجماهير بشتم على ألف شهر على المنابر أمركم الكتاب أم السنة أم 
الرسول؟ ثم الذين من E‏ من غيرحم ار نصا أم سنة أم إجماعا؟ لكن قد أخذوها 
ل ا بقوله ا وه : با آبا الأربعین ملکا» 
ولم يقل خليفة. والملوك كثير واحد فى زمانه فيا أيها الطالب للملك حصل الإله وحمل 
الإله وابذل واصبر واحذر واقرب وطول واحتمل وصالح حتى تقدر والله تعالى أعلم. 


فصل وهى ال مقالة الخامسة 

إذا أردت ترتيب ملك فى الملك فاشتهر رجال الدول بعد تعصيلك الالء ثم ثم تابع 
وشايع » وأدلك بعضًا على بعض للجذب فهو كما قال المتقدمون: 

إذاهَبت رباحك وة ائ لها 

ف تقب كل خافقة سكون 

واجعل قواعد المملكة على الكبار على هيثة ترتيب الجسور والقناطر لتجوز عليهاء أن 
تناول أغراضك. فإن وجدت مشاركًا فداوه بأنواع المعالجة وآخر الدواء الكى» ثم انظر إلى 
دستور عدد الجند وعدد القرياء ومعرفة الداخل والخارج والزيادة» واستعرض الحيش فى 
سنتك ثلاث مرات. واجعل طلائعك أربعمائة نفر من أمنائك. وإذا أردت الغزو فأشع 
الخبرء فإذا وجدت أو طفقت إلى مضاق ترتب جيشك صفوفًا وراء صفوف» وحمل مع 
أصحابك ليبذلوا السيف فى الصف المنهزم من أصحابك. وكن مشرقًا عليهم من نشز ولو 
نصبت أعلامك زور من غير حمل» وادخر لنفسك أجود الخيل والرجالء واعلم أن خامرك 
فى الأول هو يخامرك فى الآخر ويؤفك معك» وبددها وإن شئت فى العسكرء وأبرك كميئًا 
من أجود رجالك. فإذا وجدت الف فى القتال فاستجر الأعداء إلى قريب الكمينء وليكن 
بينكم علامة» فإذا عزمت إلى قال قومك فعجل ولا تطل فى مُكْث مكان خوف الفشل 





حح: مجموعة رسائل الامامالغرالى ممع ج 


والمفاسخة كما عمل ذو القرنين فى عسكر دارا قأفشلهم وبذلهم وفسخهم he‏ . فتقدم 
واعلم وكن بذالا لا متأخراء وانظر فى .دساتير الرحيل فكثر إن شغت وقلّلء وليكن لك 
عين على معرفة القائلين والغم على من قاتل» واعزل عن الجبان على الهويناءثم احتسب 
على خختزائنك” وخزانك بمعرفة ما فيها وما ينقص ويزداد. وإن لم يكن لك بد من الترويج 
فاستبد إلى أموال ورجال ودين وجمالء وإن كان الشرع قد أمر بذات الدين. واعلم أن 
الملك بغير جواسيس 'وأخذ أخياره كالجسد الذى لاروح فيه. وحصل آلات الحخصون مما 
يحتاج إليه فى الضيق فإنك لا تدرى لعل الله يحدث بعد ذلك أمر). ولا تتم لهيئة الرعية 
واختلاف الجند. وامنع الفقهاء عن الكلام فى الفئنء وأمر نوابك أن ينظروا ما عند الخلق 
من الأطعمة فى المحل. ولا تمنع الناس من تحصيل الأطعمة فإنه لك وللناس عند الحاجة. 
وانظر فيمن امتنع عن الزراعة إن كان لفقر فقَّوَه وإن كان لظلم فانصره» كما قال ملك 
الهند: آنا أفرح لكثرة دجاج البلدء فإنه فرع الأمارة. واغتم لكثرة الخاطبين خوقًا من ظلم 
المقاطع » وقد كان ذو القرنين يحوى دساتيره على أعداء الغرباء وتسلم عليه المرأة بقدر من 
البى : نإذا رآه سمئًا ضحك لحودة الربيع » وكان يقول أنا أمسك الفلاح إذا ا 
المقطع فأحذ معناه إغا المقطع بالخير فإن لم يجده انتقلء والملك بفلاحه إذا هو خزانه وبه 
رمع وينعم ويطلق وينظر فى الخزائن والأمراء. وإذا قدر على تبديل الطعام بغيره 
فليفعل» فقد كان المأمون يستعرض السلاح والآلات مثل الخيم والمجانيق حتى قال لأمير 
دوابه: رتب مخاليك كما ترتب معاليك . 


فصل وهو ال مقالة السادسة 
فى تريب الولاة 
لا ترتب فى الحصون إلا وليا شفيقًا رفيقًا بالخلق» ولا تكلفه ثقلاً فتستقضه من 
بلدك» وأشبعه وجند الحصن» وانظر فى مراكز خيره ومائه وحرسه وسوره؛ وتذلل حراسك 
فى البروج» وطّف بنفسك أيها الوالى على أعلى سورك ولا تخالط جندك بالليل خوف 
المخامرة» واسأل عن أعداتك ولا تحقر القليل فإن الذبابة تقتل جملاء وكم من عقرب أمات 
الأفعى و كما كيل 
و ةتح الخارنا 
تموت الأفاعى من سم وم العقارب 
واحذر من مكر ذى الإحن فقد قيل: 
وَإدا لف رح ينف ضبن د حين, 
إذا كنا البناء 1 


حدم ليبح مجموعة رسائل الإمامالفزالى سل 


ولايكون الوالى شريب حمر»› وهكذا الأميرء فلو حضر فى مجالسيهم فليحاكم 
بالجلاد» ففى الخمر بلايا وآفات وزلازل عقل وحدوث بلايا وإظهار حقودء إذ صاحب 
الملك مرموق بالحسدء قال النجاشى لجعفر بن أبى طالب لله : كيف سيرة نبيكم فى الأكل 
النجاشى : لو كان ملكا لأكل وحده على خوانه فى مجمع معروف له وزبادى مخصوصة. 
ثم الورق إن كان مقطعًا فمعروف» وإن كان ذهبًا فشهر بشهر. ولا بأس بالسلام عليه وهو 
موصول بهم والمعاهدة لرسل الملك وإقامة ناموسه عند الغرباء والمنشدين والقصاد. وكان 
سليمان يقسم أسبوعه بعضه للجند وبعضه للقضايا وبعضه للعبادة وتذكار الحكم والنساءء 
كما يقول: يا أرباب المملكة عليكم بأهل العلم والصلاح» فإنهم يرشدونكم إذا ضللتم؛ 
ويعرفونكم إذا جهلتمء ويستعطفونكم إذا عضبتمء وينفقونكم إذا حرمتم. وقال أمير 
المؤمنين على بن أبى طالب : 
نفلاتص حب أخغالجها 
وآ لاك وبي اة 
ا 
فكممن + اهل أردى 
حار ماحين آذ اه 
اا ات 
ا ا ا ا 
ولئثلنغئع لىالغلىء 
ا اتو اف اه 
واللقلب على القلب 
دلىيل حين اة اه 
وليقل الملك المنادمة والمسامرة والقليل من الهزليات والمضحكات» وليكن وزيره فابلا 
قائلاً بالعلم والصلاحء منزلاً للناس فى طبقاتهم» فلا تنظروا فى حسن البزة مع عموم 
الجهل. فقد نقل إلينا أن بهلولاً دخل إلى مجلس هاروت فجلس فى أدنى المجلس فمال له 
هارون: ارقع راسف إلى صدر المجلس! فقال البهلول: مجللسى يفنى فأين صدره؟ ثم 
أنشد: 





8ه 


كن رجلا وارض بصّف النعال 
تاو ب الکن 
ف ا و ب تدا 
وتشياية اك اله د ت ات ان 





سک = مجموعة رسائل الإمامالفزالى ‏ سس 

ونه فون تون لاف اله يمنا المج a AOE a‏ 
المأمونية» ومهلب العراق يحب المهلبية»ء وكان بنو أمية يكثرون من أكل الهرايس والزلابياء 
ولم يغلو؟ اللحمء ا عا ار ا لا ا 
الأيدى بزقر اللحم. وت روى أبو طالب المكى أن النبي قال : «اشكوات إلى أخى 
جبريل ل حين ضّعف الوْاع فَأمَرنَى بأكل الهّرابس فَوَجِلات لظَهْرى بها خَيْرَا . وقد كان ذو 
القرنين يحب الزرباح لتسكينها للخلط الصفراوى» وود حرا ارا ولد عن ر 
فانزعج له جبينه فمزج بالبطيخ ماءً وعسلاً وخلاً فشربه فقال: سكن جبينى» فسمى بذلك 
الاسم وكان يخلط خشن الدقيق وناعمه فيتخذ له منه خبز: فقال الحكيم من جوشك: 

أراد الخبز الجريش للمعدة الضعيفة أو الحلقة البلغمية أجود وأعمود. والخبز الميد 
يورث الخفق وهذا مشاهد عيانًا من عمل القفاع . 


= AY 








فصل وهو المقالة السابعه 

فى ترنيب حاشية الدولة 
يستحب للفراش أن يكون رشيقاء خفيف النفس» ظاهر القوة. طيب الريح» عارئًا 
بترتيبه الخبز والخضرواتء, كامل العدة؛ وهكذا تقول فى الطباخ والشاربى» ويكون دار 
شربة كامل المشارب من الماء البارد والأشربة والقفاع السك السكنجبينى» وشربه نافع بإذن 
الله تعالى على الريق» وهو محمص للطعام مفتح للجوف. واعلم أن عاب كيل التصوف 
فى المآكل والمشارب هى آداب الملوك؛ وترك إبراهيم بن أدهم كبر الملك. ومسك آداب 
الطعام والائتدام ا و والركابية والسعادة خفاف السرعة شباب» وهكذا جميم 
المقاتلين والشيوخ المعنية بالرأى. ويحط العسكر فى تشز من الصدر أدلى للتحصين واغتنام 
الأهرية . والخمول فى الشتاء أجمل» والتهيئة لا يختاره فى الصيف» ورحل السلطان 
لقلاقل السفر عند نزول الشمس فى السرطان» وسكونه عند نزولها آآحر القوس» إذ فصول 
السنة أربعة: فمن نصف حزيران إلى نصف آيلول صيف. ثم إلى نصف كانون الأول 
خريف. ثم إلى نصف آذار شتاءء و إلى نضف: جزيران ع وهكذا أقسام منازل 
الشمس» والخبر النبوى يؤيده: «إذا انتصقت الشهور تغيرت الدهور ). فإن ركب بعد صلاة 
العصر وإلا قعد لكشف المظالم O‏ وهو يسمعهم فى عزلة كان السابقون 
من الملوك إذا قعدوا للسلام يتعدون وراء شباك ويدخل من شاء إليهم خوف الاغتيال فى 
المزاحمة» ويفتش على غوامض ما يجرى حتى يكون له صاحب خبر فى البلد يرفع الغث 
والسمين. ويستحب أن يطالع كتب الطب والتواريخ وشاهنامة العجم وقصص التابعين 


جح ىر سس ص مجيموعة رسائل الإمامالفزالى کس 


للجم والديلم مل رما جرق للشهرباز كرتم واد وكات التق :بومتك سليمان غليه التبلام 
فناوقخ ی ی ا هدوم عقن وليكن مع الملك جنود لحذر ما 
يجرى» وحفظه فى الحمام فكثير هلكوا فيه» وحمام داره أجمل . وعليكم بكتم مرضه وموته 
حتى يستقر الملك فيمن شاء الله من عباده بعد البيعة والمتابعة وتقرير القواعد. وكن أيها 
املك مسارعا خى الثناء والثواب فإنه الذكر المخلد» وأكثر ما تنظر فى كتب ابن أبى الدنياء 
وتواريخ الطبرى»ء مذهب الشافعى» أو ما تختار من المذاهب. ولا تظهر البدعة ولو كانت 
فيك» كالاأكاسرة وسوبويه هلكوا بمتابعة الأهواء. وللنعم أجنحة الأجر فقوها بالشكر. 
واجعل بينك وبين الله طريقًا إلى الصلاح؛ فقد حكى أن ملكا قمع ملك الموت عنانه فقبضه 
على ما یرید وأن ملكا صالمًا تاملك الوت فاس إليه فى أذنه فقال: مرحبًا بك فأنت 
أطيب القادمين وأحب النازلين وأحب المنتظرين فافعل ما أمرت به! فقال ملك الموت: لا 
أقبضك إلا على ما تختارء فتوضأ وسجد فقبضه فى سجوهه والله تعالى أعلم. 
ومن لطائف الحكايات الملكية أن محمود بن بويه لما ملك أرض العراق أعطى ألف 
دار لر افيا روان اذه إن هة ام مان إلى فارع السلطاة تى صدو اللارب بيك 
رك رو O CDS‏ 
وحشة فراقه! فلما وصل إليهما فأخبرهما قال: خذ ما جئت به لك» قال الغلام: أنتما 
فقيران وبكما حاجة إليه» فقال الشيخ: غنى النفس باق ثم تنفس وتمثل بهذه الأبيات: 
على ياب لو يقاس ج مي مها 
بقل لكان الفا متو اف ف ا 
تفوس الورى كانت أجل وأكبرا 
وماضر تصل السسيف إخلاق عهده 
إذا كان غلبا حيث وَجَهْنَهُ قَرى 
Ey E EN‏ الصوت ا ا 
بالأصوات ثقيلها وخفيفها وهزجها ورملها وصوفيهاء وأصواتها الثقال مثل قول أبى 
الشيص : 
آ ن اللا فى هو اك لَذيذة 
: عبن ةكفسرة قليلمتى اللوم 
ومثل قول أبى نواس فى الرزن: 3 
شرك الوس وعصصمة مام للها 


و 


للمطمَن وع قلة ال توفز 


ت 


إن طَال لم بِهْلّك وإن هى أؤجزت 

ل 
وك a ah‏ 
لىف وسافى عطالة قافرا 


ع و 


د 
إن تك تاراق هى فى جب مق قى 
من الريح يتروها ويم فقها ص قا 
لأ ععدى ا ا 
لأوبة قفرأ يكون له اونقا 
وَخَط بها رَخْلى تلبلا قَإنهنا 
لأول أطلال رفت به ال لقا 
وليكن المغنى عاما بطريق الأغانى» مطلعًا على كتاب الموسيقى الموضوع للرئيس أبى 
على بن سيناء وقد شرحناه فى: «كتاب السبيل لأبناء السبيل؟ وسأذكر لك نكتة منه فأقول 
كما قيل: إن لدوران الفلك أصوانًا لو سمعها عاقل أو لبيب لا ثبت» ومنها أخذ موسى 
ترجيع النغمات من المربع والمسدس والمثمن» والنصارى عملوا بيعضه. فالالحان للروم» 
والتجنيس للعراق» والزقالق للعجمء والطبول للزنج أو الحبشة» والبوق لليهودء وهو 
سبعون دسئًا مثل دستان الرحيل يقول فى وزنه: اركب فأنت المظفر. اركب فالله أكبر. 
ودستان الحرب والنزول وغيره. وقال سقراط : اشتباك نغمات الأصوات من هياكل العبادات 
تحل وتعقد فى الأفلاك الدائرة» مثل همة إصابة العين والسحر والاستسقاء وسنذكرها فى 
مواضعها. وكن ع للش كما فال a‏ 
إإحدمت املك قل البس 
ا و اک ملین 
وَادْخْل ! إِلّؤسمااتخلت أصطمى 





ورج إذاساخَ رجت أخرس 


فصل وهو المقالة الثامنه 
يعقد الوزير فى دسته وحاجبه على رأسهء ولا يلاصقه أحد فى المنعةء وكتابه لديه 
والمجلس ملآن هيبة ووقارا. والحوائج إلى الحاجبء. والرفع إلى الكتابء والاطلاع إلى 
الوزيرء ورفع الأمر إلى الملكء فأول مايبدأ بمصالح الحاشية بعد الملك والوزير حتى إلى 


التقليد» وقيل لايحضر اللك ا جمعة إلا فى مكان معزول فى مقصورة له خاضصة. وأصحابه 
ف دائرة المقصورة من خارج » والباب مغلق»› وعنده من يكون إليه» ويخرج هو وأصحابه 
فى آخر الناس فى باب له. وليكن له يومان فى الأسبوع للختم والزيارة» ثم يقرأ له بعد 
الصبح فلا يعجلون حتى يفرغ الآخرء ثم يقرأ التوبة فإذا فرنموا وعظ وأنشد المنشد. ثم 
يشرءون: قل هو الله أحدء والمعوذتين» والفاتحة» والم إلى المفلحون. لم يختم الإمام 
بتصديقه حقيقة ويدعو للملك والمسلمين. وليكن للملك فى الأسبوع خلوة عبادة وتذكارء 
والنظر فى الحساب والأموال؛ والنظر فى دساتير البلاد. والله أعلم. 


فصل وهوا مقالة الناسعة 
فى ترتيب الخبازوالطباخ والقصاب 

لايكن القصاب عدوا فى الدين فإنه لايتحرى من النجاسة» وهكذا الخباز والطباخ» 
ويتفقد المعاجن وآلات الطبخ والدقيق واللحم. وليكن الطباخ عالما بصناعته وعنده كتب 
الطبائخ لكشاجم» والأشربة والأدهان والحلاوات والريح الطيب والألوان الغريبة» وأحسن 
المأكل وأطيبها وأنفعها وأقواها للعافية.وهو لحم مرضوض مقلو مرشوش بالمياه الحامضة 
يحشى به العجين فيقلى . وأطيب الحلاوات ما كثر خبزه. وأنفع الهرايس لمن به حرارة 
المزاج» وهو اللون النونى من البزرة يقلى؛ وقد هجرت الألوان الظريفة باستيلاء الترك 
والخوائج الحادة المعمولة فى العجين. 

فإذا كنت ذا فنون فى طلب الطبائخ فاتهه لكتبهاء وقد ذكرنا طرفًا منها فى آخر كتاب 
السبيل» وإذا أردت العقلية فعليك بكتاب المقاصد وكتاب النجاة للرئيس» وإن شئت فيه 
الغاية القصوى فاطلع على الكتب الأصولية الدينية خاصة كتب شيخنا إمام الحرمين مثل 
«المحيط) «والإرشاداء ومن كتبنا النافعة فى ذلك «كتاب الاقتصاد فى الاعتقاد». «وكتاب 
قواعد العقائد»» من أول «كتاب الإحياء» «والرسالة القدسية». وإذا أردت الطب فكثير» 
وأنفعها ما عمل به من الكتب. واطلع على جميع العلوم الشرعية لتعلم الحق من الغى 

ثم نرجع إلى تحرير مقامات العمال: 

لا تستخذم فى العمالة إلا عارفًا بفنون الحساب والجحبر والمقابلة والمساحة» بحيث لو 
قيل له: ما تقول فى أرض ذات زوايا لايقدر حفظها بحائط ولا قصب؟ قال: تذرع بالذراع 
والشير: ويمتحن فى علم الحساب كما يمتحن الكتاب. والرسالة والأجوبة وكتب الدساتير» 





س مجموعةرسائلالإمامالفزالى 441 = 


فإن ولعت برسالة ابن عباد والصابى فلا بأس بأخذ الزبد. وليكن صاحب الإنشاء كثير 
الفضل والتوقف فى الديوان فى الزمان القصير وفى الزمان الطويل إلى النزول من الركوب» 
ثم يحناسبهم على ما إليهم؛ ويستوعب من كل القرباء» ويسأل عن المظالم» ولا يكن ملوما 
ولا ضجوراء ولاصخابًا ولا طياشًا ولا لقابًاء وقالوا يجوز له لعب الشطرنج القع 
بالزهر»› لأنه يخرق الحرمة بالقمار» فقد ذكر أن أزدشير لما أخرج النرد قيل له: ما يستحق 
إلا قطع اليد» قال: سأقطعها بتركه. كما قيل للحجاج بن يوسف وقد شكى إليه من أكل 
التراب: ألق عليه من همتك وعزيمتك! فلم يأكله بعدها أبدًا. 
واعلم أيها الملك أن علو الهمة مع الصبر حتى فى الصفوف والختلافه فى الثمن كل 
ذلك بالهمة والخدمة» ألا ترى إلى قول أمير المؤمنين على كرم الله وجهه 
تفجعجةن الك ا 
ومن لن اللات و ر الل الى 
يروم الع رئمتنام لي ل 
يخوض البح رمن طلب اللآلى 
لَتَقل المخر من قُثَل /لمبال 
ا ا 9 5 ت ی 
ووا ا ف ا 
ی فر ق کل انول 
احا ي ي ااا ۰ 
فنصف العمرتمحةقهالهيالى 
روع ال ي مي فى لبن يدري 
آل كف ق واف بعال 
وربع المر أمراض وذ 
وغل نات كر ولال 
فحب المرء طول الس مرقبح 


وة 








على هذاالغال 


فصل وهو المقالة العاشرة 
اعلم أيها الك إذا ردت معاندة الملك فاعتبر جيشك وخلصه من المواطأة والنفاق› 
ثم زل مالك فإن قدرت على مشاركته فل" تدده بالغى. وقلل ذلك وافتح له أبوانًا موجبة ١‏ 


سے ۹ع ہے مجموعةرسائلالامام الفزالی د 
وإن خحفته ولا طاقة لك به فمل إلى مصالحته فالزمان يدور كالكواكب» وحبّب من قدرت 
من أصحابه ولو برشوة» وفاسخهم وآلق بينهم» وكاتب بعضهم على بعض» وإن خحفت 
أحلًا من دولتك فداهن وسلم وتواضعء فربما تجد الأمل» وإذا كشر الزمان قاصبر لعضه 
فلابد أن يبتسم لك. وإن عزمت على حصرر مكان فأوقم الخلاف فى الحصن. كتب 
سليمان إلى (شتم:«أما بعد فإنى لأخشى عليك من مخامرة الذين معك» فربما يسلمونك 
لأعدائك» ثم كتب إلى كبار أصحاب رستم: «خافوا على أنفسكم» وهذه خطة إلى فى 
اغتيالكم» وقد زعم أنكم نافقتموه» فإن سلم حصنه إلى شهرباز فلا تكون الدائرة إلا 
عليكم' . فلما قام القتال بينها فروا جميعا إلى شهربازء وكمن سليمان عليها بعد الكيرء 
وسلم بأصحابه فقتل رستم وقبض على شهرباز» ومر السيف على الفتتين فأصابهم مثل 
نوبة بنى إسرائيل مع بختنصر: أوقع الخلاف فى الحصن. فتحمل النساء على فجأة المبارزة» 
ثم تسجن على ذلك أو أقطعه للذين لا خير لهم. ولا تنهبهم فتنصف بنفسك من نفسك» 
فتكون كالذى طابت له حلاوة العسل فعمد إلى خراب كوارة النحل» فتكون أشقى الثلاثة : 
يروح المظلوم بالثواب» والظالم بالانتهاب» وتظفر أنت بمرارة الحساب» ومتى يعم الخراب يا 
غراب. ثم تكتب إلى أهل الحصن ولو فى نشابة: من أراد خيره فلينزل إلينا! فى قدر فلك 
الحصار فيكون فى حزيران. واحفظ البلد بالمقطعين من السياسة واللائدذين بالدواب» وليكن 
لك فى كل قرية علامة» وعاقب المخالف بأنواع ما تريد ما لم نهاوز النصفة» ومد المشترى» 
ثم انصب الأخواص» وشرع الثياب وصوانى فيها ذهب,» وفرق القتال فى حنيات الحصن». 
وامنع خروجهم ودخولهم خوف الاغتيالء وقد كان يَيْلْهُ عام خيبر مكنهم من الخروجء 
أطعمهمء وخرج الأكثر منهم ثم منعهم من الدخول. فإن اتفق له جهة أخرى ترك على 
الحصن مقطعين مع طائفة من خواصه؛ فإن اتقق قتال نقب ورزق ومنجنيق» فافعل ورهب 
وغزغز رمحك وتقعقع» وليكن باطتك على أهل السواد سليمّاء والله تعالى أعلم. 


قصل وهوالمقالة الحادية عشرة 
افتقد آلات سفرك قبل خروجك» وناد فى سرك لعسكرك بالإعلام قبل الخروج 
بمدة» واترك بعدك من يتفقد الناس» وليكن عندك صناع فيما تحتاج إليهء وليكن لسوق 
عسكرك أمناء تحفظه بالتغليظ فى السياسةء وليكن وزيرك عالًا يكتب أرياب السياسات مثل 
المماليك والمسالك وسياسات المعرى التى أودعها الرئيس فى آخخر كتابه المسمى بالأدوية 
القلبية»ء وكتاب قوانين الملك لابن مرة. ويقتنى مثل كتب البيزرة لكشاجم» وكتب البيطرة 
لابن قتيبةء والمنهل الروى» فهذا يحتوى على أصناف البزاة وأدويتها ودائها. وأصناف 


کک مجموعة رسائل الإمامالفزالی سید ٤)4۳‏ = 
الخيول ستول صقا وكان الإسكندر ينظر الداية فيعرف مرضهاء وهذا هو الطب اا س 
إذ لا يمكن فيه من المساءلة. وكان يقف فى شباك له أو خيمة مشرفة على الدواب وعلقها 
فقي 6 هذا الأمر بنفسك؟ فقال: 0 لأنها لتفى . aN‏ فسقاه ماء 

عن ذلك فقال رع Cl‏ 
را وهذه الخواص كثيرة من الحيوان والنبات والحماد. فقد ذكرنا أشياء منها فى فصول 
هذا الكتاب» وقد روى أبو هريرة بوه قال: «لا فتح عمر بن الخطاب تزقه مديدة القدس 
وأمر فيها عبد الله بن مسعودء فأتيته مهاجر إليهاء فدخلت عليه فلم أر له حاجبًا ولا 
بوائاء فسألته عن ذلك. فقال: سيظهرها عثمان ثم تسمعون بمنزلهاء ثم رأيته ينقى شعير 
فرسه بيده فقلت له فى ذلك. فقال: سمعت رسول الله يه يقول: من افتقد قضيم دابته 
بيده ونقاه بيده كان له بكل حبة عشر حسناتء. أفترانى أعطى هذا الثواب لغيرى! افتقد 
نفسك وما ينجيك هو خير لك من كبرك الذى يطغيك». ومثل هذا نقل 0 
قال: دخلت على عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى» فأحذ المصباح ينطفئ فقلت: أما 
أنبه غلامك؟ فقال لاء فقلت: أقوم أنا؟ فقال لاء ثم قام عمر وأصلحه ثم قعد وهو يقول: 
e ES‏ بحا لوجوه المتكبرين! ثم نشد 


إِذَا عظم الإنسان زاد وام E‏ 


ب رر ر 


دلوم الإنسسان راد مرق 5 5 


كذاالغصن إن تقوالكمر تتاله 
وإ بر ر مل الف ارتسا 


فصل وهوا مقاله الثانية عشرة 
فى ذكرصفات منامك 
انها املك إذا كيت فى سفر برجا او رسا ادا أ ماعل » وکن مقطا لنفسك» 
واشبع بالنهار واسهر بالليل بالمنادمة والقصص والسير وتدبير الأشغال. وإن كنت فى 
الحصن فشد حراسة الباب والسور» وليكن البواب من جملة اليرانى» ونم وحدك فى 
مقصورة لطيفةء وأهلك خارجها والمفتاح عندك فإذا استدعت نفسك بعض جواريك فلا 
تستدع الباردة الثقيلة» فمعاشرة الوحش الخقيف خير من حسن الثقيل» قيل لخعفر الصادق 
رحمه الله تعالى: لم تختار السود على البيض؟ فقال: مصيف ومشتى» وأخونة شتى. قال 
عبد الملك بن مروان: أطيب الجماع أفحشه. وقد شكا بعض الملوك من قلة الإنعاظء وكان 


يخاف الأدوية الحارة» فاتخذوا له كتاب الباه بطريق الحكايات فعلت فلانة وفعل بفلانة كما 
قال ابن الحجاج : 
-ماكرمن سه ء اليب إِا 


1 التجحتحورة دروا تور 
وانظر الت الذى فى القصيدة اليتيمة : 
وت اهن ران و د 

فَيقا الك جيه E‏ 
وَإذَا طَعَنْتَ نت فى ل د 


م 0 27 8 


وإذا بج نابت يَكَادة 
واختلف جاريتان عند الان سوداء وبيضاءء فقّال البيضاء: الثلج يصاح 
للدواء» ويياض الشمس عجب» وخر الثياب البيض» والبيض أحسن من الفحم . فقالت 
السوداء: 
2 ع 2 . 
عتنيراشهب وعود قمالرى 
رت عاطى عندالعتاق لذيذا 
وفحم الشتاء خير من حمأه الصيف الباردة» وعيب الشيب شديد» والبياض ت 
العين عمى» ذيله المدر عو عن ال سور 
رو و 
وا ااسبب بطله 
م ام و 
أحب لى ب gŠgهاالسودان‏ حتى 
خخ ا ےو ناوت 


3 





وهو لكثرة عزة. 

وحكى لى من أثق به أن المنصور أغرى بقتل العلويين حتى : نفر أكثرهم إلى اليمن» 

فلما وصلت النوبة إلى المأمون وكان يتولى محبة أهل البيت» فسأل عمن بقى من الأشراف 
الفاطميين» فأخبروه عن قوم م: منهم بأرض اليمن» فنفذ إِليٍ ليستعطفهم» فأجمعوا رأيهم 
على أن كل واحد منهم يبعث شخصا يشبه به وكيله أو غلامهء فإن كان خيرً فما يضره» 
وإن كانت الأخرى فلهم الأسوة بالساداتء فما وصلوا إلى ا امون أكرمهم وأعطاهم 
وتزوجوا وتوطنوا. فإذا وجدت شريقًا مفتخرًا غير ذاك ولأزكى فهو منهمء إذ هذا البيت 
المعظم لا النبساط للفحشاء على منازلهم. وهو معنى قوله: )0 نحن أهل البيت لا نفجر ولا 
يفجر بنا» والله أعلم . 


فصل وهو المقالة الثالثة عشرة 
۰ فى حيل اليمين 

اعقد على نفسك عقد الدور لابن سريج» وقد كنت لا أقول به» ثم رأيت الخمر 
المغلى بالثوم له منفعة لأرباب القولنج الباردء وجماعة من أصحابنا يقولون به» وكل مسألة 
خلاف إذا حكم الحاكم بصحتها زال خلافها. ويشترط فى نسخة اليمين معانى تؤول منهم 
إلى الفسخ بالتأويل» واليمين على نية المستحلف. واحترز فى عقد الوكيل وأعم الألفاظ : 
كلما وقع عليك طلاقى وطلاق وكيلى فأنت طالق ثلانًا. لا تمنع أيها الملك قول الحكماء 
والفتوى بهاء وإذا اخترتها فليكن باطنّاء وخطوط الشهود والكام عندك» وإن ادعى نفيه 
فلم إليه ولا تسلم إلى العامى عنانه» فهو جهول باليمين والعنان. واحذر اليمين بكل ما 
يتعلق بالله وبكلماته وصفاته. واختلف العلماء فيما له حرمة غير هذاء وأما اليمين الغموس 
فإنها تذر الديار بلاقع» وذلك أن يحلف على ما يعلم كذبه. واقعد أيها الملك قعود 
المتأديين» وكن قليل الكلام» إذ لا يصلح الكلام الكثير للملك ولا للزاهدء وقد يحصل 
إظهار الفوائد للعلماء بالكلام. ولا تخطئ المفتين» ولكن قابل بعضهم ببعض» وقد سمعت 
ما قال عليه الصلاة والسلام: «استفت نفسك وإن أفتوك» تالحلال بين والحرام بين؛ 
وببنهما أمور متشابهات» فذر ما يريبك إلى ما لا يريبك» وقال عليه الصلاة والسلام: « 
جعل الحلال له قوتًا أجیبت دعوته» وعلمت مروءته» وحسنت سریرته» وعلت کلمته» 
و-حصلت أمنیته» وطابت هیئته» وطهرت ذریته» وتنورت نطفته» وذرفت دمعته» وظهرت 
حكمته؛ وقل غضبه» ورق قلبه» وخف ذنبه.يا على رد درهم مظلمة أفضل عند الله من أربعة 
لاصخ برل يدان مز خضت قي الهاي وين ظلبو رظلم »وين اكاتريين 
الصدقة نصر في ذريته" . فى الحرام هو أن معاد النفوس واحدء ومرجعها إليه بعد القبض» 
N SE ENE‏ : لمن فل تقسا بغير تقس أو 
فساد في الأرض فكأئما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما احا الاس جميعا & [الائدة: 
7]. فإذا أوصلت إلى التفوس يرا وصدقة وخيرًا وعدلاً وإشفاقا» سرى ذلك إلى جميع 
النفوس بعد القبض فصارخيراء فإذا وصل بهم كان ذلك خير للجميع» ألا ترى قول 
الرجل لامرأته: بعضك طالق» كيف يسرى الطلاق فى الكل؟ إذ الطلاق لايتبعض. 

رلو لكا الاك إن بن به وتكن علا ا برف لكوك عة از 
أعمى . وعلم مماليكك خطًا ورموزاء فإن اتفق آن يکون المعلم خادمًا أو شيحًا فأولى. 
وب لنساء امرأة ديئة. واعلم أيها الملك أن أهل الزمان فاسدون لتشاغل الرجال بالرجال 


والنساء بالنساءء وهو أعظم القت والسخط› ومنه حصلت الإياحة لبعض الظوائف حتى 
بسطوا فيه وأقاموا لهم فيه فيه شبها نقلية وعقلية: أما النقلية فقوله تعالى : ل هو الذي خلق لكم 
ما في الأرض جميعا 4 [البقرة: : 14]. قالوا: هكذا كان الناس على المنهج القديم ليس تحليل 
ولا تحريم» ولكن الأنبياء حللوا أشياء وحرموا أشياء. وقال تعالى :8 وویل نمش ر کین 
1 الین لا يؤتون الزكاة © [فصلت: 7 ۷]. وقد تعلقوا بإباحة أبى بكر قوی أموال 
بنى حتيفة» وزعموا أن الخطاب من الرسل إما أن يكون لموجود أو لمعدومء فالمعدوم لا 
يخاطب» والموجود المخاطب فى زمانهم فقد درج محهم. فمن هذه الشبهة تمسك أرباب 
الإباحة مثل النصيرية وغيرهم» وسنذكر تعلقاتكم فى أماكنها. وقد عرفتك أيها الطالب 

وأدب أصحابك أن لا يشكو منهم قريب ولا بعيد مثل قول الحكماء: ثلاثة إن لم 
تظلمهم ظلموك: ولدك وزوجتك والمملوك. وإياك وقرب الملوك» فإن قربوك فتنوك› وإن 
بعدوك أحزنوك. 

وهذه وصايا الملوك فإن هممت بتحصيله فربما أعانتك السعادة» وإن أراد الله أمرا 
هيأ أسبابه وحرك القضاء بتحريكه ) وقد كان الله قادرا على تحصیل الرطب لمريم من غير هز 
كما قال النظم البديع 

ا 

وهرى إِلك اللجنع E‏ الطب 
ولوش اء أُحْتى الجاع من فيرهرّها 
ولكنما الأشياء تجرى لهماسبب 

فإن وقع لك صناعة الحجرين الأحمر والأبيض فحصله؛ ولكن ذاك عنك بعيدء 
وبالهمة يفتح عليك بعض هذه الطريق» أما سمعت فى رموز أمير المؤمنين كيه أن فى 
الزئبق الرجراج مع الشب المصعد لالا هنيا؟ فذوو الهمم القصيرة يقصرونك عن نيل 
مقاصدك› وإلا فمن طلب وجد ومن جد وجدء ولهذه ه مثل » وهو أن بعض المتصوفة شويع 
هذا الحديث فقال: سأجرب نفسى فى طلب المملكة» وكان فيه آلة من علم وأدب. وكان 
محلا قابلاً للمك» »> فتقرب إلى الفراشين فخدم معهم ففشا أمره فى السيرة ة الحميدة: ثم مات 
مهتارهم فصار ا ا a‏ إلى مکان زمامهم› فلما انتشر شكره 
E‏ فیس بض الوذير ورتب مكاته؛ TS‏ 


دج مجموعہ رسائلالإمام الفزالی ہی ی ی ی ی ی یی 4۷ = 


يشتهون أن يطلع إليهم فلم يفعل؛ وهو يحصل المريدين ويعلم طريق الإرادة والتلمذة وشيئًا 
من الجدلء ثم جعل بمهذر بكلام على قدر عقولهم من جملته : ما تقول فى قائل لا إله الله 
هص هو محق أو غير محق؟ فإن قلت محق فليزمونك باليهود والنصارى» وإن قلت غير 
محقء قالوا فلم تتعلق بها؟ ثم جذب الناس وجعل يقول للمريدين: أما ترون الناس قد 
تركوا الشريعة! فلما كبر الأمر خرج إليهم بطريق الأمر بالمعروف والنهى عن المتكرء قصبا 
إله خلق كثيرء وخرج صاحب القلعة إلى الصيد والتلامذة أكثرهم أهل القلعة» ففتحوا 
ا-حصن» ودخله وقتل الملك فى الصيد» وفشا أمره ومذهبه حتى صنفت فى الرد عليهم 
كتابًا وسميته قواصم الباطنية ومنتظرهم فلا بد فى آخر الزمان أن يهجروا الشرائع ويبيحوا 
المحرمات فانظر هذه الطريق التى شرعنا لك أيها الملك وجعلناها إشارة وسلمًا تنال بها 
مقاصدك . 
وكان عمر بن الخطاب نيه أمر الحطيئة أن يجمع 
بجمع هذه الكتاب» حتى تنور نيران النخوة» فتمد باع همتك إلى أسنى طلبتك وأقصاها 
وأعلاها. وقصص الأنبياء تكفيك إن غفلت» وقد علمت صبر الأنبياء على نيل المقاصد مع 
الأعداء حتى فازوا بالنيل. وقد سمعت حديث داود بن شعيا ولد سليمان عليهما الصلاة 
والسلام» وكان صبيًاء فلما حاول وعضنته يد السعادة فقتل جالوت حتى تزوج ابئة 
طالوت. وكان طالوت دياعًا. وهكذا سير الملوك. فانظر فى كتاب : «الأسباب والمعارف» 
لابن قتيبة ودع النظر فى الصغر» وانظر الشاعر كيف يقول: 
لاتامننإظا اكنتذا أدب 
ع الملل بان ترة تى إلى القّك 
ااي لاال و س 
فى الأرض إذ صار إكليلاً على الىك 
وبطعم الحديد وذوقه يتأدب الكرم عل مع وإذا ترك عجمه سنة هلك ألا ترى 
إلى الحيوان البهم كيف بالضرب والأدب يتعلم الرقص والتطاير؟ ولما مات هارون استخلف 
الأمين وفر المأمون إلى مدينة أصفهان ومعه الحسن بن سهل» وكان المأمون ذا فنون وعلوم 
وآداب» فقعد المأمون فى المسجد الجامع وقد فرشه باللبد زهدا والناس يهرعون إليه لتعلم 
العلوم؛ وابن سهل يومىء إلى الطوائف ويقول لهم: أليس هذا هو الخليفة حقا؟ فبايعوه! 
ويقول لهم : سنة هذا سنة الأولين الطاهرين» فلم يزل يستدرج الناس حتى حوى عسكره 
ثمانين ألمًا. وكانت الأعاجم تسمع بطريق الأمين الفاسد ففروا وطلبوا المأفوت» حتى عفد 


حديث عبس وذبيان» ولا بأس 


سی ۹۸ بس ıı‏ بمجموعة رساثل الإمام الفزالى سے 


الجيوش لطاهر بن الحسين فدخحل على الأمين فقتله» واستولى المأمون. فكم من هذه السير 
قرا راغا تستحك عهيها تقوية وإعانة الهسكلة. 

.والولع بكتب الأولين مثل كليلة ودمنة والمغازى وحديث عبد الوهابء ولا يلزمك 
من سقمها وصحتها شىء قال الشافعى ناه : مسقط الرأس مسقط الإنسان. فكن وفى 
العهد والكلام؛ موليكن لك محتسب يحتسب عليك ورعلى من فى دارك من المسلمينء ثم 
ينظر فى مشارع البلد ومصالحه والآسعارء وإن كان قد نهى عن التسعير لكنه ليس به بأسء 
فقد فسدت الناس وقلت الأمانات كما ذكر فى كتب الملاحم لرسول الله عله . وخطبة 
الإمام فيما يتجدد. ويكون للسعادة مباد وتنا فقد نقل أن الله تعالى لما بعث نبيه موسى 
عليه الملاة والسلام قيل لفرعون: تلميذك موسى يخاطب علة العلل» فأمر بإحضاره 
وقال: يا بنى تزعم أنك تخاطب علة العلل؟ قال: نعم» قال: بم نلت هذا؟ قال: بسهم 
السعادة. فقال: من أى جهاتك تسمع كلامه؟ فقال: من جهاتى الستء. فقال: إن لكل نبى 
معجزة فما معجزتك؟ فألقى عصاه فإذا هى ثعبان مبين» فقال بعض الحسدة الخاضرين: إن 
عصى سرنديب إذا نقلت إلى هذه البلاد تكون حيات» فقال له موسى: خخذها إليك» فإن 
كان كما تقول فستكون وإلا فتبطل» فبهت الرجل وبطل» فقال فرعون: اتبعوه فقد جاء 
يخرق العادات. 

والسعادة الكلية هى من الفيض الأولء ثم يفيض من طريق التحرى إلى كل محل بما 

يقبلة:: والشضى الذول من العلة الأول يتتاقى رطريئ القن الوهين :الذى:عيجدك العقول 
عن تحصيل كنهه. والذى صدر عن علة العلل من الفيض الأول هو العقل الفعال الصادر 
بالكلية عنه» والنفس الكلية هى التى تفيض النفوس عنهاء والذى يتجلى للخلق من العقل 
هو بقدر نزول الشعاع للشمس فى النوافذ والنور. ومئل تجلى العقل للأنبياء كمثل الشمس 
المنخرقة فى الأرض الفلاة» وهو معنى قوله عليه الصلاة والسلام: «خلق الله الخلق فى 
ظلمة د ثم .رش عليهم شيئًا من نوره» فمن أصابه شىء من ذلك النور اهتداق ومن و به 
فظلمات بعضها فوق بعض» وهو معنى قوله تعالى: الم نشرح لَك صدرك # [الشرح: 
.]١‏ وقوله تعالی : فمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ره [الزمر : 7 
وهو الذى تجلى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام. وكان فى بدئه ضعیف شاهد من نوره 
الكوكبء» غلما تجلى لإبراهيم عليه الصلاة والسلام» وتقوى جناح همته بطريق المجاهدة» 
وانخرقت له الأنوار القدسية من رؤية حالة باطنه وسرهء شاهد الشمس والقمرء فلما 
صفت العلة وخلصت الخلة شاهد بمقياس الحظ أصل العلة الأولى التى فيها مبدأ فيض 
السعادة» 'فقال عند وجود سهم السعادة والحظ «وجهت وجهي للّذي فطر السموات 


والأرض » (الأنعام: 74]. فلما وجد انخراق النور الإلهى لم يلتفت إلى مال ولا ولدء 
قذهب يد الانتقاد ماله وولده. فجعل ذلك غرامة بطريق, التصوف. لوجود حاله فقال فى 
رفض ترك نقصه عند وجود حقه ورؤيته الكمال: ها هو ذا جسدى للنيران وولدى للقربان. 
ومالى للفيضان. 

فكن أيها الملك على هذه الطريقة والوتيرة حتى ينكشف لك ستر الباطن عن منهج 
الق » فتقعد على كرسى طب أحوال العالمين. فتجس بمقياس الفراسة طريق معرفة الظالم 
من المظلوم . واعلم أن الغنى والأموال هى مدخرة لتحصيل المملكة الدنيوية والأخروية. فإذا 
صح لك هذا الطريق غلبت بسهم السعادة من عصاك ومنه يحصل لك تسخير الهمم 
العلوية . ولا يراد الخلق إلا للثواب والثناء وإلا فما هى إلا أرواح سائرة عن أجساد خالية. 
خليلاً وقد أعطاه ملكا عظيماء فأوحى الله تعالى للملائكة اعهدوا ب أزهدكم ورئيسكم! 
فوقع الاتفاق على جبريل وميكائيل فنزلا إلى إبراهيم فى يوم جمع غنمه عند رابية 
للحلب» وكان لإبراهيم أربعة آلاف راع» وأربعة آلاف كلب» فى عنق كل كلب طوق من 
ذهب أحمر» وأربعون ألف غلمهة حلابةء وما شاء الله من الخيل والحمال. فوقف الملكان 
فى طريق الجمع فقال أحدهما بلذاذة صوت: سبوح قدوس» فجاوبه الآخر: رب الملائكة 
والروح. فقال : أعيداها ولكما نصف مالى! ثم قال: أعيداها ولكما مالى وولدی وجسدى! 
فنادت ملائكة السموات: هذا هو الكرمء فسمعوا مناديًا من العرش يقول: الخليل موافق 
مكتك. وسنذكر حكايات الكرم فى مواضعها من كتاب: «السلسبيل» وكتب «إحياء علوم 
الدين». فإذا أردت اقتفاء آثار السابقين فقد ذكر فى كتاب فتوح سيف الدين الكوفى أن 
أهل الشام لما أثقلهم الحصار وقالوا لا نسلم إلا لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب لفيه. فلما 
علم عمر ذلك حصل فرسا وحماراء فقال له كبار أهل المدينة: الممملكة بناموسهاء 
فأجابهم بأن المملكة معطيها صاحب السماء» فصفوا خواطرکم وعلم هممكم لتبصروا 
السعادة بمقاييس الأتوار من وراء الأفلاك. ثم سار إلى الشام فاتفق له أن وقع به الحمار فى 
غدير ماء متغير وحمأة» فابتلت مرقعته. وكانت نوبتهء فعرضوا عليه ركوب. القرس فأبى» 
ونالوا: قد أقبلت العساكر والرهابين لتسلم عليك فغير ما عليك! فلم يلتقت حتى أقبل 
عليه جملة الشاميين بنواقيسهم وقبعاتهم. فلما رأوه فى تلك الحالة قالوا بأجمعهم: أنت 
عمر ولك نسلم ولك نطيع وندين» كما قال المسيح : (إدا وصلكم صاحب المرقعة المبلولة 
بالماء والترات: فسلموا إليهة:. فهذا خبر سو معارف رسول الله > كيف صفا ووفى» 


سکیس . .نل ست بمجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


فعرفه سر ما كان وما يكون. ومن تلك الأنوار اعتصر الناس ملاحم رسول الله ع وقمر 
النبوة الذى هو أخوه وشريكه فى نوره اعتصر كتيبًا مثل الحفر والجامعة وكتاب خخطبة البيان 
وهى حاوية على أكثر ما يكون فى الزمان. 
وإن طلب أحد الهدنة فهادنه إن كان مسلماء وإن كان كافرًا وقدرت عليه فلا تهاون 
كيلا تفوت الفااصة. ولتكن الهدنة إلى أمد معلوم وأقلها أربعسة أشهر فإن صفت همتك 
وكانت روحانية لها مجانسة فى الملكوت الأعلى. وعلو همتك ظاهرة. فخذ طريقًا صا ًا 
من تثليث وتسديس من نجم ناظر إليك لا إلى سواك ويخر له» فإن تونست به صار لك 
وزيراء والأصل فى البخور هو علو الهمة» وتزكية النفس ٠‏ وتقليل المأكل» والانقطاع فى 
الخلوة» ودوام الذكر. ينخرق لك من رؤية الغيب من علم الباطن أنوار المكاشفة» فتصير 
الأملاك والأفلاك حديئًا يغلب لاهوتك على ناسوتك. فتصير زيئًا لمصباح مشكاة الأنوار 
الإلهية كما قيل (شعر): 
ثقلت زجٍاجات انَثْنا فنرفًا 
يإ لقت هجرف ارح 
خفت كات أن تطب رباحوت 
وك ذاا مم تَخف بالارواح 
واد فل لك ج الاد تن الغلة الأرلق الى بهن بيدا كل عه يظررى الجاهدة 
فى تحصيلهاء أفرغت عليك أنوار المحبة» فصار الخلق لك طائعين بلا سيف يسيف بينهم ' 
ثم يبسط باع فيهم كما كتب بعض اللوك على درع له (شعر): 


كنإن انعد عل يلك نباي التحامدة غ ورات ات الطلب مدرد عاق تفن 
بالمناقصة» بل تميل إلى الزهد فإن الناس رجلان ناسك ومالك كما تمثل عمر غه ببيت 
الفرزدق استشهادا به ثم آنشد (شعر): 

إِعَانْبَبَنلاتم باب م تخقصة 
ة الرأس واحذر أن تمع وسطًا 





1 
و 
ومثلها قال أمير المؤمنين على اه زه (شعر): 
إنَآسَاالم تكن مطاكقك ا 
کا و ی و 


تلم غلك الاش اجميىا 
ك 
وا ج اي ارد 
ار الي ر رقيعا 
3 اا ا ك شىء 
سوى هذين عاش به وضلي عا 
وكتب معاوية إلى ابنه يزيد : إن فاتك ياينى للك قلا يفوتنك المحراب وبهذا الطريق 
نال الناس مطالبهم حتى رأينا ملوك متقاطرين على ياب الرّهادء ولهذا قال القتشيرى: 
إنَّماالفَقفيِ_رلِابالأمير 
اس الا را ا قير 
وأا الات ت ير 
قتعم الأمير ونعمالف قير 
واعلم أنه إذا حصلت القلوب بمعرقة صمديتهاء واتكشف لها نور الجلال بالبراهين 
الباطنةء وحصلت التخلية والتصفية» كوشف بالعاتم العلوى رالأخروى وعلنم سر معانيهاء 
فهو الذى كوشف بمعرفة الكيمياء الأكيرء قتصير الملاتكة له حداماء. قيشاهد أساور الجنة 
وآسرها كما قال رسول الله له : e‏ عا أضيحت الله موا 
ان فقال عليه السلام: «إنَ لكل حق E E‏ حقيقة إباتلك؟» فقال: أعرضت نفسى 
عن الدنيا فاستوى عندق قعها ومدرهاء وكأنى بهل اة ف | الجنة يتزاورون » وال النار 
فى النار يتعاورون» دكأت یعرش ربیى يارا فقال عليه السلام: اومن تور رر الل قب الآن 
عرقت فالْوّم! وافسم عمرك وَآيَامَك وَمَهْرَكَ أْلانا: دلا لفاك و ر الرعيتلكت ونلا 
203 واعلم أن التاس بك لائذون لطلب مناضعهمء وكلل أحد يريدك ثنفه إلا الله فإنه 
يريدك لك» فكن معه ولازمه ولا تستهويك الأماتى» فالظل لا بد أن يزول ولو عمرت ما 
عاش آدم» أخبرتى الأستاذ الجوينى عن مشايخه: ٠‏ قيل لمحمود بن بويه: كيف عمدت إلى 
طلب. المملكة ولم تكن لها أعلة؟ تقال: جت ا اة تبكر حذا وتقول: بيا لعمر بن سبطی 
م 
من هاب خابوج لر بغ الما 
والدهر قيهع لوي ةوعدلاب 
فحملنى ذلك على طليها فطلبتها ونلتها. 


وحم 0.1 د بمجموعة رسائل الإمام الفزالى ب 


وقد تحالى المتنبى حيث قال (شعر): 
صحف ولحي ن 
يَرَى الموت ذ فى الهسيجا جنا التَّحْل فى الفم 
وانظر الل كلو هيه اادج وإن كان قد قال الحاسدون فيه ورجموه بالحلول» وقد 
تلقى الموت غير خائف» ونطق ظاهره بما أعمى جهلتهم؛ حتى قيل لابى العباس بن 
شريح: ما تقول فى الحلاج؟ قال: ما أقول فى رجل هو أفقه منى فى الفقه» وفى الحقيقة 
ما أفهم ما يقول» فقيل له: ما سمعت منه من جملة ما سمعت؟ قال: سمعت فى بعض 
كلامه وهو يشير إلينا: من حضر بطلت شهادته؛ ومن غاب صحت» وفى مثل هذا قال 
رسول الله لله : «حستات الأبرار سيئات الْقَربينَ» لأنهم واقعون مع صف التجلى» فما 
لهم والندم على ما كان والخوف مما يكون؛. صفت أحوالهم فى راووق المجاهدة؛: فامتنعوا 
بطريق الدلال لا عن الالتفات إلى غيره» فطاروا بأجنحة علومهم المجموعة فى المجاهدة 
والتصفية والتزكية فخرقوا حجاب الناسوت حتى وصلوا إليه» ضاقت بهم العبودية فخرجوا 
عن حيز العالمين» فمزجت الناسوتية بصفات اللاهوتية؛ ثم عادت النفوس الطاهرة إلى 
معادنهاء فهبت عليهم نسمات واجب الوجود» فحلوا فى خيام الراحة بعد البعث فى 
مقعد صدق عند مليك مقتدر كما قال السكران من العشق (شعر): 
بببباالحب فنَهءَكُثُه 
ر حم اة اسأق ل به 
E E‏ 
٠‏ ر توق ف جال 
فى ظلال الشوق قلبى راقلدل 
ا "من همير الهجر قد قا به 
فإن لم تكن أيها الملك الطالب لا بهمة علوية ولابيد باسطة سبعية فأنت كما قيل 
(شعر): 
إذاكتت لاترج ليقع بلشئيبية 
ولالذوىا اجات عندك مطمع 
ولا أنت ذو جاه يُعش بجاهه 
ٍ ولاأنت يوم اشر من شفع 
ل و اوك وت 
وعود خسلال من حيتتك أنفع 


کت بمبجووعةرسائلالإمام الفزالى سس سب صصح 0.7 


ومثله (شعر) : 
ال وا کار ف 
وعلى الغ انات جر الذيول 


1 


و 
إذلم ين بد من الوت د 0 
تخت ظلالالأاسل اللوابسل 

وكن آخذا بقلوب الناس بكتب وهداياء واستجلاب مودات الكبار» والخحدمة 
للأخبار» وإكرام العلماءء وإمدادات أحوال الناس» وسد خللهم» والصفح عن زلاتهم» 
وانظر كيف أدبك ا ES‏ قال: ١‏ أمرت أن أعفر عمن ظلّمنى وأصل من 
تطعنى وأغطى من ر وأن أجعل سكوتى فكرة وکلامی عبر .إن أردت الجواب فلا 
تعجل» واستعرض كلام الرسل متفرقين غير مجمعين. وأعط الجواب على تؤدة» وأرض 
لرسل ينبسط ثناؤك» فقد قيل إنه لما دخل حكيم العرب على كسرى أجزل له العطاءء 
نلامه بعض الكبار» فقال ا ملك : ملكة وجمع لؤم دإءان ودواء فالغلبة للأكثر. واتعظ بقول 





.لله تعالى : © وتلك ديام نداولها بين الئاس © (آل عمران: .]١5٠‏ فهكذا قد انتقلت من 
سواك إليك. وستنتقل منك إلى سواك وانظر إلى الأمثال 0 المؤمنين 
عليه ا لور 


الاس فى زمَن اقتال 5 اة 
وخ ورل الاس اد ا سے 
حَتى إذا ما عَرَتْ من حملها الْصَرفُوا 
عنهاعةقونًاوقَد كانوا بهابرره 
ورلو افم اب سنا هنا يترا 
دهراً عليهامن الأرياح والغببره 
فل تشيبحح روات أمْل الأرْض كلهم 
إلا الأقل فَلَيِسَالعشرمن عشره 
لاتنمدن مرا حتى تجتربه 
اراك دو بير تسمه 
واصطف لك من الناس من تركن إليه فقد اصطفى الله من الناس رسلاً ومن 
اللاك وال اعم ية بيجمل رسال دواذا رمك على وعول انام فالافتضل رم 
الأربعاء» ففى الأثر من دخل أربعين أربعاء الحمام أمن من الفقر» وال ليلة الحميس 


چ ع .ن ی بمجموعةرسائل الإمامالفزالى حت 
رالحمعة لطلب حاجاتك من الله الكريم» ففيها بلغ الأثبياء والعلماء وأرياب المقاصد 
والرياسة (شعر): 

وكانَماكان ممالس لأكُرة 

فق ا ولاتال عن انخكقبير 

وقی یوم لجشمعة ساعة من أدركها بلغ حاجتهء فقدقيل إل التهضار وقيل 
رسطهء وقيل آحرهء وهكذا نقلل عن قاطمة صلوات الله عليهاً آنها كانت تترك جارية لها 
العرفها قروب الشمس عن يوم الحمعة . واقرأ افيها سورة الأنعام ولا تكلم فيها أحداء فإذا 
وصلت إلى قوله تعالى :الله اعم حيث يجعل رساله 4 [الاتعام : .]٠۲١‏ فاسأل» لأن الله 
ما رد قسم عن أقسم عليه من التبيين. وكل من 'اللأنبياء كان له خاصية فى يومهء مئل 
السبت الموسى» والأحد لعيسىء والائنين لإيراهيمء وفى يوم الثلاثاء جاءت البشارات لتوح 
عليه السلام بالتصرةء وفى يوم الأربعاء انتصر زرادشت على أهل أرمينيةء وكان الخميس 
والجمعة لرسوال الله به . وقد قال المتجمون فى أيام الأسبوع ما قالوا وجعلوا لكل كوكب 
يرمًا: فالسبت عتدهم لزحلء والآحد للشمسء والاثنين للقمرء والثلاثاء للسريخ» 
والأربعاء لعطاردء والخميس للمشترى. والجمعة للزهرة. وقد ذكر الجمهور منهم أن طالع 
رسول الله عله تولاء الزهرةء وهم لم يطلعوا على الأسرارء ونحن نكشف نبلا من ذلك 
فنقول بأن.موسى دعا إلى 'اللغرب لتحكيم زحل قى تلك الجهة, .وقبلة عيسى إلى المشرق 
نحو الشمس» وقبلة نبينا محمد عي إلى جهة الكعبة وهذا سر لم يطلع عليه أحد إلا من 
شاء الله » وذلك أنه إذا قام مستقيل القبلة الحرام كان سهم زحل يِينّاء وسهم الشمس 
شمالاء والجدى خى مقابلة وسط الكتفين. والنسر الطائر وسعد بلغ فى جهة العلويةء فتم 
مع السعادة ما تم خأصيب بسهم السعاحة مالم يصيه أحد سواه فيلغت حجته؛ .وعلت 
كلمته» .«وذامت ««ولته»ء وسعدت أمته. وعضدت شريعتهء فنصرها الترك من المشرق وأهل 
الغرب حى بلح ألنهم آمنوا لا بالسيف بل بالكتب «شعر): 

أواتلل الركب الى منهم خير 

وهكذا البيت الثانى . 

واسمع قصنة عيسى عليه السلام مع جالينوس ملك الساحل وطبيبهمء حين نفذ إلى 
عيسى : إنا للا .نطلب ممنك إلحياء .الموتى بل هذا الرجل المسلول اشفه لنا فى هذا الشهر كانون 
وأنا أوءمن جك! تقال المسيح: اثتونى بظيخةء فسقاه منهاء غقاء اللرجل شيئًا أسود على هيئة 
الخبز المحرقه فقام بقدرة الله تع الى سلما لاا مرض به. شم قال عيسى عله السلام: 
يهددنى جالينوس. :ثم دخل هيكل العبادة هما انتصف الليل إلا وثار على جالينوس علة 


حب ممحجيوعة رسائل الإمام الفزالی سس سسحت 0.006 د 


:ساطوريا والكرائية؛ فمات بها قبل الصبح. وحدثنى يوسف بن على بأرض الهركان التى 
بنيات أرضها خواص عظيمة نذكر تبذًا منه فى أماكن من هذا الكتابء وشيئًا فى كتاب 
«السلسييل» قال يوسف شيخ الإسلام: دخلت المعرة على زمان المعرى وقد وشى به الوزير 
إلى الملك محمود بن صالحء وقال إن المعرى رجل برهمى لا يرى إفساد الصورة وأكل 
الحيوان» وإنه يزعم أن الرسالة تحصل بصفاء العقل» ولم يزل الوزير جاهدًا حتى حمل 
الملك على إحضار الشيخ أبى العلاء المعرى» فأنفذ وراءه خمسين فارسّاء فدخل إلى الشيخ 
رجلان من أصحابه وأعلماه بالقصة. فدخل المعرى المسجد وأنزل الفرسان فى دار الضيافة» 
ندخل مسلم عم المعرى على الشيخ وقال: يا ابن أخى قد نزلت بنا حادئة» يطلبك الملك» 
ذإن ماتعنا عنك عجزناء وإن سلمناك كنا عارًا عند ذوى الذمام وتكون الذمام على آل 
تنوخ» فقال المعرى: خفف عنك غمك وأكرم أضيافك» فلى سلطان يذب عنى ويحامى 
عمن هو فى حماه» ثم قال الشيخ لخلامه: قدم الماء! فقدمه إليه واغتسل بهء فلم يزل 
يصلى حتى انتصف الليل ومر أكثره» ثم قال لغلامه : أين المريخ؟ فقال: هو فى منزلة كذا 
وكذا فقال: ارقبه واضرب وتدا تحته» وعقد خيطًا فى يدى متصلاً بالوتد! ففعل به ذلك 
فسمعناه يقول: يا علة العللء يا قديم الأزلء يا صانع المصنوعات» أنا فى حماك الذى لا 
يضام» ثم جعل يقول الوزير الوزير حتى برق بارق الصبح» فسمعنا هذة عظيمةء فسألنا 
نمنها فقيل هى دار الضيافة وقعت على ثمانية وأربعين رجلاً. وعند طلوع الشمس جاءنا 
كتاب الطائر يقول فيه: لا تزعجوا الشيخ فقد وقع الحمام على الوزير. ثم التفت الشيخ إلى 
وقال: من أى أرض أنت؟ فقلت: من أرض الله تعالى: فقال: أنت من أرض الهركاز» 
أنت يوسف بن على» حملوك على قتلى وزعموا أنى زنديق» وكان حجتنا بالشام» ثم قال 
لى: اكتب على صقة الحالة (شعر): 
انوا وحصت فى أمانى لنيتهم 
وبت لم ب فوا منى على بال 
وفقوقوالى إشارات سهامهم 
قَاصْبَحت وقعّامنى بأميال 
فق ماظنك أنْجُنْدى ملائكة 
وجنذهم بين طواف وح جال 
تقيتهم بعصاموسى التى منعت 
فرعو ملكاونجتآلإسرال 
انب رسن صت ال ال 1 
واذامن اذك ر أبكارا لآو ب ال 


أ .م mmm‏ موجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


مويو ير مي ساب الجعكرا 
إا اذست ا 


و 


رأنی من خيس القض سربالى 
لاآاكل ال الدهر ا 
ات من سوء أعمسالى وأمالى 
تبت همعن حرام الس كلهم 
ريأفرونى بترك المنزل العالى 
ا و ويه 
لجو وج جر و 
مون دينى عن جل أؤمله 
إنات ب ددات وا ابال 
فإذا كنت أيها الملك على هذا الوصف بلغت المقاصد» ووصلت إلى المشرب الهنى» 
ونكبت أعداءك» وتصير مثل دعاء القلنسوة والنجاشى. وربما تكون أنت الماك السفيانى 
بفتح لك الحصون من غير تعب» ويجود بك الذرع والضرع والزرع» إذ الناس بالمال» وربما 
تسعد بهذه الحالات كما سعد الإسكندر. فما قد كان يجوز أن يكون» وقد قال فى خخطبة 
البيان: لا بد من ظهور ملك عادل زاهد خائف؛ بمهد البلاد ويحسن إلى العباد وهذا بعد 
ثلاث وسبعين بما شاء الله. وهذه من الخواطر الربانية كيف ظهرت فراشتها فى كشف 
الأمور المغيبة» فإذا رق حجاب القلب يرتفع السدء يتبين له ما فى اللوح المحفوظ فيخبر بما 
فى عالم الغيب من غير ريب» والله عالم الغيب يعلمه من يشاءء والملوك تودع سرها عند 
من تحبه وتختاره» وقد سمعت حكاية أيار مع السلطان محمودء فانتبه أيها الملك لهذه 
اللكت والإشارات» وقد نصحت لكم إن كنتم تحبون الناصحين. والملك بالعلماء أليق من 
الفجرة الفاسقين, ولكن ليقضى الله أمرا كان مفعولاً» ولا بد للأرض من ناصر ووارث 
يورثها من يشاء من عباده. 


حب مجموعة رسائل الامام الغزالی Aw‏ ی ب سبل ف حج 7ه بد 


اعلم أن الناموس هو مفتقر إليه فى بعض الأحيان كالدواء؛» لكن نكشف شرح مشقة 
الأحوال عند العوام» فإن الشرع خاطب الناس على قدر عقولهم. والمنزه ذكره خاطب كل 
أحد با يستحقه ويعمّله م ولان مجلدونء واقوم سدق جود وطلح منضود» 
رلأرباب الهمم العالية وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظر ة4 االقبامة : (YT YY‏ 
والمنشد قد نبه فى نظمه (شعر): 

ا 

1 أو ة الرأس واخذر أن تَقَع وسطا 

واعلم أن الزمان حبيب أهله؛ وطائفة تخترع لها مذهباً فى الناموس بطريق الزهد. 
5السبح. والمرقعات» وجلود الغنم» والبرانسء وأذان النيل» والانقطاع فى الكهفان» وكبر 
الأمور بحيث أن يقول لصاحبه اذهب ففى الموضع الفلانى كذا وكذا. وطائفة تظهر النورء 
وأخرى تقعد بين القبورء وإظهار الخزعبلات والنيرنجيات بمعرض الكرامات» ودهن الأقدام» 
والخوض فى النورء وإظهار الخرق من سمندل الصين التى يذهب وسخها النار» وإظهار 
الخفف. ومد الشعبذة.» وضرب طلسم على النعل فيعبر الماءء ووقوف السجادة فى الهواء؛ 
وشعلة القناديل» وإشعال السراج بالماء دون الدهن» وكثير من ذلك لا عدد لها. والفرق بين 
المعجزة والسحر .والكرامة هو دواء الشئ وإظهاره للناسء كالقرآن المجيدء فهو المعجز 
الأكبرء والناموس الأعظمء فلا تطلى على الملك حالات المبرهن. وأما أرباب الكرامات 
والمكاشفات فهم الذين استخدموا وخ دمواء واستعملوا وعملواء فكشف لهم العمل سد 
الخفلةء وضرب جهة الذكر ما فى الشبه القلبية فأزال زرقها وسوادهاء ووقعت المشاهدة 





عقيب المجاهدة. فتنورت القلوب بنور الصدق والتصديق». فهامت النفوس المقدسة فى 
مهامة المروج الصمدية» وانكشف سر اللوح المحفوظ من دار الديمومية»ء وظهرت الخواطر 
الصافية عن الأجسام الرذلة المعلومة فأغرقت فى قلب كمال الوجودء ووافت من صحية 

أمل الجود. وبزغت لهم أقمار الحقائق من فلك الطرائق» فكان باب بدو البداية رؤية 
كركب ضعيف» ثم انبسط النور الربانى من نقش عرش الإيمان فصار قمر إبراهيمياء ثم 
انىجست عيون المحبة الربانية عن فيض شمس الحقيقة البرهانية» ثم رق القلب الصادق 
الصاة فل الوا بعلن حرا علو الهمة فصادفت فلكًا وملكاء ثم صفقت أجنحة الاشتياق 
فصادفت عقار المحبة ممزوجا بمياه الخوف. شربت لا قربت» وطربت وتقربت» وشقت ثياب 
الكرن EE aE‏ 


1 


وَلَعَدخَلَمْت على العوذل سَلوتى : 
حلفت با رم ين ا ا 
ف ا امه ورای لای الاد من عظيم الويل. والحرب 
عجز عن حمل حلاوة الخلاة فنادى بين شوارع دروب الكروب: 
با ربک اعوج اعلی سّکنى 
وَعَاتبَا لَعَل العستب بعطقه 
وعَرضابى وقولا فى حديدكسا 
تايل عبد باله حران تتلفسه 
فإؤتباسمقولانى ملاطفة 1 
ماضّرلو بوصال منك تسعقٌُه 
ن ا لكا جاك و ت 
فغاالطاهوقولالنائتنرئه 
, فإذا شوهد منه ضعف الحمل أماتته يد القدرة تحمإ حمل التنين › ونر ادا 
بالجنون» وفى النهاية بالفنون» فنراه فى حال بدايته يتشبب بالئغمات والسماع» إن اتخذه 
دأبه وعادته صرف وجهه عن الباب فضرب بينهم بسور له باب وإن جعل ذلك جسرا 
يحوز به من العلم الأصغر إلى العلم الأكبر وهو علم المعارف»ء فيدخل فى حالات 
الماشقين ومقامات الصادقين» فيقيل تحت أشجار الحكم اللاهوتية عند رب العالمين» فتنكسر 
ز-جاجات جمسانية ویدور به دولاب سعادته» فأقل مقامه إظهار كرامته» فإذا رأى أحدًا من 
أ-بائه وضع خده تحت نعله وترابه» كما نقل فى الحكايات المجنونية فى ليلى العامرية أنه 
رئى على كتفه كلب يطعمه ويسقيهء وقيل له فى ذلك» فقال: رأيته يحرس باب ليلى؛ ثم 
أنشد حين تأود (شعر): 
رأف التحقون ف اترات ا ا 
ت بالا ن دبلا 
فللامووهعلى ماك نان ننه 
وتالوالم متحت الكلب تلا 
فنقالزروا مَلامَكُمٌ فن عمينى 
رأتهدسملكةنفى باب ليلى 
وهذا يعضده ما روى «أن النبى صلى الله عليه وآلهى وسلم قيل له: ألا تصلى على 
فلان وقد مات؟ فقال: لا أصلَّى عَلَى مَن لم يُصّل فقال عمر: أنا رأيته يصلى ركعتى 


العيدء فقال عليه السلام: ١كيف‏ أصلى على مَنْ لَمْ صل إلا َالَة»! فجاءه جبريل عليه 
السلام أمين الحضرة ة وقال له : «يا محمد اليس رأوه فى بابنا مرة إذآ رددته من بابى فبباب من 
يقف؟ يا محمد إنى قد غفرت له فصلت عليه ملائكتى. إن الله لغنى عن العالمين». 


المفالة الرابعة عشرة 
فى المواعظ التى تجلب قلوب الناس إلى طاعة الملك 

إنا قد عرفناك بطريق ثلاثة داعية إلى الملك. وها نحن نعرفك بطريقة أخرى فنقول : 
ا ت افائل م فلن كن ات على الف ماله رال وملكة ومتاله وانيه وأ 
فنقول له: من کان رود بن کنعان» وعاد صاحب الجنان؟ فإدريس مخيط الخيام» ونوح 
نجار الأيام» وإبراهيم راعى الضأن» وداود زراد » وطالوت دباغ» وصالح تاجرء وسليمان 
خواص» وعيسى سراج: وآدم حراث» أما تنعظ بقوله تعالى : « تؤتي املك من تشاء 
وتنزع الملك من تشاء وتعز من تشاء وتدل من تشاء © 1 آل عمران: 75]. واعلم أنه لا بد 
لك من ملك تقتدى به وتميل إليهء فللحيوان أمير ومقدم كالنحل والنمل وغيره. إن فهمت 
بآذان العقل فكن أطوع من ضيف, وإلا هامتك والسيف. أما سمعت قول المشرع عليه 
السلام: «أطيعوا ار ولو كان عبد حبشسًا» . قال الله تعالى: لإ أطيعوا الله وأطيعوا 
الرسول وأولي الأمر نکم ) [النساء: 05]. فإن فهمت المواعظ فقد قال رسول الله عله : 
«لا تشابكوا المساعيد فإنى سیدهم! فإن عربد الجهل فانظر إلى البازى والعقارب والنسر 
الات كما طمة و اللات ا : 

باطالب الرزقالسنى بق وة 

هيهاكت أنت بباطن م شغوف 
رعت الور بقوة جيف القلا 
ورَعى الذباب الشهد وَهْوَ ضعي 

وأنت أيها العاقل لا تشابك الزمان والدول» ولا تفئن بما جرى للقوم الأول وإذا 
سمعت بالمرتاضين فكن بهم ملما فإن خواص أنفاس القوم فيها جذب مغناطيسى» 
سمعت بذى القرنين لما سمع بأرباب الهمم الهندية» وهم أربعون رجلا اتخذ لهم ما 
أزعجهم وفرق هممهم. مثل زعجة الطبول والأبواق» فتفرقت هممهم فداسهم. وانظر إلى 
المعانى التى أودعناها فى كتاب الملك فإنها كافية» واستزد من الإشارات ولا تكذب الكلمات 
فإنها ج E‏ واعلم أنه لا يستقيم جسم من غير رأس» ولا سماء من غير 
ترد مولا ی ار من غير عمارة» وفلاحة وتجارة. وموت وحياة» وغنى وفقرء 
وهسك وسياسةء وإمارة ووزارة» فالأمور منظومة بعضها ببعض» كما سنبين لك فيما بعد. 


.۵ للب و«جموعة رسائل الإمام القفزالى سد 


المقالة الخامسة عشرة 
فى قطع د ليل المستدل 

مسألة ما يقول فى الدليل: ما أخذ منكم يا معاشر المناظرين إلا وقد تمسك بدليل 
يصلح عقده أن يكون دليلاً» فيعارضه مناظرة بما يناقضه. وامنقوض كيف يكون دليلاً 
والناقض إذا نقض بغيره فقد دخلته العلة فبطل عن منهج الدليل» وعارضه العلة بالنقض 
فصار كل دليل مزلزلاً معلومًا غير مقطوع. فإن كان منقولاً أر معقولاً وعارضه النقض فقد 
بطل حكمه أو قولهء فإن قلت بطل قوله فقد هدرت الشرعء لأن الحكم والقون معاء فأين 
آثار فقه المستدل؟ وإن كان دليلك معقولاً قياسًا فكيف يستند بالقياس إلى منقول منقوض؟. 
وإن كان غير قياس فكيف يمشى به السؤال؟ فبطل الكلام فى النظرء وإذا علمت أن كلامك 
مدخل تحت العلة والمعلولء فما العلة التى تنفصل عن المعلول* أم هى غير منفصلة عن 
المعلول؟ فإن كانت العلة غير منفصلة عن المعلول فكيف يجوز أن يكون دليلاً؟ وإن كانت 
داخلة فى المعلول فإما أن تكون جنسه أو غيره» فإن قلت إنها غيره فأين دليلك لتبيان القول؟ 
وإن قلت بأنها جنسه فكيف يأتى بعد مبين من غير نتيجة بأنها عليه ومعلول؟ وكل من 
فقهت نفسه لشئ فهو فقيه ‏ فكيف خص الفقه؟ وأين آثار التخصيص به والدليل المقطوع له؟ 
وما النظر وما معنى المناظرة والمجاورة؟ فإن قلت المجاورة هو زوال الإشكال من الحجة 
بطريق التبيين» كما يقال التبعيض إن فلانًا أعرب حين بين» وفلان بيض قصيدته ورسالته» 
فأين آثار تبيين حجتك إذا قطع الدليل والبرهان؟ وإن قلت الحدال المتشابكة أو جدال الحيل 
حين حاستك بعضه ببعضء فما ينفعك هذه المقالة اللغوية راللفظات الاصطلاحية إذا كان 
متن دليلك مقطوعاً بالنقض والعلة الداخلة عليه من الخصوم. فلا بد من جواب فخور يقهم 
الجاطرء فما هذا مقام أو مقال يحتمل المغالطة والمدافعة. فإن كان جوابك من غير السؤال 
فهو مداخله ضعيفة به. وإن كان من نفس المسألة فلا بد من برهان قاطع غير منقوض› 
فالمنقوض معلول لا يصلح أن يكون جوابًا. وإذا سئلت عن الحجة والمعرفة بالشئ فإما أن 
يكون معرفتك برهان قاطع نقلاً أو عقلاً غير منقوضء فمشه وكن به مستدلاًء فالمعرفة 
بالشئ إما بنفسه أو بغيره» فإن كان بنفسه فهو البرهان المقطرع به إذا لم يكن سبيل البعض 
داخلاً عليه » فالبرهان التصديقية كان برهانها تصديقها مثل ما تقول: هذا رجل» فلا تفتقر 
أن تبرهنه» وهذا ليل أو نهارء أو عشرة أكثر من خمسةء فهذا لايطرد عليه معنى فى بعض 
ولا ينعكس» لأن تصديقه ينقسم ولا يفتقر إلى برهانء فأت بدليل على مثل هذا المعنى! 
فقد علمت أن هذه العلة لا تفارق معلولهاء وأن المعل لا يكون لجهل أو لفهم أو قبحف 


کد مجموعةرسائلالاإمامالفزالی kud‏ ۵۱۱ = 


وإنما يكون براهين تصديقية أو براهين معلولة أو منقولة غير منقوضة. فإذا دخل النتقض أزال 
حكم الدليل» فهذا معنى قولنا قطع الدليل .ثم تستدلون بأخبار الآحاد والمراسيل وقد علمتم 
إظهار الحق قليل. * 


المغالة السادسه عشرة 
فى كتاب الطهارة وآدابها وأسبايها 
واعلم أن الطهارة فرض ظاهراً أو باطناء فأما الباطن فطهارة القلب من كل شىء 
سوى اللّهء فإذا وجدت من القلب هذه الطهارة الصافية الكاملة صار القلب محلاً للفيض 
الربانى والعلوم اللدنية الإلهية» وكشف أغطية الأسرار عن نير نهار القدس» فانبجست 
عيون الكرامات» وترقى العقل من حضيض الشهوات إلى سماء الخاصة ومعارفهاء ثم إلى 
سماء كشف أسرار الربوبية» ثم يترقى العقل الجوهر الكامل إلى كرسى المراقبة» ثم إلى 
عرش حضرة القدسء ثم تقدم له موائد فوائد تحف المحبة فيشرق أنوازها على هياكل الطباع 
المظلمة» ويجرى قلم التوحيد فوق لوح التمجيد بطريق التأييد» فمنهم شقى وسعيد. وإذا 
كشنت لك هذه المملكة الباطنة لم تلفت على الموت» فإن الموت هر جامع بين الأحباب» 
فى الطباع المتنافرات مفرق بينهم« فتمنوا الموت إن کنتم صادقين » [البقرة: 94]. وقد 
سمعت النظم فيه شعرا : 
مهل عليك الذَّى تلق اه من ألم 
إن كَانَ شَمْلُك بالآخباب يجتمع 
فإذا طلعت عليك كاسات الوضال قى دار التخلية» وهبت ريح النسيم ء ونادى منادى 
التقديم « وفي ذلك فَليَافْس المتتافسون ‏ [الطففين: ٠‏ . فعند ذلك تصير روحك ملكا 
يضئ ء ولو لم تمسسه نار . 
واعلم أن الله تعالى خلق الخلق وصنفهم ثلاثة أصناف: فطائفة عقل مجرد وهم 
الملائكة. وطائفة شهوة مجردة وهم البهائم» وطائفة عقل وشهوة وهم بنو آدم وهم وسط 
بين الطائفتين. فمن غلب عقله شهوته التحق بالملائكة» ومن غلبت شهوته عقله التحق 
بالبهائم 9 فاستقم كما أمرت # [هود: 01 
ثم نعود إلى الطهارة الظاهرة؛ قدم الماء الطاهر فى الإناء المخمرء واغسل يديك قبل 
الوضوء ثلاثاء واستقبل لوضوئك القبلة» وكن على نشز خوف النضح وعليك بالتسمية 


والسواك والنية فى مبدأ الفرض» ففرض الوضوء ستة: النية عند أول جزء من الوجهء ثم 
غسل الوجهء ثم غسل اليدين إلى المرفقين؛ ومسح المقبل من الرأس. وغسل الرجلين مع 
الكعبين» ثم الترتيب فى الموالاة فى أصح الوجهين؛ ثم غسل الحيض والجنابة بوضو 
وغسل ثلاثًا 0 ونية غسل الجنابة أو الحيض . ثم مناقض الوضوء وهى : النوم قاعدًا 
متمكئاء ثم زؤال العقل بأى فن كانء ثم لمس الرجل المرأة ولا حائل بينهماء ويتشتقض 
طهراللامس دون الملموس فى أصح الوجهتين؛ ولمس الفرج ثم آداب دخول السجد بالقدم 
اليمنى فى الدخول واليسرى فى الخروج» ولا يستدبر ولا يستقبل القبلة ولا الشمس والقمر 
إلا من وراء ستر وحائل؛ وينحى ما عليه اسم الله من عليهء ويجوز الاستنجاء بكل طاهر 
اما حرم طاطم E‏ وور ا ا بعظم أن جارج أو با يؤذى المحل»› 
فقد قال عله ته : «لا مَستَنْجُوا بالعظم فَإِنْهُ طَمَام إخوانكم الشسيّاطين» فإن الله يكسوه لحم 
فيأكلوه. والأفضل أن يعقب الاستجمار بالماء وهى طهارة أهل فناء» ويقول فى دخوله: 
«اللهم إنى أعوذ بك من الخبث والخبائث» ومن الشيطان الرجس النجس» فإن خرج يقول: 
«غفرانك الحمد لله الذى أخرج عنى الأذى وعافانى» ولا يجوز البول فى الماء الراكد. ولا 
ثقب أرض» ولا على قارعة طريق أو شاطئ» وتحت شجرة مشمرة وغيره. ثم يجوز التيمم 
من عذر طارئ» أو برد مخوف طارئ» أوجراحء أو حدوث ثمين» فيجوز التيمم بتراب 
وغبار تعلق باليد. ويجوز عن الحيض والجنابة مع الأعذار المخوفة الموجودة. بضربتين 
لوجهه ويديه. قال غيرنا: يجوز التيمم بكل ما صعد عن الأرض من حجر أو جدار» 
ولكن بعد دخحول الوقت› ا ويجوز للمتيمم أن يصلى بالمتوضئء فقد 
فعل ذلك أصحاب رسول الله له ء ويجوز المسح على الجبائر بشرط الطهارة. 


كتاب الصلاة وهو مقالتان 

مقالة فى الأحكام الظاهرة: والمقالة الأخرى فى الأحكام الباطنة وما يجد فيها العارفون 

اعلم ان الصلوات الفرض هى خمس صلوات وركعاتها سبع عشرة ركعةء وأكمل 
ستتها ثمانى عشرة ركعة. وأحكامها الظاهرة مثل كمال الوضوء بالماء الطاهرء وطهارة 
الثوب والبدن والمكانء واستقبال القبلة» والإتيان بتشديدات الفاتحةء والطمأنينة فى الركوع 
والسجود» والاعتدال بين السجدتينء» والرفع من الركوع . وقولك سس الركرع ثلاث مرات: 
لاسبحان زف العظيم وبحمذهة وتقول فى السجود: (#سبحان ربى الأعلى وييجمذها مثلها. 
وهو أقل الكمالء ثم الاكتناف. ومعرفة الأوقات: فوقت الصبح إذا تبين الفجر الثانى 
ويبقى وفت الأداء إلى طلوع الشمسء ووفت الظهر إذا غريت الشمس من وسط الفلك 


دح ممجموعةرسائلالإمامالغزالى  www‏ س٠*ببلسبسبسببحت‏ 017 د 


وييقى وقت الأداء إلى وقت العصر إذا صار ظل كل شىء مثله وزاد عليه أدنى زيادةء 
ويبقى وقت الأداء إلى غروب الشمس والمغرب مع طلوع الليلء» ووقت العشاء إذا غاب 
الشفق الأحمرء وعند أبى حنيفة والمزنى إذا غاب الشفى الأبيض» وهو وقت صلاة المتقين 
والأبرار. والأذان شرط لا فرض إلا على الكفاية . ثم تلزم قوانين الآداب» وتستحى من 
الأه كما تستحى من سلطانك» أما سمعت الخير: لا تجعلنى أهون الناظرين إليك» قال الله 
تعالى: 9 قاستقم كما أمرت 6 (البلد: وتعظم شعائر الله وتأتى بها فى أوقاتها إلا 
الظهر فى شدة الحر كما قال: «أبردوا بالظهرء ونوروا فى الفجرء وأخروا فى العصرة. ثم 
تأتى بكوامل النوافل مثل الضحىء والتراويح» والصلاة بين المغربين» وأوراد الليل 
والسحر» وسنن يوم الجمعة العشرة وآدابها مثل الاغتسال» والسبق إليهاء وقراءة الكهف». 
وكثرة الصلاة على رسول الله عله ء وتواظب فيها على الصلاة السبعينية قبل الزوالء 
وتطلب فعلها فى الإحياء. وتأتى قيها بصلاة الحاجة من اثنتى عشرة ركعة بست تسليمات 
تثرأ بعد الفاتحة آية الكرسى مرةء وثلاث مرات: قل هو الله أَحَد » فإذا فرغعت من 
جمیع الصلاة ة تسجد بعد السلام فتقول فى سجودك: «سبحان الذى لبس العز وقال به» 
سبحان الذى تعطف بالمجد وتکرم به» سبحان الذى أحصى كل شىء بعلمه» سبحان الذى 
لا ينبغى التسبيح إلا له» سبحان ذى العز والكرم» سبحان ذى الطول والرحمةء أسألك 
اللهم بمعاقد العز من عرشك» ومنتهى الرحمة من كتابك وباسمك الأعظم» وجدك 
الأعلى» وبكلماتك التامات كلها التى لا يجاوزهن بر ولا فاجرء أن تصلى على محمد وآل 
محمد» ثم يسأل حوائجك الجائزة. ولا تصل فى المواضع النجسة والمواضع المغصوبة» ولا 
فى ثوب حريرء ولا فى خخاتم ذهب . وتقوم بالمكنة به والذل والصغارء فإذا اجتمع الناس 
تحسبه القيامة» وتحسب صوت المؤذن كنفخ الصورء فظهور الخطيب فى الموعظة كتجلى الحق 
بعتب الخلق والتوبيخ» وقيام الناس فى الصلاة كقيامهم فى الموقف ثم الانصراف فى المسجد 
كتفرقهم يوم المعاد: فريق فى الجنة» وفريق فى السعير. 

والسر فى الوضوء هو طهارة الأعضاء وتنبيهها. والشجرة الآدمية كغيرها من الشجر 
لا بد لها من خدمة» فتقليم فروعها كقص الأظافر والحلق» وشربها الماء كالوضوء والغسل» 
وتنظيفها وخدمتها كحسن آدابهاء وترك الفضلات الدنيوية إنبات بقول العلوم عن سواقى 
الخدمة» وصون النفوس عن القبائح والرذائل سباطها وحرمتهاء وجريان مياه الفضل فى 
مجارى أنهار العقول يكسب فى الشجرة نوح حمام المحية وصفير بلبل التوحيدء وتمام 
المعرفة وأنوار اليقين فى يرك البركات» وصفاء نسيم الصدق فى جواز أحداق المعرفة. 
وأهداب الشجرة مخاطبة بأنوار الإيمان» ومنادى الأزل ينادى بقلوب المريدين: سيروا من 


قواليب الأغيار إلى الشجرة ا بشرقية 0000 زتها 
يضيء ولو لم تمسسه تار لالنور: ه *]. هذا معنى قوله تعالى: «لا يزال عبدى المؤمن 
يتقرب ا بالنوافل حتى أحبه» فإذا أحببته صرت سمعه الذى يسمع بهء وبصره الذى 
ييصر به» فبى يسمع وبى يبصرء فمن يبصر ويسمع بى أقل ما أعطيه أن أخرق بينى وبيله 
روزنة يرانى بهاء وينظر من غير مثال» وأعطيه نور يفرق به بين حقائق معلومات». معناه 
تحمل قلوبهم فى صلاتهم إلى حظيرة القدس فيشاهدون جلال الربوبية من الديمومية» 
وتظهر لهم شموس المعرفة من صفاء سماء حقائق القلوب» وتتنجلى لهم حالات الآخرة 
بذاتها مثل ميزان العقل وصراط البقين» وهو معنى قوله عليه السلام: «أَرحنًا بها يَا بلال» 
ومعنى قوله تعالى: واسجد واقترب 4 لالعلق: 8.. قال جعفر الصادق ناه : «عند 
سجود العارف لذى المعارج يرفع الحجاب فيرفع القلوب الطاهرة إلى سدرة المنتهى» فيتجلى 
لها أنوار القدس ويفتح لها أبواب جنات حرم الحق» فيعطى ما تريد لتابعتها لما تريد؛ كما 
aN E‏ 
اوت وكا او و و 
E‏ 
وإذا صفت القلوب فى الصلاة من الوساوس والمرذلة؛ حظيت بالمشاهدة لرفع غمام 
الغم وظلم الوساوس عن عرصات القلوب» فهناك نشاهد الأفلاك والأملاك مثل ما نظمه 
القاضى البستى : 
رؤيّة الحق نالك حوبي فين وا 
و ترق ابس جيرا 
زفي الكل فا يحبر أن الت 
لوبو لفحي جيرا بستحا 
وسأضرب لك مغلا فأقول: اعلم أن القلب كعرصة فيها شجرة أراد أحد أن يصلى 
تحتها فوجد فيها عشاش طيور بزقازق وهدير منعته عن لذه قراءته ومناجاته؛ فإن تشاغل 
بطرد الطيور فاته الوقت. فلا سبيل إلى وجود اللذة إلا قطعهاء وآنت قد غرست فى قلبك 
شجرة حب الدنياء وملأت الشجرة بوسواس اكتسابك وهمك وغمكء فإن قطعتها صفا 
حالك وعظم إجلالك وتجلى جلالك كما قال الجنيد: 
تركت هُمْ الانياقتصفاعيشى 
وتركت هم الآاخرةفصفاقلبى 
والسر فى الصلاة إغا هو كتقرب الخادم إلى المخدوم إذ يراه فى قواليب الذل 
والانکسار ل عسي أن يبعنك ربك مقاما محمودا & [الإسراء: 4. وهو معنى قول سقراط : 


جح مجموعة رسائل الإمام الفزالی بصت واواصد 
اشستباك نغمات الأصوات من هياكل العبادات» تحلٍ ما يعقد فى الأفلاك الدائرات. إِذ باب 
خنواص الأدعية مفتوح ترجم عنه القرآن: « إليه بقل الكلم الطب العمل الصالح 4 
[ناطر: .]١6‏ وصفة داود مع المزامير معروفةء كان إذا كان له جا جاء بزهاد المجاهدة. 
وأقامهم فى محاريبهم. ووكل بكل واحد منهم صاحب مزمار ليقطع بلذة نغمه قلبٍ المريد 
إلى حاجة داود. فتسرع الإجابة كإجابة الاستسقاء؛. والسحر المعول به متأثرة من الهمة. 
واعلم أن الأوزان القلبية لا تظهر إلا بطهارة المحل» فإذا ارتفع السد من القلب بانت 
موازين معارف القلوب» وامتد فيها صراط الحق» وفتحت أبواب المعرفة باللهء وبانت أنفاس 
.ميم حب الدنياء كما قيل: هناك حميمها القاسى» حميمها جنة فيها الحمام. فإذا كان 
على هذه الوتيرة» فاجعل حوائجك من مولاك فى خدمتك. وتطيب بطيب المعرفةء والبس 
باب شعار الندم» وضع خدك على تراب التواضعء واعلم أن لكل شىء وزنًا: ووزن 
الشعر بعروضهء وأوزان المميز بالنظرء وأوزان المأكول والمشروب بالكفتين والقبان» وميزان 
الصوفية بأوقات النهارء وميزان الخطب بتعديل الكلام: وميزان القيمة بقصاص الافعال» 
فكفة ظلمة ظلمك وكفة نور طهارة أعمالك . فاعلم حالك واستقم فى أحوالك» فإبراهيم لما 
دن له ميزان النظر قال بطريق التشكيك: هذا ربى» فلما استقام بين كفتى الأحوال قال: 
وجهت وجهى . 


المقالة السابعة عشرة 
اعلم أن الخواص غير محصورة وليس لها تأويل يحل فتؤخذ بذواتهاء 
كالصبرالمسهل. والسقمونياء والشى المقبض» ليس علينا أن نسأل لم أسهل هذا أو قبض 
هذاء فكيف نعترض طبيب الشرع فيما جاء به من التحليل والتحريم» أوليس حجر يشم 
يذهب النفخة! فكيف تشك فى شفاء خواص القرآن وما فيه من التحريرء وفيه قوارع 
«عخصوصة لمعانى مخصوصة مثل سورة الواقعة للختاء ولاك وإذهاب الم rs‏ 
ورفع البلاء والتحرز بسورة الكهف» وخاصيتها فما اسطاعرا أن يظهروه وما استطاعوا لَه 
نقبا © [الكهف : ۷. ولا يجوز قراءة الآية وحدها إلا بإضافة السورة إليهم كما قلتم لا 
يجوز استعمال الأدوية المفردة. 


مسألةفى تعجيزالمنجم 


تقول: يا حكيم هذا النجم الفاعل المتصرف فى العبدء المولد فى نقطة الكرةء كيف 


کک زاره ا سسب سس ست مجموعة رسائلالإمام‌الفرالی سد 
ا فاك ارق وها ا وان ا اة قا اة عرص ل ق و إن 
سلمنا إليك باللخاصية فهل هى نفس النجم أم فى نفس الشخص؟ فلا بد من الكشف 
والتبيين وإقامة البرهان. أما السحر فهو عمل وكلام قد تداولوه بينهم فى أوقات معلومة 
وطوالع معروفة وطلسمات مضروبة» فإذا أردت أن تولد طلسما يصلح لما تريد فخذ من كل 
ثلاثة أحرف حوقاء فإذا اجتمعت لك فى التأليف ثلاثة أحرف من تسعة فهو طلسم يصلح 
لما تريدء فانظر فى الأوسط لاب عند ساعة التأليف فهو يصلح لما دلت عليه الدقيقة من 
الساعة؛ ومثاله ا بات ث فتأخذ الجيم والثاء أليق عوضًا عن الجيم ج ح خ خذ الصاد ص 
ط ظ خذ العين فيصير عقربًا لتدوير الحروف فضع صورتها على خاتم والقمر فى العقرب» 
تكف خاصيتها عنك أذى النساء» ترمى الخاتم فى الماء فينفع سقياه الملسوع» وتلقى به سوءًا 
بين من أردت» وترش من مائه على سطح المبغض أو طريقه أو داره فإنه يستضر من سنة. 
وخذ صورة أسد والقمر فى الآأسدء وانقشه على خاتم بسواد ومعه كلمة وهى: «أتينا 
طائعين»» فتدخل به إلى الملك فيذله الله لك . 

ذكر كلمات تذل الملوك: ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل 4 «ذل البحر لبنى 
إسرائيل». «شاهت الوجوه». فهم لا يبصرون ولايعقلون ولا يسمعون. 

ذكر كلمات يأمن بها الخائف من السلطان بقدرة الله: لاتزال تقول وأنت داخل إليه أو 
قاعد عنده فى نفسك: يا قديم الإحسان بإحسانك القديم. 

ذكر كلمات تصدق بها عند لسان السلطان: تقول عند الدخول عليه : 9 اليو م نختم 
علئ أفراههم 4 ايس: 11٥‏ . ولا يؤذن لهم فيعتذرون 4 1الرسلات: [rî‏ .صم بكم عمي 
فهم لا يرجعون 4 االبقرة : 114].ولا يعقلون. 

ذكر كلمات تفرق بها بين جماعة فاسدة ة تخافهم: تأخذ أفرادا من شعير حزام وتقول 
عليه أربع مرات: هاطاش ماطاش هطاشنة 9 وألقينا بيهم العداوة والبغضاء إلى يوم 
القيامة 4 [المائدة : 8. وترميه من حيث لا يشعرون وتنظر ما يصنع الله . 

ذكر ها يغض ين السبخصين: يكعبا على بيضة:وتشوى وتطبم «[ ومرقاهم کل 
ممق اسبا: 11۹ وحیل بیتهم ) (سبا: .]٤‏ قطعاء بغضًا. ويكتب على بيضة مخيط 
عليها بخام مضيق سبع ضادات وتوضع فى مجمرة ملة» فإنها تستوى ولا تحترق الخرقة» 
وتطعم البيضة للمحموم» وكثير مل هذا. وقد حصرناها وشرحناها فى كتاب عين الحياةء 
وهو صغير الحجم كثير الفوائد» وفيه المقالة الإلهية التى هى سبب الجمع بين الأجساد 
والأرواح بطريق بعث الإكسير. اعلم أن الصناعة الإلهية لا تخلق» إن كانت فتكون وإن لم 
تكن فليس بصحيح.ء لأن جماهير الناس أجمعوا على: إن كانت فلا شك أن تكون. 


کد مجموعة رسائل الإمام الفزالی یس ۵۱۷ = 


ودلاللات المتقول والمعقول قائمة ؛ دالة على الجوازء فالمنقول قوله تعالى :« وممًا يوقدون عليه 
في التار ابتغاء حلية أو متاع زبد مثله 6 [الرعد: ١7‏ وقوله تعالى: إِنَمَا أوتيته عَلَى علّم 
عندي # (القصص: 678. وأما المعقود دل عليه عمل الصابون» فإنه جامع بين الأضدادء 
ماسك الطباع الدهنية والمائية والنازية» فلما حصل تجميده على تجميده» دل بتجميده على 
تجميده؛ ولو لم تكرن.صناعة صحيحة لا كان الإبريز كثير لبعد المعدن» وهى حالة مصنوعة 
كسائر المصنوعات» وقد ضاع العالم فيهاء وضيعت الأموال فى تحصينهاء فلم يظفر بها إلا 
الرجال الأفراد المطلعون على علوم خواص النبات وخواص الحيوان. ولكن يا موسى لا بد 
لك من خضر يعلمك معنى خرق السفينة وقتل الغلام وإقامة الجدار» مع معرفة الخصال 
الثلائة حصل له كشف الكنز ذل وكان تحته كنز لَهُما 4 [الكهف: 7 فإذا خرقت سفيئة 
الصنعة» وقتلت غلام الزئبق الآبق حتى يصير ماء زلالأء فأاضف إليه جدار تصعيد 
الزرنيخ» فإذا صح لك قوامه وملكت إكسيره فهى الحالة الفضية» ولكن بشرط نشر الفلوس 
الرومية حتى تصير على هيئة التراب فتوضع وزنًا بوزن» فبعد حسن السبك وقوام التصعيد 
وصارت الأرض فضة يتخذ منها دراهم معدودة وكانوا فيها من الزاهدين. واعلم أن الزرنيخ 
اسه مركب فأوله زر بالعجمية» فإذا صح لك فأنخ بجمال غنائك على باب أستاذك 
ومعلمك» وسر بذى القرنين من عقلك إلى مغرب الشمس الذهبية عند عين حيوان من 
نبات طأطأاء فبياضها للأبيض »وصفارها للأصفر» هى دواء العيون إذا نامت العيون» ثم سر 
إلى مطلع شمس حرارة زئبق الآبق وحصله» فإذا بلغت بين السدين فانفخ عليه من نار 
لطينة طيبة» فإذا صح إكسيرها أو لم يصح فارجع إلى حد الطلقء فإن صح لك فهو 
الإكسير اللؤلؤ الكبير فحصله فإنه موجودء وإن لم يقدر على تحصيلهء والعمل بها قد 
ذكرناه فى كتاب عين الحياة» فعليك بمداراته والصبر على التطويل . 

واعلم أن هذه الصناعة هى صناعة ربانية لا يقدر عليها إلا الأبدال والرجال والأبطال 
الذين كشف الله الرين عن عيون قلوبهم» وهذه لاتصح إلا للطلائع الذى يريد به عونا على 
الآخرة أو وفاء دين أو دفع شين» وهى حريزة غريزة» ولها أربعون صناعة قبلها ليكون عونًا 
عليها: مثل عمل الأكحال والأبراد والأدوية والدوانيق» ونحن نذكر خواصًا دالة مظهرة 
لبدائعها وصناعتها مذكورة فى كتاب عين الحياة» وأعظم ملكها الأكبر هو تصاعد الزرنيخ» 
ومعرفة أجزائه» وزمانه المعتدل الصالح النافع للأبدان» غير مضر من حر وبردء وهذه 
الصناعة الفضية التى يسميها أرباب الصنعة القمرية . فقد تعمل فيما يتصعد من إكسير 
بياس البيض» وأصلح ذلك هو الزرنيخ المصعد قوامًا معتدلاً ووزئًا واحدًا معروف الصفة. 
فافهم واعرف زمانه المعتدل وخف عليه من الحر المحرق والبرد الممزق والمفرق» فتربيته 


۸ ححصت مجموعة رسائل الإمام الفزالى سے 


كتربية الأطفال مفتقر إلى الاعتدال. فابدأ أولاً بصنائع الأبرار والأكحال. مثل الغريزى 
الصغير والكبيرء والجلاء الصدفى» وبرود الحسك» وبرود المياف وهو أن يجتمع المياه مثل 
مياه التفاح والحصرم والرمان وتضيف إليه عرق الماميرون وعرق الريح ودواودى جعفران 
وبهمنى سهر وماء الرازبانج وتوتيا أخضر رقيق وهو المرادنى» فإذا صح هذا كله فاجبله بهذه 
المياه مع ماء ٣‏ لرازيانج وماء الحسك ثم نشفه بين الشمس والظل» فإذا أمسكت نفسه وزالت 
رطوبته فاعمل منه فصوضًا أو تصحنه جلاء فهذا هو التوتيا الهندى الذى يساوى مثقاله 
مثقالاً. ولا بأس معه بماء الماميثا. وماحى العالم هذا هو البرود الجامع والجلاء الناقع 
والتوتيا الهندى القاطعء فإن عملت منه شيئًا فما يکون وهو رطب حار» هذا هو كيمياء 
الأبرار وبه يحصل لك إن شئت مكسبًا تستريح من تعب غيره. 

إذا أردت عمل الأدن: خذ ما شئت من الأدن الخرق الصحيح وتضيف إليه لكل جزء 
ثلاثة أجزاء من شمع صافى» وتطبخه بنار لطيفة بقدر ما يمتزج وتحطهء فهو الادن. وكل 
مصنوع لا بد له من خخمير خالص وهو إكسيره. 

صفة عمل الزعفران: تأخذ أصفر لحم البقر. وليكن من فخذه لا سميئّاء وتطبخه 
بالخل والزغفران ثم تبرده وتغسله شعرات زعفرانية» ثم تضيف إلى كل أربعة أجزاء جزءًا 
من الزعفران الخالص . 

فأما عمل المسك والزيادة: تأخذ من الخالص خمسة أجزاء وتضيف إليه مثله من الخبز 
المحترق» أو الكبد المشوية المحترقة» أو جزء فأرة مسكيةء من كل واحد جزءًا يضاف إلى 
الجزء الأصلى من مسك أو زباد. 

فهو الإشارة كافية إن عقلت بصدق العمل » فقد قالت الشطيات: لقمة من القدر 
تكفى لمن يشم الرائحة وفضل لقمة يتحتم لمن لم يكن شبعان» والصنائع مغطاة فإذا كشفت 
بان سرها. والعجائب ظاهرة فى كتاب عين ١‏ لحياة. 

واعلم أن المسك هو من دم غزال برى يأكل من أطايب الأفاوية البرية كالفلفل 
والقرنفل وغير ذلك. وقد قيل فى العنبر إنه ينبع من عين بأرض مدينة عنصورياء 
والكافور هو من عين» فيعجن العنبر بأوراق بحرية بين أشهب وأبيض وما شئت من 
الألوان» وقد نزل من السماء عشرة أشياء كالمن والشيرخشك والترئنجبين واللاذن» وقيل 
هو عين فى جبال مرعش» وينزل من السماء القطر مع السحاب» يضاف إليه شىء من 
الزوائد فيطبخ بماء الشعير فيسقى للمرأة التى لا لبن لها ولا حيض فتحيض هذه ويدر لبن 
هذه» وقد ينزل من السماء ضفدع أخضر يصلح للبواسيرء وقد ينزل من السماء بأرض 
سقسين حنطة حمراء لينة باردة على طعم الزبد والعسل والثلج» إذا أخذ من دقيقها 


وكحلت بها العيون المعيبة زال عيبهاء ومن ههنا أخذ من أخذء وإذا بخر بعضها تحت 
أحد أبصر الملاتكة»ء ويه يبخر لعطارد فيكلمه. وقد قويت عزائم المنجمين بأن الأنبياء 
بخرواء فالكليم بخر لزحل أول ساعة من يوم السبت. والمسيح بخر للمشترى» وإبراهيم 
بخر يوم الأحد للشمس وللمريخ يوم الثلاثاء. وقد بخر زرادشت للمريخ وعطارد» وقد 
بخر محمد رسولنا للزهرة يوم الجمعة»؛ واختفى فى غار حراءء فكانت تأتيه فى صورة 
جبرائيلية وهو تمثال لدحية الكلبى. 

ومن أراد أن يبصر الحن مشاهدة ومصادقة ومخاطبة» ويسمع كلامهم ويعينونه على 

يريد» فليقرأ سورة الجن فى بيت خال من يوم بطالة فى أحد أو أربعاء» وبين يديه بخور 
اللباذء ويخط له مندلاً يقعد فيه ولا ينقطع عنه البخور وهو يقرا ظفل أوحي ي إلي أنه استمع 
تقر هَن الْجِنْ ‏ أربعين مرة» وهو يثلهم ويحدث إليهم» فإذا خحرجوا اا لايخافهم» 
ويستخدم منهم من شاء على ما يشاء من سحر وطلسم وهياج وتسخير وإظهار كنوز وحب 
وتبعيض . 

واعلم أن من الخواص النباتية ما يطول شرحه» ونحن نشير إلى بعضه: 

من أراد أن لا يبصره ll SS‏ 

سنور أسودء فإذا طلع يخيط عليه كيساء ويربيه حتى يجنى القطن» ثم يقطف العنقود كما 
هو بكيسه ويشقه حجرة» ويأخذ مرآة بيده» ثم يقطف منه حبة حبة ويضعها فى فمه وينظر 
صررته فى المرآة» فأى حبة لم يشاهد فيها نفسه عند نظر المرآة فليمسك عليها. 

ولهم الأبهر الضم وهو نبت فى الأرض على صورة ابن آدم» فهذا يصلح لمن عقله 
على نفسه لو مر بحجر لتبعه الحجر. 

ولهم حشيشة تسمى بحشيشة الراسن» تبخر من أوراقها على اسم من تريد فيأتيك 
وإن لم يردء ولكن بشرط أن تقول هذه الكلمات على البخورء تقول: اليا جامع ياجن 
اجدعوا وقدموا لاق لاق عاجلاً عاجلاً اشروثا كبيبا ال صبى : ائتنا كرهًا أو طوعا: قالتا 
اتتا طائعین». ولیکن فی يوم الأحد أو أربعاء. وهذا حشيش الراسن يعمل منه شراب 
يسمى شراب الملائكة يصلح لأرباب الأخلاط المتساوية؛ ويصلح للنساء العجفاوات من 
شدة الحرارة» وتجفف ورقه ويعمل منه برود يصلح للعين التى ارتخت أجفانهاء وقد 
يعمل منه دواء يقوى اللثة» وقد يبخر منه تحت صاحب الحمى فيبرأء أو يبخر تحت 
النفساء ذات المشيمة المعلقة فتنزل» وقد يسلق ورقه بالخل مع ورق الزيتون فينفع الأسنان 
الضاربة . 

ولهم نبات لا أصل له فى الأرض وهو على هيئة العنقود على شجر البطم والبلوط 


ويسمى حب العصقور» ويسمى حب ديق صيد العصافير » يصلح بخوره للبيوت» خاصيته 
طرد الشيطان» ويبطل السحر المدفون مثل مشاقة الشعر المقعدء ويرادات الأمشاط والأوتار 
لمعقدة» فبهذه دخل السحر على محمد به ولهذا قال له : «ضيعوا مشاقات الشعور 
بها يُنَْد أكْثَر السَحُور وأعظم ل والإبر التى ترك قريب ؛ الثار 
ياعائشه» و كلها عقر ابايث مذ اکر وال ع وهذا الحت بيعي به القند فيؤخل منه 
جزءء وجزء من عروق القسط وعروق الزعمران»ء وشئ من برادة العود القمارىء يدق 
ويطبخ جمِيعًا إلا حب العصفورء فيطبخ جميعًا بماء الورد الجيد العرق الغاية» فإذا تجبل 
وصار طيئًا يحط إلى الأرض وإذا برد عمل منه الند على ما تريد. 

أما صفة عمل الدرانيق النافعة فقد سيقنا إلى ذكرها وعملهاء ولكن أقرب ما تأخذه 
هو أن تضيف البندق المدقوق مع الجوز واللوز والسمسم القليل والفستق» فيعجن جميع هذا 
بالعسل الشهد مع قليل من ماء الورد ويرفع» ففيه منفعة وخاصية لسم العقرب» وفيه 
خاصية للوقاع. 

وجوف اللوز الهندى الحديث على الهريسة والحنطة نافع فى الوقاع ويصلح لمن وثبت 
عليه الأرياح الباردة. أما الترياق الأكبر فهو أربعون حاجة مع لحوم الحيات مشروحة فى 
كتاب عين الحياة. 

واعلم أن النبات والآدهان والحيوان ما يطول شرحه ولا يشغل كتابنا به» لكنى أذكر 
لك عمل إساءة وهى الظنبوث: تأخذ من بصاصات الربيع ما تريد على ما تريد واسم من 
تريد فى ساعة محمومة» فتضعها فى قارورة زيت بأعلى النار» فتعلمه ظنبوث إن شئت 
حبشية للبعض وإن شئت قرشية للمحبة» وإن شئت فارسية للسلطان» وإن شئت كرمانية 
للخروج من المضرة والأمراض» وتعلقها فى الشمس وكلما نقصت تزيدها دهنّاء ثم تتركها 
فى نافذة ظاهرة وتربيها وتخدمها وتبخرهاء وتقول عندها فى كل يوم هذه الكلمات (أيها 
الظنبوث الطاهر كونى لما أريد» وهو يبخرهاء ولا يبخرها إلا طاهرً لا حائضا ولا جبّاء 
فهى تنقص عند تقص الهلال وتزداد بزيادته. فهذا من جملة الخواص الدهنية» وفى الدهن 
ما يطلى به الجسم فلا يعمل فيه النارء وفى الأحجار ما يعمل منها فأس أو قدوم فإذا نقر به 
لا يسمع صوته؛ وفى الأحجار ما إذا وضع فى التنور سقط خبزه. وقد عرفت خاصية 
المغناطيس وأما خواص الحيوان فتطلبه فى كتابه . 


== مجموعة رسائل الإمام الغرالی یسیک ١٢ں‏ = 


المقالة الثامنة عشرة 
فى عزائم السخير 

تقف أول ساعة من يوم السبت مستقبل الغرب بثياب سوداء وزرق بأبخرة مذكورة 
مثل الليان والحرمل وقشور الرمان والخردل البرىء ثم تقول فى وقت سعف من تثليث أو 
تسديس مناط إلى شرف غتقول: «أيها السلطان الأعظم والملك العرمرمء مالك الفلك التابعة 
له "أتجوم» الخاسف المزلزل: زحل أنت أشرف الكواكب وسيدها وقائدها ومؤيدهاء أسألك 
أن تعطینی وأن منحتى ما يصلح متك لى» وتقول يوم الأحد عند طلوع الشمس وأنت 
مستقبلها بهمة مصروفة إليها: «أتها السيدة الرفيعة والملائكية المدليعة والمديرة الكبيرة التى 
جادت بقيضها على الظلام فصارت نوراء ذاتها طاهرة وسلطتتها قاهرة» أسألك أن تعطينى 
ما يصلح متك لى 2 واصرقى همتك إلى وأنت الملكة العزيزة والسلطانة الجريزة یحی من 
سخرك وهو الملك العظيم». وتقول أول ساعة من يوم الاثنين: «أيها الكوكب الأظهرء 
والقمر الأبهر. البارد الرطب الخال فى الفلك المعتدل البارد اللطيف». أسألك بحقك وبحق 
املف المعطيك من تورف أسألك أن تعطينى ما يصلح منك لی٤‏ وتقول فى يوم اشلاثاء 
:السءطان صاحب السييف والقك» ذو ال حرية النارية والفتن الأرضية. صاحب الحرب 
والسلاح والدم» أسألك بحی سلطتتك ودولتك وقهرك أن تعاطينى ما يصلح لى منك6 
وتخاطب يوم الأربعاء فتقول: «أيها الكوكب اللطيف الشريف. والكوكب الكاتب الحاسب 
العالمء ممازج الملك ووزيره وملاطفه ومشيره بلطافة أخلاقك وطيب أعراقك وحسن 
سمعتك وصفاتك الحميدة وأحلاقك المجيدة إلحسنة الطيبة أن تعطينى ما يصلح منك ۰٤‏ 
ولتكن على الماء .فى فروج من حشيش أخضر وهواء لطيف بنفس فرحة وريح طيب وأنت 
متصسف بصفات الكتاب وتبخر فى يوم الخميس للمشترى قتقول فى دعائك : «أيها الكوكب 
الخائف المستغفر عندك أكثر أحياء الأموات والذى يبرئ من كل داء أسألك بحق دينك 
وأمانتك وعودتك ومروءتك وطاعتك أن تعطينى مايصلح لى منك» وتقول فئ يوم الجمعة 
مدناطيًا للزهرة: «أيتها النفس الطاهرة والزهرة الزاهدة الباهرة ذات اللهو والطرب والرقص 
واللعب والشبرب والأكلء القرحة النزهة الناظرة والمزيتة الطائعة لريها الحرة الطاهرة أسألك 
والأحد مخصوص بسليماتن وجماعة من الأتياء وصاحية الشمس وفيه يتيخر الملوك لها 


ويوم الاثنين هو للقمر يصلح للوزارات والوزراءء ويوم الثلاثاء للمريخ وفيه بخر إبراهيم 
الخليل» ويوم الأربعاء لعطارد وفيه بخر زرادشت وهو نبى المجوس صاحب كتاب سبطاء 
ويم الخميس مخصوص به عيسى» وأما يوم الجمعة فهو لمحمد عه . فالذى يطلب من 
زحل وهو كيوان مثل المنافع الأرضية وإظهار الكنوز وشق الأنهار والأشجارء وأما ما يخص 
الشمس فمثل الملك والملكة» والقمر لائق بالوزرات» والمريخ بالحروب والبأس»ء وعطارد 
للكتابة والنقش والحساب والهندسة والعلوم الدقائق والعزائم ومخاطبات الجن كما سبق 
ذكرهء وأما المشترى فهو للزهد والديانة وحل الطلسمات السماويةء ئم الحمعة 
للزهرة. قالوا: إنما أمر باجتماع الخلق عند نصف النهار فى هيكل العبادات لاجتماع خواص 
الأنفاس ليؤثر ذلك فى حصول المطالب لشرف نفسه الفياض منه على تابعيه من قولهم فى 
الحظة واحدة اللهم صل على محمد وآل محمد. 

واعلم أن الناس قد اختلفوا فى الخاصية كما ذكرناه فى أول الكتاب» وخواص النبات 
والحيوان كثيرة» وقد ذكرنا منها فصلاً طويلاً زائدًا خارجًا عن الحاجة. وكم فى الحيوان من 
خواص لا تعرفه مثل مرارة الدب للسمن وشحمها أيضًا ولحمها مع تحريمه يذهب بالارباح» 
وأكباد الأرانب تنفع الأكبادء وعيونها للعيون» وشحمها للأرباحء ويصلح منه طلا معنى . 
وشحم الخنزير فى علف الدواب» ودهن البيض للشعرء وما قطع من الكرم ينفع فى 
الشعرء ودهن الشوك والحنطة للثواليل. وشحم القنفذ للأرياح» وقصبه مع السكر للطحال 
وزنًا وسفا. ومخ الحمار قاتل. وفى الهدهد منافع ذكره صاحب كتاب الحيوان. والجوز 
الهندى فى الهرايس نافع للجماعء ومعاجين وأدهان للقيام. والحرارات الغالبة قاتلة» وهكذا 
البرودات والماء عقيب الطعام متلف. وحقن البول أتلف. والفصد محمود والحجامة أحمد. 
والقئ ينظف . والقليل من لباب الخيار نافع . والشواذج للمبرود أجمل. والحنطيات 
لصاحب الجماع يغنى. وأكل الهرايس أفضل. وشراب الرمان فى المعدة موحل . والبطيخ 
فيه فوائد: مطعم ومشرب» وريح طيب» ومقطع سالء ومدر البول» ومقطر لغسل المثانة» 
ويذهب مع الق الخلط. وفيه مضار: يلشف الخلق. ويزيد الصفراءء ويورث الحكاك, 
ودفعه بالسكنجبين. والقبيت المحلى يقطع الشهوات» ويعصم ويسمن مع الريح الطيب. 
وخير الفواكه أنضجهاء وأجودها قبل الطعام إلا الكمثرى فقليله نافع بعد الطعام. وتقليل 
النرد أجود لعينك: عن صفة الطيب فدت. والجائع درهم أو أقل . وقد تصعب مداواة 
المتخوم. ويكره تعجيل الماء عقيب الطعام؛ ويستحب امتصاصه. ويكره عبه. وأكل 
الحوامض فى الصيف أنفع» والسوادج فى الشتاء. وأنفع الفواكه الغدى مثل التين والعنب» 
وأنفع الرمان الملاسى قليله بعد الطعام أو عند النومء وهو مضر بأصحاب الجماع لا سيما 


حامضه . 


حح مجموعة رسائل الإمامالفزالى o۳‏ — 





فصل وهو المقالة التاسعة عشرة فى الأشرية 

0 يو حل المعدة وفيه تبريد الكبد. وشراب الخشخاش شج والنيلوفر فوائد عملها 

ھک E e RS‏ أنه يغنى 
0 يسهل الخلط الصفراوىء فإن أعنته بدرهم ونصف ثريد» ودرهمين سورتجان» فيكون 
سفوفًا قبل شراب الورد أوبعده. وأما الأرباب فرب السفرجل يعصم المحرور» ورب التفاح 
يعمل فى النميجة الواردة عن ضعف القلب إذا كان من حرارة» ورب التوت فخاصيته فى 
الحلق Ce‏ ا والربوب EE‏ ا إلى العادة القديمة كما جاء 
ف حديث «المعدةٌ بيت الداء والحَميَة را الدوای وعودوا كل بدن ما ادا ولابأس لق 
اهناف القرية أن داعت ا اجة اها ال فالا باه : لا تتعرضوا مع 
العافية إلى الدواء فربما يفضها. وشرب الدواء ف فى ا خريف أولى من الربيع» لقربه من المآكل 
التى تحدث السهولة. وأما البقول فأنفعها الهليون والاسفناج. روى ابن قتيبة أن النبى يللد 
قال: «أربع حشائش من الجبنة يقطر عليها فى كل ليلة قطرة من ماء الحنة؛ وهى الاسفناج 
والهندبا والهليون والنس؛ ففى الهندباء تبريد» وفى الاسفناج والهلييون ترطيب» والخس 
یولد دما صاكًا). وأنة نفع الهليون ما عمل بمخاض البيض والزيرباج٠‏ وأتفع البيض مخاخه» 
وأجود الخيار 5 من باطنه. وأما الكرفس ا السدد قلىله» وقد 0 4 
0 . زعم الأطباء أن فى 
التن خاصية قطع الناسور ويدر دم الحيض » وأنفعه الغدى الصغير الأزرق البالغ » ٠»‏ وأكله 
على الريق أنفع وآخره أجود من أوله . وأول البطيخ أجود من آخره . وخيار الخريف حمی ۰ 
وريحان الخريف زكام. والشرب فى كوز الجماعة يورث الآلام»؛ وسره من أبخرة الأفواه. 
وحائن البول يورث حصةة المئانة . وشرب بذر البطليخ السقى يعمل فى عسر البول» وغديه 
إذا 0 الكشنة أو العدس ينعم البدن ويزيل الزهكة . ويكره الغسل فى الحمام بالعدس 
والمواضع النجسةء ويجوز الغخسل بالعدس فى الأوانى»ء ودارك الأشنان ينشف رطوبات 
الأردان ويسمى ويسمر الألوان. ومعجون السمسم فيه ترطيب الشعر وتنعم البدن وشقاق 
القد.مين أمنان من الخذام . وأكل اليقطين يعمل فی الخاط السوداوى , وحلاوة القرع تزيل 
التججفيف . والزيرباج فأعدل الألوانء لكن بشرط أن يضاف إليه الخشخاش المرضوض . 


حب 0 سسسب دسست مجووعة رسائل الإمام الفزالى حت 


واللوز المحمص المرضوض من الدارجينى والزعفران يحل بالماء الورد والعسل يوضع فى 
رأس البطيخ. هذه حيلتهم على السكنجبين. وأنفع الحلوة ما كثر خبزه» وأرطبها حلوة 
البيضص» والقطايف أميرها. والمسير ثقيل فى المعدة. وأجود السهل الناعم مشل الصابونية 
والكافورية. وأما خبيص اللوز فشقيل» وأجود الناضج الكثير الخشخاش. وأما الهرايس 
ا أنضجها واعقياا بلي المديدن ا قال صلى الله عليه وآله وسلم: 
اشكوات إلى أخى جبرائيل ضعف الوقاع فأمرنى بأكل الهرايس فوَجَدات لأرى جبر)؛ . 
والإكثار من لدم الدجاج يورث الحرارة فى الأطراف . والمأمونية بالخروف المشوى أجمل 
لكنها أثقل. هذا فصل إشارة فى الأدوية والأطعمة وأنفعها ما دام وقل حسابه» فهذا طعام 
لمترفينء فقد قدم عثمان إلى النبى صلى الله عليه وآله وسلم قطايقًا ' بالقند والفستق ودهن 
المَرعء فمرك وجهه يلل ثم قال: « آه من طعا م الْتْرَفنَ وَحسَاب المرِينَ» وقدم قعب من 
حليب وتر إلى النبى عله فقال: ا ل ا وكان يأكل النيت 
بعسل العرفط والمعافير. فمن ترك شهوات الدنيا وهو قادر عليها كتب له من الأجر ما لا 
يعد. والسر فيه أنه أوقع بينه وبين نفسه فسكت عن اللذات والشهوات» فإذا فارقت هذا 
العالم الخسيس والحبس المظلم والجسد المعتم لم تتأسف على مفارقة المحقورات» رقت على 
عالمها وشرفت بعلمهاء مثل العلوم المرسومة النتقشة فيهاء مثل علم التوحيدء وهو العلم 
بالله وحده بالبراهين النقلية والعقلية» يحدث به لك جناح تخرق به عالم الملكوت» إذ 
الأرواح ثلاثة: نفس العارف» والتاسكء والزاهد؛ إذا اجتمعت خلالها الثلاثة قلا يضرها 
الموت ولا الفوت» لأنها كاملة رقت إلى عالم الكمال فهى تحظى بما ليس فى الجنة من 
المقامات العلوية والأنوار القدسية فى الحضرة الصمدية » مجاورة للملاتكة الروحاتية» تجتمع 
إليها وتسمع عليها من العلوم المودعة عندهاء فهى تنفصل عن عالم الكون والفساد وتلتحق 
بعالم البقاء الذى ليس فيه نقص ولا نفاد «أعددت لعبادى فى جنتى ما لا عين رات ولا أذن 
سمعت ولا خطر على قلب بشر» اعلم أن هذا الحديث يدل على أن وراء تعيم الجنة نعيما 
لا تدركه النفوس إلا مع مشاهدة» فهذا يعجز عن صفة مشاهدة. لأنها لذة ذاتية تجوز عن 
حد التعبير والتفسير» كما لو قيل للعنين عن لفة الجماع لما عقل» ومدرك اللذة لا يقادر عنلى 
تعبيره» فهذا لا يدركه إلا شاهده وهو النظر إلى الله الكريم. وأنت تريد أن تعرف. للة 
المشاهدة من غير إيصار» كما لا يتتفع الجبان بذكر الحربه من غير مشاهدة ولا مواقعة. 
وكيف تطمع مع الغفلة برفع الحجاب وقد سمعته أن زين العابدين عليه صلوات الله كان 
إذا قام فى صلاته يرفع السد بينه وبين محبوبه قيطاف بقليه فى عالم الملكوت الأعلى؟ وهو 
معنى قول أمير المؤمنين على عليه السلام: سلونى عن طريق السموات قإتى أخبركم بها. 


وح مجموعة رسائل الامامالقزالى لللسسصسصسصسصخ)_)|)--/-/!/!/_-_ 2 شح O0‏ = 


وأنت أيها البعلل الغاقفل عبد نفك وأسير شهوتك وتريد أن تلحق بالأبرار والمقربين» أو 
عن عم حجداك ريلك "بي كرامات العاطين ! (ستر: 
تويدين إذراك المحالى ر< 3 
وا و و ا ير التحل 
تريدين أن أرضى ونت بخ يلة 
تمن ذا الذى يرضى الآ ةة بالبخل 
فجاهد ولا تجاهد. واركب فرس حسن ظنك» واقطع الناية حتى تكون آيةء والبس 
او العف إن أحببت اللقاءء وارض بالعيش الطفيف إن أحيبت أن ترق ف الم المجد 
إل قله حم لكوع قال صلى الله عليه وآله وسلم: ظَفرَ الراهدون بعر الدثيًا وتَعيم 
الآخرة)» وسلم المجنون على ليلى قأبت رد السلام فقال لها: ولم؟ فقالت: أخبرت أنك 
فت اا و کی ا ف ا ال ع ع زيارتكم فأحبيت أن 
أراكم فى المنام فنمت» فقالت له ليلى: كأآن شخصى قد زال عن قلبك ومثالى» فقال: 
عزمت عن الال فاستفقت إلى التمثال» فأنشدت ليلى: 
إلأرُقذكنت ك ماكانا 
لات مو ال م 
باح وإنى مت ك _ تمنناا 
قالوا: يا رسول الله إن بشرا وهندا ماتا فى حبهماء فقال له : «عجزوا عن حمل 
اللحبة فماتا» ثم قالت عائشة: حتى لك يورثئك شوقًا وفقرا؟ فقالت: أو أبقى بعدك لا 
كنت إن بقيت» فقال: «ستبقين ولكن تشقين حتى تلقين»» ثم قال: «يا عائشة إذا مات 
الزوجان المتحابان فلينظر أحدهما رفيقه كانتظار الغائب». (شعر): 
رى تق م الاب حى رم 
وناخ دش وئً امتهم حين نأنس 
تقد ضاقت التنياعلينا يعاكم 
کمن غص بالا الق رات قياس 
لغب تمعن ظاهر الأمر بيننا 
ال SCE‏ 2 0 1 هت 0 O‏ 
اا ا ا ا ر ا 
تضيق القوافى منكم حيث أجلس 





ولما حضر الموت الصديق قالت زوجته: وافراقاه! فقال الصديق: بل أنا وآفرحاه بلمّاء 
a E E E‏ كنات ال A‏ مر اللقاة :قن :دار لقا 
فشمر عليك» وقدم بين يديك عساك تظفر بسهركء فمن أدلج بلغ المتزل» ومن جعل الليل 
له جملاً قطع عليه مفاوز الهلكات. (شعر): 

فيب دوائفاباك ونه ماجد 

ترى الموت فى الجا جنى النحل فى الفم 

وی اة جبة ا شح صا ر وقول آرى رتا عر محش وای 
بالمغالطة» وقد تركنى زمانى بحال مالى حال» إذا صحت الأعمال وطينت الأجسام وسهر 
العاشقون وقللوا الزاد والرقاد» فتحت أبواب بساتين الاشتيقاق» ونزعت شموس المعرفة. 
وأزهرت مزاهر القرب من وراء الحجب» وأشرقت هياكل القلب من أنوار جمال الرب» 
ورفع الحجاب وقطعت الأمانىء ونادى العاشق يمعشوقه: كوشف بالكائنات» وشاهد 
حقائق الموجودات» وحظى بأنواع المكاشفات» ونفر عليه نشار الكرامات» وبشر بأعلى 
المقامات. وقال أبو الحسن النورى: دخلنا على أبى يزيد البسطلامى فوجدنا لديه رطبًاء فقال 
كلوه فإنه هدية الخضر جاء بها من عند رسول الله عله وآنا ما طلبتها إلا من الله تعالىء 
ما طلبتها بواسطة الخضرء أكلها على يدى الخضر. ثم دخلنا عليه فى الجمعة الثانية فوجدنا 
بين يديه رطبًا فى طبق ذهب أحمرهء فقلنا: ما تطعمنا منه؟ فقال لا هى لى ولا لكم» 
فقلنا: كيف حديثها؟ فقال: كنت قاعدا بالليل أتلو القرآن فسمعت خذ الهدية منا لا واسطة 
بيننا. واعلم أيها الغافل المحجوب عن لذة المعرفة أن أحباب الله يتدللون عليه كما يتدلل 
المعشوق على عاشقهء كما قال رابعة: بحق ما كان بينى وبينك البارحة اجمع اليوم بينى 
وبين شيخنا يونس بن عبيد! فدخل يونس فقال: يا رابعة ضيعت دعوة فيما لا بد آن 
يكونء فقالت: يا شيخ دع عنك هذا فأين آثار دلال الأحباب وأنت تريد سببًا بلاش» فهذا 
طلب الأوباش. قال الجنيد لرجل يعطى أجرة الفعلة: أما تعطينى معهم يا شيخ؟ فقال 
الرجل: يا أحمق تمنى نفسك بالبطالة لو عملت لأخذت. وقد مر الشبلى بدار فسمع 
صاحبة الدار تقول لزوجها: لا نمن عليك إلا بقدر فعلك» تريد بلاش عناق وزقاق» فقال 
الزوج الكسل يعمل أكثر من هذاء وأنشد: 

اا وا ا 
لوعلمت لرة يت عنى خليلة 





المعالة العشرون 
فى المأكل والمشرب وآدابالمائدة 

اعلم أن الله تعالى خلى هذه الصورة الآدمية وجعل لها غذاء وهو سبب بقائهاء 
فالناس فيه ضروبٌ: فطائفة تقنع بالقليل من المأكل» وهى المتقنعة التى يصلح أن يكون منها 
متعبدون» والتى هى شبيه الملائكة بخصالها وخلالها ونومها ومأكلهاء فكلما قل الخذاء 
كنت مشبها لسكان السماء» وثمرته العافية والغناء عن الطيب» ومن قلة الأكل يحصل رقة 
القلب وقله المخرج» فمن كانت همته ما يدخل فى بطنه كانت قيمته ما يخرج منهاء 
والإقلال من الأمراق والفواكه أسلم. واعلم أن كثرة المأكل ككثرة الرفاق لا تربح من 
كثرتهم خيراء ألم تر إلى رسول الله ييه ما كان يجمع بين الإدامين؟ فهذا فيه زهد وطب. 
وفى البطون بطون نارية تأكل ما يلقى إليهاء والنار لها سبعة أبواب» وللبطون مثلهاء مثل 
باب الحرص» وباب الشره» وباب النميمة» وباب شدة الجوع» وقَلة المبالاة با لخطايا والمأكل 
الحرام أشد الذنوب وأعظمها. a ER,‏ > مثل السمع 
والبصر واللسان والبطن والفرج واليدان والقدمان. فهذه أبواب السعاية اك 
وأعظمها الظرنء واعظ الا فال القبيحة مظالم العبيدء وقال البى عله يِه : من اكل لقمتين 
ل e‏ وا حرام هو 
الوت والسرقة. وأخذ القصاص والحناية بغير إذن ربهاء وقطع الطريق» وقبول 
الرشوة» والإجارات على الطاعات» وابتياع الحرام» وأجرة الحجامات. وأخذ ما لا يستحق 
حتى نوبة الماء؛ وأنواع كثيرة ذكرناها فى كتب «الإحياء» من الحلال والحرام. وأما المكاسب 
الحلال فأصلها الخلال مثل البيض والبلوط والمن والحشيش والحطب. وأما الصيد ففيه كلام 
بين العلماء فتركه أجمل»› وعملك بيدك مع النصح أجل وأكسب. اجتمم أبو الحسين 
النورى وأبو يزيد وسفيان بن عيينة فأخذوا ببعض أجرتهم خبزًا وتصدقوا بالباقى» فلما 
قعدوا لأكل الزاد قال سفيان: هل تعلمون منكم النصح فى الحصاد؟ فقالوا: لا نعلم» 
فتركوا الخبز مكانه وراحوا. واعلم أن سر الحرام غامض نكشف بعضه فتنقول: إن الصانع 
واحد والخلق من فيضه. فا معتدى على بعض أجزاء الفيض يسرى بعدوانه إلى الكل كما 
قال تعالى فى القاتل: ظ فكأنما قتل النّاس جميعا ومن أحياها فَكَأُنَمَا أحيا الاس جميعا 4 
[المائدة: ۳۲]. والقياس إذا قال: شعرك طالق» سرى الطلاق فى جميع جسدهاء وهكذا إذا 
تصدقت فقد أرضيت به الصانع والمصنوع. واللقمة الطيبة وهى الحلال أفضل عند الله من 
صدقات كثيرة. فإذا أردت الأكل فكل ما دنا من الأرض بالأصابع الثلاثة بعد الجوع» وقم 


کے ۸٢ں‏ ست بمجموعة رسائل الإمام الفزالى حت 


قبل الشبعء واقعدوا كقعودك بين يدى شيخك للتعليم. واعلم أن الله سبحانه وتعالى قد 
نزع البركة من الحار والحرام» وفى المأكل الحار أربع مضار: يهدم الأسنان» ويصفر الألوان. 
ويزيل: الكبدء وربا يخاف عليه من أذى المصران. وغسل اليدين من الطعام وبعده. ولا 
يجوز أكل المنتن للزوجين إلا بإذن بعضهم بعضاء والسر فيه أنه يورث النفرة بين الزوجين. 
والريح الطيب مؤلف ومحيب. وترك غسل اليدين يقمل الثوب ويولد رائحة كريهة وربما 
على ما ورد أن الشيطان يسترضع اليد ويستحسن الصورة فيألفها. ولا كان المقصود من 
الحلال تصفية القلوب وتقليل الذنوبء صار طلبه فرضًا كطلب العلم فإن العلم إذا لم يدل 
على خير فهو ضررء وفی الحدیث من أل الال سنَةٌ كش ف لَه عن طَرَاز اعرش وصقت 
م . وهو كيمياء السعادة الأبدية» ينشرح به اقزر وتصفو به أنوار المعرفةء 

يثبت فى القلب عين الحكم» وبه تكشف غشاوة الغفلة» وترفع سدود الغرور» فيبين صفاء 
سماء التوحيدء وينكشف له اللوح المجيد» وتسمع بأذن صما خاطرك هدير تسبيح الملائكة 
المقريين. 

واعلم أن النفوس لا تكون مرهونة بعد الموت إلا بمظالم العبيدء والسر مطالبة 
حاضرة بين غريمين بين يدى حاكم عدل عليم باق. والمساواة واقعة بين العبدين إلا من أتى 
الله بقلب سليمء يخلصت اا وانقك قيد النفوس» فصارت الأرواح آين 


ع رمه 


تختار› ووا قال ع4 : «إن إن الأرويح لتزور بِوتّها وأهلهاء فإن رآنهم بخیر شکرت ولا 
قرت وهى تتَادى يا أهلى إياك وألدنيا قلا تنكم كما غررت بى» هنا و د الندم 
وأما الأرواح الطيبة الطاهرة من الدنس والآثام والمظالم فهى تطير أين شاءت واختارت على 
صور ذكرها الناس» إما جوهرء أو هيئة ملك» أو جسم لطيفء والكل مدرك حساس عليم 
بمقارقة الحسد. ور اا ا اعا ری ا فوق الجهولء وفى الحديث: 
إن رد دهم مَظلَمَة أفضل عند لله من أربعة آلاف حجة مقبولة فإذا كان حجتك واجتهادك 


خحومًا من الآثام فاقطع ايا 


الممالة الحادية والعشرون 
فی تهب النموس 
اعلم أن نفسك أشد عداوة لك كما فى الحديث: «نفسك التى بين جنبيك هى أعدى 
عدوك تدع وك إلى الوبال» وترشدك على الضلالء وتوقعك فى الدناءة» وتركبك نفس 
الهوى» وتوقعك وتطمعك» وتهلكك وتملكك. فاقطع خصالها وخلالها وشرهها 
وشركها وطمعها وولعها وشبعها؛. وفى الحديث: 5 الله تعالى 1 حَلَقَ النفْس قال لها: 


سک ببجيوعةربائل الإمامالفزالى سس سس بس سبح 01۹ = 


من أنا؟ ققالت: : وآتا من اتا فعذبها بانواع المدَاب, فَكُلّما قال لها من آنا فتقول ونا مر انا 
حتى عذبها بالجُوع والتواضع» » ققالت: أنْت الله الذى لا إله إلا أنت» فنفسك زنجية تطاليك 
بالشهوات» اذا ف فتك م ا ع رف هى الموقعة فى البلايا وهى أم 
الرزاياء هى الذئب الكلب. والأسد الحرب. والكلب النهمء والعدو القرم» داؤها كثير 
ودواؤها قليل» وام وسائل السلامة منها الخلاف لها (شعر): 
إذا طالبستك النفس يوا بشهْوة 
وكانعلي ته الله وء طريق 
فخَالف هواهاما اسعطفت فإِنّما 
هواها و والقلاف سسكا 
ولا يجد المريض خسن الشفقاء إلا بالصبر على مر الدواء» فعذيها بما تهذبهاء فقد 
أنشد البستى لنفسه (شعر): 
الع قل يه نابى 
والخلوةته kذيبى‏ 
ب الى 
و ا ف ل ت 
فإذا عزمت على تهذيبها فاضربها بسياط تعذيبهاء واقمع بالتواضع كبرهاء واطبخها 
بنار الامتحان؛ واجعل العلم لها سيد الأخدان» والعمل الصالح لها مولى الخلان. وتعلم 
الأخلاق اللطيفة. وتكب الأعمال الصالحة. والطف واظرف» وتكايس ولا تتيابس. 
واعلم أن الله لطيف» وليس من شأن اللطيف أن يعذب اللطيف والمهذب لنفسه والمعذبها 
بنيران المجاهدة. واعلم أن الخير عادة والشر لحاجة. فربها بالنوافل» وهذبها بين يدى 
شيخك بالسمع والطاعةء واعلم أن حرمة الشيخ أعظم من حرمة الوالدين» والشيخ هو 
الوالد على الحقيقة» والمرشد إلى الطريقة» والمخرج للمريد من ظللم الجهل إلى نور المعرفة» 
وإلى السعادة الأبدية» والنجاة الحاصلة»ء والالتحاق بالملائكة» لأن الشيخ هو الطبيب 
للذنوب» وأما الوالدان فهاجت نيران شهواتهما لقضاء الوطر» وجنيت أنت من ثمار الشهوة 
ما تقدمت نيتها بإيجادك عند الوطء وكان سببًا لإخراجك من ظلم العدم إلى ظلم الجهل 
ودار المكايدة والعناء» فقد أجادا نقلاً وقصرا وعقلاً. وأنشدنى المعرى لنفسه وأنا شاب فى 
صحبة يوسف بن على شيخ الإسلام : 
أنااصائم طول الحي ةة وإنما 
نطرى امام ويوم ذاك أع يصق - 


ااا 





قد فقازمن ص بح وليل أودنا 
و وو ا زاانهد 
“قالوا تلان جيدلمديقه 
كنبا أتوامافىالبريّه جَيُد 
EE‏ نال الإسارة بالخنا 
تيبم بصلا صد 
ك ميجاأوخالصا 
فإذارزفتاحجىفات اليد 
واف ماسم ?رامقالا صادق 
ا 0 بتي 00 
هذا الشعر فى بحر لزوم ما لا يلزم . 
ومن علامة علمك أنهم إذا مرجوا لا تلتفت» وإذا مزحوا لا تتزلزل» وإذا كابروك لا 
تحول. وكابد نفسك عن المزاعقة والمصايحة» فالكبر مطيب النفس» فإذا أردت الغاية الكبرى 
فى تهذيبها فاقصرها فى بيت أربعين صباحًا أو أربعة أشهرء وهو الأفضل» وانقطع كأنك 
ميت» ولا تبق لك حاجة» وحصل من الزاد ما وافقك وأعانك كما تحصل طريق مكة» ثم 
اركب مطية متابعة الشرع» ثم سر فى فلوات قمع النفس» وليكن البيت مظلمًا وزمان 
الشتاء أولى. ولا تأت بغير الفرائضي من الصلوات» ولا تنم إلا غلبة» وكل ثلثى أكلك بعد 
ا جوع . ومقداره عن ن اللقم الوسيطة ستة وثلاثون لقمة. وليكن ذكرك لا إله إلا الله الحى 
القيومء فا كل اللسان قنقل بقلبك ولا تخف من الواردات ت عليك فقد يجيئك صورة 
قبيحة» وخيالات قاطعة» وجن وشياطين وملائكة ومعلمونء فواحد يقول أعلمك 
الكيمياء» وآخبر يمنيك بالكنوزء وهذا يوعدكء وهذا يهددك. فلا تلتفت» فإنه سيظهر لك 
مع الصدق وترك التجربة عجائب وفنون» فعند ذلك تذوب كثائف الحجب عن القلب» 
وترفع ستور-الققلة بين قلبك وبين اللوح الحفوظ فتشاهد ما فيه» وتشقل إلى الخلائق 
معاينة» وينكشف لك فى اليقظة» ما كنت تشاهده فى المنام» فيستنير القلب» وينشرح 
الصدر بأنوار الحلال» وتنخرق الكائنات» وتنكشف المستورات» وتظهر الكرامات التى هر 
أحوات المعجزات» وبينهما فرق فى التحدى والإظهار والاستتارء بل إذا وصل العبد إلى 
درجة التمككين .صار الكل بحكمه» ما شاء فعل أو قال: 8 وأَمًا بنعمة بة رك فحداث » 
[الضحى: .]١١‏ وكل ما تجده فى الخلوة تعرفه شيخك» فالشيخ فى كومه كالنيئ: فى آنه 
ومن ليس له .شيخ فالشيطان شبخه» ومن مات بغير شيخ فقد مات ميتة الجاهلية» فيعلمه 


ويدله ويعرفه طريق الوصول إلى الله تعالى وصاحب الخلوة يهب عليه نسيم القرب من 
دواخل الحجب» ويتكشف له أسرار قلوب المخلوقين» ويزوره الأبدال» فتراء فرحا طيب 
الخلق حسن العشرة» دعب لّعب2 لأن الله يكون قد تجلى بقابه» فيسمع كلامه» ويبلغ منه 
مرامهء ويكاشف. شموس المشاهدة» ويعلم المخفيات» ويطلم على الكائتات. ومن علامات 
الواصل بالله: حييسن الخلق. وكثرة العلم؛ وحلاوة الكلام؛ والتواضع» وصاحب هذا 
الطريق مع علمه العزيز لا عبوسء ولا حقوده ولا متكبرء ولا ظالم» ولا متجبرء ولا 
أكول» ولا شروب» ولا نؤومء نفسه ملكوتية» قَوَى جبرائيل همته» وهخ إسرافیل سعادته 
فی صور همته» فحدا به حادی محيته» وسار به فى بيداء معرفتهء. حتى تجلى له بيت 
الجلال» قانتكشف منه خاصيته يمشى بها على الماء والهواء ويطوى له بها البعيد. فاقربوا من 
هذا الرجل تكتسبون من قربه وفيض خاصيته ما اكتسبه الهلال من قرب. الشمس . وربما 
ينتقل أحوال الأبدال إلى التلاميذ والمريدين كما انتقلت النبوة من موسى إلى يوشع بن نون. 

واعلم أن الأحوال والمقامات لا يصدقها إلا من عرفهاء كما لا يصدق عنلم الكيمياء 
إلا من عالجه وعرفه» فكل من يكلم عند الصانع الواصل العليم فقد هدى» فإن الأعمى لا 

يبصر القمرء والزمن لا يعدو خلف الطريدة. وآنت تغيب وليس فيك نصيب» ولا أنت 
ا حبيب» بطنك ملاءة وعينك محيطة ولسانك معقودء وعملك قليل وأملك 
طويل» وذنبك عزيز وربك بصير. فاسمع مناديك فى جانب وديك قال: لا تعب الحرائر 
حتى تكون مثلهم. واخش بمفلح نادى من وراء اللوح. فأحسن الظن فإنك قد طرحت 
فطر حت » وجرحت فجرحت. ولو أوصلت لوصلتء» ولو نحدمت خدمت» لكنك متشبت 
تجعل ط م ع وهى خالية من النقط فهلكت وما ملكت» وم فاتك فاتك والندم تجده عند 
وفاتك. واعلم أن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (شعر): 

إلى م تى آ7 على 
و ا 


المقالة الثانية والعشرون 
فی‌الأدكار 
اعم أن الآيات العدالرات على الذكر والأخبار ا فين ذلك قوله 


تعالى : 8 قاذ كروني أذ كركم 4 [البقرة: 7. وقوله تعالى : #اذكروا الله ذکرا كثيرا 4 


حب 0١‏ جسم م سس ست مجيوعة رسائل الإمامالفزالى سد 


[الأحزاب: i‏ وقوله :ل ولذکر الله أكبْر» [العتكبوت: 6. وقوله :3 واذكر ربك في 
نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين » 
[الأعراف: ٠٠‏ . بين المراتب والأر قات والذكر الخفى أجمل» إذ ليس فيه أذئى لسامعهء 
وهو خالص عن الرياء والنفاق» مثل صوم السر وصدقتهء والحث عليه كثير. وقد سئل 
رسول الله عه خى رجل يتصدق بمال حلال وآخمر يذكر الله من صلاة الصبح إلى طلوع 
الشمس فأى الرجلين أفضل؟ فقال: «ولذكر الله أكبر". وفى الحديث: «أنه من ذكر الله من 
طلوع الفجر إلى طلوع الشمس فله أجر من تصديق بمائة ناقة حمراء حملها من ذهب 
أحمرء وكأنه قد أعتق ثمانية رقاب من بنى عبد المطلب». ثم الذكر له ثلاث وظائف: فذكر 
الظاهر بلقلقة اللسانء فهذا يستحب فى التلاوات من هياكل العبادات» والذكر الخفى أعلى 
ضروب العبادات والصدقات» وذكر القلب» ومنه يحدث الغناء من العالم والاشتغال 
با لحبوب : «آنا ذاکر من ذکرنی» وجليس من شكرنى؛ وحبيب من أحبنى. من ذكرنى فى 
نفسه ذكرته فى نفسى؛ ومن ذكرنى فى ملأ من قومه ذكرته فى ملإ من ملائكتى» ثم يحصل 
من الفناء الأول فناء ثان وهو أن يغيب عن النفس لمشاهدة حضرة القدس» فيصير الذكر لك 
عادة وعبادة. كشف الموت عنك أعباء الأثقال عدت فى عادة ذكرك مع اللملائكة الذاكرين» 
إذ الخير عادة. ويطاف بك فى ساحة حظيرة القدس وتحظى بقرب من ذكرت» وهو قرب 
إكرام ومنزل احتشام. ومن هذا الذكر ما هو قرآن» ثم يعده تسبيح.ء ثم صلوات النبى 
له » ثم استغفار ودعاء. فهذه وظائفه. فواظب عليه فإنه يكشف لك من سر الربوبية ما 
يغنيك عن ملتمس كل حال» تشاهد الملائكة» ويخدمك مؤمن الجن» ويطيعك أعضازك 
ويزول وقر أذنك فتسمع تسبيح الجمادات ذإ وإن مُن شيء إلا يسح بحمده وأكن لأ تفقهون 
تسبيحهم 4 (الإسراء: 4؟. وقد يحصل: من ثمر الذكر أكثر ما مر بيك فى تهذيب النفوس» 
ويثمر عليك أيضًا ما أثمر على زين العابدين ذى الثفنات السجادء فإنه كان يجد بين الليل 
والنهار ألف سجدة فأثمر عليه» كان إذا قام فى صلاته يكشف له الكائنات فيطلع على 
حومة حظيرة الققدس . وبه بلغ أصحاب المقامات درجات المكاشفات والسير على الماء 
والهواء» وبه سمت اللملائكة إلى أعلى قلل الشرف» واستحقوا دوام البقاء للتنزه عن المأكل 
والمشرب مع مداومات الذكر وشراب الفكرء وهو التنزيه والتسبيح من الملائكة» وبه تجذب 
الملوك إلى المتزهدين» وبه تنال مراتب العاشقين» ويحدث منه خاصة جذب القلوب» وقد 
يقف الذاكر الصادق على باب الآداب» وينحل بالذكر طريق الأسباب» فتخلع نعل حب 
الدنيا عن قدم إقذامه. ويقطع عوسج وساوسهم ببلوع رامت ويقت على طور صقاء قلبه 

فى وادى تقديس لبه هناك فيسمع كلام ربه : 9 إني أنا الله رب العالين ) (القصص: . 


کے مجموعة رسائل الإمامالقزالی یی ٣٣ں‏ = 
ويكفيك ما مر بك من قصة أمية بن أبى الصلت الثقفى: كان يترشح إلى طلب التبوة فقال 
لأجيه: ها أنا أنا فاصطتع لى طعامًا! قال قبينا هو نائم إذ رأيت قد نزل طائران من النافذة 
فشق. أحدهما صدره ثم أخرج مته نكتة سوداء» فقال أحدهما: أوعى؟ قال : تعم وعى 
علوم الأولينء فقال: أو زكى؟ فقال: لاء ققال: رد قؤاده إليه قليست التبوة له إنما هى 
للالة آل لاطب ل انتبه أخيرته ا فبكى وتمتل : 
EE Em‏ 
عاأتانى نالب قينوقم 
أوت سواءةٌ فض تاشغقيا 
إِقَاالظى علي وهوواقاة 
الثار مح يطيهم ند و 








م أسكن الجنة انتى وء الأب 

و فك بهم ET E‏ 
هما فريقان قوق ةتدخلاف 

جنة و رة و 


وقرقةةٌ منهما قد ذختت الت 

ار وي اي راق ها 
و ی ت 

عمال للاي توي طراتة ها 
تو هلات هه اوي إدا 

عمت يكير عاقت عرائكها 
وص لهالاش قا عن طلب القت 

8 أ ET‏ راف ها 
سارغ ةة د الس قى انل ةتح 

هحاس ديبم 
يوشك مَنْ رمم 0 

ير اغلى ف راف ق ها 
إن لم شت صتمت هر ا 

اللوت كانس واللرء ذا ها 





حم :08 اص للست مجموعة روائل الإمام الفزالى سد 

وبها مات مصدوع الكبد: منعه شركه عن نيل مقصده إذ الشهوات قاطعة. 
واللذات مانعة. ومن رام الماء صبر على الكدرء ومن قطع الديل خلص عن حر الطريق. 
ومن جعبل نفسه ذات الشهوات كان مسقطه الكنيف والخلوات» ومن قطع العلو بهمة 
المجاهدات نال أعظم المراتب بالصبر على المصائب والنوائبي. وما صاحب اللمأكل الكثير 
يحظى بسوء التدبير..وهو مستور لا يفلح أبدا. 


المقالة الثالثه والعشرون 
فى جهاد النمس والتدبير 

قال النبى عله : «رجعتا من الجهاد الأصغر إل الجهاد الأكبر). قالوا: يا رسول الله 
وما الحهاد الأكبر؟ فقال : : اهى مجاهدة النفس» وقال عله ا ع مر 
جنبيك» . وقال عله : ابعفٌت لأنمُم مَكَارم الأخلاق». واعلم أن النفس أخلاقها ذميمة غير 
مستقيمة» فإن فيها مع صغر حجمها. كما قلناه. ما فى السموات والأرضين» وهى النار 
الوصدة فيها ذئاب الغيبةء وكلاب الشهوة» وسباع الغضب ؛ وثمور المخالفة» وثعالب 
الحيلة » وكمين الشياطين بعسكر الهوى» ومناجيق الامتحان» ووساوس القبيح» كل هذا 
سكن تحت قلة قلعة النفوس محيط بربضها وحصنها. واعلم أن القلب مدينة وساكنها 
اللك» وهى النفس اللطيفةء المدركة» العالمة » الطاهرة الربانيةء الخارجة عن صفة النفخة 
المشار بها إلى الروح» وهى محجوبة بالأبخرة الظاهرة المدولدة من دم القلب الذى هو 
الشكل الصنوبرى واللحم المجوف. وما هذا هو القلب المخاطب وإغا العقل» فهو المخاطب 
من قوله تعالى :ل واتقون يا اولي الألباب 6 [البقرة: 7 . وقوله تعالى :إن في ذلك 
لذکریٰ لن کان له قلب ‏ [ق: ۳۷]. وهو معنی قوله :ل أَذْنْ واعية 4 (الحاقة: 17]. 
والنفس المشار إليها هى أسيرة الشهوات» مقيدة بقيد الغفلات» مشوهة مستورة بالخيالاات» 
عاشقة للدنيا قد أطمعت ببخسهاء فأصبحت محبطة» سكرى» قلقة» حيرانة» مسشغولة 
بعخدمة الجسد الترابى تحمله للكنيف». مشغولة بتربيته وتغذيته» ألفته فعشقتهء فإذا فرق بينها 
تأسفء حتى إذا مر عليها بمثل ما خدمته بطول المدة نسبته وأنكرته كأنها ما عرفته» فإذا 
ردت إليه نفرت حتى تسمع إشارة القدس جديا أيتها القس المطمئنة YF‏ ارجعي إل 
ربك [السورة: ۷ ۲۸]. هذا خطاب موجد لموجود غير مفقود اول كور خطاب 
العدوم؛ ومن راد ذلك قوله عَيْله : انغرض على أعمال أمتي فى كل الْيْنِ وحَمِيسء 
ما كان من حستة أسر بهاء وما كان من سيعة أستغفر أهاء اشتد عضب اله على الزناة» . 
رقوله لر َيه : «أكشروا من الصلاة ة على فَإنَ صللاتكم على مَعْررضّة) فأيها المكذب ارت 


الغافل المتأول» أتراك تعجز الصانع القادر؟ تزعم يا مسكين أن لا عود للأجسام والأرواح 
إلى الصانع القديم القادرء أهو ذاك آم غيره سواه؟ أتتجحد عليه وتتحكم وتعجزه فى قدرته 
وآيته" ونبوته؟ أفمن رباك فى بطن أمك أفلا يربيك فى بطن قبرك؟ ثم تقول: تختلط العظام 
بعضا ببعض» فكيف السبيل إلى تخليصها؟ فانظر إلى الصانع كيف يخلص التراب وبرادات 
الذهب والفضة والحديد. وهو أجزاء تعجز أنت خلاصهاء فالصانع القادر ليس بمعجز ولا 
يدخل نحت طوق ما تريد» وإنما أنت عاجز تعجز وتغتر بمقالات أبى على بن سيناء أقد 
صار عندك أصدق من محمد يله ؟ فانظر إلى فعل هذا وهذاء ثم احكم بالفسق والعدالة» 
وارفع الحكومة إلى حاكم عقلك فى التصديى والتعديل واحسبها حكمين» فإن قلت هذا 
عقل وهذا نقل فانظر ما يذكرون لك من حوائج طلبك. ألا تسأله عن خواصها وبراهينها 
وتقول: لم يقبض هذا ويسهل هذا؟ فيكون جوابك عنده إنما أنت معارض أم مريض» 
فكيف تعارض طبيب آخرتك وقد كان الذين قبلك أكثر منك بصيرة وعقلاً» علموا أن 
الاعتراض والتعجيز كفر فأسلموا منه وآمنوا. فجاهد نفسك واتبع شرعك فلا تخالف 
نبيك» وأكرم كتابك فهو هدية الله إليك. وقبيح بمن أكرمه ملكه بهديته أن يستهين بها. 
وعن قليل تلتقى وتتواقف وتستحيى» وإن كانت الروح راجعة إلى مبادئها عند بارئهاء فإن 
صدق الشرع فهناك يتبين غليظ التوبيخ. والجماهير أكثر منك» إذ أنت منخرط فى سلك 
نظام الآحاد لا التواتر. تبعت طاعة نفسك فأردتك إلى البلاياء وإلا فانظر الليل والنهارء 
والصيف والشتاء والربيع والخريف؛ وتنقل الأحوال فيهماء وإحياء الأرض بعد موتهاء 
ونومك وانتباهك بغير اختياركء وآيات كثيرة أنت عنها غافل» ثم ارجع إلى مجاهدة نفسك 
تمح صفاتها الذميمة وتثبيت صفاتها الحميدة المستقيمة. فاقمع الغضب بالرضاء والكبر 
بالتواضع» والبخل بالبذل» والإمساك بالصدقةء والصمت بالذكرء والنوم باليقظة» والشبع 
بالجوع. والغفلة بالانتباه» والخلطة بالخلوة؛ والاشتراك بالعزلة» والمداهنة بالصدق» والشهوة 
بالقمع. والباطل بالحق» فإذا محوت صفات آفاتك بان لك عند ستر الغفلة كيف يحيى 
الموتى وهو على كل شىء قدير. لكنك شيطان مريدء وتزعم أنك لله مريد» فأين آثار 
حلاوة التوحيد؟ نام واحد من بنى إسرائيل فى موعظة داود عليه السلام» فأوحى الله تعالى 
أن يا داود من ادعى محبتى ثم ينام عند ذكرى فقد كذب. لا أمر إبراهيم عليه السلام بذبح 
إسماعيل عليه السلام فى منامه فقال: يا أبت هذا جزاء من نام عن خليله» وآدم لا نام 
خلقت حواء. قال الشاعر (شعر): 


5 و20 ِ 0 


واعلم أن لبك هو المنيتة التى أشرناء فيقدم شيطان نفسث إلى تعبتة جيوش الهوىء 
وعساكر حب القنياء وتقاب الوساوس» ونقاب التمنىء ومشاغل سوء الظطن» ومناجيق 
الخالفةء ويوق الكيرء وطيول إساءة السمعة» وآسياق خخيل الشرءء ورزحف رجل المكر 
ب[ وأجلب عليهم بخيلك ورجلك 4 [الإسراء: .]٠٤‏ فإذا أحاطت هذه ايوش يهذه المديتة»ء 
ولم يكن لها زاد ألا رجال من الأخلاق الحميدةء هلكت المدينة إن لم يدقع عتها البلاءء 
وسلب الملك .وخريت مدينتى وتام عنها حارس الذكرء وتهدمت أيراج الصدق.ء قعد 
شيطان الشمس على سنة أسرار القلي. وعتك أستار مزائن الأعمال. ودارت فى المدينة 
عموانية الشك. .وقطعت أشجار المعاملةء ونهيت أموال الأعمال. وأكلت ثمار الآمال» ووقع 
الشك فى الكتاب» :وتقرت النموس عن مصاحبات اللأصحاب» وعصى كل مولا وت 
كل منهم هواه وكيكبوا على عتاخرهم فى النار وقالوا يا ويا ما لنا لا نرئ رجالا كنا 


نعدهم من الآشرار اه انختتاهم سخريا آم زات عنهم الأبمار ) [ص: ٦۳‏ 658 وکل 
ا الناس فيه هن التشكيك والبلايا هى الشبه ارام » وإلا قصف زاحك وانظر لشرح نور 
الإيمان فى سرك وقؤادك يتكشف لك زادك ليوم بعثئك .ومعادك. هى النفس ما عودتها 
تتعودء واعلم 'أنك بنفس المجاعدة تهذب تفسك حتى تصير ملكا روحانيلا وعجتابعة الغفلة 
رالشهوات تصير شيظانًا رجيمًا.. قجاهد النفس الأمارة بالسوء : تمح ات فاا لن ر 
لوامة» ثم اتقل الللوامة إلى عقام اللطمئنة كما يتقبل السلطان قراشه إلى عقام الكاتب. ثم إلى 
مقام الوزيرء ثم يتصرف مع تصحه فى ملكه فينظر إلى حستناته فيكو عنده سيئات هذا 
مقام حسنات سنابقه تكما قيل: حسنات الأثبرار سيئات المقربين. .والظريق إلى الله بعدد أنفاس 
الخلائق. والمقاملت تعنلو مج الأنفاس- كان َيه يعلو .من مقام إلى عقام.ء وهى مقامات 
الكشف والمعارف بها نبه حيث 'قال: (إنه نليغان على قلبى» وإنى لأستغفر الله فى 'اليوم عائة 
مرة» والرين أشد من الغين . واسمع نظم أعير للؤمنين على عليه السلام فى النفس: 
صيسيت عن اللّذّات حستى تَولَت 
وألرمت'تنسى صبرهافاسْتَمرت 
وكات على الأثينام نقفسى عزيزة 
قلسمسابررأت ع يمى عللى: الذلَغْلَت 
وفلف كه فقي و کے عة 590 
ق قدكانت الالام ولت 
فلااش وة ديقب الا هى اق يللت 
ولااللخليبقيها إذاماتولّت 
وما الننفس زإلاحيث يج علهلا الفتى 
قاين أخلعصممت تاقت وإلا تسلت 


فهذبها وعذبهاء وقربها من بابهاء وانظر مقام, الأنبياء والأولياء فيهاء زاغتنم الثواب 
والثناء فما ذكر الصادقين كذكر الفاسقين ل ولتعلمن ناه بعد حين 4 [ص: 188. وقد 
سمعت مقالات اللعابات» وكم لى كراراء فلك لذا التوانى غائلة وللقبيح خميرة» يتبين 
بعد قليل والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا. ولكنك كالعود النخر لا يحمل ثمراً ولا يظل 
بشراء وكالمرأة القرعاء التى باهت صاحبات الشعور بشعرها الزور فإذا كشفت عن رأسها 
هتكت بين جلاسهاء وأنت قد رضيت بقعقعة ثيابك ونذل ثوابك. غدًا ترحل القوافل» 
وتبقى على الطريق يا غافل» وتقعد بغير زاد وتقول لشاويش القافلة ارجعون لعلى أعمل 
صالحًا فيما تركت» هيهات غلق الرهن فلا يقال. قالوا: يارسول الله ما السر فى نقطة 
دمعة الميت على خده؟ فقال: «أما الصغير لما يشاهد من -حال أبوية فى اللوح» وأما الكبير 
فيكاشف بأعماله وانتقال زوجته وأمواله» فبم تتنبه وهذا الحال أنت فيه وبهء كما قيل: 
عود نخر ما يحمل» وأقرع ما يمتشط وما يجئ من مربح مزيلة لسبيل. فأنا أرفعك 
وهمتك تضعك» لا شك أن الغلبة لك. فمن كانت همته ما يدخل فى بطنه كانت قيمته 
ما يخرج منها. إن فهمت فانتبه» وإلا فأنت بنفسك أخبرء ونصحت ولكن لا تحبون 
الناصحين. 


المقالة الرايعة والعشرون 
فى الحبة والشوق والشاهدة والكاشفة والواعظ 
والرواجرالنقلية والعقلية 
اعلم | أن المحبة جائزة وجارية أولاً بين الله وأوليائه وعد نوه 3 بها القرآن من قوله: 
«( والُدین آمنوا أشد حبا لله [البقرة: 60 .. وقوله: لإي حبهم ويحبونه ) المائدة: .1ot‏ 
فإن قلت وثارت نفسك الخبيئة : کا اکر حصت هد فنا الات © 
يظهر من حسن صناعته» فانظر إلى بساطه وما فيه من بدائع النقوش والخضر والأشجار 
والثمار والأتهارء وإلى الفلك وما فيه من الليل والنهار وشموس وأقمار وكواكب كبار 
وصغار» فهذه آيات صناعة الصانع دالات على استمرار وجوده» فسبحان صانع 
المصنوعات! فترئيب نفسك إن عقلت أعظم ما رأيت وسمعت. والذى يدلك وهو من 
أقرى الدلائل فى محبته لذة سامع كلامهء إذ هو معجز لا نظير له» فبه يستدل على محبة 
المتكلمء أما سمعت نظم الشعراء: 
وكااعب قالت لأثرالها 
ياقَومٌمامْجبهذاالضرير 
الا اال 





جک 08 د برجموعة رسائل الإمام الفزالى ‏ 


إن كسان طرفي لای وه 
فإنهاقدصورتفى الفميِرٌ 
وقال جرير: 
ياقوم أذنى لبعض الحىّ عاش قةٌ 
5 والأذن تق قعل العمين أ تاا 
إن العسيون التى فى طَرفهام رض 
تكلان لم و 
يرعن ذا اللا حتى لاحراك به 
و اد خلق #8 ارک اانا 
ونا الاتضاق كر وقن كر ناما کے کا ا ا ا 
قوله: «كذب من ادعى محبتى؛ وإذا جن الليل نام عنى» ومثل قوله: "لا يزال عبدى 
المؤمن يتقرب إلى بالنوافل حتى أحبه. فإذا أحببته صرت سمعه الذى يسمع به وبصره الذى 
ببصر به الحديث. واعلم أن الحب والعشى واحد» والأفضل فيه هو هيام العاشق 
بالمعشوق؛ وهو النظر لاستحسان بعض الصور بطريقة الولع به نار عن طريق بخار حاد من 
خاطر ذكى لوذعى سبك نيران المجاهدة فطهرت أبخرة نيرانها من وراء مؤخرات الدماغ, 
رظهرت ملوحات الفكر فى العشق من متقدمات اليافوخ» وفتحت مصاريع خلوة القلب 
نأقعد خيال المعشوق قبالة عين اليقين والنفس تصقل مرآة المجاهدة فى نظر جمال المحبوب» 
رالأصل فى المحبة هو المنادمة والألفة واستحسان كلام المعشوق» فعند ذلك تشور همة 
لطلب بقدح نيران الشوق» فتستغلب عليه حالة العشق فيصير فى الشوارع مجنونًا ما 
صارت نيران الاليخولياء فخلط الكلام» واحتراق البلاغم والأخلاط» وصفقت سماء القلب 
لتجلى قمر المعشوق» فيبقى العاشق والها والعًا تائها فى تجلى -جلال المعشوق» فإذا اتكشفت 
البلاغم فارت عرائس القلب تحمل صوانى نثار الأشعارء ورقصت عرائس الأآمال فى 
مجالس الأصوال» فزمر مزمار التمنى» وضرب مزهر التأنى كما قال سابق الرجال: 
تبت هاحلى إذامافثلت 
E E‏ تاو رت ولت 
و ا را 
رأيت المنايا ا فتسنيد أظلت 
تنيت أحاليب الرعايا و 





ث 





حب ببجبوعةسائل الإمامالقزالى سس سس سس ببسب ب بج 0١1‏ 
فلا تنسياأنيع ف وال عنكما ۰ 
وا اوا عر ا ا 
فياليتى أحجارحائط جد 
او إذف يه تصلّى وولت 
ثم هيج”الغبار فترى بخار التمنى» ويقوى بخار العناء» فترى التقسيم الواقع فى 
القلزت» فهناك ا تر رلا قران ور تناد التسول والصفار» وسرن اعراض 
السهر» وتقدح نيران العشى لهزال سمان الأبدان» وينشد المغنى من غير توان: 


3 


ر د و 
لأنه أص ف سر متحطوف 
لي کا ا هة 
كاهللذبحسعلوف 
فى الحديث «ينادى سناد فى كل لَيلَة: ألا لَعنَ الله الأكول النؤوم» ابن آدم لهذا 
خلقت؟ تقنع ليخف حسابك؛» ويصح جسدكء ويقل أمراضكء وينصلح أغراضك ويقل 
منامك» ويكثر ذكرك؛ فيهديك محبوبك إليه؛ فيجذبك إلى طاعته ويعصمك عن معصيته. 


فأكثر من النوافل تفلح والسلام. 


ذكرالشوقوالمكاشفة 
اعلم أن الشوق هو الداعى إلى حالة المكاشفة؛ والشوق هو التمنى للقاء المعشوق» 
ولقاء المعشوق لا يحصل إلا بالمكاشفة» والمكاشفة إما أن تكون عيانًا أو قلبية وهو تجلى 
المعشوق بحالة يحملها قلب العاشق» لكن العيان هو أفضمل» بل بشرط 3 بين القلب 
والعين كحالة رسول الله يله ه فإنه كاشفه ليلة إسرائه بالتجلى القلبى والنظرى لصحة 
الروايتين عن عائشة وعلى وابن عباس . واعلم أن حقيقة المكاشفة هى عين النظر إلى 
الحبوب» .ولكن يتفاوت على قدر حرجات الحين . وليس نظر الخلق كله ورادا فادنى 
درجات النظر القلبى» أما النظر البصرى فهو عند قوم عرض غير دائم؛ وأعظم المنزلين هو 
الجمع بين النظر والقلب» فإذاء رفعت ستور الغفلة والهواء تجلى المحجبوب فتلاشى المحب 
حتى يخرج من الستور والبشرية والحجاب الجسمانى فيرى الحجاب ويسمع الخطاب :9 وما 
کان لبشر أن یکلم الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ‏ [الشورى: .١‏ فعند ذلك يتد له 
خطاب من الهواء فى جميع ما يحدث فى الكائنات فيصير عیسوی الحال ل راتیئکم بما 
تأكلون وما تدخرون في بيوتكم 4 (آل عمران: .]٤6۹‏ فيصير الملائكة ومؤمنو ان کک 


سے .{ں دد مبموعة رسائل الإمامالفزالى س 


وطاعتهء وينخرق بينه وبين الله روزنة يعلم بها خلاصة صفاء أسرار الكائنات» ولكن بشرط 
خير العلم. والعمل بصدق من غير تجربة. فإذا هيت نسمات اللطف برفع حجاب الغفلة 
.«نقلبت له الكائنات على ما يريد. إذ الإرادتان امتزجتا واحدة كما سبق فى أحوال الصوفية 
من قولهم: 5 

قؤةأبص رتنا بصرته 

وذ لمجم ةليبتت نينا 

فيصير الناسوت معنى لطيمًا يحدث له من الغيب قوة يقبل بها جميع الواردات عليه 
فمنه ثمار الكرامات والتحدث بالأمور الغيبيات» يعرفه الباحث من جنسه وسائر الطير له 
منكر» فتتجوهر النفس بزوال الأعراض الفاسدة عنها. فتصير قدسية لا يخفى الأمور 
الغيبية. فإن قلت: هذا نوع مشار ركة عزت على الأنبياء فكيف ينالها الأولياء؟ فاعلم أن 
صل الغيب هو من الله القديم» فمنته عليهم إطلاعهم على شىء من علوم الغيب» أما 
سمعته يقول :ل عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا 21> إلا من ارتضى من سول 4 
[الجن: 0377/ا1]. وقوله من رسول ې وهو ستر على الحال لئلا يحسب أجلاف العامة أنها 
مشاركة غيبية» وهذا غير بعيد إذ خزائن ن الملوك يطلع عليها المملوك» والأمور المستورة من 
المعشوق فقد يشاهدها العاشق الصادق قياسًا بالصورة الحسناء بشاهدها مالكها وهى مستورة 
عن الغير وتلك الأمتال تضربها للثاس وما يعقلها إل الْعَانُونَ ‏ (العتكبوت: 47]. وقد 
سمعت الجنيد يقول: كل أحد حلاج لكن ليس كل أحد خراج» وقال أبو يزيد البسطامى : 
من وصل درجة التمكين فهو طبيب يقعد على سرير أسرار الخلق؛ فيطلع بإذن مالكه على 
حواطر أسرار الملوك مثل اطلاع ملوك المحبوب عليك فى حالاتك. أليس فاطمة السلماسية 
كانت تخرج وقد أذن مؤذن الظهر من سلماس فتصلى الظهر -جماعة فى بسطام؟ فإن قلت : 
هذا غير مكن» فإنها حالة لم تنخرق للأنبياء ذ فكيف لغيرهم؟ الجواب أنك تحكم على الله أو 
على نفسك». اد كات على شك فاك اه وإن كان على الله فأنت أصغر. فمن عجز 
عن عدد عروقه وعظامه ولا يحصر عدد أدوار عمامته على هامته» فكيف يدخل بين الله 
وبين غلامه؟ ثم ما علمت ما أعطى الله للأنبياء» فإن علمت بعض علومهم من طريق النقل 
فاللعجز يكذب العقل ويحكم عليه فبواطن أسرارك لا يطلم عليها ولدك ولا جارك 
فكيف مليكك وجبارك» وقد قال لك فإ فلا يظهر على غييه أحدا :(013 إلا من ارتضئ من 
رسول ‏ االجن: ا ر وال ال کب س ارو ل ال 
والسؤال تعرف ما بين الله والرسول. وقد قلنا سابقًا: جاهد ولا تجاهد. فالمجاهدة تزيلٌ 
غبار الشكوك مع المشاهدة» وأنت معصب العين بعصابة حطام الدنياء وهمتك ضعيفة 


ختسيسة » فأين خنافسة الكنيف من المقام الشريف! وحسن الظن وهو الإكسير العظيم الذى 
به يقلب كل جهل علماء فمن تمسك به فقد استراح. فهذا نوع المحجة والشوق والمكاشفة 
على وجه الاختصار. 


وأما الزواجر والوعظيات فمثل الآيات الرادعة المذكرة للوعد والوعيد» والأخبار 
المذكورة للفزعة.ء والحكايات الحاذبة والأشعار المخوفة والمشوقة» فخوفوا المبتدئ وشوقوا 
المنتهى» لأن المبتدئ هو قريب من خروج دار الجهل فيضرب عليه سور من التخويف خوقًا 
من الزيغ والميل» وأما المنتتهى فقد غفر الذنب ورق القلب وأصابه عناء المجاهدة؛ فلا بد 
للجمل من حاد لقطع الوادى. فالمجاهدة قلاشية». والنغمات تنشيةء قياسًا بأرض ميتة تحيا 
بوابل ا مطر فتهت وتربو وتنبث وتثبت وتنثر على المريد نثار الهمم. انظر كيف قال أبو حيان 
التوحيدى: إن كنت تنكر أن للنغمات فائدة ونفعًاء فانظر إلى الإبل اللواتى هن أغلظ منك 
طبعًاء تصفى إلى قول الحداة فتنقطع الفلوات قطعًا. فعليك بالخلوات الأربعينية التى يسميها 
مشايخ الحجم جله» فهى عند العجم الجلاء» واعتد بهاء وليكن زادك وزنًا تنقص كل يوم 
منه لقمة» او رد ااك برد ی فهو فص ای در ان is‏ ل 
وطفف فى مأكلك تلتحق بعالم الملاتكة فى الحديث وارك شاک الدنينا اطولکہ 
جوعا يوم القيّامة». وإذا فعلت ذلك تستغنى النفس بالقدس وتصير لك بها أنس» فلا تتخذ 
على محبة الدنيا والفلس» فينتقل إليك حالة الصفة المحمدية عه من قوله: الست 
كأحدكم؛ أنا أظل وأبيت عند ربى فيطمعنى ويسقينى» فهو حالات الصادقين ومنازل 
المتقين». فلا تكن من المكذيين الضالين» فإن عجزت عن مقام المقربين» فكن من أصحاب 
اليمين» والحمد لله رب العالين. 


المقالة الخامسة والعشرون 
فى العلم والعمل 
اعلم أن الخواص من خلق الله تعالى ثلاثة: عالم وعارف وناسك» فأما العالم فهو 
الذى علم واطلع على العلوم الظاهرة فعمل بها فورثه الله بعمله العلوم الباطنة: مثل علم 
المحبة» وعلم الشوق والرضى» وعلم القدرء وعلم المكاشفة والمراقبة» وعلم القبض 
والبسط. فهذه علوم الصوفية الصادقة الوافية» مثل الحسن» وسفيان» والفضيل بن عياض» 
وأبى يزيد البسطامى». وأبى الحسين النورئ» وحبيب العجمى» ومعروف الكرخى» وشقيق 


د 017 سس سس س٠‏ مجموعة رسائل الأمامالفزالى کس 


الل ومسي ين عفت اوكن بن احكيد والحمة الخوارزمن واحيمة الدازاى #وهارنة 
المحسابى وسرى السقطى» وأبى الحسين بن المنصور الحلاجء والحتيدء والشيلى» وأبى نعيم 
القاضئ. فهذه الطائفة الإلهية نبغ ذكرهم ليسوا كالطائفة المشغولة بالعلوم والشهوات» 
وصرفوا همومهم إلى الزيدية والقرصين فأتتهم المعاملات: بيضوا الثياب وسودوا الكتاب» 
صقلوا الخرق ولا نقلوا عن الخرق» وجعلوا المرقعات شرئًا على الشهوات. فهؤلاء هم 
الزنابيل وأولئك هم القناديلء وأولئك تمسكوا بالواحد الشاهد. وهؤلاء انصبوا إلى محبة 
الشاهد. أولئك هجروا المناصب وهؤلاء دبوا إلى المناصبء أكثر كلامهم اذهبوا لمذهب 
حتى يذهب والخلاف عندهم كورق الخلاف. الأأصول عندهم فضول» والنحو عندهم 

محو. أكثر علومهم الرقص والشبابة» لا يفرقون بين القرابة والصحابة. فما أكثر عيوبهم» 
لقد نسوا محبوبهم . تشاغلوا بمأكل الدويرات» ونسوا مدارج الطاعات. نصبوا السجادات 
لأجل الخلق» ونسوا الله والحق. فهؤلاء الذين جاء فيهم الحديث: «إن اله ينع مرقعاتهم 
ويعلقها على أبواب الجنة ويكتب عليها مرقعات زور». تركوها مناصب للاكتساب» 
ووهبوها لكلب أهل الكهف واقتسموا جلده عليهم عوضًا من مرقعاتهم. فهؤلاء صوفية 
الدنيا وأولئك صوفية الآخرى» جمعوا بين العلم والعمل» وسهروا حتى ظفروا فنالواء 
صدقوا فحققواء علموا ثم عملواء فجمعوا بين المقال والحال» فهم أهل العلم والمغفرة» 
والنسك والزهادة. فأحدث لهم جميع هذه الحالات خاصية قوة الهيئة. فطاردوا بأجنحة 
الاشتياق إلى رياض القدس وحظيرة الصمدية» فاقتطفوا علوم الغيب. فقالوا هؤلاء فقراء 
الآخرة وصوفيتها الذين علموا أن النعمة هى من المنعم فتركوا الأسباب جوانب. وأما علماء 
الآخرة فمثل المحسن البصرى» وسيفان بن عيينة» والثورى صاحب المذهب والطائى 
الطاهرى» وأبو سعيد الخدرى» وأبو حنيفة النعمان بن ثابت الكوفى» ومالك بن أنس 
المدنى» ومحمد بن إدريس الشافعى المطلسى» وأحمد بن حنبل الشيبانى» والمزنىء وابن 
شريح» والحدادء والقفال» وأبو الطيب» وآبو حامد. وأستاذنا إمام الجرمين أبو المعالى 
الجوينى» والشيخ الإمام أبو إسحاق إبراهيم الفيروزابادى المعروف بالشيرازى» فقد جرى له 
مع شيخنا نوبة عند السلطان وكنت أحضرهاء فما رأيتهم طلبوا بالمناظرة غير إظهار الحق. 
لا غلبة ولا صقل كلامء ولا نقص فى الخبر النبوىء ولا تأويل باطل فى متن آية» ولا 
مزاعقة ولا مخاصمة. بل هو على طريق الفائدة والمباحثة . فأولئك من علماء الآخرة الذين 
شبهوا صحب رسول الله عَيْلهُ بترديد الفتاوى من واحد إلى واحدء وقالوا أميركم أحق 
بالتقليد ونحن علماء السوء نشتغل بسواد الليقة وبرى القلم والتصدى والتحدى وذرب 
اللسان وسواد الطيلسان وقعقعة الثياب وطول الإردان وسعة الأكمام والصيحة والدهشة 


وذكور إناث العجم ا ك مثل خبيرٍ © افاطر: ا . فانظر الفرق بين الطوائف 
والفرق: أليس فى الحديث «من ترك المراء وهو محق بنى لَه بَيْتْ فى أَعلَى انه . فنحن لا 
بیوت ولا تخوت ولا حور ولا سخوتء. رأى الشافعى منامًا وكان قد تكلم فى المسألة مع 
أبى يوسفء فرأى كأنه قد أدخل الحنةء فرأى حورا وهى تشرق العرصة من نورهاء قال: 
لن أتت؟ فقالت: لمن ترك المراء وهو محتق» ثم ولت وهى تقول 
خلطوا الحق بالك باسائح زورا 
ثم االو إلى المرا أءتس ورا 
مراحم ومن الإلهبدورا 
قدنج رتم من التقال فق بويا 
أيام الكمتنالوندورا 
سوف تحجزون فى العساد ف حورا 
وطلب تم من الإلهأج ورا 
سوف تلقون فى المحيم أجورا 
ثم قالت: يا شافعى ما ثنال بالقال والقيل هذه الثياب والخلاخيل» إن كنت صادمًا 
وتريد أن تكون للجنة مالكًا فعليك بالعلم والعمل مثل مالك فمن أراد الممالك يصير على 
المهالك . ثم انتبهت فعلمت أن مراء هؤلاء لا يقود إلا إلى الهوى» والآخرة عند ربك 
للمتقين. وفى الحديث إن العلم يهتف بالعمل» فإن أجاب وإلا ارتحل» فهؤلاء علماء الدنيا 
وعلماء الآخرة» وفقراء الدنيا وفقراء الآخرة» وأنت مش غول بالكرم عن الكرامات» 
وبالقصور عن القصور العاليات» أنت مثل الذيب وهمك فى 'لتشكيك والتكذيب. 
ی و ا ا ار 
ا ا ا اا ا 
ارم كر راا ا ول عن لأسو ل ع القخريفةة وتا 
الواحدى» وأمتان الصحاح» وقراءة القرآنء ومحافظات الأوراد المذكورة فى كتب الإحياء. 
وإن أردت حسن العقيدة على وجه الاختصار فعليك بلوقح الآدلة وهو لشيخنا إمام 
الحرمين» وإلا قواعد العقائد. وإن أردت سلوك طريق السلف الصالح فعليك بكتاب نجاة 
الأبرار»ء وهو آخر ما صنفناه فى أصول الدين. وقد ذكرنا لث التصانيف فى معرض هذا 
الكتاب». فاقرأ ما شئت واعمل ما شئت فإن اللقاء قريب . وعلم أن فصول السنة معروفة: 
مثل صيفها وخريفهاء وشتائها وربيعهاء فمن الحمل إلى الجوزاء ربيع » ومن السرطان إلى 
آخر السنبلة صيف» ومن الميزان إلى آخر القوس خريف» ومن الجدى إلى الحوت شتاء 


س ))۵ ww‏ سح مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 
ل وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب 4 (بونس: 0. قال أمير المؤمنين على عليه 
السلام: هذا الهواء إذا أقبل فتلقوه» وإذا أدبر فتوقوهء فإنه يفعل بأبشاركم كما يفعل 
بأشجلركم؛ أوله وآخره محرق. ففى العلوم ما يضر مثل العمل بالسحر والكهانة» وصبغ 
الصفر فضة يضر فى الآخرة إذا قلبها فضة بالصناعة وباعهاء وفى المكاسب مكاسب خسيسة 
تأباها النفوس؛: كالغسالء. والحفارء والكناس» والحجام. والصنائع من جملة العلوم 
المفهومة التى تعينك على طلب العلم الأخروى. فكن عاا عاملاً تنال المقصد الأسنى فى 
دار اللّه الحسنى» هنالك تستقر نفسك من غير ضجر في جنات ونهر ٣ي‏ في مقعد 
صدق عند مليك مقتدر ) (القمر: 4 0 0]. 


فصل فى أعاجيب الفنون والأسفار 
| قال صلى الله عليه وآله وسلم :إن باَثرب ههنا لأرْضًا بَيْضَاءَ من وراء قاف لا 
تقْطَّعها الشمس في أَربَعِينَ سنَةك. قالوا: يا رسول الله أو فيها خلق؟ قال: انعم فيّها 


د لا يصون اله هّن لا يعرف ن آم ولا ديس بَينّهمَا الملائكة يَعلَمَوتَهِم 


ررب ى روق 2 


سے اتو 
شريعتنا ويحكمون بينهم ويدرسوتَهم الكتاب العزيزا قالوا يارسول الله زدنا تربع 


2 عام ا قو سام امه جه > 


الأعاجيب! كال : إن لى صَدِيقَة من مُؤمنى الجن غَابت عنّى سنين فَسَألقُها أبن كنت» 
م صم اب 4م 

فقالت: كنت عند أحْتى من وراء الأرض الَبيِضَاء التي وراء قاف بهرت فَقلت: أو هم 
مؤمنون؟ قَقَالت: : نعم قرات علَيهم کتابك امن به قومتا. . فقلت: وما وراء تلك الأرْض؟ 
الت جبال تلح وماء وهواء وَظلماء. ثم وراء ذلك جهنم » ققلت: أو تصعد الشمس فى 
تلك البلاد؟ فَمَالَت: نعم . 

اما ديت غيم بن خيب الذارق جب حيث اختطفته الجن» فشاهد من 
000 القصر الذى فيه الدجال مقيداء فقال له: من أى الأمم أنت نت؟ فقال: من 
أمة محمد عله فقال: أوقد بعث؟ فقال تعم» فقال: آن أوان خروجى. 

وأما حديث جن العقبة فأعجب» قال عبد الله بن مسعود: امشيت مع رسول الله 
َه وعلى بن أبى طالب عليه السلام فى ليلة مظلمة حتى وقف بنا على ثقب» فظهر منه 
رجل فقال: انزل بنا يا رسول الله! فناولنى فاضل ثيابه» ثم أخذ بيده على عليه السلام 

. صح ذلك من غير تزاع» وقد أوله أرباب e‏ يريدون» فمن أراد 
i‏ «مغايب المذاهب» وهو من جملة تصانيفنا. 


وأما قصة زعيم بن بلعام فهى عجيبة؛ قد أراد أن ينظر من أين منبع النيل: فلم يزل 
يسير حتى وجد الخضر فقال له: ستدخل مواضعء ثم أعطاه علائمهاء فوصل إلى جبل 
وفيه قبة من ياقوت على أربعة أعمدة» والنيل يخرج من محتها وفيه فاكهة لا تتغيرء قال: 
فرقيت رأس الجبل فرأيت وراءه بساتين وقصورًا ودورًا وعاًا غزيراء وكنت شيحًا أبيض 
الشعر» فهب علي نسيم سود شعرى وأعاد شبابى» فنوديت من تلك القصور: إلينا يا زعيم 
إليناء فهذه دار المتقين! فجذبنى الخضر ومنعنى» فهذا سر قوله يَقِلّهُ سبعة أنهار من الجنة: 
جيحون وسيحون ودجلة وفرات وثيل وعين بالبردن وبالمقدس عين سلوان». لأن منها ماء 
زمرم. وأعجب من هذا الحديث حديث بلوقيا وعفان» فحديثهما طويل» وإشارة منه 
كافية» فقد بلغ من سفرهما حتى وصلا إلى المكان الذى فيه سليمان» قتقدم بلوقيا ليأخذ 
الخاتم من أصبعهء فنفخ فيه التنين الموكل معه» فأحرقه فضربه عفان بقارورة فأحياه» ثم مد 
يده ثانية وثالئة فأحياءه بعد ثلاث فمد يده رابعة فاحترق وهلك فخرج عفان وهو يقول: 
أهلك الشيطان أهلك الشيطانء» فناداه التنين: ادن أنت وجرب» فهذا الخاتم لا يقع فى يد 
أحد إلا فى يد محمد عله إذا بعث» فقل له إن أهل الملا الأعلى قد اختلفوا فى فضلك 
وفضل الأنبياء قبلك. فاختارك الله على الأنبياء» ثم أمرنى فنزعت خاتم سليمان فجئتك 
م فاد رل ا ماعطا غلا فر دق اسه تكح الط واكان راان 
يشاهدون ويشهدون» ثم دخل الدمرياط الجنى» وحديثه طويل» فلما كانوا فى صلاة الظهر 
تصور جبرائيل عليه السلام بصورة سائل طائف بين الصفوف» فبينا هم فى الركوع إذ وقف 
السائل من وراء على عليه السلام طالبّاء فآشار على بيده فطار الخاتم إلى السائل» فضجت 
الملائكة تعجباء فجاء جبرائيل مهنيا وهو يقول أنتم أهل بيت أنعم الله عليكم ل( ليذهب 
عنكم الرجس الراك ررم را اع 80. فأخبر النبى بذلك عليًا فقال 
على عليه اللام: ما نصنع بنعيم زائل» وملك حائل» ودئيا فى حلالها حساب» وفى 
حرامها عقاب؟ فإن اعترض المفتى وقال: كيف قاتل معاوية على الدنياء فالجواب أنه قاتل 
على حق هو له يصل به إلى حق» وأما التحكم فباطل غير صحيحء لأن التحكيم إنما يكون 
على موجود ومحدود ومعروف ومعلوم غير مجهول» هذا فقه وشرع» ثم قولوا ما 
تريدون» فمن أراد أن ينظر فى كشف ما جرى فيطلع فى كتاب صنفته وسميته «كتاب نسيم 
التسنيم"» وفى قصص فى القرنين كفاية» وكتاب رياض النديم لابن أبى الدنياء وانظر فى 
كتاب الأقاليم» وانظر فى كتاب المسالك والممالك» وكتب الماوردى الموصلى . 

ثم إذا أردت أن تعرف سعة الأفلاك بعضها على بعضء فاعلم أن سعة الأرض قطع 
الكوكب فى ليلة واحدة» وأما الفلك الهوائى فقد يقطعه القمر فى شهر» فانظر الفرق فى 


ليلة وشهر. ثم الفلك النارى يقطعة الشمس فى سنة» ثم فلك زحل وهو الأعلى يقطع 
فلكه فى ست وثلاثين سنة» ثم فوقه الكرسى والعرش الذى هو سقف الجحنان الثمانية التى 
واحدة منهن بعرض السموات والأرضين. وخذ دليلك من.هذا المساق المذكورء فما لهمتك 
ناقصة لا ترفعها إلى درج المعالى» ولا تكسوها سهم السعادة. بل أنت مشغول يعلف 
النفس وخدمتهاء. فأنت كالذى عشى حمارة فاشتغل بها ففاته سير القافلة» فظهر له قاطع 
الطريق. وهذه دار أحلام» والأنبياء مفسرو المنام فعند الانتباه يتبين لك صحة التأويل. 
أما سمعت الإشارة: «والناس نيام فإذا ماتوا انتبهوا»؟ ومثلك فى دتياك كمثل طفلين فى 
بطن واحد قال أحدهما لصاحبه: أما أخرج» عسى أن أرى غير هذا المكان والعالم! فلما 
خرج رأى سعة الدنياء هل يطيب له أن يعود إلى ضيق بطن أمه؟ وهكذا إذا خرجت إلى 
سعة آخرتك لا يطيب لك العود إلى دنيا حملتك كضيق حمل أمك. ومثلك فى باب 
مولاك كرجل أراد الدخول إلى ملك وهو جائع» فوجد على باب الملك كلبًا ورغيقاء 
فالكلب يصده عن الدخول؛ فإن كان ذا همة عالية آثر حضرة الملك على الرغيف» فيدخل 
إلى الملك فيحظى بالمآكل اللينة وينسى جوعه. لأنه شغل الكلب برغيفه فتشاغل الكلب 
بالرغيف. ودخل الرجل إلى املك وإن كانت همته فى بطنه أكل رغيفه فصده الكلب عن 
دخول الملك» ثم يتعفن الرغيف فى بطنه» فبعد ساعة رماه. فدنياك هو الرغيف» والكلب 
هو الشيطان يصادك عن دخول الملك» فارم الرغيف إلى انكلب تستريح» واكتسب من 
جواهر الأعمال تشرف بها عند عرض البضائع» ونيل المدخر الباقى فى دار زفاف الحور 
وفتح أبواب القصورهء فأنت مثالك كجماعة سافرت إلى وادى الظلمات فقال لهم الخبير 
بالمكان: احملوا من حصاها تظفروا! فصاحب حسن الظن حمل فأوقرء والمتشكك بطل 
م ا قحا لحتس إلى واا باک فزن عن در 
ويواقيت» فندم البطال وفاز الحمال. فهذه صورة أعمالك فى دنياك فإما أن تنادم فتصير 
غلامّاء وإما أن تعمل فتحظى من الله تحية وسلامًا. فدع كبرك» وقلل شبعك ونظف 
بطنك؛ ومن النوم عينك., عساك أن تقطع شينك وتوفى دينك» فأنت الذى تنتنك 
العرقة.» وتوهنك البقة» وتقتلك الشرقة»ء وملابسك من قزة» وحلاوتك من نحلة» وخبزك 
من طينة» وأنت غدا مستور باللبنة تؤاخذ بنعيمك» أما سمعت النبى حاسبه الله على شبعه 
مرة واحدة من خبز شعير وتر وقال له: ل ثم لتسألن يومئذ عن النعيم 4 . 


فصل فى علو الهمم وذيلها للقاصدها 
اعلم أن الهمة هى إجماع قلب المهتم وجمعه لنيل مقصده بالتوجيه إليه دون غيره» 
من غير قلب قاصده لسواه. وصاحب الهمة لا يكون همه فى مقصده لنيل أغراض متفرقة » 


كمن أراد أعمالاً لا يقع فى يده غير عمل واحد. الهمم فروع من فروع النفس على قدر 
وضع النفس وارتفاعها. إن همة كل أحد على قدر نفسه فى ععلوها وطهارتهاء ألا ترى إلى 
أصحاب الصنائع الخنسيسة كاكناس والزبال والإسكاف والدباغ والغسال» فهؤلاء هممهم 
على قدر خسائس أنقسهم النازلةء لسابق ما قدر لهم عند اعتصار خمير السعادة من عجين 
الطالع فى خحمير الولادة» وهذا حال يتعلل به العاجزء إذ الملك معشوقك فلا تألف 
الخسائس؛ فليس هذا أنساب معروفة بأب وأم. وإنما هى بعلو الهمة كما كانت من أول 
الفيض الصادر عن النفس الكلية همم العلماء والملوك» ثم كلما تباعد الفيض عن النفس 
الكلية رذلت الهمم كما رذل الحيوان بعد فيض الإنسانء ألا ترى إلى همة الفيل والحمار فى 
المأكل والمشرب؟ فهذا همه بريح» وهذا تبن وشعير» وانظر إلى همة ذى القرنين وهو ابن 
هيلانة وأبوه نساج كيف تعرض بعلو الهمة إلى الملك ولم ينزل إلى الصنائعء» فمثله فى 
العالم كثير. ومن جملة علو همته إظهار اليغزن الذى أشاع بذكره المسافرونء واتخذ 
المتقدمون ألحان الموسيقى التى زعموا أنها معتصرة من دورات ألحان الأفلاك حين تدورء 
ويسمع له نغمات بطرائق وأوزان غير خارجة نقلوها عن موسى وإدريس. وطائفة أخرى 
زعمت أن العود متخذ من شكل طائر معلق فى جبل» فى أنقه أنقاب مخارج العود. وهذا 
من جملة فروع الهمم»ء فنيل المقاصد من غير همة غم عمن تعلق بهاء فاكتساب الهمم 
ونيل مقاصدها للعلماء بالدرس والمواظبة والجوع والصبر ونيل مقصد المملكةء هو بالاشتغال 
فيما يجذبها من التهاب وما يشاكلها. فإن قلت هذه سعادات أزلية» فمن قدر له فى السابق 
شىء أخذه وبلغه ولا يمحى ما سطر على جبين العيد» فقد صدقت» ولكن مت تحت غبار 
طلب العز لا على مزابل الشهوات بالذل كما مر بك الإنشاد السابق (شعر): 

اطلُب الز فى لَظى وذَّر الذل 

ولو انق جتان الود 

وقد سمعت كلامًا لمعاوية إذ قال: هما ععالن الأمور لتنالوهاء فان لم أكن 
للخلافة أهلاً فهممت بها فنلتها. وقد ذكرت حكاية فى كتاب «سر خزانة الهدى والأمد 
الأقصى إلى سدرة المنتهى» أنه مات بعض الملوكء فغلقت المدينة وقالوا: لا غلكها إلا للك 
كان فى ساعده علامة نور شعشعانى» فورد إليهم رجل فقير وفى ساعده نور كما كان فى 
ساعد الملك المتقدم. وكان ينظر إليه وزير المدينة بعين الدراية بعد أن ملكوه البلدء فدخل 
الوزير إليه بهدية وهى قشرة من عود قنارى كجفنة كبيرة» تقال الملك: من أين لك هذا؟ 
فقال الوزير: كشير مثل هذا يجئ فى نهرناء فقال الملك: لا تستقر فى الوزارة حتى تأتينى 
بخبره وفى أى بلد يكون» فاتخذ الوزير له مركبًا فسار حتى دخل تحت جبل» فلما قطعه 


کسی 0)۸ لس لس ست مجموعة رسائل الإمام الفزالى س 
بخروجه إلى جانبه الآخر رأى بلادًا أشجارها كلها مثل هديته» ثم رأى جنماعة قائمة 
منقطعين فى جبل فقال: ما الذى يريد هؤلاء ويفعلون؟ فقالوا كلهم فى طلب الملك 
يتجرعون سنة مع أنواع المجاهدات فمن رقى على ساعده نور أبيض فهو مستحق الملك. 
فلما عاد الوزير أخبر الملك بقصة ما رآه فقال الملك: لا تحتقر فتحتقرء وسافر واعمل 
لتذكر» فهذا علو الهمة بالجوع والمجاهدات» ثم قال: لا يغرنك الجواشن والبيض . 

وقد رأيت بعينك مشار علو الهمة فإن أردت ذلك فعليك بالجوع والعلم والخلوات 
يكشف لك العلامات بسرائر الكائنات» فاطلب وجد واجتهد» قنيل مقاصد الرجال من غير 
تعب هذيان. والحمد لله رب العالمين» وصلاة الله وسلامه على سيد المرسلين آمين. 


ا ل 
الدرة الفاخرة فى كشف علوم الآخرة 
خطبة الكناب 
الحمد لله الذى خص نفسه بالدوام » وحكم على من سواه بالانصرام» وجعل الموت 
حال أهل الكفر والإسلام» وفصل بعلمه بين تفاصيل الأحكام. وجعل حكم الآخرة خلقًا خلمًا 
للمعهود من الأيام» وأنهج ذلك لمن يشاء من خخلقه أهل الإكرام؛ وصلى الله على سيدنا 
محمد رسول الملك العلام» وعلى آله وصحبه الذين خصهم بجزيل الإنعام فى دار السلام . 
أما بعد فقد قال تعالى كل تفس ذائقة اموت ) [آل عمران: 186]. وثبت ذلك 
فى كتابه العزيز فى ثلاثة مواضع . وإنما أراد الله سبحانه وتعالى الموتات الشلاث للعالمين» 
فالمتحيز إلى العالم الدنيوى يموت. والمتحيز إلى العالم الملكوتى يموت. والمتحيز إلى العالم 
الجبروتى يموت. فالأول آدم وذريته وجميع الحيوانات على ضروبه الثلاث» والملكوتى وهو 
الثاني أصناف الملائكة والجن» وأهل ل قال الله تعالى : 
ل الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن التاس ‏ [الحج: 6“ ]. فهم كروبيون وروحانيون 
وحملة العرش وأصحاب سرادقاث الجلال الذين وصفهم الله تعالی فی کتابه وأثنى عليهم 
حيث يقول: فإ ومن عنده لا يستكبرون عن عبادته ولا يستحسرون 38 يسبّحون اليل 
والتهار لا يفترون 4 (الانياء: 8 . وهم أهل حظيرة ة القدس المعينون المنعوتون بقول الله 
تعالى :ا لأَنَحَدَنَاه من لَّدنّا إن كنا فاعلين 4 (الانبياء: ۷. وهم يموتون على هذه المكانة 
من الله تعالى والقربى» وليس زلفاهم بمانعة لهم من الموت. فأول ما أذكر لك عن الموت 
الدنيوى قألق أذنيك لتعى ما أورده وأصفه لك بنقل عن الانتقال من حال إلى حال إن كنت 
مصدقًا بالله ورسوله واليوم الآخره فإنى ما آتيك إلا ببينة› شهد الله على ما أقول ويصدق 
مقالتى القرآن. وما صح من حديث رسول الله عله . 


فصل 
دقن له التعدن الح مصيما مدعا سي أعلى طهر ادو بعلي الام فكل ما 
جمعه فى جمعه الأول إنما جمع من شقه الأيمن. وكل ما جمع فى الاخر إنما جمع من 
شقه الأيرء ثم بسط قبضته سبحانه فنظر إليهم آدم فى راحتيه الكريمتين وهم أمثال الذر ثم 
او .2 وتكذيب رسلى» وعصيان كتابى فى الأمر والنهى. قال آدم عليه السلام: أشهدهم 
على أنفسهم عسى أن لايفعلوا! فأشهدهم على أنفسهم: لست بربکم؟ قالوا: بلى شهدنا! 
وأشهد عليهم الملائكة وآدم أنهم أقروا بربوبيته ثم ردهم إلى مكانهم. وإنما كانوا أحياء أنفسا 
من غير أجسامء فلما ردهم إلى صلب آدم عليه السلام أماتهم وقبض أرواحهم وجعلها 
عنده فی خزانة من خزائن العرش» فإذا سقطت النقطة المتعوسة أقرت فى الرحم حتى تمت 
صورتها والنفس فيها ميتة. فلجوهرها الملكوتى منعت الجسد من النتن» فإذا نفخ الله تعالى 
فيها الروح رد إليها سرها المقبوض منها الذى خبأه زمانًا فى خزانة العرش فاضطرب 
الولود. فكم من مولود دب فى بطن أمه فربما سمعته الوالدة أو لم تسمعه! فهذه موتة أولى 
وحياة ثانية . 


فصل 

ثم إن الله عز وجل أقامه فى الدنيا أيام حياته حتى استوفى أجله المحدود ورزقه 
القدور وآثار المكتوبة. فإذا دنت موتتهء وهى الموتة الدنيوية» فحينئذ نزل عليه أربعة من 
اللائكة : ملك يجذب النفس من قدمه اليمنى» وملك يجذبها من قدمه اليسرى»ء وملك 
يجذبها من يذه اليمنى» وملك يجذبها من يده اليسرى. وربا كشف للميت عن الأمر 
اللكوتى قبل آن يغرغر» فيعاين الملائكة على حقيقة عمله على ما يتحيزون إليه من عالمهمء 
فإن كان لساته منطلقًا تحدث بوجودهمء فربما أعاد على نفسه الحديث بما رأى» وظن أن 
ذلك من فعل الشيطان» فسكن حتى يعقل لسانه. وهم يجذبونها من أطراف البنان ورءوس 
الأصابع والنفس تنسل انسلال القذارة من السقاء» والفاجر تسل روحه كالسفود من الصوف 
المبلول. هكذا حكى صاحب الشرع عليه الصلاة والسلام. والميت يظن أن بطنه ملقت شوكًا 
كأما نفه تخرج من خرم إيرة» وكأنما السماء انطبقت على الأرض وهو بينهماء ولهذا سئل 
كعب ته عن الموت فقال: كغصن شوك أدخل فى جوف رجل فجذبه إنسان ذو قوة فقطعم 


جح .00 يليت سس سسسب مجموعة رسائل الإمامالفزالى سد 


ما قطع وأبقى ما أبقى. وقال عليه الصلاة والسلام: «لسكرة من سكرات الموت أشد من 
ثلاثمائة ضربة بالسيف». فعندما یرشح حسده عرق وتزور عيناه» وكتد أرنبته» وترتفع 
آضلاعه» ؛ ويعلو نفسهء ويصفر لونه. ولما عاينت ري الله عله فى هذه الحالة وهو 
<خييد او ا ي 
SS SE‏ 
و 





er‏ إذا ينقع 
ادا د لون و ت 


فانوارُوجلهلاتدتسطع 
فإذا الحتضرت نفسه إلى القلب خرس لسانه عن النطقء وما أحد ينطق والنفس 
مجموعة فى صدره لوجهين: أحدهما أن الأمر عظيم قد ضاق صدره بالنفس المجتمعة فيه . 
ألا ترى أن الإنسان إذا أصابته ضربة فى صدره بقى مدهوشًاء فتارة يتكلم وتارة لا يقدر 
على الكلام؛ وكل مطعون يطعن بصوت إلا مطعون الصدر فإنه يخر مينًا من غير 
تصويت؟. وأما الآخر فإن السر الذى فيه حركة الصوت المندفعة من الحرارة الغريزية قد 
ذهب فصار نفسه متغير الحالتين: حال الار رتفاع والبرودة» لآنه فقد الحرارة» فعند هذا الحال 
تختلف أحوال الموتى» مح كن رظيته الك جيعد بحرنة مسيومة ند معت ما هن 
نارء فتقر النفس وتفيض خارجة فيأخذها فى يده ترعد أشبه شىء بالزئبق على قدر النحلة 
شخصًا إنسانيًاء ثم الملاتكة تناولها الزبانية» ومن الموتى من تحذف نفسه رويدًا حتى تنحصر 
فى الحنجرة وليس يبقى فى الحنجرة إلا شعبة متصلة بالقلب» فحينئذ يطعنها بتلك الحربة 
الموصوفة» فإن النفس لا تفارق القلب حتى يطعن. وسر تلك الحربة أنها تغمس فى بحر 
الموت» فإذا وضعت على القلب صار سرها فى سائر الجسد كالسم ا E‏ 

نالعو مسوع E N‏ الأولى» وقد قال بعض التكلمين : 
غير النفس» ومعناها اخحتلاط النفس بالجسد. وعند استقرار النفس فى الترقى 
يعرض عليه الفتّن» وذلك أن إبليس قد أنفذ أعوانه إلى هذا الإنسان خحاصة» واستعملهم 
عليه» ووكلهم به» فيأتون المرء وهو فى تلك الحال فيمتثلون له فى صورة من سلف من 
الأحباء الميتين الباغين له النصح فى دار الدنيا كالأب والأم والأخ والأخت والصديق 


اريخ + ن ا فرت اولان رضن ا ق رهزا الشاتة و فهو 
الذي اللقرك علق إلنه E E‏ ا رو و ت را 
فإنه دين المسيح ونسخ به دين موسى! وید كرون له غقاند. كل ملة . فعند ذلك يزيغ الله من 
يريد زيغهء وهو معنى قوله تعالى ف ربنا لا ترغ قُلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لَنَا من لدنك 
رحمة إك أنت الْوهاب 4 لآل عمران: .[A‏ أى لا تزغ قلوبنا عند الموت وقد هديتنا من قبل 
هذا إلى الإيمان. فإذا أراد الله تعالى بعبده هداية وتثبينًا جاءته الرحمة» وقيل هو جبريل 
عليه السلام» فيطرد عنه الشيطان ويمسح الشحوب عن وجهه فيبتسم الميت ضاحكًا لا 
محالة . وكثير من يرى مبتسمًا فى هذه الخالة فرحا مسرورًا بالبشير الذى جاء رحمة الله من 
اله تعالى يقول: يا فلان ما تعرفنى؟ أنا جبريل وهؤلاء أعداؤك من الشياطين.» مت على 
الملة الحنيفية والشريعة المحمدية! فما شىء أحب إلى الإنسان وأفرح منه بذلك الملك. وهو 

قوله تعالى: لإ وهب لتا من لُدنك رحمة إنّك أنت الوهًاب ‏ (آل عمران: ۸. ثم الموت على 
الفطرة. ومن الناس من يطعن وهو قائم يصلىء أو نائم» أو مار فى بعض أشغاله؛ أو 
.نعكف على اللهوء وهو البغتة» فتقبض نفسه مرة واحدة. ومن الناس من إذا بلغت نفسه 
الحلقوم كشف له عن أهله السابقين» وأحدق به جيرانه من الموتىء وحينئذ يكون له خوار 
يسمعه كل شىء إلا الإنسان» ولو سمعه لصعق. وآخر ما يفقد من الميت السمع. لأن 
الروح إذا فارقت القلب ترما كه الع وأما السمع فلا يفقد حتى تقبض النفس ٠‏ لهذا 
قل عليه الصلاة والسلام: اله ا مَوْنَاكُمْ شهادَة أن لآ إله إلا لله وأن مُحَمّد) رسول الله 
ونهى عن الإكثار بها عليهم لما يجدونه من الهول الأعظم والكرب الأقصم. فإذا نظرت إلى 
الميت قد سال لعابه وتقلصت شفتاه واسود وجهه وازرقت عيناه فاعلم بأنه شقى» قد كشف 
له عن حقيقة شقوته فى الآخرة» وإذا رأيت اميت جاف الفم كأنه يضحك» منطلق الوجه» 
مكسورة عينه» فاع لم أنه بشّر بما يلقاه فى الآخرة من السرورء وكشف له عن حقيقة 
كرامته. فإذا قبض الملك النفس السعيدة تناولها ملكان حسان الوجوهء عليهما أثواب 
حسنة» ولهما روائح طيبة» فيلفونها فى حريرة من حرير الجئة وهى على قدر النحلة 
شخضصًا إا ا تقد رسن هله وله و عه ال قار الا فيعرجون به فى 
الهواء» منهم من يعرف ومنهم من لا يعرف» فلا تزال تمر بالأمم السالفة والقرون الخالية 
كأمثال الجراد المنتشر حتى تنتهى إلى سماء الدنياء فيقرع الأمين الباب» فيقال للأمين: من 
أنت؟ فيقول: أنا صلصيائيل. أى جبريل. وهذا فلان معى بأحسن أسمائه را إليه ؛ 
ا o e‏ ثم یھی حو 


كان محافظًا على صلاته وجميع فرائضها. ثم يمر حتى ينتهى إلى السماء الثالئة فيقرع 
الأمين الباب فيقال: من أنت؟ فيقول الأمين مقالته الأولى والثانية» فيقال: كان يرعى الله 
فى حق ماله ولا يتمسك منه بشئ ثم يمر حتى ينتهى إلى السماء الرابعة فيقرع الباب فيقال: 
من أنت؟ فيقول كدأبه فى مقالته. فيقال: أهلاً بفلان كان يصوم فيحسن الصوم ويحفظه 
من إدراك الرفيث وحرام الطعام. ثم ينتهى إلى السماء الخامسة فيقرع الباب فيقال: من 
أتت؟ فيقول كعادتهء فيقال: أهلاً وسهلاً به أدى حجة الله الواجبة عليه من غير سمعة ولا 
رياء. ثم ينتهى إلى السماء السادسة فيقرع الباب فيقال: من أنت؟ فيقول الأمين مقالته 
فيقال: مرحبًا بفلان كان كثير الاستغفار بالأسحار ويتصدق بالسر ويكفل الأيتام. ثم يفتح 
له فيمر حتى ينتهى إلى سرادقات الجلال فيقرع الباب فيقول الأمين مثل قولهء فيقال: أهلاً 
وسهلاً بالعيد الصالح والنفس الطيبة» كان كثير الاستغفار وينهى عن المنكر ويأمر م 
ويكرم المساكين. وير بلا من الملائكة كلهم يبشرونه با نة ويصافحونه حتى ينتهى إلى 
سدرة المنتهى فيقرع الباب فيقول الأمين كدأبه فى مقالته» فيقال: أهلاً وسهلاً ومرحبا 
بفلان» کان عمله عملاً صالحًا لوجه الله تعالى. ثم يفتح له فيمر فى بحر من نارء ثم يمر 
فى بحر من نورء ثم يمر فى بحر من ظلمة» ثم يمر فى بحر من ماءء ثم يمر فى بحر من 
ثلج» ثم يمر فى بحر من بردء طول كل بحر منها ألف عام» ثم يخترق الحجب المضروبة 
على عرش الرحمن وهى ثمانون ألقًا من السرادقات». لكل سرادق ثمانون ألف شرافةء 
على كل شرافة قمر يهلل الله تعالى ويسبحه ويقدسهء ولو برز منها قمر واحد إلى سماء 
الدنيا لعبد من دون الله ولأحرقها نورهء فحيئئذ ينادى مناد من الحضرة القدسية من وراء 
السرادفات: من هذه النفس التى جتتم بها؟ فيقول: فلان بن فلان» فيقول الجليل جل 
جلاله: قربوه فنعم العبد كنت يا عبدى! فإذا وقفه بين يديه الكريمتين أخجله ببعض اللوم 
والمعاتبة حتى يظن أنه قد هلك ثم يعفو عنه سبحانه. كما روى عن يحيى بن أكثم القاضى 
وقد رئى فى المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ فقال: وقفنی بين يديه ثم قال ياشيخ السوء 
فعلت كذا وفعلت كذاء فقال يا رب ما بهذا حدثت عنك» قال: فبماذا حدثت عنى يا 
يحيى؟ فقلت: حدثنى الزهرى عن معمر عن عروة عن عائشة عن النبى عله عن جبريل 
عنك سبحانك أنك قلت إنى لأستحى أن أعذب شيبة شابت فى الإسلام. فقال: يا يحيى 
صدقت وصدق الزهرى وصدق معمر وصدق عروة وصدقت عائشة وصدق محمد وصدق 
جبريل» وقد غفرت لك. وعن ابن بنانة وقد رئى فى المنام فقيل له: ما فعل الله بك؟ 
فقال: وقفنى بين يديه الكريمتين وقال أنت الذى تلخص كلامك حتى يقال ما أفصحه؟ 
قلت : سبحانك إنى كنت فى الدنيا أصفك. قال قل كما كنت تقول فى دار الدتيا! قلت : 


جح مجموعةرسائل الإمام الفزالی سی ٣0ں‏ = 


فرقهم. قال لى: صدقت اذهب قد غفرت لك . 

ون منصور بن عمار أنه رئى فى المتام فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: وقفنى بين 
يديه الكريمتين وقال لى بماذا جئتنى يا منصور؟ قلت: بستة وثلائين حجةء قال لى: ما 
قبلت منها ولا واحدة» ثم قال: بماذا جتننى؟ قلت: بثلائمائة وستين خختمة قرأتها لوجهك 
لكريم» قال: ما قبلت منها واحدةء ثم قال لى: بماذا جكتنى يا منصور؟ ققلت: جئتك 
برحمتك. قال سبحانه : الآن جئتنی ۰ اذهب كقد غفرت لك! وكثير من هذه الحكايات تخير 
بهذه الأمور. وإنما حدثتك شيئًا ليقتدى به المقتدى والله المستعان. 

ومن الناس من إذا انتهى إلى الكرسى وسمع النداء ردوه» فمنهم من يرد من 
الحجب» وإغا يصل إلى الله تعالى عارفوه. ولا يقف بين يديه إلا أهل المقام الرايع 
فصاعدا. 


وأما الفاجر فتؤخذ نفسه عنفّاء فإذا وجهه كآكل الحنظل. والملك يقول: اخرجى 
أيتها النفس الخبيثة من الحسد الخبيث! فإذا له صراخ أعظم ما يكون كصراخ الحميرء فإذا 
عزرائيل ناولها زبانيةً قباح الوجوه. سود الثياب» منتنى الريح» بأيديهم مسوح من شعرء 
فيلقونها فيه» فتستحيل شخصا إنسانيا على قدر الجرادة» فإن الكافر أعظم جرمًا من 
المؤمن» يعنى الجسم فى الآخرة. وفى الصحيح أن ضرس الكافر فى النار مثل أحد. قال 
فيعر ج به حتى ينتهى إلى باب سماء الدنياء فيفرع الأمين البابء فيقال: من أنت؟ فيقول: 
أنا قياييل » قيقال: من معك؟ فيقول: فلان بن فلان» بأقبح أسمائه وأبغضها إليه فى دار 
الدنياء فيشال: لا آهل ولا سهلاً! ولا يفتح له أبواب السماء وال ارد ا 
ولا يدخلون الجنة حنّى يلج الْجَمَلَ في سم الخياط 4 [الاعراف: .٠‏ قإذا سمع الأمين هذه 
ا ا أى بعيد. E‏ 
[الحج: ۳ ES CC a E EOS‏ 
سجين وهی صخرة عظيمة تأوى إليها أرواح الفجار. وأما البهود والنصارى فمردودون من 
الكرسى إلى قبورهمء هذا من مات منهم على شريعته ويشاهد غسله ودفنهء وأما المشرك 
فلا يشاهد شيئًا من ذلك لأنه قد هوى بهء وأما المنافق فمثل الثانى يرد ممقوثًا مطرودًا إلى 
حفرته. وأما المقصروت عن المؤمنين فتختلف أنواعهم: فمتهم من ترده صلاتهء لأن العيد إذا 


نقر فى صلاته سارقًا لها تلف كما يتلف الثواب الخلق ويضرب بها وجهه ثم تعرج وهى 
تقول ضيعك الله كما ضيعتنى . ومنهم من ترده زكاتهء لأن إنما يزكى ليقال فلان متصدق. 
وربما وضعها عند النسوان فاستجلب بها محبتهن. ولقد رأيناه» عافانا الله مما حل به. ومن 
الناس من يرده صومه. لأنه صام عن الطعام ولم يصم عن الكلام» فهو رفث وخحسران» 
فخرج الشهر.عنه وقد لهوجه. ومن الناس من يرده حجه. لأنه إنما حج ليقال فلان حج أر 
يكون حج بمال خبيث. ومن الناس من يرده العقوق. 

وسائر أحوال البر كلها لا يعرفها إلا العلماء بأسرار المعامللات وتخصيص العمل 
الذى للملك الوهاب. فكل هذه المعانى جاءت بها الآثار والأخبار كالخبر الذى رواه معاذ 
ابن جبل تله فى رد الأعمال وغيرها. وإنما أردت تقريب الأمر. ولولا الاختصار لكنت 
ملأت الدواوين من تصحيح ذلك وأهل الشرع يعرفونه صحة ذلك كما يعرفون أبناءهم. 
فإذا ردت النفس إلى الجسد ووجدته قد أخذ فى غسله إن كان قد غسلء فتقعد عند رأسه 
حتى يغسل» فيكشف الله عن بصر من يشاء من الصا حين فبنظرها على صورتها الدنيوية. 
وقد حدث شخص ابنًا له فإذا هو بشخص قاعد عند رأسهء فأدركه الوهمء فترك الجهة التى 
رأى فيها الشخص وتحول إلى الجهة الأخرى. فلم يزل ينظره حتى أدرج الميت فى كفنه؛ 
فعاد إليه ذلك الشخص فشاهده العالم وهو على النعش. كما روى عن غير واحد من 
الصالحين أنه نادى ميئًا وهو فى النعش: أين فلان وأين الروح؟ فانتقض الكفن من تلقاه 
صدره مرتين أو ثلاثة. وعن الربيع بن خيثم أنه اضطرب فى يد غاسله. وقد علم أن الميت 
تكلم فى نعشه على عهد الصديق وذكر فضله وفضل الفاروق.. وإنما هى النفس تشاهد أمرا 
كرا ويكشف الله عن سمع من يشاءء فإذا أدرج الميت فى أكفانه صارت الروح ملتصقة 
بالصدر خارجة ولها خوار وعجيج وهى تقول أسرعوا بى إلى أى رحمة ربى لو علمتم ما 
أنتم حاملونى إليه! فإن كان تمن يبشر بالشقاء يقول رويدًا بى إلى أى عذاب لو تعلمون ما 
أنتم حاملون إليه. ولأجل ذلك كان رسول الله َيه لا يمر به جنازة إلا قام لها قيامًا. وفى 
الصحيح أنه مله مرت جنازة فقام لها تعظيمًا فقيل: يا رسول الله إنه يهودى. فقال: 
أليست نقسا؟ وإنما كان يمعله لأنته كشف له عن أسرار الملكوت» فكان يسر بالميت إذا مر به 
لأنه من أهل فهمه ومعانيه. فإذا دخل الميت القبر وأهيل عليه التراب ناداه القبر كنت تفرح 
على ظهرى والآن تأكلك الديدان فى بطنى» ويكثر عليه مثل هذه الألفاظ الموبخة حتى 
يسوى عليه التراب» ثم يناديه ملك يقال له رومان. وقد روى عن ابن مسعود غله قال: يأ 
رسول الله ما أول ما يلقى الميت إذا دخل قبره؟ قال: «يا ابن مسعود ما سألنى عنه أحد إلا 
أنت». فأول ما يناديه ملك اسمه رومان يجوس خلال المقابر فيقول: يا عبد الله اكتب 


عملك! فيقول: ليس معى دواة ولا قرطاس» فيقول: هيهات! كفك قرطاسك» ومدادك 
ريقك» وقلمك إصبعك» فيقطع قطعة من كفنه ثم يجعل العبد يكتب» وإن كان غير كاتب 
نى ادنيا فيكتب حينئذ حسناته وسيئاته كيوم واحد» ثم يطوى الملك الرقعة ويعلقها فى 
عنقه. ثم قرأ رسول الله عه : ل وکل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ‏ [الإسراء ١‏ 1]. فإذا 
فرغ من ذلك دخزج-عليه انا القبر وهما ملكان أسودان يخرقان الأرض بأنيابهماء لهما 
ور یدول ت افا عي ارف ا اع اقات اع ا 
الخاطف» ونفسهما كالريح العاصف» وبيد كل واحد منهما مقمع من حديد لو اجتمع عليه 
الثقلان ما رفعاه» ولو ضرب به أعظم جبل لجعله دكا فإذا أبصرتهما النفس ارتعدت 
وولت هارية» فتدخحل فى منخر الميت» فيحيا الميت من الصدر ويكون كهيئته عند الغرغرة» 
ولا يقدر على حركة» غير أنه يسمع وينظر . قال: فيسألانه بعنف» وينهرانه بجفاء» وقد 
صار التراب له كالماء حيئما تحرك انفتح فيه ووجد فيه فرحة» فيقولان له: من ربك؟ وما 
وبتك و و ر اقول الات فال دمي وكلكنا على 
بن ااا ال م قول ا ری وتسحة دن والاتناكم دي و ا إلا 
العلماء الأخيار فيقول أحدهما للآخر صدق لقد كفى شرنا ولقن حجته» ثم يضربان عليه 
القبر كالقبة العظيمة ويفتحان له بابّا إلى الجنة من تلقاء يمينه؛ ثم يفرشان له من حريرها 
وريحانهاء ويدخل عليه من نسيمها وروائحهاء ويأتيه عمله فى صورة أحب الأشخاص إليه 
يؤنسه ويحدثه ويملاً قبره نورًا ولايزال فى فرح وسرور ما بفيت الدنيا حتى تقوم الساعة 
0 من قيامها. ودونه فى المنزلة المؤمن القليل العلم والعمل» ليس معه 
من العلم ولا أسرار الملكوت»› يباج عله ا و ی ا و ی 

0 حسن الثياب» فيقول له: أما تعرفنى؟ فيقول: هن أنك الذى.من_الله .على بلق فى 
غربتى؟ فيقول: أنا عملك الصالح لا تحزن ولا توجل! فعما قليل يلج عليك منكر ونكير 
يسألانك فلا تدهش» ثم يلقنه حجتهء فبينما هو كذلك إذ دخلا عليه كما تقدم ذكرهما 
OS E E‏ من ربك؟ فيسبق إلى القول الأول فيقول: الله ربى» 
ومحمد نبيى والقرآن إمامى» والكعبة قبلتى» واا أبى» وملته ملتى» غير مستعجم» 
فيقولان له: صدقت! ويفعلانه به كالأول, إلا آنهما يفتحان له ابا من النار من تلقاء 
شماله؛ فينظر إلى حياتها وعقاربها وأغلالها وسلاسلها وحميمها وجميع ما فيها من 
صديدها وزقومها. فيهزع فيقولان له: لا عليك سوء» هذا مرضعك كان من النار قد أبدله 
الله تعالى به موضعك هذا من الجنة» حل تیدا م يكلقانعنه بات الباق ولم ايد عار 
عليه من الشهور والأعوام والدهور. ومن الناس من ينعجم فى مسألته » وإن كانت عقيدته 


یے ١‏ ںں ہے مجموعةرسائلالإمامالغزالی سے 
مختلفة امتنع أن يقول الله ربى» وأخذ يذكر غيرها من الألفاظ» فيضربانه ضربة يشتعل قبره 
منها ناراء ثم يطفأ عنه أيامّاء ثم يشتعل عليه أيضاء ثم دأبه ما بقيت الدنيا. ومن الناس 
من معتاص عليه ويعسر أن يقول الإسلام دينى» بشك كان يتوهمه» أو فتنة تقع به عند 
الملوت» فيضربانه ضربة واحدة فيشتعل عليه قبره تار كالأول. ومن الناس من يعسر عليه أن 
يقول القرآن إصامى». لأنه يتلوه ولا يتعظ به ولا يعمل بأرامره ولا ينتهى ينواهيهء» يطوف 
عليه دهره ولا يعظ نفسه خيره» فيفعل به ما فعل بالأولين. ومن الناس من يستحيل عمله 
جروا يعذب به فى قبره على قدر جرمه. فى الأخبار أن من الناس من يستحيل عمله 
ختوصا وهو ولد الخنزير. ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول محمد نببّى: لأنه كان ناسيًا 
لسنته. ومن الناس من يعتاص عليه أن يقول الكعبة قبلتى» لفلة تحريه فى صلاته» أو فساد 
فی وضوته» أو التفات فى صلاته» أو اختلال فى ركوعه وسجوده» ويكفيك ما روی فی 
فضائلها أن الله لا يقبل صلاة ممن عليه صلاة ومن عليه ثوب رام ون الاس من 
يعتاص عليه أن يقول أبى إبراهيم» لأنه سمع كلامًا يومًا أرهمه أن إبراهيم كان يهوديا أو 
نصرانيًا» فإذا هو شاب مرتاب» فيفعل به ما فعل بالآخرين. وكل هذه الأنواع كشفناها فى 
كتاب الإحياء . 


فصل 

وأما الفاجر فيقولان له: من ربك؟ فيقول: لا أدرىء. فيقولان له: لا دريت ولا 
عرفت! ثم يضربانه بتلك المقامع الحديد حتى يتجلجل فى الأرض السابعة» ثم تنقضه 
الأرض فى قبره» ثم يضربانه سبع مرات» ثم تختلف أحوالهم فمنهم من يستحيل عمله 
كلبًا ينهشه حتى تقوم الساعةء وهم المرتابون» وهى أنواع تعترى أهل القبورء وإنما آثرنا 
الاختصار فى ذكرهاء وأصلها أن الرجل إنما يعذب فى قبره بالشئ الذى كان يخاقه فى 
الدنياء فمن الناس من يخاف الجرو أكثرء وطبائع الخلق مفترقة. نسأل الله السلامة والغفران 
قبل الندامة . 

وقد روى عن غير واحد من الموتى أنه رئى فى المدام فقيل له: كيف كان حالك؟ 
فقال: صليت بلا وضوء فوكل الله على ذبًا يروعنى فى قبرى» فحالى معه أسوأ حال. 
وآخر رئى فى المنام فقيل: ما فعل الله بك؟ فقال دعنى فإنى لم أتمكن فى غسل يوم من 
الجنابة فألبسنى الله ثوبًا من نار أتقلب فيها إلى يوم القيامة. ورئى آخر فقيل: ما فعل الله 
بك؟ فقال: الغاسل الذى غسلنى حملنى بعنف فخدشنى مسمار كان فى المغتسل قائما 
فتألمت منه» فلما أصبح الصباح سئل الغاسل فقال: كان ذلك من غير اختيارى. ورئى آخر 
فى المنام فقيل له: كيف حالك أو لم تمت؟ قال نعم» وأنا بخيرء غير أن الحجر كسر ضلعى 


حب محوموعة رسالل الإمامالقزالى جس سس سسحت 00۷ = 


عندما سى على التراب فأضرنى. ففتح القبر فوجدوه كما قال. وآخر جاء إلى ولده فى 
النوم فقال له: يا ولد السوء أصلح قبر أبيك» لقد آذاه المطر! فلما أصبح بعث الرجل إلى 
قبر أبيه فوجد جدولاً من الماء وقد أتى عليه من سيل» وإذا بالقبر تملوء من الماء. وعن 
أعرابى أنه قال لولده: ما فعل بك؟ قال ما ضرنى إلا أن دفنت بإزاء فلان وكان فاسقًا قد 
روعنى ما يعذب*نه من أنواع العذاب. 

وكثيرا ما جاء فى مثل هذه الأحبار حكايات تبون أهل القبور يؤلمون فى قبورهم: 
وكفى بالخبر دلالة حيث يقول صاحب الشع له : يولم الت فی بره کما يولم الحى فى 

ببته؛ وقد نهی رسول عي عن كسر عظام الميت. 

و قد مر برجل قاعد على فناء قبر فنهاه وقال: الا نوا لموتى فى قبورهم». وقد 
زار النبى عه قبر أمه آمنة فبكى وأبكى من كان معه ثم قال: «استاذنت ری فى الاستعقار 
لها فلم َأذَنْ لى؛ م استاذنت أن ازور قَبْرَها فَأَذن لى» فَزُوروا القبور فَإنَها بَدَكَرٌ 
الموؤت». وكان إذا حضر إلى المقابر ليزورها يقول َب :«سّلامًا عَلَى أهل الديار من المسلمين. 
ونا إن شاء الله بكم لاحقّون ألم لتا قرط وتن كم يع اللهم اغفر لتا ولم وتَجَاوز 
بِعَقَوك عا وعنْهُم» فكان يعلم نساءه َه إذا خرج النساء إلى المقابر يقول لهن قولوا هذا 
ا ويعلمهن إياه. وقال صالح المزنى: سألت بعض العلماء لأى شىء نهى عن الصلاة 

فى المقبرة؟ فقال: ورد حديث فاستدل بحديث «لا تصلوا بين القبور إن ذلك حَسْرَةٌ لا 
منتهى لها». وروی عن بعضهم أنه قال: قمت أصلى ذات يوم فى المقابر وقد اشتد الحر 
وقوىء إذ رأيت شخصًا يشبه أبى جالسًا على ظهر قبره» فسجدت فزعاء فسمعته يقول: 
ضاقت عليك الأرض رحيًا حتى جكت تؤذينا بصلاتك منذ زمان. وفى الحديث ال أن 
رسول الله عله مر بيتيم ييكى على قبر أنيه فبكى رحمة له ثم قال: إن ليت يعدب يبكاء 
هله عليّه» أى إن ذلك يحزنه ويسوءه. فكم من ميت رئى فى نام فقيل له كيف حالك يا 
زلا فقول حالسو باه جال جين كلاه وو يكثران البكاء والنواح على . إلا أن 


<َ 5 l2 


الزنادقة كرون ذلك قبله. ورسول الله ا قال : «ما من أحد نكم يمر بقبر أخيه اومن 


olo‏ 2 ساسصيبر 


ممن عرف فى الدنّيا فيْسَلُم عليه إلا عره ورد عله وكذا حدك عليه الصلاة ة والسلام وقد 
انصرف عن جنازة دفنوها أنه يسمع قرع نعالهم وهم بغيره أسمع وأسمع. . ومات بعض 
الفقهاء ولم يوص بشىء ثم طاف على أهل بيته بالليل وقال: أعطوا فلانًا كيت وكيت من 
الزرع! وادفعوا لفلان كتابه الذى كان عندى مودوعا منذ زمان! فلما أصبحوا ذكر كل واحد 
منهم لأخيه ما رأى» ثم إنهم وجدوه بعد زمان فى زوايا البيت. عن بعضهم قال: اتخذ 
أبونا لنا مؤدبًا يعلمنا الكتابة فى الدار فمات. فخرجنا إلى قبره بعد ستة أيام وجعلنا نتذاكر 


جم 0۸ں حصسص سسشصحجحت مجبوعة رسائل الإمامالفزالى حت 
را وا ر ی ن و وا ورا ا ا ف كلها 
كان تلك الليلة رأى أبونا الشيخ فى المنام فقال له: كيف حالك؟ فقال: بخيرء غير أن 
أولادك اتخذوا قبرى مزبلة» وتحدثوا على بكلام هو كفرء فخاصمنا أبونا للشيخ وقال: إن 
الشيخ قال لى إنهم: قالوا عند قبرى شيئًا يشبه الكفرء فقانا: يا سبحان الله لا يزال يؤدبنا 
فق :الذنا والأخجة: .ومن هذه اللكايات كتير إلذ الى ذكرت هذا القن أمالا مراع لخ 
بالأقل . 


فصل 
وأما أهل القبور فعلى أربعة أحوال: فمنهم القاعد على عقبه حتى تنتثر العين» 
وتورم الحئة» ويعود الجسم تراباء ثم لا يزال بعد ذلك طوافًا فى الملكوت دون سماء الدنياء 
ومنهم من يرسل الله عليه نعسة فلا يدرى ما فعل حتى ينتبه مع النفخة الأولى ثم يموت 
ل ا gE‏ 
الجنة» وهو الحديث الصحيح حيث يقول صاحب الشرع عه : انسمة الُوّمن من طائر يعلق 
فى شجَرة اة وفى المعنى الصحصيح والوجه الحسن. . وكذلك ستل عن أرواح الشّهداء 
فقال: امب ف N‏ . ومن الناس من إذا 
بادت عينه عرج به إلى الصور فلا يزال لازمًا له حتى ينفخ فى الصور. والنوع الرابع خص 
به الأنبياء والأولياء ولهم الخيار: فمنهم من يكون طوافًا نى الأرض حتى تقوم الساعة» 
وكثير مايرى فى الليلء وأظن الصديق منهم والفاروق. والرسول َيه له الخيار فى طواف 
العوالم الشلاثة. وعن هذه الإرادة قال يوما تنبيها وإشارة وَل يه : «إنى أثرم على اذ من أن 
بدعنى فى الأرض أكثر من تّلاث» وكانت ثلاث عشرات» ین ن على ا 
الثلائين سئة فغضب على أهل الأرض وعرج إلى السماءء ا 
فقال: يا رسول الله بأبى أنت وأمى ماترى فى فتن أمتك؟ قال: زادهم الله فتنة! قتلوا 
الحسين ولم يحفظونى فيه. ثم جعل يعدد كلاما اشتبه على الراوى. ومنهم من اختار 
السماء السابعة كإبراهيم عليه السلامء وفى الحديث أنه أمر به عله وهو مسند ظهره إلى 
البيت المعمور وقد أحدق به أولاد المسلمين. وعيسى عليه السلام فى السماء الخامة» وفى 
كل سماء رسل وأنبياء لا يخرجون منها ولا يبرحون حتى الصعقة. وليس منهم من له 
الخيار إلا الخليل والكليم والروح والحبيب» هؤلاء يتتهون حيث أرادوا من العالمين. وأما 
الأولياء فمنهم من وقف على البعثة الدنيوية كما روى عن أبى يزيد أنه تحت العرش يأكل 
من مائدة. وعلى هذه الأنواع الأربعة حال أهل القبور يعذبون ويرحمون ويهانون 


حب مجموعة رسائل الإمام الفزالی ملسست ووواح- 


ويكرمون» فالذين هم منهم يحدقون بالميت إذا احتضر حتى يضيق بهم رحاب النازل» وريا 
كشف له فيراهم ويفطن بهمء وقد رأيت من حدث بهذا النوعء وقد رأيت بعض 
الأصجاب كشف عن بصيرته فنظر إلى ولده الميت قد ولج البيت والميت يفيق ويتصور. 
وهذه الفوائد الملكوتية إنما تكون لكريم أو نسيب. نسأل الله أن يجود لنا بمعرفة ما نخوض 
به بحر أسرارها.بحتى يرتفع الشك والارتياب. 

ومح ا الموصوفة لا يعقل منهم تكوين الليل والنهار إلا من كان عينه باقية 
لم يعرج به علوا . فمنهم من يعرف الجمعة والأعياد وإذا خرج أحد من الدنيا اجتمعوا إليه 
وعرفوه» فهذا يأل عن زوجته وهذا يسأل عن والده» وكل واحد يسأل عن أربه. وربا 
مات الميت فلم يلق أحد معارفه لزيغ يصيبه عند الموت» فيموت يهوديًا أو نصرانينًا فبصير 
إلى عساكرهمء فإذا قدم أحد من الدنيا سأله جيرانه: ما علمك بفلان؟ فيقول لهم: قد 
مات» فيقال: إنا لله وإنا إليه راجعون! ما رأيناه سلك به إلى أمه الهاوية. وقد رئى بعض 
الناس فقيل له: ما فعل الله بك؟ قال: أنا وفلان وفلان». وعد خمسة من أصحابه» فى خير 
كثير ونعمة» وكان قتله الخوارج مع أصحابه المعروفين. وسكل عن جار له ما فعل الله به 
فقال: ما رأيناه» وإنما كان هذا المنكور ألقى نفسه فى اليم حتى مات غرقًاء وأظنه والله مع 
ا 

ر أن رسول الله تیه قال : «من تل هسه بحديدة جاء يوم القيامّة 


وحدیدت فی یدہ وجا بھا فی بطله فی بطن جھتم خالدا مخلدا فیها آبداء ومن تردی من 
جبل فقتل تسه فهو بتردی فی نار جهنم الحديث. وكذلك المزآاة كوك بحن لا رال عد 
ذلك الألم حتى النفخةء فهذه حياة ثانية. وقد صح أن آدم عليه السلام لقى موسى عليه 
السلام فقال له: أنت الذى خلقك الله بيده» ونفخ فيك من روحهء وأسجد لك ملائكته؛ 
وأسكنك جتته فلم عصيته؟ قال له: يا موسى نعمء فقال له: فى كم سنة وجدت الذنب 
قدر على قبل فعله؟ قال له: كتب عليك قبل أن تفعله بخمسين آلف سنةء قال: ياموسى 
أفتلومنى على ذنب قدر على قبل أن أفعله بخمسين ألف عام؟ وفى الصحيح أن رسول الله 
َه صلی بالمرسلين ليلة أسرى به ركعتين» وأنه سلم على هارون عليه السلام» فدعا له 
بالرحمة ولأمته. وأنه سلم على إدريس فدعا له بالرحمة ولأمته» وكان أولئك قد ماتوا 
وبادت أعينهم. وإنما هى الحياة الأنفس» وبعد هذا الإحياء حياة ثالشة» والحياة الأولية يوم 
0 على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا! Ss‏ ا فإنها 
مخرة للتنعم. ويروى عنه عليه الصلاة ة والسلام أنه قال: الات لتقام را ويلا 
فهذه أحوال الأموات إذا بادت أعينهم: منهم المستقرء ومنهم الطواف» ومنهم 


امروب ا و ا والدليل على ج ذلك قوله تعالى: الثار بعر طول 
ليها عدوا وعشيًا ويوم تقوم الساعة أدخلوا آل فرعوت أَشَدْ الْعذّاب © اغافر: 71 واليوم 
بيان عذاب البرزخ . 


فإذا أراد الله تعالى قيام الساعة دون النفخ فى الصور على السر الذى بيناه فى 
الإحياءء فإذا الجبال تتطاير وتسير مثل السحاب» وإذا البحار قد تفجرت بعضها فى 
بعضء وتكورت الشمس فعادت سوداء مزيرة» وسجرت الجبال على أمثال عالم الهواءء 
ودخل العالم بعضه فى بعضء. وانتثرت النجوم كالسلك إذا انتثر من نظمهء وعادت 
السماء كدهن الورد تدور كدوران الرحىء والأرض قد زلزلت زلزالاً شديدا تارة تنقبض 
وتارة تنبسط كالأديمء حتى أن الله يأمر بخلع الأفلاك» فلا يبقى فى الأرضين السبع ولا 
السموات السبع ولا فى الكرسى حى كائن إلا وقد ذهبت تفسه» وإن كان روحانيًا ذهبت 
روحه» وقد خلت الأرض من عمارهاء والسماء من سكانها على ضروب الموحدين. ثم 
إن الله جل جلاله يتجلى فى المقام فيقبض السموات السبع فى يمينه» والأرضين اح 
الأخرى»› ثم يقول الله عز وجل : يا دنيا يا دنية أين أربابك وأين أصحابك» منيتهم 
بيبهجتك وشغلتهم عن آخرتهم بزهوك, ثم يثنى على نفسه بما شاءء ويفتخر بالبقاء 
المستمرء والعز الدائم» والملك الباقى» والقدرة القاهرة» والحكمة الباهرة» ثم يقول 
تعالى: لمن الملك اليوم» فلا يجيبه أحد. فيجيب نفسه بنفسه بأن يقول: لله الواحد 
القهار. ثم يفعل فعلاً أعظم من الأول وهو أن يأخذ السموات على إصبع والأرضين 
على إصبع ثم يهزها ويقول سبحانه: آنا الملك الديان أين عبدة الأوثان الذين عبدوا 
غيرى من دونى» وأشركوا بى وأكلوا رزقى؛ أين الذين تقووا برزقى على المعاصى» أين 
الجبابرة» أين من تكبر وافتخرء لمن الملك اليومء كالمرة الأولى. ثم يمكث كذلك سبحانه 
وتعالى ما شاء الله وليس من العرش إلى المقام نسمة تلوح تعقل» وقد ضرب الله على 
آذان الحور والولدان فى جنتهم. ثم يكشف الله سبحانه وتعالى عن بئر فى سقرء فيخرج 
منها لهيب النار» فتشتعل فى الأربعة عشر بحرا كما تشتعل النار فى الصوف المنفوش» 
فما تدع منها قطرة واحدةء وتدع الأرضين جملة سوداء والسموات كأنها عكر الزيت 
اي المذابء فإذا دنا اللهيب أن يتعلق بعنان السماء زجر اللّه النار زجرة فخمدت». 

لا يرفع لها لهيب» ثم يفتح الله سبحانه وتعالى خزانة من خزائن العرش فيها بحر 
00 فتمطر الأرض. فإذا هو كمنى الرجالء» فيلقى الأرض عطشى ميتة هامدة فتحيا 


کے مبجموعة سائل الإمام الفزالى ا سس سس حص حت ١1و‏ د 


وتهتز ولا يزال ار حتى يعمهاء ويكون الماء أربعين ذراعاء فإذا جاء الأجسام 
تنبت من العصعص. و في الحديث أن الإنسان يبدأ من عجب الذنب ومنه يعودء وفى 
و لل اله وهو عظم على قدر 
الع ل ل ي فة نالجام ف قارا كا ت الل “جين يشتشلك 
بعضها فى بعجض› > فإذا رأس هذا عند منكب هذاء ويد هذا عند عجز هذاء لكثرة 
البشر . وفى معنى قوله عر وجل: لإ قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندتا كتاب 
حفيظ » لق: .٠٤‏ نبهنا عليه فى كتابنا الإحياء. فإذا تمت النشأة على حسبها: الصبى 
صبى» والشيخ شيخ » والكهل كهل» والفتى فتى» والشاب شاب أمر الجليل جل جلاله 
أن تهب ريح من تحت العرش فيها نار لطيفة» فيكشف ذلك عن الأرض» وتبقى الأرض 
بارزة ليس فيها حدب ولا عوج ولا أمت» وقد عادت الحبال رمالا وهو الكثيب المهيل. 
ثم يحيى الله سبحانه وتعالى إسرافيل فينفخ فى الصور من صخرة ببيت المقدس» 
والصور قرن من نور له أربعة عشرة دارة» الدارة الواحدة فيها ثقوب بعدد أرواح البرية. 
حر ابرع يا وا در رفحل للج م و لالم الح رسي 
إلى جثتها. فسبحان ملهمهم إياها! حتى الوحش والطير وكل ذى روحء» فإذا الكل كما 
قال تعالى: ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون 4 (الزمر: 45ا]. والزجرة العظيمة 
هى الصيحة كما قال الله تعالى: © فَإِنما هي زجرة واحدة 00د ذا هم بالساهرة 4 
[النازعات: .]١481*‏ والساهرة هى الأرض السفلى» ٠‏ لأنهم فتحوا أبصارهم عند قيامهم 
فنظروا إلى جبال منسوفة» وبحار منزوفة» والأرض لا عوج فيها ولا أمت» والأمت 
الشئ المرتفع كالربوة» والعوج الأرض المخفضة كالوهدة والأودية» وإنما صارت مستوية 
كأنها صحفة قاعدة. فتعجبوا لما نظروا.من الساهرة وقعد كل واحد منهم على قبره عريانًا 
منتظرا متعجبًا متفكرا معتبرا كما قال عه فى الصحيح : قراغ ی ا 
إلا قومًا ماتوا فى الغربة مؤمنين لم يكفنواء فإنهم يحشرون وقد كسوا ثيابًا من الجنة» 
وأقوامًا ماتوا شهداء فيقومون وقد كسوا من الجنةء وأقوامًا أيضًا من أمة محمد عله 
متحرين E E NE E‏ فان رسول الله عه قال: مر 
موتاكم إن أمتى تُحْشر بأكفانها وسائر الأمم عراةه رواه أبو سفيان مسنداً. وتال ٤ل‏ 
ايحشر الميت فى ثيابه) وبعض الموتى لما احتضر قال: اكسونى الثوب الفلانى» فمنع منه 
حتى مات فى غلالة ليس عليه غيرهاء فرئى فى المنام بعد أيام قلائل كأنه حزين فقال 
له: ما بالك؟ فأعرض عن خطابه ثم قال: منعتمونى ثوبى وجعلتمونی أحشر فى هذه 
الغلالة لا غير. 


سے ۲٦ں‏ دد مجموعة رسائلالإمامالفرالی سد 


فصل فى الإقامة التى بين النفختين 

. وهى الموتة الثشانيةء لأنها منعت من الحواس الباطنةء والموت الجسمانى منع من 
الحواس الظاهرة» لأن الأجرام هى الفاعلة للحركة» ولأنهم لا يصلّون ولا يصومون ولا هم 
يتعبدون» ولو لأدخل الله ملكا فى جئة لأقام فيهاء لأنه ذو حرص على التحيز إلى عالمه. 
والنفس جوهر بسيط» فإذا ركيت فى الجسد صحت حياته وأفعاله. 

واختلف الناس فى هذه المدة الكائنة بين النفختين» واستقر جمهورهم على أنها 
أربعون سنة» وحدثنى من لا أشك فى علمه ولا معرفته أن أمر ذلك لا يعلمه إلا الله تعالى 
لأنه من أسرار الربوبية» وكذلك حدثنى _ أن الاستثناء افع ماح سجاه وتعالى خاصة» 
فقلت: ما معنى: قول النبى يله : «أنَا أول من تنشق الأرض عنه يوم القيامة» فَِذا أى 
موسى آخ ا بقَائمَة العَرّش قَلا أذرى أَبْعث قَبْلى آَم كان ممن استتتاه الله عر وجل؟»2 فلا 
يخرج من هذا الحديث على ما نقدره لعب العامة وإن كان موسى الآن لا جثة له 
وبعد الاستثناء الذى عن رسول الله یله فی أمر الفزع» لأن البرايا عند الصعقة وعند 
الفزعة كما قال كعب وقد حدث فى مجلس عمر بن الخطاب 7 افيه عن هول المقام حيث 
قال: فلو كان ذلك يابن: الخطاب عمل سبعين نبيًا لظتنت: أنك لاتنجو :من ذلك اليوم إلا 
قومًا استشناهم الله فى هول الفزع والصعق وهم أهل المقام الرابع. لا شك أن موسى أحدهم 
والاستثناء من بلوغ الأمرء ولو كان هناك أحد لأجاب الله تعالى حين يقول لمن الملك اليوم 
لقال: لك يا واحدد يا قهار. 


فصل 

فإذا استوى كل أحد قاعدا على قبره فمنهم العريان والمكسو والأسود والأبيض» 
ومنهم من يكون له نور كالمصباح العظيم» ومنهم من يكون له نور كالشمسء إلا أن كل 
واحد منهم لا يزال مطرمًا برأسه ما يدرى ما يصنع ألف عام» حتى تظهر نار من المغرب لها 
دوى تسوق الخلق إلى المحشر» فيندهش لها رءوس الخليفة إنسا وحن ووحشًا وطيراء 
فيأخذ كل واحد عمله ويقول قم وانهض إلى المحشرء فمن كان له حيتئذ عمل جيد 
تشخص عمله بغلاً» ومنهم من تشخص عمله له حماراء ومنهم من تشخص له عمله 
كبشاء تارة يحمله وتارة يلقيه. ويجعل لكل واحد نور شعاعى بین یدیه» وعن بمينه مثلهء 
ا وهو قوله تعالى: ‏ نورهم يسعئ بين أيديهم وبأيمّانهم »4 
[التحريم : 4]. وليس عن شمائلهم نور بل ظلمة حالكة لا يستطيع أحد ينظر فيهاء يحتار 


ES EE E الوا زفق والوج تنظر ول وه‎ a 
ما أعطاه من النور المهتدى به فى تلك الشدة» ويسعى بين أيديهم» لأن الله يكشف للعبد‎ 
المؤمنالمتنعم عن أحوال أهل الشقاء المعذبين ليستبين له سبيل الفائدة؛ كما فعل أهل الحنة‎ 
وکما قال‎ .]٥ وأهل النار حيث يقول: 0 فاطلع فرآه في سواء ؛ الجحيم [الصافات:‎ 
سيحانه وتعالى*” وإذا صرفت أبصارهم تلقاء أصحاب الثار قالوا ربنا لا تجعلتا مع القوم‎ 
الاين [الأعراف: ۷]. لأن أربعًا ا قدرها إلا أربعة: لا يعرف قدر الحياة إلا‎ 
الموتى» ولا يعرف قدر الشدة إلا أهل النعم؛ ولا يعرف قدر الغنى إلا الفقراءء ولا يعرف‎ 
قدر الصحة إلا المرضى. ومن الناس من يسعى على قدميه وعلى أطراف بتاته» ومنهم من‎ 
له نور ينطفئ تارة ويشتعل أخرى» وإنما نورهم عند البعث على قدر إيمانهم» وسرعة‎ 
خطواتهم على قدر أعمالهم. قيل لرسول الله َه فى حديث صحيح : كيفه نحشر يا‎ 
رسول الله؟ قال: «اثتان على بعر وخمْسة على بعي وعشرةٌ على بعير؛ وفع نهدا‎ 
الحديث والله أعلم أن قومًا يتلاقون فى الإسلام فيرحمهم الله تعالى» خلق لهم من اعمات‎ 
بعيرا يركبون عليهء وهذا من ضعف العمل» لأنهم مشتركون معهم. فهم كقوم خرجوا فى‎ 
سفر بعيد وليس معهم أحدء منهم من يشترى مطية توصله» فاشترك فى ثمنها رجلان أو‎ 
ثلاثة» فاشتروا مطية يتعقبون عليها فى الطريق وقد يبلغ بعير مع عشرة. فهذا العجز فى‎ 
العمل معناه قبض اليد فى المال» أى منع التصرف فيهء ومع هذا يحكم له بالسلامة.‎ 
فاعمل هدذاك الله عملا يكون لك بعيرً خالصًا من الشركة» واعلم أن ذلك هو الجر‎ 
الرابح» فا متقون وافدون كما قال الجليل جل جلاله :ل يوم نحشر المتقين إلى الرحمن‎ 
وفی غريب الحديث أن رسول لله عه قال بوا لاسا كان‎ .٥ وفدا » امريم:‎ 


تاا ى 


رجل من بنى إسرائيل كثيرا ما يقعل احير حتى إنه حشر فيكما. قالوا له: وما كان يصنم؟ 


قال : ورت من أيه مالا كيرا فاشترى تاتا فحبسة للمساكين وال هذا بسئانى عند اش 


و مرو ٠ے‏ چ اح از 


وفرفق دنانير عديدة فى الضعقاء وقال بهذا أشترئ جارية من الله تعالى وعبيداء وأعتق رقابًا 


س ص ت ت 


كثبرة وال هؤلاء حدمي عند ال والقفت ذات يوم إلى رجل ضرير البصر فُرآه رة يمشى 


رص سكو صر وس اسع ل مه 


وتار یکیو َابتَاءٍ له مَطبَة يُسير عليه وال هذه مطيتى عند اله تعَلَى أركبها. والذى تفسى 
بيده لكَانَى أنظر إليْها وقد جىء بها مسرجة ملَجمَة لأركبّها فى المؤقف». وقيل فى تفسير 
قوله تعالى :فمن يمشي مكبًا على وجهه أهدئ أمَن يمشي مويًا على صراط صتَقيم4 
[الملك: ؟١١7].‏ أنه مثل ضربه الله ليوم القيامة فى حشر المؤمنين والكافرين» كما قال الله 
تعالى :ل وتسوق المجرمين إلى جهتم وردا) امريم: [A1‏ .أى مشاة ة على وجوههمء هذا 
قول يعض المفسرين» وليس الأمر كما حكاه. وإنما السر فى ذلك أنه ا ا كر 


على وجهه» والذى تأوله بعيد» لن اللّه تعالى ذكر الأرجل ذقَال تعالى « وأرجلهم بما 
كانوا يعملون 6 [النور: 4 - وقوله «إعميا وبَكما وصمًا 4 [الإسراء: ۷ . تفسير غير 
المقصد الذى أرادوه» 0 کک التى نبأك عليهاء فقد رأيت العرب يتمثلون بها 
ويقولون: هذا يمشى على وجهه. إذا كان يكبوء ومعناه: عميًا عن النور الذى يشعشع بين 
أيدى المؤمنين ون أيمانهم , ولس العمى الكلى إرادتهم» لأنه لا خلاف أنهم ينظرون 
السماء تنشى بالغمام» والملائكة تنزل» والجبال تسيرء, 0 0 أموال يوم 
القيامة تفسير قوله تعالى : «( أفسحر هذا أَم أنتم لا تبصرون ‏ (الطور: ه . فمعنى العمى 
فى القيامة الخوض فى الظلمة والمنع عن النظر إلى الكريمء 
به الأرض البيضاءء وهم قد ضرب على أبصارهم غشاوة لا ينظرون لى شىء من ذلك ر 
كذلك ضرب على آذانهم فلا يسمعون كلام الله تعالى والملائكة اين ينادون « لا خوف 
عیکم و 7 6 [الأعراف: 59]. 0 الحنة 0 ) دأزراجكم تحبرون 4 
رة 22> MS . [ro ys‏ 
بالضعف عن قدرته وإن كانت الصفة فيه موجودة كأنها معدومة الوجود فى حال دون 
حال. 

ومن الناس من يحشر بفتنته الدنيوية» فقوم مفتونون بالعود وعاكفون عليه دهرهم. 
فعند قيام أحدهم من قيره يأخذ بيمينه فيطرحه من يده ويقول سحقًا لك شغلتنى عن ذكر 
الله! فيعود إليه ويقول أنا صاحبك حتى يحكم الله بيننا وهو خخير الحاكمين. وكذلك يبعث 
السكران سكرانًا والزامر زامرا وكل اعد على الخال الذى صده عن سبيل الله و 
لحدث الذى ررى في الصحيح ون ارب ليحر الكو سملن فى عل ولت 
بيده ومو نتن من كل جيقة على الارض» بلع کل من عر عليه من اَل الك اها 
بسر اه وفى الصحيح أن اقول فى مل اله يأتى يوم الا وجرحه یشخب 
دمًا. اللون لون الدم» والريح ريح المسك حتى يقف بين يدى الله عز وجل . فإذا ساقتهم 
الملائكة زمر وأفواجًا تحت كل واحد ما قدر له وجمعوا فى صعيد واحد من إنس وجن 
وشيطان ووحش وسبع وطيرء تحولهم الملاثكة إلى الأرض الثانية وهى أرض بيضاء من فضة 
نورية» وصارت الملائكة من وراء العالمين حلقة واحدة فإذا هم أكثر من أهل الأرض بعشر 
مرات. ثم إن الله سبحانه وتعالى يأمر ملائكة السماء الثانية فيحدئون حلقة واحدة فإذا هم 
مثلهم عشرين مرة. ثم تنزل ملائكة السماء الثالئة فيحدقون من وراء الكل فتكون حلقة 
واحدة أكثر منهم ثلاثين ضعمًا. ثم تنزل ملائكة السماء الرابعة فيحدقون بالكل حلقة واحدة 


حب مبجموعةرسائل الإمامالفزالى سبيت د٦٥۵‏ = 
فإذا هم مثلهم بأربعين ضعمًا. ثم تنزل ملائكة السماء الخامسة فيحدقون من ورائهم حلقة 
واحدة فيكونون مثلهم خمسين مرة. ثم تنزل ملائكة السماء السادسة فيحدقون من وراء 
الكل حلقة واحدة وهم مثلهم ستين مرة. ثم تنزل ملائكة السماء السابعة فيحدقون من وراء 
الكل حلقة واحدة وهم مثلهم سبعين مرة. والخلق تتداخل ويندرج بعضهم فى بعض حتى 
يعلو القدم ألفث" قدم لشدة الزحامء ويخوض الناس فى العرق على أنواع مختلقة إلى الآذان 
وإلى الصدر وإلى الحلقوم وإلى المتكبين وإلى الركبتين» ومنهم هن يصيبه الرشح اليسير 
كالقاعد فى الحمام» ومتهم من يصيبه البلل كالعطكى إذا شرب الماء . واصحاب الراي هم 
أصحاب الكراسىء وأصحاب الكعبين قوم يموتون غرقى» والملائكة تناديهم 9 لا خوف 
عَْكُمِ ولا أنثم تحزنون 4 يد 61 وحدئلى بعض العارفين أنهم الأوابون كالفضيل 
این عیاض وغیره إذ الئیى ع له قال : «التائب من التب کمن لا َنْب لَه فإن ديل ذلك 
قول مطلق . 

وهذه الأصناف الثلاثة: أهل الرأى» والرشحء وأهل الكعب» هم الذين تبيض 
وجوههم ومن دونهم تسود وجوههم. وكيف لا يكون القلق والعرق والأرق وقد قربت 
الشمس من رءوسهم حتى لو أن أحذا مد يده يضاعف حرها سبعين مرة! وقال بعض 
السلف: لو طلعت الشمس على الأرض كهيتتها يوم القيامة لأحرقت الأرضص» وأذابت 
الصخرء وتشفت الأنهار. فبينما الخلائق يمرحون وهم فى تلك الأرض البيضاء التى ذكرها 
الله تعالى حيث يقول : يوم تیل الأرض غير الأرض والسموات ويروا لله الواحد 
القهار 4 [إبراهيم: .]٤۸‏ وهم على آتواع فى المحشرء وملوك أهل الدتيا كالذر كما , روى فى 
الخبر فى صقة المتكبر. وليس هم كهيئة الذر عيئّاء غير أن الأقدام تطأ عليهم حتى صاروا 
كالذر فى مذلتهم وانخقاضهم ‏ 

وقوم يشوبون ماء ياردًا عذبًا صافيّاء لأآن الصبيان يطوفون على آبائهم بكئوس من 
نهار الجنة يسقوتهم ‏ وعن بعض السلف الصاحين أنه تام قرأى القيامة قد قامت وكأنه فى 
الموقف عطشات» ورأى صييانًا صغارا يسقون التاس» قال فناديتهم ٠‏ ناولوتى شرية ماء! فقال 
لى واحد منهم: ألك فينا ولد؟ قلت: لاء قال: فلا إذا. وقى هقا فقلى التزويج. ولهذا 
الولد الساقى شروط ذكرناها فى كتايتا الإإحياءا. 

وقوم قد دتة على رءوسهم ظل يمنعهم من الحر وهى الصفقة الطيية». ولا" يزالون 
كذلك ألف عام حتى إذا سمعوا تقر التاقور الذى وصقناه فى كتاينا «الإحياء»» وهو من 
بعضى أسرار القرآن» فتوجل له اقلوب وتخشع له الأبصار لعظم نقره» وتساق الرءوس من 
المؤمنين والكاقرين يظتون ذلك عذابًا يزداد فى هول القيامة» فإذا بالعرش يحمله ثمانية 


أملاك يسير قدم الملك منهم مسيرة عشرين آلف سنة» وأفواج الملائكة وأنواع الغمام 
بأصوات التسبيح لا تطيقه العقول» حتى يستقر العرش فى تلك الأرض البيضاء التى خلقها 
الله تعالى لهذا الشأن خاصة» فتطرق الرءوس وتحصر وتنحبس» وتشفق البراياء وترعب 
الأنبياءء وتخاف العلماء» وتفزع الأولياء والشهداء من عذاب الله الذى لا يطيقه شئ . 
فبينما هم كذلك"إذ غشيهم نور غلب على نور الشمس التى كانوا فى حرهاء قلا يزالون 
يموج بعضهم فى بعض ألف عام والجليل لا يكلمهم كلمة واحدة» فحينئذ تذهب الناس إلى 
آدم عليه السلام فيقولون: يا آدم يا أبا البشر الأمر علينا شديد. وأما الكافر فيقول: يا رب 
ارحمنى ولو إلى النار؛ من شدة ما يرى من الهول. ويقولون: يا آدم: أنت الذى خلقك 
الله بيده» وأسجد لك ملائكته» ونفخ فيك من روحه»ء اشفع لنا فى فصل القضاء! فيؤمر 
بكل حيث يشاء سبحانه وتعالى فيفعل بهم ما يشاء فيقول: عصيت الله حيث نهانى عن 
أكل الشجرة» وآنا أستحى أن أكلمه فى هذه الحالة» ولكن اذهبوا إلى نوح عليه السلام فإنه 
أول المسلمين! فيقيمون آلف عام يتشاورون فيما بينهم» ثم يذهبون إلى نوح فيقولون له: 
أنت أول المرسلين» فيذكرون له مثل ذلك» ثم يطلبون منه الشفاعة فى فصل القضاء بينهم» 
فيقول: إننى دعوت دعوة أغرقت بها أهل الأرض» وإنى أستحى من الله تعالى أن أسأله 
مثل ذلك ولكن انطلقوا إلى إبراهيم خليل الله تعالى» هو سماكم المسلمين من قبل فلعله 
يشفع لكم! فيتشاورون فيما بينهم آلف عام ثم يأتونه عليه السلام فيقولون له: يا إبراهيم يا 
أبا المسلمين أنت الذى اتخذك الله خليلاً فاشفع لنا إلى الله لعله يفصل فيما بين خلقه! 
فيقول لهم: إنى كذبت فى الإسلام ثلاث كذبات جادلت بهن عن دين الله فأنا أستحى 
من الله أن أسأله الشفاعة فى مثل هذا المقام» ولكن أذهبوا إلى موسى عليه السلام فإنه 
اتخذه الله كليمًا وقربه نجيا عسى أن يشفع لكم. فيتشاورون فيما بينهم ألف عام والحال 
يزيد شدة والموقف ضيقًا فيأتون موسى فيقولون له: يا بن عمران أنت الذى اتخذك الله 
كليمًا وقربك نميا وأنزل إليك التوراة» فاشفع لنا فى فصل القضاء فقد طال المقام واشتد 
الزحام وتراكمت الأقدام ونادى أهل الكفر الإسلام من طول المقام! فيقول لهم موسى: إنى 
سألت الله تعالى أن يأخذ آل فرعون بالسنين وأن يجعلهم مثلاً للآخرين» وأنا أستحى من 
الله تعالى أن أسأله الشفاعة فى مثل هذا المقام مع أسباب جرت بينى وبينه فى المناجاة يلوح 
فيها تعريض الهلاك, إلا أنه ذو رحمة واسعة ورب تمفورء لكن اذهبوا إلى عيسى عليه 
السلام فإنه من أصح المرسلين يقينّاء وأكثرهم معرفة بالله تعالى» وأشدهم زهدا وأبلنهم 
حكمة» فلعله يشفع لكم! فيتشاورون فيما بينهم ألف عام والحال يزيد شدة والموقف يزداد 
ضيقًاء وهم يقولون: حتى متى نحن من رسول إلى رسول ومن كريم إلى كريم؟ فيأتون 


سک ببجووعة سانل الإماهالفزالى هی 0٦۷‏ = 


س غ الف ورول ا روح ا و ا رات الق مما اله وها فی 
الدنيا والآخرة؛ اشفع لنا إلى ربك فى فصل القضاء! فيقول إن قومى اتخذونى وأمى إلهين 
من دون الله» فكيف أشفع عند من عبدت معه وسميت له ابا وسمى لى أيّاء ولكن أرأيتم 
لو كان لأحدكم كيس فيه نفقة وعليه خاتم أكان يبلغ إلى ما فى الكيس حتى يفض الخاتم؟ 
قالوا: نعم يانبى الله» قال لهم: اذهبوا إلى سيد المرسلين وخاتم النبيين أخى العرب» فإنه 
ادخر دعوته شفاعة لأمته. وكثيرا ما آذاه قومه: شجوا جبيته» وكسروا زباعيته. وجعلوا بينه 
وبين الحنة تسا وإنه لأحسنهم فخاراء, زأكبرهم شرفاء 1 يقول كما قال الصديق 

ته: «إلا تغريب عليكم اليوم يغفر الله كم وهو أرحم الراحمین ‏ [يوسف: ۹۲]. 
اع ار تى امتلأت نفوسهم حرصا على 
الذهاب إليه» فساروا حتى أتوا إلى منبره عه وقالوا له : أنت حبيب الله والحبيب أوجه 
الوسائط» اشفع لنا إلى ربك! فقد ذهبنا إلى أبينا آدم فأحالنا على توح» فذهبنا إلى نوح 
فأحالنا على إبراهيم» وذهبنا إلى إبراهيم فأحالنا على موسى» فذهبنا إلى موسى فأحالنا 
على عيسى» فذهبنا إلى عيسى فأحالنا عليك صلى الله عليك وسلم» وليس بعدك مطلب 
ولا عنك مهرب فيقول تَبْلَهَ : أنا لها حتى يأذن الله لمن يشاء ويرضى . ثم بنطلق تله إلى 
سرادقات الجلال فيستأذن فيؤذن له» ثم يرفع الحجاب ويلج إلى العرش ويخر ساجدا يمحكث 
فيها ألقّاء ثم يحمد الله تعالى بمحامد ما حمده بها أحد قط. قال بعض العارفين: إن تلك 
المحامد التى أثنى الله بها على نفسه يوم فراغه من خلقه. فيتحرك العرش تعظيمًا وقد حاز 
صحيفة من الصحف التى تقدم ذكرها فى «الإحياء» والناس فى تلك المدة قد ضاق 
مكانهم» وساءت أحوالهم» وترادفت أهوالهم» وقد طوق كل واحد منهم ما بخل به فى 
الدنيا: فمانع زكاة الإبل يحمل بعيرا على كاهله له رغاء وثقل يعدل الجبل العظيم» ومانع 
البقر يحمل ثور على كاهله له خوار وثقل يعدل الجبل العظيم . والرغاء والخوار كالرعد 
القاصف . ومانع زكاة الزرع يحمل على كاهله أعدالاً قد ملئت من الجنس الذى كان يبخل 
به 7 كان أو شعيراء أثقل ما يكونء ينادى تحته بالويل والثبور» ومانع زكاة المال يحمل 
شجاعًا أقرع له زبيبتان» وذنبه قد صب فى منخره» واستدار بجیده» وتقل على کاهله» 
حتى كأنه طوق به كل رحى فى الأرض . وكل واحد ينادى ما هذا فتقول لهم الملائكة : هذا 
ما بخلتم به رغبة فيه وشحًا عليه» وهو قوله تعالى: سيِطَوَقُونَ ما بخلوا به يوم القيامة 4 
[آل عمران: ۱۸۰]. وآخرون قد عظمت فروجهم وهى تسيل صديدا تتأذى بنتنهم جيرانهم . 
وآخرون قد صلبوا على جذوع النيران» وآخرون قد حرجت ألسنتهم على صدورهم أقبح ما 
يكون» وهم الزناة واللاطة والكاذبون» وآخحرون قد ععظمت بطونهم كالجبال الرواسى» وهم 
آکلوا الربا. وکل ذنب قد بدا سوء ذنبه ظاهرًا عليه . 


چیھ 0٦۸‏ سسشسسسب مجموعة رسائل الإمام الفزالى لت 


قصل 

فيتادى الحليل جل جلاله يا محمد ارفع رأسك. وقل يسمع لك. واشفع تشقعء 
فبقول عله : يا رب افصل بين عبادك! وقد أفصح كل واحد بقنيه فى عرصات يوم القيامة . 
فيأتى التداء نعم نيا محمدء ويأمر الله بالجنة فتزخرف ويؤتى بها ولها تيم طيب أعبى ما 
يكون وأزكىء فيوجد ريحها مسرة خحمسماتة عامء قتيرد القلوب» وتحيا التقوسء إلا عن 
كانت أعمالهم حييثة فإنهم متعو! من ريحهاء فتوضع عن بمين العرش. ثم يأمر الله تعالى 
أن يؤتى بالنارء قترعب وتفرع» وتقول للمرسلين إليها عن الملائكة : أتعلمون أن الله خلق 
خلقًا يعذبنى به؟ فيقولون: لا وعزته؟ وإغا أرسل إليك لتنتقمى من عصاة ربكء ومثتل هذا 
اليوم خلقت. فيأتون بها تمشى على أربع قوائم. تقاد بسبعين ألف زمام. فى كل زمام 
سبعون ألف حلقة نلو جمع حديد الدنيا كله ما عدل منها حلقة واحدةء على كل حلقة 
سبعوت لف زبانى لو أمر زبانى منهم أن يدك الجبال لدكها وأت يهد الأرض لهدهاء وإذا لها 
شهيق ودوى وشربر ودعات» تفور حتى الأفق ظلمةء قإذا كان يينها وبين الخلق مقدار ألف 
عام انقلتت من أيدى الزبانية حتى تأتى إلى أهل الموقف ولها صلصة وتصفيق وسحيق 
فيقال: ما هذا؟ نفيقال: جهنم اتفلتت من أيدى سائقيها ولم يقدروا على إمساكها لعظم 
شأنهاء فجشو! الكل على الركب. حتى المتوسلون. وتعلق إبراهيم وموسى وعيسبى 
بالعرش. هذا قد تسى الذبيح» وهذا قد نسى هارونء وهذا قد نسى مريمء ويجعل كل 
واحد منهم يقول: يا رب نفسى لا أسألك اليوم غيرها. وهو الأصح عندى. ومحمد عليه 
الصلاة والسلام يقول: أمتى سلمها ونجها يا رب؟ وليس فى الموقف من تحمله ركبتاه وهو 
قوله تعالى: «وترى كل امه جائية كل أُمّ تدعئ إِلَىْ كتابها 4 [الجائية: 4. وعند تفلتها 
تكبو من الحنق والغيظ وهو قوله تعالى: ڌا رأتهم من مكانٍ بيد سمعوا لها تغيظا 
ززفیرا ) التفرقان: .]١*‏ أى تعظيما وحنمًا يقول سبحانه وتعالى تكاد غيز ألى تكاد تنشق 
نصفين من شدة غيظها فبرز عه ويأخذ بخطامها ويقول لها ارجعى مدحورة إلى خلفك 
حى تأتيك أفواجك! ختقول: خل سبيلى فإنك يا محمد على حرام» فینادی متاد من 
سرادقات العرش: اسمعى منه وأطيعى له! ثم تجذب وتجعل على شمال العرش» ويتحدث 
أهل الموقف بجذيهاء فيسخف وجلهم وهو قوله تعالى : لإ وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين » 
[الانبياء: ..1١٠۷‏ غهتاك ينصب لليزات وهو كقتان: كقة من تور عن يمين العرشء وكفة عن 
يساره من ظلمة. ثم يكشف الخليل عن ساقه فيسجد التاس تعظيمًا له وتواضعك إلا الكقار 
فإن أصلابهم تعود حديدًا فلا يقدرون على السجود وهو قوله تعالى: «إيوم يكشف عن 


سے مجموعة رسال الامامالفرالى س 0۹ س 


ماق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون 4 (القلم: €[ . وروى البخارى فى تفسير تفسيره مسندا 
إلى رسول الله تله قال: "خشف الله عن ساقه يوم القيامة فَيَسْجد كل مؤمن ومؤمئة؛ وقد 
أشفقبت من تأويل الحديث وعدلت عن منكريه» وكذا أشفقت ف كر فة اران وزيفت 
قول واضعيه با مئل وجعلته محيزا إلى العالم الملكوتى» فإن الحسنات والسيئات أعراض» ولا 
يصح وزن الأعراض إلا باليزان الملكوتى . فبينما الناس ساجدون إذ نادى الجليل بصوت 
کو دک تييع من ديه أنا الملك أنا الديان - حكاه البخارى - لا يجاوزنى 
ظلم ظالم؛ فإن جاوزنى فأنا الظالم. ثم يحكم بين البهائم» ويقتص للجماء من القرناءء 
ويفصل بين الوحش والطيرء ثم يقول لها: كونى ترابًا! فتسوى بها الأرض. ويتمنى الكافر 
فيقول يا ليتنى كنت ترابًا! ثم يخرج النداء من قبل الله: أين اللوح المحفوظ» فيرى به هوج 
عظيم فيقول الله: أين ما سطرت فيك من توراة وإنجيل وفرقان» فيقول: سلبنى الروح 
الأمين» فيؤتى به يرعد وتصطك ركبتاه فيقول اللّه: يا جبريل هذا اللوح يزعم أنك نقلت 
منه كلامى ووحيى أصدق؟ فيقول: نعم يا رب! فيقول له: فما فعلت فيه؟ فيقول: أنهيت 
التوراة إلى موسى» والإنجيل إلى عيسى» والفرقان إلى محمد عله وأنهيت إلى کل رسول 
رسالتهء وإلى أهل الصحف صحائفهم. فإذا بالنداء: يا نوح! فيؤتى به يرعد وتصطك 
فرائصه فيقول له يا نوح زعم جبريل أنك من المرسلين» قال: صدق» فيقول له: ما فعلت 
مع قومك؟ قال دعوتهم ليلأ ونهارا فلم يزدهم دعائى إلا فرارًا. فإذا بالنداء: يا قوم نوح! 
فيؤتى بهم زمرة واحدة فيقال هذا أخوكم نوح يزعم أنه بلفكم الرسالة» فيقولون: يا ربنا 
كذب ما بلغنا من شئ» وينكرون الرسالة» فيقول اللّه: يا نوح ألك بينة عليهم؟ فيقول: 
نعم يا رب بيتتى عليهم محمد وأمته؛ فيؤتى بالنبى فبقول الله عز وجل: يا محمد هذا نوح 
يستشهدك» فيشهد له بتبليغ الرسالة ؤيقراً أ عه ل إنا أرسلنا نوحا # [نوح : .]١‏ إلى آخرها 
فيقول الجليل: قد وجب عليكم الحق وحقت عليكم كلمة العذاب» فقد حقت على 
الكافرين» فيؤمر بهم زمرة واحدة إلى النار من غير وزن عمل ولا حساب . ثم ينادى: ين 
ل و کو الوه كما افكل قوم الوح هع خوج فيشهد عليهم النبى وخيار أمته 
فيتلو «[ كذّبت عاد الْمرسّلين » [الشعراء: *15]. : فيؤمر بهم إلى النار. ثم ينادى : ايا صالح 
ويا ثمود! فيأتون فيستشهدون عتدما ينكرون النبى عله , لھ فيتلو :9 كذبت ثمود الْمرسلينَ» 
[الشعراء: .]٠٤١‏ إلى آخر القصة› لفحل ب وي ولا يزال يخرج أمة بعد أمة قد أخبر 
عنهم القرآن بيانّاء رم فيه إشارة» كقوله تعالى: ل وقرونا بين ذلك كيرا ) [الفرقان: 
28). وقوله: ثم أَرَسلنا رسلنا تترا کل فا جاع اما رسولها 0 [المؤمتون: 414]. 
اشنا لني ل سد لا سي ا اي ا 4]. وفى هذا تثبيه 


على أولئك القرون ا م يارخ ومارخ ودوح وأسر وما أشبه ذلك» حتى ينتهى 
النداء إلى أصحاب الرس وشبع وقوم إبراهيم» وفى كل ذلك لا يروج» أى يرتفع لهم 
ميزان» ولا يوضع لهم حساب» وهم عن ربهم يومئذ محجوبون». والترجمان يكلمهم»ء > لآن 
من نظر إليه الله وكلمه لم يعذب. ثم ينادى بموسى فيآتى وهو كأنه ورقة فى ريح عاصف 
فيقول له: يا موممى إن جبريل زعم أنه بلغك الرسالة والتوراةء فتشهد له بالبلاغ؟ قال: 
نعمء قال: قارح جع إلى منبرك واتل ما أوحى إليك! فيرقى المبر ويقرأ فينصت كل من فى 
الموقف» فيأتى بالتوارة غضة طرية على حسبها يوم أنزلت حتى يتوهم الأخبار أنهم ما 
عرفوها يوما. ثم ينادى: يا داود! فيأتى وهو يرعد كأنه ورقة فى ريح عاصف. ويقول جل 
ثناؤه: يا داود زعم جبريل أنه بلغك الزبورء فتشهد له بالبلاغ؟ فيقول: نعم يا ربء فيقول 
له: ارجع إلى منبرك واتل ما أوحى إليك! فيرقى ويقرأ وهو أحسن صونًا. وفى الصحيح 
أنه صاحب مزامير أهل الحنة . فيسمع صوته أمام تابوت السكينةء فيقتحم الجموع ويتخطى 
الصفوف حتى يصل إلى داودء فيتعلق به فيقول: أما وعظك الزبور حتى نويت لى شرا؟ 
فيخجله ويسكته مفحماء فيرتج الموقف لما يرى الناس من شأن داود عليه السلام. ثم يتعلق 
به فيسوقه إلى الله فيرخى عليهم السترء فيقول: يا رب أنصفنى منه! فإنه تعمدنى 
بالهلاك؛ وجعلنى أقاتل حتى قتلت» وتزوج امرأتى وعنده يومئذ تسع وتسعون امرأة 
غيرهاء فيلتفت الجليل إلى داود فيقول له: أصدق فيما يقول؟ فيقول له: نعم يا رب» وهو 
منكس رأسه حياءً وتوقعًا لما ينزل به من العذاب» ورجاء فيما وعده الله من المغفرة» فكان إذا 
خاف نكس رأسه» وإذا طمع ورجا رفعه» فيقول الله تعالى: قد عوضتك عن ذلك كذا وكذا 
من القصور والولدانء فيقول: رضيت يا رب. ثم يقول لداود: اذهب قد غفرت لك ). 
وكذا شأنه سبحانه وتعالى مع من أكرمه. يعطى عنه من سعة رفده وعظيم عفوه» ثم 
يقول له: ارجع إلى منبرك واقرأ بما بقى من الزبور! و ومر ت ارا ان 
ينقسموا قسمين: قسم مع المؤمنين» وقسم مع المجرمين. 5 ثم ينادى المنادى : أين عيسى ابن 
مريم؟ ؟ فيؤتى به فيقول له: أنت قلت للناس اتخذونى وأمى إلهيين من دور الله؟ فيحمد ما 
شاء اللّمء ويثنى عليه كثيراء ثم يعطف على نفسه بالذم والاحتقار ويقول: ف( سبحاتك ما 
يكُون لي أن أَقُول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فَقَد علمته تَعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في 
نفسك إِنك أنت عدم الغيوب ‏ (اللائدة: 71 ] قيض حك الله تعالى ويقول: (هذا يوم 


ينفع الصادقين صدفهم 4 [المائدة: 6114. صدقت يا عيسى ارجع إلى منبرك واتل الإنجيل 


)١(‏ من الأفضل أن ننأى بالأنبياء عن هذه الإسرائيليات التى افتراها اليهود على الأنبياء ومنها هذه 
الرواية الكاذبة (الناشر) . 


حب مجموعة رسال الإمام القزالى سسسب بحبح ماد = 


الذى بلغك جبريل! فيقول: : نعم ثم يقرأ فتشخص إليه الرءوس من حسن ترديده 
ونر جیعه»› فإنه أحكم الناس به روايةق ان ا حتى يظن الرهبان أنهم ما علموا 
منه آية قط . ثم ينقسم النصارى فرقتين: المجرمون مع المجرمين» والمؤمنون مع المؤمنين. ثم 
يخرج النداء: أين محمد؟ فيؤتى به عَلِّهُ فيقول له: يا محمد هذا جبريل يزعم أنه بلغك 
القرآن» فيقول . 4 نعم ل یا رب» فيقال له: : ارجع إلى منبر ك واقراً! فيتلو ع له القرآن فيأتى به 
مااع حدر و مر إن وجوههم ضاحكة مستبشرة» 0 
مر اله را و 1٦‏ رد بلول سان دس 
فقول ماذًا أ- جبثم قَالُوا لا علّم لَنَا إِنّكَ أنت عَلاُمْ الغيرب © اللائدة: 4., والأول أصح» 
حكيناء فى «الإحياء» لأن الرسل يتفاضلون والمسيح عليه السلام من أجلهم لأنه روح الله 
اكلم قو ا لحل مو لوي ل 
سمعته قط . فإذا فرغت اراز ع E‏ ال « وامتازُوا 
لمم اجر ی لك 0 فيرتج الموقف ويقوم فيه روع عظيمء والملائكة قد 
نبيك بعنًا إلى النار! فيقول: كم يا رب؟ فيقول له: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين 
إلى النار وواحدا إلى الجنة. فلا يزال يستخرج من سائر الملحدين والغافلين والفاسقين حتى 
الل ا ن او من يزع له المزان و ی ا ی وكل من وصلت 
ا فإذا اعتزلوا وأيقنوا أنهم هالكون قالوا: آدم ١د‏ ظلمنا ومكن 
الزبانية من نواصيناء فإذا النداء من قبل الله تعالى :ل لا ظلم اليوم إن اله سريع الحساب 4 
[غافر : ۱۷]. فيستخرج لهم كتاب عظيم يسد ما بين المشرق والمغرب فيه جميع أعمال 
الخلائق» فما من صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ف ولا يظلم ربك أحدا 4 [الكهف: 14 
وذلك أن أعمال الخلائق كل يوم تعرض على الله فيأمر اا أن ينسخوها فى ذلك 
الكتاب العظيم وهو قوله تعالى: إا كنا نستسخ ما كنتم تَعملون » (الجائية: 4 ثم 
ينادى بهم فردا فرذا فيحاسب كل وخ منهم» فإذا الأقدام تشهد» ول تشهدان وهو 
قوله تعالى :ل يوم تشهد عليهم ألستهم وأيديهم رأرجلهم بما كانوا يعملون ) انور [Yt‏ 
EET‏ ل 


کی ١۷ن‏ سسسب مجموعة رسائل الإمام الفزالى ‏ سد 


ويجادل على نفسه وهو قوله تعالى: «[ يوم تأتي كل نفس تجادل عن نَفْسها # النحل : 
.١‏ ويخثم على فيه وهو قوله تعالى :ط اليوم نختم علئ أفُواههم وتَكلَمنا أيديهم وتشهد 
أرجلهم_بما كانوا يكسبون # (يس: 10]. فتشهد جوارحه عليه فيؤمر به إلى النار» فيجعل 
يلوم جوارحه فتقول له: ليس عن اختيارناء أنطقنا الله الذى أنطى كل شئ. . ثم يدفعون بعد 
الفراغ إلى خحر زنتهسجهنم فترتج أصواتهم بالبكاء والضجيحج» ويكون لهم رجة عظيمة حين 
يعرض الموحدون المؤمنون» فتحدق بهم الملائكة تلقى كل واحد منهم يقول:«ل هذا يومكم 
الذي كنتم توعدون 4 [الأنياء: .٣‏ والفزع الأكبر فى أربعة مواضع: عند نقر الناقورء 
وعند تفلت جهنم من الخزنة» وعند إخراج بعث آدم» وعند دفعهم إلى الخبزانة . فإذا بقى 
الموقف ليس فيه إلا المؤمنون. والمسلمون المحسنون. والعارفون» والصديقونء والشهداء. 
والصالحون» والمرسلون» ليس فيهم مرتاب ولا منافق ولا زنديق فيقول الله تعالى: يا أهل 
الموقف من ربكم؟ فيقولون: الله ء فيقول لهم: تعرفونه؟ فيقولون: نعم» يسار العرش لو 
جعلت البحار السبعة فى نقرة إبهامه ما ظهرت فيقول لهم: أنا ربكم» بأمر اللهء فيقولون: 
نعوذ بالله منك! فيتجلى لهم ملك عن يمين العرش لو جعلت البحار الأربعة عشر فى نقرة 
إبهامه ما ظهرت فيقول لهم: أنا ربكم» فيتعوذون بالله منه. ثم يتجلى لهم الله تعالى فى 
الصورة التى كانوا يعرفونها وسمعوه وهو يضحك في جدون له جميعهم فيقول أهلاً بكم» 
ثم ينطلق بهم سبحانه إلى الجنة فيتبعونه فيمر بهم على الصراط والناس أفواج» أعنى 

المرسلين ثم النبيين ثم الصديقين ثم المحسنين ثم الشهداء ثم المؤمنين ثم العارفين» ويبقى 
المسلمون منهم المكبوب على وجهه. ومنهم المحبوس فى الأعراف» ومنهم قوم قصروا عن 
تام الإيمانء ومنهم من يجوز الصراط على مائة عام» وآخر يجوز على ألف عام؛ ومع 
ذلك كله لا تحرق النار كل من رأى ربه.عيانًا لا يضام فى رؤيته. وأما المسلم والمحسن 
والمؤمن فقد كشفنا عن مقام كل واحد منهم فى كتابنا المسمى (بالاستدراج» وهم فى زمرة 
الانطلاق قد كثر مرورهم وترددهم بالحوع والعطش» قد تفتتت أكبادهم» لهم نفس 
كالدخان» يشربون من الحوض بكئوس عدد نجوم السماء» وماؤه من نهر الكوثر» وقدره من 
إيلياء إلى صنعاء طولاء وعرضه من عدن إلى يثرب» وهو قوله عليه الصلاة والسلام: 
١منبرى‏ على حوضى' أى على أحد حافتيه فى المكيال والمقدارء والمذادون عنه هم المشتغلون 

فى حبس الصراط بمساوى قبائح ذنوبهم» فكم من متوضئ لا يحسن أن يسبغ وضوءه» 
وكم من مصل لم يسأل عن صلاته اتخذ صلاته حكاية قد عريت من الخضوع والخشوع لو 
قرصه نملة لالتفت» والعارفون بجلال الله لو قطعت أيديهم وأرجلهم ما ارتجواء لذلك 
شغلتهم الهيبة والفكرة لعلمهم بقدر من قاموا بين يديه» فربما رجل لسعته العقرب فى 


جح مبووعةسائل الإمام الفزالى ‏ سس سس سسسب سح ٣۷ں‏ = 


مجلس أمير الأمراء لم يتحرك صبرا عليها وتعظيمًا للأمير فى المجلس» فهذه حالة الآدميين 
مع المخلوق لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضراء فكيف حال من يكون. قائمًا بين يدى الله عز 
وجل وهيبته وسلطانه وعظمته وجبروته! وحكى الظالم العارف أنه يؤتى به إلى الله تعالى 
فتخرج عليه المظالم ويتعلق به المظلوم فيقول له: التفت أيها المظلوم فوق رأسك! فإذا بقصر 
عظيم تحار فيه الأبصار فيقول: ما هذا يا رب؟ فيقول: إنه للبيع فاشتره منى! فيقول: ليس 
معى ثمنه» فيقول: إن ثمن هذا أن تبرئ مظلمة أخيك فالقصر لك. فيقول: قد فعلت يا 
رب. هكذا يفعل الله بالظالمين الأوايين وهو قوله تعالى: فَِنَهُ كان للأَوَابينَ غفورا) 
[الإسراء: 16]. والأواب الذى أقلع عن الذنب فلم يعد أيداء وقد سمى داود عليه السلام 
أوابًا وغيره من المرسلين. 


فصل فى كيفية دعاءأهل الموقف 

وذكرالاختلاففيما جاءفى تمسيره 
وفى الصحيح أن أول ما يقضى الله تعالى فى الدماء؛ وأول من يعطى الله أجورهم 
الذين ذهبت أبصارهم. نعم ينادى يوم القيامة بالمكفوفين فيقال لهم: أنتم أحرى. أى أحق 
من ينظر إليه» ثم يستحى الله منهم فيقول لهم: اذهبوا إلى ذات اليمين! ويعقد لهم راية» 
وتجعل فى بد شعيب عليه السلام» فيصير أمامهم ومعهم من ملائكة النور ما لا يحصى 
عددهم إلا الله؛ يزفونهم كما تزف العروسء فيمر بهم على الصراط كالبرق الخاطف» 
وصفة أحدهم فى الصبر والحلم كابن عباس ومن ضاهاه من هذه الأمة. ثم ينادى: أين 
أهل البلاء؟ ويريد المجذومين» فيؤتى بهم فيحييهم الله بتحية طيبة بالغة» فيؤمر بهم إلى 
ذات اليمين ويعقد لهم راية خضراء وتجعل بيد أيوب عليه السلام فيصير أمامهم إلى ذات 
اليمين» وصفة المبتلى صبر وحلم: كعقيل بن أبى طالب ومن ضاهاه من هذه الأمة. ثم 
ينادى: أين الشباب المتعففون؟ فيؤتى بهم إلى الله فيترحب بهم ما شاء الله أن يقول» ثم 
يأمر بهم إلى ذات اليمين ويعقد لهم راية خحضراء» ثم تجعل فى يد يوسف عليه السلام 
ويصير أمامهم إلى ذات اليمين» وصفة الشباب صبر وحلم كراشد بن سليمان ومن ضاهاء 
من هذه الأمة. ثم يخرج النداء: أين المتحابون فى الله؟ فيؤتى بهم إلى الله فيترحب بهم 
ويقول ما شاء اللّه» ثم يأمر بهم إلى ذات اليمينء وصفة المتحابين فى الله صبر وحلم لا 
يسخط ولا يسئ من/توارد الأحوال الدنيوية كأبى تراب أعنى على بن أبى طالب تاه ومن 
ضاهاه من هذه الأمبة. ثم يخرج النداء: أين الباكون من خشية الله؟ فيؤتى بهم إلى الله 
فتوزن دموعهم ودماءً الشهداء ومداد العلماء فيرجح الدمع» فيؤمر بهم إلى ذات اليمين 


کک غ0 سس سس سسسب مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


ويعقد لهم راية ملونة لأنهم بكوا فى أنواع مختلفة: هذا بكى خومًاء وهذا بكى طمعاء 
وهذا بكى ندمّاء وتجعل بيد نوح عليه السلام فتهم العلماء بالتقدم عليهم ويقولون علمنا 
أبكاهم. فإذا النداء: على رسلك يانوح! فتوقف الزمرة ثم يوزن مداد العلماء ودم الشهداء 
فيرجح دم الشهداء على مداد العلماء» فيؤمر بهم إلى ذات اليمين ويعقد لهم راية مزعفرة 
وتجعل فى يد يى ثم ينطلق أمامهم» فهم العلماء بالتقدم» ويقولون: عن علمنا قاتلواء 
فنحن أحق منهم بالتقدم فيضحك الله عز وجل ويقول: هم عندى كأنبيائى اشفعوا فيمن 
تشاءون! فيشفع العالم فى أهل بيته وجيرانه وإخوانهء ویأمر کل واحد منهم ملكنًا ينادى فى 
ل 
RE‏ م إليه من فعل معه شينًا من ذلك فيشفع له. . وفى 


ےو Vy‏ فر لاتير بير ص لت له سل سه 


الصحيح إن اول مر به يشقع الُرسلّون ثم النبيون ثُم العلّماء». ويعقد لهم راية بيضاء تجعل 
فى يد إبراهيم عليه السلام فإنه أشد المرسلين مكاشفة. ونضرب عن هذا الفن. ثم ينادى 
مناد: أين الفقراء؟ فيؤتى بهم إلى الله تعالى» فيقول لهم: مرحبًا بمن كانت الدنيا سجنهم» 
ثم يأمر بهم إلى ذات اليمين وتعقد لهم راية صفراء وتجعل فى يد عيسى عليه السلام ويصير 
أمامهم إلى ذات اليمين. ثم ينادى: أين الأغنياء؟ فبؤتى بهم إلى الله تعالى فيعدد لهم ما 
خولهم EES‏ عام 7 ثم يأمر بهم إلى ذات اليمين د فلو وتجعل بيد 


وس Aro‏ ممه 0 


جابمان الان ور اا ال اا ا وف اي «إن أربعة يستشهد عليْهم 
بار بتادى بالأغنياء وأهل الغبطة فيقال لهم هم ما شعَلكم عن عبَادة لله؟ شقولون: أعطانًا 


ملكا وغبطة شغلتا عن القيام بحمّه فيقال: : من اعم م ملكا أ انتم ام هان فقون 
یلبمان» فیقال: ما غل ذلك عن القيام قي . ثم يقال: أبن مل البَلاء؟ ' تی بهم 
رو ق رقن و ت ر 2 م 


فبقولون لهم: أى شئ شغلكم عن عبادة الله؟ فقولون: لاتا اله فی الدنيا فشغلتا عن ذره 


والقيام بحقهء يقال لهم: من أشد بلاء شم ام أيوب؟ فيقولون: أبوب" فال ی ما كله 
ذلك عن القسيام بحق الله. ثم ينادَى أَيْنَ الشباب ولَمَالِيكَ؟ ' فَيؤتَى بهم قَيِقَال لهم: ما 
شغلكم عن عبادة اله؟ فيقولون: ل لا 

ص ووم 2 وا کی ا ع ل ا کے 7ر 
, وتقول الَمَالِيك: : شَعَلَنَا رق العبودية, يخال ليم : أنتم أ لصالا رسا فيقولون: 


يوسف. فيقال لهم: ماشه ذلك وهو فى ارق عن القام بحن اه ثم يتَادى: :أبن الفقراء؟ 
يو بهم يقال لوم : ما شغلكم عن القيام بح اللَّه؟ جقولون: ابتلیتا فی الدنيا بالققر 


سے ا سے رم ا ا ار 


نا عن القيّام بح ال فيقال لهم: من اشد ففرا عيسى عبن ام انت ؟ بَولون: عيسى» فیقال: 


42 


ما شغلّه عن ذکرنا؟. و فمن بعلن بشرء من عقه الأري فليذكر ضاني وقد کان عله يقول 
فى دعاته : «اللّهم إِنى أعودٌ بك من فَثئّة الغتى الق فاعتبروا بالمسيح فقد صح أنه ما كان 


سے مجموعة رسائلالإمامالفزالی یی ١۷د‏ = 
اف ا ترق" لسن جه ری عر س وها کان لسك سباع إلا كوو وة 
ومشطء فرأى يومًا رجلا يشرب بيده فرمى الكوز ولم يمسكه بعد. ورأى رجلا آخر يخلل 
لحيته بييده فرمى المشط من يده ولم يمسكه بعد. وكان يقول عليه السلام:: دابتى رجلاى» 
وبيوتى كهوف الأرض» وطعامى تباتهاء وشرابى أنهارها. وفى بعض الصحف المنزلة: يا 
ابن آدم حسنة وسيعئة من أنواع الحياة والقتل متعمدا والخطأ أيضًا إذا استهين بكفارته ولم 
يقتص» فاحذرهما فإنهما فعل عظيم» والكبائر قد يرجى لصاحبها الشفاعة بعد التخليص» 
فأكرمهم يخرج من النار بعد ألف سنة وقد امتحش. وكان الحسن البصرى رحمه الله تعالى 
يقول فى كلامه: ياليتنى ذلك الرجل! ولا شك أنه كان رحمه الله تعالى عالًا بأحكام 
الآخرة. ويؤتى يوم القيامة برجل فلم يجد حسنة ترجح بها ميزانه أو قد اعتدلت بالسوية 
فيقول الله تعالى له رحمة منه: اذهب فى الناس من يعطيك حسنة أدخلك بها الجنة» فيسير 
يجوس خلال الناس فما يجد أحذًا يكلمه فى ذلك» وكل من كلمه وسأله يقول: أخشى أن 
يخف ميزانى أنا أحوج إليها منك. فييأس فيقول له رجل: ما الذى تطلب؟ فيقول له: 
حسنة واحدة» فلقد مررت بقوم لهم منها الوق ارا على ن تقول" له الخ © لق لقي 
الله تعالى فما وجدت فى صحيفتى إلا حسنة واحدة وما أظن أنها تغنى عنى سيأحذها هبة 
منى إليك» فينطلق بها فرحا مسرور فيقول الله له: كيف جاء لك؟ وهو سبحانه أعلم» 
فيقول ما كان منه مع الرجل» فيدعى بالرجل الذى أعطاه الحسنة فيقول الله تعالى: كرمى 
أوسع من كرمك» خخذ بيد أخخيك وانطلق إلى الجنة! وإذا استوى كفتا الميزان لرجل فيقول 
الله: لا هو من أهل الجنة ولا هو من أهل النارء فيأتى الملك بصحيفة يضعها فى كفة 
السيئات فيها مكتوب «أف» فترجح على الحسنة لأنها كلمة عقوق» فيؤمر به إلى النارء 
فيلتفت الرجل ويطلب أن يرده الله إليه» فيقول: ردوه! ثم يقول له: أيها العبد العاق لأى 
شىء تطلب؟ فيقول: إلهى إنى رأيت أنى سائر إلى النار لا بد لى منهاء وكنت عاقًا لأبى 
فضعف على عذاب أبى وأنقذه منها! قال فيضحك الله ويقول: عققته فى الدنيا وبررته فى 
الآخرة» خذ بيد أبيك وانطلق به إلى الجنة! فما من أحد يذهب به إلى النار إلا والملائكة 
:وكيد E a E‏ حتى لقد ينادى بقوم لا خلاق لهم خلقوا حطبًا لها 
وحشواً فيقال: «( وقفوهم إنهم مسئولون & [الصافات : . فتحبس تلك الزمرة حتى 

يخرج النداء فيهم : و ا ل 0 فيستسلمون ويعترفون بالذنب 
كما قال الله تعالى: © فاعترفوا بذنبهم 4 [اللك: ١‏ . فيدفعون دفعة واحدة إلى النار. 
وكذا يؤتى بأهل الكبائر من الأمة شيوخًا وعجائز ونساء 01 فإذا نظر إليهم مالك خازن 
جهنم قال: أنتم معاشر الأشقياء ما لى أرى أيدكم لا تغسل ولم تسود وجوهكم؟ ما ورد 


کک 01 دد مجموعة رسائل الإمام الغزالس د 
عل ا خن ا رار ةا مالك يكن اشقياء أيه معد جف ن عل د 
فيقول لهم: ابكوا فلن ينفعكم البكاء» فكم من شيخ وضع يده على لحيته يقول واشيبتاه 
واطول حزناه! وكم من كهل ينادى وأطول مصيبتاه وأذل مقاماه! وكم من شاب ينادى 
واشباياه! وكم من امرأة قد قبضت على شعرها وهى تنادى واسوأتاه وافضيحتاء! فإذا النداء 
من قبل الله تغالى: يا مالك أدخلهم النار من الباب الأول! فإذا همت النار أن تأخذهم 
يقولون بأجمعهم: لا إله إلا الله فتفر النار منهم مسيرة حمسمائة عام» فيأخذون فى 
البكاءء وإذا النداء: يا نار خذيهم يا مالاك أدخلهم اباب الأول! فعند ذلك يسمع صلصلة 
كصلصلة الرعد فإذا النار همت أن تحرق القلوب زجرها مالك وجعل يقول: لا تحرقى قلبًا 
فيه القرآنء وكان وعاء للإيمان» ولا تحرقى جباهًا سجدت للرحمن! فيعودون فيهاء وإذا 
برجل يعلو صوته على صوت أهل النار فيخرج وقد امتحش فيقول الله له: مالك أكثر أهل 
النار صياحًا؟ فيقول: يا رب حاسبتنى ولم أقنط من رحمتك» وعلمت أنك تسمعنى 
فأكثرت الصياح» فيقول الله تعالى : ل ومن يقنط من رَحَمَة ربّه إلا الضالُون » [الحجر: . 
اذهب فقد غفرت لك وكذا يخرج من النار فيقول الله له: خرجت من النار فبأى عمل 
تدخل الجنة؟ فيقول: يا رب ما أسألك منها إلا يسيراء فترفع له شجرة فيقول الله: أرأيت 
إن أعطيتك هذه الشجرة تسألنى غيرها؟ فيقول: لا وعزتك يا رب! فيقول الله: هى هبة 
منى إليك». فإذا أكل منها واستظل بظلها رفعت له شجرة أخرى أحسن منها فيجعل يكثر 
النظر إليها فيقول الله تعالى: مالك لعلك أحببتها؟ فيقول: نعم يارب فيقول له: إن 
أعطيتك إياها هل تسألنى غيرها؟ فيقول: لا يا رب فإذا أكل واستظل بظلها رفعت له 
شجرة أحسن منها فيجعل ينظر إليها فيقول الله له: إن أعطيتك إياها تسألنى غيرها؟ فيقول : 
لا وعزتك يا رب لا أسألك غيرهاء فيضحك الله عز وجل فيدخله الجنة. ومن غريب 
حكم الآخرة أن الرجل يؤتى به إلى الله فيحاسبه ويوبخه وتوزن له حسناته وسيئاته وهو فى 
ذلك كله يظن يقيئًا أن الله ما اشتغل إلا بحسابه ووزنه» ولعل فى تلك اللحظة حاسب فيها 
الآف ألوف ما لا يحصى عدتهم إلا الله. كل منهم يظن أن الحساب له وحده وكذا لا 
يرى بعضهم بعضًاء ولا يسمع أحدهم كلام الآخرء بل کل واحد تحت أستاره. فسبحان 
من هذا شأنه وهو قوله تعالی : لما خلقكم ولا بعكم إلا كفس واحدة 4 القمان: 4 
وهو فى قوله سر عجيب من أسرار الملكوت» إذ ليس لملكه حد محدودء فسبحان من لا 
يشغله شأن عن شأن! وفى هذه الحالة يأتى الرجل إلى ولده فيقول له: يا بنى إنى كسوتك 
حيث لا تقدر تكسو نفسك» وأطعمتك طعامًا وسقيتك شرايًا حيث كنت عاجرا عن ذلك» 
وكفلتك صغيرا حيث كنت لا تستطيع دفع الضراء ولا جلب السراء» فكم من فاكهة تمنيتها 


کے مجموعة رسائل الاآمام الفزالی سس ٠لس٠ب‏ ست بإلاه = 


نابتعتها لك» حبك ما ترى من هول يوم القيامة وسيئات أبيك كثرة فتحمل عنى منها ولو 
سيئة فيخفاف عنى» وأعطنى ولو حسنة أزيدها فى الميزان! قيفر مته الولد ويقول له: أنا 
ENE NS EEN,‏ والأخ وهو قوله تعالى : 
9 يوم يفر المرء نر أخيه ا وأمه وأبيه oj‏ ر وبتیه ‏ [عبس: € 
ا  .‏ وفصيلته الي تؤويه # [المعارج: 7۳ وف الحديث ایحشر, الئاس عراةة» قالت 
ا مإطئها : : واسوأتاه ينظر بعضهم إلى بعض؟ فقرأ الى عله : الكل امْرئ منهم يومَئذ 
0 يغنيه) . ليآن شدة الهول وعظم الكرب تشغلهم أن ينظر بعضهم إلى بعض. قإذا استقر 
الناس فى صعيد واحد طلعت عليهم سحابة سوداء فأمطرتهم صحمًا منشرة» فإذا صحيقتة 
المؤمن ورقة ورد» وإذا صحيفة الكافر ورقه سذر» والكل مكتوب. فحطاير الصحف فإذا 
مى بالمامن واا لرن اا وإنما هى تقع بيمينة ويشماله وهو قوله تعالى : 
« وَنْخَرج لَه يوم الْقيامَة كتابا يلْقَاهُ منشورا » [الإسراء: +1). وج بض البلف من اهل 
التصنيف أن الحوض يورد بعد جواز الصراط» وهو غلط من قائله فإنه تعين أنه یرده من قد 
-جاز الصراط. ففى السبعة جسور يهلك الناس. والسبعون ألما الذين يدخلون الجنة بغير 
حساب لا يرفع لهم ميزان ولا يأخذون صحفاء وإنما هى براءة مكتوب فيها «لا إله إلا الله 
محمد رسول الله هذه براءة فلان بن فلان بدخول الحنة ونجاته من النار» فإذا غفرت له ذنوبه 
أخذ الملك بعضده وجاس به خلال الموقف ونادى: هذا فلان بن فلان قد غفر الله له ذنوبه 
رسعد سعادة لا يشقى بعدها أبداء فما مر عليه شىء أسر من ذلك المقام. والرسل يوم 
القيامة على المنابر والآنبياء والعلماء على منابر صغار دونهم› ومنبر كل رسول على قدره» 
والعلماء العالمون على كراسى من نوره» والشهداء والصالحون كقراء القرآن والمؤذنون على 
كثبان المسك. وهذه الطائفة العاملة أصحاب الكراسى هم الذين يطلبون الشفاعة من آدم 
عليه السلام ونوح حتى ينتهوا إلى رسول الله عي وقد جاء أن القرآن يأتى يوم القيامة فى 
صورة رجل حسن الوجه والخلق فيشفع» فيشفع الإسلام مثله. فيخصم ويخاصم عن 
صاحيهء وقد ذكرنا حكاية الإسلام مع عمر بن الخطاب باه فى كتاب (الإحياء؟ بعك 
مخاصمته» فيتعلق به من شاء الله فيهوى بهم إلى الجنة. وكذلك تأتى الدنيا فى صورة 
عجوز شمطاء أقبح ما يكون فيقال للناس: أتعرفون هذه؟ فيقولون: نعوذ بالله من هذه! 
تيقال لهم هذه الدنيا كم تحاسدون عليها وتباغضون فيها. وكذلك يؤتى بالجمعة فى 
صورة عروس تزفء فيحدق بها المؤمنون» ويحوط بهم كتثبان المسك والكافور» عليهم نور 
بتعجب منه كل من رآه فى الموقف» فلم تزل بهم حتى تدخلهم الجنة. فانظر إلى رحمة الله 
تعالى وجود القرآن والإسلام والحمعة وكيف هم أشخاص: القرآن موجود جيروتى» 


جص ۷۸ن ım‏ د مجموعهة رسائل الامام‌الفزالی سد 


والإسلام ملكوتى كالصيام والصلاة والصبر. ولا يلتفت إلى من احتج فى تلاشى الأنفس 
عند الموت بقوله له يوم الخندق : «اللهم رب الأَجْسّام الباليّة والأرواح القَانيّة» فزن ذلك 
كله" يحوج إلى العلوم وقد تبهنا عليه فى غير هذا الكتات وقصدنا الاختصار لسلوك طريق 
السنةء ولا يلتفت إلى البدع الطارئة على الشريعة من شياطين الإنس. فبشر المؤمنين بالرشاد 
وسلوك المراد. 

نسأل الله العصمة والتوفيق بمنه وكرمه آمين. وحسبنا الله ونعم الوكيل» وصلى الله 
على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم . 


ميج 
كتاب المنقد من الضلال 
المدخل 

الحمد لله الذى يفتتح بحمده كل رسالة ومقالةء والصلاة على محمد المصطفى 
صاحب النبوة والرسالة» وعلى آله وأصحابه الهادين من الضلالة . 

أما بعد: فقد سألتنى أيها الأخ فى الدين» أن أبث إليك غاية العلوم وأسرارهاء 
وغائلة المذاهب وأغوارهاء وأحكى لك ما قاسيئه فى استخلاص الحق من بين اضطراب 
الفرق» مع تباين المسالك والطرق» وما استجرأت عليه من الارتفاع عن حضيض التقليد 
إلى يفاع الاستفسار. وما استفدته أولاً من علم الكلام وما اجتويته ثانيًا من طرق أهل 
التعليم القاصرين لدرك الحق على تقليد الإمام» وما ازدريته ثالنّا من طرق التفلسف. وما 
ارتضيته آخرً من طريقة التصوف. وما انجلى لى فى تضاعيف تفتيشى عن أقاويل الخلق من 
لباب الحق» وما صرفنى عن نشر العلم ببغداد مع كثرة الطلبة» وما دعانى إلى معاودتى 
نيسابور بعد طول المدة» فابتدرت لإجابتك إلى مطلبك بعد الوقوف على صدق رغبتك» 
وقلت مستعينًا بالله ومتوكلاً عليه. ومتوثقًا منهء وملتجنًا إليه: 

اعلموا أحسن الله تعالى إرشادكم» وألان للحق قيادكم أن اختلاف الخلق فى الأديان 
والملل» ؛ ثم اختلاف الأئمة فى المذاهب على كثرة الفرق وتباين الطرق» بحر عميق غرق فيه 
الأكثرون» وما نجا منه إلا الأقلون. وكل فريق يزعم أنه الناجى» و ل كل حزّب بما لَديْهِم 
فرحون & [الروم: IY‏ .هو الذي وعدنا به سيد المرسلينء صلوات اللّه عليهء وهو الصادق 
الصدوق حيث قال: «ستفترق أمتى ثَّلانًا وَسبعين فرق الناجيّة منها واحدةٌ) فقد کان ما 
وعد أن يكون. 

ولم أزل فى عنفوان شبابىء منذ راهقت البلوغ قبل بلوغ العشرين إلى الآن وقد 


ناف السن على الخمسين» أقتحم لجة هذا البحر العميق. وأخوض غمرته خوض ا 
لا خوض الجحبان الحذورء وأتوغل فى كل مظلمة» وأتهجم على كل مشكلة» وأتقحم كل 
ورطة» «أتفحص عن عقيدة كل فرقة» وأستكشف ا مذهب كل طائفة؛ لأميز بين 
محق ومبطل: ومتسنن ومبتدع لا أغادر اا إلا وأحب أن أطلع على بطانتهء ولا اھا 
بلا وأريد أن أعلم*تحاصل ظهارته» ولا فلسفينًا إلا وأقصد الوقوف على كنه فلسفته» ولا 
متكلمًا إلا وأجتهد فى الاطلاع على غاية كلامه ا و وای ع 
العثور على سر صوفيته› ول مدا إلا وأترصد ما يرجتم إليه حاصل عبادته» ولا زندیقًا 
معطلاً إلا وأتجسس وراءه للتنبيه لأسباب جرأته فى تعطيله وزندقته . 

وقد كان التعطش إلى درك حقائق الأمور دأبى وديدنى من أول أمرى وريعان 
عمرى» غريزة وفطرة من الله وضعتا فی جباتی» لا باختیاری وحيلتى» حتى انحلت عنى 
رابطة التقليد وانكسرت على العقائد الموروثة على قرب عهد شرة الصبا؛ إذ رأيت صبيان 
النصارى لا يكون لهم نشوء إلا على التنصر؛ وصبيان اليهود لا نشوء لهم إلا على التهودء 
ل يا . وسمعت الحديث المروى عن رسول الله 
يله يقول: کل موود بولدُ على الفطرة فأبواه بهودانه ویتصرآنه وْسَصانه» راطف 
إلى حقيقة الفطرة الأصلية وحقيقة العقائد العارضة قاد الوالدين السا والتمييز بين 
هذه التقليدات» وأوائلها تلقينات» وفى تمييز الحق منها عن الباطل اختلافات» فقلت فى 
نفسى: إنما مطلوبى العلم بحقائق الأمور. فلا بد من طلب حقيقة العلم ما هى؟ فظهر لى 
أن العلم اليقينى هو الذى يكشف فيه المعلوم انكشافًا لا يبقى معه ريب» ولا يقارنه إمكان 
الغلط والوهم. ولا يتسع القلب لتقدير ذلك» بل الأمان من الخطأ ينبغى أن يكون مقارنًا 
اليقين مقارنة لو تحدى بإظهار بطلانه مثلاً من يقلب الجر ذهبًا والعصا ثعباناء لم يورث 
دلك شکًا وإنكاراء فإنى إذا علمت أن العشرة أكثر من الثلاثة» فلو قال لى قائل: لاء بل 
الثلائة أكثر بدليل أنى أقلب هذه العصا ثعبانًا وقلبهاء وشاهدت ذلك منهء لم أشك بسببه 
فى معرفتى» ولم يحصل لى منه إلا التعجب من كيفية قدرته عليه؛ فأما الشك فيما علمته 
ئلا. 

ثم علمت أن كل ما لا أعلمه على هذا الوجه ولا أتيقنه هذا النوع من اليقين فهو 
عملم لا ثقة به ولا أمان معه» وكل علم لا أمان معه فليس بعلم يقينى. 


)١(‏ مداخل السفسطة وججد العلوم 
ل ا ا N‏ إلا فى 
الحسيات والضروريات. قلت 2 فلت الآن بعد حصول اليأس لا مطمع فى اقتياس المشكلاات إلا 


حم .له ببس ٠لللللبسسحجه‏ مجموعةرسائل الإمامالفزالى سد 


من الراك دوي اتات اا و ا لكا تي ري لأتيقن أثقتى 
بالمحسوسات وأمانى من الغلط فى الضروريات» من جنس أمانى الذى كان من قبل فى 
التقليديات» ومن جنس أمانى أكثر الخلق فى النظريات» أم هو أمان محقق لا غدر فيه ولا 
غائلة له؟ فأقبلت بجد بليغ أتأمل فى المحسوسات والضروريات» وأنظر هل يمكننى أن 
أشكك نفسى فيهاء فانتهى بى طول التشكيك إلى أن لم تسمح نفسى بتسليم الأمان فى 
المحسوسات أيضاءٍ وأخذ يسع هذا الشك فيها ويقول: من أين الثقة بالمحسوساتء وأقواها 
حاسة البصر؟ وهى تنظر إلى الظل فتراه واقمًا غير متحركء وتحكم بنفى الحركة» ثم 
بالتجربة والمشاهدة بعد ساعة تعرف أنه متحرك وأنه لم يتحرك دفعة بغتة» بل على التدرج 
ذرة ذرة» حتى لم تكن له حالة وقوف. وتنظر إلى الكوكب فتراه صغيرًا فى مقدار الدينارء 
ثم الأدلة الهندسية تدل على أنه أكبر من الأرض فى المقدار. وهذا وأمثاله من المحسوسات 
يحكم فيها حاكم الحس بأحكامه» ويكذبه حاكم العقل ويخونهء تكذيًا لا سبيل إلى 
مدافعته . 

فقلت: قد بطلت الثقة بالمحسوسات أيضنّاء فلعله لا ثقَة إلا بالعقليات التى هى من 
الأوليات كقولنا: العشرة أكثر من الثلاثةء والنفى والإثبات لايجتمعان فى الشئ الواحدء 
والشئ الواحد لا يكون حادثًا قديمّاء موجودا معدوماء واجبًا محالاً. فقالت المحسوسات: 
بم تأمن أن تكون ثقتك بالعقليات كثقتك بالمحسوسات وقد كنت واثقًا بى» فجاء حاكم 
العقل قكذبنى. ولولا حاكم العقل لكنت تستمر على تصديقى؟ فلعل وراء إدراك العقل 
حاكمًا آخرء إذا تجلى كذب العقل فى حكمهء كما تهلى حاكم العقل فكذب الحس فى 
حكمهء وعدم تجلى ذلك الإدراك لايدل على استحالته. فتوقفت النفس فى جواب ذلك 
قليلاًء وأيدت إشكالها بالمنام وقالت: أما تراك تعتقد فى النوم أموراء وتتخيل أحوالاً 
وتعتقد لها ثبانًا واستقرار ولا تشك فى تلك الحالة فيهاء ثم تستيقظ فتعلم أنه لم يكن 
لجميع متخيلاتك ومعتقداتك أصل وطائل؛ فبم تأمن أن يكون جميع ما تعتقده فى يقظتك 
بحس أو عقل هو حق بالإضافة إلى حالتك التى أنت فيها؛ لكن يمكن أن تطرأ عليك حالة 
تكون نسبتها إلى يقظتك كنسبة يقظتك إلى منامك» وتكون يقظتك نوما بالإضافة إليها؟ 
فإذا وردت تلك الحالة تيقنت أن جميع ما توهمت بعقلك خيالات لاحاصل لهاء ولعل 
تلك الحالة ما تدعيه الصوفية أنها حالتهم؛ إذ يزعمون أنهم يشاهدون فى أحوالهم التى 
لهم إذا غاصوا فى أنفسهم وغابوا عن حواسه ر أحوالاً لا توافق هذه الروت ولعل 
تلك الحالة هى الوت إذ قال رسول الله عب : «الئاس نيام لذا ماتوا انهوا) فلعل الحياة 
الدنيا نوم بالإضافة إلى الآخرة. فإذا مات ظهرت له الأشياء على خلةف ما يشاهده الآن. 


کک مجموعة رسائل الامام الفزالی تسس ی ٥۸۱‏ > 
ويقال له عند ذلك: فإ فكشفنا عنك غطاءك فبصرك الْيوم حديد) آ6 افا حت 
لى هذه الخواطر وانقدحت فى التفسء حاولت لذلك علاجًا فلم يتيسرء إذ لم يكن دفعه 
إلا بالدليل» ولم يكن نصب دليل إلا من تركيب العلوم الأولية» فإذا لم تكن مسلمة لم 
يكن ترتيب الدليل. فأعضل هذا الداءء .ودام قريبًا من شهرين أنا فيههما على مذهب 
ااسقسطة بحكم الحال. لا بحكم النطق وللقاله حتى شفى الله تعالى من ذلك المرض 
عاذت ال الى اليك والامعدال رسيت القبوورنات:العقلرة م مرو ا 
أمن ويقين؛ ولم يكن ذلك بنظم دليل وتركيب كلام» بل بنور قذفه الله تعالى فى الصدر. 
وذلك التور مو مفتاح أكثر المعارف» غمن ظن آن الكشف موقوف على الأدلة للحررة فقد 
ذ يق رحمة لله تعالىٍ الواسعةءٍ, ولا سثل رسول الله یه عن «الشرح» ومعناه ۰ في 
تعالى : فمن 0 الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام 4 [الأنعام : 6. قال: «هو نوي 
اذه الله تعالى فى القلب» غقيل: «وما علامته»؟ خقال: «التجافى عَن دار الغرور والإتابة 
!1 لى دار الخلُود؛ وهو الذى قال عله السلام فيه : إن لله تَعَالى خَلّقَ الق قى ظلمة ثم رش 
3 من نوره» فمن ذلك النور ينيغى أن يطلب الكشف. وذلك النور ينبجس من الجود 
الإلهى في بعضى الأحايين» ويجب الترصد له كما قال عليه السلام: "إن لربكم فى أيام 
تمرك يلكات ألا قتعرضوا لها» . 

والقضو د ي ولك حك اكنات أن يعمل كمال الجن فى الطب حتى يتتهى إلى 
علب ما لا يطلب؛ فإن الأوليات ليست مطلوبةء فإنها حاضرة والحاضر إذا طلب ققد 
واختفىء ومن طلب ما لا يطلب فلا يتهم بالتقصير فى طلب ما يطلب. 


القول فى أصناف الطاليين 

ولما شفانى الله تعالى من هذا للف قله وة راتحت أفعاف الي 
عندى فی أربع خرق: 

١اللتكلمون:‏ وهم يدعون أنهم أهل الرآى والتظر۔ 

۲ الباطنية: وهم يزعمون أنهم أصحاب التعليم والمخصصون بالاقتياس من الإمام 
المعصوم . 

الفلاسقة: وهم يزعمون أنهم أهل المنطق والبرهان. 

5 الصوفية: وهم يدعون أنهم خواص الحضرة وأهل المشاهدة والمكاشفة . 

ققلت فى نفسى: الحق لا يعدو عن هذه الأصتاف الأريعةء فهؤلاء هم السالكون 
سبل طلب الحق» فإن شذ الحق عنهمء فلا يبقى فى درك الحق مطمع. إذ لا مطمع فى 


ہے ٢ں‏ )بيب مجموعة رسائل الإمامالفزالى سل 
الرجوع إلى التقليد بعد مفارقتهء إذ من شرط المقلد أن لا يعلم أنه مقلد فإذا علم ذلك 
انكسرت زجاجة تقليده» وهو شعب لا يرأب» وشعث لا يلم بالتلفيق وبالتأليف» إلا أن 
يذاب بالنار ويستأنف لها صيغة أخرى مستجدة. 

٠‏ فابتدرت لسلوك هذه الطرق» باستقصاء ما عند هذه الفرق» مبتدنًا بعلم الكلام» 
ومثنيًا بطريق الفلسفة» ومثلئًا بتعليمات الباطنية» ومربعًا بطريق الصوفية. 


١.عام‏ الكلام مقصوده وحاصله 

ثم إنى ابتدأت بعلم الكلام. فحصلته وعقلته. وطالعت كتب المحققين منهمء 
وصنفت فيه ما أردت أن أصنف». فصادفته علمًا وافيًّا بمقصوده. غير واف بمقصودى؛ 
وإنغا مقصوده حفظ عقيدة أهل السنة وحراستها عن تشويش أهل البدعة؛ فقد ألقى الله 
تعالى إلى عباده على لسان رسوله عقيدة هى الحق على ما فيه صلاح دينهم ودنياهم. 
كما نطق بمعرفته القرآن والأخبارء ثم ألقى الشيطان فى وساوس المبتدعة أمور مخالفة 
للسنةء فلهجوا بها وكادوا يشوشون عقيدةالحق على أهلهاء فأنشأ الله تعالى طائفة 
المتكلمين » وحرك دواعيهم لنصرة السنة بكلام مرتب» يكشف عن تلبيسات أهل البدعة 
المحدثة على خلاف السنة المأثورة؛ فمنه نشأ علم الكلام وأهله. فلقد قام طائفة منهم بما 
ندبهم الله تعالى إليه.» فأحنوا الذب عن السنة» والنضال عن العقيدة المتلقاة بالقبول من 
النبوة والتغيير فى وجه ماأحدث البدعة؛ ولكنهم اعتمدوا فى ذلك على مقدمات 
تسلموها من خصومهم. واضطرهم إلى تسليمها إما التقليد. أو إجماع الأمة. أو مجرد 
القبول من القرآن والأخبار. وكان أكثر خوضهم فى استخراج مناقضات الخصوم: 
ومؤاخذتهم بلوازم مسلماتهم › وهذا قليل النفع فى جنب من لا يسلم سوى الضروريات 
شيئًا أصلاً؛ فلم يكن الكلام فى حقى كافيّاء ولا لدائى الذى كنت أشكوه شافيًا. نعم 
للا نشأت صنعة الكلام وكثر اللخنوض فيه وطالت المدة» تشوف المتكلمون إلى مجاوزة 
الذب عن السنة بالبحث عن حقائق الأمور» وخاضوا فى الببحث عن الجواهر والأعراض 
وأحكامها؛ ولكن لما لم يكن ذلك مقصود علمهوء لم يبلغ كلامهم فيه الغاية القصوىء 
فلم يحصل منه ما يمحو بالكلية ظلمات الحيرة فى اختلافات الخلق؛ ولا أبعد أن يكون 
قد حصل ذلك لغيرى! بل لست أشك فى حصول ذلك لطائفة ولكن حصولاً مشوبًا 
بالتقليد فى بعض الأمور التى ليست من الأوليات. والغرض الآن حكاية حالى» لا 
الإنكار على من استشفى بهء فإن أدويته الشفاء تختلف باختلاف الداءء وكم من دواء 
ينتفع به مريض ويستضر به آخر! . 


يح مجموعہ رسائل الا مام الفزالی سسسب سح 0۸۳ = 


".الفلسمة 

- محصولها. 

- المذموم منها وما لا يذم. 

- وما يكفر به قائله وما لا يكفر به. 

ارما يفلم و ق 

- وبيان ما سرقه الفلاسفة من كلام أهل الحق . 

- وبيان ما مزجوه بكلام أهل الحق لترويج باطلهم فى درج ذلك. 

- وكيفية عدم قبول البشر وحصول نفرة النفوس من ذلك الحق الممزوج بالباطل . 

- وكيفية استخلاص الحق الخالص من الزيف والبهرج من جملة كلامهم . 

ثم إنى ابتدأت بعد الفراغ من علم الكلام بعلم الفلسفة» وعلمت يقيئًا أنه لا يقف 
عى فساد نوع من العلوم» من لا يقف على منتهى ذلك العلم» حتى يساوى أعلمهم فى 
أصل العلم. ثم يزيد عليه ويجاوز درجته. فيطلع على ما لم يطلع عليه صاحب العلم من 
غرره وغائله» فإذ ذلك يمكن أن يكون ما يدعيه من فساده حقا. ولم أر أحدًا من علماء 
الإسلام صرف عنايته وهمته إلى ذلك . 

ولم يكن فى كتب المتكلمين من كلامهم» حيث اشتغلوا بالرد عليهم إلا كلمات 
معقدة مبددة» ظاهرة التناقض والفسادء. لا يظن الاغترار بها بغافل عامى فضلاً عمن يدعى 
دقائق العلوم. فعلت أن رد المذهب قبل فهمه والاطلاع على كنهه رمى فى عماية» فشمرت 
عبى ساق الجد فى تحصيل ذلك العلم من الكتب بمجرد المطالعة من غير استعانة بأستاذء 
وأقبلت على ذلك فى أوقات فراغى من التصنيف والتدريس فى العلوم الشرعية وأنا تمنو 
بالتدريس والإفدة لثلاثمائة نفر من الطلبة ببغداد. 

فأطلعنى الله سبحانه وتعالى بمجرد المطالعة فى هذه الأوقات المختلسة على منتهى 
علومهم فى أقل من سنتين. ثم لم أزل أواظب على التفكر فيه بعد فهمه قريبًا من سنة» 
أعاوده وأردده وأتفقد غوائله وأغواره» حتى اطلعت على ما فيه من خداع وتلبيس» وتحقيق 
وتخييل» اطلاعا لم أشك فيه. 

فاسمع الآن حكايته وحكاية حاصل علومهم؛ فإنى رأيتهم أصنافًاء ورأيت علومهم 
أقساماء وهم على كثرة أصنافهم يلزمهم سمة الكفر والإلحادء وإن كان بين القدماء منهم 
والأقدمين» وبين الأواخر منهم والأوائل» تفاوت عظيم فى البعد عن الحق والقرب منه. 


کس ۵0۸٤‏ سس مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


أصناف الملاسفة 
واتصافكافتهم بالكقر 
٠‏ اعلم أنهم على كثرة فرقهم واختلاف مذاهبهمء ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: 

الدهريون» والطبيعيون» والإلهيون. 

الصنف الأول: الدهريون: وهم طائفة من الأقدمين جحدوا الصانع المدبرء العالم 
القادرء وزعموا أن العالم لم يزل موجودًا كذلك بنفسه لا بصانعء ولم يزل الحيوان من 
النطفةء والنطفة من الحيوان كذلك كانء وكذلك يكون أبدا وهؤلاء هم الزنادقة. 

الصنف الثانى: الطبيعيون: وهم قوم أكثروا بحثهم عن عالم الطبيعة وعن عجائب 
الحيوان والنبات». وأكثروا الخوض فى تشريح أعضاء الحيوانات» فرأوا فيها من عجائب صنع 
اللّه تعالى وبدائع حكمته ما اضطروا معه إلى الاعتراف بقادر حكيم» مطلع على غايات 
الأمور ومقصادها. ولا يطالع التشريح وعجائب منافع الأعضاء مطالع» إلا ويحصل له هذا 
العلم الضرورى بكمال تدبير البانى لبنية الحيوان؛ لا سيما بنية الإنسان. إلا أن هؤلاء لكثرة 
بحثهم عن الطبيعة› ظهر عنهم. لاعتدال المزاج . تأثير عظيم فى قوام قوى الحيوان به فظنوا 
أن القوة العاقلة من الإنسان تابعة لمزاجه أيضًاء وأنها تبعلل ببطلان مزاجه فینعدم» ثم إِذا 
انعدم فلا يعقل إعادة المعدوم كما زعموا؛ فذهبوا إلى النفس توت ولا تعود» فجحدوا 
الآخرة وأنكروا الجنة والنار» والحشر والنشرء والقيامة والحساب فلم يبق عندهم للطاعة 
ثواب ولا للمعصية عقاب» فانحل عنهم اللجام» وانهمكوا فى الشهوات انهماك الأنعام. 

وهؤلاء أيضًا زنادقة؛ لأن أصل الإيمان حد الإيمان بالله واليوم الآخرء وهؤلاء 
جحدوا اليوم الآخرء وإن آمنوا بالله وبصفاته. 

الصنف الثالث: الإلهيون: وهم المتأخرون منهمء مثل سقراط وهو أستاذ أفلاطون. 
وأفلاطون أستاذ أرسطاطاليس. وأرسطاطاليس هو الذى رتب لهسم المنطق. وهذب لهم 
العلوم» وحرر لهم ما لم يكن محرر) من قبل» وأنضج لهم ما كان فجًا من علومهم . . وهم 
بجملتهم ردوا على الصنفين الأولين من الدهرية والطبيعةء وأوردوا فى الكشف عن 
فضائحهم ما أغنوا به غيرهم ل وكفى الله المؤمنين القتال 4 بتقاتلهم . ثم رد أرسطاطاليس 
على أقلاطون وسقراط ومن كان قبله من الإلهيين ردا لم يقصر فيه حتى تبرأ من جميعهم؛ 
إلا أنه استبقى أيضًا من رذائل كفرهم وبدعتهم بقايا لم يوفق للنزع منها؛ فوجب تكفيرهم» 
وتكفير متبعيهم من المتفلسفة الإسلاميين. كابن سينا والفارابى وغيرهما. على أنه لم يقم 
بنقل علم أرسطاطاليس أحد من متفلسفة الإسلاميين كقيام هذين الرجلين؟ وما نقله غيرهما 


حب مجموعةرسائل الإمامالفزالى ‏ سس سی ۵۸0 = 


ليس يخلو عن تخبيط وتخليط يتشوش فيه قلب المطالع حتى لا يفهم.ء وما لا يمهم كيف 
١ :‏ قسم يجب التكفير به. 
۲ وقسم يجب التبديع به. 
۳ وقسم لا يجب إنكاره أصلا . 


أقسام علومهم 

اعلم أن علومهم بالنسبة إلى الغرض الذى نطلبه ست أقسام: رياضية» ومنطقية؛ 
وطبيعية » وإلهية» وسياسيةء وخلقية. 

١‏ أما الرياضية: فتتعلق بعلم الحساب والهندسة وعلم هيئة العلمء وليس يتعلق 
شىء منها بالأمور الدينية نفيًا وإثبانّاء بل هى أمور برهانية لا سبيل إلى مجاحدتها بعد 
فهمها ومعرفتها. وقد تولدت منها آفتان: 

الأولى: من ينظر فيها يتعجب من دقائقها ومن ظهرر براهينهاء فيحسن بسبب ذلك 
اعتقاده فى الفلاسفة» ويحسب أن جميع علومهم فى الوضوح ووثاقة البرهان كهذا العلم. 
ثم يكون قل سمع من كفرهم وتعطيلهم وتهاونهم بالشرع ما تناولته الألسنء فيكفر بالتقليد 
المحض ويقول: لو كان الدين حالما اختفى على هؤلاء مع تدقيقهم فى هذا العلم! فإذا 
عرف بالتسامع كفرهم وجحدهمء فيستدل على أن الحق هو الجحد والإنكار للدين. وكم 
رأيت ممن ضل عن الحق بهذا القدر ولا مستند له سواه! وإذا قيل له: الحساذق فى صناعة 
واحدة ليس يلزم أن يكون حاذقًا فى كل صناعةء فلا يلزم أن يكون الحاذق فى الفقه 
والكلام حاذفًا فى الطبء. ولا أن يكون الجاهل بالعقليات جاهلاً بالنحوء بل لكل صناعة 
أهل بلغوا فيها رتبة البراعة والسبق؛ وإن كان الحمق والجهل قد يلزمهم فى غيرهاء فكلام 
الأوائل فى الرياضيات برهانى» وفى الإلهيات تخمينى» لا يعرف ذلك إلا من جربه 
وخاض فيه فهذا إذا قرر على هذا الذى اتخذ بالتقليدء لم يقع منه موقع القبول بل تحمله 
غلبة الهوى» وشهوة البطالة» وحب التكايس» على آن يصر على تحسين الظن بهم فى 
العلوم كلها. 

فهذه آفة عظيمة لأجلها يجب زجر كل من يخوض فى تلك العلوم» فإنها وإن لم 
تتعلق بأمر الدين» لكن لا كانت من مبادئ علومهم؛ يسرى إليه شرهم وشؤمهم. فقل من 
يخوض فى آفة إلا وينخلع من الدين وينحل عن رأسه لجام التقوى. 


وجح 0۸٦‏ سس عت مجموعة رسائل الإمام الفزالى يت 

الآفة الثانية: نشأت من صديق للإسلام جاهل» ظن أن الدين ينبغى أن ينصر بإنكار 
كل علم منسوب إليهمء فأنكر جميع علومهم وادعى جهلهم فيهاء حتى أنكر قولهم فى 
الكسوف والخسوف» وزعم أن ما قالوه على خلاف الشرعء فلما قرع ذلك سمع من عرف 
ذلك بالبرهان القاطع › لم يشك ق برهانه» لكن اعتقد أن الإسلام مبتى على الجهل وإنكار 
البرهان القاطع فيزداد للفلسفة حبا وللإسلام بغضًا. ولقد عظم على الدين جناية من ظن 
أن الإسلام ينصر بإنكار هذه العلوم» وليس فى الشرع تعرض لهذه العلوم بالنفى والإثبات» 
ولا فى هذه ' علوم تعرض للأمور الدينية. وقوله عليه السلام: «إن للشمس والقمر آيتان 
من آيات ذكر الله تعالى لا ينخسفان لموت أحد ولا لحياته. فإذا رأيتم ذلك فافزعوا إلى ذكر 
الله تعالى وإلى الصلاة» وليس فى هذا ما يوجب إنكار علم الحساب المعرف بمسير الشمس 
والقمر واجتماعهما أو مقابلتهما على وجه مخصوص . أما قوله عليه السلام: «لكن الله إذا 
نجلى لشئ -خضع له» قليس توجد هذه الزيادة فى الصحاح أصلاً. فهذا حكم الرياضيات 
وآفاتها . 

'- وأما المنطقيات: فلا يتعلق شىء منها بالدين نفيًا وإثبانّاء بل هو النظر فى طرق 
الآدلة والمقاييس وشروط مقدمات البرهان وكيفية تركيبهاء وشروط الحد الصحيح وكيقية 
ترتيبه. وأن العلم إما تصور وسبيل معرفته الحد. وإما تصديق وسبيل معرفته البرهان؛ 
وليس فى هذا كل ما ينبغى أن ينكرء بل هو من جنس ما ذكره المتكلمون وأهل النظر فى 
الأدلة» وإغا يفارقونهم بالعبارات والاصطلاحات» وبزيادة الاستقصاء فى التعريفات 
رالتشعيبات» ومثال كلامهم فيها قولهم: إذا ثبت آن كل «أ» «ب» لزم آن بعض «ب» «ا» 
"ى إذا ثبت أن كل إنسان حيوان لزم أن بعض الحيوان إنسان. ويعبرون عن هذا بأن الموجبة 
بحصل من إنكاره عند أهل المنطق إلا سوء الاعتقاد فى عقل المنكرء بل فى دينه الذى 
بزعم أنه.موقوف على مثل هذا الإنكار. نعم» لهم نوع من الظلم فى هذا العلم» وهو أنهم 
بجمعول للبرهان شروطا يعلم أنها تورث اليقين لا محالة. لكنهم عند الانتهاء إلى المقاصد 
أيضًا من يستحسنه ويراه واضحا فيظن أن ما ينقل عنهم من الكفريات مؤيدة بمثل تلك 

فهذه الآفة أيضًا متطرقة إليه. 

”- وأما علم الطبيعيات: فهو يبحث عن عالم السموات وكواكبها وما تحتها من 
الأجسام المفردة : كالماء والهواء والتراب والنار» ومن الأجسام المركبة : كالحيوان والنيات 


والمعادن» وعن أسباب تغيرها واستحالتها وامتزاجها. وذلك يضاهى بحث الطبيب عن 
جم الإنسان وأعضائه الرئيسية والخادمة» وأسباب استحالة مزاجه. 

وكما أنه ليس من شرط الدين إنكار علم الطب» فليس من شرطه أيضًا إنكار ذلك 
العلم إلا فى مسائل معينة ذكرناها فى كتاب «تهافت الفلاسفة» وما عداها ما يجب المخالفة 
فيها؛ فعند التأمل يتبين أنها مندرجة تحتهاء وأصل جملتها: أن يعلم أن الطبيعة مسخرة لله 
تعالى» لا تعمل بنفسهاء بل هى مستعملة من جهة فاطرها؛ والشمس والقمر والنجوم 
والطبائع مسخرات بأمره لا فعل لشئ منها بذاته . 

-٤‏ وأما الإلهيات: ففيها أكثر أغاليطهم. فما قدروا على الوفاء بالبراهين على ما 
شرطوه فى المنطق؛ ولذلك كثر الاختلاف بينهم فيهاء ولقد قرب أرسطاطاليس مذهبه فيها 
من مذاهب الإسلاميين» على ما نقله الفارابى وابن سينا. ولكن مجموع ما غلطوا فيه 
يرجع إلى عشرين أصلاًء يجب تكفيرهم فى ثلاثة منهاء وتبديعهم فى سبعة عشر. 
ولإبطال مذهبهم فى هذه المسائل العشرين» صنفنا كتاب «التهافت» 

أما المسائل الثلاث» فقد خالفوا فيها كافة المسلمين» وذلك فى قولهم: 

١‏ إن الأجساد لا تحشرء وإنما الشاب والمعاقب هى الأرواح'المجردة» والمشوبات 
والعقويات روحانية لاا جسمانية . 

ولقد صدقوا فى إثبات الروحانيةء فإنها كائنة أيضاء ولكن كذبوا فى إنكار 
اللسبيوانة + توكقروا بالشريية قنما نطفوا به 

۳ ومن ذلك قولهم : «إن ن الله تعالى يعلم الكليات دون الحزئيات» وهذا أيضًا كفر 
صريح ء بل الحق أنه  :‏ لا يعزب عنه مثقال ذَرّة في السْمَوَات ولا في الأرض ‏ 1سا : [vr‏ 

۳ ومن ذلك قولهم بقدم العالم وأزليته؛ فلم يذهب أحد من المسلمين إلى شىء من 
هذه المسائل . وأما ما وراء ذلك من نفيهم الصفات وقولهم إنه عليم بالذات» لا بعلم زائد 
على الذات وما يجرى مجراه فمذهبهم فيه قريب من مذهب المعتزلة ولا يجب تكفير 
المعتزلة بمثل ذلك وقد ذكرنا فى كتاب «فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة» ما يتبين فيه 
فساد رأى من يتسارع إلى التكفير فى كل ما يخالف مدهبه. 

5 وأما السياسيات: فجميع كلامهم فيها يرجع إلى الحكم المصلحية المتعلقة بالأمور 
الدنيوية والإيالة السلطانية» وإنما أخذوها من كتب الله المنزلة على الأنبياءء ومن الحكم 
المأثور عن سلف الأنبياء . 

1 وإما الخلقية: فجميع كلامهم فيها يرجع إلى حصر صفات النفس وأخلاقهاء 
وذكر أجناسها وأنواعهاء وكيفية معالجتها؛ ومجاهدتها؛ وإنما أخذوها من كلام الصوفية» 


سی ۸۸ن www‏ وجمومة رسائل الإمامالفزالسى سد 


وهم المتألهون المثايروت على ذكر الله تعالى وعلى مخالقة الهوى وسلوك الطريق إلى الله 
تعالى بالإعراض عن ملاذ اللتيا. وقد اتكشف لهم قى عجاهداتهم من أخلاق النقس 
وعيوبها وآقات أعمالها ما صرحوا بهاء قأخذها الفلاسفة ومزجوها يكلامهمء توسلاً 
بالتجمل يها إلى ترويج ياطلهم. ولقد كان فى عصرهمء بل فى كل عصر جماعة من 
المتألهين. لا يحلى الله سيخاته العالم عتهمء فإنهم أوتاد الأرضء بيركاتهم تتزل الرحمة 
إلى أهل الأرض كما ورد فى الخبر حيث قال عليه السلام: لبهم تمطرون وبهم ترزقون 
ومنهم كان أصحاب الكهف») 

وكاتوا قى سالف الأزعنة» عنلى عا نطق به القرآنء .فتولد من مزجهم كلام النبوة 
وكلام الصوفية يكتيهم آفتان: آفة فى حت القابل» وآفة قى حق الراد . 

١‏ أما الآفة 'التى هى فی ق الراد فعظيسة: | إذ ظنت طائفة من الضعقاء أن ذلك 
الكلام إذ كان عدوثًا فى كتبهمء وعمزوجا يباطلهمء ب ينبقى أن يهجر ولا يذكرء بل ينكر على 
كل من يذكرء؟ لأنهم إذ لم يسمعره أولا إلا منهمء فسيق إلى عقولهم الضعيفة أنه باطل» 
لأن قائله مبطل- كالذى يسمع من النصرانى قول ١لا‏ إله إلا الله عيسى رسول الله فينكره 
ويقول: «هذا كللام النصرانى». ولا ينوقف ريئما يتأمل أن النصرانى كافر باعتبار هذا 
القول» أو باعتبار إثكاره نبوة محمد عليه السلام! فإن لم يكن كافرا E‏ 
يتبغى أن يخالف فى غير ماهو به كاقر مما هو حى بفى نفسهء وإن كان أيضًا حقا عتده. 
وهذه عاذة ضعفاء اللعقول يعرفون الحى بالرجالء لا الرجال بالحق . والعاقل يقتدى بقول 
أمير المؤمنين على بن أبى طالب فاه حيث قال: الا تعرف الحق بالرجال» بل اعرف الحق 
تعرف أهله» والعاقل يعرف الحق» 'ثم ينظر :فى نفس القول» فإن كان ذا قبله. سواء كان 
قائله مبطلاً مو محقّاء بل ربما يحرص على انتزاع الحق .من أقاويل أهل الضلال عالًا بأن 
معدن الذهب الرغغام. بولا بأس على الصراف إن أدتحل يده فى كيس القلاب وانتزع الإبريز 
الخالص من الزيف بوالبهرج»٠‏ مهما كات وائمًا يبصيرته؛ قإنما يزجر عن معاملة القللاب 
القروى :دون 'الصير نقى اليصير؟ ويمنع من ساحل البحر اللأخرق» دون السباح الحاذق؛ 
ويصد عن مس الحية الصبىء دو المعزم البارع . 

ولعمرى! للا تلب على أكثر الخلق ظتهم بأنفسهم الحذاقة والبراعة وكمال العقل وتمام 

الآلة فى تمييز الخق عن الباطل» والهدى عن الضلالةء وجب حسم الباب فى زجر الكافة 
عن مطالعة كتب آهل الضلالة ما أمكنء إذ لا يسلمون عن الآفة المانية التى سنذكرها 
أصلاًء وإ سلموا عن هنه الآفة التى ذكرناها. 

ولقد اعترض على بعض الكلملت اللشيوئة فى تصانيقتا فى أسرار علوم الدين طائفة 

من الذين لم تستحكم فى العلوم سرائرهم. ولم تنفتح إلى أقصى غايات المذاهب 


بصائرهمء وزعمت أن تلك الكلمات من كلام الأوائل» مع أن بعضها من و الخواطر 
ولا يبعد أن يقع الحافر على الحافرء وبعضها يوجد فى الكتب الشرعية»؛ وأكثرها موجود 
معنا« فى كتب الصوفية. وهب أنها لم توجد إلا فى كتبهم» فإذا كان ذلك الكلام معقولاً 
فى نفسه» مؤيدا بالبرهانء ولم يكن على مخالفة الكتاب والسنة» فلم يتبغى أن يهجر 
ويترك؟ فلو فتتخنا هذا الباب» وتطرقنا إلى أن نهجر كل حى سبق إليه خاطر مبطلء للزمنا 
أن نهجر كثيراً من الحقء ولزمنا أن نهجر جملة آيات من آيات القرآن» وأخبار الرسول 
وحكايات السلف» وكلمات الحكماء والصوفيةء لأن صاحب كتاب «إخوان الصفا» أوردها 
فى كتابه مستشهدا بهاء ومستدرجًا قلوب الحمقى بواسطتها إلى باطله» ويتداعى ذلك إلى 
أن يستخرج المبطلون الحق من أيدينا بإيداعهم إياه فى كتبهم . وأقل درجات العالم» أن يتميز 
عن العامى الغمر» فلا يعاف العسل» وإن وجده فى محجمة الحجام» ويتحقق أن المحجمة 
لا تغير ذات العسل» فإن نفرة الطبع منه مبنية على جهل عامى منشؤه أن المحجمة إنما 
صنعت للدم المستقذرء فيظن أن الدم مستقذر لكونه فى المحجمة» ولا يدرى أنه مستقذر 
لصفة فى ذاته. فإذا عدمت هذه الصفة فى العسل فكونه فى ظرفه لا يكسبه تلك الصفةء 
فلا ينبغى أن يوجب له الاستقذار. وهذا وهم باطلء وهو غالب على أكثر الخلق. فمهما 
نسبت الكلام وأسندته إلى قائل حسن فيه اعتقادهم قبلوه وإن كان باطلاًء وإن أسندته إلى 
من ساء فيه اعتقادهم ردوه وإن كان حما. فأبدًا يعرفون الرجال بالحق. وهو غاية الضلال! 
هذه آفة الراد. 

آفة القبول: فإن من نظر فى كتبهم «كإخوان الصفا» وغيره» فرأى ما مزجوه 
بكلامهم من الحكم النبوية والكلمات الصوفية» ربا استحسنها وقبلهاء وحسن اعتقاده 
فيهاء فيسارع إلى قبول باطلهم الممزوج به لحسن ظن حصل فيما رآه واستحسنه وذلك نوع 
استدراج إلى الباطل . 

ولأجل هذه الآفة يجب الزجر عن مطالعة كتبهم لما فيها من الغدر والخطر. وكما 
يجب صون من لا يحسن السباحة عن مزالق الشطوط. يجب صون الخلق عن مطالعة تلك 
الكتب. وكما يجب صون الصبيان عن مس الحيات» يجب صون الأسماع عن مختلط تلك 
الكلمات. وكما يجب على المعزم أن لا يمس الحية بين يدى ولده الطفل» إذا علم أنه 
سيقتدى به ويظن أنه مثله» بل يجب عليه أن يحذره: بأن يحذر هو فى نفسه ولا يمسها بين 
يديه » فكذلك يجب على العالم الراسخ مثله. وكما أن المعزم الحاذق إذا أذ الحية وميز بين 
الترياق والسمء فاستخرج منه الترياق وأبطل السمء فليس له آن يشح بالترياق على المحتاج 
إليه . وكذلك الصراف الناقد البصيرء إذا أدخل يده فى كيس القلاب» وأخرج منه الإبريز 


س .04 سک مجموعة رسائل الإ مام الغزالى = 


ا لخالص» واطرح الزيف والبهرج فليس له أن يشح بالجيد المرضى على من يحتاج إليه» 
كذلك العالم. وكما أن المحتاج إلى الترياق» إذا اشمأزت نفسه منه» حيث علم أنه 
مستخراج من الحية التى هى مركز السم» وجب تعريفه؛ والفقير المضطر إلى المال إذا نفر عن 
قبول الذهب المستخرج من كيس القلاب» وجب تنبيهه على أن نفرته جهل محض» وهو 
سبب حرمانه عن الفائدة التى هى مطلبه. وتحتم تعريفه أن قرب الجوار بين الزيف والجيد لا 
يجعل الجيد زيفًا كما لا يجعل الزيف جيدًا؛ فكذلك قرب الجوار بين الحق والباطل لا 
بخ ان اطا كما لجسل الاطل حا 
فهذا مقدار ما أردناه من آفة الفلسفة وغائلتها. 


۳.القول فى مذهب التعليم وغائلته 

ثم إنى فرغت من علم الفلسفة وتحصيله وتفهيمه وتزييف ما يزيف منه» علمت أن 
ذلك أيضًا غير واف بكمال الغرض» وأن العقل ليس مستقلاً بالإحاطة بجميع المطالب» 
ولا كاشمًا للغطاء عن جميع المعضلات. وكان قد نبغت نابغة التعليمية» وشاع بين الخلق 
تحدثهم بمعرفة معنى الأمور من جهة الإمام المعصوه القائم بالحق» عن لى أن أبحث عن 
مقالاتهم لأطلع على ما فى كتبهم. ثم اتفق أن ورد على أمر جازم من حضرة الخلافةء 
ى مدافعتهء وصار ذلك مستحنًا من 
خارجء ضميمة للباعث الأصلى من الباطن» فابتدأت بطلب كتبهم وجمع مقالاتهم. وكان 
قد بلغنى بعض كلماتهم المستحدئة التى ولدتها خواطر أهل العصر لا على المنهاج المعهود 
من سلفهم› فجمعت تلك الكلمات» ورتبتها ترتيبًا محكمًا مقارنًا للتحقيق» واستوفيت 
الجواب عنهاء حتى أنكر بعض أهل الحق منى مبالغتى فى تقرير حجتهمء وقال: «هذا 
سعى لهم» فإنهم كانوا يعجزون عن نصرة مذهبهم بمثل هذه الشبهات لولا تحقيقك لها 
وترتيبك إياها» وهذا الإتكار من وجه حق» فلقد أنكر أحمد بن حنبل على الحارث 
المحاسبى رحمهما الله تصنيفه فى الرد على المعتزلة» فقال الحارث: «الرد على البدعة 
فرض" فقال أحمد «نعم» ولكن حكيت شبهتهم أولاً ثم أجبت عنهاء فبم تأمن أن يطالع 
الشبهة من يعلق ذلك بفهمه ولا يلتفت إلى الجواب» أو ينظر إلى الجواب» ولا يفهم 
كنهه؟» . 

وما ذكره أحمد حىّء ولكن فى شبهة لم تنشر ولم تشتهرء فأما إذا اتتشرت». 
فالجواب عنها واجب ولا يمكن الجواب عنها إلا بعد الحكاية. نعم؛ يتبغى ألا يتكلف 
إيرادهاء ولم أتكلف أنا ذلك؛ بل كنت قد سمعت تلك الشبهة من واحد من أصحابى 


بتصنيف كتاب يكشف عن حقيقة مذهبهم» فلم يسع: 


المختلفين إلى» بعد أن كان قد التحى بهمء وانتحل مذهبهم. وحكى أنهم بز عن 
تصانيف المصنفين فى الرد عليهمء بأنهم لم يفهموا بعد حجتهم. وذكر تلك الحجة وحكاها 
عنهم. فلم أرض لنفسى أن يظن فى الغفلة عن أصل حجتهم؛ فلذلك أوردتهاء ولا أن 
يظن بى أنى وإن سمعتها لم أفهمها؛ فلذلك قررتها. 

والمقصواد أنى قررت شبهتهم إلى أقصى الإمكان» ثم أظهرت فادها بغاية البرهان. 

والحاصل : أنه لا حاصل عند هؤلاءء ولا طائل لكلامهم. ولولا سوء نصرة الصديق 
الجاهلء لما انتهت تلك البدعة. مع ضعفها. إلى هذه الدرجة؛ ولكن شدة التعصبء د 
الذابين عن الحق إلى تطويل النزاع معهم فى مقدمات كلامهمء وإلى مجادلتهم فى كل ما 
نطقوا بهء فجادلوهم فى دعواهم «الحاجة إلى التعليم رالمعلم» ودعواهم رلا يصلح كل 
معلم. بل لا بد من معلم معصوم» 

وذلهرت حجتهم فى إظهار الحاجة إلى التعليم وإلى المعلم» وضعف قول المنكرين 
فى مقاباتهمء فاغتر بذلك جماعة وظنوا أن ذلك من قوة مذهبهمء وضعف مذهب 
المخالفين لهم؛ ولم يفهموا أن ذلك لضعف ناصر الحق وجهله بطريقه؛ بل الصواب 
الاعتراف بالحاجة إلى المعلم» وأنه لا بد وأن يكون المعلم معصومًا؛ ولكن معلمنا المعصوم 
هو محمد عليه الصلاة والسلام؛ فإذا قالوا: «هو ميت» فنقول «ومعلمكم غائب» فإذا قالوا: 
«معلمنا قد علم الدعاة وبثئهم فى البلاد وهو ينتظر مراجعتهم إن اخمتلفوا أو أشكل عليهم 
a‏ «ومعلمنا قد علم الدعاة وبئهم فى البلاد وأكمل التعليم إذ قال الله 
تعالى : ظ ايوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي » ( خائدة: .[r‏ وبعد كمال التعليم 
لا يضر موت المعلم كما لا يضر غيبته. 

فبقى قولهم : «كيف تحكمون فيما لم تسمعوه؟ أبالنص ولم تسمعوهء أم بالاجتهاد 
والرأى وهو مظنة الخلاف؟" فنقول: «نفعل ما فعله معاذ إذ بعثه رسول الله عَيْلْهُ إلى 
اليمين» إذ كان يحكم بالنص عند وجود النص وبالاجتهاد عند عدمه؛ بل كما يفعله 
دعاتهم إذا بعدوا عن الإمام إلى أقاصى البلاد؛ إذ لا يمكنهم أن يحكموا بالنص» فإن 
النصوص المتنا متناهية لا تستوعب الوقائع الغير المتنا لتناهية ولا يمكنهم الرجوع فى كل واقعة إلى 
بلدة الإمامء وإلى أن يقطع المسافة ويرجع فيكون المستفتى قد مات وقات الانتفاع بالرجوع . 
فمن أشكلت عليه القبلة ليس له طريق إلا أن يصلى بالاجتهاد» إذ لو سافر إلى بلدة الإمام 
لمعرفة القبلة» لفات وقت الصلاةء فإذن جازت الصلاة إلى غير القبلة بناء على الظن». 
ويقال: «إن المخطئ فى الاجتهاد له أجر واحد وللمصيب أجران» فكذلك فى جميع 
الجتهدات. وكذلك أمر صرف الزكاة إلى الفقيرء وربما يظنه فقيرا باجتهاده وهو غنى باطنًا 


کے ۹۲ں mmm‏ د بمجموعة رسائل الإمامالفزالى س 
بإخفاء ماله » ولايكون هو مؤخذا به وإن أخطأء لأنه لم يؤاخذ إلا بموجب ظنه. فإن قال: 
«ظن مخالفه كظنه» فنقول: «هو مأمور باتباع ظن نفسهء كالمجتهد فى القبلة يتبع ظن نفسه 
وإن خالفه غيره»» فإن قال: «فالمقلد يتبع أبا حنيفة أو الشافعى رحمهما اللّه» أم غيرهما» 
فأقول: «فالمقلد فى القبلة عند الاشتباهء إذا اختلف عليه المجتهدون كيف يصنع» ؟. 
فسيقول: «له مع نفسه اجتهاد فى معرفته الأفضل الأعلم بدلائل القبلة» فيتبع ذلك 
الاجتهادء فكذلك فى المذاهب». 

فرد الخلق إلى الاجتهاد ضرورة. . الأنبياء والأئمة 3 العلم بأنهم قد يخطئون» بل 
قال رسول الله عله : «أنا أحكم بالظاهر وال يتولى السرائر» أى: أنا أحكم بغالب الظن 
الحاصل من قول الشهود وربما أخطئ فيه. ولا سبيل إلى الأمن من الخطأ للأنبياء فى مثل 
هذه المجتهدات فكيف نطمع فى ذلك؟ 

ولهم ههنا سؤالان: أحدهما قولهم هذا: وإن صح فى المجتهدات قلا يصح فى 
قواعد العقائد» إذ المخطئ: فيها غير معذور. فكيف السبيل إليه؟ فأقول: «قواعد العقائد 
يشتمل عليها الكتاب والسنة وما وراء ذلك من التفصيل» والمتنازع فيه يعرف الحق فيه 
بالوزن بالقسطاس المستقيم» وهی الموازين التى ذكرها الله تعالى فى كتابه» وهى خمسة 
ذكرتها فى كتاب القسطاس المستقيم". فإن قال: «خصومك يخالمونك فى ذلك الميزان» 
فأقول: ١لا‏ يتصور أن يفهم ذلك الميزان ثم يخالف فيه» إذ لا يخالف فيه أهل التعليم؛ 
لأنى استخرجته من القرآن وتعلمته منه. ولا يخالف فيه أهل المنطق» لأنه موافق لما شرطوه 
فى المنطق غير مخالف له. ولا يخالف فيه المتكلم» لأنه موافق لا يذكره فى أدلة النظريات» 
وبه يعرف الحق فى الكلاميات». فإن قال: «فإن كان فى يدك مثل هذا الميزان» فلم لا ترفع 
الخلاف بين الخلق؟» فأقول: «لو أصغوا إلى لرفعت الخلاف بيئهم؛ وذكرت طريق رفع 
الخلاف فى كتاب «القسطاس المستقيم» فتأمله لتعلم إنه حق وأنه يرفع الخلاف قطعا لو 
أصغواء ولا يصغون إليه يأجمعهم! بل قد أصغى إلى طائفة فرفعت الخلاف بيتهم وإمامك 
يريد رفع الخلاف بينهم مع عدم إصغائهم فلم لم يرفع إلى الآن؟ ولم لم يرفع على تزه 
وهو رأس الأئمة؟ أو يدعى أنه يقدر على حمل كافتهم على الإصفاء قهراء فلم لم يحملهم 
إلى الآن؟ ولأى يوم أجله؟ وهل حصل بين الخلق بسيب دعوته إلا زيادة حلاف وزيادة 
مخالف؟ نعم! كان يخشى من الخلاف نوع من الضر لا ينتهى إلى سفك الدماءء وتخريب 
البلادء وإيتام الأولادء وقطع الطرقء والإغارة على الأموال. وقد حدث فى العالم من 
بركات رفعكم الخلاف ما لم يكن بمثله عهد» فإن قال: «ادعيت أنك ترفع الخلاف بين 
الخلق ولكن المتحير بين أهل المذاهب المتعارضة والاختلافات الاقابلة لم يلزمه الإصغاء إليك 
دون خصمك وأكثر الخصوم يخالفونك ولا فرق بينك وبينهم». 


ةب مجموعةرسائ ل الإمام الفزالى سس یی 0۹۳ = 

وهذا هو سؤالهم الثانى فأقول: هذا أولاً ينتقلب عليك» فإنك إذا دعوت هذا المتحير 
إلى نفك فيقول المتحير: بم صرت أولى من مخاليفك وأكثر أهل العلم يخالفونك؟ فليت 
شعرى بجاذا تجيب! أتجيب بأن تقول إمامى منصوص عليه؟ فمن يصدقك فى دعوى النص 
رهو لم يسمع النص من الرسول؟ وإنما لم يسمع دصواك مع تطابق أهل العلم على 
اختراعك وتكذيبكه. ثم هب أنه سلم لك النصء. فإن كان متحيرا فى أصل النبوة فقال: 
هب أن إمامك يدلى بمعجزة عيسى فيقول: الدليل على صدقى أنى أحيى أباك. فأحياه 
فناطقنى بأنه محق» فبماذا أعلم صدقه؟ ولم يعرف كافة الخلق صدق عيسى بهذه المعجزة, 
بل عليه من الأمئلة المشكلة ما لا يدفع إلا بدقيق النظر العقلى؛ والنظر العقلى لايوثق به 
عندك». ولا يعرف دلالة المعجزة على الصدق ما لم يعرف السحر والتمييز بينه وبين 
المعجزة» وما لم يعرف أن الله لا يضل عباده. وسؤال الإضلال وعسر تحرير الجواب عنه 
مشهور. فبماذا تدفع جميع ذلك؟ ولم يكن إمامك أولى بالمتابعة من مخالفيه! فيرجع إلى 
الأدلة النظرية التى تنكرهاء فخصمه يدلى بمثل تلك الأدلة وأوضح منها. 

وهذا السؤال قد انقلب عليهم انقلابًا عظيماء لو اجتمع أولهم وآخرهم على أن 
يجييبوا عنه جوايًا لم يقدروا عليه. وإنما نشأ الفساد من جماعة من الضعفة ناظروهم فلم 
يشتغلوا بالقلب بل بالجواب؛ وذلك ثما يطول فيه الكلام؛ ولا يسبق سريعا إلى الأفهام. فلا 
يصلح للإفحام . 

فإن قال قائل: «فهذا هو القلب فهل عنه جواب؟' فأقول: نعمء جوابه أن المتحير لو 
فال أنا متحير ولم يعين المألة التى هو متحير فيهاء يقال له: أنت كمريض يقول أنا 
مريض» ولا يذكر عين مرضهء ويطلب علاجه» فيقال له: ليس فى الوجود علاج للمرض 
المطلق» بل لمرض معين من صداع أو إسهال أو غيرهما. فكذلك المتحير ينبغى أن يعين ما 
هو متحير فيهء فإن عين المسألة عرفته الحق فيها بالوزن بالموازين الخنمسة التى لا يفهمها أحد 
إلا ويعترف بأنه الميزان الحق الذى يوثق بكل ما يوزن بهء فيفهم الميزانء ويفهم أيضًا صحة 
الوزن» كما يفهم متعلم الحساب نفس الحسابء. وكون المحاسب المعلم عالًا بالحساب 
وصادقًا فيه . وقد أوضحت ذلك فى كتاب «القسطاس المستقيم» فى مقدار عشرين ورقة؛ 
فليتأمل! . 

وليس المقصود الآن بيان فساد مذهبهمء فقد ذكرت ذلك فى كتاب «المستظهرى» 
أولأء وفى كتاب «حجة الحق» ثانيًا؛ِ وهو جواب كلام لهم عرض على ببغداد» وفى كتاب 
امفصل الخلاف» الذى هو اثنا عشر فصلا ثالنًا؛ وهو جواب كلام عرض على بهمذان؛ 
رفى كتاب «الدرج» المرقوم بالجداول رابعحاء وهو من ركيك كلامهم الذى عرض على 


بطوس؛؟ وفى كتاب «القسطاس المستقيم» خامسّاء وهو كتاب مستقل بنفسه مقصوهه بيان 
ميزان العلوم وإظهار الاستغناء عن الإمام المعصوم لمن أحاط به. 

. بل المقصود أن هؤلاء ليس معهم شىء من الشفاء المنجى من ظلمات الآراءء بل هم 
مع عجزهم عن إقامة البرهان على تعيين الإمام. طال ما جاريناهم فصدقناهم فى الحاجة 
إلى التعليم وإلتى المعلم المعصوم. وأنه الذى عينوه؛ ثم سألناهم عن العلم الذى تعلموه من 
هذا المعصوم. وعرضنا عليهم إشكالات فلم يفهموهاء فضلاً عن القيام بحلها؛ فلما عجزوا 
أحالوا على الإمام الغائب وقالوا: إنه لا بد من السفر إليه. والعجب أنهم ضيعوا عمرهم 
فى طلب المعلم وفى التبجح بالظضر بهء ولم يتعلموا منه شيئًا أصلاً» كالم ضمخ بالنجاسة 
يتعب فى طلب الماء حتى إذا وجده لم يستعمله وبقى متضمحًا بالخبائث . 

ومنهم من ادعى شيئًا من علمهم. فكان حاصل ما ذكره شيئًا من ركيك فلسفة 
فيشاغورس» وهو رجل من قدماء الأوائل» ومذهبه أرك مذاهب الفلاسفة, وقد رد عليه 
أرسطاطاليسء بل استرك كلامه واسترذله؛ وهو المحكى فى كتاب «إخوان الصفااء وهو 
على التحقيق حشو الفلسفة. 

فالعجب تمن يتعب طول العصر فى طلب العلم ثم يقنع بمثل ذلك العلم الركيك 
المستغث. ويظن بأنه ظفر بأقصى مقاصد العلوم! فهؤلاء أيضًا جربناهم وسبرنا ظاهرهم 
وباطنهم» فرجع حاصلهم إلى استدراج العوام وضعفاء العقول ببيان الحاجة إلى المعلم. 
ومجادلتهم فى إنكارهم الحاجة إلى التعليم بكلام قوى مفحمء حتى إذا ساعدهم على 
الحاجة إلى المعلم مساعد وقال: هات علمه وأفدنا من تعليمه! وقف وقال: الآن إذا سلمت 
لى هذا فاطلبهء فإنما غرضى هذا القدر فقط. إذ علم أنه لو زاد على ذلك لافتضح ولعجزر 
عن حل أدنى الإشكالات؛ بل عجز غن فهمه فضلاً عن جوابه. 

فهذا حقيقة حالهم فاخبرهم تَقَلَهم فلما خبرناهم نفضنا اليد عنهم أيضًا. 


*.طرق الصوفية 
ثم إنى فرغت من هذه العلوم أقبلت بهمتى على طريق الصوفية وعلمت أن طريقهم 
إنما تتم بعلم وعمل؛ وكان حاصل عملهم قطع عقبات النفس ٠»‏ والتنزه عن أخلاقها المذمومة 
وصفاتها الخبيثة» حتى يتوصل بها إلى تخلية القلب عن غير الله تعالى وتحليته بذكر الله. 
وكان العلم أيسر على من العملء فابتدأت بتحصيل علمهم من مطالعة كتبهم مثل 
قوت القلوب لأبى طالب المكى رحمه الله. وكتب الحارث المحاسبىء والمتفرقات المأثورة 
عن الحنيد والشبلى وأبى يزيد اليسطامى قلس الله أرواحهمء وغعجز ذلك من كلام 


ست بمبجوموعةرسانلالإمامالقزالى ‏ سم سس سس ب سه ووه 
مشأيخهم» حتى اطلعت على كنه مقاصدهم العلمية» وحصلت ما يمكن أن يحصل من 
طريقها بالتعليم والسماع» فظهر لى أن أخص خواصهم ما لا يمكن الوصول إليه بالتعليم بل 
بالذوق والحل وتبدل الصفات. وكم من الفرق بين أن يعلم حد الصحة وحد الشبع 
وأسبابها وشروطهماء وبين أن يكون صحيحًا وشبعانّاء وبين أن يعرف حد السكر وأنه عبارة 
عن حالة تحصل ,من استيلاء أبخرة تتصاعد من المعدة على معادن الفكرء وبين أن يكون 
سكرانًا. بل السكران لا يعرف حد السكرء وعلمه وهو سكران وما معه من علمه شئ» 
والصاحى يعرف حد السكر وأركانه وما معه من السكر شىء. والطبيب فى حالة المرض 
يعرف حد الصحة وأسبابها وأدويتها وهو فاقد الصحة. فكذلك فرق بين أن تعرف حقيقة 
الزهد وشروطها وأسبابهاء وبين أن يكون حالك الزهد وعزوف الدفس عن الدنيا. 

فعلمت يقيئًا أنهم أرباب الأحوال لا أصحاب الأقوال» وأن ما يمكن تحصيله بطريق 
العلم فقد حصلتهء ولم يبق إلا ما لا سبيل إليه بالسماع والتعلم بل بالذوق والسلوك. 
وكان قد حصل معى من العلوم التى مارستها والمسالك التى سلكتها فى التفتيش عن صنفى 
العلوم الشرعية والعقلية إيمان يقينى بالله تعالى وبالنبوة وباليوم الآخر. فهذه الأصول الثلاثة 
من الإيمان كانت رسخت فى نفسى لا بدليل معين محرر بل بأسباب وقرائن وتجاريب لا 
تدخل نحت الحصر تفاصيلها. 

وكان قد ظهر عندى أنه لا مطمع لى فى سعادة الآخرة إلا بالتقوى وكف النفس عن 
الهوى» وأن رأس ذلك كله قطع علاقة القلب عن الدنيا بالتجافى عن دار الغرورء والإنابة 
إلى دار الخلود» والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى؛ وأن ذلك لا يتم إلا بالإعراض عن 
الجاه والمال» والهرب من الشواغل والعلائق. 

ثم لاحظت أحوالى» فإذا أنا منغمس فى العلائق وقد أحدقت بى من الجوانب»؛ 
ولاحظت أعمالى وأحسنها التدريس والتعليم» فإذا أنا فيها مقبل على علوم غير مهمة ولا 
نافعة فى طريق الآخرة. ثم تفكرت فى نيتى فى التدريسس» فإذا هى غير خالصة لوجه الله 
تعالى؛ بل باعثها ومحركها طلب الحاه واتتشار الصيت» فتيقنت أنى على شفا جرف هار» 
وأنى قد أشفبت على النار إن لم أشتغل بتلافى الأحوال. 

فلم أزل أتفكر فيه مدة وأنا بعد على مقام الاختيار» أصمم العزم على الخروج من 
يغداد ومفارقة تلك الأحوال يومّاء وأحل العزم يوماء وأقدم فيه رجلاً وأؤخر عنه أخرى» 
لا تصدق لى رغبة فى طلب الآخرة بكرة إلا ويحمل عليها جند الهوى حملة فتفترها 
عشية. فصارت شهوات الدنيا تجاذبنى بسلاسلها إلى المقام. ومنادى الإيمان ينادى: الرحيل! 
الرحيل! فلم يبق من العمر إلا قليل» وبين يديك السفر الطويل» وجميع ما أنت فيه من 


جد 4١‏ سسسب وجموعة رسائل الامام الفرالى سد 


العلم.والعمل رياء وتخييل» فإن لم تستعد الآن للآخرة فمتى تستعد؟ وإن ثم تقطع الآن 
هذه العلائق فمتى تقطع؟ فعند ذلك تنبعث الداعية» وينجزم العزم على الهرب والقرار. 

ثم يعود الشيطان ويقول هذه حال عارضة إياك أن تطاوعهاء فإنها سريعة الزوال» 
فإن أذعنت لها وتركت هذا الحاه العريض والشأن المنظوم الالى عن التكدير والتنغيص» 
والأمن المسلم الصافى عن منازعة الخصوم.ء ربما التفتت إليه نفسك ولا يتيسر لك المعاودة. 

فلم أزل أتردد بين تجاذب شهوات الدنيا ودواعى الآخرة قريبًا من ستة أشهرء أولها 
رجب سئة ثمان وثمانين وأربعمائة؛ وفى هذا الشهر جاوز الأمر حد الاختيار إلى 
الاضطرارء إذ أقفل الله على لسانى حتى اعتقل عن التدريس» فكنت أجاهد نفسى أن 
أدرس يومًا واحدًا تطييبًا لقلوب المختلفين إلى» فكان لا ينطق لسانى بكلمة واحدة ولا 
أستطيعها البتة» حتى أورثت هذه العقلة فى لسانى حزنًا فى القلب بطلت معه قوة الهضم 
ومراءة الطعام والشراب» فكان لا ينساغ لى ثريد. ولا تنهضم لى لقمة؛ وتعدى إلى ضعف 
القوى» حتى قطع الأطباء طمعهم من العلاج. وقالوا: هذا أمر نزل بالقلب ومنه سرى إلى 
المزاج» فلا سبيل إليه بالعلاج. إلا بأن يتراوح السر عن الهم الللم. 

ثم لما أحسست بعجزى وسقط بالكلية اختيارى» التجأت إلى الله تعالى التجاء 
المضطر الذى لا حيلة لهء فأجابنى الذى يجيب المضطر إذا دعاه» وسهل على قلبى 
الإعراض عن الجاه والمال والأولاد والأصحاب» وأظهرت عزم الخروج إلى مكة وأنا أدبر 
فى نفسى سفر الشام حذرًا أن يطلع الخليفة وجملة الأصحاب على عزمى فى المقام بالشام؛ 
فتلطفت بلطائف الحيل فى الخروج من بغداد على عزم ألا أعاود أبدا. واستهدفت لأئمة 
أهل العراق كافة» إذ لم يكن فيهم من يجوز أن يكون الإعراض عما كنت فيه سيبًا دينيا؛ 
إذ ظنوا أن ذلك هو المنصب الأعلى فى الدين وكان ذلك مبلغهم من العلم. 

ثم ارتبك الناس فى الاستنباطاث» وظن من بعد عن العراق أن ذلك كان لاستشعار 
من جهة الولاة؛ وأما من قرب من الولاة فكان يشاهد إلحاحهم فى التعلق بى والاتكباب 
على وإعراضى عنهم وعن الالتفات إلى قلوبهم. فيقولون: هذا أمر سماوىء وليس له 
سبب إلا عين أصابت أهل الإسلام وزمرة العلم. ففارقت بغدادء وفرقت ما كان معى من 
المال» ولم أدخر إلا قدر الكفاف وقوت الأطفال» ترخيصًا بأن مال العراق مرصد للمصالح 
لكونه وققًا على المسلمين؛ فلم أر فى العالم مالاً يأخذه العالم لعياله أصلح منه. 

ثم دخلت الشام وأقمت به قريبًا من سنتين لاشغل لى إلا العزلة والخلوة والرياضة 
والمجاهدة» اشتغالاً بتزكية النفس وتهذيب الأخلاق وتصفية ‏ لقلب لذكر الله تعالى» كما 
كنت حصلته من علم الصوفية. وكنت أعتكف مدة فى مسجل دمشق أصعد منارة المسجد 
طول النهار وأغلق بابها على نفسى. 


ب بمبجيوعةسائلالإمامالفزالى ‏ سس ییک ۹۷ = 


ثم رحلت منها إلى بيت المقدس» أدخل كل يوم الصخرة وأغلق بابها على نفسى. 
ثم تحركت فى داعية فريضة الحج والاستمداد من بركات مكة والمدينة» وزيارة زسول الله 
تعالى عليه السلام بعد الفراغ من زيارة الخليل صلوات الله عليه؛ فسرت إلى الحجاز . 

ثم جذبتنى الهمم ودعوات الأطفال إلى الوطن» فعاودته بعد أن كنت أبعد الخلق عن 
الرجوع إليه؛ فَآيْرت العزلة به أيضًا حرصًا على الخلوة وتصفية القلب للذكر. 

وكانت حوادث الزمان ومهمات العيال وضرورات المعماش تغير فى وجه المراد» 
وتشوش صفوة الخلوة. وكان لا يصفو لى الحال فى أوقات متفرقة؛ لكنى مع ذلك لا أقطع 
طمعى منهاء فتدفعنى عنها العوائق وأعود إليها. فدمت على ذلك مقدار عشر سنين» 
وانكشف لى فى أثناء هذه الخلوات أمور لا يمكن إحصاؤها واستقصاؤها. والقدر الذى 
أذكره لينتفع به: أنى علمت يقيئًا أن الصوفية هم السابقون لطريق الله تعالى خاصة» وأن 
سيرتهم أحسن السير» وطريقهم أصوب الطرق» وأخلاقهم أزكى الأخلاق؛ بل لو جمع 
عقل العقلاء» وحكمة الحكماءء وعلم الواقفين على أسرار الشرع من العلماءء ليغيروا شيئًا 
من سيرهم وأخلاقهم ويبدلوا بما هو خير منه» لم يجدوا إليه سبيلاً؛ فإن جميع حركاتهم 
وسكناتهم» فى ظاهرهم وباطنهم» مقتبسة من نور مشكاة النبوة؛ وليس وراء نور النبوة 
على وجه الأرض نور يستضاء به. 

وبا لحملة فماذا يقول القائلون فى طريق طهارتها. هى أرل شروطها. تطهير القلب 
بالكلية عما سوى الله تعالى» ومفتاحها الجارى منها مجرى التحريم من الصلاة استغراق 
القلب بالكلية بذكر اللهء وآخرها الفناء بالكلية فى اللّه» وهذا آخرها بالإضافة إلى ما لا 
يكاد يدخل نحت الاختيار والكسب من أوائلهاء وهى على الحقيق أول الطريقة» وما قبل 
ذلك كالدهليز للسالك إليه. 

ومن أول الطريقة تبتدئ المشاهدات والمكاشفات» حتى إنهم فى يقظتهم يشاهدون 
الملائكة وأرواح الأنبياء» ويسمعون منهم أصوانًا ويقتبسون منهم فوائد. ثم يترقى الخال من 
مشاهدة. الصور والأمثال إلى درجات يضيق عنها نطاق النطق» فلا يحاول معبر أن يعبر عنها 
إلا اشتمل لفظه على خطأ صريح لا يمكنه الاحتراز عنه. وعلى الجملة ينتهى الأمر إلى 
قرب يكاد يتخيل منه طائفة الحلول وطائفة الاتحاد وطائفة الوصول وكل ذلك خطأء وقد بينا 
وجه الخطأ فى كتاب المقصد الأسنى. بل الذى لابسته تلك الحالة لا ينبغى أن يزيد على أن 
يقول: 

ET‏ فيان يتيجنا ليت أذكجه 

7 فقو ولال و 


ع ۹۸ں لللللللسسشخصصست مجموعة رسائل الإمامالفزالى حت 


وبالجملة فمن لم يرزق منه شيئًا بالذوق» فليس يدرك من حقييقة النبوة إلا الاسم؛ 
وكرامات الأولياء على التحقيق هى بدايات الأنبياء؛ وكان ذلك أول حال رسول الله عَلله 
حيث تبتل -- تين أقبل إلى جبل حراء حين كان يخلو فيه بربه ويتعبدء حتى قال العرب: «إن 
محمدًا عشق ربه». وهذه حالة يتحققها بالذوق من سلك سبيلهاء فمن يرزق الذوق فيتقنها 
بالتجربة والتسامع إن أكثر معهم الصحبة» حتى يفهم ذلك بقرائن الأحوال يقيئًا. ومن 
جالسهم استفاد منهم هذا الإيمانء فهم القوم لا يشقى جليسهم. ومن لم يرزق صحتهم 
فليعلم إمكان ذلك يقيئًا بشواهد البرهان على ما ذكرناه فى كتاب «عجائب القلب» من كتب 
«إحياء علوم الدين». 1 

والتحقيق بالبرهان علمء وملابسة عين تلك الحالة ذوق» والقبول من التسامح 
والتجربة بحسن الظن إيمان؛ فهذة ثلاث درجات ‏ يرَفعِ الله اين آمنوا منكم والّذين أوثوا 
العلم درجات » (المجادلة : .]١١‏ ووراء هؤلاء قوم جهالء» هم المتكرون لأصل ذلك» 
المتعجبون من هذا الكلام» ؛ يستمعون ويسسخرون ويقولون: المجب! إنهم كيف يهذون! 
وفيهم قال الله تعالى : .ل ومنهم من يستمع لِك حت إَِا خرجوا من عندك قَالوا لين أونوا 
العلم ماذا قال آنقا وليك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا a‏ 7 
فأصمهم وأعمى ااه 

وعا بان لى بالضرورة من مارسة طريقتهم حقيقة النبوة وخاصيتها ولا بد من التنبيه 
على أصلها لشدة مسيس الحاجة إليها. 


حفيمة النبوةواضطرار كافة الخلق إليها 

اعلم أن جوهر الإنسان فى أصل الفطرة ة خلق خاليًا با اخ حك عر اله 
تعالى» والعوالم كثيرة لا يحصيها إلا الله تعالى كما قال: :وما يعلم جنود ربك إل هو 4 
[المدثر: .]7”١‏ وإنما خبره عن العوالم بواسطة الإدراك» وكل إدراك من الإدراكات خلق 
ليطلع الإنسان به على عالم من الموجودات» ونعنى بالعوالم أجناس الموجودات . 

فأول ما يخلق فى الإنسان حاسة اللمسء فيدرك بها أجناسًا من الموجودات كالحرارة 
والمرودة» والرطوبة واليبوسة»ء واللين والخشونة وغيرها. واللمس قاصر عن الألوان 
والأصوات قطعًاء بل هى كالمعدومة فى حق اللمس. 

ثم تخلق له حاسة البصرء فيدرك بها الألوان والأشكال؛ وهو أوسع عوالم 
المحسوسات . ثم ينفخ فيه السمع» فيسمع الأصوات والنغمات 

ثم يخلق له الذوق. وكذلك إلى أن يجاوز عالم المحسوسات». فيخلق فيه التمييز 


س مجموعة رسائل الإمام الفزالی س یی ۵4۹۹4 = 


وهو قريب من سبع سنين» وهو طور آخر من أطوار وجوده» فيدرك فيه أمورا زائدة على 
عالم المحسوسات» لا يوجد منها شىء فى عالم الجس. 

.ثم يترقى إلى طور آخر» فيخلق له العقلء فيدرك الواجبات والجائزات 
والمستحيلات» وأمور لا توجد فى الأطوار التى قبله. ووراء العقل طور آخر تنفتح فيه 
عين أخرى يبصر بها الغيب وما سيكون فى المستقبل» وأمورًا أخرى العقل معزول عنها 
كعزل قوة التمييز عن إدراك المعقولات» وكعزل قوة الحس عن مدركات التمييز. وكما أن 
المميز لو عرضت عليه مدركات العقل لآأباها واستبعدهاء فكذلك بعض العقلاء أبى 
مدركات النبوة واستبعدها؛ وذلك عين الجهلء إذ لا مستند له إلا أنه طور لم يبلغه ولم 
يوجد فى حقهء فيظن أنه غير موجود فى نفسه. وال كمه لو .يعم بالتواتر والتسامع الألوان 
والأشكال» وحكى لو ذلك ابتداء» لم يفهمها ولم يقر بها. وقد قرب الله تعالى ذلك على 
خلقه بأن أعطاهم أنموذجا من خاصية النبوة وهو النومء إذ النائم يدرك ما سيكون من 
الغيب إما صريحًا وإما فى كسوة مثال يكشف عنه التعبير. وهذا لو لم يجربه الإنسان من 
نفسه وقيل له: إن من الناس من يسقط مغشيا عليه كالميت ويزول عنه إحساسه وسمعه 
وبصره فيدرك الغيب» لأنكره» وأقام البرهان على استحالته وقال: القوى الحساسة أسباب 
الإدراك» فمن لا يدرك الأشياء مع وجودها وحضورهاء فبأن لا يدركها مع ركودها أولى 
وأحق. وهذا نوع قياس يكذبه الوجود والمشاهدة؛ فكما أن العقل طور من أطوار الآدمى 
خضل فيه غين يبر بها أنواعا من للفو لات واطواس معزولة عتهاء قالتبوة أيضًا غبارة 
عن طور يحصل فيه عين لها نور يظهر فى نورها الغيب» وأمور لا يدركها العقل. 

والشك فى النبوة إما أن يقع فى إمكانهاء أو فى وجودها ووقوعهاء أو فى حصولها 
لشخص معين. ودليل إمكانها وجودهاء ودليل وجودها وجود معارف فى العالم لا يتصور 
أن تنال بالعقل كعلمى الطب والنجوم؛ فإن من بحث عنها علم بالضرورة. أنها لا تدرك إلا 
بإلهام إلهى وتوفيق من جهة الله تعالى» ولا سبيل إليها بالتجربة؛ فمن الأحكام النجومية ما 
لا يقع إلا فى كل ألف سنة مرةء فكيف ينال ذلك بالتجربة؟ وكذلك خواص الأدوية. 
فتبين بهذا البرهان أن الإمكان وجود طريق لإدراك هذه الأمور التى لا يدركها العقل؛ وهو 
المراد بالنبوة» لا إن النبوة عبارة عنها فقطء بل إدراك هذا الجنس, الخارج عن مدركات العقل 
إحدى خواص النبوة» ولها خواص كثيرة سواها؛ وما ذكرناه قطرة من بحرهاء وإنما ذكرناها 
لأن معك أنموذجًا منها وهو مدركاتك فى النوم» ومعك علوم من جنسها فى الطب 
والنجوم» وهى معجزات الأنبياء ولاسبيل إليها للعقلاء ببضاعة العقل أصلاً. 

وأما ما عدا من خواص النبوة إنما يدرك بالذوق من سلوك طريق التصوف؛ لأن هذا 
إغا فهمته بأنموذج رزقته وهو النومء ولولاه لما صدقت به. فإن كان للنبى خاصة ليس لك 


ججح .6" سس لللسسسسبيسح مجووعة رسائل الإمام الفزالى د 
منها أنموذج فلا تفهمها أصلاًء فكيف تصدق بها؟ وإنما التصديق بعد الفهم؛ وذلك 
الأموذج يحصل فى أوائل طريق التصوفء. فيحصل به نوع من الذوق بالقدر الحاصل» 
ونوع سن التصديق با لم يحصل بالقياس إليه. هذه الخاصية الواحدة تكفيك للإيمان بأصل 
النبؤة . 

فإن وقع لك الشك فى شخص معين أنه نبى أم لاء فلا يحصل اليقين إلا بمعرفة 
أحوالهء إما نالمشاهدة أو بالتواتر والتسامع»› فإنتك إذا عرفت الطب والفقه يمكنك أن تعرف 
الفقهاء والأطباء بمشاهدة أحوالهم وسماع أقوالهم وإن لم تشاهدهمء ولا تعجز أيضًا عن 
معرفة. كون الشافعى رحمه الله فقيهاء وكون جالينوس طبيبًاء معرفة بالحقيقة لا بالتقليد عن 
الغيرء بل بآن تتعلم شينًا من الفقه والطب وتطالع كتبهما وتصانيفهماء فيحصل لك علم 
ضرورى بحالهما. فكذلك إذا فهمت معنى النبوة فأكثرت النظر فى القرآن والأخبار يحصل 
لك العلم الضرورى بكونه ميه على أعلى درجات النبوة» وعضد ذلك بتجربة ما قاله فى 


اس ع لبر 


العبادات وتأثيرها فى تصفية القلوب» وكيف صدق فى قوله: امن عمل بما علم ورنّه الله 
علم مالم بعلّم» وک دق ف فول من أعَانَ ظَالَا سلَطَه اه عليه زک وق د 
رل من أصبح وعمومة هم واحد ماه لله تَعَالى هُموم الدنيا والآخرة» ر للك 
فى ألف وألفين وآلاف حصل لك علم ضرورى لا تتمارى فيه . 

فمن هذا الطريق اطلب اليقين بالنبوة. لا من قلب العصا ثعبانًا وشق القمرء فإن 
ذلك إذا نظرت إليه وحده ولم تنضم إليه القرائن ن الكثيرة الخارجة عن الحصرء ربما ظننت أنه 
سحر وتخييل» ٠‏ وأنه من الله إضلال فإنه :«( يضل من يشاء ويهدي من يشّاء ‏ 1فاطر: 4 

وترد عليه أسئلة المعجزات» فإن كان مستندا إيمانك إلى كلام منظوم فى وجه دلالة 
المعجزة» فينجزم إيمانك بكلام مرتب فى وجه الإشكال والشبهة عليها؛ فليكن مثل هذه 
الخوارق إحدى الدلائل والقرائن فى جملة نظرك. حتى يحصل لك علم ضرورى لا يمكنك 
ذكر مستنده على التعيين» كالذى يخيره جماعة يخبر متواتر لا يمكنه أن يذكر أن اليقين 
مستفاد من قول واحد معين بل من حيث لايدرى» ولايخرج عن جملة ذلك ولا بتعيين 
الآحاد؛ فهذا هو الإيمان القوى العلمى. وأما الذوق فهو كالمشاهدة والأخذ باليد. ولا 
يوجد إلا فى طريق الصوفية . 

فهذا القدر من حقيقة النبوة كاف فى الغرض الذى أقصده الآن» وسأذكر وجه الحاجة 
إليه . 


حح مجموعة رسائل الإمامالفزالى 


1 


سبب نشرالعلم بعد الإعراض عنه 

ثم إنى لما واظبت على العزلة والخلوة قريبًا من عشر سنين» وبان لى فى أثناء ذلك 
على الضرورى من أسباب لا أحصيهاء مرة بالذوق» ومرة بالعلم البرهانى» ومرة بالقيول 
الإيمانى : أن الإنسان خلق من بدن وقلب» وأعنى بالقلب حقيقة روحه التى هى محل 
معرفة اللّه» دون اللحم والدم الذى يشارك فيه الميت رالبهيمة» وأن البدن له صحة بها 
سعادته ومرض فيها هلاكهء وأن القلب كذلك له صحة وسلامة» ولا ينجو إلا من أقى 
الله بقلب سليم »4 [الشعراء : ۹.. وله مرض فيه هلاکه الأبدی الآّخروی» كما قال تعالى : 
« في قلوبهم مرض 4 [البقرة: ١٠ء‏ والمائدة: ١٥ء‏ والأنفال: 64ء والتوبة: ٠٠١‏ الحج: ٣ه‏ 
والأحزاب: ١١ء‏ ١1ء‏ ومحمد: ٠۲١‏ ۲۹ء والمدثر: .]۳١‏ وأن الجهل بالله سم مهلك وأن 
معصية الله بمتابعة الهوى داؤه الممرض» وأن معرفة الله تعالى ترياقه المحيى» وطاعته بمخالفة 
الهوى دواؤه الشافى» وأنه لا سيل إلى معالته بإزالة مرضه وكسب صحته إلا بأدوية» كما 
لا سبيل إلى معالجة البدن إلابذلك . وكما أن أدوية البدن تؤثر فى كسب الصحه يخاصية 
فيهاء لا يدركها العقلاء ببضاعة العقل» بل يجب فيها تقليد الأطباء الذين أخذوها من 
الأنبياءء الذين اطلعوا بخاصية التبوة على خحواص الأشياءء فكذلك بان لى» على 
الضرورةء أن أدوية العبادات بحدودها ومقاديرها لخاود المقدرة من جهة الأنبياء» لا يدرك 
وجه تأثيرها ببضاعة عقل العقلاءء بل يجب فيها تقليد الأنبياء الذين أدركوا تلك الخراص 
بنور النبوة لا ببضاعة العقل . وكما أن الأدوية تركبت من أخلاط مختلفة» وبعضها ضعف 
البعض فى الوزن والمقدار» فلا يخلو اختلاف مقاديرها عن سر هو قبيل الخواص» فكذلك 
العبادات التى هى أدوية القلوب» مركبة من أفعال مختلفة النوع والمقدارء حتى أن السجود 
ضعف الركوع» وصلاة الصبح نصف صلاة العصر فى المقدار» ولا يخلو عن سر من 
الآسرارء هو من قبيل الخواص التى يطلع عليها إلا بنور النبوة. ولقد تحامق وتجاهل جد 
من أراد أن يستنبط بطريق العقل لها حكمة» أو ظن أنها ذكرت على سبيل الاتفاق» لا عن 
سر إلهى فيها يقتضيها بطريق الخاصية. وكما أن فى الأدوية أصولاً هى أركانهاء وزوائد هى 
متمماتهاء لكل واحد منها خصوص تأثير فى أعمال أصولهاء كذلك التواقل والسئن 
متممات لتكميل آثار أركان العبادات. 

وعلى الحملة: فالأنبياء أطباء أمراض القلوب» وإنما فائدة العقل وتصرفه إن عرفنا 
ذلك» ويشهد للنبوة بالتصديق ولنفسه بالعجز عن درك ما يدرك بعين النبوة» وأخذ بأيديا 
وسلمتا إليها تسليم العميان إلى القائدين» وتسليم المرضى المتحيرين إلى الأطباء المشفقين. 


سے ٦.۲١‏ خبببسسصع سسحت مجموعة رسائل الإمام الفزالى کد 


وإلى ههنا مجرى العقل ومخطاه وهو معزول عما بعد ذلك» إلا عن تفهم ما يلقيه الطبيب 
إليه . فهذه أمور عرفناها بالضرورة الجارية مجرى المماهدة. فى مدة الخلوة والعزلة . 

٠‏ ثم رأينا فتور الاعتقادات فى أصل النبوة» ثم فى" حقيقة النبوةء ثم فى العمل بما 
شرحته النبوة» وتحققنا شيوع ذلك بين الخلق؛ فنظرت إلى أسباب فتور الخلق» وضعف 
إعانهم» فإذا هى أربعة : 

١‏ سبب من الخائضين فى علم الفلسفة. 

'- وسبب من الخائضين فى طرق التصوف. 

۳ وسبب من المنتسبين إلى دعوى التعليم . 

٤‏ وسبب من معاملة الموسومين بالعلم بين الناس. 

فإنى تتبعت مدة آحاد الخلى» أسأل من يقصر منهم فى متابعة الشرع» وأسأله عن 
شبهته وأبيحث عن عقيدته وسرهء وقلت له: «ما لك تقصر فيها؟ فإن كنت تؤمن بالآخرة 
ولست تستعد لها وتبيعها بالدنياء فهذه حماقة! فإنك لا تييع الاثنين بواحد» فكيف تبيع” ما 
لا نهاية له بأيام معدودة؟ وإن كنت لا تؤمن» فأنت كافرء فدبر نفسك فى طلب الإيمان» 
وانظر ما سبب كفرك الخفى الذى هو مذهبك باطنّاء وهو سبب جرأتك ظاهراًء وإن كنت 
لا تصرح به تجملاً بالإيمان وتشرقًا بذكر الشرع!». 

فقائل يقول: هذا أمر لو وجبت المحافظة عليه» لكان العلماء أجدر بذلك» وفلان 
من المشاهير بين الفضلاء لا يصلى» وفلان يشرب الخمرء وفلان يأكل أموال الأوقاف 
وأموال اليتامى» وفلان يأكل إدرار السلطان ولا يحترز عن الحرام» وفلان يأخذ الرشوة على 
القضاء والشهادة! وهلم إلى أمثاله . . .. 

وقائل ثان يدعى علم التصوفء ويزعم أنه قد بلغ مبلعًا ترقى عن الحاجة إلى 
العبادةوقائل ثالث يتعلل بشبهة أخرى من شبهات أهل الإباحة! وهؤلاء هم الذين ضلوا عن 
التصوف . 

وقائل رابع لقى أهل التعليم فيقول: «الحق مشكل. والطريق إليه منسد» والاختلاف 
فيه كثير» وليس بعض المذاهب أولى من بعضء وأدلة العقول متعارضةء فلا ثقة برأى أهل 
الرأى» والداعى إلى التعليم متحكم لا حجة له» فكيف أدع اليقين بالشك؟21. 

وقائل خامس يقول: «لست أفهل هذا تقليذاء ولكنى قرأت علم الفلسفة» وأدركت 
حقيقة النبوة» وأن حاصلها يرجع إلى الحكمة والمصلحةء وأن المقصود من تعبداتها ضبط 
عوام الخلق وتقيدهم عن التقاتل والتنازع والاسترسال فى الشهوات؛ فما آنا من العوام 


الجهال حتى أدخل فى حجر التكليف» وإنما أنا من الحكماء أتبع الحكمة وأنا بصير بها 
مستغن فيها عن التقليد!؟). 

هذا منتهى إيمان من قرأ مذهب فلسفة الإلهيين منهم. وتعلم ذلك من كتب ابن سينا 
وأبى نصر الفارابى هؤلاء هم المتجملون بالإسلام. وربما ترى الواحد منهم يقرأ القرآن» 
ويحضر الجماعات والصلوات» ويعظم الشريعة بلسانهء ولكنه مع ذلك لا يترك شرب 
الحمرء وأنواعًا من الفسق والفجور! وإذا قيل له: «إذا كانت النبوة غير صحيحة فلم 
تصلى؟» فربما يقول: «لرياضة الجسدء ولعادة أهل البلدء وحفظ المال والولد!» وربما قال: 
«الشريعة صحيحة. والنبوة حق» فيقال: فلم تشرب الخمر؟ فيقول: «إنما نهى عن الخمر لأنها 
تورث العداوة والبغضاء» وأنا بحكمتى محترز عن ذلك» وإنى أقصد به تشحيذ خاطرى». 
حتى إن ابن سينا ذكر فى وصية له كتب فيها: أنه عاهد الله تعالى على كذا وكذاء وأن 
يعظم الأوضاع الشرعية» ولايقصر فى العبادات الدينية ولايشرب تلهيًا بل تداويًا وتشافيّاء 
فكان منتهى حالته فى صفاء الإيمان والتزام العبادات» أن استثنى الخمر لغرض التشافى . 

فهذا إيمان من يدعى الإيمان منهم. وقد الخدع بهم جماعة» زادهم انخداعهم ضعف 
اعتراض المعترضين عليهم؛ إذ اعترضوا بمجاهدة علم الهندسة ولمنطق؛ وغير ذلك مما هو 
ضرورى لهمء على ما بينا علته من قبل. 

فلما رأيت أصناف الخلق قد ضعف إيمانهمَ إلى هذا الحد بهذه الأسباب؛ ورأيت 
نفسى لازمة مجتهدة ملبة بكشف هذه الشبهة» حتى كان فضح هؤلاء أيسر عندى من شربة 
ماء لكثرة خوضى فى علومهم وطرقهم»؛ أعنى طرق الصوفية والفلاسفة والتعليمية 
والتوسمين من العلماء؛ انقدح فى نفسى أن ذلك متعين فى الوقت محتوم. فماذا تغنيك 
الخلوة والعزلة وقد عم الداء» ومرض الأطباءء وأشرف الخلق على الهلاك؟ ثم قلت فى 
نفسى: متى تشتغل أنت بكشف هذه الغمة ومصادمة هذه الظلمة» والزمان زمان الفترة» 
والدور دور الباطل؟ ولو اشتغلت بدعوة الخلق عن طرقهم إلى الحى لعاداك أهل الزمان فى 
جمعهم . وأنى تقاومهم» فكيف تعايشهم» ولا يتم ذلك إلا بزمان الساعد وسلطان متدين 
قاهر؟ فترخصت بينى وبين الله تعالى بالاستمرار على العزلة» تعللاً بالعجز عن إظهار الحق 
بالحجة؛ فقدر الله تعالى أن حرك داعية سلطان الوقت من نفسه لا بتحريك من خارج؛ 
فأمر أمر إلزام بالنهوض إلى نيسابور لتدارك هذه الفتئة» وبلغ الإلزام حدًا كاد يتتهى لو 
أصررت على الخلاف إلى حد الوحشةء فخطر لى أن سبب الرخصة قد ضعف»ء فلا ينبغى 
أن يكون باعثك على ملازمة العزلة الكسل والاستراحة» عن أذى الخلق» ولم ترخحص 
نفسك لعسر مقاساة الخلقء والله تعالى يقول: بسم الله الرحمن الرحيم 9 الم له 


أحسب النّاس أن يتركوا أن قروا ل سر وار لاتير 
فليعلمن الله الْذين صدقُوا وليعلمَنَ الكاذبين 4 (المنكبوت: ١‏ ِ 
ويقول عز وجل لرسوله وهو أعز خلقه : I o‏ 

ما كبوا وأوذوا حتى أتاهم فوا ولا مدل لكلمات الله ولقد جاءك من بَا المرسلين ) 
[الأنعام : IT‏ 

ع بسم الله الرحمن الرحيمٍ «يسن 22> والقرآن الحكيم عل 
ك نن المرسلين 4# على صراط مستقيم 4# تنزيل العزيز الرحيم +2 لتنذر قوما ما 
أنذر اباؤهم فهم غافلون ل لقد حق القول علئ أكترهم فهم لا يصون 2 إِنَا جعلنًا في 
أعناقهم أغلالاً فهي إِلى الأذقان فهم مقمحون 2 وجعلنا من بين أيديهم سدا ومن خلفهم 
سدا فأغشيناهم فهم لا يصرون 4# وسواء عليهم أأنذرتهم أم لم تدذرهم لا يؤمنون 1 
نما تنذر من اتبع الذذكر © (يس: .]1١1-١‏ فشاورت فى ذلك جماعة من أرباب القلوب 
والمشاهدات فاتفقوا على الإشارة بترك العزلة والخروج من الزاوية» وانضاف إلى ذلك 
منامات من الصالحين كثيرة متواترة تشهد بأن هذه الحركة مبدأ خير ورشدء قدرها اللّه 
سبحانه على رأس هذه المائة» وقد وعد الله سبحانه بإحياء دينه على رأس كل مائة؛ 
فاستحكم الرجاء» وغلب حسن الظن بسبب هذه الشهادات» ويسر الله تعالى الحركة إلى 
نيسابور للقيام بهذا المهم فى ذى القعدة سنة تسع وتسعين وأربعماتة. وكان الخروج من 
بغداد فى ذى القعدة سنة ثمان وثمانين وأربعمائة» وبلغت مدة العزلة إحدى عشرة سنة» 
وهذه حركة قدرها الله تعالى» وهى من عجائب تقديراته التى لم يكن لها انقداح فى القلب 
فى هذه العزلة» كما لم يكن الخروج من بغداد والنزوع عن تلك الآحوال ما يخطر إمكانه 
أصلاً بالبال والله تعالى مقلب القلوب والأحوال و «قلب المؤمن بين أصبعين من أصابع 
الرحمن» وأنا أعلم أنى وإن رجعت إلى نشر العلم فما رجعت» فإن الرجوع عود إلى ما 
كان» وكنت فى ذلك الزمان أنشر العلم الذى يكسب الجاه» وأدعوا إليه بقولى وعملى» 
وكان ذلك قصدى ونيتى؛ وأما الآن فأدعوا إلى العلم الذى به يترك الجاه» ويعرف به سقوط 
رتبة الجاه . 

هذا الآن هو نيتى وقصدى وأمنيتى» يعلم الله ذلك منى» وأنا أبغى أن أصلح نفسى 
وغيرى» ولست أدرى أأصل إلى مرادى» أم أخترم دون غرضى؟ ولكنى أؤمن إيمان يقين 
ومشاهدة أنه لا حول ولاقوة إلا بالله العلى العظيم» وأنى لم أتحرك لكنه حركنى» وأنى لم 
أعمل لكنه استعملنى» قأساله أن يصلحنى أولاًء ثم يصلح بى ويهدينى» ثم يهدى بی؛ 
وأن بريق الك ها وبروكتئ اتاعه وبريت الباظل ياطلا ويرؤقتق العتثانه:. 


ونعود الآن إلى ما ذكرناه من أسباب ضعف الإيمان فيمن ذكر بذكر طريق إزشادهم 
وإنقاذهم من مهالكهم: 

وأما الذين ادعوا الحيرة بما سمعوه من أهل التعليم» فعلاجه ما ذكرناه فى كتاب 
«القسطاس المستقيم» ولا نطول بذكره فى هذه الرسالة . 

وأما ما توهمه أهل الإباحة» فقد حصرنا شبههم فى سبعة أنواع وكشفناها فى كتاب 
«كيمياء السعادة) . 

وأما من فسد إيمانه بطريق الفلسفة حتى أنكر أصل النبوة» فقد ذكرنا حقيقة النبوة 
ووجودها بالضرورة» بدليل وجود علم خواص الأدوية والنجوم وغيرهاء وإنما قدمنا هذه 
المقدمة لأجل ذلك» وإغا أوردنا الدليل من خواص الطب والنجوم لأنه من نفس علمهم. 
ونحن نبين لكل عالم بفن من العلوم» كالنجوم والطب والطبيعة والسحر والطلسمات مثلاً 
من نفس علمه برهان النبوة. 

وأما من أثبت النبوة بلسانه وسوى أوضاع الشرع على الحكمة» فهو على التحقيق 
كافر بالنبوة» مؤمن بحكم له طابع مخصوصء يقتضى طابعه أن يكون متبوعًا؛ وليس هذا 
من النبوة فى شئ» بل الإبمان بالنبوة أن يقر بإثبات طور وراء العقل تنفتح فيه عين يدرك 
بها مدركات خحاصة والعقل معزول عنهاء كعزل السمع عن إدراك الألوان» والبصر عن 
إدراك الأصوات» وجميع الحواس عن إدراك المعقولات؛ فإن لم يجوز هذاء فقد أقمنا 
الإسرهان على إمكانه بل على وجودهء وإن جوز هذاء فقد أثبت أن ههنا أمورًا تسمى 
خواص لا يدور تصرف العقل حواليها أصلاًء بل يكاد العقل يكذبها ويقضى باستحالتها؛ 
فإن وزن دائق من الأفيون سم قاتل» لأنه يجمد الدم فى العروق لفرط برودته. والذى 
يدعى علم الطبيعة» يزعم أن ما يبرد من المركيات إنما يبرد بعنصرى الماء والتراب» فهما 
العنصران الباردان. ومعلوم أن أرطالة من الماء والتراب لا يبلغ تبريدها فى الباطن إلى هذا 
الحد. فلو أخبر طبيعى بهذا ولم يجربه لقال: «هذا محالء والدليل على استحالته أن فيه 
نارية وهوائية والهوائية والنارية لا تزيد بها برودة» فتقدر الكل ماء وترابًا فلا يوجب هذا 
الإفراط بالتبريد» فإن انضم إليه حاران فبأن لا يوجب أولى». ويقدر هذا برهانا. وأكثر 
براهين الفلاسفة فى الطبيعيات والإلهيات مبنى على هذا الجنس» فإنهم تصوروا الأمور على 
قدر ما وجدوه وعقلوه. وما لم يألفوه قدروا استحالته. ولو لم تكن الرؤيا الصادقة مألوفةء 
و دعى مدع أنه عند ركود الحواس يعلم الغيب» لأنكره المتصفون بمثل هذه العقول. ولو قيل 
لواحد: «هل يجوز أن يكون فى الدنيا شىء هو بمقدار حبة يوضع فى بلدة ليأكل تلك 
البلدة بجملتها ثم يأكل نفسه» فلا يبقى شينًا من البلدة وما فيها ولا يبقى هو فى نفسه» ؟ 
لقال: «هذا محال وهو من جملة الخرافات!» وهذه حالة النار يتكرها من لم ير النار إذا 


٦.٦‏ د مجموعه رسائلالامام الفزالی س 


سمعها؛ وأكثر إنكار عجائب الآخرة هو من هذا القبيل. فنقول للطبيعى: «قد اضطررت 
إلى أن تقول: فى الأفيون خاصية فى التبريد ليس على قياس المعقول بالطبيعة. فلم لا 
يجوز أن يكون فى الأوضاع الشرعية من الخواص فى مداواة القلوب وتصفيتها ما لا يدرك 
بالحكمة العقلية » بل لايبصر ذلك إلا بعين النبوة؟» بل قد اعترفوا بخواص هى أعجب من 
هذا فيما أوردوه فى كتبهم» وهى من الخواص العجيبة المجربة فى معالجة الحامل التى عسر 
عليها الطلق بهذا الشكل : 

يكتب على خرقتين لم يصبهما ماء» وتنظر إليهما الحامل بعينهاء وتضعهما تحت 
قدميهاء فيسرع الولد فى الحال إلى الحروج. وقد أقروا بإمكان ذلك وأوردوه فى كتاب 
اعجائب الخواص" وهو شكل فيه تسعة بيوت يرقم فيها رقوم مخصوصة» يكون مجموع ما 
فى جدول واحد خمسة عشر» قرأته فى طول الشكل أو فى عرضه أو جوانبه. 

فيا ليت شعرى! من يصدق بذلك ثم لا يتسع عقله للتصديق بأن تقدير صلاة الصبح 
بركعتين» والظهر بأربع؛ والمغرب بثلاث. هى لخواص غير معلومة بنظر الحكمة؟ وسببها 
اختلاف هذه الأوقات؛ وإنما تدرك هذه الخواص بنور التبوة. والعجب أنا لو غيرنا العبارة 
إلى عبارة المنجمين لعللوا اختلاف هذه الأوقات. فنقول: «أليس يختلف الحكم فى الطالع 
بأن تكون الشمس فى وسط السماء» أو فى الطالع أو فى الخارب» حتى يبنوا على هذا 
تسييراتهم اختلاف العلاج وتفاوت الأعمار والآجال» ولا فرق بين الزوال وبين كون 
الشمس فى وسط السماءء وبين المغرب وبين كون الشمس فى الغارب» فهل لتصديقه 
سبيل؟» إلا أن ذلك يسمعه بعبارة المنجمء لعله جرب كذبه مائة مرة؛ ولا يزال يعاود 
تصديقه» حتى لو قال المنجم له: إذا كانت الشمس فى وسط السماءء ونظر إليها الكوكب 
الفلانى» والطالع هو البرج الفلانى» فلبست ثوبًا جديدا فى ذلك الوقت» قتلت فى ذلك 
الثوب! فإنه لا يلبس الشوب فى ذلك الوقت» وربما يقاسى فيه البرد الشديد» وربما سمعه 
من ملجم وقد عرف کذبه مرات . 

فليت شعرى! من يتسع عقله لقبول هذه البدائه ويضطر إلى الاعتراف بأنها خواص» 
معرفتها معجزة لبعض الأنبياء» فكيف ينكر مثل ذلك فيما يسمعه من قول نبى صادق مؤيد 
بالمعجزات لم يعرف قط بالكذب! فإن أنكر فلسفى إمكان هذه الخواص فى أعداد الركعات 
ورمى الحمار وعدد أركان احج وسائر تعبدات الشرع» لم يجد بينها وبين خواص الأآدوية 
والنجوم فرقًا أصلاً. فإن قال: «قد جربت شينًا من النجوم وشيئًا من الطب. فوجدت 
بعضه صادقًاء فانقدح فى نفسى تصديقه» وسقط من قلبى استبعاده ونفرته وهذا لم أجربهء 
فبم أعلم وجوده وتحقيقه إن أقررت بإمكانه؟» فآقول: «إنك لاتقصر على تصديق ما جربته» 
بل سمعت أخبار المجربين وقلدتهم. فاسمع آقوال الأنبياء فقد جربوا شاهدوا الحق فى 


جميع :ما .ورد يه الشرع» واسلك يله 'تدرك بالمشاهداة يعض لك»: على اتن أقول: وإن 
لم تجربه فيقضى عقلك بوجوب التصديق والاتباع قطعًا؛ فإنا لو فرضنا رجلاً بلغ وعقل 
ولم يجرب المرض فمرض. وله والد مشفق حاذق بالطب» يسمع دعواه فى معرفة الطب 
منذ عقل» فعجن له والده دواء فقال: «هذا يصلح لمرضك ويشفيك من سقمك» فماذا 
يقتضيه عقله» وإ كان الدواء مرا كريه المذاق» أيتناوله؟ أو يكذب ويقول: أنا لا أعقل 
مناسبة هذا الدواء لتحصيل الشغاء» ولم أجربه؟ فلا شك أنك تستحمقه إن فعل ذلك! 
وكذلك يستحمقك أهل البصائر فى توقفك! فإن قلت: فبم أعرف شفقة النبى عليه الصلاة 
والسلام ومعرفته بهذا الطب؟ فأقول: وبم عرفت شفقة أبيك وليس ذلك أمرا محسوسا؟ بل 
عرفتها بقرائن أحواله وشواهد أعماله فى مصادره وموارده علمًا ضروريا لا تتمارى فيه. 

ومن نظر فى أقوال رسول الله عليه الصلاة والسلام» وما ورد من الأخبار فى 
اهتمامه بإرشاد الخلق» وتلطفه فى جر الناس بأنواع الرفق واللطف إلى تحسين الأخلاق 
وإصلاح ذات البين» وبالجملة إنى ما لا يصلح إلا به دينهم ودنياهمء حصل له علم 
ضرورى بأن شفقته على أمته أعظم من شفقة الوالد على ولده. وإذا نظر إلى عجائب ما 
ظهر عليه من الأفعال» وإلى عجاتب الغيب الذى أخبر عنه القرآن على لسانه وفى الأخبار» 
وإلى ما ذكره فى آخر الزمان فظهر ذلك كما ذكرهء علم علمًا ضروريا أنه بلغ الطور الذى 
وراء العقل» واننعحت له العين الى يتكشف منها الغيب:الذى .لا يدركة إلا القواصض» 
والأمور التى لا تدركها العقول. فهذا هو منهاج تحصيل العلم الضرورى بتصديق النبى عليه 
الصلاة والسلام. فجرب وتأمل القرآن وطالع الأخبار تعرف ذلك بالعيان. 

وهذا القدر يكفى فى تنبيه المتفلسفة» ذكرناه لشدة الحاجة إليه فى هذا الزمان. 

وأما السبب الرابع. وهو ضعف الإيمان بسبب سوء سيرة العلماء. فيداوى هذا 
المرض بثلاثة أمور: 

أحدها: أن تقول إن العالم الذى تزعم أنه يأكل الحرام؛ معرفته بتحريم ذلك الحرام 
كمعرفتك بتحريم الخمر ولحم الخنزير والرباء بل بتحريم الغيبة والكذب والنميمة. وأنت 
تعرف ذلك وتفعله لا لعدم إيمانك بأنه معصية, بل لشهواتك الغالبة عليك؛ فشهواته 
كشهواتك. وقد غلبته كما غلبتك. فعلمه بمسائل وراء هذا يتميز به عنك. لا يناسبه زيادة 
زجر عن هذا المحظور المعين. وكم من مؤمن بالطب لا يصبر عن القاكهة وعن الماء الباردء 
وإن زجره الطبيب عنه! ولا يدل على ذلك أنه غير ضارء أر على أن الإيمان بالطب غير 
صحيح ؛ فهذا محمل هقوات العلماء. 

الثانى: أن يقال للعامى: ينبغى أن تعتقد أن العالم اتخذ علمه ذخرا لنفسه فى 
الآخرة؛ ويظن أن علمه ينجيه». ويكون شفيعًا له حتى يتساهل معه فى أعماله لفضيلة 
علمه . وإن جاز أن يكون زيادة حجة عليه» فهو يجوز أن يكون زيادة درجة له وهو ممكن» 


۸ uسسسھے‏ مجموعة رسائلالإمام الفزالى == 


فهو وإن ترك العمل يدلى بالعلم. أما أنت أيها العامى إذا نظرت إليه» وتركت العمل وأنت 
عن العلم عاطل» فتهلك لسوء عملك ولا شفيع لك. 
الثالث: وهو الحقيقة؛ أن العسالم الحقيقى لايصادف معصية إلا على سبيل الهفوة» 

ولا يكون مضرًا على المعاصى أصلا؛ إذ العلم الحقيقى ما يعرف أن المعصية سم مهلك» 
وأن الآخرة جمير من الدنياء ومن عرف ذلك لا يبيع الخير بما هو أدنى منه. وهذا العلم 
لايحصل بأنواع العلوم التى يشتغل بها أكثر الناس؛ فلذلك لا يزيدهم ذلك العلم إلا جرأة 
على معصي الله تعالى. وأما العلم الحقيقى فيزيد صاحبه خشية وخوقًا ورجاء» وذلك 
يحول بينه وبين المعاصى., إلا الهفوات التى لا ينفك عنها البشر فى الفترات؛ وذلك لايدل 
على ضعف الإيمان» فالمؤمن مفتن تواب» وهو بعيد عن الإصرار والإكباب. 

هذا ما أردت أن أذكره فى ذم الفلسفة والتعليم وآفاتهماء وآفات من أنكر عليهما لا بطريقة . 

ونسأل الله العظيم أن يجعلنا تمن آثره واجستباه. وأرشده إلى الحق وهداهء وألهمه 
ذكره جتى لا ينساهء وعصمه عن شر نفسه حتى لم يؤثر عليه سواه» واستخلصه لنفسه 
حتى لا يعبد إلا إياه. 

وصلى اللّه على سيدتا محمد وعلى آله وصحيه. 


کتاب 
حجة الإسلام الإمامالفزالى 
المواعظ فى الأحاديث القدسية 
الحمد لله تذكرة للعبادء وتقوية للمتقين من المسلمين إلى العبادة» والصلاة على 
صاحب الملَّة الطاهرة» والرضوان على آله وأصحابه وآلهم» وعلى من تبعهم بإحسان» 
وعلماء الأمة فى كل زمان. 
كتاب الموعظة فيه حسنة نافعة» نفعنا الله بها. 


الموعظة الأولى 
ا و اا وه ممامد ماه 7 oo‏ 0 ع و “اص حر و العا 1# کے » efor‏ 
يقول الله تَعالَى: «يابن آدم! عجبت لمن أيقن باوت كيف يقرح» وعجبت لن ايقن 
وه ب ا 2 . ا E‏ 0 ا م و نا RE‏ 07 2 ع 
بالحْساب كيف يمع الال عبت ان اشن بالق كف بض حك وعحت كن ألفن 
بالآخرة كيف يستريح» وعجبت أن أَيْقنَ بالدنيا وزوالها كيف يَطْمئن إليهاء وعجبت لَن هو 


عَالم بالّسان جاهل بالقلبء وعجبت لَنَ يطهر بالماء وهو غير طهر بالقلبء وعجبت ن 


غل بعيوب التاس وهو غاقل عن عيوب تفسه؛ أو َن ب لم أن الله تَعَالَى مطّلع عله كك 


مو هدم # عع لير ف لد نيع ن رق 7 ا € سه کور 


يعنصيه» أو من بعلم آنه يموت وحده؛ ويدخل الْقَبر وحدهء ويحاسب وحدہ کر كيف يستانس 
بالتاس» لا إله إلا أنا حَفَاء وأ محمدا عبدى ورسولى». 


. الموعظة الثانية 
يقول الله تَعالى : : اشهدت تفسىء أن لا إله إلا أنَا وحدى, لاشريك ا 


و ا 


عند ورسولى؛ . من لم برض بقضائی؛ ولَم يَصبر على بلائى؛ ولم بشکر علی می 


ل 0 أصبح ايل 
على ٠‏ ومن اشتکی فقد شکانیء ومن دحل على غب عن فتواضع له من أجل غتائه 
رر لوہ و 2 ر الى سا عامل و 


ل ل I‏ رمحا يقَائلنى به» ومن کسر عو 


-6 ر اس ام م مج تم 


عَلَى قبر فَكأَه هدم باب كعبتى بيد ومن لم يبال من أى بَاب يأكل» ما يبالى من أ 


ا اعم عو ا 


له الل تال جهن ومن لم یکن فى الزیادة فی دین هو کی التقصان ومن کان في 


سم هى 


فصان فَا موت حَيْر لَه ومن عمل بما علم أورته لله تَعَالَى علم ما لم بعلم ومن أطال أمله 


روت وو و روو 


لم يخلص عمله). 


یات 


يقول الله تَعالَئ : : «يابن آدم! افتع 0 واترك الجسدة تسترح» واجتنب الجرام 


3 کا امم ل ال لو کے ر تر ار e‏ اا 
تخلص دينك ومن ترك الغيبة ظهرت لَه محبتى؛ ومن اعتزل الناس سلم > ومن قل 
ر اخ و ا و ی م و ٣‏ ا 


كلامه كمل عله ومن رضي بالقليل فَقَد وئق بالله تعالى. ابن آدم! أنت بما تعلم لا تعمل» 
َكيف تطلب علم ما لا تعلَم؟ يَابنَ آدم! ! تَعْمَل فى الدنيًا كنك لا تَمُوْت غَذاء ومع الال 


م 


كانك ملد ا يا دلا احرمى الحريص عَليّك» وابغى الزاهد فيك وکونی حلوةً فى 
عبن الثاظرين». 


الموعظة الرابعة 


نشول الله تعالى : «يابن آدم ! م أصبّح حي على الدنيا َم ير من اله إلا بعد وقى 
الد إلا كَدَاه وفى الآخرة إلا جهدا وآلزم له تعالى قله هما لا يتقطع عله بدا وشَغْلا لا 


رغ عله ابد وَفَقَرا لا یتال غتی أبن وآمالاً تشغله بدا ياين آدم! م! تنص كل يَوْم من 
مرك وآنت لا تدذری» وآنيك كل يَوْمٍ برزقك وأنت لا تَحمد؛ لا بالقلیل تفع ولا بالكثير 


تشبع. . يان آدم! ما من يوم إلا ويأيك رزقك من عندى وما من لي إل ويأتينى الملائكة من 


کک ٦|.‏ علللللللللشسس*ع٠سست‏ مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 
و ¢ e‏ 


عتدك , 0 ل رر وحصي راك و ی 


سے کو کے 


ازل وشرك إلى واصل؛ قتعم اوی آنا ك! وبفس العبد نت لى! تستلنى ما أعطيك؛ 


2 > م ويس سوسس E‏ اج وس مهو 20> ي 


وأستر عليك سوأة بعد سوأ افضيحة, وأنَا أسْتَحبى مذك وأنْت لا تسشحى متى» تنسانى 


وتذكر غيّرى) وتخات الناس وا منی» وتخاف متهم وتأمن غضبى». 
الموعظة الخامسة 
ول الله تعالى: «یابن آدم! لا تكن ممن يقصر التو يطول الأمَل» ويرجو الآخرة 


سام واس 


بغير عمل؛ بقول فول العابدين ويعمل عمل المافقين. إن عطي م بقتع» ون منع لم بصب 


ر ن9 بر دس وى سوس ی ا 7ر ن 


َم بالحبر ولا يفعله. وبنهى بالشر ولم ينه عنه, يحب الصا حون وليْس منهم» ويغض 


ء ده رر ن ر ر م 


امتافقين وهو منهم. يقول ما لآ يفعل» ويفعل ما لا ؤم ويُستوفى ما لآ يوفى. بابن آدم! ما 
من يوْمٍ جديد إلا والأزض تخاطبك فى قولها تقول لك: يبن آدم ! | تنشى على ظهْرىء : 


4 ىع ىدم ب 1 


تخرن فى بطنى» وتَأكْلٍ الشهوات على ظَهْرى وبأكلّكَ الدود في نى يابن آدم ! أنا بيت 


ال فة وات بيت الساءلة 31 بيت الوخد 57 CT‏ الظلمَة 58 الحَيّات 


دم# دوقي 


والعقارب» فاعمرنى ولا تخريتى 


اوعظة السادسة 
كول الله ا ١‏ يبن آدم ما حَلْفَكمْ لأمتكثر بكم | من قلق ولا لأستانس بكم من 
وحفةء ولا لأسشعين بكم على أمْر جرت عن ولا خلب متقعة. ولا لدقع مضرةء بل 
كم لتعبد دوتی ويلا وتشكروني كديراء وتسبحونى بكر وأصيلا. . يابن آدم! لو أن 
آولکم وآخ رکم وجنکم وإنسکم وصغي ركم وكبيركم» وحركم وعبدكم. اجتمعوا على 
طَاعتی ما زا ذلك فی مکی مثقال ذرة. ومن جَامَد فَإِنَمَا يجَاهد لتَفْسه إن الله لَغنى عن 


ا ص ج اوسا اللا شام ر 


العالمين. بابن آدم! كَمَا تؤذى تودّى بك وکما تعمل يعمل بك 


الموعظة السابعة 
يقول الله تَعَالَى : ايابن آدم! يا ع عبد يد الديتار والدراهم ر إني خَلَفتهمَا کم 0 


بهما رزقيء وتلبسوا بهما ثيابى؛ وتسبحونى وتقدسونى؛ ؛ ثم تأخذون كتابى وتم 
وراءكم» وتأخذون الديتار والدراهم وتَجْعلُوها فوق رءوسكم ورقعتم بيونكم وخفضتم 


4 و ا 
هج ره ج85 و ج>ه 


بيونيب قلا تم حيار ولا شم أحرار؛ أنشم عبيد الدنيّء واجْتمَاع مثلكم كل القبور 


مرخ او الى ا رو راط ل عرق 


الخصصة يرَى ظَاهِرهَا ملحا وبَاطها قبيحَاء وكذَا تصلحون للناس وتحبون لبهم 


5 الى الخميلة وتباعدون بقلويكم القاسية ة وأحوالكم الخبية. ياين 


ر ص سے لاص نض مم 


ET 2‏ فَإنى أعْطيك أكثر مما يطلب السآئلون». 


الموعظَةٌ النَامنة 
ول اللّه تَُاَى : : لبان آدم! ما حَلَقَكم عبناء ولا حَلَفَكُمْ سدىء وما نا بغافل» وإنى 


کوت و رک م ا 


بكم حير ون نالوا ماعندی إلا بالصبر علي ما تکرهون في رضائى» والصبر لَك عَلَى 


ال سر مل o‏ ىا مس اس 


طاعتی یسر کم م من الصبر على معصيتى» وترك الذنب ايسر كم من اعتذأرى من حر التار» 


سوس هه لس ىعس يرع وم ومو و 


وعذاب الدنيا أبسر لَكُمْ من عَذَابٍ الآخرة يان آدم! ! کلکم ضال إلا من هدیته» وکلکم مسی 


ا بی ر 25 


إلا من عصمتهء وتوبوا إلی ارحمکم ولا تهتکوا آسرا رگم عند من لا بخفّی عله سرکم». 


الموعظة التاسعة 
قول الله تَمَلَى: « يان آدم! لا تلعنوا الخلوقين فترد اللَّعنهُ عليكُم. ابن آدم! استقَامَّت 


السموات فى الهَواء بلا عمد باسم واحد من أسمائى» ولم تستقم فلوبكم با ا 
تان ا بها النّاس! كما لا يلين الحَجَر فى الماء. كذلك اتو ر الوعظة فى اقلوب الَاسية. 


0 - عر لے لس لس سا لس ع ست راق یو سو مو 
بان آدم! كيف تش هدون أنکم عاد ا : تم تعصونه؟ وكيف ترمو أن اوت حق واتتم له 
ا ب EE RE‏ وي ملو و رق 


وراو الت ر به علم وتخسبوته هيا وهو عند الله عظيم». 


الموعظة العاشرة 
يمول الله تَعَالَى : يا أيها الاس قد جاءتكم موعظة ن ربكم وشقاء لا في الصدور) 
[يونس : lov‏ لملا تحخسنون إلا ن خسن إليكم» ولا تصلون إلا من وصَلكم ولا 


لص بي عل ع وس اي ل الس 


كلمن إل من لمکم ولا تطعمون إلا من أطعمکم» ولا تکرمون إلا من أكرمكم؟ ويس 


ا 


لأحد على أحد مَضل» إتما الؤمنون الذي ن آمنوا بال ورسوله: الاين بترن إل م اسا 


س ا نے ران سس بر ال شا ا رر ون وص ا ےر و رون سير لاس د 


إل ديعو من مهي ويعفون من حرسهم؟ ويانرنون من خاتهې؛ ويکل مون من 


م ع ررم ل سس وج سو و 


هجرهم» ویکرمون من أهانهم؛ وإنى بكم لخبير". 


5 


الجر وج جار لم عر عر ا 


E Cl TE لها يسم‎ 


و ا ر ر او ب 0 
ويطلّب شه واتهاء من لا رة له فم أراد نعْمَة زائلة, وحياءً منقطعة ققد لم تسه 


وعصا ريف وس تسى الآخرة وغرنه ديا وأراد ظاهر الإنّم وبّاطن هذا. © إن الذين يكسبون 


کک ٦۱۲‏ جب سس سسبسس#سسس مجموعة رسائل الإمام الفزالى سد 


الإنم, سيجزون , بما کا إيقترفون 4 االانمام ٠ [\Y-‏ يابن آدم ! راعونى وتاجرونى» 
7E‏ 5 لس وم ىو رام سے م 
وعَاملُونى وأسْفلونى فى ريحكم. عندى ما لاعين رأته ولا أذ معت ولا حطر على 


ب شر ولا نفد حرائتى ولا تنتقص» وَآنَا الوهاب الكريم». 


: الوعظة الثانية عشرة 
قول الله تعالَى: ايابن آدم ! 9 أذكروا : نعمتي التي أنعمت عليكم وأَوفوا بعههدي أوف 
بعهد كم وِيّاي فارهبون © [البقرة: ۰ كما لا تهتدی السبیل إلا بدليل» كلك لا طريق إلى 
الجنة إلا , . وكَمَا لا يْجْمَع امال إلا بنصبء كذكك لا تَدحَلُونَ اله إلا بالصبر على 
عبادتى. فَمَقربوا إلى الله بالنوافل؛ ؛ واطلبوا رَضَائى برضا المساكين عنكمء وَارْضِوا إلى 
رَحمتى بمَجالس الْعلّماءء فَِنَ رَحْمَتَى لا تفارقهم طَرْقَةَ عيّن. قال اله تعالی: با موسي 


ع م وص ص ر ل مول ول ست 


امح ما فول قاق أنه من تكبر على مسكين حشرئه يوم القامة على صورة الذن ومن 


004 ل ص ل ور ي r‏ م لل 
وع له وفعت فى الدنيا والآخرة؛ ومن تعرض لهتك سر مسكين حشرته يوم القيامة عير 


موز بره ومن أمَانَ فَقيرًا فَعَدَ بارزنى بالمحاربة» ومن يُوْمَنْ بى صافّحته الملائكةٌ فى 
الدنيا والآخرة». 


الوْعظة الالشة عَضَرة 
قول ل الله تعالى : : «ياين آدم !كم من سرج قَد أطفأته ريج الْهَوَىٍ وَكم من عَابد قد 


أَفْسَدَه العخب» وَكم من غنى أفسده الفتاءء وكم من فقير أفسده الفقر و حم من 57 
َفْسَدَنْهِ العافية) وک لاست لملم وک من جام اليد انل فلولاً مشايخ 
ركم وات ك خشع» وأطفال رضم وا ئم رتعء لجعت السسماء من قوقكم حَديداء 
رارض تفصق رالراب رما وك قرت عم من امام قَطرةٌ ولا أنبتت فى 


لس رى 8 وو و 


الأرض من حبة» ولصببت عليكم العذّاب صبا». 


الموعظّة الرابعة عشرة 
قول الله تَعَالَى: : « يبن آدم! اطلبُونى بقدر حاجتكم إلى وأصوى يقثر بردم 


علي الثارء ولا تنظروا إلى آجالكم المستأخرة. وأرزاقكم اخّاضرة» وذنوبكم | نترة و «و كل 
شيء هالك إِلاً وجهه له الحكم وإليه ترجعوتَ 4 (القصص : : AA‏ 


o ©‏ و 9 در دس هاس 
الموعظة الخامسة عشرة 
راء دم ل عر لل ر ت توو 


E‏ الله تَعالّى: « يَابْن آدم! إن صلّح دينكم ولحمكم ودمکم» صلح عملكم 


حب محجيوعةرسائلالإمامالفزالى سس سس سس سبحت = 
ني فر في بل قن رق 


و لمكي ودمكي» وإن فَسَد دیینکم فد عملکم و لمکم ودمکم قلا کن کا المصبا 


ر ص _- 


تشه ويضئ للناس» وأخرج حب الدنيا من قلبك» ی 
ي 
واحد أبذاء وارفق بتسك فى جمع الرنزق إن الرزق مقسوم» والتريص محرو والبخيل 


000 اي سر 


مذموم» والنعمة لا تدوم والاستقصاء ءشؤف والأجل معلوم) والحق معلوم؛ وخير حكمة الله 


و ر و ا ر 


المشوعء وخير افغناء القتاعة وحَبر الزاد التقوى» وخير ما أتى فى القلُوب اليقين» وحير ما 


2 مسر 


أعطيتم العافية). 


ا 





.الموعظة السّادسة عشرة 
يل الله تعالى : ليا أيها اين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون ) [الصف: إ[. وكم 
و له سه م > ودود r ae‏ ص ن ل ص r‏ 
تقولون وتخلفون وكم تنهون عما لستم عنه تهون وکم نامرون ولا علوت كم 
رل اع ع سس لاس سمو ما د دوس اس ن ر عي جه 


ا ل E‏ اتنظرون؛ 
أعندكم من الوت أَمَان؟ م بيدكم أبراءة من النار؟ أم تحققرٍ الفوز بالجحتان؟ 
ار رحمة؟ أبطر بطرتكم العم الت نعم وأفسدكم الإحسانء وغركم امن تایا طول لات و 


oro o‏ و ع 


تغتنموا السصحد والسلامة فأيامكم معلومة وأنفاسكم معدودقٌ وقدموا لأنمسكم U‏ بقی فی 


رور رم 2 


0 يبن آدم! نك تدم على ملك“ وإن كل يوم يهدم من عمركء .من يرء و 


or‏ ھم سا اس الى سس مه مل 


ا ر ا 0 ابن أدم! مَتَلكُم فى الدد ب) كمثل 


ر A‏ ر 


الذباب؛ كلما وقع فى العسل انتشب فيه فكذلك أنتء لآ تكن كالخطب الذى يحرق نفسه 
لغيره ه بالثار». 


مه 


الموعظّة السابعة, عشرة 
و الله تَعالى : اياب آدم! أعمل كما أمرتك وانته عا هتك عه أجعلك حا 


ےہ ر طاو و 


لا تموت أَبداء ونا حى لا أموت أَبَداء وإِذَا قلت للشئء کہ“ ن فيكون. . بابن آدم! إن كان 


لك وعملك قبيحاء أت رئيس آلتافقين؛ وذ كان اهرك مليحا وباطنك قحا 


o7‏ لر 


فت من الهالكين. بخادعون اله وهو خادعهم ا 
1 ا 

ال ]1 يابن آدم دحل اه لمن تراضع لمظمتى» وآ النهار بذَكرِى 

تفه عر الشهوات من أجلى؛ نى آوى الريب وأؤمن الفقير وأ م ال يم وأكون له 


كالب الرحيم» وللأرامل كالزوج العطوف الشقوق. فَمَنَ كانت ll‏ 
إا دعآنى شيئًا أستجيبه» وإذا سألنى أعطيته). 


الموعظة الثَامنةَ عشرة 
لع ل ان سعد r‏ کک که مرع# يا مس ا مم شوم 
يقول الله تَعالَى: «يابن آدم! إلى من تشكونى وليس لثلى تشكو؟ وإلى متى تنسونى 


ل :1)1 للا مجموعة رسائل الإمام الفزالى کڪ 


لم أ وجب منکم ذلك؟ وای متی تکفرونی ولت بطلا لعييد؟ وإِلى متى جحد 


ر م لر 000 


ّ لح واي بي ا ' وإلى متى 
ار ؟ نقد 
شكوتمونى وسخطتم قضائى» وأنا الذى أرسلت السماء عليكُم 0 


ر الو 


لنم فقد کفرتمونی وآمتم تم بالنجم» ونا الذي أَنْرلت عَلَيكُمٍ رحمتی قدرا مقدور مكبولا 


ل شاع أ ووو ق ر س ج 


معدودا موزونًا مفسوماء فَإِذّا جاء أحدكم قوت ثلاثة أيام, قال: آنا بشرولست بخير» ققد 


6 


س ساسم - »م سو هه 


جحد نغمتىء وم مَنَعَ الرّكَاةَ من مَاله ققد استخف بکتابی» وذ علم بوت الصلاة لم يفرع 


لها وقد عما 2 2 2 2 


لها فقد غفل عنى». 


ول الله تَعَالَى: «ياين آدم! اصبر وتواضع أ أرقت واف أزدك وامستغفرنى 
عفر لك» وإِذَا دَعَوتى أستجيب لَك وتب إلى أنب علي واسآلنى أغطك» وتصدق 
بار لك فى رزقك» وَصل رَحَمك أَزد فى أجَلك» وأطلُب متّى العافيّة بطُول الصحة؛ 
والسّلآمة فى الوحدق وَالإخلاص ف فى الرغبة والورع 5 لله فی التوبةء والغتاء فى القتاعة. 
يبن آدم! كيف تطمع فى العبادة م مع الشبّم؟ وَكَيف تطمع فى حب لله مَعَ حب المال؟ وكيف 


لت ل لل و لي ل سار وي 
0 فى الرضا مع البخل؟ ويف تطمَع فى 


7 ل 


الجنة مع حب الدنيًا ومع | لذح؟ وَكَيْف تطمع فى السعادة مع قلّة العلم؟2. 


الموعظة العشرون 


يقل الله تَعالى : يا يها اناس ! اعبش كَالتديرء ولا ورَع كَالكَف عَنِ الأذّى» وَل 
حب أرقع من الأب ولا شَفيع كالتوبة ولا عبادة كالمل ولا صلا كالخشية ولا ظقر 
کال و عاد کال ف ولا زين ين من اْمَقْلِه ولا رفي قآنس من الخلم. ياين آدم! فرغ 
لعبادنی انلا ليك غتی» وأبارڈ فی رزقك؛ وأحل فى جسنمك راح ولا تقل عن ذکري فان 
عَمَلتَ ألا لبك قرا وبَدنك تَبّا ونصباء وصدرك هما ولو صرت ما بقى من عمرك 
زهدت فيما بقى من أملك. يابن آدم! بعافيتى قُويت على طاعتى» وبتوفيقي آدیت قریضتی» 
وبرؤقي فور ت على منصيتى » بمشينتى نا ما تاءء ویار دی رید ما رید تشك ومني 


م وقمَدات ورَجَعْت وى أت وأصبحت» وفى غل عشت وقی تی قلت 


س 


وبعافيتى تَجَمَلْت؛ ثم تنسانى وتذكر غیری» فلم لا تودی حقّی وشکری؟). 


اسر ساس 


س مجموعة رسائل الإمام الغرالى ٥‏ - 


الموعظة الحادية والعشرون 
تقول الله تحالن دا بن آدم! اموت يكشف أسرآرك والقيامة بَبَلُو أخبارلة, والْعَذَاب 
بتك أسرآرك إا أذنبت ذنبا فلا تنظ إلى صغره ولكن انظر إلى من عصَيّت وإذا رفت 
رركا ليلا فلا تنظ إلى قلت ولكن انظر إِلَى من رَرَقك ولا تحر الذَنْب الصغيرء فإنك لآ 


r ¢‏ ل اله ر رر 


ندری بای دنپ عصيته؛ ولا تامن من مكرىء فان مکری أحفى علَيّك من دبيب النمل على 
الصا فى اللَيلَةٌ اأظلمة. يابن آدم ! هل عصيتنى فَذَكَرتَ عَضبى ؟ وهل انتهيت عما عما تهبتك؟ 
e‏ 0 وهل أخسنت إلى من 


حرا و و 


حَانَكَ؟ وَل عنمن مجر وَل أت ولد دعل رضت جيرالك؟ ر 


العلماء عن نر دينك ودتاك؟ انی لا أنظر إلى صو ركم ولا إلى محاسنگې وکن أَنْظر 
إلى تلُوبكُم وأرضئ بهذه الخصال منکم». 


اوعظة الانية والعشرون 

بول الله تخا ابن آدم! انظ إلى تفنسك وإِلَى جسيع خَلقَى؛ فإن وجدت أعَر 
م ٠‏ اصرف کرامته يك وإلا ْم تك بالتوبة والعمل الصالح إن كانتا 
نفسك عليك عزيزة. لإ واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي وائقكم به إذ قلتم سمعنا 
وأطعنا 4 [لمائدة: ۷ . واتقوا اله قبل يوم القيّامة» يوم القعابن يوم الحاقةء يرم كان 
مقداره حمسن ألف سنَة4 [لمارج: 4ط يوم لا نطقون (452 ولا يؤذن لهم فيعتدرون * 
[المرسلات: 21.6 يوم الطامة؛ يوم الصيحة یوما عونا فمطريرا 6 1 الإسان: 
3 يوم لا تملك نفس لنفْس شيئا والأمر يوسئذ لله [الانقطار, 14 يوم الديمومة يوم 
الزرلةيَْمٍ الشارعة يوم فيه ترجف مواقع المبَال» وول التكال» وتَمْجيل الزوال» يم 
الصيّحة والدركء يوم فيه تسیب الولدان» ولا کا كالذين قالوا سمعنا وهم لا 


اق ت 


يسمعون » (الأتفال: .]7١‏ 


يَعُولُ الله تََالَى :يا يها الّذين آمنوا اذكروا الله ذكْرا كير يرا 57 وسبحوه بكرة 


وأصيلا4 [الأحزاب: .]٤١١٤١‏ باموسی بن عمرآن» ياصاحب البيان, اسمع كلآمى ! فَأنَا الله 


املك الديان» ليس بَنْنى وبيتك ترجمان» بسر آكل الربًا بعَضب الرحمن. وَمَضَعفَات 
التسران. يان آدم! إا وجذت اة فى قلبك وسّقمًا فى بدنك وحرمانًا فى رزّقك» 


ونقيصة في مالك ق اعم بنك تَكلّمْت بما لا يعنيك. تا ن آدم! ما يستَقيم دبك حتى 


ا 5 


يستقيم لسائك؛ ولا يستقيم لسَانك حتى تَستَحيى من ربّك. بان آدم! إد تظرت فی عيوب 


مر موس اس مجه 


الناس ونسيت عيبك فق أرضيّت الشيطان وأعْضبت الرحمن ن يان آدم! لساك أسّتٌ إ إن 
أطلقته فّلك فهلاكك فى إطلاق لسّانك». 


الوعظة الرابعة والعشرون , 


يقول الله تعالى : «يابن آدم! إن الشيطان لكم عو فاتخذوه عدوا 1 فاطر: 


ا ام ررر ۶ سمو ص سدس 


[٦‏ اعلموا الوم اذى تحشرون فيه وجا وجا وتقومون بين يدى الرحمن صفا صفاء 


عاج ا ےت 


وتقرءون الكتاب حرفا حرقاء وتسالون عَما عملم سرا وجهرا. لإ يوم نحشر المتقين إلى 


لس اه عن ل و ود 2ه 


الرحمن وفدا روه ونسوق المعرمن إلى حينم يردا لعريم: [ATA‏ .كم وعد ووعيدء 


فا ا0 لا شبيه لى: وليس سلطان کسلطات . من صام لی فی دهره حالصا أطرته 


دء ه الوسر سبل ىل سل توه 


بألواني» ومَن بات في ليله ق ائما کان له شان من شای ومن غض عينه عن محارمى أمنتم 


e 


من د الى فنا الى اعرفونیء وأ تا انعم فاشکرونی» ونا الحافظ فَاحَفَظُونى» وأا الناصرُ 


فانصروتى؛ وأنا تا العافرٌ فاستغفرونې» 57 المقصود َأفُصدونى؛ , آنا نا المغطى ” تَاسألُونى. وأنا 
۱ بود فاعبدونی» وأنا العالم ET‏ 


الوعظة الخامسة والعشرون 
يقول الله تَعالَى : : «يابن آدم! أ ل شهد الله أنه لاال إلأً هو رالملانكة وأولوا العلم قائما 
بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيمٍ لي إن الدين عند الله الإسلام آل عمران: 


1401۸( ومن يحم غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو ٍ ي الآخرة من الخاسرين 4 دال 
عمران : 0 ويشر كل ؟ شئ أحسن بالجنة. ومن عرف الله حالصا فأطاعه تجاء ومن عرف 


ف ار ی اق موی 1 کو ی و وا د شاا و ر ر 


الشيطان فَعصاه E‏ 


الشبطانَ والدنيا ثم رقضهِما سعد ومن َرَفَ الآخرة ثم للها هذى وإن الله يهدى من 


يَشاء وإِليْه تقلبون. يان آم إِذَا کان الله تَعَالَى ق تکل لَك يالر زق» نَطُول امتمامك لَاذ)؟ 
وَإِذَا كان الحلف من الله البخل ا َاذَا؟ وإذا کان نليس عدو الله تعالى قالقفلة َاذَا؟ وإِذَا 


ر سے ی 


كانت ٠‏ العقوبة ب بالثارء قالاستر 86 لَاذَا؟ , و إِذَا كان نو وات الله اة كَالَخْصِية ادا و إا کان 


ح ممجموعة سانل الإمامالفزالى ‏ ببس سس سسسب ببح ٦۱۷‏ = 


و 


كل شئ بقضائى فَاجْرَع كاذَا؟ط لكلا َأسوا على ما قاتكم ولا تفرحوا بما ناكم واللّه لا 
يحب کل مختال فخور ‏ (الحديد: : EY‏ 





الموعظة السّادسة والعشرون 
تقول لله تعالى : «يابن آدم ! أكُدروا من الزاد فإن الطريق بعيد» وجدد اد القيَام لل فَإنَ 


o‏ 4 ر ر 


الببحر عميق» وَحَققوا العَمل إن الصراط دقِيق؛ وأخلص الفعل فَإِنَ الناقد بصيررٍ فشهواتك 
فى اله وراحتك إلى الآخرة وديك ا لحور العين: وكن لى أكن لَك وتقرب إلى فى 


ع عي ود 9و 


موان الدنيًا وحب الأبرار» إن الله لا يضيّع جر الُحسنين». 


الموعظة السابعة والعشرون 


س و وق ى 0 


ل الله تعالى : : ايبن آدم! كيف تمصو وام تَجرَعون من حَر النسمسء وجهنم 


ا واو اط ايل 


ها سبع طَبَقَاتء فيها نيران يَأكل بَعْضَهَا بض ؛ فى كل مها س عون الف شعب من الثار, 


ع خم اج و سو ى > لاسي 1 27 


فى كل شعب سبعون ألف دار وفى كل دار سبْعون أل ف بيت وفى کل بیت سبعون ا 


خاو وق کر و ورو و 
بئر» وفى كل بثر يعون ألف تابوت من ار وی کل تابوت بون آلف عقرب من ار 
على كل تابو تٍسَبْعُونٌ ألف LT‏ 0 


مع كل قائد سبعون ألف ملك من نا وسبعون ألف تُعبان من نار طول كل ب بان سبعون 


ن2 


ألف ذراع من نَار, فی جوف کل تان بحر من السم الأمسُود, ولكل عقرب آلف ذب 


و لو م رع یی رر الل 2 چ 0206 


طول کل ذب عون ألف ذراعء في كل تب سَبْعونَ الف رطل من السم الأحْمَره فتفسق فبتقسی 
أحلف. ل والطور UF‏ وکتاب مسطور له في رق منشور له والبيت المعمور 
55 والسقف المرفوع ىه والبحر المسجور) [الطور لوا يبن آم ما حَلَقت 
EE‏ وتماې وعاق الوالديْن والكرائى؛ وَمَانع الزكَاة من مَاله؛ والزانى» 


وآکل الرباء وشارب الم وظَالم التب والأجير الغادر والنائحة. ولكل مؤذى الخیران 
إا من تاب وآمن 0 فأولتك 18 الله سيئاتهم حسنات وکان الله غفورا 


عو ر ر ر 


رحيما 4 [الفرقان: - ]. فَارْحَمُوا أنفسكم يا ادا قان الأبدان ضعيفة والسفر بعيد 
والخمل نُقيل» ا والتاقد بصي وَالقَاضى رب العَامينَ». ا 


| الموعظة الَامنة رالعشرون 


ل بو يع 


قول الله تَعَالق+ أيها الثاس كيف رخبم فى ليا فانبة زائلة وحياة منقطة؟ ان 
ر ار اس واه لم ت 
للطائعين الجنان يَدْخُلُونَ من أبْوابها الشّمَائة فى كل جه سَبْعُو نألف رَوْضَةَ کی کل 


وول جب 


روضة ون الت قفد اترتا ف كل تفر مرن الف دار م الرمردة فنك[ ا 


ولص عاج 


O 
الضاء فى كل مقصورة سبعون لف مائدة من الغبرء لی کل مان ونا ا‎ 


سوير اماع 2 لو سل عر ع ده SS‏ ا 


ل الا آلف 


E‏ مالم امي 


5-4 
2 


ا ل ري 


اك لمعم 


کل تهر سعون الف لون من القّمار فى كل بيت يدون الف ها ار 


ق ہے چ ص كه ع م له ران» على و 


كل فرآش حورا من احور العينء بين يدها مون ألف وصيفة كدأنينٍ e‏ 


ر 0 ا و 2 


رأ ولأ سمس ولط على لب شر وفاکھة تن ترون چ 3 ر 
مما يشتهون ل وحور عين UF‏ كأْمتَالٌ الأؤلؤ لؤ المكنون 4 ا بما کانوا 


کے اع سار عل سه ع ل عي 
. 0 


يعملون ‏ [الواقعة .1“ [Yé‏ .لا يموتون فيها ولا يههرمون» ولا يحزنون ولا يصومون؛ ولا 


ايك و ج واو 2 ا 
بضلون :2 لا بحر ضون: ولا لان ول طون لإ وما هم منها بمخرجين 4 االحجر: 4۸ 


فمن طلبها وذكر كرامتى» وجوارى ونعمتى» 2 إلى بالصدق, والاستهانة بالدنياء 


والقتاعة ت بالقليل . 


الموعظة التّاسعة والعشرون 
قول الله تَعَالَى : ابن ادما الال مال وآنت عبْدى» قَمَا لك من مالى إلا ما كلت 
فأكنيت» أو لست فأبليت» أو تصدقت فأبقیت. آنا وأنت ثلالة أقسام: فواحد ليء وواحد 
لك وواحل بَينى ويَبْنك؟ قأما الدى لى فَرَوحَك» وآما اذى لك عمك وأما اذى بني 
ريك فمنك الدعاء ومثى الإجابه. ابن آدم! تورع واقتع درو وافيدت تفي إلى 
واطْلبتى تَجَدنى. يان آدم! إا كنت مل الأمراء الذين دخلوا ألثار بالفجورء ولعب 
المضية والعلماء اليك وااو ا اة ة بالجهالة و الصتاع والعسباد بالرد ریا 


و ا عر ا و اد 


والأغنيّاء بالکبرء والفقرآء , بالكذبء فأين من ) يطلب الحنة؟). 


الموعظة الثّلاثون 
قول الله تَعالى: «طيا أيها لين آمنوا انوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأتتم 
مسلمون ) لآل E‏ يان آدم! إنما مل العم يلا عمل كمل البق والرعد بلا 
مَطرِ ومتلَ العَمَلٍ بلا علم كَمَثَلٍ شسجرة بلا مره وسل العالم بلا عمل كمل قوس بلا 


ام 
E‏ 
55 


“سو و ا 


حل مبجووعةريائل الإمام الفزالى ‏ سس سس سبحت ٦۱۹‏ = 


وتو تي وسل امال بلاً زكاة كَمَثل من يرع املح على الصقاء ومّل الموعظة عند الأحمق كَل 


ل پر ق 


0 ومثل القاسى . مع العلم كمثل حجر باقع. ومثل الموعظة عند من 
لا يرحب فيها كمكل امار عند القبور و الصدقة من الحرام كمشل من يغسل القَذَر على 
توبه ببولهء ومتل الصلاة # بلا زكاة كَمتَلٍ جئة بلاً روح ومثل العالم بلا توبة كمل البتاء بلا 


أساس» ك أفأشتوا مكر الله فلا يأمن مكر الله إلا القوم الْخَاسرون 4 لالأعراف؛ 4٤‏ 


الموعظة الحادية والتلائون 8 
يقولٍ الله تَعَالَى : «یابن آدم! بقدر ميلك إِلَى الدثيًا ومحبتى من قلبك» فى لا أجمع 


7 رو م عرس الس مه 


حب وحب الدنيا في فلب واحد ابد ابن ادم! | تورع تعر ذنى. وتجوع ترنی» وتجرد 


o .سا‎ 


لعبادتى تصل إلى وأخلص من أَلريّاء ي عملّك» البسلك محبتيء وتفرع لذكرى أذكرك عند 


ررم ر ا سے لس ر اا سر 


ملائكتى. يبن آدم ! ! فی قلبك غیر اه وترجو عبر ا إلى متی تقول اله تعالی وتخاف عبر 


لس ىس سا 


اله ولو عرفت حقا َا همك عير ا ولّم تخف إلا انه ولَم تمر لساك عن ذكرالله» فَإن 


00 ر لله ص صر مل ر 


الاستيصال ل عن الإصرار بتوبة الكاذبين. ين آدم! لبو قت من التار كما خفت من الفثر 
لأغتيتك من حبك لمحتس يان آدم! ولو ربت فى الكئة كَمَا تَرْضَب فى الدثياء 
لأسعدئك فى الدارين» ولو ذكرئمونى كما يَذَكر بعضكم بعْضاً بعْضًاً » لَسَلَمَت عَلَيْكم اللائكة 
بكرة وعشياء لوحتم عبّادتى كما تُحبُون الدنيا لأكرسُكُمْ كرامة المرسلين» فلا تملا 
تلوبكم بحب الدنياء فَرَوَالهَا قَريب». 


الوعظة الثانية والُلائون 
قول الله تَعَالَى : اصبرك على قليل من المعصية أيسر عليّك من صبْرك على كثير من 
عاب جهنم إن عذابها كان غرآما 4 [الفرقان: 10[ وَصَبرك علي قليل من الَطأعَة 


كير نے ا 


يعقبك راحة طويلة فيها نَعيم مقيم. يابن آد م! علَيْك بالئّقّه ما ضَمئت لَكَ قبل أن أطعم 


5 م ل سر سرس ار 


ا 
حسناد تك يوم الحسابء وَاعْمر فلك بذكر الآخرة. ليس لَك سكن غَيْر البْر. يابن آدم ! 


من اشتاق إلى الججنة سارع إلى اليرات» ومن خاف النار كف عن الشره ومن نهى نفسه عن 
الشهوات نال الدرجات العلّى. .ويا موسي بن عمران! إذا أَصَابتك مصيبة وآنت على غير 
طهَارة فلا تومن إلا سك يامو سى! الفقر من الحستات هو الوت الأكبر. ناموي امن 
َم شاور تدې » ومن استخار لا يندم». 


الوعظة الثالنةوالفلائون 
قول اله الى غ وجا من علب السمْعة مله كان كَمَن يلالا عَلَى ظَهْرِه 


سے ١١‏ لسع سسحت مجموعةرسائل الإمامالفرالى سد 


إلى الجبل» انُه لتب والتصب ولا يبل من عَمّله شىء؛ وكلَمَا انَحَد بالماء لا لين. ياين 
آدم ! اعم أن لم اقل من العمل إلا ما كان حالصا لوجهى قطوبى للمخلصين! يَابْن آدم! 


م 9م مويليه اله 


إا ريت الفقر مقلا ققل: رحبا بشعائر الما حين» وإذا رأيت الغتى مقب لا َل فقل: ذنوب 


سر کر و وھ د بك r‏ 


جلت عقوف وإذا ريت الضيف موس هناك فقل: أعود بلله من الشيطآن الرجيم. يابن 
آدم! امال لى؛ وَأنْتَ عبدىء والضيف رسولى» ؛ أمَا تحدى أن لبك : نعمتى؟ الرزق رزقى؛ 


رم هم لبي 0 


والشكر ك وتفعة عاد عك ألا تحمدنى على ما نَصَمت عَلَيِك؟ ابن آدم! تلث 
واجات عليك: زكاة مالك وصلَة رحمك مر عَائلّتك وَأضيّافك» َإِذَا لم تفعل ما 


ع ا ق ت ت سار 


أوجبته عليك. جعلتك تکالا للعالین. يان آدم! إذالّم رع حق جارك كما ترعی حق 
عيالك لم أنظر | اليك ولم أفبل عَملّك» وم أستجب لدعائك. يان آدم! لا تتكل علّى 


لسر مك م ”ةع هد الس ی ااج 


سَخَلُوقَ ملك فأنكلك إل ولا كبر على خلقى إن أولك من تطقة وإئى أخرجنتها من 


مخرج البولء لإ من بين الصلب والّرائب ‏ [الطارق: ¥[. ولا تنظ إلى ما حرمت عَليْك 
قان لود أو مايال مئك يتاه وام ك سحا سب علي الترة المح واذكر 


و 


مقامَك عدا بين دى نى لا أغفل عن سريرتك طَرَة عيْنِ؛ إنى عليم بذآت الصدور». 


الأوعظة الرابعة واللائون 
ول الله ع وه این آدم! اخدمنى» فَإنى حي 0 حخدمنى» وأستخدم لَه عبادی» 


عد ل حا ل سي ل لم 


انك لا تذری قَدر ما عصیتنی فیما مضی من عمرك ولا قدر ما تعصینی فیما بی منه؛ قلا 
3 تنس 3 كرىء تانق قعال كا أريد وَاعبلنى» قنك عبد ذَليل وآنا رب جليل: و أن إخواتك 


را وا ا ر ت ےر 


ومحبيك من نى آم وجدوا رائحة ذنوبك واطلعوا منك على ما عله منهاء تا اسوك 


ر م رو صر ر 


ولا اربوک ذکیف وھی فی کل یوم زائد ورك فی کل یوم فی فصان منذ ولّدتك 


ر س و ر ا 20 


امك ایا بن آدم! َس مَن الْكَسَر مركبه وعَاد على لَوْح من شب وَأحاطنه الأمواج فى 


البحر بأَعْظَم مُصيبة ملك کن من ذنوبك على وحين ومن عملك على خطر. یابن آدم! 
إنى أَنظَر لَك بالمَافيّة وأستر عَلَيِك ذنويك وأنا غنى عنك ونت إلى بالمساصي مع 


آله 


حاجتك إلى. ابن آدم! تداری إلى متی؟ نمر الذي وهي فَائَهٌ وتَحرب الآخرة وهى باقية. 


و ےر 


ابن ادم تداری حَلقی وتخافھم حَوْنًا من مقتهم. ياب آدم! لو أن أهل السموات والأرضص 


عر اع اع وس ق 


ك ا 


وا َو ر f‏ 2 


ا p~‏ غ 


الا وکیده ونمیمته وبغیه وحسده. ت ورال سر 
شاء فليؤمن ومن شاء فيكف ر4 ا 4 


ت 


کی مبجوموعةرسائلالإمامالفزالى سب سس سيب سس نه 11١‏ د 


الموعظة الخامسة والثُّلاثُون 
ا الله 7 وجل : الياين آدم ! نك أصبَحت بين نعْمَتَيْنِء لا تذرى أيهم أعظم 


ضدك أذئوبك المستورة عن الئاس أم لاء وحن عليّك ولو علم الاس با طلم ما 
تاغل كارا ذلك العَافية وتاك بم وحَاجَتهم ليك وكف أذَاه 55 
عظّم من وخا غيم وخا جوم )0 0 


فَاحْمَدنى واغرف قدر نعمتى عَلَيِك وأخلص عملك من الريّاءء ر 


کو صن سه سسالا مه 


الحائف واجعل خير تحت عرشي. TT‏ 


aos رورو تکل‎ E 


عمالکم تنکی من آبدانکم وآبدانکم تبکی من الست کې وا ا 


0 خَراتى لآ تنفد أبداء فبقدر ما تلفق أنفق عليك E LE:‏ مَك 
وإنما بخلك على الساكين بما رفك لسوء طك وحوفك افق وعدم قنك فى» ل 
جَعَلت أصل خلقتك الأهسمام بالرزق فَإذا امعت بالرزق ورزفقك فأنفق ولا تبخل 


ع ب ا ا 


برزقی على عبادی» فَقَدْ ضَمنْت لَك الف ووعد ك الجر فلم تشك فی کتابی؟ ! ومن 


عرس 2 ن ر 8 00 سال بور اه و لس ساس وهات هس س وار 


لم یصدق بوعدی» ومن لم بصدق بانییائی» َد جحد ربوبیتی» ومن جحد ريوييتى كَببته 
فى النار على وجهه)». 


الموعظّة السّادسَة تلانو ن 
قَال لله تعاّى: 'يَاين آدَم! أنَا لله لا إله إلا نا مَاعبدوتى واشكروا لى ولا تكفشرون. 


َك عه ل سه اس سل کي ص سم وي ال 


يابن آدم! ! من عادى لى وليّاء ققد بارزتى بالمحاربة. واشستد عضى على من ظَلَمِ من ليس لَه 


وراماك 7 بسع ايزا ررد يذ ري رم 


تاصرٌ غیوی؛ من رَضَى بَمَا قَسَمْت لَه بارکت لَه فى رزقف واه الستیا راغمة ون کان لا 
رند 


الوعظة السابعة رالثلائون 
يول الله عر وجل: اليا بن آدم! اح لع ل يات ا 
لغيرك. ابن آدَم! ا فف ولسانك حَفيف وم لك ار يان آدم! اتك الوت» 


e fo 


خاعمل له قبل أن بيك ياين ادم 1 لم أخلق عضو من أمصااق حلي طاق له ررق ياين 


آدم! و خَلَفْمَكَ أبَكم لتحسرت على اليِص ولو حَلَقْمكَ أصم لتحسوت عَلَى السَّمْع؛ 
اعرف قر نمی مایت وکر لی ولا فى للصير. يان آم ر ما سمت ك فلا 


ل ع ا“ 52 إن أكلت ررقي اي اتی" أبن م ل" 





حب و چ چ ڪا e‏ = 


رک ا اسای يو ا ا و ا ن . ابن e‏ 


و وق 


لتساك قبا ل نزول الت بك ولا تغرتك الخَطيئَة) إن على آنَرهًا السمّر ولا تلهك اليا 
وطُول الأملٍ عن الويف فنك ندم على تأخيرها حين لا بعك التدم يان آدم م! إِذَالم 


8 دم ست یا قو کر وی ی 


تخرج حَقَى من امال الذى رزقتك إياف ومتعت منه الفقراء» حقوقهم سلط عِلَيّك جبار 


بأخذه منك ولا ألييك عَلَيه. ابن آدم! إن ردت رحمتى مَالرمْ طاعتي» وإ حَشيت عذابى 


“el 2 


حدر من معصيتى. پان آم ! رضیت مَك بالعَمل القّيل» وآنت لا ترضى بالرزق الكثير. 
يابن آدم! إِذَا كسبت الال فَاذكر المْسَاب» و وإذاجلست على الطعام فاذكر اا ئ و وإ 


دعي تقك على المُدرة على الضعيف فاذكر قدرة لله عليه ولو لط a‏ 


بك لاء فامتعن بلا حول ولا قُوة إل بال الى المَظيمء وإذا مَرِضْت فَمَالج سك 
بالصدفة وإذا أصابتك مصيبة فقل: إتا له وإنا لَه رأجعون». 


الموعظةٌ العَامنة اللاو ن 
قول الله عر وجل : | اياي نآد م! افْعلَ الخَيرء فَإنْهِ مساح الجئة ويَقُود ليها واجتتب 


الشر فاه متاح التار n‏ يان آذ م! اعَلَم أن ؛ألذى تبْديه للْحَرَابَ؛ وأن عسركك 
للخراب وَجَسَدَك للتراب» وما جمعته للورة ؛ فالنعيم لغيّر ك والساب عليّك والعقاب 


ك والند» والصاحب َك فى القَبْر الَعَمَلَ) فَحَاسبَ نَفْسَك قبل أن تحاسب والرَم 


طَاعِتى» واخذر مَعْصِيتَى» وارْض بما بتك وكن من الششاكرين. يابن آدم! من أذنب ذا 


وهو ضّاحك» أَدْخَلنَهُ الثار وهو بك وَمَنْ جَلْس بآكبًا من خشيتى أدخلته الجنة وهو 


واخرع امك اد يو ا 2 ےرک ر ۴ 


ضاحك. ابن آدم! | كم من غَنى يتم افر يوم حسابه» وم من جبار أده اموت وکم من 


- 2< مجع مور ع لدت e‏ و ر 


حلو مره اموت وکم من رور بنعمته کدرها عله الوت وكم من فرحة اورت حرتا 


ت ان مين اح عت ا جم 


ريد ابن آم! لو تلم البهائم 0 اا 


> سر ص ع عه 


عدا بالل وار بهار ديف وما بده شد م باين آدم! اجعل سره وراك بما ل 
من العم في آخرتك» وليكن فك على ما فاك منوا حيرات وما آتيك من ذَنْيَالة فلا 


0 


تقرح به» وما فاتك منها فلا تأس عليه. يابن آدم ! من اترات حافك إلى الثراب أعيدك 
ر 
ومن الترآب أبعثك ؛ فود الدنيا وتهيّأ للموتء واعلم , أنى إذا أحبيت عبدا زويت عنْه الدنيا 


واستعم ستعملنه للآخرة» وأريته وت ؛ الدنيا فيحْذْرَهَاء ويَعمّل بعمل الجن ْله الجن ر 


ر ا وک ر ت 


وإذا بقضت عدا أشغلته على ب بالدنا واستعملته بعملهاء دک من اهَل آلتار ادحل الثار. 


جح مجموعة رسائل الإمامالفزالی سبحب ٦۲۳‏ = 
ماده ور قر ق و 


َابْنَآدم! كل عمْر فَان ون طَال والدنيًا كقَئاء الظلآل» 1 يَمكْت) قَليلا نم يحب قَلايعُود 
إليك. . يابن آدم! آنا الذي خلقتك, وأا الذى ررَفتك» وأا الذى أحييتك» وأا اذى أميتك 
وأا اى أبعثك؛ ونا اذى أحاسبك؛ قان عملت شرا رآيته: مح أنك لا تملك لتقسك ضرا 


ی 


ولا فعا ولا موتا ولا اة ولا نشورا. بان آدم! اطعنی واخدمنی ولا تهتم بالرزق فَقَد 


كفتك أَمْره ولا تحمل م م شىء قد كفسيته. .ابن آدم! كيف تحمل أمرَ شىء لم يقدَرْ لك 
ولم ندرک كما نك لم تأخذ واب عمل لم تَعْمله. ابن آدم! من کان سَبيله ا موت فَكَيْف 


ج و ما و ي يو خو 


يفرح بالّانيا؟ ومن كان به القبر ميف يسر فى بيه في دارالدنیا؟ باب ن آدم! رزق قليل 


ا ا 


وات شاکر حبر من كثير [وآَنْت| غير شاكر. ياين آدم ! حير مالك ما قدمته وشر مالك ما 


لَه فى الدنياء قم لسك حيرا جد عندى قبل أن بأد الموت. يبن آدم ! !من كان 
مَهُمومًا. نأنا الذى فر حت همه : ومن كأن مستقفراء فا الذى أغفر له ومن کان تائاء فَأنَا 


اذى نهت ومن کان عارياء, تاتا الذی سوت کان خائمًا. فاا اذى أمن حوفي ومن 


رتم حورو 
کان جائعاء انا اذى أشبعه» وإذا کان عبدى على طاعتى وأرضى أمرى؛ يسرت لَه أمره 
د صمو اولظ اع لم و ق ورور و 0010 


وشددت أزره: وشرحت صدره. باموسى! من استغتي بأموال الفقراء وَالِيََامى أفقرته فى 
گە ع مار سكاس سم & وق 


الدنيا وعذبته فى الآخرة, ومن تجبر على الفقراء والضعقاء اقبت پتاءه الراب وآسکننه 
النار إن هذا لفي الصّحف الأولئ 22> صحف إبراهيم ومُوسئ 4 [الأعلى: 1١195354‏ . 


طم رر 
قانون التأويل 

الحمد الله رب العالمين» والصلاة والسلام على سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين» 
وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد: فقد سئل الإمام الزاهد أبو .حامد محمد بن محمد [بن 
محمد] الغزالى الطوسى رحمة الله عن بيان معنى قول رسول الله عَلِلهِ : «إن الشيطان 
يجرى من أحدكم مجرى الدم». هل هو ممازجة كالماء بالماء. أم هو مثل الإحاطة بالعود؟ 
وهل هو مباشرته للقلوب بتخايل من خارج تنقلها القلوب إلى الحواس فتثبت فيها فيكون 
منها الوسواس» أم يباشر جوهره جوهر القلوب؟ وهل يمكن جمع بين ما رسمته النبوة من 
هذا الوصف». ومثله فى ترائى الجن لبنى آدم فى صور الحيوانات» وفى أشكال سواها 
مختلفة» كترائى الملاتكة عليهم الصلاة والسلام للأنبياء فى صور بنى آدم؟ آم صورتهم على 
تلك الأمثلة فينكشف الغطاء عنها لمن قدر له رؤيتهاء ثم يحدث فيها كثافة جسمانية كما 
أحدث فى الملائكة؟ 

وهل من سبيل إلى الجمع بين هذا القول من الشرع فى الجن والشياطين» وبين قول 
الفلاسفة إنها أمثلة وعبارة عن الأخلاط الأربعة التى فى داخل, الأجسام لتدبيرهاء أم لا؟ 


سے ٤‏ حت وجموعة رسائل الإمامالفزالى د 


وما يظهر من المصروعين هل هو كلام الجنى الذى يصرعهء أم هو لان المصروع 
ببرسام يعتريه من شلة ما يتاله مته؟ 

وكيف إتسارهم بالغوائب التى غى القوى ولم تخرج بعد إلى القعل؟ والطبيعيون 
يقولون فى ذلك عا تعلمه من ثورات خلط السوداء وغلبته فيكون عته ذلك ويسمونهم بخلط 
الريح» وهل ببتهما علة جامعة أم لا؟ 

وكيف الئل الذى أخبر به النبى عله فى إدبار الشيطان عند الأذان وله حصاص؛ هل 
أريد بذلك الل كما تقول العرب: مضرط الحجارةء وقلان يحدث من الشدةء أم يتصور 
فى ذلك الوقت جسم يكون عته الحصاص؟ قإت الشيطان بسيط على علمه لا يتغذىء 
فكيف يكون منه ما يكون من التغذى؟ وكيف يكبون أيضا الروث والعظم لهم غذاء وقد 
يكون بالشم» والبسيط لا تصح فيه الحواس المركبة؟ 

وكيف بيكون الحقيقة فى البرزخ؟ وهل أهله من قبيل أهل الجنة» أم من قبيل أهل النار؟ 
فليس هتاك متزلة تتصور إلا فى الحنة والتارء وإن قيل إنه الفصل المشترك للعبر عنه بالسور 
الذى له باب ياطته فيه الرحمة وظاهرء من قبله العذاب هل هو صحيحء أم هو غيره؟ 

ومن المستوجب اللبرزخ؟ فإن من رجع ميزانه صار إلى الجتة .ومن حف ميزانه صار 
إلى النار» ومن استوى ميزانه كان فى المشيئة. فهل هو عبارة عن التوقيف إلى أن تنفذ له 
الكرامة» أو غلبته الشتقاوة؟ 

والملائكة هل هم من المنعمين مع بنى آدم فى الجحنة آم قى غيرها؟ وهل هم المعبر 
عنهم بالولدان أم الولدان صنف رابع غير الملائكة» وبنى آدم والجن والحور العين نوع 
خامس» أم كيف همء وما صفتهم؟ 

وقد أفصح الكتاب أن عرض الجنة كعرض السماء والأرض» وفى هذا أيضًا ما 
يحتاج إلى النظر .أن يكون السماء للها وعاء وظرف» ويزيد عرضها على عرضها. 

وحوض رسول الله عه هل هو الفوز فى أرض للوق آم فى الجنة؟ والذى يظهر 
من الحديث أن هن سبق أله الفوز من النار شرب منه فى شدائد الموقف غبل الفقصل» وقبل 
الشفاعة؟ وهل ماؤه من الجنة أو غيرها؟ ولا يصح أن يكو من غيرها لقوله عله : من 
شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبد)» وهل يكون شىء من الجنة فى الأارض؟ وهل للمسميع 
الأنبياء عليهم السلام حياضء أم هو من خصائص نبينا عليه السلام مع الشفاعة؟ 

فلينعم بالجواب المشروح عن هذه الأسئلة بطريق اللاستيفاءء مثأبًا متطؤلا إن شاء الله 
تعالى: 

فقال مجيبًا عنها: 

أسئلة أكره الخوض فيها والجواب؛. لآسباب عدةء لكن إذا تكررت المراجعة أذكر 
قانونًا كليا ينتفع به فى هذا النمط وأقول: 


کے مجموعة رسائلالامام الفزالی ٦١ kk‏ = 


بين المعقول والمنقول تصادم فى أول النظر وظاهر الفكر؛ والخائضون فيه تحزبوا إلى 
مفرط بتجريد النظر إلى المنقول» وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول» وإلى متوسط طمع 
فى الجمع والتلفيى.: 

' والمتوسطون انقسموا إلى من جعل المعقول أصلاً» واللمتقول تابعاء فلم تشتد عنايتهم 

بالبحث عنهء وإلى من جعل المثقول أصلاًء والمعقول تابعاء فلم تشتد عنايتهم بالبحث عنه» 
وإلى من جعل كل واحد أصلاً ويسعى فى التألف والتوفيق بينهما. فهم إذن خمس فرق: 

الفرقة الأولى: هم الذين جردوا النظر إلى المنقول»ء وهم الواقفون على المنزل الأول 
من منازل الطريق القانعون بما سبق إلى أفهامهم من ظاهر المسموع؛ فهؤلاء صدقوا بجا جاء 
به النقل تفصيلاً وتأصيلاً» وإذا شوفهوا بإظهار تناقض فى ظاهر المنقول وكلفوا تأويلاً 
امتنعوا وقالوا: إن الله قادر على كل شئ. فإذا قيل لهم مثلاً: كيف يرى شخص الشيطان 
فى حالة واحدة فى مكانين. وعلى صورتين مختلفتين؟ قالوا: إن ذلك ليس عجبًا فى قدرة 
الله فإن الله قادر على كل شئ. وربما لم يتحاشوا أن يقولوا: إن كون الشخص الواحد فى 
مكانين فى حالة واحدة مقدور لله تعالى. 

والفرقة الثانية: تباعدوا عن هؤلاء إلى الطرف الأقصى المقابل لهم» وجردوا النظر 
إلى المعقول» ولم يكترثوا بالنقل» فإن سمعوا فى الشرع ما يوافقهم قبلوه» وإن سمعوا ما 
يخالف عقولهم زعموا أن ذلك صوره الأنبياء» وأنه يجب عليهم النزول إلى حد العوام» 
وربما يحتاج أن يذكر الشئ على خلاف ما هو عليه. فكل ما لم يوافق عقولهم حملوه على 
هذا المحمل. فهؤلاء غلوا فى المعقول حتى كفرواء إذ نسبوا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام 
إلى الكذب لأجل المصلحة . 

ولا خلاف بين الأمة أن من جوز ذلك على الأنبياء صلوات الله عليهم ييجب حر 
رقبته. وأما الأولون فإنهم قصروا طلبًا للسلامة من خطر التأويل والبحث؛» فنزلوا بساحة 
الجهل» واطمأنوا بها. إلا أن حال هؤلاء أقرب من حال أولئك» فإن تخلص هؤلاء عن 
المضايق بقولهم: إن الله على كل شىء قديرء ونحن لا نقف على كنه عجائب أمر الله ؛ 
ومخلص أولئك بأن قالوا: إن النبى إنما ذكر ما ذكره على خلاف ما علمه للمصلحة. ولا 
يخفى ما بين المخلصين من الفرق فى الخطر والسلامة. 

والفرقة الثالثة: جعلوا المعقول أصلاًء فطال بحثهم عنه وضعف عنايتهم بالمنقول: 
فلم تجتمع عندهم الظواهر المتعارضة المتصادمة فى بادئ الرأى» وأول الفكر المخالفة 
للمعقول» فلم يقعوا فى غمرة الإشكال؛ لكن ما سمعوه من الظواهر المخالفة للمعقول 
جحدوه وأنكروه وكذبوا راويه» إلا ما يتواتر عندهم كالقرآنء أو ما قرب تأويله من ألفاظ 
الحديث؛ وما شق عليهم تأويله جحدوه حذرًا من الإبعاد فى التأويل» فرأوا التوقف عن 
القبول أولى من الإيعاد فى التأويل. ولا يخفى ما فى هذا الرأى من الخطر فى رد 
الأحاديث الصحيحة المنقولة عن الثقات الذين بهم وصل الشرع إلينا. 


کک ٦١‏ سلللسعسسس٠٠سشست‏ مجموعه رسائل الإمام الفزالى سد 


والفرقة الرابعة: جعلوا النقول أصلاء وطالت ممارستهم له فاجتمع عندهم الظواهر 
الكثيرة» وتطرفوا من المعقول ولم يغوصوا فيه» فظهر لهم التصدم بين المنقول والظواهر فى 
بعض أطراف المعقولات. ولكن لا لم يكثر خوضهم فى المعاتول» ولم يغوصوا فيه؛ لم يتبين 
عندهم المحالات العقلية؛ لأن المحالات بعضها يدرك بدقيق النظر وطويله الذى ينبنى على 
مقدمات كثيرة #تنوالية» ثم انضاف إليه أمر آخر وهو: أن كل ما لم يعم استحالته حكموا 
بإمكانه . ولم يعلموا الأقسام ثلاثة: قسم على استحالته بالدليل» وقسم علم إمكانه بالدليل» 
وقسم لم يعلم استحالته ولا إمكانه. وهذا القسم الثالث جرت عادتهم بالحكم بإمكانه؛ إذ لم 
يظهر لهم استحالته؛ وهذا خطأء كمن يحكم باستحالته إذا لم يظهر إمكانه؛ بل من الأقسام ما 
لم يعلم إمكانه ولا استحالتهء إما لأنه موقف العقل وليس فى القوة البشرية الإحاطة به؛ وإما 
لقصور هذا الناظر خاصة وعدم عثوره على دليله بنفسه وفقده لمن ينبهه عليه . 

ومثال الأول من حس البصر: قصور الحس البصرى عن أن يعرف عدد الكواكب أنه 
زوج أو فردء وأن يدرك عظم الكواكب مع بعدها على ما هى عليه. 

ومثال الشانى؛ وهو القصور الخاص: قصور حس بعض الناس عن أن يدرك منازل 
القمرء وظهور أربع عشرة منها فى كل حال» وخفاء أربع عشرة مقابل درج المنازل فى 
الغروب والشروق» وغير ذلك غا وقف عليه بعض الناس بحس البصر دون بعض . كذلك 
يتطرق إلى إدراك العقل مثل هذا النوع من التفاوت. 

وهؤلاء لما قل خوضهم فى المعقولات لم يكثر عندهم المحالات» فكفوا مؤونة عظيمة 
فى أكثر التأويلات» إذ لم يتبهوا للحاجة إلى التأويل كالذى لم يظهر له أن كون الله بجهة. 
محال إذ استغنى عن تأويل الفوق والاستواء وكل ما يشير إلى الجهة . 

والفرقة الخامسة: هى الفرقة المتوسطة الجامعة بين البحث عن المعقول والمنقول» 
الجاعلة كل واحد منهما أصلاً مهمّاء المنكرة لتعارض العقل والشرع وكونه حقنًا؛ ومن 
كذب العقل فقد كذب الشرعء إذ بالعقل عرف صدق الشرع؛ ولولا صدق دليل العقل ا 
عرفنا الفرق بين النبى والمتنبى» والصادق والكاذب؛ وكيف يكذب العقل بالشرع» وما ثبت 
الشرع إلا بالعقل. 

وهؤلاء هم الفرقة المحقة. وقد نهجوا منهجًا قومًا؛ إلا أنهم ارتقوا مرتقى صعبّاء وطلبوا 
مطليًا عظيماء وسلكوا سبيلاً شافًا؛ فلقد تشوفوا إلى مطمع ما أعصاه» وانتهجوا مسلكًا ما 
أوعره. ولعمرى إن ذلك سهل يسير فى بعض الأمور» ولكن شاق عسير فى الأكثر. 

نعم» من طالت ممارسته للعلوم» وكثر خوضه فيهاء يقدر على التلفيق بين المعقول 
والمنقول فى الأكثر بتأويلات قريبة» ويبقى لا محالة عليه موضعان: موضع يضطر فيه 


إلى تأويلات بعيدة تكاد تنبو الأفهام عنهاء وموضع آخر لا يتبين له فيه وجه التأويل 
أصلاًء فيكون ذلك مشكلاً عليه من جنس الحروف المذكورة فى أول السور إذا لم يصح 
فيها معنى بالنقل. ومن ظن أنه سلم عن هذين الأمرين فهو إما لقصوره فى المعقول 
وتباعده عن معرفة المحالات النظرية» فيرى ما لا يعرف استحالته ممكنًا؛ وإما لقصوره 
عن مطالعة الأخيار ليجتمع له من مفرداتها ما يكثر مباينتها للمعقول. فالذى أوصيه به 
ثلاثة أمور: 

أحدها: EE EOE‏ ا 
فإن ذلك فى غير مطمع› ولك وة مال : وما أوتيتم من العلم إلذّ قليلا 4 [الإسراء: ه 

ولا ينبغى أن يستعيد استتار بعض هذه الأمور على ا شلام 
الكوسطين. وليعلم أن العالم الذى يدعى الاطلاع على مراد النبى 9 َه فى جميع ذلك 
فدعواه لقصور عقله لا لوفوره. 

والوصية الثانية: أن لا يكذب برهان العقل أصلاًء فإن العقل لا يكذب» ولو كذب 
العقل فلعله كذب فى إثبات الشرع» إذ به عرفنا الشرع. فكيف يعرف صدق الشاهد بتزكية 
المزكى الكاذب» والشرع شاهد بالتفاصيل» والعقل مزكى الشرع؟ 

وإذا لم يكن بد من تصديق العقل لم يمكنك أن تتمارى فى نفى الجهة عن الله ونفى 
الصورة. وإذا فيل لك «إن الأعمال توزن» علمت أن الأعمال عرض لا يوزن فلا بد من تأويل. 
وإذا سمعت «أن الموت يؤتى به فى صورة كبش أملح فيذبح» عامت آنه مؤول؛ إذ اموت عرض 
لايؤتى بهء إذ الإتيان انتقال ولا يجوز على العرض . ولا يكون له صورة كصورة كبش أملح؛ إذ 
الأعراض لا تنقلب أجسامًا. ولا يذبح الموت؛؟ إذ الذبح فصل الرقبة عن البدن» والموت ماله رقبة 
ولا بدن؛ فإنه عرض أو عدم عند من يرى أنه عدم الحياة. فإدًا لا بد من التأويل . 

والوصية الثالثة: أن يكف عن تعيين التأويل عند تعارض الاحتمالات» فإن الحكم 
على مراد الله سبحانه» ومراد رسول عله بالظن والتخمين خطرء فإما تعلم مراد المتكلم 
بإظهار مراده» فإذا لم يظهر فمن أين تعلم مراده إلا أن تنحصر وجوه الاحتمالات ويبطل 
ا لجميع إلا واحدا فيتعين الواحد بالبرهان. 

ولكن وجوه الاحتمالات فى كلام العرب وطرق التوسع فيها كثير» فمتى ينحصر 
ذلك فالتوقف فى التأويل أسلم؛ مثاله: إذا بان لك أن الأعمال لا توزن» وورد الحديث 
بوزن الأعمال. ومعك لفظ الوزنء ولفظ العمل» وأمكن أن المجاز لفظ العمل. وقد كنى 
به عن صحيفة العمل التى هى محله حتى توزن صحائف الأعمال» واحتمل أن يكون 
المجاز هو لفظ الوزنء وقد كنى به عن ثمرته وهو تعريف مقدار العمل إذ هو قائدة الوزن» 


جد www ٦۲۸‏ سس ع7 «جموعةرسائل الإمامالفزالى کس 


والوزن والكيل أحد طرق التعريف؛ فحكمك الآن بأت المؤول لفظ العمل دون الوزن» أو 
الوزن دون العملء من غير استرواح فيه إلى عقل أو نقل حكم على الله مراده بالتخمين. 

والتخمين والظن جهل» وقد رخص فيه لضرورة العبادات والأعمال والتعبدات التى 
تدرك بالاجتهاد. وما لا يرتبط به عمل إنما هو من قبيل العلوم المجردة والاعتقادات. فمن 
أين يتجاسر فيها على الحكم بالظن؟ وأكثر ما قبل فى التأويلات ظنون وتخمينات» والعقل 
فيه بين أن يحكم بالظن» وبين أن يقول: أعلم أن ظاهره غير مراد؛ إذ فيه تكذيب للعقل» 
وأما عين المراد فلا أدرّى ولا حاجة إلى أن أدرى؛ إذ لا يتعلق به عمل ولا سسيل فيه إلى 
حقيقة الكشف واليقين؛ ولست أرى أن أحكم بالتخمين. ا 

وهذا أصوب وأسلم عند كل عاقل» وأقرب إلى الأمن فى القيامة؛ إذ لا يبعد أن 
يسأل فى القيامة ويطالب ويقال: حكمت علينا بالظن» ولا يقال له لم لم تستنبط مرادنا 
الخفى الغامض الذى لم يؤمر فيه بعمل؟ وليس عليك فيه من الاعتقاد إلا الإيمان المطلق» 
والتصديق المجمل» وهو أن تقول: ل آمتا به كل من عند ربّنا » (آل عمران: ۷]. 

فهذه المطالبة فى القيامة بعيدة» وإن كانت فالجواب عنها أسهل؛ ولأجله قال الإمام 
مالك ينع لما سكل عن الاستواء: «الاستواء معلومء والكيف غير معقول والإيمان به 
واجب» والسؤال عنه بدعة». 

وبهذه الوصايا يستبين عذرى فى كراهيتى للجواب عن مثل هذه الأسئلة؛ لكن مع 
هذا أوثو تصاعدتة فق يعضن: ما أورده قافول 

أما قوله عَيْهُ : إن الشَبْطَانَ يَجْرى من ابن آدمَ مَجْرَى الدم» فإشارة إلى سريان أثره 
فى جميع باطن الإنسان كما تجرى أجزاء الدم وتسرى فى جميع باطنه» وليس المراد أن 
جسمه يمازج الإنان ممازجة الماء للماء؛؟ وهذا قول عن تحقيق يطول شرح مقدماته وأدلتها 
عقلية. وأما كيفية مباشرته للقلوب فليس بتخايل يظهره الحس»: فإنى أصادف الوساوس فى 
قلق :ولت اتقيل شيعا ولا أشناهده يعني عدد الختلاح الوساومن .. وهذا الك مقدمات 
دليله أكثرها حسية» بل الوسواس من الشيطان كالإلهام من الملك. ونحن نصادف فى قلوبنا 
خواطر مختلفة» إذ يدعو بعضها إلى اتباع الهوىء وبعضها إلى مخالنفته؛ وهذه خواطر 
مختلفة بدليل اخحتلاف مقتضياتها. وهى مفترقة إلى أسباب لأنها حادثة» والمختلفات أسبابها 
مختلفة» فسمى الشرع السيب الذى يحصل منه إلهام ملكا والذى منه يحصل الوسواس 
شيطانًا. والإلهام عبارة عن الخاطر الباعث على الخيرء والوسواس عبارة عن الباعث عن 
الشرء والملك والشيطان عبارة عن أسبابهما. وكما أن النار يستنير بها جوانب البيت ويسود 
بها أيضًا سقفهء فنعلم أن النور يخالط السوادء ونعلم أن سببه مخالط لسببهء وأن سبب 


النور ضوء النار» وسبب السواد دخانه. فبذلك يعلم أن سبب الوسواس غير سبب الإلهام؛ 
نعم» يبقى النظر فى أن ذلك السبب عرض أو جوهر قائم بنفسه؛ وقد ظهر أنه ليس 
بعرض بل هو جوهرء فبقى النظر فى أنه حى أو ليس بحىء وظهر أيضًا أنه حى بأدلة 
شرعية» وللعقل أيضًا فيه مدخل ما. 

فأما قول إلفلاسفة والطبيعيين إنه الأخلاط فهو جهل محضء. لأن تأثير الأخلاط لا 
يعدو مقتضى الطبائع الأربع من الحرارة» والبرودة» والرطوبة؛ واليبوسة. والخواطرء 
والاعتقادات» والعلوم لا يجوز إن تكون من آثار الطبائع التى هى أعراض جمادات» بل 
هى نازلة من فوق الأرضيات بالرتبة؛ فينتج أنه جوهر غير متحيز» أو هو جسم متحيزء 
ويمنع أن يوجد غيره بحيث هو لطيف كالهواءء وكثيف كجسم آخر. وهذا النظر فى الملك 
والجن» والشيطان؛ فذهبت طائفة إلى أن كل ما هو قائم بنفسه جسمء ووصفوا به الخالق» 
تعالى الله عن قولهم» إذ لم يعقلوا إلا جسمًا. 

وقالت طائفة: كل قائم بنفسه جسم إلا الله تعالىء وأحالوا أن يكون فى الوجود 
سواه جوهر قائم بنفسه لا يتخيل . 

وقال قوم: إن الملك والجن والشيطانء كل هؤلاء جواهر حسية قائمة بنفسها وليست 
بأجسام ولا متحركات؛ وإنما استعمال النزول والانتقال والمجئ والذهاب عليها استعارة كما 
فى حق اللّه؛ بل ثار هذا الخلاف بينهم-أيضًا فى الجوهر العالم المدرك من الإنسان» فقال 
قوم: هو جزء لا يتجزأ ولا يتحيز. فلا هو داخل البدن. ولا هو خارجهء ولا هو متصل› 
ولا هو منفصل؛ بل لا يجوز عليه هذه الصفات. ولست أذكر ما اتكشف لى فيهء فإن 
الصورة المجملة لا تفيد كشمًا بل تقليدًا؛ ولست بالتقليد أولى من غيرى؛ ولا منفعة فى 
التقليد فى المعقولات. وأما كشفه ففيه طول» ولو لم يطل أيضًا لكان الاقتداء برسول الله 
َه فى الكف عن ذكره أولى» وأنه لم يذكر سر الروح وهذا بحث عنهء فلا ينبغى أن يزاد 
عليه فى الإيضاح . 

وأما ما شاهذه الأنبياء والأولياء من صورة الملائكة. والشياطين فهى فى الأكثر أمثلة 
تنافى معانيها وتقوم مقام مشاهدة عين المعانى» كما يرى الأنبياء فى المنام ويستفاد منهم؛ 
وإنما المشاهد فى المنام مثلهمء فأما أشخاصهم فلم تنتقل عن مواضعهم». فذكرت تفصيل 
ذلك فى كتاب «عجائب القلب». وكذلك القول فى الجن؛ ولذلك ترى صورًا مختلفة» إذ 
ايلات لا تتحضر وجؤهها» كما أن هن يرى الى عه لا يراة:على ضؤزة واحدة. :إلا 
أن هذه التمثيلات تكون للأنبياء والأولياء فى اليقظة» ولغيرهم تكون فى المنام فقط. وفى 
الصحيح أن النبى عَكِلهُ لم ير جبريل على صورته إلا مرتين مع كثرة رؤيته له فى كل حين. 


وأما الكلام المسموع من اللصروع فهو كلامه, وقوله القائل تكلم الجنى بلساته كلام 
غير معقول. نعم» الجن سبب لوقوع خواطر وتثيلات وخيالات فى قلبه» تنبعث بسببه 
داعية الكلام والحركة؛ وكلامه مشل كلام النائم » والنائم هو المتكلم لا غيره . وأما إخبار 
المصروع بالغيب فسببه أن جميع ما كان وما يكون مسطور ثابت فى شىء خلقه الله تارة 
يسمى لوحًاء وتارة إمامّاء وتارة كتابّاء كما قال الله تعالى :ف في كتاب مبين 4 [ الأنعام: 
8 يوسن 513 هوه 3 امل ۷6 متب 1 #في إمام مبين 4 يس : 1]. وثبوت 
الأشياء فيه كثبوت اه الحافظ للقرآن. وليس مثل الرقوم المكتوبة المرتبة فى 
جسم متناه؛ لأن غير المتناهى لا يكن أن يكتب فى التناهى كهذه الكتب الظاهرة. والقلب 
مثل مرآة» واللوح مثل مرآة» ولكن بينهما حجاب» فإذا ارتفع تراءى فى القلب الصور التى 
فى اللوح. والحجاب هو الشاغل » والقلب فى الدنيا مشغول» وأكثر اشتغاله التفكر فيما 
يورده الحس عليه ؛ فإنه من الحواس فى شغل دائم. فإذا ركادت الحواس بالنوم أو الصرع› 
ولم يكن من فساد الأخلاط شاغل آخر فى الباطن» ربما يرى القلب بعض تلك الصور 
المكتوبة فى اللوح؛ وتحقيق هذا يطول وقد أشرت إلى مالامح منه فى كتاب «عجائب 
القلب» . وكذلك ما يظهر عند سكرات الموت حتى ينكشف للإنسان موضعه من الحنة 
فيكون بشرىء أو من الثار والعياذ بالله فيكون نذيرًا؛ لأن انواس تركد فى مقدمات الموت 
قبل زهوق الروح. 
عندى فى تفصيل المراد به تحقيق؛ بل بعض ذلك مما أوصى بالكف فيه عن التأويل» 
وبعضه مدركه النقل المحض» وبضاعتى فى علم الحديث مزجاة» فموضع الحوض لا 
يعرف إلا بمجرد النقل فليرجع فيه إلى الأحاديث. والبرزخ يمكن أن يكون المراد به مرتبة 
بين الحنة والنار لمن لجعسدت له حسنة ولا سيكئة » كالمجنون» والذى لم تبلغه الدعوة. 
والحكم بأن المراد إحداهما دون الأخرى تخمين إلا أن يدل عليه النقل» والله سبحانه 
وتعالى أعلم بالصواب. 


يح مجموعةرسائل الإمامالفزالى 


الفهرس 


الملوضوع 





E O SR E aa Re o ونه ها وداه الها دق اهمه كيه و قد‎ OR Ea SAE نس هط‎ ê 


سام سد عه م وام هد ع وام ».د وا قد هد عد .دا فده فد قاع .عدم قد .د وا مد .د رامد ود فد قاد .د .د هد 06م 


هالعا ها ها وقاقد.د هد ود و .ا وام فى اه قاقد يداه عاقاهد قد ود .د م فاو ه.ا .د .امد عدا .دا رامد .ا .د م.م 


> 


A1٦1 
11۲ 
EY 


۳1۹ 


۳۸1 
للحن 
وه 


CV 


1۲ 


کے =m ۳١‏ مجموعة رسائل الإمام‌الفزالی س 


اموضوع الصفحة 
سر العالمين وكشف ما فى الدارين VA. Saleen‏ 
الدرة الفاخرة فى كشف علوم الآخرة EAS 0 A Se‏ 
المنقذ من الضلال VN BRS RMSE eae mS SEA AR AS‏ 
المواعظ فى الأحاديث القدسية A SEERA es‏ 
قانون التأويل I Seba RSet a‏ 
الفهرس و متب ES SA EES RSD As SS‏ 





أمام الباب الأخضر - سيدنا الحسين 
SATE’ A \ cf‏